محاكمة يسوع
- ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه فأوثقوه ومضوا به الى بيلاطس البنطي الوالي,
فوقف يسوع امام الوالي فسأله الوالي قائلاً أأنت ملك اليهود,
فقال له يسوع انت تقول. (متّى27/11)
في هذه الواقعة تتفق الأناجيل الأخرى مع متى سواء في وقت أخذ يسوع أو فيمن أخذه أو فيمن استقبلهم لأخذه كما ذكر مرقس:
- وللوقت في الصباح تشاور رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة والمجمع كله فأوثقوه ومضوا به وأسلموه إلى بيلاطس. (مرقس15/1)
- فقام جمهورهم وجاءوا به إلى بيلاطس. (لوقا23/1)
- ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية, وكان صبح, ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح. (يوحنا18/28)
سبب المحاكمة
تختلف الأناجيل في السبب الذي من أجله قام اليهود بتسليم يسوع لبيلاطس, فكما نقرأ في النصين التاليين فإن متّى ومرقس لم يذكرا أي شيء عن السبب:
- وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء,
فقال له بيلاطس أما تسمع كم يشهدون عليك,
فلم يجبه ولا عن كلمة واحدة حتى تعجب الوالي جداً. (متّى27/12-14)
- وكان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيراً,
فسأله بيلاطس أيضاً أما تجيب بشيء انظر كم يشهدون عليك,
فلم يجب يسوع أيضاً بشيء حتى تعجب بيلاطس.(مرقس15/3-5)
فمتّى ومرقس لم يذكرا سوى أن رؤساء الكهنة والشيوخ كانوا يشتكون عليه, ولكنهما لم يذكرا لنا ما هي هذه الشكاوى!
وأما لوقا فذكر سبب الشكوى عليه فقال:
- وابتدأوا يشتكون عليه قائلين اننا وجدنا هذا يفسد الأُمة ويمنع ان تعطى جزية لقيصر قائلاً انه مسيح ملك,
فسأله بيلاطس قائلاً أنت ملك اليهود,
فأجابه وقال له أنت تقول. (لوقا23/2-3)
ولكن هذا السبب للشكوى ليس مقنعاً لبيلاطس فقط, الذي تجاهله كما سيظهر بعد قليل, بل هو كذلك ليس مقنعاً ليوحنا إذ كتب في إنجيله وهو آخر الأناجيل تدويناً كما هو معروف:
- فخرج بيلاطس اليهم وقال أية شكاية تقدمون على هذا الانسان,
أجابوا وقالوا له لو لم يكن فاعل شرّ لما كنا قد سلمناه اليك. (يوحنا18/29-30)
فقول لوقا ان اليهود قالوا إن يسوع يُفسد الأُمة ويمنع أن تعطى الجزية لقيصر وأنه مسيح ملك خطأ لعدة أسباب:
الأول ان يسوع كان يدفع الجزية للرومان.
الثاني انه كان يأمر تلاميذه بطاعة قيصر ودفع الجزية كما في قوله أعطوا ما لقيصر لقيصر.
الثالث انه لم يكن يُعلن عن صفته كمسيح, لا بل انه كان يوصي الشياطين الذين أخرجهم من بعض الناس أن لا يظهروا صفته تلك كما انه كان يوصي تلاميذه أن لا يقولوا لأحد أنه المسيح.
- واخرج شياطين كثيرة ولم يدع الشياطين يتكلمون لأنهم عرفوه. ( مرقس1/34)
- حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد انه يسوع المسيح. (متّى16/20)
- وفي الطريق سأل تلاميذه قائلاً لهم من يقول الناس اني انا,
فاجابوا يوحنا المعمدان,
واخرون إيليا,
وآخرون واحد من الأنبياء,
فقال لهم وانتم من تقولون اني أنا,
فأجاب بطرس وقال له أنت المسيح,
فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه. (مرقس8/27-30)
الرابع ان يسوع هرب من الناس عندما حاولوا أن يختطفوه ويجعلوه ملكاً وذهب إلى جبل وحده.
