Octobre 2003
مقدمة عامة
إن محاكمات الإرهاب التي عرفها المغرب سنة 2003 ساهمت بشكل كبير في الكشف عن الوجه الحقيقي للإرهاب في هدا القطر العربي, اد أن المنفذين لم يكونوا إلا مجرد أدوات لشبكات أصولية انتشرت و تغلغلت في الأحياء الهامشية مستغلة الفقر المدقع و تفاحش المشاكل الاجتماعية بها.
و عموما تعتبر العمليات الانتحارية/الاستشهادية حسب منفذيها, هي حديثة العهد كما أنها سلاح الضعيف في مواجهة القوي و خصوصا في لحظات اليأس. و كان أول استعملها هم الكاميكاز, الطيارون اليابانيون في أواخر الحرب العالمية الثانية ضد البوارج الحربية الأمريكية.
و لعل أول عملية من هدا النوع في حالة السلم هي العملية المتعلقة بالفتاة السيخية التي فجرت نفسها في وجه رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي في منتصف ثمانينات القرن الماضي. و بعد دلك دخلت العمليات الانتحارية/الاستشهادية في تراث الانتفاضة الفلسطينية و المقاومة اللبنانية في الجنوب ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
و حين شرع بوش في حربه ضد العراق مدعيا القضاء على الإرهاب أعلن أكثر من صوت أن حرب أمريكا ضد بلد النهرين ستساهم بشكل ملحوظ في تنامي الإرهاب على الصعيد العالمي و ليس العكس كما ادعى الأمريكان. و دلك لأن الإرهابيين و الحركات المتطرفة في العالم ستجد آلاف الشباب الساخطين و الغاضبين لتوظيفهم للقيام بأعمال إرهابية انتقامية يائسة سعيا وراء الحد من تعنت أمريكا و حلفائها على العالم. علما أنه لابد من التذكر دوما أن الحركات الإرهابية كانت في الأصل وليد لدعم كبير من طرف الغرب و على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية للوقوف في وجه الشيوعية أولا ثم الإسلام ثانيا.
ولم يعرف المغرب في السابق مثل تلد العمليات التي كانت الدار البيضاء مسرحا لها ليلة 16 مايو 2003. و حتى في ظل الاحتلال الفرنسي و الاسباني و في أوج المقاومة ضد الاستعمار لم يشاهد المغرب إلا عمليتين قد تقارب في بعض أوجهها العمليات الانتحارية. و يتعلق الأمر باستشهاد المقاوم محمد الزرقطوني و المقاوم علال بن عبد الله. فالأول تجرع السم بمحض إرادته حين اعتقاله من طرف مصالح الأمن الاستعمارية خوفا من الاضطرار للوشاية برفاقه أو تسليم معلومات للمستعمر تحت التعذيب الذي كان ينتظره. و الثاني هجم في واضحة النهار و على مرأى العيان وسط المشور ) ساحة القصر الملكي بالرباط( على بن عرفة السلطان المعين من طرف السلطات الاستعمارية بعد نفي السلطان الشرعي محمد الخامس. و قد قام المقاوم علال بن عبد الله بعمليته الانتحارية تعبيرا عن عدم قبوله و رفضه للأمر الواقع و دفاعا على الشرعية اعتبارا لروحه الوطنية العالية, إلا أنه أغتيل من مصالح الأمن الفرنسي قبل النيل من بن عرفة.
و قد أكدت جملة من التحاليل و الدراسات السوسيولوجية أن الدين انتحروا بتفجير أنفسهم بالدار البيضاء ليلة الجمعة 16 مايو 2003 هم من الشباب الفقراء المنتمين لأحياء مهمشة و محرومة من شروط الحياة الإنسانية الكريمة حتى في حدها الأدنى. شباب طوقهم اليأس من جراء آليات الفقر و التفقير الممنهج و انعدام الشغل و استشراء الحاجة و انسداد الأفق و عدم التمكن من وجود مكان تحت شمس الوطن. و هكذا تجلت بوضوح إحدى جوانب الواقع الاجتماعي المساعدة لبروز العنف كوليد للقهر الاجتماعي و فقدان أدنى بصيص من الأمل في المستقبل القريب و البعيد.
و قد كانت عمليات الدار البيضاء الدامية ليلة 16 مايو 2003 مجرد بداية ضمن سلسلة من التفجيرات المبرمجة في عدة مدن مغربية أخرى, من ضمنها مراكش و أكادير و طنجة و الصويرة و المحمدية و سلا و الرباط و شفشاون و فاس, اد تم تجنيد لها انتحاريين احتياطيين لتنفيذها. و قد صرح وزير العدل المغربي أكثر من مرة بعيد الأحداث أن خطر الإرهاب لا يزال قائما, و أن هناك العديد من الأشخاص الدين وردت أسماؤهم خلال التحقيقات لم يعتقلوا أو لم يتم التعرف عليهم بعد.
مسلسل العمليات الانتحارية
كانت مدينة الدار البيضاء – العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية- ليلة الجمعة 16 مايو 2003 مسرحا لعمليات إرهابية استهدفت 5 مواقع نفدها 14 انتحاريا منهم 12 لقوا حتفهم بعد تفجيرهم لأنفسهم, بينما نجا اثنين منهم بعد عدولهما عن الفكرة من جراء معاينتهما بأم أعينهما ما حل بزملائهم و هم أضحوا أشلاء متناثرة على قارعة الطريق.
و قد كان أول بلاغ هو الذي أصدرته وكالة المغرب العربي للأنباء و جاء فيه ما يلي :
نفدت أربعة انفجارات مساء يوم الجمعة16 مايو 2003, ثلاثة منها بالسيارات المفخخة و الرابعة بقنبلة. و قد انفجرت ثلاث سيارات مفخخة على التوالي قرب قنصلية بلجيكا و فندق فرح و نادي الرابطة اليهودية, فيما انفجرت قنبلة قرب دار اسبانيا. و قد تم اعتقال ثلاثة أشخاص مشتبه فيهم.
و بعد مرور الوقت أتضح أن الأمر لا يتعلق بتفجير سيارات مفخخة و إنما بقنابل بشرية تابعة لخلية مكونة من 14 عضوا موزعة على خمس مجموعات استهدفت فندق فرح و مقهى/مطعم دار اسبانيا و مقر الرابطة اليهودية و مطعم متخصص في الطبخ الايطالي و مقبرة يهودية قديمة. و حين حدوث الانفجارات لحقت أضرار بليغة بمقر القنصلية البلجيكية الكائنة أمام المطعم الإيطالي المستهدف و الذي يملكه يهودي, و لم تكن القنصلية المذكورة من الأماكن المستهدفة من طرف الإرهابيين.
إن الأماكن التي استهدفتها العمليات الإرهابية بمدينة الدار البيضاء كانت تعتبر في عرف المخططين لها بأوكار الفساد و علاقتها باليهود. فالمقبرة الكائنة بالمدينة القديمة هي مقبرة اليهود, و النادي هو مقر الرابطة اليهودية بالمغرب, و المطعم الإيطالي يملكه يهودي. أما فندق فرح فقد سبق أن استضاف مسؤولين اسرائيليين أثناء احتضان المغرب لأحد المؤتمرات الدولية. و بخصوص مقهى/مطعم دار اسبانيا فكان ينعت في عرف الانتحاريين بوكر من أوكار الفساد البين بمدينة الدار البيضاء.
و للحفاظ على السرية لجأ رؤوس الإرهاب إلى تجنيد ضحاياهم من الانتحاريين داخل الأحياء المهمشة التي يكاد ينعدم فيها تواجد مصالح الأمن الوطني, و من ضمنها حي سيدي مومن الذي كان يقطنه جل الانتحاريين 14 .
و لم يتطلب إعدادهم إلا فترة قصيرة ما بين شهرين و خمسة أشهر على أكبر تقدير. و هكذا كان التخطيط لهجومات الدار البيضاء قائما على مبدأ السرية التامة و الاعتماد على الإمكانيات المحلية و الدانية لتفادي انكشاف الخطة الموضوعة.
و بخصوص الدعم الذي قدمته القاعدة إلى منفذي التعدي على العاصمة الاقتصادية المغربية, فإنها وفرت أولا الفتوى, و هي شرط لضمان الغطاء الشرعي المزعوم, و وفرت كذلك الخبرة في صنع المتفجرات, و ربما ساهمت بشكل مباشر في تغطية المصاريف اللازمة.
و لقد كان مخططا أن تتزامن تفجيرات الدار البيضاء بالمغرب مع تلك التي شهدتها مدينة الرياض بالمملكة السعودية إلا أنها أرجئت إلى تاريخ لاحق لعدم توفر المواد اللازمة لتفخيخ الانتحاريين في حينها. علما أن المتفجرات المستعملة كانت من صنع محلي . و قد أكدت مختلف التحريات و جملة من تصريحات المتهمين أن المدعو مول السباط هو العقل المدبر المحلي و الرئيسي للعمليات, و هو الذي أعطى الضوء الأخضر لتنفيذها بعد تحديد توقيتها. كما كشف المتهمون الرئيسيون أثناء التحقيق و المحاكمات عن الخطة التي الإعداد لها لتنفيذ العمليات الإرهابية ليلة الجمعة 16 مايو 2003. و تبين من خلال تصريحاتهم أن أمير الانتحاريين المحلي, عبد الفتاح بوليقضان, هو من كان وراء اقتناء المواد المتفجرة و تركيبها و إعدادها و توزيعها على الانتحاريين.
و قد دامت الاستعدادات كلها سنة ونيف تم خلالها استقطاب الانتحاريين و إعدادهم لمدة ثلاثة أشهر للتحضير النهائي للعمليات التي كان من المقرر تنفيذها يوم الجمعة 9 مايو 2003.
و حسب بعض المصادر فان الهجومات الإرهابية بالدار البيضاء وقعت بعد ساعات قليلة و معدودة من تحذير الولايات المتحدة الأمريكية من أن تنظيم القاعدة على وشك أن تضرب ثانية. كما اكتشفت اعترافات الانتحاري الناجي من الموت, رشيد خليل, عن تدقيقات في جوانب الإعداد للعمليات الانتحارية بالمغرب. لقد اعترف قائلا أن عناصر المجموعة 14 تعرفوا على بعضهم قبل الموعد المعلوم لوقوع الانفجارات بحوالي ثلاثة أشهر, و قاموا جميعا بقضاء ليلة الخميس, قبل الانفجارات, بمنزل محمد العمري, و لم يغادروه إلا مساء يوم الجمعة الموالي للتوجه إلى الأماكن المستهدفة.
كما صرح أن كلا من محمد مهني و عبد الفتاح بوليقضان هما اللذان تكلفا بالمتفجرات و بإعدادها و وضعها بالحقائب قبل توزيعها على الانتحاريين. و كان عددها 14 حقيبة كل واحدة منها تزن مابين 2 و3 كيلوغلرامات, و بالتالي فان مجموع كمية المتفجرات المستعملة في تفجير فندق فرح و مقر الرابطة اليهودية و المقبرة اليهودية و مطعم بوزيطانو الإيطالي و دار اسبانيا تبلغ حوالي 30 كيلوغراما.
ادن قضى الانتحاريون 14 آخر يوم من حياتهم بمنزل محمد العمري و لم يغادروه إلا بعد صلاة المغرب و العشاء جمعا ليلة الجمعة 16 مايو 2003 ثم توجهوا إلى أماكن حتفهم لاقتراف الجريمة الشنعاء التي لم تكن متوقعة في حجمها و في كيفية تنفيذها, اد لم يكن أحد بالمغرب يظن أن شبابا مغاربة يقبلون تحويل أبدانهم إلى قنابل موقوتة تقتل أبر مسالمين بدون سبب. و لم يكن أحد يتوقع أن مدينة الدار البيضاء ليست وحدها المستهدفة, بل كانت أعمال إرهابية أخرى أكثر عنفا و دمارا مبرمجة تنتظر التنفيذ في جملة من المدن المغربية, مراكش و الرباط و سلا و المحمدية و فاس و أكادير و الصويرة و أسفي و طنجة و غيرها.
مسلسل العمليات الانتحارية
مساء يوم الجمعة 16 مايو 2003 استقلت كل مجموعة سيارة أجرة, نزلت مجموعة عبد الفتاح بوليقضان بالقرب من فندق فرح و ذكر هدا الأخير المجموعة بالخطة التي تقضي بأن يلج محمد العمري إلى داخل الفندق, فيما يعمد الآخرون إلى ذبح الحارس حتى يتمكنوا من الدخول, و بعد دلك سيضغط الجميع دفعة واحدة على زر المتفجرات. و إن لم يحدث الانفجار, فهناك خطة بديلة و هي التي كانت تقضي بإشعال الفتيل بولاعة.
توجه كل من عبد الفتاح بوليقضان و محمد العمري و محمد الأسمر راجلين نحو مدخل الفندق بعد أن حدث ما لم يكن في الحسبان, اد أن الانتحاري الرابع في هده المجموعة, حسن الطاوسي, انسحب من المجموعة قبل ركوب سيارة الأجرة و فر هاربا. واصل الثلاثة مسيرهم نحو باب الفندق, و عند اقترابهم إليه أمر عبد الفتاح بوليقضان محمد العمري بالولوج أولا, و بعد مراوغة الحارس تمكن العمري من الدخول بعد انسلاله جريا, إلا أنه تخلص من حقيبة المتفجرات حين سمع انفجارا مدويا وراءه, ثم ارتمى أرضا و أصيب بجروح و غاب عن وعيه لبرهة قصيرة دامت بعض الثواني قبل أن يحاول الفرار, لكن تبعه بعض الأشخاص و قبضوا عليه خارج الفندق بعد أن تمكن كل من عبد الفتاح بوليقضان و محمد الأسمر من تفجير نفسيهما عندما منعهما الحارس من الولوج اد ارتمى عليهما فاضطرا إلى الضغط على الزر قبل الأوان المقرر.
اهتزت المنطقة المحيطة بالفندق و أصيب الجميع بالذهول من وقع المفاجأة... شظايا و أشلاء متناثرة... دماء على الأرض... جثت متفحمة...
بعد الانفجار اضطر محمد العمري, الذي كان ينوي تفجير نفسه هو كذلك, إلى ترك حقيبة المتفجرات على الأرض تحت جثث سقطت بالقرب منه و فر في اتجاه الرصيف المقابل لمدخل الفندق إلى أن حاصره الحاضرون بالمكان.
انشغل الجميع متناسين القنبلة التي لم تنفجر, حتى الكلاب المدربة ظلت تبحث لكنها لم تتوصل إلى نتيجة رغم عمليات التمشيط المتكررة. ظلت حقيبة محمد العمري ملقاة على الأرض تواريها إحدى الجثث. و أخيرا تم العثور عليها و تطلبت عملية إبطال مفعولها وقتا طويلا, اد أمر الجميع بمغادرة الفندق و الابتعاد من كل الجهات الأربع حوالي 100 متر على الأقل.
و مع اقتراب بزوغ شمس يوم السبت 17 مايو 2003 بدأت تظهر المعالم الأولى لتفكيك القنبلة. خيم صمت رهيب على المنطقة و على الوجوه, و ما هي إلا لحظات حتى دوى انفجار قوي, و هكذا أبعد الخطر نهائيا.
أما مجموعة رشيد خليل, التي ضمت محمد مهني و خالد ثائب, فتوجهت إلى مقر الرابطة اليهودية. أسرعا محمد و خالد نحو المدخل و اقتحما الباب و توارى رشيد الذي عاين انفجارهما, فتراجع و وضع حقيبته بين سيارتين قابعتين على حافة الطريق و انصرف دون أن يلاحظه أحد.
توجه رشيد خليل إلى حي بعيد عن مكان الانفجار قضى الليلة بمنطقة خالية بحي سيدي مومن بالدار البيضاء رفقة أحد رفاقه الملتحين إلى حين القبض عليهما.
لقد فجر محمد مهني و خالد ثائب نفسيهما على مرأى من رشيد وتطايرت أشلاء جثتهما بالقرب من مقر الرابطة اليهودية الذي كان خاويا على عروشه, اد لم يكن يوجد به أحد آنذاك ما عدا الحارس.
و اتجهت مجموعة خالد بنموسى, التي ضمت لعروسي محمد و محمد الغرباوي و محمد حسونة, إلى نادي دار اسبانيا الذي كان غاصا بالزوار. و هناك تفوق الانتحار يون في تنفيذ الخطة المرسومة بحذافيرها. اد قاموا بدبح الحارس و ولجوا مقر النادي ثم فجروا أنفسهم دفعة واحدة, و هدا ما يفسر ارتفاع حصيلة الضحايا بهذا الموقع. تطايرت أشلاء الجثث في كل مكان و وصل بعضها إلى طوابق العمارات المجاورة.
و توجهت المجموعة الثالثة إلى مطعم بوزيطانو الايطالي, و كانت تضم ثلاثة شبان, استوقفهم الحارس قبل الوصول إلى المدخل على بعد مترين تقريبا. و أمام إصراره على منعهم من الدخول قاموا بتفجير أنفسهم خارج المطعم الذي كان غاصا الزبناء آنذاك. و لولا يقظة الحارس و شجاعته لكانت حصيلة الضحايا مهولة.
