تجمع الثوريون بميدان التحرير ..
ولمعت في أذهانهم فكرة عقد محاكمة شعبية للرئيس السابق حسني مبارك ..
وانبرى المستشار الخضيري ليمثل دور قاضي المحكمة ..
وتم "تشكيل " هيئة اتهام لتتلو لائحة التهم ضد الرئيس السابق ..
وتم اختيار محام ليمثل دور الدفاع عن المتهم مبارك ..و قد أوقفوا شخصاً داخل قفص مرتدياً قناعاً لوجه حسني مبارك ليمثل دور المتهم.. ثم تم إجراء "محاكمة" سريعة لمبارك وسط المتظاهرين بميدان التحرير يوم الجمعة وسط تصفيق وتهليل وصيحات المتظاهرين ..وفي نهاية اليوم أعلن المستشار الخضيري أنه سيصدر الحكم (على) المتهم حسني مبارك في مظاهرة الجمعة القادمة..
إن ما حدث هو شيء متعارف عليه من قبيل المحاكمات الشعبية التي تعتبر أحكامها رمزية و معنوية .. الغاية منها لفت الأنظار نحو النظرة الشعبية تجاه واقعة معينة .. أو شخصية معينة.. أو مرحلة معينة في تاريخ الشعوب .. وهو أمر طبيعي ومحمود بل وديمقراطي أيضاً ..إذا توقف عند هذا الحد ..
لكن الطامة الكبرى .. والمصيبة العظمى .. أن نجد المستشار الخضيري "المخضرم" ذا الواجهة القضائية الرصينة .. ومن خلفه الشيخ صفوت حجازي بالواجهة (الدينية ) يصدقان أنفسهما !! .. ومن ثم يطلقان تصريحات نارية ملتهبة مفادها أن الحكم الذي سوف يصدره الخضيري (على) حسني مبارك هو حكم (واجب النفاذ) !!.. وسيزحف المتظاهرون بمئات الألوف نحو شرم الشيخ (ليجرجروا) الرئيس السابق " مبارك" نحو ساحة التحرير ويتم تنفيذ الحكم عليه (بأيدي) المتظاهرين !!!
من الذي أعطى الخضيري الحق في أن يقلب نفسه من قاض رمزي إلى قاض حقيقي ؟!
ومن الذي أعطاه الحق في اعتبار المحاكمة الرمزية "التمثيلية" محاكمة حقيقية ؟!
ومن الذي أعطاه الحق في التوهم أو الإيهام بأن الحكم "الرمزي" الذي سيصدره ضد مبارك هو حكم حقيقي ونهائي وبات وواجب النفاذ؟!
ومن الذي أعطاه الحق في إهاجة وتهييج الناس ودعوتهم للزحف نحو شرم الشيخ والقبض على مبارك وجرجرته إلى ميدان التحرير وتنفيذ الحكم عليه بأيدي المتظاهرين؟!
وما قلناه في المستشار الخضيري نقوله في الشيخ صفوت حجازي ..
إن المستشار "القاضي" الخضيري .. وإن الداعية "الشيخ" صفوت حجازي قد ضربا بعرض الحائط كافة المبادئ القانونية والقضائية والدينية والإنسانية .. وجعلا من نفسيهما الخصم والقاضي والجلاد في وقت واحد ..
وتجاهلا كافة المؤسسات القضائية والشرعية والتنفيذية وأنشآ من أنفسهما دولة كاملة ومرجعية كاملة يحكمان على من يريدان .. وينفذان الحكم على من يشاءان بأيدي المتظاهرين ؟!
كان أوجب على المستشار الذي أنفق عمره في سبيل إعلاء كلمة القانون وحماية سياج العدالة ونزاهة القضاء أن يقاتل من أجل ترسيخ مبدأ حق كل إنسان "متهم" في محاكمة عادلة تتوافر فيها كافة ضمانات الدفاع عن نفسه وأمام قاضيه الطبيعي .. مع عدم جواز تنفيذ الحكم الصادر ضده إلا بعد أن يصير حكماً نهائياً باستنفاذ كافة طرق الطعن المشروعة عليه .. وذلك من منطلق مبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ..