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا به ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا6/15)
الخامس ان الأناجيل الثلاثة الأُخرى لم تذكر هذه الشكوى مما يدل على أنهم لم يكونوا مقتنعين بها لتكون سبباً للشكوى على يسوع.
السادس ان بيلاطس نفسه لم يأخذها على محمل الجد, وإلا لو كانت صحيحة لما تصرف مع يسوع في المحاكمة بهذا الشكل المتساهل, وهو, كما ذكر لوقا, من العنف والتهور بحيث انه كان يخلط دماء أعدائه بدم ذبائحهم, كما فعل مع الجليليين.
- وكان حاضراً في ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم. (لوقا13/1)
وهنا قد يقول بعض الطيبين من أتباع الكنائس ان شكوى اليهود على يسوع لا يعني أن تكون صحيحة أو حقيقية بل قد تكون كذباً, ولوقا لم يفعل سوى نقل أقوالهم, وهذا لا يدل على خطأ لوقا.
أقول لهؤلاء إن نقل الواقع شيء وصناعته شيء آخر, فالأناجيل كتبت أن اليهود ظلوا فترات طويلة من الزمن يحاولون أن يوقعوا بيسوع ليمسكوا عليه قولاً أو فعلاً يستطيعون الشكوى بها عليه عند الرومان ولم يفلحوا لأن يسوع لم يكن يصدر عنه أي قول أو فعل مخالف لسلطة الرومان, كما حدث معه عندما قدموا له امرأة زانية حتى يقول حكماً مخالفاً لأحكام الرومان, أو كما حاولوا معه كي يقول شيئاً ضد قيصر عندما سألوه إن كان يجوز إعطاء قيصر الجزية, كما أنهم لم يكونوا متأكدين من صفته كمسيح, وفي عدة مواضع كتبت الأناجيل أنهم حاولوا معه كي يصرح لهم بصفته ولكنه كان في كل مرة لا يظهر صفته كمسيح حتى قبل هذه المحاكمة بقليل كما مرّ معنا عند استجواب رؤساء الكهنة له!
وأخيراً فقد بقي رؤساء الكهنة طوال الليل وهم يبحثون عن شهود كي يشهدوا ضده ولم يجدوا حتى تقدم شاهدان قالا إنهما سمعاه يقول انه يستطيع هدم الهيكل وإعادة بنائه في ثلاثة أيام كما كتب متّى ومرقس, مما يدل على أن رؤساء الكهنة لم يكونوا بتلك السذاجة كي يقولوا لبيلاطس ان يسوع يدعو لمنع دفع الجزية لقيصر, خاصة أنهم يعلمون ان باستطاعة بيلاطس التأكد من هذه المعلومة فإذا ظهر له ان يسوع يدفع الجزية فسيعتبر قول اليهود هذا نوعاً من الاستهزاء به وبسلطاته, وهم يعلمون كذلك أن بيلاطس بلا رحمة وانه يخلط دماء أعدائه بذبائحهم فقول لوقا هذا لا يدل على انه يمكن أن يصدر عنهم, وخاصة ان الأناجيل الثلاثة لم تذكره وبيلاطس نفسه تجاهله!
ولكن متّى بدلاً من كتابة سبب شكوى اليهود على يسوع, نجده قد انتقل للحديث عن يهوذا ونهايته بطريقة لا تخلو من الخطأ كما أظهرت ذلك سابقاً.
ومرقس ينتقل بالحديث عما جرى بين بيلاطس ويسوع مباشرة.
وأما يوحنا فكتب وقالوا له لو لم يكن فاعل شرّ لما كنا قد سلمناه إليك, هكذا لو لم يكن فاعل شرّ لما كنا سلمناه!
هكذا تقام المحاكم في الأناجيل لو لم يكن فاعل شرّ لما سلمناه!