إضافة لهده الانفجارات حدث انفجار آخر بالقرب من المقبرة اليهودية القديمة الكائنة بحي شعبي
يقطنه مواطنون متواضعون, في غالبيتهم الساحقة فقراء. و ظل هدا الانفجار لغزا بدون توضيح, و لم يفهم أحد دواعي استهداف مقبرة ليلا كانت خالية من الزوار, علما أن تلك المقبرة لم تكن مسطرة ضمن الأماكن المستهدفة.
و ادا كان الانتحاري محمد العمري – مجموعة فندق فرح- أول الإرهابيين الملقى عليهم القبض, و الذي كشف جملة من خيوط القضية, فانه لم يكن من السهل وضع اليد على حسن الطاوسي المحسوب على نفس المجموعة و الذي تخلى في آخر لحظة قبل الصعود إلى سيارة الأجرة التي أقلت رفاقه إلى مكان الانفجار.
قضى حسن الطاوسي تلك الليلة بمسجد رفقة محمد مهم, و في الصباح طلب منه مرافقته إلى مدينة القنيطرة, إلا أنه تخلى عن دلك مخافة من وقوعه بين أيدي الشرطة. لدلك توجه رفقة بعض رفاقه إلى مدينة برشيد ثم إلى مدينة الكارة بحثا عن المال. و بعد أيام قضوها هنا و هناك اقترح عليهم محمد مهم الفرار إلى الجزائر. فطلب حسن الطاوسي من عبد الفتاح الريدي بيع عربته للحصول على المال ثم توجه الجميع إلى مدينة وجدة بشرق المملكة و منها إلى مدينة السعيدية الواقعة على الحدود المغربية الجزائرية, إلا أنهم لم يتمكنوا من التسلل إلى الجزائر فعادوا إلى مدينة الدار البيضاء و هناك ألقي عليهم القبض.
أجواء قبيل و بعيد انفجارات الدار البيضاء
قبل انفجارات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء، و في شهر مارس من نفس السنة ثم عقد اجتماع طارئ على المستوى الأجهزة المغربية بعد الكشف عن مخطط كان يستهدف القيام بأعمال تخريبية بالمغرب، و ربما بالدار البيضاء. اد أن المعلومات المتوفرة آنذاك لدى الأجهزة كانت تشير أن مركب – ميكاراما- بالدار البيضاء الذي يضم عدة قاعات عرض سينمائي كان مستهدفا, لذلك تم تشديد الحراسة عليه الشيء الذي ربما أفشل خطة الإرهابيين لاستهدافه.
كما أشارت بعض الأخبار أنه قبل أحداث الدار البيضاء بستة أيام نزلت جماعة من الأصوليين و عددهم11 شخصا من بينهم أميرهم و هو بريطاني الجنسية, باكستاني الأصل, بمدينة أسفي و أقاموا بمسجد بها لكن السلطات طالبتهم بمغادرة المغرب.
آنذاك كان ملف الخلية النائمة يشغل بال الرأي العام, علما أن التحريات اللاحقة لم تظهر أية علاقة بين أحداث الدار البيضاء و تلك الخلية. كما أكدت أنه لم يأت ذكر السعوديين المرتبطين بملف الخلية النائمة للقاعدة في أي تصريح من تصريحات المتهمين في ملفات الانفجارات الأخيرة بالدار البيضاء التي عرضت على أنظار المحاكم المغربية في غضون سنة 2003. علما أنه تم إصدار حكم بعشر سنوات سجنا نافذا على المتورطين في ملف الخلية النائمة.
و كانت أحداث ليلة 16 مايو 2003 قد فاجأت الجميع وطنيا و مغاربيا و عربيا و عالميا. و كانت ردود الفعل سريعة من جميع أنحاء العالم. و قد أشارت الخارجية الأمريكية أنها تلقت عدة تقارير من السفارات الأمريكية في المنطقة العربية في أعقاب أحداث الدار البيضاء أفادت أن هناك تقارير لدى المصالح الأمنية الأمريكية معطيات عن احتمال وقوع أعمال كبيرة يجري التخطيط و الإعداد لها، و أن حركات الإرهابيين أضحت غير معروفة لأن الاتصالات التي يتم رصدها على مدى أسابيع توقفت مند أحداث الدار البيضاء، مما يعني أن الإرهابيين اكتشفوا الشفرة الأمريكية التي كانت تلتقط اتصالاتهم، أو أنهم دخلوا في مراحل الإعداد الفعلي لتلك العمليات الجديدة. كما أشار التقرير إلى أن تنظيم القاعدة لم يعد هو الوحيد على الساحة الدولية و إنما هناك تنظيمات انتحارية سوف يستمر لفترة قادمة. كما أكد التقرير أن السنوات القادمة ستشهد محاولة صبغ الحرب مع أمريكا بصبغة دينية مما سيمثل خطرا حقيقيا عليها و على مصالحها عبر العالم، مشيرا إلى أن واشنطن لن تستطيع متابعة أكثر من مليار مسلم يكنون لها العداء، لا سيما و أن الاستشهاد يين يتميزون بروح استشهادية غريبة و لا يخشون على حياتهم، و أنهم يعتقدون بقناعة راسخة أن الأفعال الإرهابية التي يقترفونها أكثر أهمية من الحياة الفردية ذاتها. و بدلك يكونون أصعب عدو يمكن مواجهته. و هدا بالتحديد ما يجب أن يدفع أمريكا إلى ضرورة البحث المستفيض و العميق في كيفية تغيير مفاهيم العالم العربي و الإسلامي بما يخدم مصالحها. لدالك لا يجب اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية لتغيير الأنظمة المعادية للمصالح الأمريكية لأن هدا سيولد المزيد من الفشل في مواجهة و التصدي الأعمال الإرهابية.
و أشار هدا التقرير كذلك إلى أنة الخبراء أمريكيين توجهوا خلال فترة ما بين فبراير و يوليو من سنة 2003 إلى 13 دولة عربية للقيام بأنشطة سرية للغاية تحت غطاء تنفيذ برنامج أمريكي لتنمية التعليم الوطني بتعاون مع جامعيين و مثقفين عرب بهدف تطوير المناهج التعليمية بما يخدم الثقافة الأمريكية. و يرى التقرير أنه من المهم جدا في الفترة المقبلة تحويل الصراع بين الإرهابيين و المتطرفين الدينيين من جهة و بين أمريكا من جهة أخرى إلى صراع داخلي في المجتمعات الإسلامية و العربية ذاتها. كما يقول التقرير أن على الحكومات أن تلتزم بمصادرة كافة الكتب الدينية التي يمتد وجودها لمئات السنين لأن القضاء على منابع تلك الثقافة من شأن المساهمة في القضاء على التطرف، ما دامت تلك الحكومات مطالبة حاليا بإحلال ثقافة الغرب محل الثقافة التي تشجع على العنف و الإرهاب و كما عليها العمل لأعداد الدعاة الإسلاميين المتفهمين للثقافة الغربية.
و كان رد فعل مختلف الحكومات و رؤساء الدول و مختلف الهيئات يتمثل في التنديد الشديد بالأعمال الإرهابية التي استهدفت الدار البيضاء.
كما أن مختلف الهيئات السياسية المغربية و الفاعلين الجمعويين اعتبروها جرائم وحشية في حق الإنسانية جمعاء. كما أن الناطقين باسم جماعة العدل و الإحسان (عبد السلام ياسين ) أبدوا في أكثر من مناسبة موقفهم المخالف لمواقف و رؤية تنظيم القاعدة و كدا السلفية الجهادية. و أدان قياديو حزب التنمية و العدالة المغربي اعتداءات الدار البيضاء معتبرين أنها جريمة إرهابية وحشية، كما أدانوا مرتكبيها و الدين يقفون وراءهم.
و ظل الموقف الرسمي المغربي هو القائل أن اعتداءات الدار البيضاء لن تؤثر في الإصلاحات الديمقراطية و في المسار الذي اختاره المغرب لأن اختياراته لا رجعية فيها.
و كانت حصيلة انفجارات الدار البيضاء ثقيلة جدا في مدلولها، 45 قتيلا و أكثر من 100 جريح. و كان من بين القتلى 12 انتحاريا و بعض أفراد مصالح الأمن و المواطنين الأبرياء أنها حصيلة ثقيلة مهما كان الأمر، علما أن شجاعة بعض المواطنين العاديين و الحراس و رجال الأمن، و سذاجة بعض الانتحاريين قد ساهمت بشكل كبير في عدم سقوط ضحايا أكثر من دلك، لا سيما و أن الانتحاريين قد ساهمت بشكل كبير في عدم سقوط ضحايا أكثر من دالك، لا سيما أن الانتحاريين منعوا من ولوج فندق فرح و المطعم الإيطالي و أن مقر الرابطة اليهودية كان فارغا تلك الليلة و إلا لكانت الحصيلة أثقل.
على اثر هده الأحداث الدامية تشكلت لجنة تحضيرية لتنظيم مسيرة ضد الإرهاب، ضمت حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و حزب الاستقلال و حزب التجمع الوطني للأحرار و حزب الحركة الوطنية الشعبية و حزب الاتحاد الديمقراطي و حزب التقدم و الاشتراكية و حزب الاشتراكي الديمقراطي و حزب العهد.
و كانت مسيرة يوم الأحد 25 مايو 2003 أضخم تظاهرة يشهدها المغرب، حيت ضمت أكثر من مليوني شخص اصطفوا على طول ثلاثة كيلومترات مرددين شعار موحد " لا للإرهاب... لا للكراهية"، و كانت مناسبة للتعبير عن الإجماع الوطني على رفض الإرهاب و التطرف. و شاركت فيها مختلف الهيئات السياسية و النقابية و الحقوقية و جمعيات المجتمع المدني و حشود من المواطنين توافدوا على مدينة الدار البيضاء من مختلف مناطق المغرب لتأكيد شجبهم و تنديدهم بالإرهاب. و كان على رأس المسيرة عائلات ضحايا الأحداث الإرهابية، وقد انطلقت من أمام فندق فرح أحد الأماكن المستهدفة ليلة 15 مايو 2003 الدامية و لم يشارك في هده المسيرة الإسلاميون بايعاز من السلطة. كما ثم تنظيم العديد من المهرجانات و الوقفات في مختلف المدن المغربية للتأكيد على استنكار الإرهاب و التنديد به.
لقد همت الاعتقالات ما يناهز 950 شخصا, من ضمنهم أجانب قلائل و مغاربة مقيمين بالخارج. كما ظل البحث قائما على أشخاص مطلوبين للعدالة متواجدين بالمغرب و [ألمانيا و ايطاليا و اسبانيا. و أفاد أكثر من مصدر أن عددا كبيرا من أئمة المساجد بالدار البيضاء خضعوا للاستنطاق و التحقيق خاصة بعمالة عين السبع الحي المحمدي باعتبار أن جل الانتحاريين ينحدرون من هذه العمالة.
و أغلب المعتقلين الذين كانت لهم علاقة بشكل أو بآخر بأحداث الدار البيضاء الدامية نقلوا إلى مدينة تمارة قرب العاصمة الرباط للخضوع للتحقيقات و الاستنطاق. و أكثر من 250 شخص قدموا للعدالة في الدار البيضاء و الرباط و طنجة و فاس و القنيطرة.
و لم تكن عمليات إلقاء القبض على المشتبه فيهم عمليات اعتقال عادية, بل إن بعضها كان محفوفا بخطورة كبيرة كما كان الحال في نواحي مدينة الراشيدية بجنوب المغرب مثلا. إذ أن مصالح مراقبة التراب الوطني مصحوبة بفرقة من الأمن و الدرك الملكي داهمت يوم السبت 28 يوليو 2003 منزلا بقرية مولاي محمد و منزلا آخر بقرية تيمزوغين للبحث عن مشتبه في انتمائهم لجماعات أصولية متطرفة. و قد خلفت المداهمة اعتقال خمسة أشخاص من نفس البيت و من عائلة واحدة و ذلك بعدما حال أفراد الأسرة دون اعتقال أحد المتهمين و أبدوا مقاومة شديدة لمصالح الأمن دامت أكثر من نصف ساعة, مما أدى إلى تدخل فرقة خاصة للأمن. و قد وصل عدد الموقوفين بمدينة الراشيدية 23 شخصا اثر ذلك الحدث. كما أنه بمدينة فاس اضطرت مصالح الأمن لاطلاق النار لاصابة أحد زعماء إحدى الجماعات الأصولية المتطرفة و الذي تمترس وراء النساء و الأطفال رفقة بعض رفاقه في أحد المنازل.
و قد كانت لحملة البحث عن المتهمين بعض الانعكاسات استاء إليها البعض لما نالوا من مضايقات و تحملوا من تصرفات لم يقبلوا استساغتها. ومن هؤلاء عجوز تجاوز من العمر الخامسة و السبعين, اشتعل رأسه شيبا و غارت عيناه و بدت التجاعيد على وجهه و جوارحه. بعد أحداث الدار البيضاء قرع بيته بشدة في ليلة حالكة, فتح الباب مذعورا فإذا برجال الأمن يقتحمون بيته و يسوقونه إلى المخفر. و هناك بدأ التحقيق معه و زفت إليه الاتهامات, و بعد ساعتين قيد إلى غرفة حقيرة فيه كرسيان فقط لا ثالث لهما, أحدهما فارغ و الثاني يجلس عليه رجل ضخم الجثة يحمل بيده مقصا و موسى حلاقة. أجلسوا العجوز على الكرسي الفارغ و تكلف صاحب الجثة الضخمة بحلق لحيته البيضاء رغما عنه و دون موافقته و رغم رفضه المستميت. و بعد الافراج عنه اعتكف ببيته إلى أن قرع بابه جاره الذي أتى يتفقد أحواله نظرا لغيابه عن المسجد الذي اعتاد أداء الصلوات الخمس به مند مدة. و عندما فتح الباب فإذا به يكتشف أن جاره هو كذلك فقد لحيته, إذ كان هو كذلك ضمن جملة من الشيوخ الذين حلقت لحاهم رغما عنهم.
و لم تنج إدارة الأمن الوطني هي كذلك من انعكاسات أحداث الدار البيضاء, حيث أكدت مصادر مطلعة أن الإدارة العامة للأمن الوطني أقدمت على توقيف ضابط بالدائرة الثانية للأمن بالدار البيضاء و ذلك بسبب التقصير في العمل. كما تم تعيين الجنرال حميدو العنكري, رئيس إدارة المحافظة على التراب الوطني (المخابرات المغربية) مديرا عاما للأمن الوطني و ذلك لتحديث المؤسسات الأمنية و تجديد المهام فيها. و قد اعتبرت التغييرات في أجهزة الأمن و الإدارة المركزية لوزارة الداخلية الأهم من نوعها منذ إقالة وزير الداخلية السابق إدريس البصري. كما أن وزير العدل المغربي صرح لجريدة مغرب اليوم الصادرة بالفرنسية بالمغرب أن الأحداث الدامية لمدينة الدار البيضاء دفعت المغرب للتأكيد على إعادة النظر في مجموعة من المجالات و على رأسها المجال الأمني.
و كانت أحداث الدار البيضاء السبب الرئيسي في تسليط الأضواء الكاشفة على حي سيدي مومن المهمش منذ عدة سنين خلت, و هو الحي الذي جاء معظم منفذي اعتداءات يوم الجمعة 16 مايو.
كما كانت السبب الرئيسي لإعادة النظر في التعامل مع إشكالية السكن غير اللائق بالبلاد و غيرها من المشاكل الاجتماعية العويصة.
علاوة على أن أحداث الدار البيضاء سهلت بدرجة كبيرة للإفراج على قانون مكافحة الإرهاب من المحاصرة التي كانت تطوقه بمجلس النواب اعتبارا للانتقادات العديدة و المتعددة التي أثاره. و بذلك تمت المصادقة عليه بسرعة غير مسبوقة و دخل حيز التنفيذ يوم 29 مايو 2003. و بمقتضاه أصبحت محكمة الاستئناف بالرباط هي المختصة بمحاكمة المتورطين في القضايا الإرهابية.
التحقيقات
كان أول خيط مسك به المحققون هو الانتحاري الناجي (محمد العمري) من انفجار فندق فرح يوم الجمعة 16 مايو 2003. و هو الذي كشف هوية خلايا الانتحاريين و المخططين للعمليات الانتحارية.
في البداية توجه رجال الأمن إلى منزل بحي المسيرة بالدار البيضاء, و هنا عثروا على عبوة ناسفة و بقايا مواد تستعمل في تصنيع المتفجرات و القنابل اليدوية. و بعد ذلك تم إلقاء القبض على شخص حاصل على الإجازة في الفيزياء كان قد ساعد الانتحاريين في صنع المتفجرات باستعمال البارود. و تلت ذلك اعتقالات واسعة في صفوف عناصر جماعة السلفية الجهادية و جماعة الصراط المستقيم و جماعة الهجرة و التكفير, لاسيما في مدينتي الدار البيضاء و المحمدية المجاورتين.