مع تجرد القاضي تماماً من أي علاقة أو سابقة رأي أو تأثر بملابسات القضية المعروضة أمامه أو شخصية المتهم أو غير ذلك وإلا فإنه يجب عليه أن يتنحى فوراً عن نظرها ضماناً للنزاهة والحيدة وعدم الجور ..
أين المستشار الخضيري من كل ذلك وهو أحد رموز المواجهة والتظاهر ضد مبارك ؟!
إنه قد أعرب عن مكنون سريرته بالاتجاه نحو إدانة المتهم "مبارك" من قبل أن تنعقد المحاكمة بل من قبل أن تلمع فكرتها في الأذهان !!!!
أي حكم هذا؟! ومن منحه سلطة تنفيذه ؟!
أما الشيخ "الداعية" صفوت حجازي فنحن لم ننسى بعد " اندفاعه " بالإفتاء بوجوب قتل أي يهودي يقابله في القاهرة سائحاً كان أو غيره رداً على العدوان الصهيوني الإجرامي على الفلسطينيين ..
وعندما وجد أن فتواه غير لائقة تراجع بسرعة الصاروخ وأعلن عدم جواز الخروج على الشرعية وأن ولي أمر المسلمين "الحاكم " هو المنوط به التعامل والتصرف واتخاذ القرار .. فلماذا تجاوز الشيخ صفوت ولاية الحاكم وولاية القضاء "الشرعي" ليفتي بحقه في تنفيذ الحكم الذي أصدره زميله الخضيري على "المتهم" مبارك ويحرض الناس للزحف نحو شرم الشيخ للقبض على مبارك والتمثيل به ؟! ..
وهل يدرك (الشيخان) عاقبة تحريضهما الناس على التوجه نحو شرم الشيخ للقبض على مبارك والفتك به ؟! وهل سيتم ذلك بالسهولة التي يتحدثان بها ؟!
أم أن الجيش الذي يتجاهلانه سيتصدى (مرغما) و(مضطراً) للجموع الهائجة وتحدث ساعتها مذبحة مروعة ..وعواقب خطيرة لا يعلم سوى الله مداها ؟!..
مبارك ليس فوق المحاكمة .. ففي حال توافر أدلة الاتهام ضده فيجب أن تنعقد له محاكمة قضائية تتوافر فيها كافة الضمانات القانونية والقضائية من حيث حقه في الدفاع عن نفسه.. وتجرد القضاة من ثمة انطباع أو رؤى مسبقة معه أو ضده .. وأن تجرى المحاكمة من منطلق مبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته .. ليس هذا لمبارك فقط بل كل متهم بصرف النظر عن أي خلفيات أخرى ومهما كانت جسامة الاتهامات الموجهة إليه ...
بهذا ننتصر للمبادئ ..وبهذا نتجه نحو العدالة ونحو الديمقراطية ..ونبتعد عن الهمجية لننحو نحو الشرعية ..
اللعب على أوتار الجماهير الغاضبة ..وإهاجة مشاعر الملايين المحتقنة بتصريحات غير مسئولة ربما تودي بالبلاد كلها إلى التهلكة وتضعف ثقة الناس في المؤسسات الشرعية والقانونية والقضائية ..
والترويج لشريعة الغاب في ظل رؤية غائمة.. ومشهد مضطرب .. ومسرح للأحداث اضطرم وازدحم .. واختلط الحابل فيه بالنابل .. وصار من السهولة أن تتصدره أصوات كان من المستحيل في يوم من الأيام أن نتخيل مجرد تخيل أن يكون لها الكلمة العليا في تقرير مصير مصر .. ورسم خارطتها بعد 25 يناير ..
على عقلاء هذه الأمة أن يتحملوا مسئوليتهم التاريخية ..
وأن يرفعوا كل الغث من على وجه مصر ..
وأن يبقوا فقط على السمين .. وعلى ما ينفع البلاد ..
التعليقات (0)