يُقتل الإنسان لأنه لو لم يكن فاعل شرّ لما سلمناه!
ومن الغريب ان لوقا كتب في أعمال الرسل قصة عن محاكمة لبولس كان اليهود يسعون من خلالها إلى قتله كما هو الحال هنا إلا أن الأمير في ذلك الوقت أوقف تلك المحاكمة لمجرد طلب بولس محاكمته أمام القيصر وقوله انه روماني.
مجريات المحاكمة
ننتقل الآن لنقرأ مجريات المحاكمة, فنجد أن متّى ذكر مجريات المحاكمة كما يلي:
- فوقف يسوع امام الوالي فسأله الوالي قائلاً أأنت ملك اليهود,
فقال له يسوع انت تقول. (متّى27/11)
هكذا بدأت محاكمة يسوع وهكذا انتهت, انت ملك اليهود قال يسوع أنت تقول!
حلم امرأة بيلاطس
ولكن متّى الذي لم يكتب تفاصيل الشكوى لم ينسى أن يكتب عن حلم امرأة بيلاطس فقال:
- وإذ كان جالساً على كرسي الولاية أرسلت إليه امرأته قائلة إياك وذلك البار, لأني تألمت اليوم كثيراً في حلم من اجله. (متّى27/19)
في هذا النص يتحدث متّى عن حلم امرأة بيلاطس, ومع انه لم يذكر لنا تفاصيل الحلم, إلا أن من يقرأ الأناجيل, وخاصة أول مرة, يكون متلهفاً لمعرفة أثر هذا الحلم في مجريات المحاكمة, ولكن المفاجأة أن لا أثر لهذا الحلم, وهو ما يطرح ظلال الشك على أصله, إذ أننا نقرأ في العهد القديم عن بعض الأحلام التي ظهر الرب فيها لأصحابها قد أعطت النتائج المرجوة منها ولكن حلم امرأة بيلاطس لم يعط أي نتيجة!
فهل كان متّى يحاول أن يقتبس من تلك الأحلام وينزلها على قصة محاكمة يسوع, إذ كيف يظهر الرب في أحلام لينقذ إبراهيم ويعقوب من الشرور التي كانت تحيق بهما, ولا يوجد حلم في قصة محاكمة يسوع, وان كان متّى لم يخبرنا عن تفاصيل هذا الحلم ولم تظهر له أي نتيجة, إلا انه لا بأس من وجود قصة تتحدث عن حلم كما في قصص إبراهيم ويعقوب.
- وقال ابراهيم عن سارة امرأته هي أُختي,
فأرسل أبيمالك ملك جَرَارَ وأخذ سارة,
فجاء الرب إلى أبيمالك في حلم الليل, وقال له ها أنت ميت من أجل المرأة التي أخذتها فإنها متزوجة ببعل, ولكن لم يكن أبيمالك قد اقترب إليها, فقال يا سيد أأمةً بارّة تقتل, ألم يقل هو لي إنها أختي. (تكوين20/2-3)
- وأتى الرب إلى لابان الأرامي في حلم الليل فقال له احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شرّ. (تكوين31/24)
وأما مرقس فكتب عن مجريات المحاكمة كما في النص التالي:
- فسأله بيلاطس أنت ملك اليهود فأجاب وقال له أنت تقول,
وكان رؤساء الكهنة يشتكون عليه كثيراً,
فسأله بيلاطس أيضاً قائلاً أما تجيب بشيء انظر كم يشهدون عليك,
فلم يجب يسوع بشيء حتى تعجب بيلاطس. (مرقس15/2-5)
وهنا مرقس يبدأ المحاكمة بسؤال بيلاطس أنت ملك اليهود وتنتهي بإجابة يسوع له أنت تقول!