آنذاك حضر إلى المغرب, للمساهمة في التحقيقات أربعة عشر – 14 - من الشرطة القضائية الأمنية الفرنسية و الفرقة الوطنية الفرنسية لمحاربة الإرهاب, وكذلك ستة-6- عناصر من مصلحة الاستعلامات الاسبانية.
و قد كشف التحقيق على معلومات تفيد أن عمليات إرهابية أخرى كانت بصدد التخضير لضرب مدينة مراكش. و هكذا بدأت أسماء تتساقط, حيث أعلنت مصالح الأمن في البداية عن أسماء تسعة أشخاص. و خلال وقت وجيز سقط أغلب المبحوث عنهم في قبضة رجال الأمن في القنيطرة و فاس و الرباط و وجدة و طنجة. و تم عرض أول مجموعة على قاضي التحقيق يوم 26 مايو 2003, أي بعد عشرة أيام من وقوع أحداث الدار البيضاء الدامية.
و في يوم 25 مايو 2003 تمكنت عناصر الشرطة من اعتقال المدعو – مول السباط- الذي يعتبر القائم على تفجيرات 16 مايو 2003 بمدينة فاس بعد تطويق الحي الذي يقطنه و اقتحام منزله. و كان – مول السباط- هذا هو المصدر الذي أصدر أوامر التنفيذ للانتحاريين الذين فجروا أنفسهم.
و توالت بعد ذلك الاعتقالات و اكتشفت مصالح الأمن مركزا للتدريب بضواحي مدينة فاس و مركزا للتكوين الإيديولوجي – مركز تقوية الإيمان- في ضيعة بنواحي نفس المدينة و قاعة لممارسة الرياضة محتكرة من طرف عناصر أصولية و دارا للضيافة كانت مخصصة للزوار القادمين من المدن و المناطق المختلفة من المغرب.
و في يوم 19 مايو 2003 ضبطت مصالح الأمن بأحد المنازل بالدار البيضاء موادا كيماوية قابلة للانفجار محشوة في قنينات من حجم لتر واحد. و تشابكت المعلومات التي أسفرت عنها التحقيقات لتؤدي إلى بروز شخص أجنبي فرنسي الجنسية – روبير أنطوان ريشارد – إذ ورد اسمه في البداية على لسان أحد المعتقلين من عناصر السلفية الجهادية بمدينة فاس. كما بينت التحقيقات أن الفرنسي المذكور عقد عدة لقاءات بالعاصمة العلمية للمغرب – فاس- و تمكن من لف حوله مجموعة من الأتباع. كما تبين أنه التقى بأبي حفص, و كان في كل اجتماع يطلب من أتباعه أن يستعدوا نفسيا للجهاد.
و في ليلة الاثنين ثاني يونيو 2003 تمكنت مصالح الأمن من القاء القبض على روبير ريشارد أنطوان بغابة بنواحي مدينة طنجة بعد مطاردته. و كشفت التحريات ضلوعه في تشكيل خلايا لتيارات التكفير و الهجرة و السلفية الجهادية و ربطها بخلايا الإرهاب الدولي. و هذا في إطار التهييء لتنفيذ عمليات لضرب مراكز سياحية بشمال المغرب.
كما كشفت التحريات أنه تم التخطيط في صيف 2002 لعمليات استهدفت مراكز سياحية بالمغرب, إلا أنها أرجئت بعد اعتقال العديد من عناصر السلفية الجهادية التي كان من المفروض أن تقوم بتنفيذها.
و بحر نفس الأسبوع الذي تم فيه وضع اليد على الفرنسي روبير تمكنت مصالح الأمن من إلقاء القبض على خمسة مغاربة كلهم متهمين باقتراف عمليات إجرامية و سرقات و عمليات سطو يعتقد أن عائداتها كانت توجه لتمويل العمليات الإرهابية المخطط لها.
و قد استطاعت الشرطة الاسبانية من إلقاء القبض على المغربي المدعو عبد العزيز بنيعيش بالجزيرة الخضراء, و التي استقر بها منذ بضعة أشهر بعد أن حلق لحيته بمجرد علمه بظهور صورته على شاشة التلفزة المغربية و نشرها على الصحف ضمن صور المبحوث عنهم.
و كشفت التحقيقات عن ارتباط خلية طنجة بخلية قاس, إذ كانت عناصر كلا الخليتين تخوض تداريب شبه عسكرية تحت إشراف الفرنسي روبير أنطوان الذي سبق له أن تلقى تداريب عسكرية بمعسكر خلدن بأفغانستان, فيما تولى منظرو السلفية الجهادية التأطير النظري و العقائدي.
و أفادت الأبحاث أن عناصر خلية مدينة القنيطرة كانت تربطهم علاقة بخلايا الدار البيضاء التي نفذت انفجارات 16 مايو بها. و كان أمير هذه الخلية – المدعو أحمد ماطو- على علاقة بمحمد الفزازي و حسن الكتاني و أبي حفص منظري السلفية الجهادية.
و علاوة على الحلقات التكوينية التي تحث على التكفير و التطرف و استعمال العنف لتغيير المنكر, كانت خلية القنيطرة تقوم بتداريب شبه عسكرية بإحدى الغابات المجاورة للمدينة.
و تبعا للتحريات التي قامت بها مصالح الأمن من درك ملكي و شرطة و مخابرات تم تنظيم حملة منسقة و خطة تمشيطية باستعمال طائرة مروحية و الكلاب المدربة, حيث تم اقتحام جملة من المنازل بقرية سيدي الطيبي بناحية مدينة القنيطرة, و تمكنت مصالح الأمن من اعتقال ثلة من الأشخاص من بينهم أمين مال فرع حزب العدالة و التنمية بالمنطقة.
كما قامت مصالح الأمن بمحاصرة مقر المكتب الوطني للكهرباء بالناحية, ثم توجه 12 فردا من رجال الشرطة بالزى المدني إلى أحد المكاتب لاعتقال أحد المستخدمين و اقتياده إلى المخفر.
و من جهة أخرى كشفت التحريات أن المتفجرات المستخدمة كانت من صنع محلي استعملت فيها مواد قابلة للانفجار و المعروفة بتركيبتها السريعة الاشتعال. حيث تم خلطها بمادة كيميائية تدعى – سانتيكس- و هي المادة المشهورة بالبلاستيك ذات قوة تدميرية كبيرة.
و أفادت المعلومات المتوصل إليها عبر التحقيق و التحري أن أمراء الخلايا كانوا يعقدون لقاءات منتظمة منتظمة انتهت إلى تقسيم الأماكن المستهدفة بحيث تكلفت خلية مول السبط بتنفيذ عمليات الدار البيضاء. كما كانت تستعد للقيام بتفجيرات أخرى بمراكش و الصويرة و أكادير. في حين كانت خلية روبير أنطوان تستعد للقيام بعمليات بكل من طنجة و فاس و مناطق أخرى بشمال البلاد و منها مضيق جبل طارق.
و بفضل تحرياتها تمكنت مصالح الأمن الوطني من إلقاء القبض على عبد الوهاب الرباع – أحد أقطاب التطرف- بمدينة مكناس عندما كان رفقة خمسة عناصر أخرى بأحد المنازل. و تم اعتقاله بعد مواجهات بينه و بين قوات الأمن التي اضطرت إلى استعمال الأسلحة النارية مما أدى إلى إصابته قبل استسلامه. و قد أفاد التحقيق معه أنه سبق أن أدين في قضية سرقة الأسلحة من الثكنة العسكرية لمدينة تازة و حكم عليه غيابيا بعشرين سنة حبسا نافذا.
و لقد أوضح مصدر بأن مجموعة من الأشخاص كانوا يخططون للقيام بعمليات انتحارية في مدينة فاس قبل عمليات الدار البيضاء و لكن الحصار الأمني المفروض على المدينة من جراء الأحداث التي قامت بها عناصر السلفية الجهادية بها في صيف 2000 حالت دون ذلك. و بذلك تم إرجاء العمليات المخططة لما بعد أحداث الدار البيضاء.
و بخصوص انتحاريي الدار البيضاء أفاد البحث أنهم قاموا بعدة تجارب لصنع المتفجرات استعانة بالمعلومات المستقاة من شبكة الأنترنيت إلى أن تمكنوا من صنعها.
و في اجتماع ضم أمراء الخلايا الأربعة للدار البيضاء قام مول السباط بإخبارهم بضرورة الاستعداد للقيام بعمل جهادي, و بعد اللقاء تكلف عبد الفتاح بوليقضان بتحضير و تصنيع المتفجرات إذ قام باقتناء 88 علبة من مادة متفجرة و ثلاجة متوسطة الحجم بعد حصوله على التمويل من الأمير مول السباط الذي أمده بمبلغ 18800 درهم (1880 دولار) على فترات.
آنذاك ازدادت و وتيرة الاجتماعات بين الإرهابيين أكثر من السابق, و عقد مول السباط اجتماعا آخر مع أمراء الخلايا الأربعة لإخبارهم بوقوع الاختيار على أربعة أهداف و هي فندق فرح و مقهى و مطعم دار اسبانيا و مطعم في ملكية يهودي و مقر الرابطة اليهودية و هذا كان يعني مجموعة عبد الفتاح بوليقضان, أما مجموعات عبد الصمد الولد و خالد مراسل و ياسين لحنش فقد أخبرهم الأمير مول السباط بأنهم سيقومون بعمليات انتحارية في فترة لاحقة بعد ثلاثة أشهر من انفجارات الدار البيضاء و ذلك بمدينة الصويرة و مراكش و أكادير. و فعلا تم الاتفاق على القيام بالعمليات يوم 9 مايو 2003 إلا أنه تم تأجيل الموعد بسبب عدم التمكن تهييء المتفجرات و كل الانتحاريين في الموعد, و هكذا كان الارجاء إلى 16 مايو.
و في يوم 14 مايو اجتمع كل من حسن الطاوسي و عبد الفتاح بوليقضان و محمد العمري بمنزل هذا الأخير و استمعوا جميعا لشريط – الرحلة إلى الديار الآخرة- للمدعو المرعي. ثم أعدوا اللمسات الأخيرة لاستكمال تحضير المتفجرات.
و مساء يوم الخميس الموالي التحق بمنزل محمد العمري كل من محمد العروسي و التائب و كوثري و عبد الرحيم بالقايد و رشيد خليل. و بعد تناولهم العشاء أخبرهم عبد الفتاح بأن سعيد عبيد قد أنهى مهمة معاينة و تحديد الأماكن المستهدفة.
و في صباح يوم الجمعة 16 مايو التحق بهم محمد حسونة و محمد غرباوي فتناولوا الفطور جميعا و اغتسلوا الواحد تلو الآخر. و بعد ذلك شاهدوا شريطا يتمحور موضوعه حول الموت و أهوال القبور. و بأمر من عبد الفتاح بوليقضان لم يغادر أحد المنزل, ماعدا محمد العمري صاحب المنزل الذي أدى صلاة الجمعة بمسجد بأمر من الأمير مول السباط. و بعد عودته في حدود الساعة الثانية و النصف تابع مع باقي الانتحاريين مشاهدة شريط عشاق الشهادة و شريط جحيم الروس قبل أن يخرج ثانية لإحضار الحليب و التمر, إذ كان عدد منهم صائما ذلك اليوم كما اقتنى شاندويشات للجميع.
قام الجميع بأداء صلاة المغرب و العشاء جمعا, و بعد ذلك قام خالد بنموسى بحلق ذقون الانتحاريين, و تولى عبد الفتاح بوليقضان ضبط الساعات اليدوية على الساعة العاشرة ليلا, فيما قام محمد مهني بإيصال الخيوط الكهربائية بمفتاح تشغيل الكهرباء المرتبط بالبطاريات ثم وزع الولاعات و الحقائب على الحاضرين بعد تقسيمهم على أربع مجموعات و هو يحثهم على ضرورة استعمال السلاح الأبيض ضد أي حارس أو أي شخص يمنعهم من الاقتراب من الأهداف أو الولوج إليها. و في حالة المقاومة أرشدهم إلى استعمال القنابل اليدوية. ثم و دعوا بعضهم البعض مرددين موعدنا في الجنة إن شاء الله و اتجهوا إلى أهدافهم في غفلة من الجميع.
و هكذا توجهت مجموعة خالد بنموسى الى دار اسبانيا و كانت تضم لعروسي, الغرباوي و حسونة. و اتجهت مجموعة سعيد عبيد إلى مطعم بوزيطانو و كانت تضم عادل الطايع و يوسف كوثري. و اتجهت مجموعة محمد مهني إلى مقر الرابطة اليهودية و كانت تضم خالد الثائب و عبد الرحيم ولد دوار الغالية و رشيد خليل. و اتجهت مجموعة عبد الفتاح بوليقضان إلى فندق فرح و كانت تضم حسن الطاوسي و محمد العمري و حسن اسمير.
و كان القاسم المشترك بين أفراد مختلف الخلايا, مع اختلاف المهمات و الأدوار, هو التخطيط للقيام بأعمال ارهابية استهدفت مناطق حساسة بالمغرب و رصد نقل الأموال للسطو عليها لاستعمالها في العمليات الإرهابية.
الاستعداد لليوم المعلوم
لقد خطط الإرهابيون لاستهداف جملة من المدن المغربية، و وفق تنظيم محكم يرمي بادئ الأمر إلى استقطاب المؤهلين ليكونوا انتحاريين و قنابل بشرية، و دالك عبر مراحل مدروسة ضمن مخطط عام.
و كانت أول خطوة هي تحديد الشرائح الاجتماعية و المواقع الجغرافية المناسبة للاستقطاب. و هكذا وقع الاختيار على قاطني الأحياء المهمشة من الشباب محدودي الثقافة و التكوين و التجربة في الحياة.
و من المعروف إن مثل هده الأحياء تتميز بانتشار الأمية و استفحال البطالة و شبه انعدام الأمن بين دروب و مسالك المساكن القصديرية.
و في أحد الأحياء "كاريان طوما" بحي سيدي مومن بالعاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية –مدينة الدار البيضاء- شرعت العناصر الأولى من الإرهابيين في عقد اللقاءات و الاجتماعات لا سيما في دكان عبد الرزاق الرتيوي الذي خصص حيزا من محله التجاري كمقر لالتقاء تلك العناصر و ملتقى للإرهابيين في غفلة من العيون.
و اقتصرت الاجتماعات في بداية الأمر على حفظ القرآن الكريم و الأحاديث النبوية و إقامة صلاة الجماعة في أوقاتها بانتظام و كان المستقطبون يتلقون دروسا يلقيها عليهم كل من عبد اللطيف أمرين و محمد مهني، كما كانوا يتبادلون الكتب و الأشرطة فيما بينهم.
و قد بدا الأمر عاديا و طبيعيا بين سكان الحي، شبان ملتزمون دينيا يجتمعون لحفظ كتاب الله و التفقه في الدين و هدا ما استحسنته أغلبيتهم.
و مما سهل تنفيذ خطة الإرهابيين أن علاقة الجوار كانت تجمع بين الأغلبية الساحقة للمستقطبين، و هدا ما ساهم في توفير الشروط المواتية لتشكيل خلايا بدت لدى سكان الحي مجرد علاقة جوار والتزام ديني بريء.
و كان العقل المدبر للخطة، مول السباط، لا يتردد على الحي طيلة المرحلة الأولى حفاظا على سرية النواة الأولى لمشروع الانتحاريين
لقد كان أغلب الانتحاريين الدين فجروا أنفسهم يوم الجمعة 16 مايو 2003 بالدار البيضاء يجتمعون بدكان عبد الرزاق الرتيوي، لاسيما بين صلاة المغرب و صلاة العشاء مرتين في الاسبوع على الأقل.
و كانت عملية استقطاب الشبان جارية في "كاريان طوما" بحي سيدي مومن بالدار البيضاء سارية على قدم و ساق، مستغلين توافدهم مسجد الحي. و لم تمضي أسابيع قليلة حتى وصل عدد المستقطبين 16 شابا في مقتبل العمر، تم تقسيمهم إلى أربع مجموعات تجتمع كل واحدة على حدة، و ضمت كل مجموعة خمسة أفراد في ربيع عمرهم و قد عثرت مصالح الأمن على مخطوط يحمل أكثر من ثلاثين اسما و من ضمنهم أسماء و ألقاب كل الانتحاريين المشاركين في أحداث الدار البيضاء الدامية.
و بعد هده المرحلة تطورت اجتماعات و لقاءات الإرهابيين، حيث بدأوا يستعملون الأشرطة السمعية و أشرطة الفيديو لبث ايديولوجية الموت و الدمار و الأفكار الإرهابية في صفوف المستقطبين و منها على وجه الخصوص "جحيم الروس" و شريط "عشاق الشهادة".
و هكذا يتبين أن الخطة تأسست مند البداية على استدراج المستقطبين لكمين الإرهاب من حيث لا يدرون و لا يشعرون.
فبالنسبة لانتحاري الدار البيضاء لم يكن أحد منهم يعلم بالرأس المدبر للتنظيم و أهدافه و من يرسم و يقرر و يعطي التوجيهات و من يمول الأنشطة، فكل ما كانوا يعلمونه أن يوسف الكوثري و عبد اللطيف أمرين كانا هما الشخصيتين البارزتين اللتان اضطلعتا بالتنسيق بين المجموعات. كما أن اسم السلفية الجهادية ظل مبهما و غامضا لديهم لم يسمعوا عنه إطلاقا رغم أنهم كانوا يعتبرون أعضاء نشيطين فيه.
