محاكمة القرن...الفصل الأخير في الثورة المضادة
لم يعد خافيا على أحد أن ما وقع في مصر هو انقلاب عسكري أعاد العسكر لسدة الحكم بعد سنة من الحكم المدني، انقلاب تم بمساعدة داخلية تمثلت في قوى النظام السابق من رجال أعمال و سياسيين و بتسخير من قوى ثورية خدعت و بمباركة إقليمية رأت في حكم الإخوان خطرا على نفوذها و مصالحها، اليوم و بعد مرور عام كامل على انقلاب السيسي و عودة النظام المباركي بكل تفاصيله هل نحن حقا نشاهد الفصل الأخير من عودة النظام؟
محاكمة القرن كما شاء لقنوات الإعلام المصري الخاص تسميتها، خطاب مبارك أو إفادته الأخيرة كما قال، صورة تلخص المشهد المصري حقا، تغطية واسعة لدفاع الرجل عن نفسه، خطاب متلفز و رئيس بحالة جيدة، له متسع من الوقت ليتحدث عن حصيلة حكمه، انتصر مبارك و انتصرت الثورة المضادة، و لربما ظن هؤلاء أن الأمر آل لهم، و أن مصر عادت إلى ما قبل الخامس و العشرين من يناير، لا تظاهرات و لا إحتجاجات في الشارع كما في السابق ، المعارضون ما بين السجون و المعتقلات أو لاجئون في دول أخرى و من في مصر صوته بالكاد يسمع، فهل انتكس المد الثوري في مصر؟ و أين القوى الثورية و الشبابية التي خرجت في الخامس و العشرين من يناير و الثلاثين من يونيو؟
قد يرى الكثيرون من من مؤيدي نظام السيسي و من معارضي الجماعة أن نجم الأخيرة قد أفل، و أن دور الإسلام السياسي تراجع ليس في مصر فقط بل في دول ربيع العربي، فما يحدث في ليبيا و في سوريا و اليمن و ماكان في مصر و الإجراءات و الموقف الحازم التي اتخذته دول كالسعودية و الإمارات ضد الإخوان أكسب هؤلاء نوعا من الثقة في أن الإسلام السياسي فشل في ربيعه و أن دولا كقطر و تركيا خسرت الرهان، لكن هل يمكن الجزم بانتصار هؤلاء و انكسار الجماعة و مؤيديها؟
إرهاصات و مؤشرات تصب في صالح عودة الاسلام السياسي للواجهة، من العراق إلى فلسطين إلى تركيا و المستقر مصر، نتحدث عن فوز سليم الجبوري و هو ذو خلفية إسلامية برئاسة البرلمان دون أي ضغوط إقليمية ممارسة ضد انتخابه، نعلم جيدا أن دولا بعينها لها تأثير واسع على الطرف السني في اللعبة السياسية العراقية، فلا ننسى كيف فاز إياد علاوي بأصوات سنة العراق ضمن القائمة العراقية، فوز الجبوري تم بمباركة داخلية دون أي اعتراض يذكر مع أنه من الممكن انتخاب شخصية سنية ليبرالية لا تنتمي إلى أي حزبب إسلامي، نذكر فقط أن بعض المواقع الأخبارية تحدثت محاولة مصر من خلال وزير خارجيتها إبداء معارضتها لترشح سياسي ذو مرجعية إخوانية لمنصب رئاسة البرلمان. من المعطيات أيضا فوز رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان برئاسة الدولة، فوز يأتي ليسكت الأفواه التي تحدثت عن تذمر الشارع التركي من سياسات الرجل في كل من سوريا و مصر و التي كانت تعول على خسارة الرجل و بالتالي خسارة الإخوان لداعم أساسي لها في صراعها الوجودي.
كان انتصار المقاومة الإسلامية حماس و باقي حركات المقاومة في صمودها و تصديها للعدوان الإسرائيلي و لحملات التشويه و التخوين التي تعرضت لها من جهات إعلامية و رسمية عربية و مصرية بالخصوص صدى إيجابي أكسب مناصري الإسلام السياسي الثقة في النصر خاصة بعد التعاطف الشعبي و الدولي الكبير مع حركات المقاومة في غزة و مع القضية الفلسطينية عموما. فانتصار المقاومة ضد اسرئيل و ثباتها أعاد من جديد تركيا و قطر إلى الواجهة بعد انحسار دورهما في سوريا و مصر، وقد يغير من حسابات دول كالسعودية و الامارات و مصر راهنت على قوة اسرائيل في القضاء على حماس. مما قد يجعلها مضطرة آنيا لمهادنة الحركة خاصة و أن السلطة الفلسطينية تبنت مطالب المقاومة بعد اتخاذها خطوات تصالحية مع حماس قبيل العدوان.
جاء التقرير الصادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش و الذي تحدث عن مجزرة رابعة و القتل الجماعي الذي راح ضحيته قرابة الألف مواطن ليؤكد رواية التحالف الداعم للشرعية، تقرير المنظمة طالب بمحاكمة كل من السيسي و وزير داخليته وكل من شارك في مجزرة رابعة، بالطبع سيضع التقرير النظام المصري في وضع حرج قبالة المنتظم الدولي و سيعزز من الصورة السلبية للملف الحقوقي في مصر بعد الإنقلاب.
مؤشرات لربما هي عامل إيجابي يصب في مصلحة الإخوان و من يحالفهم و أيضا معارضي الإنقلاب للرفع من وسائل مجابهة الإنقلاب العسكري و المضي قدما في استرجاع الثورة المختطفة، و إخماد الثورة المضادة التي أراد بها العسكر عودة نظام مبارك إلى الواجهة و ما نراه اليوم من محاكمات صورية إنما يدخل في حملة العسكر لتبرئة النظام المباركي و إعادته إلى الواجهة منهيا تبعات ثورة 25 يناير، فهل سينجح الإنقلاب بحق في محو ثورة 25 يناير أم أنه فقط يكتب فصله الأخير في ثورته المضادة؟
ماءلعينين بوية
التعليقات (0)