وأما لوقا فقد أعطى للمحاكمة مساراً مختلفاً, كما في النص التالي:
- فسأله بيلاطس قائلاً أنت ملك اليهود,
فأجابه وقال له أنت تقول,
فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع إني لا أجد علّة في هذا الإنسان,
فكانوا يشددون قائلين انه يهيج الشعب وهو يُعلّم في كل اليهودية مبتدئاً من الجليل إلى هنا,
فلما سمع بيلاطس ذكر الجليل سأل هل الرجل جليلي,
وحين علم انه من سلطنة هيرودس أرسله الى هيرودس اذ كان هو أيضاً تلك الايام في أورشليم. (لوقا23/1-7)
وهنا نجد أن لوقا قد قام بتقسيم المحاكمة إلى ثلاثة أجزاء الأول كما ذكر متّى ومرقس, فكان سؤال وجواب يحمل نفس المضمون أنت ملك اليهود فيكون الرد أنت تقول, والجزء الثاني محاكمة يسوع أمام هيرودس والجزء الثالث إعادة محاكمة بيلاطس ليسوع.
في هذا النص يكتب لوقا عن السبب الذي من أجله أدخل هيرودس في محاكمة يسوع فقال إن بيلاطس لما علم أن يسوع جليلي وأنه من سلطنة هيرودس أرسله إلى هيرودس!
ولكن لوقا لم يذكر ان بيلاطس استشار هيرودس عندما خلط دماء الجليليين بدماء ذبائحهم لأنهم من سلطنة هيرودس, وكذلك لم يخبرنا لوقا ان قول هيرودس بانه لا توجد في يسوع علة توجب القتل كان له أثر في نتيجة المحاكمة, مع أن هيرودس باعتبار أن يسوع من رعيته كان يجب أن يكون له كلمة في نتيجة المحاكمة, بدلاً من خضوع بيلاطس لشرذمة من اليهود كانوا خاضعين له دافعين للجزية وهو ممثل أعظم دولة في ذلك الوقت!!
العلاقة بين يسوع وهيرودس
ثم يكتب لوقا عن مجريات محاكمة هيرودس ليسوع كما في النص التالي:
- وأما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جداً لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة, وترجّى أن يرى آية تصنع منه,
وسأله بكلام كثير فلم يجبه بشيء,
ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداد,
فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأوا به وألبسه لباساً لامعاً ورده الى بيلاطس, فصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما في ذلك اليوم لانهما كانا من قبل في عداوة بينهما. (لوقا23/8-12)
كما نقرأ في النص فإن هيرودس فرح جداً عندما رأى يسوع, وهذا يتناقض مع ما كتبه لوقا في إنجيله على لسان الفريسيين من انه كان يريد قتل يسوع, كما في النص التالي:
- في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له اخرج واذهب من ههنا لأن هيرودس يريد أن يقتلك,
فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا أُخرج شياطين وأشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أكمل,
بل ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أورشليم.
(لوقا13/31-33)
هذا النص من غرائب النصوص التي كتبت في الأناجيل, إذ انه بالإضافة لاحتوائه على معلومات تتناقض مع ما هو مكتوب عن هيرودس يحتوي على حقائق تهدم أركان قوانين الإيمان الكنسية, فالنص يبدأ بقول الفريسيين ليسوع إن هيرودس يريد أن يقتلك, وهو ما يتناقض مع قول لوقا السابق ان هيرودس لما رأى يسوع فرح جداً لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة, وترجّى أن يرى آية تصنع منه, وهنا قد يقول البعض إن هذا القول كان من الفريسيين وليس من يسوع أو لوقا, فلوقا نقل ما قاله الفريسيون ولا يعني ان قولهم هذا صدقاً, بل ربما كان محاولة من الفريسيين لإخافة يسوع, وهذا الكلام يكون مقبولاً لولا كتابة لوقا جواب يسوع لهم بقوله قولوا لهذا الثعلب ها أنا أُخرج شياطين وأشفي مرضى اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أكمل, فكتابة هذا الجواب دليل على أن الفريسيين لم يكونوا يكذبون, لأنهم لو كانوا يكذبون لعلم يسوع هذا الكذب, إلا إذا قالت الكنائس ان يسوع, الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر, لا يعلم الغيب ولا يعلم الصادق من الكاذب!