و في مرحلة موالية بدأ استدعاء شيوخ السلفية الجهادية لإلقاء الدروس قصد تأكيد و تأصيل القناعات. و لمزيد من الاحتياطيات كانت تقام مناسبات، ظلت في غالب الأحيان وهمية أو مفتعلة، كحفلات الزفاف و العقيقة، لتغطية دعوة هؤلاء الشيوخ لنشر إيديولوجية الموت و الدمار تحت اسم الجهاد و تغيير المنكر. و طبعا كان الانتحاريون على الدوام من المدعوين الأوائل من حيث لا يدرون و هكذا توافد على الحي محمد الفيزازي و كدالك عبد الكريم الشادلي و عمر الحدوشي.
و بعد التشبع بأفكار المتطرفة و بأفكار التفكير على يد الشيوخ انتقل التنظيم في الخطوة الموالية إلى الاستعداد البدني ة الجسماني و هكذا كانوا يتوجهون إلى مناطق نائية، و بعيدة عن الأنظار، و يعتكفون لأيام بها قد تصل إلى شهر لخوض التداريب الرياضية التي تكلف بالسهر عليها رشد خليل، لا سيما تدريبهم على فنون الحرب و الدفاع عن النفس.
و بعد دلك بدأ الاستعداد الفعلي و النهائي في آخر لمساته للقيام بالعمليات الإرهابية.
و كان لابد من الحصول على المتفجرات، لدلك دأب محمد مهني و عاطل الطايع على التردد كثيرا على نوادي و مقاهي الانترنيت للبحث و التنقيب في مواقع الشبكة العنكبوتية للويب عن مواضيع و معلومات ذات علاقة بصنع المتفجرات و إعدادها. كما عملا على نسخ كل المعلومات المحصل عليها على قرص مغناطيسي مدمج لاستخراج منه ما يحتاجان من المعطيات لاحقا. و فعلا استخرجا منه المعلومات المطلوبة و كانت برمتها باللغة الإنجليزية و تكلف عبد اللطيف بويقضان بترجمتها إتقانه للإنجليزية. إلا أن المجموعة لو توفق في استيعاب مضامينها، لا سيما فيما يخص طبيعة المواد اللازمة لصنع المتفجرات و الداخلة في تركيبتها و بعد اتضاح فشلهم في هدا الصدد اتصل عبد اللطيف بويقضان بأمير الجماعة عبد الحق بنتاصر "مول السباط" و اقترح عليه باستعمال قنينة غاز من الحجم الصغير فارغة يتم فتح مدخلها لإدخال سلكين كهربائيين ملحمين بمصباح صغير ثم إعادة تلحيم القنينة و ملئها بالغاز، و عند إيصال السلكين سيقع انفجار.
إلا انه لم تعتمد هده الطريقة، لن الانتحاريين توصلوا إلى صنع قنابل و متفجرات باستعمال مواد كيماوية متداولة في الأسواق المغربية و منتشرة الاستعمال في جملة من الحرف و القطاعات.
و مهما يكن من أمر، إن ما وقع بالدار البيضاء ليلة الجمعة 16 مايو 2003 اعتبر تحديا بالنسبة لكافة المغاربة و للنخبة المثقفة و الواعية. انه تحد سافر من طرف الجماعات الظلامية.
و قد صرح وزير العدل المغربي أن المسؤولين عن تنفيذ اعتداءات الدار البيضاء كانوا يهدفون إلى المس بأمن و سلامة المغرب معتبرا أن العامل الاقتصادي و الاجتماعي لا يمكن أن يكون مبررا للقيام بمثل هذه الأعمال. و قد وصف الاعتداءات بأنها تشكل أبهى صور الإرهاب بالكيفية التي نفذت بها.
و قد اتفق المغاربة قاطبة أن الهدف الأساسي من الأعمال الإجرامية التي شكلت الدار البيضاء مسرحا لها يوم الجمعة 16 مايو 2003 و التي كانت ستتبعها أخرى, هو المس بالسلم و الاستقرار و زعزعة الاختيارات المجمعية المبنية على الحداثة و الانفتاح على الثقافات و الحضارات و لزعزعة الصورة التي يحظى بها المغرب على الصعيد العالمي, علما أنها اختيارات و أنه مشروع مجتمعي لا رجعة فيه.
الانتحاريون
إن منفذي عمليات ليلة الجمعة 16 مايو 2003 بالدار البيضاء كلهم مغاربة, 14 مغربي, أغلبهم من سكان دور الصفيح و أحياء مهمشة بحي سيدي مومن بالعاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية. و كلهم في مقتبل الشباب, ما بين 19 و 25 سنة. و كلهم كانوا ينتمون لأوساط فقيرة, عاطلين أو يزاولون مهنا هامشية بسيطة جدا. كما أنهم – كلهم – تركوا الدراسة مبكرا في السنوات الأولى من مشوارهم التعليمي, و لم يتعد تكوينهم السنوات الأولى من التعليم الإعدادي.
و يعتبر عبد الحق بنتاصر الملقب بمول السباط – الذي توفى مباشرة بعد اعتقاله – أمير الانتحاريين و الرأس المدبر و صاحب الأمر في تنفيذ الاعتداءات الإرهابية التي عصفت بالسكينة التي كانت تعرفها مدينة الدار البيضاء, أكبر مدن المغرب على الإطلاق.
كان الانتحاريون الأربعة عشر يحملون معهم المتفجرات و قنينات احتياطية معبأة بمادة شديدة الانفجار أمروا باستعمالها في حالة ما ادا تعذر عليهم تفجير أنفسهم في الوقت المحدد, و التي كانت موضوعة في حقائب متشابهة يحملونها على أكتافهم.
و محمد العمري هو أحد هؤلاء الإرهابيين, و هو الذي شكل الخيط الرابط الأول لكشف أخطبوط التنظيمات الإرهابية بالمغرب. لقد كان من المقرر أن يفجر نفسه في فندق فرح بالدار البيضاء, إلا أنه ألقي عليه القبض بعد تراجعه عن التضحية بنفسه و محاولة الفرار من موقع الحادث.
و رشيد خليل, هو كذلك من الانتحاريين تراجع عن تفجير نفسه في مقر الرابطة اليهودية بالدار البيضاء و فضل الفرار. أما ياسين الحنش, فكان من المقرر أن يشارك في تنفيذ عمليات إرهابية خارج مدينة الدار البيضاء بمدن أخرى كأكادير و مراكش و الصويرة و طنجة و هي مدن تعرف رواجا سياحيا و يعمها أجانب على امتداد السنة.
محمد العمري/ من مواليد الدار البيضاء بحي سيدي مومن, كان هو الخيط الرابط و المنسق الأساسي للمجموعات الانتحارية. و قد صرح أن زميله عبد الفتاح بوليقضان هو الذي سهر على تحضير المتفجرات من خلال استعمال الماء القاطع و الأوكسجين و مادة أخرى قام بمزجها بباقي المواد. كما أنه هو الذي مد الانتحاريين بآخر التعليمات و ظل معهم دون مفارقتهم إلى أن حانت ساعة اقتراف الجرائم الرهيبة.
عبد الفتاح بوليقضان/ بالغ من العمر 28 سنة شاب خجول و انطوائي بشهادة جميع من كانوا يعرفونه, متزوج و أب لطفل وحيد هجرته زوجته بسبب جفائه لها. كان من شبان حي سيدي مومن بالدار البيضاء, الأوائل الدين طوقتهم إيديولوجية الموت الرخيص من حيث لا يدرون و لا يشعرون. و هو الذي ترأس المجموعة الانتحارية التي قسمها إلى عدة خلايا و عين كل من أحمد مهني و خالد بنموسى على رأسها. و ضمت هده الخلايا محمد الصائع و سعيد عبيد و محمد حسونة و رشيد خليل و كوثري و يوسف و خالد الثائب و أحمد العروسي.
أحمد العروسي/ كان يراوده حلم – الحريك – أي العبور إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط قبل أن يطلق العنان للحيته و يبتعد على أبناء الحي و تتسع المسافة بينهم.
انه شاب متوسط الطول في السادسة و العشرين من العمر تابع دراسته إلى مستوى الرابعة أعدادي ثم توجه إلى التكوين المهني حيث حاز على الشهادة في الدباغة, إلا أن الدبلوم لم يفتح أمامه أبواب العمل.
أحمد مهني/ يبلغ من العمر 25 سنة, كان ذكيا بين أقرانه. فرغم فقر أسرته تفوق في دراسته و حصل على شهادة الباكالوريا و التحق بالجامعة, إلا أنه توقف في منتصف المشوار. لكن ظل مبعث فخر عائلته التي عقدت عليه آمالا عريضة.
قبل اعتناقه لايديولوجية الموت اشتهر بين أقرانه بمعاكسة للفتيات, لاسيما مطاردة الهاربات من منازلهن عله يفوز بصيد ثمين يفاخر به بين أبناء الحي. لكنه في يوم من الأيام و على حين غرة أطلق العنان للحيته و ارتدى جلبابا قصيرا و أصبح كثير المحاججة في أمور الكفر و التكفير و المنكر و ضرورة التصدي إليه بأي ثمن مهما كان الأمر.
خالد الثائب/ يبلغ من العمر 22 سنة, انقطع عن الدراسة مبكرا. لكنه أثار انتباه الجميع في تفننه في لعبة كرة القدم بملعب الحي الذي كان يعتبر نجمه بدون منازع. و قد توقع أقرانه أن يصبح لاعبا لامعا في إحدى فرق مدينة الدار البيضاء, لاسيما فريق الرجاء البيضاوي أو الوداد البيضاوي ليحلق في عالم التألق و النجومية و الشهرة. لكنه عندما أطلق العنان للحيته هجر لعبة كرة القدم و غاب نهائيا عن ملعب الحي و لم يعد يجالس أحدا من أبناء الحي.
لقد كان معارفه, على اختلاف سنهم, يتوقعون أن يفجر خالد مواهبه على أرضية ملاعب كرة القدم لكنه اختار تفجير نفسه هباء منثورا بعد أن حصدته إيديولوجية الموت و جيشه الإرهابيون في صفوفهم.
سعيد عبيد/ كان معروفا بلقب ولد المسيرة لأن والدته لبت نداء المسيرة الخضراء التي توجهت إلى الصحراء في منتصف سبعينات القرن الماضي, و تقدمت صفوف النساء المشاركات فيها, حاملة المصحف و العلم الوطني و في أحشائها بدرة مواطن و ابن بار لوطنه و عاشق لبلده و غيور عليه.
كان سعيد متفوقا في دراسته و برع في الرياضيات و علم الأعداد و الأرقام. توقف عن متابعة تعليمه بسبب ضيق ذات الأسرة و عمل كمحاسب و برع كذلك في شغله الذي انتشله من الفقر رفقة عائلته و ظهرت آثار النعمة عليه. كان أنيق الملبس يحافظ على تنظيف سيارته الخاصة يوميا. لكنه عندما انقطع عن حلق ذقنه تخلى عن ثيابه العصرية و عن البذلة و ربطة العنق ليرتدي جلبابا قصيرا و يلازم ملتحي الحي إلى أن قرر تفجير نفسه فضاع هو و ضيع معه عائلته.
خالد بنموسى/ كان يبلغ من العمر إحدى و عشرين سنه, قائم على تجارة صغيرة من أجل تدبير مصاريف عيش العائلة. لم تكن رغبته قوية في الدراسة التي لم يمض فيها إلا ست سنوات فقط.
بعد انقطاعه عن المدرسة أخذته والدته لحلاق قصد تعلم حرفة الحلاقة’ و قضى عنده عدة سنوات إلى أن أصبح يداعب المقص و الموسى بيده و يتقن المهنة اتقانا. لكنه بمجرد التقائه بمروجي إيديولوجية الموت انقطع عن التعاطي لمهنة الحلاقة بدعوى أن حلق الذقون كفر. و لم يصبح مداوما على الصلاة إلا بضعة شهور قليلة جدا قبل تفجير نفسه.
يوسف كوثري/ من مواليد 1972, كان يحرص دوما على الظهور أنيقا بين أقرانه. لكن في شهر رمضان سنة 2002 أطلق العنان للحيته و حلق شاربه و أصبح يداوم ارتداء جلباب قصير.
اشتعل لمدة أربع سنوات في مصنع تابع للقطاع الخاص لكنه تعرض لحادثة شغل فتنكر له صاحب المعمل. و رغم توجهه إلى القضاء لم يحصل على تعويض و لم تنصفه العدالة. و كانت النتيجة طرده من العمل أد أن رب المعمل لم يستسغ لجوء يوسف للعدالة للمطالبة بحقه الأكيد.
و ظل عاطلا إلى أن قدم على تفجير نفسه بعد أن أحاطت به خيوط إيديولوجية الموت وجيشه القائمون على ترويجها بالمغرب.
عادل الصائع/ عمره 23 سنة, أقبل على دراسته بتهم شديد إلا أنه سرعان ما اعتراه الفتور, فاتجه إلى التكوين المهني لاختزال الوقت و المجهود قصد التمكن من الحصول على عمل يساعد به عائلته و يساهم في إعالتها. حصل فعلا على الشهادة لكنه لم يفلح في وجود أي عمل. و عندما طوقته ايديولوجية الموت تجنب أقرانه و رفقاء الدراسة و أبناء الحي و اختلى بأخيه في الرضاعة خالد بنموسى ليصنعا من نفسيهما قنبلتين بشريتين انفجرتا ليلة الجمعة 16 مايو 2003 بدينة الدار البيضاء.
رؤوس الإرهاب – رجال الميدان
هناك ثلاثة أسماء برزت بشكل ملفت للنظر بخصوص إصدار الأوامر و الإعداد للعمليات الإرهابية بالمغرب, و هي مول السباط و عبد الوهاب الرباع و بيير أنطوان الفرنسي.
و عبد الحق بنتاصر, المعروف بلق مول السباط، يعتبر الرأس المدبر لاعتداءات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء, توفى أثناء التحقيق معه ليلة الاثنين إلى الثلاثاء 26 و 27 مايو 2003، أي بعد يومين من اعتقاله بمدينة فاس، و هدا ما حال دون الكشف عن المزيد من التفاصيل.
أما عبد الوهاب الرباع فقد اعتقل بمدينة مكناس بعد مواجهة ضارية بينه و بين قوات الأمن تم خلالها إطلاق النار مما أدى إلى إصابته و نقله إلى المستشفى قبل الشروع في التحقيق معه.
و يظل اسم روبير بيير ريشارد أنطوان هو الذي أثار انتباه الجميع، اد وصفته الصحافة المغربية بالأمير صاحب العيون الزرق. و هو من مواليد مدينة سان تيتيان الفرنسية، متزوج بمغربية و أب لطفلين اعتنق الإسلام مند كان سنه 17 سنة، زار عدة بلدان من ضمنها تركيا و إيران و باكستان. في البداية كان ينوي استقطاب متطرفين مغاربة لتنفيذ عمليات إرهابية بالتراب الفرنسي، إلا أنه تخلى عن هده الفكرة و عوضها بالجهاد بالمغرب.
تردد عدة مرات على أفغانستان و تمكن من الحصول على عدة مؤهلات و تلقى هناك تعليمات بتكوين خلية الانتحاريين للقيام بتنفيذ مخططات إرهابية. تزوج بمغربية، كما فعل أفراد الخلية النائمة لتنظيم القاعدة بالمغرب من قبله. استقر رفقة زوجته بفرنسا لمدة قبل العودة إلى المغرب سنة 1996 حيث قطن بمدينة طنجة بشمال المغرب. و هناك شرع في استقطاب العناصر لتشكيل خليته للقيام بأعمال إرهابية. و هدا ما صرحت به عناصر مجموعة يوسف فكري. حيث يستفاد من محاضر الضابطة القضائية أن التخطيطات التي كانت جارية آنذاك كانت تستهدف اعتراض حافلات السياح الأجانب و حجز رهائن منهم و ذبح بعضهم، إلا أنها أرجئت و لم تدخل حيز التنفيذ بسبب اعتقال بعض العناصر التي ساهمت في التخطيط لها.
و لضمان التمويل اللازم قامت مجموعة روبير بيير أنطوان بتنفيذ عدد من عمليات السطو و السرقات.
و بعد أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء غادر روبير البيت الزوجية، و بعد 10 أيام من غيابه أخبر زوجته بواسطة شقيقها بضرورة رفع دعوى الطلاق لأنه لم يتمكن من العودة إليها.
فبعد تلقيه لتداريب في معسكرات أفغانستان على استعمال الأسلحة و تفكيكها و صنع المتفجرات و استعمال الألغام و القنابل اليدوية و حروب العصابات استقر بطنجة تحت غطاء المتاجرة في السيارات و أخد يتردد على مساجدها حتى تمكن من ربط علاقات مع عناصر التيار السلفي الجهادي.
