محاكمة الفرعون وهامان وقارون
أخيرا ولأول مرة منذ 7000 سنة تفوق المصريون على أنفسهم فضربوا موعدا (نتمنى إنجازه) لمحاكمة الفرعون وملأئه وهامان وقارون دفعة واحدة.
المثير للإهتمام في الحدث ؛ أنها المرة الأولى التي يتعرض فيها الفرعون وبطانته و "تخته" السياسي والإقتصادي للإعتقال والمحاكمة على أمل السجن المحتوم .... أو فلنقل الفراعين بالمجمل لأن الذي كان يجري في أم الدنيا عبارة عن سلطة لأهرامات من الفراعنة على رأسهم فرعون كبير ....
ولأول مرة منذ عهد كافور الأخشيدي نبعث بالرثاء والمواساة إلى ماليء الدنيا وشاغل الناس الشاعر أبي الطيب المتنبيء ، الذي قال يوما عن حكام مصر وشعبها وعن خيرات مصر التي لا تنفذ:
نامت نواطير مصر عن ثعالبها ... فقد بشمن وما تفنى العناقيد
نبعث للمتنبيء العزاء والمواساة لأن واقع الثورة الشبابية المصرية التي إندلعت في 25 يناير الماضي قد زعزعت مصداقية هذا البيت الراسخ وأرسلت به إلى مزبلة الأدب.
أسقطت ثورة 25 يناير لأول مرة تعويذة الفراعنة ومحت ربما إلى غير رجعة أسطورة الفرعون الغير قابل للمساءلة والمحاكمة عن أرض وسماء هذا الجزء العزيز على قلوبنا من وادي النيل الخالد.
محمد علي أغـــا - جاء من ألبانيا فحكم مصر ما بين 1805 - 1848
حتى ثورة يوليو بقيادة جمال عبد الناصر لم تستطع محاكمة الفرعون فاروق الأول آخر سلالات أسرة محمد علي أغــا الألبانية على عرش مصر. وسمحت له بمغادرة مصر معززا مكرما على يخته "المحروسة" وبحوزته الملايين وبمعيته على اليخت صناديق تزن القناطير من الذهب والجواهر من خيرات مصر.
كان الفرعون قبل ذلك يحكم حتى الممات. ولا يستطيع خلعه سوى عزرائيل ؛ ثم لا يستطيع أحد محاكمته حتى بعد موته.
واليوم نرى الحال قد تغير .. بل تغير رأسا على عقب .. وعلى نحو بات فيه على من يأتي في المستقبل لحكم مصر أن لا يفرح كثيراً ولا ينقلب إلى أهله مسرورا.
أحمد عـز .... قارون مصر الحديثة في لحظة تلبيسه لحذائه .. مهمة يتولاها رجل مسن مغلوب على أمره في عمر والده بلا خجل ولا حياء من قارون
إستيقظت مصر إذن من غفوتها ولم يعد شعبها الأبي بنائم عن ثعالبها وسارقي عناقيدها ، الذين حاول إعلامهم الرسمي المفلس وفضائيات الذباب الرخيصة ، وحملة البخور وماسحي الجوخ والأحذية إظهارهم بمظهر الأقوياء وتكريسهم أبناء ماء السماء وأنصاف آلهة.
وها نحن اليوم بمواجهة كراتين لا يجيدون سوى الإنزواء داخل ظلام زنازينهم بالليمان وإلتزام الصمت المطبق من هول الرعب والخوف على رقابهم .. أو النحيب والبكاء كاليتامى والأطفال بعد أن كانوا قبيل شهور تخضع لهم الرقاب ، ويظهرون بمظهر القوة والجبروت وهم يحملون الصولجان ويلبسون على رؤوسهم تاج الوجهين القبلي والبحري.
وتضعضعت إذن تلك الكلمات ومعانيها وأهدافها ومراميها التي كانت تقدح في شعب مصر بأن "نساءهم لُـعـَـبْ ورجالهم تُـبّعٌ لمن غـلب تجمعهم الطبول وتفرقهم العِـصِي" .... كلمات غير موثقة ولم ينطق بها أو يخطها نبي مرسل .... وهاهـو الشعب المصري بقيادة شبابه المستنير يسطر بمداد الدم والعرق والدموع معان وجمل جديدة تنفي عنه كل المزاعم بالسلبية والخنوع والزحف على البطون والتبعـية.
التحية لشعب مصر الصبور وشبابها النابض بالكرامة والحيوية والقدرة الفذة على قراءة الحدث والتفسير ورفض كل محاولات الحرس القديم لإحتواء الثورة والعودة من جديد إلى عهد هامان وفرعون وقارون.
علاء وجمال أيام العـز والفرعنة ويا أرض أحفظي ما عليكي ..... حقاً ما العزة إلا لله ولرسوله
وللبكائين والمنتحبين من أمثال علاء مبارك نقول له : أالآن فقط جئت تؤمن وأدركت أن مستشفى سجن طرة غير مجهز بالمعدات ووسائل الراحة والفخامة والأطقم الطبية النادرة؟ .... وهل أنت وأخيك وأبيك وشلة الأنس من صفوت شريف وفتحي سرور وعدلي وعـز وهلم جرا ؛ مخلوقات أرفع من غيرهم المصريين؟..... وهل لا تزال تتناسى وتتغافل عن حقيقة أن عشرات الآلاف من أبناء مصر قد قدموا أرواحهم رخيصة لأجل مصر في ساحات الفداء الحقيقية وسط البارود والنار في خط بارليف ورمال سيناء ودفنوا هناك ؟ .... ثم لتجيء أنت فتمُنّ على مصر بخدمات وظيفية روتينية برواتب شهرية قدمها والدك حسني مبارك إلى جانب المئات العسكريين غيره من داخل غرفة حصينة تحت الأرض ، ثم أكلتها سنوات عجاف أكملت ثلاثين من البطش الذل والعار والسرقة والنهب المنظم لخيرات مصر في ظل قانون الطواريء؟
آن الأوان إذن كي يتجرع ساقي الكأس مرار الكأس الذي كان يسقيه لغيره من أبناء شعبه ليتسلق ويعيش على أكتافهم في بحبوحة نعيم الدنيا وملذاتها الحلال والحرام على حد سواء . وعلى الباغي تدور الدوائر .... وربما لو كان كل مسئول في عالمنا العربي يحس ويتذوق مرار الآخرين من أبناء شعبه ؛ لكان الحال قد تغير واصبحنا بما لدينا من ثروات وإمكانات في مصاف الدول العظمى ، ومن أرقى شعوب العالم المتقدمة قاطبة.
التعليقات (0)