وكذلك فإن قول يسوع يتضمن معلومات خاطئة, لأنه بعد قوله ها أنا أخرج شياطين وأشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أكمل, بل ينبغي أن أسير اليوم وغداً, لبث أكثر من سبعة أيام وليس ثلاثة فقط, لأن هذا الكلام قاله في الإصحاح الثالث عشر وفي الإصحاح الرابع عشر كتب لوقا :
- وإذ جاء إلى بيت أحد رؤساء الفريسيين في السبت. (لوقا14/1)
وأُلقي القبض عليه بعد ذلك ليل الجمعة وصلب يوم الجمعة فهذا يعني أن قوله انه يخرج الشياطين ويشفي المرضى اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أكمل, ليس صحيحاً!
كما ان قوله انه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أورشليم, يهدم أهم ركن من أركان قوانين إيمان الكنائس, لأن يسوع يصف نفسه انه نبي, لهذا فانه سيذهب إلى أورشليم ليهلك هناك, لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أُورشليم, فهل تؤمن الكنائس بان يسوع نبي كالأنبياء الذين هلكوا في أُورشليم؟!
بالإضافة الى ان هذا القول يحمل خطأ كبيراً, إن لم نقل جهلاً بالعهد القديم, لأن من له أدنى علم بالعهد القديم يعلم انه يوجد عشرات الأنبياء هلكوا خارجاً عن أورشليم وأشهرهم موسى وهارون ويعقوب ويوسف وإبراهيم فكيف خفي هذا على يسوع, الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر؟!
أم كيف خفي هذا الأمر عن لوقا وهو الذي عاش حياته يدعو للإيمان بيسوع؟
أم كيف سمح الروح المقدس بكتابة هذا الخطأ الواضح ولم ينبه لوقا عليه, لو كان يسوقه عند كتابته لإنجيله, وخاصة انه كان يسوق كتبة أسفار العهد القديم كما تقول الكنائس أيضاً, فإذا كان ما كتبه لوقا هو الصحيح وانه لم يهلك من الأنبياء أحد خارجاً عن أورشليم فهل ما ذكر في العهد القديم كان خطأ؟!
وأما أصل القول السابق, أي قول الفريسيون ليسوع إن هيرودس يريد قتله, فهو خطأ, لان هيرودس لم يكن هو من حاكم يسوع بل بيلاطس, وأما دور هيرودس في المحاكمة فلم يظهر في الأناجيل إلا في النص الذي ذكره لوقا فقط, وأظن انه ما كتب هذا الدور إلا ليتوافق مع ما كتب في هذا النص لان هيرودس لم يكن له أي أثر في المحاكمة إلا كيل المزيد من الشتائم ليسوع في الأناجيل!
أعود الآن لاستكمال الحديث عن مجريات محاكمة هيرودس ليسوع فنجد أنه بدأ يسأل يسوع عن أشياء كثيرة, ولم يكتب لنا لوقا ما هي تلك الأسئلة, ولكن يسوع لم يُجب عنها بشيء, وهذا يدل على أن يسوع كان يخفي دعوته ولا يسعى لنشرها خاصة بين غير اليهود, وهو عكس ما قامت به الكنائس من التوجه لغير اليهود, وباقي النص يتحدث عن تحقير هيرودس ليسوع وهو ما دأب كتبة الأناجيل على تسجيله عن يسوع وخاصة في المحاكمة.