و عندما علم بيير روبير بالبحث عنه من طرف الشرطة اتصل برشيد لعروسي و كلفه بالاتصال بقنصلية فرنسا بطنجة قصد حمايته. و قد وعده رشيد هدا بالقيام بالمطلوب بعد أن حدد معه موعدا يوم غد. و عندما وصل الفرنسي إلى المكان وجد رشيد على مثن سيارته و بمجرد الاقتراب منها انقض عليه رجال المخابرات المغربية و ألقوا القبض عليه.
و لقد اعترف صاحب العيون الزرق أمام المحكمة أنه التقى أبا حفص و حسن الكتاني، لكن لغرض واحد حسب زعمه و هو طلب النصح و المشورة حول أحسن السبل لتطليق زوجته المغربية.
كما أكد لهيئة المحكمة أنه اضطر لتوقيع المحضر عند الضابطة القضائية بتمارة تحت طائلة التعذيب و أن بعض التوقيعات الواردة بالمحضر المذكور ليست توقيعاته و إنما تم تزويرها و أنه ينوي إقامة دعوى في هدا الشأن بعد ترحيله إلى فرنسا.
و خلال المحاكمة و بطريقة مفاجئة طرح روبير أنه على علاقة بالمخابرات الفرنسية، و هدا ما أنكرته على التو باريس. و أعان روبير مرة ثانية أنه تعرض للتعذيب و الاغتصاب و أكرهوه على الجلوس على القنينات، مضيفا أنه عاين تعديي الرجال و النساء حتى كبار السن منهم. و قال أن عناصر المخابرات بتمارة منعوه من الصلاة و اضطر للقيام بها خلسة، في حين أنه عندما كان معتقلا ببلجيكا لمدة 5 أشهر سنة 1998 كانوا يوفرون له هناك مختلف الشروط للقيام بشعائره يوميا و لم يمنعوه يوما من الوضوء أو إقامة الصلاة.
و بخصوص علاقته بالمخابرات الفرنسية صرح روبير للمحكمة أنه في غضون سنة 1998، قبل تنظيم كأس العالم لكرة القدم بفرنسا، اتصل به المسمى لوك من المخابرات الفرنسية و طلب منه القيام بتحريات حول الإسلاميين الجزائريين بفرنسا و الإسلاميين عموما ببلجيكا. إلا أنه عندما سألته هيئة المحكمة عن علم المخابرات الفرنسية بسفره إلى المغرب رد أنه لا يمكنه الإجابة على هدا السؤال لعلاقته بسر الدفاع الفرنسي.
و لقد جاء في محضر الضابطة القضائية أن روبير بيير أنطوان كان يعد للقيام بعمليات ضد مصالح الأمن و الجيش بمدينة شفشاون المغربية كخطوة أولى لفتح جبهة من أجل إقامة دولة إسلامية مستقلة بشمال البلاد.
كما أن النيابة العامة أكدت في مرافعتها أن 18 متهما أقروا كلهم بأن روبير بيير كان أميرهم، و أن الخلايا التي كان قائما عليها كانت تعد العدة لاقتراف جرائم إرهابية استهدفت محلات تجارية و مراكز سياحية بعدة مدن من ضمنها طنجة و فاس و الرباط و شفشاون و مكناس، و كان كازينو مدينة طنجة على رأس قائمة الأهداف.
منظرو الإرهاب
لقد كشفت أحداث الدار البيضاء عن وجود منظرين ساهموا بشكل أو بآخر في الترويج لإيديولوجية الموت و الدمار بالمغرب. و من هؤلاء محمد الفزازي و حسن الكتاني و عبد الكريم الشادلي و عمر الحمدوشي و زكرياء الميلودي و أبو حفص و يوسف فكري.
محمد الفيزازي
يعتبر محمد الفزازي من الأسماء البارزة بين منظري السلفية الجهادية، و قد أعلن مبكرا و بكل وضوح عن أفكاره المتطرفة.
ففي سنة 2001 بعث إلى جريدة ألأحداث المغربية و هي صحيفة مغربية تصدر بالمغرب ببيان حقيقة جاء فيه ما يلي :
نعم إن الإسلام دين الإرهاب... و الذبح (...) و أن الموسيقى و الرقص و الغناء مناكر... و الحلق اللحيةأموال الناس بالباطل (...) و حلق اللحية حرام (...) و قاتل فرج فودة مسلم غيور على دين الله (...) و يا ضحايا التغريب كفرنا بكم فاسمعون...
و الفزازي هذا من مواليد سنة 1948 بنواحي مدينة تازة دأب على وصف المفكرين بطائفة المرتدين و الملحدين و عصابة الطاغين في الدين و أن لا حوار معهم إلا بالقتل.
و الغريب في الأمر هو أنه رغم مستواه التعليمي المتواضع تمكن الفزازي من اعتلاء منبر الدعوة بعاصمة العلم مدينة فاس سنة 1976 و لم يفارقه إلا سنة 1980. كما كان خطيبا بمسجد بهامبورغ و هناك ألقى خطبا تدعو جهرا و صراحة لذبح اليهود و الصليبيين. لكنه خلال محاكمته كان شخصا آخر، قلب كل الحقائق التي كان سبق له أن أكدها و بوضوح. و حاول جاهدا التنصل من كل الأفكار الداعية للعنف و المحرضة غليه ليظهر بصورة الداعية المسالم الذي جعل من دعوته و وسيلة لمحاربة الشر.
لقد دعا محمد الفزازي لأفكار متشددة لم يحد عنها طوال مشواره، لكنه نفى أمام المحكمة كل ما سبق أن آمن به. لقد اعتبر أمام الهيئة أن أحداث 16 مايو 2003 جريمة نكراء في حق أمته، و صرح أنه بصفته مغربيا مسلما يرفض أن يمس بلده. كما أكد أكثر من مرة للمحكمة أن السلفية الجهادية خرافة لا يعرف شيئا عنها، مشيرا أنه حارب بقلمه كل تكتل ديني أو قائم على أساس سياسي ديني لأن الدين عند الله الإسلام و ليس السلفية الجهادية أو غيرها. كما أكد في جلسة أخرى أن أحداث 16 مايو بالدار البيضاء يندى لها الجبين و أنها غاية في الفظاعة لا يقبلها العقل و لا الشرع.
و فيما يخص الدروس التي كان يلقيها صرح الفزازي للمحكمة أنه ألقى عدة دروس و حاضر في حوالي ثلاثين بلدا عبر العالم، و في كل أنحاء المغرب طيلة عشرين عاما، مؤكدا أنه كان يلبي الدعوة دون أن يعرف الجهة المستدعية.
و بخصوص الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر صرح الفزازي للمحكمة أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر دين، و يخضع لضوابط شرعية مشددا على أن تغيير المنكر بالعنف أمر مرفوض و هو موكول للسلطة بالبلاد، مشيرا أنه قال مرارا في محاضراته و دون في كتاباته بأن تغيير المنكر باليد لا يجوز شرعا للأعيان بل للسلطان، انه للسلطان لا للأعيان.
و عن الأحزاب و البرلمان قال الفزازي أمام هيئة المحكمة أن الأحزاب السياسية و البرلمان هي آليات لتطبيق الديموقراطية، و الديموقراطية ديموقراطيات، فإذا كان ت تقصي كتاب الله فهو يرفضها و يفتخر برفضها.
و فيما يتعلق بموقفه من عقد النكاح صرح أن زكرياء الميلودي زاره بطنجة ليخبره بإصدار كتاب له بصدد العقود، و كان رده أنه ألف بدوره كتابا تحت عنوان - توثيق عقد النكاح، الرد على من قال انه كفر بواح-
أما قيما يتعلق بموقفه من الحداثة، صرح الفزازي للمحكمة لو كانت الحداثة هي العري و التفسخ في القيم فهو رافضها، لأنه مع الحداثة الداعية إلى التقدم و استعمال التقنيات الحديثة و التصنيع، و ليس الحداثة التي تدعو إلى الفساد و المفاسد و المعاصي و ضرب قيم الأمة.
و قد نفى محمد الفزازي، نفيا مطلقا، كونه عمل بعد رجوعه من أفغانستان على تأسيس خلية للأفغان المغاربة المدربين على السلاح بمدينة طنجة، كما نفى كليا معرفته للفرنسي روبير ريشارد أنطوان أو الالتقاء به.
و في مرافعتها طالبت النيابة العامة بمتابعة محمد الفزازي بأقصى فصول المتابعة لكونه عمل على استقطاب الشباب لتحويلهم لقنابل بشرية لنشر الرعب في البلاد و بين العباد. إذ من خلال التأثر بأفكاره و خطبه و مقالاته و دروسه و كتاباته تمكن من تحريض الانتحاريين الذين نفذوا تفجيرات الدار البيضاء و الذين استعدوا لتنفيذ انفجارات أخرى بمدن مراكش و فاس و طنجة و أكادير و الصويرة.
كما أكدت النيابة العامة أن ملف يوسف فكري و من معه و كذا ملفات المتورطين في تفجيرات 16 مايو كلها تتضمن اسم محمد الفزازي. كما أن أغلب المتهمين المتابعين اعترفوا بأنهم حضروا جلسات و لقاءات بعدة منازل ألقى فيها محمد الفزازي العديد من الدروس و المحاضرات باعتباره من منظري السلفية الجهادية، و التي ذكر فيها أنه يكفر المجتمع و يدعو فيها للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الجهاد باعتباره واجبا على المسلمين.
كما أشارت النيابة العامة إلى أن محمد الفزازي، رغم نفيه لانتمائه للسلفية الجهادية أمام المحكمة و دعوته للتكفير و التقتيل، فانه لم ينف معرفته ببعض الانتحاريين، إذ أنه سبق له أن صرح لوسائل إعلام أجنبية بتصريحات تكفيرية، كما أعطى إشارات واضحة لضرب أهداف معينة.
حسن الكتاني
انه من مواليد 1972 بمدينة سلا المجاورة لعاصمة المملكة المغربية الرباط. درس بالمملكة السعودية و حصل هناك على الثانوية العامة ثم رجع إلى المغرب ليتابع دراسته العليا في علوم الإدارة و الاقتصاد و حصل على دبلوم المعهد الدولي للدراسات العليا سنة 1995 بالرباط قبل التوجه إلى الأردن للحصول على الماجستير في الفقه و أصوله من كلية الدراسات الفقهية و القانونية.
و أثناء إقامته بمدينة جدة بالمملكة السعودية لازم حسن الكتاني الشيخ حسن أيوب، كما واظب على حضور مجالس الشيخ بن العثيمين.
كما حصل حسن الكتاني كذلك على شهادة المجلس العلمي للرباط و سلا للوعظ و الإرشاد. و قد منع من الخطبة بالمساجد بعد صدور فتوى تحريم التحالف مع أمريكا. و رغم منعه من الخطبة بمسجد مكة بمدينة سلا استمر في إلقاء الدروس به.
و قد سبق لحسن الكتاني أن اعتقل و خضع للتحقيقات إلا أن النيابة العامة حفظت الملف و أخلت سبيله. و بعد إطلاق سراحه صرح حسن الكتاني أن حبسه و التحقيق معه كان باملاءات أمريكية. آنذاك تساءلت جريدة التجديد – لسان حال جماعة الإصلاح و التجديد المنضوية تحت لواء حزب العدالة و التنمية – على لسان أبي حفص و عمر الحدوشي : متى كانت مخالفة المذهب المالكي جرما يعاقب عليه المخالف؟ و كيف يسجن عالم من العلماء بتهمة مخالفة المذهب المالكي بالمغرب؟
و قد شكل حادث تقديم حسن الكتاني للنيابة العامة مناسبة لتجمهر مئات من أتباعه أتوا من مدن سلا و الرباط و الدار البيضاء و تطوان و فاس و غيرها أمام المحكمة الابتدائية لمدينة سلا من العاشرة صباحا إلى حدود العاشرة ليلا و قت إطلاق سراحه.
أما فيما يخص اعتقاله الأخير في إطار محاكمات الإرهاب، فقد سلم حسن الكتاني نفسه إلى المحكمة و قد رافقه لهذا الغرض الدكتور الخطيب الأمين العم لحزب العدالة و التنمية لكن هذه المرة كانت التهمة ثقيلة، و هي المشاركة في تكوين عصابة إجرامية و انتحال صفة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و القيام بنشاط جمعوي غير مرخص له و التحريض على العنف، و هي تهم لو يفلت حسن الكتاني من الإدانة بها علانية و حضوريا.
عبد الكريم الشادلي
درس الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط و حصل على الدكتوراه في مطلع سنة 2000 و تمحور موضوع رسالته حول ابن تيمية. دشن مساره النضالي منذ عنفوان شبابه، إذ ساهم في تأسيس الجماعة الإسلامية رفقة عبد الإله بنكيران، و هي الجماعة التي تطورت لتتحول إلى حركة الإصلاح و التجديد. و كان عضوا بارزا بها إلى أن قرر مغادرتها سنة 1985 بناء على ما اعتبره مغازلة بعض قاداتها للنظام و تعاملهم البين مع أجهزة المخابرات المغربية. و قد سبق أن أعتقل بين سنتي 1984 و 1985، ثم في عام 1995 حين تم استنطاقه و التحقيق معه في إطار تكوين خلايا إسلامية وسط الجيش. و صرح آنذاك أن اعتقاله ثم نتيجة وشاية من طرف بعض قياديي جماعة الإصلاح و التجديد. كما أعلن حينئذ أن مسار التيار السلفي الجهادي ناجح و سيفرض نفسه عالميا. إلا أنه أنكر في المحاكمة علاقته بتنظيم السلفية الجهادية و استنكر أحداث 16 مايو الدمية بالدار البيضاء.
دشن إذن عبد الكريم الشادلي مساره بالجدل الفكري الذي انطلق منذ كان يدرس الفلسفة و منذ انضمامه للشبيبة الإسلامية قبل أن يحط الرحال بجماعة السلفية الجهادية ليصبح معروفا بابي عبيدة.
و يعتبر عبد الكريم الشادلي نصرة تنظيم القاعدة واجبا شرعيا، و يعد أسامة بن لادن مصلح القرن و ما تم القيام به في 11 شتنبر 2001 بأمريكا كان واجبا شرعيا. و قد سبق له أن صرح أكثر من مرة أن أعضاء تيار السلفية الجهادية كثر و يعدون بالمآت منتشرين في جميع أنحاء المغرب، و أن عددا كبيرا منهم يختفون في جملة من التنظيمات و الجمعيات كجماعة العدل و الإحسان و تيارات التوحيد و الإصلاح و السلفية التقليدية و التبليغ و كذلك في الجمعيات المهنية و الجامعية و غيرها.
و عبد الكريم الشادلي من مواليد سنة 1960 بمدينة الدار البيضاء، كان أحد الطلبة البارزين المحسوبين على التيار الإسلامي بالجامعة. ألف كتاب بعنوان فصل المقال في من تحاكم للطاغوت و هو كتاب حوى جملة من أفكاره.
خلال محاكمته نفى أية صلة بالأحداث الدامية التي كانت مدينة الدار البيضاء مسرحا لها ليلة الجمعة 16 مايو و طالب بالبراءة التامة
إلا أن النيابة العامة اعتبرته من مشايخ السلفية الجهادية و أحد منظريها، بدعوى أنه كان يلقي دروسا في المنازل تدعو إلى تكفير المجتمع و النهي عن المنكر باليد. كما أكدت النيابة العمة على أن عبد الكريم الشادلي سبق له أن أشار في تصريحاته لوسائل الإعلام إلى ضرب المصالح اليهودية و الأمريكية في مختلف بقاع العالم.
و في نظر النيابة العامة إن عبد الكريم الشادلي اتخذ الدين مطية لنشر أفكاره الإجرامية و ساهم قي تشكيل عصابة إجرامية لتكفير الناس و ضرب الطغاة حسب زعمه ز المس بالأمن الداخلي للدولة.
عمر الحدوشي
من مواليد 1970 بمدينة الحسيمة بشمال المغرب حيث حفظ القرآن الكريم و سنه لا يتجاوز بعد العاشرة، قبل انتقاله إلى مدينة طنجة ليتتلمذ على يد مجموعة من المشايخ. و بعد دلك توجه إلى المملكة السعودية مكث بها لمدة سنتين. خضع للمراقبة هناك، لاسيما بعد أن وقع على فتوى حرمت التعاون مع أمريكا في حربها ضد طالبان بأفغانستان و اعتبر أن مناصرة أسامة بن لادن واجبة شرعا. إلا أنه نفى في المحكمة أن تكون له علاقة بالأعمال الإرهابية أو بتكفير أي أحد، حيث قال كيف أفكر في مثل هده الأعمال و نحن في بلد مسلم، و هو متزوج فيه و آكل لحومه و له بطاقة وطنية... مضيفا أنه ليس إلا رجل فقه و حديث.
و لقد جهر في السابق عمر الحدوشي أكثر من مرة بأن تأييد تنظيم القاعدة يعتبر واجبا شرعيا، كما مجد نظام طالبان و دعا له بالنصر باعتباره النظام الوحيد الذي يطبق شرع الله، و يعتبر بن لادن المجاهد العلم، صلاح الدين القرن الذي لم تستطع الإدارة الأمريكية بقوتها و هالتها و جبروتها القبض عليه.
و قد أنكر عمر الحدوشي أمام المحكمة أنه كان يعطي دروسا في التكفير معتبرا أن السلفية الجهادية ابنة زنا و هي باطلة. كما أقر على ضرب مصالح الدولة لا يجوز لأن الجهاد لا يجوز إلا اذا كانت الدولة محتلة و المغرب بلد غير محتل.
و بخصوص أحداث 16 مايو صرح عمر الحدوشي أمام المحكمة أنه لا يجوز القيام بمثل هده الأعمال الإجرامية، كما أدانها بشدة باعتباره داعية يحذر من التكفير. و اعترف بعدم قبول دخول أي أحد حلق لحيته إلى منزله. و عندما سئله رئيس جلسة المحكمة، القاضي لحسن الطلفي، عما اذا كان قد و قع على محضر الضابطة القضائية أجابه الحدوشي قائلا أنه وقعه تحت التعذيب و التهديد، علاوة على أن الضابط قال له اذا لم توقع فان هناك شخص اسمه لحسن الطلفي يحمل في حقيبته 800 سنة من سنوات السجن النافد سيوزعها على المتهمين، فاهتزت المحكمة بالضحك الذي لم تنج منه حتى هيئة القضاء الجالس.
و في نظر النيابة العامة أنه اذا كان لابد من شخص أن ينال العقاب فهو عمر الحدوشي الذي انطلق من الدين لبث أفكاره السامة وسط المجتمع و استغل سذاجة الشبان و حرضهم لتنفيذ عمليات حصدت أرواح الأبرياء و خربت الممتلكات و سلبت الأموال بغير حق و باسم الدين.
فعمر الحدوشي في نظر النيابة العامة من أقطاب التيار السلفي الجهادي، و كان يدعو إلى تكفير المجتمع و يحث على الجهاد و الخروج على أولي الأمر و تكفير الأنظمة لاعتمادها قانونا وضعيا. كما أكدت النيابة العامة أن عمر الحدوشي أسس عصابة إجرامية تشكلت كمجموعات انتحارية و مجموعات لسفك الدماء و سلب الأموال في ما كانوا يسمونه تغيير المنكر و صور للشباب المستقطبين بكون جزاء العمليات الاستشهادية هو الجنة و دلك بناء على فهم مغلوط و معكوس للنصوص الدينية الشيء الذي حمسهم للقيام بتفجير أنفسهم.
زكرياء الميلودي
لقد توبع زكرياء الميلودي في ملف أحداث الدار البيضاء, كما سبق أن توبع من قبل في ملف جريمة مقتل الشاب القردودي عملا بتغيير المنكر.
و رغم أن مستوى زكرياء الدراسي لا يتجاوز الثالثة إعدادي كان يصدر الفتاوى و يطلق الأحكام و يأمر بإقامة الحدود.
التحق زكرياء الميلودي سنة 1983 بحركة الإصلاح و التجديد ثم انفصل عنها سنة 1989 لما أصبحت أفكارها تعارض أفكاره. ثم بدأ يستقطب عددا من الشبان في صفوف الأميين و العاطلين بواسطة الثاء دروس الوعظ في عدة أمكنة، منها خيمة نصبت بالقرب من أحد المساجد بعد ترخيص السلطات المحلية بحي سيدي مومن بمدينة الدار البيضاء.
ألف زكرياء الميلودي جملة من الكتيبات و كتب جملة من المقالات تتضمن عبارات و أفكار حول التكفير و تغيير المنكر بالقوة و العنف و السيف. و كفر من يعمل بالدساتير و القانون الوضعي، و حث على عدم جواز شرعا تطبيق القانون و النظام الوضعي في أي مجال من مجالات الحياة.
و قد أكدت التحريات أن زكرياء الميلودي أسس جماعة الصراط المستقيم سنة 1992 بمساعدة أربعة من مساعديه. و تقوت جماعته بفضل الاستقطاب في الأحياء الهامشية إلى أن تمكنت من فرض نقودها في عدة أحياء هامشية كسيدي مومن و دوار الهراويين و دوار السكويلة و كاريان طوما بمدينة الدار البيضاء. و انتشر صداها في مدن مغربية أخرى كما دأبت هده الجماعة على تزويد أعضائها بعربات لبيع المأكولات الخفيفة و عصير البرتقال.
و رغم أن زكرياء الميلودي نفى كل التهم الموجهة إليه أمام المحكمة فان جملة من تصريحاته و كتاباته ظلت عالقة بالأذهان، و من ضمنها أن الديموقراطية كفر و أن ممارسة العنف مع المرتدين واجب شرعي و الأحزاب و الهيئات و الحكومة كفر بالله و شرك به. و قد وصفته جملة من وسائل الإعلام [أمير الدم, و هو كان يحترف بيع الأعشاب و العسل. كانت جماعته تحكم الطوق على أعضائها و تتحكم في أدق تفاصيل حياتهم بدءا من مصدر الرزق و القوت اليومي. و باعتبار أن التجارة من السنة، فان العديد من أعضاء الجماعة امتثلوا للسنة بممارسة التجارة، و غالبا ما كانت تجارة صغيرة و هامشية.
لقد نفى زكرياء الميلودي وجود جماعة الصراط المستقيم أمام هيئة المحكمة. و في إحدى الجلسات سلم رئيس الجلسة للمتهم مخطوطات بخط يده لتلاوتها بصوت مسموع، و كانت تهم مواضيع الإمامة الشرعية و تأصيل لمنهج تفعيل النظام الإسلامي في الواقع الحالي للمغرب، و هي حسب وكرياء الميلودي كانت مشاريع كتب لم يكتمل إنجازها بعد. كما أقر بخلاف الجماعات الإسلامية في المغرب بين الشورى و الديموقراطية معتبرا أنه مبحث يهدف للبحث قي المسألة.
و فيما يخص موقفه من القانون الوضعي صرح الميلودي للمحكمة أن هناك نوعان، إداري كالتوثيق و المساطر المعمول بها و هو لا يتكلم فيه. و النوع الثاني و هو الوقف من الحلال و الحرام، و موقفه في هدا الصدد كموقف كل الجماعات الإسلامية و كذلك حزب العدالة و التنمية.
و فيما يتعلق بالسياسات و البرامج المطبقة بالمغرب قال الميلودي أن فيها ما يخالف الشريعة الإسلامية، لأن الأصل بالنسبة إليه هو النظام الإسلامي، أما النظام الوضعي فينبغي عدم تطبيقه.
و بخصوص تكفير الدين يعملون بالدساتير و بالقانون الوضعي و تغيير المنكر بالقوة و ابتلاء المغرب بالطاغوت، فقد حاول الميلودي المراوغة و لم يجب بصراحة و بوضوح على أسئلة المحكمة بهذا الصدد.
و قد وصفت النيابة العامة في مرافعتها وكرياء الميلودي برأس الحربة في كل الأحداث الإرهابية التي عاشها المغرب. انه الشخص الذي كان وراء الظل يحرك الدمى التي نفدت انفجارات 16 مايو بالدار البيضاء، و تلك التي كانت تستعد لضرب مواقع بمدن أخرى بالمغرب.
لقد أكدت النيابة العامة أن اسم وكرياء الميلودي ورد على لسان جميع المتهمين في ملف النازلة حيث صرحوا كلهم أنهم كانوا تحت تأثير أفكاره و دروسه و كتاباته التي كانت تحث على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و لو باستعمال القوة و العنف، و دلك كواجب شرعي لا مندوحة عنه. و هدا ما قاد الانتحاريين، في نظر النيابة العمة، إلى القيام بجريمتهم النكراء بعد أن تلقوا تداريب و حصلوا على أسلحة و حددوا الأماكن المستهدفة و تعرفوا عليها عن قرب.
كما أشارت النيابة العامة إلى أن ما قام به يوسف فكري و مجموعته من سفك الدماء و استحلال أموال الناس كان بتزكية من وكرياء الميلودي.
أبو حفص
درس أبو حفص العلوم الإسلامية بإحدى الجامعات السعودية، ثم زار أفغانستان و أصبح من أبرز مناصري حركة طالبان و أسامة بن لادن.
و كان من المغاربة الأوائل الذين باركوا عمليات 11 شتنبر 2001 حيث وصفها بالعرس المبارك الذي لم تكتمل أطواره بعد.
و اسمه الحقيقي هو عبد الوهاب رفيقي، اعتقل قبل أحداث 16 مايو بالدار البيضاء. و كان إلقاء القبض عليه في سياق سلسلة الاعتقالات التي شملت 11 فردا في أعقاب لقاء ضم العشرات من المحسوبين على تنظيمات أصولية متطرفة.
و خلال التحقيق معه بمدينة فاس اعترف أبو حفص بتلقيه تداريب بأفغانستان قبل أن يصبح من أقطاب جماعة السلفية الجهادية و إماما لمسجد البركاني بمدينة فاس. و خلال هذا التحقيق رفض أبو حفص التوقيع على محضر الضابطة القضائية لاسيما الصفحة المتضمنة لاعترافه بالاستقرار شهر و نيف بأفغانستان و خضوعه للتداريب حول استعمال الأسلحة النارية الخفيفة هناك.
و كان أتباعه يقومون بنسخ و نشر تسجيلات لخطبه و دروسه التي كان يلقيها بمدينة فاس و خارجها، كما كانوا يعمدون إلى تنظيم دوريات ليلية في الكثير من الأحياء بالمدينة بدعوى تطهيرها من الزنادقة و المرتدين و أعداء الله حسب زعمهم.
يوسف فكري
يبلغ يوسف فكري من العمر 25 سنة، لم يتمكن من اجتياز المستوى الثالث من التعليم الإعدادي قبل تخليه عن الدراسة و انقطاعه عليها.
بمجرد سماع الحكم عليه بالإعدام صاح يوسف قائلا الله أكبر... الله أكبر. و يعد يوسف هذا العنصر الأكثر اقترافا لجرائم بشعة في صفوف المتطرفين بالمغرب. لقد تعددت جرائمه و اختلفت بشاعتها، و رغم ذلك كان يتفاخر بها بين أتباعه و رفاقه.
لقد اعترف يوسف فكري بجرائمه أمام المحكمة و لم ينكرها، و صرح أنه اقترفها – بدءا من مدينة اليوسفية بوسط المغرب و وصولا لمدينة طنجة شمالا- بدعوى محاربة الطاغوت. لم يكن يوسف يفرغ من جريمة ليشرع في التخطيط لأخرى، و لم يسلم من يده حتى عمه، شقيق والده.
لقد خطط بكل إتقان للنيل من هذا الأخير بدعوى خيانته لزوجته. ففي غضون شهر أكتوبر سنة 1998 تسلل يوسف فكري ليلا إلى دار عمه بمعية أحد أتباعه و على وجههما جوارب نسائية شفافة لإخفاء معالمهما، و اقتحما المنزل حيث كان العم في جلسة حميمية رفقة عشيقته يشربان النبيذ و يسمعان للموسيقى، فكبلاه و وجها له طعنات قاتلة بالسكين. و كعادته تظاهر يوسف بالحزن و تلقى التعازي و شيع جنازة عمه، إلا أنه أجبر المشيعين على عدم الصلاة على الجنازة باعتبار أن عمه فاسقا و كافرا. و عندما بدأت الشكوك تحوم حوله فر من مدينة اليوسفية قاصدا مدينة الدار البيضاء. و هناك تولى إمارة جماعة التكفير و الهجرة. و قد رافقه في رحلته المسمى يوسف عداد الذي نفذ معه جملة من الاعتداءات بمدينة اليوسفية, وتعرفا على المدعو عبد الملك بويزكارن المتورط في عمليات الدار البيضاء. و شكل هذا الثلاثي محورا خطيرا في تنظيم التكفير و الهجرة، اذ قاموا باقتراف عدد من الجرائم الشنيعة و الاعتداءات السافرة قبل عودة أميرهم يوسف فكري إلى مسقط رأسه، مدينة اليوسفية. هناك اكتروا منزلا و شرعوا في التخطيط لتصفية شخص اتهموه بالشذوذ الجنسي، و هو عامل بالمكتب الشريف للفوسفاط. اتجه يوسف فكري رفقة أتباعه إلى منزل الضحية، و بعد أن فتح الباب هاجموه فطعنه عبد الملك بويزكارن طعنة مميتة. و كانوا ينوون تصفية الشخص الذي يقطن معه كذلك لولا غيابه لحظة القيام بفعلتهم.
بعد تنفيذ جريمتهم غادروا مدينة اليوسفية متجهين إلى مدينة الناظور بشمال المغرب لاقتراف جريمة أخرى. و كان الضحية رفيقا لهم جاء إلى التتنافى معاستلام عمل بالإدارة هناك. و بعد أن اعتقد الأمير أن تصرفاته تتنافى مع المبادئ الإسلامية أمر بتصفيته، و هذا ما كان حيث تم ذبحه و تقطيع جثته قبل التخلص منها في أماكن مختلفة.
و بعد توقيف نشاطهم الإجرامي لمدة سبعة أشهر، توجه يوسف فكري رفقة يوسف عداد إلى مدينة تازة و بعدها توجها إلى مدينة شفشاون ثم مدينة سلا و أخيرا حلا بمدينة الدار البيضاء. و هناك كان اللقاء من جديد بعبد الملك بويزكارن. و في أواخر سنة 2001 خرج الثلاثة صحبة رابع لتصيد المومسات بشارع محمد الخامس بعد أن سرقوا سيارة لاستعمالها. توقفوا بإحدى الزوايا في انتظار ضحيتهم. و حين خرج عبد العزيز أسدي من المطعم اتجهوا نحوه و أمروه باصطحابهم لكنه رفض، و لم يزدهم ذلك إلا إصرارا على اختطافه رفقة شابتين خرجتا بدورهما من المطعم. أجبروهم على الركوب بالسيارة المسروقة و قادوهم إلى ساحة فارغة فأشبعوا الشابتين ضربا قبل إخلاء سبيلهما، و قرر يوسف فكري قتل عاستل سكيناسدي بنفسه لنيل أجر تصفيته كما زعم. و بعد أن وجه إلى ضحيته تهم التكفير و الخروج عن الملة و الدين جردها من جميع ثيابها و استولى على مالها الذي اعتبره غنيمة، ثم استل سكينا و عمد إلى ذبحها من الوريد إلى الوريد و رمى الجثة ببئر مهجور. وإضافة لجرائم القتل و الاغتيال قام الأمير و جماعته بعمليات السطو باستعمال أسلحة نارية على أكثر من وكالة تجارية قبل وقوعهم في يد العدالة بمدينة طنجة بشمال المغرب حيث كانوا يخططون لجرائم أخرى.
التنظيمات المروجة للإرهاب
يعود تاريخ تكوين التنظيمات المروجة للإرهاب إلى بداية الحرب في أفغانستان ضد الروس. آنذاك كان عدد من المغاربة الذين استجابوا إلى دعوة القتال قليل جدا لا يتجاوز عددهم العشرة، و كان من بينهم محمد رفيقي الذي يعتبر من قدماء المقاتلين المغاربة في أفغانستان، و هو ممرض التحق بهذا البلد عام 1989، و سرعان ما أصبح مقربا من أسامة بن لادن، و هو الذي قدم لهذا الأخير المغربي عبد الله تبارك (أبو عصام) الذي أصبح حارسه الشخصي قبل اعتقاله من طرف الأمريكيين و إيداعه بسجن كواناتنانامو بكوبا.
و كل التنظيمات المروجة للإرهاب بالمغرب ضمت في صفوفها مغاربة شاركوا في الحرب بأفغانستان، و كانوا يتلقون أفكارهم من طرف شيوخ من أمثال محمد الفزازي و عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص) و حسن الكتاني و عبد الكريم الشادلي و عمر الحدوشي. كما ضمت تلك التنظيمات مهاجرين مغاربة في الدول الأوروبية . و تمكنت من تشكيل شبكات في العديد من المدن المغربية تربطها علاقات و آليات مضبوطة و محكمة. و القاسم المشترك بينها هو تبني العنف ضد المخالفين لمبادئها و أفكارها و رؤيتها و استحلال أموالهم و دمائهم. كما أنها تعمل على الدعوة للجهاد و النهي عن المنكر بالقوة و إباحة الفيء (استحلال مال الغير عن طريق السطو و النهب).
و كان جل المغاربة المحاربين بأفغانستان قد تم تأطيرهم من طرف الشيخ الليبي القائم على جماعة المقاتلين الليبيين التي كانت تضم عناصر منحدرة من دول المغرب العربي. و في سنة 1996 فتحت الأبواب للمغاربة و وصل عددهم بأفغانستان ما يناهز 250 شخصا نظموا تحت لواء الجماعة المقاتلة المغربية. و بعد سقوط كابول سنة 2002 صدرت أوامر لكل أعضاء التنظيم للعودة إلى دول المصدر و انتظار التعليمات بخصوص التحرك في المستقبل. و هكذا رجع أغلب المغاربة إلى الوطن و كان هؤلاء يحملون وجهتي نظر لاستئناف النشاط على أرض المغرب :
- شن حرب العصابات في البوادي و الجبال على غرار النموذج الجزائري
- شن حرب المدن من خلال استعمال السيارات المفخخة و المتفجرات.