ثم أقام بيلاطس ليسوع محاكمة مرة ثانية وهي الجزء الثالث من محاكمة يسوع كما كتبها لوقا:
- فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والعظماء والشعب وقال لهم قد قدمتم إلي هذا الإنسان كمن يفسد الشعب,
وها أنا فحصت قدامكم ولم أجد في هذا الإنسان علّة مما تشتكون به عليه, ولا هيرودس أيضاً, لأني أرسلتكم إليه,
وها لا شيء يستحق الموت صُنع منه,
فأنا أُؤدبه وأُطلقه. (لوقا23/13-16)
ولا شيء فيها يستحق لفت النظر إليه سوى قوله انه سيؤدب يسوع, الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر!
مجريات محاكمة يسوع في إنجيل يوحنا
وأما يوحنا فأخذ مجريات المحاكمة إلى اتجاه آخر لم يكتبه متّى ولا مرقس, وحتى لوقا لم يذكر شيئاً عنه, فكتب قائلاً:
- فخرج بيلاطس اليهم وقال أية شكاية تقدمون على هذا الانسان,
أجابوا وقالوا له لو لم يكن فاعل شرّ لما كنا قد سلمناه اليك,
فقال لهم بيلاطس خذوه أنتم واحكموا عليه حسب ناموسكم,
فقال له اليهود لا يجوز لنا أن نقتل أحداً,
ليتم قول يسوع الذي قاله مشيراً الى أية ميتة كان مزمعاً ان يموت. (يوحنا18/29-32)
كما نقرأ فإن يوحنا كتب أن بيلاطس قال لليهود خذوه أنتم واحكموا عليه حسب ناموسكم, ومن يقرأ هذه الكلمات يظن ان بيلاطس يتحدث مع أناس مساوون له في السلطان والحكم, وليسوا عبيداً عنده وتحت سلطانه, ويدفعون له الجزية, وان من يخالف قوانينه منهم فانه يخلط دماءه بذبيحته!
كيف يقول بيلاطس لليهود خذوه واحكموا عليه حسب ناموسكم, ولوقا قال إن سبب شكوى اليهود على يسوع هو محاولته أن يفسد الشعب على سلطة قيصر؟!
ولكن يوحنا عندما كتب هذه الفقرات أراد أن يوصل فكرة عن حادثة الصلب وهي قوله ليتم قول يسوع الذي قاله مشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يموت!
فجواب اليهود لبيلاطس انه لا يجوز لهم أن يقتلوا أحداً هو لإعطاء مبرر لصلب يسوع على الخشبة وهو حيّ, لان ناموس اليهود وهو يتحدث عن الصلب يقول انه يتم بعد القتل وليس قبله كما في النص التالي:
- واذا كان على انسان خطية حقها الموت فقتل وعلّقته على خشبة,
فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم لان المعلق ملعون من الرب,
فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيباً. (التثنية21/22-23)
بخلاف قانون الرومان الذي يصلب الإنسان وهو حي, ويعتبر الصلب بذاته عقوبة.
لهذا كتب يوحنا هذا القول الخاطئ على لسان اليهود, لان من له أدنى علم بشريعة اليهود يعلم انه يوجد فيها أحكام كثيرة تحكم بالقتل على فاعلها, حتى ان من يشتم أباه وأُمه فان حكم ناموس اليهود عليه هو القتل, فكيف يقول اليهود انه لا يجوز في ناموسهم أن يقتل أحد؟!
وهذا ما سنلاحظه بعد قليل عندما يقول هؤلاء اليهود أنفسهم وفي نفس الحادثة ان لهم ناموس وحسب ناموسهم يجب أن يموت.
- ثم دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا يسوع وقال له أنت ملك اليهود,
أجابه يسوع أمِنْ ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني,
أجابه بيلاطس ألعلي أنا يهودي,
أُمّتك ورؤساء الكهنة أرسلوك إليّ, ماذا فعلت,
أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم,
لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدّامي يجاهدون لكي لا أُسلم إلى اليهود,
ولكن الآن ليست مملكتي من هنا,
فقال له بيلاطس أفأنت إذاً ملك,
أجاب يسوع أنت تقول أني ملك,
لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق, كل من هو من الحق يسمع صوتي,
قال له بيلاطس ما هو الحق,
ولما قال هذا خرج أيضاً الى اليهود وقال لهم أنا لست أجد فيه علة واحدة, ........