هكذا كانت الانطلاقة لسيرورة أنتجت حركة المجاهدين المغاربة و الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة و جماعة السلفية الجهادية و جماعة الصراط المستقيم و جماعة الهجرة والتكفير.
حركة المجاهدين المغاربة
كان يتزعمها محمد النعماني الذي استقر بفرنسا و توفى بها. و كانت هذه الحركة تصدر مجلة السرايا في الخارج و يقوم محمد النكاوي بإدخالها إلى المغرب ثم توزيعها في جملة من المدن المغربية الكبرى. و بعد عودة هذا الأخير إلى الوطن عمل محمد النكاوي على استقطاب بعض العناصر و أنشأ خلية ضمت في البداية ستة أفراد قبل أن تتوسع. و كانت مهمتها في البداية القيام بتوزيع مجلة السرايا التي دخل العدد الأول منها في أواخر ثمانينات القرن الماضي إلى المغرب عبر مليلية.
و حسب تصريحات محمد النكاوي أمام المحكمة، فان هدف هذه الحركة هي توعية الشعب المغربي و ليس اغتيال الشخصيات السياسية. مضيفا أنه لو كان هذا الاغتيال هدفها لما كان ذلك صعبا عليها، لكن ذلك لم يكن في حسبانها كما أكد أن الأسلحة المتوفرة للجماعة ظلت مختفية لمدة عامين إلى أن تم اكتشافها من طرف رجال الأمن، و هي أسلحة كانت مهيأة تحسبا لاندلاع نزاع حدودي مع الجزائر حسب ما صرح به لهيئة المحكمة، مضيفا و كذلك تحسبا لاندلاع حرب أهلية بالمغرب.
الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة
تتمركز هذه الجماعة ببريطانيا و يتوزع أعضاؤها بين السويد و الدانمارك. و قد سبق لبعض قاداتها أن حاربوا بجانب أسامة بن لادن . يطلقون على أنفسهم تسمية ( العائدون).
تدرب أغلب أعضائها على حرب العصابات و استعمال السلاح الخفيف وزرع الألغام و استعمال القنابل اليدوية في معسكرات أفغانستان. و قد تدرج أعضاء هذه الجماعة في عدة تيارات دينية متطرفة إلى أن انتهى الأمر إلى تأسيس جماعة خاصة بهم، الجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية. و كانت تتوخى دعما لوجيستيكيا و ماديا من أفغانستان، علما أن قاداتها ربطوا علاقة و وطيدة بأيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة. كما أن أغلب العناصر المستقطبة إليها تلقوا تداريب عسكرية بمركز تابع للجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية بأفغانستان.
و قد حجز مبالغ مالية كانت ترسل من طرف أجانب يقيمون في انجلترا و ايطاليا و فرنسا. و ذلك لتوفير الدعم المادي لتنفيذ مخططات الجماعة بالمغرب.
كما شارك بعض أعضائها في حرب البوسنة بعد الخضوع للتداريب على الأسلحة هناك.
جماعة السلفية الجهادية
السلفية بشكل عام هي تيار فكري، ينسب لصحابها أنفسهم لهل السنة و الجماعة ككل السنيين مقابل الشيعة. و هذا التيار في المغرب ينقسم إلى تيار محمد بن عبد الرحمان المغراوي في مراكش (جمعية الدعوة إلى القرآن و السنة)، و تيار أكثر تطرفا و هو الذي ينعت بالجهادي و يساير التوجيهات العامة لأسامة بن لادن و جملة من علماء السعودية المتواجدين بالسجون.
و تعود بداية تأسيس هذا التيار إلى تسعينات القرن الماضي بعد حرب الخليج سنة 1991 حينما برزت أصوات انبثقت من وسط التيار السلفي الوهابي و بلدان أخرى، تدعو إلى الجهاد ضد الأمريكيين الذين استباحوا أرض الإسلام. آنذاك طفى على السطح خلاف بين العلماء حول جواز الاستغاثة بالكافر و ولوج جيشه الأراضي العربية الإسلامية. و هذا ما نعته البعض بتخاذل العلماء و عمالة الحكام و جبن الأمة.
و منذ ئد أعلن الجهاد من أجل التحرر من قبضة أمريكا و حلفائها. و في سنة 1998 تأسست الجبهة العالمية لقتال اليهود و النصارى، و شرع في تطبيق الجهاد لضرب أمريكا و مصالحها و استهداف مواقع في العديد من البلدان. و هكذا امتد هذا التيار إلى العديد من الدول. و آنذاك أعلن بعض الدعاة المغاربة نصرتهم للقاعدة و لأسامة بن لادن، حيث أصدر عمر الحدوشي فتوى تحرم تعاون المغرب مع الولايات المتحدة في حربها ضد حكم طالبان بأفغانستان و اعتبر مناصرة بن لأدن واجبة باعتباره مجدد الجهاد في العصر الحالي.
هكذا كانت البداية و تنامي هذا التيار في سنوات قليلة و كثر أتباعه بواسطة الاستقطاب في الخفاء، و اجتهد العديد من منظريه في الإقناع. كما تكونت العديد من المجموعات اغترفت من نفس المعين الإيديولوجي و انتشرت في العديد من المدن المغربية على شكل خلايا محكمة التنظيم.
و ضمت هذه الخلايا شبان تتراوح أعمارهم ما بين 25 و 40 سنة، كما شملت مغاربة أفغان عائدين أو هاربين بعد اعلان الحرب على تنظيم القاعدة.
و قبل العمليات الانتحارية ليوم 16 مايو بالدار البيضاء تم اقتراف جملة من الأفعال يعاقب عليها القانون المغربي، و هي أفعال ارتكبت ضمن ما يسميه أقطاب جماعة السلفية الجهادية بالتعزير و تغيير المنكر، حيث تم تنفيذ اعتداءات ضد أشخاص، و ذلك بانتزاع السيارات التي يستعملونها فيم أسمي بالخبائث و التخلص منها في مكان بعيد أو إتلافها و سلب أموالهم التي تصبح فيئا مستباحا و حلالا. و قد تم اعتقال بعض قادة الجماعة قبل 16 مايو 2003 بعد أن اتضح تورطهم في جرائم قتل و اعتداءات. و قد شملت الاعتقالات 31 شخصا توبعوا بتهم تكوين عصابة إجرامية و القتل العمد مع سبق الإصرار و الترصد مع تشويه جثت و إخفائها و محاولة القتل و استعمال السلاح الناري و حيازته و إضرام النار عمدا.
كما أظهرت التحريات أن عناصر جماعة السلفية الجهادية هم الذين نفذوا اعتداءات 16 مايو بالدار البيضاء، كما كانت الجماعة تحضر لتفجيرات في مدن مغربية أخرى.
جماعة الصراط المستقيم
يعود تاريخ تأسيس هذه الجماعة إلى سنة 1996 في الدار البيضاء على يد زكرياء الميلودي (أبو عبد الله) و عناصر أخرى سبق لها أن انتمت إلى جماعات متطرفة أخرى.
بدأت عمليات الاستقطاب في أوساط الأقرباء و على صعيد مجالات مغلقة، لاسيما في الأحياء الهامشية و المهمشة. و يخضع المستقطبون إلى الجماعة لتكوين إيديولوجي عن طريق تنظيم حلقات من الدروس و مشاهدة أشرطة الجهاد قبل تلقي تداريب رياضية منتظمة.
و تضم الجماعة عشرات من الأعضاء و عددا كبيرا من المتعاطفين بحي سيدي عثمان بمدينة الدار البيضاء و في مدن أخرى مثل فاس و تطوان و أكادير و طنجة. و تتخذ الجماعة اسما مختلفا في كل مدينة حسب اجتهاد الأمير و الموقع الترابي.
و تعد أفكارها خليط من اجتهادات مجموعة من الدعاة الأفغان العرب و أفكار السلفية الجهادية. و هي كلها أفكار تتمحور حول تكفير الدولة و المجتمع. إذ تعتبر كل من اعتقد بالعلمانية كافرا وكل كافر مهدر الدم و لا حرمة له، و كل من رفض حكم القرآن فهو كافر شرعا في نظرها.
كما أن القوميون مهما كان أصلهم هم كفار مرتدون خارجون على الملة الحنيفة و الأمة الإسلامية.
و تعتبر الجماعة استعمال العنف في حق هؤلاء واجبا شرعيا، كما تعتبر الديموقراطية كفرا و الأحزاب السياسية تشرع الكفر و تشرعنه بدلا من دين الله، و نظرها التحاكم إلى القوانين الموضوعة من طرف البشر سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو حكومات أو هيئات هو كفر بالله و شرك به و خروج عن الإسلام. كما تعتبر أن وجود الأحزاب السياسية لا يتوافق مع أوامر الشرع، و من ثمة فان الانتماء إليها و النشاط في صفوفها عمل مخالف للشرع.
و يعتبر زكرياء الميلودي زعيم هذه الجماعة الروحي. و قد شكل لقاءه بإبراهيم فردوس منعطفا حاسما
في مسار الجماعة، إذ تكلف هذا الأخير بتوسيع صفوف التنظيم بحي سيدي مومن و المناطق المجاورة اعتمادا عل ثلاثة مساجد صغيرة كانت فضاء مناسبا لاستقطاب الشباب. و قد أصدر الميلودي جملة من الكتيبات عرض فيها وجهات نظره حول مختلف القضايا.
و قد تورط أعضاء الجماعة في جملة من الجرائم و من ضمنها مقتل الشاب القردودي فؤاد بحي سيدي مومن ليلة عيد الضحى سنة 2002 بعد اتهامه بالكفر و الزندقة. حيث حاصروه ليلا و رجموه بالحجارة حتى سقط بينهم جثة هامدة و لاذوا بالفرار. كما تورط أعضاؤها في اعتداءات 16 مايو التي كانت مدينة الدار البيضاء مسرحا لها، و ذلك باعتبار أن جل الانتحاريين من ساكنة مدن الصفيح بحي سيدي مومن حيث كانت تنشط الجماعة في واضحة النهار.
جماعة الهجرة و التكفير
تعود أصول هذه الجماعة إلى مصر حيث تعرف بالجماعة الإسلامية، و هي جماعة عالمية تتبع نهج الخوارج في التكفير بالمعصية. و قد نشأت بادئ الأمر في السجون المصرية بعد اعتقالات منتصف الستينات (1965) و على اثر إعدام سيد قطب. و من هناك امتدت أفكارها إلى بلدان أخرى إلى أن وصلت إلى المغرب، إذ أسسها مجموعة من الأفراد في بداية ثمانينات القرن الماضي بحي سيدي مومن بالدار البيضاء بعد انفصالهم عن تنظيم الشبيبة الإسلامية. و يعتبر محمد داوود الخملي زعيم الجماعة الروحي بالمغرب، و الذي كفر النظام و الشعب و العلماء و الحركات الإسلامية. و قد اعتقل بمدينة الناطور بشمال البلاد سنة 2003. و هو مغربي عمره 34 سنة متزوج و حاصل على الإجازة في الحقوق. كان يمتهن بيع الأعشاب بحي ابن مسيك بالدار البيضاء. سبق و أن اعتقل في أواسط السبعينات و قضى عقوبة حبسية قرر بعدها الهجرة إلى منطقة الريف بالشمال. وجهت إليه المحكمة تهمة اغتيال شرطي مرور بحي البرنوصي بالدار البيضاء سنة 1998 و تابعته النيابة العامة من أجل المشاركة في محاولة القتل العمد مع سبق الإصرار و الترصد و إخفاء جثة والدته التي رفض سنة 2002 أن يواري جثمانها بالمقبرة و امتنع عن تسلم رخصة الدفن من قبل الجهات المختصة بدعوى أن المقبرة لا يوجد بها سوى الكفار، و دفن جثة والدته بالقرب من منزله.
و في سنة 2003 قبل أحداث الدار البيضاء قضت الغرفة الجنحية بالمحكمة الابتدائية بطنجة بمؤاخذة أكثر من عشرين شخصا من أتباع هذه الجماعة من أجل تأسيس جمعية دينية محظورة و الانتماء إليها و عقد تجمعات بدون ترخيص. و قد حكم على كل واحد منهم بأداء غرامة مالية. و قد اعترفوا أثناء الاستنطاق أن هدفهم الوحيد من تأسيس تلك الجمعية هو العمل على الابتعاد عن البدع.
و أعضاء هذه الجماعة يتبعون نفس موقف جماعة الخوارج التي قررت الخروج و الهجرة من جماعة المسلمين بقيادة علي بن أبي طالب و كفرته و قررت قتاله، و اعتمدت على قولها – لا حكم إلا لله – و اغتالت الصحابي عبد الله بن خباب بن الارت لأنه لم يتبعها في الرأي.
و يعتبر التكفير عنصرا أساسيا في نهج جماعة الهجرة و التكفير، و ارتكازا عليه تصبغ فهما معينا لمعنى الجهاد في الإسلام. و من ثمة صاغت الجماعة جل أفكارها و التي يمكن إيجازها فيما يلي :
1- المجتمع الحالي، مظاهر الانحلال و الفساد دبت فيه إذ أن المعروف أصبح منكرا و المنكر قد أضحى معروفا.
2- المظاهر الإسلامية في هذا المجتمع مظاهر كاذبة و مضللة منافقة، و شيوخ الدين موالون للسلطان الكافر، و حكومات و أفراد المجتمع مرتدون مارقون.
3- المساجد مساجد ضرار لأنها تسير في ركاب الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، و مختلف المؤسسات و الهيئات و الجمعيات و الجامعات حكمها حكم المجتمع الذي تستظل بظله و بظل حكوماته الكافرة.
4- الجهاد مفروض لتغيير هذا الواقع و إحلال شريعة الله مكان شريعة الكفر
5- عدم جدوى كل الوسائل السلمية لأن كل عمل سلمي للدعوة يقابل بالدعاية الحكومية الكافرة
6- ما دام الحكام كفرة و الجهاد واجب، فقد وجب الخروج عليهم و قتالهم بالسلاح لأن الرسول أمر بذلك
7- و في القتل يجوز الخداع كما يجوز الاغتيال و إظهار خلاف ما يبطنه المسلم حتى يتمكن من قتل هؤلاء الأعداء، و يجوز قتل كل من تمترس به الكافر و لو كانوا من المسلمين إذا كان لا يمكن قتل هذا الكافر إلا بهم، و بذلك يجوز قتل الجنود و الشرطة و غيرهم إذا حاول الدفاع عن القائمين على الأمور الكفار.
8- إن المجتمع الذي نعيش فيه هو دار الحرب و يجوز فيها ما يجوز في دار الحرب من قتل و سلب و نهب و غصب.
و بهذا يتضح أن جماعة الهجرة و التكفير تكفر المؤسسات و الإدارات و المتعاملين بالوثائق الرسمية و تدعو جهرة إلى محاربة الطاغوت لإنشاء مجتمع الجماعة المؤمنة. لأن المجتمع كافر من شيخه لرضيعه ما دام الحكم فيه لغير الله. و كفره هذا نابع من كونه يتبع حكاما كافرين. و تعتمد الجماعة في حكمها هذا على إلى الفكرة القائلة أن من لم يكفر هؤلاء الحكام فهو كافر. و من هذا المنطلق يستحلون دماء و أعراض من لم يكفر الحكام، و بالتالي يكفرون الأمة برمتها لأنها في نظرها أهون على الله برأيهم من اليهود و النصارى و المجوس، معتبرة ذلك ارتدادا عن الإسلام و خروجا عنه.
و يحرص أعضاء هذه الجماعة على الزواج بعقود عرفية لعدم اعترافهم بمختلف مؤسسات المجتمع الكافر. و يواظبون على التجول بمختلف مناطق البلاد و مدنها لنشر دعوتهم. و يتحاشون الصلاة في المساجد باعتبار أن الأئمة فيها لا تتوفر فيهم شروط الإمامة. كما يرفضون أداء صلاة الجمعة بالمساجد و يقيمونها كل أسبوع بالتناوب بمنزل أحد أفراد الجماعة. و من الأمور التي يعتبرونها بدعة الاحتفال بعيد المولد النبوي و الدعاء بعد الصلاة و قراءة القرآن الكريم جماعيا بالمسجد و الآذان ثلاث مرات لصلاة الجمعة.
و إذا كانت جماعة الهجرة و التكفير تشترك مع جماعة السلفية الجهادية في الكثير من مواقفها من المجتمع المغربي المعاصر، المعتبر كمجتمع جاهلي، فإنها تختلف عنها في مسائل أخرى. فإذا كانت جماعة الهجرة و التكفير تكفر المجتمع بعموم المعاصي و ارتكاب الكبائر و ترى أن الانفصال عنه ينبغي أن يكون انفصالا ماديا بهجره و عدم التعامل معه كليا، فان السلفية الجهادية تعتبر هذا الحكم غير صحيح من الناحية الشرعية.