وقال ليسوع من أين أنت,
وأما يسوع فلم يعطه جواباً,
فقال له بيلاطس أما تكلمني,
الست تعلم أن لي سلطاناً أن أصلبك وسلطاناً أن أطلقك,
أجاب يسوع لم يكن لك عليّ سلطان البتة لو لم تكن قد أُعطيت من فوق.
(يوحنا18/33-38) الى (يوحنا19/1-11)
في هذا الجزء من مجريات محاكمة يسوع, الذي أخذنا إليه يوحنا وحده من بين كتبة الأناجيل, نجد أن بيلاطس كان هادئاً وهو يستجوب يسوع فعندما سأله أنت ملك اليهود نسمع ردّ يسوع عليه بقوله أمِن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني, وكأن يسوع كان يرجو أن يؤمن بيلاطس ويطلقه, ولكن بيلاطس يحافظ على هدوئه مع الاحتفاظ بمكانته أمام الواقف أمامه لمحاكمته, فيقول ألعلي آنا يهودي, أُمتك ورؤساء الكهنة أرسلوك إليّ, ماذا فعلت, وهذا القول يؤكد أن بيلاطس لم يُعِر أي اهتمام لسبب الشكوى الذي كتبه لوقا.
ولكن يسوع بدلاً من إظهار صفته التي تقولها عنه قوانين إيمان الكنائس نجده يجيب بيلاطس فيقول ليست مملكتي من هذا العالم!
وهذا الجواب يلقي بظلال الشك على صحة قوانين إيمان الكنائس التي تربط بين الأقانيم والرب خالق السموات والأرض, إذ أننا نقرأ ان الأرض والسموات خارج مملكة الأقانيم الثلاثة, في حين أن العهد القديم يؤكد أن كل ما في هذا الوجود خاضع للرب الخالق, كما في النصوص التالية:
- قوموا باركوا الرب إلهكم من الأزل الى الأبد وليتبارك اسم جلالك المتعالي على بَرَكة وتسبيح,
أنت هو الرب وحدك, أنت صنعت السموات وسماء السموات وكل جندها والأرض وكل ما عليها والبحار وكل ما فيها وأنت تحييها كلها, وجند السماء لك يسجد. (نحميا9/5-6)
- لأنه هو الإله الحي القيوم الى الأبد, ومملكته لن تزول, وسلطانه الى المنتهى. (دانيال6/26)
- لكي تعرف إن للرب الأرض. (خروج7/29)
- الرب ملك الى الدهر والأبد. (مزامير10/16)
- لان الرب ملك الارض كلها, رنموا قصيدة,
ملك الرب على الأمم. (مزامير47/7)
- لان للرب المُلك وهو المتسلط على الأمم,
قدّامه يجثوا كل من ينحدر الى التراب ومن لم يحي نفسه,الذرية تتعبد له, يخبّر عن الرب الجيل الآتي, يأتون ويخبرون ببرّه شعباً سيولد بأنه قد فعل. (مزامير22/28-31)
- ويكون الرب ملكاً على كل الارض, في ذلك اليوم يكون الرب وحده واسمه وحده. (زكريا14/9)
ثم يكمل يسوع كلامه فيقول لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسلم إلى اليهود, ولكن الآن ليست مملكتي من هنا, وهذا الكلام يثير مشكلات كثيرة أمام الكنائس في تثبيت قوانين إيمانها, إذ ان العهد القديم مليء بالقصص التي تتحدث عن إرسال الرب للملائكة لنصرة أنبيائه, فما الذي منع يسوع من احضار بعض الملائكة لنصرته؟!
كما ان هذا القول ينقض قانون الفداء والخلاص الذي تؤمن به الكنائس, إذ ان يسوع وفي آخر ساعاته على الأرض يقول انه لو كانت مملكته هنا لطلب المساعدة من أجل منع اليهود من صلبه!
فلو كان يسوع قد جاء ليُخلص البشرية من تلك الخطيئة لقال لبيلاطس انه جاء ليرفع خطيئة آدم ويتصالح مع ذريته, فاحكم عليّ بأسرع ما يمكن لأنني لهذا جئت, كما كتب يوحنا في إنجيله قبل هذا بقليل عن طلبه من يهوذا أن يقوم بعملية الإرشاد عليه بأسرع ما هو فاعله وقال يوحنا معقباً على ذلك بقوله ان التلاميذ لم يعرفوا قصد يسوع!
ولكن بيلاطس بعد هذا الحديث يبقى هادئاً فيقول ليسوع أفأنت إذاً ملك؟
فهل أعلن يسوع أنه ملك؟
الجواب هنا هو المحير وليس السؤال, كلا, لم يُجب يسوع عن السؤال بإعلان انه ملك! على الرغم من عشرات النبوءات التي تقول الكنائس أنها تتحدث عن يسوع باعتباره ملكاً يجلس على كرسي أبيه داؤد ولا يكون لملكه نهاية وأنه ابن الإنسان المذكور في دانيال!
بل قال لبيلاطس أنت تقول!
ماذا يعني أنت تقول؟
ممن يخاف يسوع حتى لا يظهر صفته؟
ولماذا يخاف وهو ما جاء إلا ليُصلب كي يحمل خطيئة آدم وذريته ويتصالح معهم؟!
ثم يُكمل حديثه الفريد فيقول انه جاء ليشهد للحق, وان من كان من الحق فانه يسمع صوته.
وهنا لم يقل انه جاء لرفع خطيئة البشرية ولا ليفدي البشرية بل قال ليشهد للحق, وهذا القول يثير في نفس أي إنسان يسمعه رغبة في الاستفسار عن الحق الذي جاء يسوع ليشهد له حتى بيلاطس, فقال له ما هو الحق.
ولكن يوحنا لم يذكر لنا جوابه بدعوى أن بيلاطس خرج إلى اليهود!
ولماذا لم ينتظر بيلاطس جواب يسوع عن ما هو الحق وهو الذي سأل السؤال, وخاصة انه خرج كما كتب يوحنا إلى اليهود وقال لهم انه لا يجد فيه علة؟
وهذا يدل على انه عرف ان يسوع ليس به علة والنصوص السابقة لا تدل على هذا الشيء إلا إذا سمع جواب يسوع عن سؤال ما هو الحق.
وإذا كان بيلاطس لم يسمع جواب يسوع عن ما هو الحق, فلماذا لم يكتب يوحنا جواب يسوع ويظهر ما هو الحق؟
أم ان يوحنا أخفى جواب يسوع عن سؤال ما هو الحق كما قال في آخر إنجيله انه لم يكتب كل ما يعرفه عن يسوع, وبالتالي حرم أتباع الكنائس الطيبين من معرفة الحق الذي جاء يسوع ليشهد له!
- وآيات أُخر كثيرة صنع يسوع قدّام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب,
وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع هو المسيح ابن الإله,
ولكي تكون لكم اذا آمنتم حياة باسمه. (يوحنا20/30-31)
- وأشياء كثيرة صنعها يسوع ان كتبت واحدة واحدة فلست أظن ان العالم نفسه يسع الكتب. (يوحنا21/25)
وأما قول يوحنا على لسان يسوع كل من هو من الحق يسمع صوتي, فأنا أتساءل إن كان هرب التلاميذ عند إلقاء القبض عليه وتركه وحيداً كانوا من الحق الذي سمع صوته أم لا؟
وللاطلاع على المزيد من مواضيع الاناجيل ارجو التكرم بزيارة روابط المدونة
نادر عيسى
التعليقات (0)