مواقف مشتركة بين الجماعات
إن مختلف الجماعات المذكورة سالفا تشترك في جملة من المواقف التي تكاد تتطابق. ففيما يخص الدساتير و القوانين تعتبر تلك الجماعات أن المجتمع المغربي يعتمد على قوانين وضعية و يختكم إلى الدستور. و في اعتقاد أعضائها أن التحاكم إلى الدستور شرك بالله، و وضعه من ثمار العلمانية الخبيثة و التي في نظرهم ما هي إلا جاهلية معاصرة. و بالنسبة إليهم تعتبر الدساتير آلهة معبودة من دون الله، يكفرون واضعيها و المشاركين في وضعها و العاملين بها و كل من تحاكم إليها.
و بخصوص البرلمان و نوابه فهم في نظرهم أوثان منصوبة، و بالتالي وجب الخروج عن الدولة و الحكم و المجتمع بالعصيان باعتبار أن شرع الله تم إقصاؤه بعيدا و حلت محله قوانين وضعية كافرة من صنع كفار و لذلك يدعون إلى الجهاد.
و بخصوص الديموقراطية، فان كل الجماعات ترى أنها لا يمكنها أن تؤدي إلى نصرة الإسلام، و بالتالي فان اعتمادها هو مجرد تضييع للجهود و الطاقات و هدر للوقت و إصرار على إلقاء بالنفس إلى التهلكة.
و المشاركة في اللعبة السياسية هي في نظرها إضفاء لباس إسلامي على أنظمة غير إسلامية لأن الديموقراطية في نظرها مجرد تمييع للفواصل العقدية الصلبة بين الطاغوت و بين الدعاة إلى الله.
كما أن تلك الجماعات تعتبر الأحزاب السياسية كفرا لأن جلها يتنافس في الكفر و يتسابق به و عليه، و بالتالي فهي جاهلية عوجاء تبتغي حكم الجهل و الجاهلية.
و بخصوص المجتمع، تعتبره مجتمع جاهلية تنطبق عليه أحكام الكفر. و بالتالي على المسلم في نظرها ضرورة قطع الصلات معه و هجره و توقيف التعامل مع مؤسساته. و هكذا يصبح في نظرها المجتمع دار حرب و جهاد.
و في نظر تلك الجماعات لا يمكن قبول وصف المجتمع المغربي بالمسلم ما دامت مظاهر الكفر فيه أكثر و أقوى من مظاهر الإسلام، لأنه استبدل القوانين الإسلامية بالقوانين الوضعية التي اعتمدها و قدسها. و لأن مظاهر الانحلال و الفساد دبت في أحشائه.
و ارتكازا على هذا الوصف و انطلاقا من فهم خاص جدا لمعنى الجهاد يصبح في نظر هذه الجماعات الجهاد ضرورة شرعية. و في هذا الصدد يعتبر كتاب – تحريض العباد على الغزو و الجهاد – لأبي قتيبة الشامي مرجعهم الأساسي في هذا المجال. فبالنسبة إليها يصبح الجهاد فرض عين و ليس فرض كفاية. و بذلك، في نظرها، على جميع أعضائها الجهاد بالنفس و بالمال ضد مجتمعهم.
و في نفس هذا الاتجاه المتطرف تعتبر تلك الجماعات أن السلطان يحكم بغير ما أنزل الله و لذلك لا بيعة له و يحلون مكانها بيعة أمراء الجماعات و بذلك يشرعنون ما ينعتونه بالخروج عن السلطان و معصيته ما دام أنه هو نفسه يعصى الله.
أما بخصوص المال، فان تلك الجماعات تستبيح لأعضائها مال الغير الذي يحصلون عليه بالسرقة أو الخطف أو الغصب أو السطو، و ذلك انطلاقا من فكرة أن أموال الكفار حلال لتمويل الدعوة و الجهاد.
و بالنسبة للنساء، فان الجماعات تعتبر المرأة عورة ينبغي حجبها في البيت، علما أنها تستبيح نساء من يعتبرونهم كفارا.
أساليب عمل متقاربة إلى حد التطابق
كل أقطاب الجماعات المتطرفة يركزون دعوتهم على شباب فقراء، بعضهم كان يتعاطى للخمر و المخدرات و مختلف أشكال الانحراف.
كانوا يخصصون لهم أفرادا من الجماعات لمرافقتهم و صحبتهم و يداومون على زيارتهم و الالتقاء بهم. ثم بعد أن يتم استئناس الشخص المراد استقطابه تتوطد أكثر العلاقة مع مرافقه الذي يشرع في دعوته من حين إلى آخر لحضور جلسات تربوية يحضرها عدد محدود من الأشخاص و لا يتناولون خلالها في البداية سوى دروس التفسير و ما شابهه قبل الانتقال للمرحلة الثانية، و هي جلسات تعقد في بيوت أحد الزعماء تحضرها أعداد كبيرة يلقي خلالها المشايخ – الذين يأتون من مدن مختلفة- دروسا يركزون في البداية على مواعظ إرشادية قبل المرور بالتدريج إلى الحديث عن فريضة الجهاد و عن فساد المجتمع و سيادة غياب الحكم بما أنزل الله و انحراف المجتمع عن الدين الحق و ألا سبيل إلى تغييره إلا بالعنف لاسيما و أن الدين يأمر بذلك.
ثم يتكلف القائمون على الخلايا بتتبع و متابعة الأشخاص المستقطبين و يعقدون معهم جلسات و اجتماعات منتظمة لتخميسهم أكثر على الجهاد مستغلين في ذلك أشرطة سمعية بصرية تتحدث عن أفغانستان و الشيشان و تتضمن خطب و فتاوى أسامة بن لادن. حتى إذا ما اشتد حماس المستقطبين و ظهر عليهم الاقتناع الراسخ بالأفكار المروجة و التفسيرات المعتمدة شرع آنذاك رؤساء الخلايا في الحديث عن ضرورة الخروج إلى المجتمع الكافر للجهاد فيه، و لتسهيل ذلك يبيحون السطو بدعوى كفره.
و في المرحلة الموالية يبدأ مخطط الإقناع بضرورة الانتقال إلى أعلى درجة في الجهاد و هي تفجير و تخريب المؤسسات العمومية. و تأتي المرحلة الأخيرة و هي مرحلة الإعداد النفسي و البدني للمستقطبين بعيدا عن الأنظار، و بعدها يتم انتقاء العناصر الأكثر استعدادا و تجميعهم قبيل العملية لإلقاء خطبة حماسية لينطلقوا بعدها محملين بمتفجرات بعد تمنيهم بالشهادة و اللقاء في الجنة. و إن تردد بعضهم في هذه المرحلة فمصيرهم التهديد بالتصفية الجسدية لأن ذلك يكون بمثابة تولي يوم الزحف.
هذه بعض معالم الخطة التي تعتمدها أغلب الجماعات المتطرفة إن لم تكن كلها.
بعض الملفات التي راجعت أمام القضاء 2
ملف يوسف فكري
لقد تم اعتقال يوسف فكري قبل أحداث 16 مايو و حكم عليه بالإعدام في 12 يوليو 2003.
و يتعلق هذا الملف بمجموعة تضم 30شخصا، جلهم كانوا يحضرون المحاكمة بلباس تقليدي (جلباب و عبايات و طاقيات الرأس) و كان معظمهم ملتحيا. و قد توبعوا بجرائم تكوين عصابة إجرامية و محاولة القتل و حيازة أسلحة نارية و ذخيرة بدون ترخيص و التزوير و انتحال صفة و تعدد السرقات المشددة و إضرام النار عمدا و الإعداد لارتكاب أ‘مال إرهابية و صنع المتفجرات في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام و تقديم مسكن للاختباء عمدا و عن علم لأحد المساهمين في عصابة إجرامية.
تم الكشف عن أول خيوط شبكة يوسف فكري سنة 2002 عندما أبلغ أحد المواطنين، و هو سائق سيارة أجرة عن تعرضه للاختطاف و الاعتداء من طرف أشخاص يجهل هويتهم. هؤلاء استوقفوا سيارته كزبناء و أقلهم صوب أحد الأحياء بمدينة الدار البيضاء حيث طلبوا منه التوقف، و بعد أن نزل أحدهم باغتوه بأسلحة بيضاء أشهروها في وجهه، ثم أخرجوه من السيارة و كبلوه و طعنه أحدهم بسكين على مستوى فخذه و وضعوه بالصندوق الخلفي لسيارته. و بعد مغادرتهم المكان استطاع السائق التخلص من القيود و خرج طالبا النجدة.
و بعد هذا الحادث اعتقل يوسف فكري و أحد أعوانه و أظهرت التحقيقات أن جماعته اقترفت جرائم مماثلة بمدينة الناظور و مدينة اليوسفية بمشاركة أشخاص آخرين.
و من غرائب محاكمة هذه المجموعة أن الدفاع طالب بإجراء خبرة طبية نفسية على يوسف فكري، إلا أن هذا الأخير صرح بأنه يتمتع بكامل قواه العقلية.
و حوكم ضمن هذه المجموعة المدعو محمد دمير، الذي كان يتمتع بلياقة بدنية عالية، إلا أنه ولج قاعة المحكمة و هو يعرج بسبب الرصاصات التي تلقاها قبيل اعتقاله من طرف الشرطة، لا سيما و أنه هجم على أحد رجال الأمن بواسطة سيف إبان إلقاء القبض عليه.
ملف حسن الكتاني و من معه
توبع ضمن هذا الملف كل من حسن الكتاني و عبد الوهاب الرفيقي و هشام صابر، علما أن عبد الوهاب الرفيقي اعتقل قبل أحداث 16 مايو 2003.
و من غرائب محاكمة هده المجموعة المشادة الكلامية التي حصلت في جلسة 10 شتنبر 2003 بين الدفاع و هيئة المحكمة، عندما طالب الاستادان زيان و الرميد بتأجيل البث في ملف النازلة لتمكينهما من إعداد الدفاع، إلا أن النيابة العامة و هيئة المحكمة اعتبرتا الملف جاهزا.
على اثر دلك صرخ المحامي زيان مجددا مطالبا بوجوب التأجيل. وفي معرض كلامه تحدث عن ما أسماه بالخلفيات التي قد تكون وراء المحاكمة من قبيل المصالح و السياسة و الانتخابات – علما أنه كان مقررا إجراء الانتخابات يوم 12/09/2003).
و سار المحامي الرميد في نفس المنحى معتبرا بأن الدفاع غير جاهز و طالب هو كذلك بالتأجيل من أجل الإطلاع على الملف متهما النيابة العامة بالرغبة في " اللعب لوحدها و الإجهاز على حق الدفاع".
و بعد دلك رفع الرئيس الجلسة للمداولة ودلك أقل من ساعة على بدايتها لتمتد هده المداولة إلى ما بعد منتصف النهار. ثم عادت الهيئة إلى القاعة ليعلن الرئيس عن رفض طلب الدفاع و تأجيل النظر في الملف ليوم الجمعة 12 شتنبر و هو يوم التصويت في الانتخابات الجماعية.
و هدا ما لم يستسغه المحامي زيان الذي قال أن هناك نية مبيتة لإصدار الأحكام مساء يوم الانتخابات واصفا المحاكمة بالسياسية و أن الذي يقف وراء طريقة سيرها هو الوزير الاتحادي ( وزير العدل المغربي المنتمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية). فرفع الرئيس الجلسة تاركا المحامي يتكلم. و رغم دلك استرسل المحامي زيان في كلامه موجها اللوم للمحكمة و للنيابة العامة، كما وصف المحاكمة بغير العادلة و أضاف أن شرط المحاكمة العادلة هو تنحية وزير العدل الاتحادي واعدا بتنظيم ندوة صحفية في الموضوع يظهر فيها أن المتهمين ليسوا إرهابيين و إنما مجرد مفكرين لا تجوز محاكمتهم.
قضية بن عباد
توبع عبد الصمد بن عباد بسبب استغلاله حضور ندوة عقدها فرع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمدينة سيدي بنور يوم 16 يونيو 2003 في موضوع الإرهاب و قيم التسامح، و دلك ليمرر مجموعة من الأفكار التي لا تمت بصلة بموضوع الندوة، كاتهامه الإدارة العامة للمحافظة على التراب الوطني (المخابرات المغربية) بافتعال أحداث 16 مايو بالدار البيضاء للتضييق على الحركات الإسلامية و ضربها. كما وصف " ومل السباط" بأنه شهيد المخزن (السلطة).
وحسب النيابة العامة إن ما تفوه به عبد الصمد بن عباد أثناء تلك الندوة فيه تشجيع على الأعمال الإرهابية و تمجيد لها، و هدا مخلف للقانون.
ملف زكرياء بوغرارة و من معه
يهم هدا الملف مجموعة تضم خمسة أفراد من ضمنهم مدير جريدة "الشرق" الجهوية و رئيس تحريرها و مدير جريدة " الحياة اليومية" الجهوية. و الجريدتان تصدران بمدينة وجدة بشرق البلاد. و يعتبر زكرياء بوغرارة المتهم الرئيسي ضمنها. و هو من مواليد مدينة وجدة سنة 1970، عاطل لم يسبق له أن عمل إطلاقا، مستواه الدراسي لم يتجاوز الباكالوريا، قام بأولى زياراته للجزائر سنة 1990. إلا أنه نفى لقاءه هناك بزعيم الجهة الإسلامية للاتقاد الجزائرية عباس مدني.
و في بداية التسعينات (1993) بدأ زكرياء بوغرارة يتعاطى للكتابة الصحفية، كما قام بطبع كتاب وصايا عمر عبد الرحمان المعتقل بأمريكا و المتورط في تفجيرات 11 شتنبر 2001، علما أن تلك الوصايا تحمل إشارات واضحة للدعوة إلى الجهاد و حث الشباب عليه باستعمال كل أنواع العنف.
كما ربط وكرياء هذا علاقات مع بعض الأجانب بعد أن وعدهم بتلبية طلباتهم التي يتقدمون بها سواء تعلق الأمر بالزواج أو الفساد. و حسب اعترافاته أن ما كان يقوم به لم يكن سوى عملية نصب و احتيال و سرقة. و قد أكدت النيابة العامة أنه سلك هذا النهج لدفع التهم عنه أو أنه اعتمد أسلوب المراوغة و التقية، و هي من الأساليب و القواعد الأساسية للتنظيمات السرية المتطرفة. كما صرح زكرياء أمام المحكمة أنه كذاب يتلون مثل الحرباء و مجرد نصاب استغل الظروف و لا علاقة له بأي تنظيم سري.
و بخصوص جريدة الشرق و رئيس تحريرها و مدير جريدة الحياة اليومية، فإنهم توبعوا بنشر مقال لزكرياء بوغرارة و كان ذي طابع متطرف. و الغريب في الأمر أن مديري الجريدتين اتفقا على نفي علمهما بفحوى المقال المذكور و بمضمونه محملين مسؤولية كاملة لطاقم الجريدتين.
و اعتبر ممثل النيابة العامة أن زكرياء بوغرارة حصل على مبالغ مالية مهمة من جهات أجنبية لنشر أفكار تيار السلفية الجهادية، كما أنه استفاد من دعم الإعلام الجهوي بمدينة وجدة الذي نشر له مقالا بدون أي تعليل رغم ما تضمنه من إشارات إلى ارتكاب أفعال إجرامية.
و اعتبر الدفاع أن ما قام به زكرياء بوغرارة لم يكن سوى نصب و احتيال في حق مجموعة من الأشخاص كانوا سيوجهون أموالهم لتنظيمات جهادية في بلدان أخرى. و استطاع المتهم أن يأخذ منهم تلك الأموال بطرق ملتوية للاستفادة منها شخصيا.
و قد استغرقت مداولة هيئة المحكمة ساعتان، و حوالي الساعة الحادية عشر ليلا نودي على المتهمين إلى قفص الاتهام و تلا الرئيس نص الأحكام القاضية بادانة زكرياء بوغرارة ب 10
سنوات حبسا نافذا و شقيقه ب 5 سنوات حبسا نافذا و مدير جريدة الشرق ب 3 سنوات سجنا نافذا و توقيف صدورها لمدة 3 أشهر و رئيس تحريرها و مدير جريدة الحياة اليومية و رئيس تحريرها بسنة واحدة سجنا نافذا مع توقيفها لمدة ثلاثة أشهر. و ذلك بتهمة الإشادة بأعمال إرهابية و نشر خبر زائف و وقائع غير صحيحة من شأنها المساس بالسلامة الداخلية للدولة و بالإخلال بالنظام و الأمن العام.
و كانت هذه المحاكمة محاكمة اليوم الواحد، انطلقت في الساعة العاشرة و النصف صباحا و أسدل ستارها بعد منتصف الليل من نفس اليوم.
ملف روبير أنطوان
إن الاعترافات التي الإدلاء بها من طرف عناصر مجموعة روبير أنطوان – أمير العيون الزرق- أثارت انتباه الجميع. لقد أكد (أ-ع) أمام المحكمة أنه عاش مقتنعا بأن الجهاد ليس له ثمن، كما حملته أفكاره الأصولية إلى الاقتناع بأن الموت في أفغانستان أفضل من حياة رغيدة بأوروبا. و لم يتعد مستواه الدراسي القسم التاسع أساسي، بعد انقطاعه عن الدراسة سافر إلى الخارج، و بالضبط إلى ألمانيا سنة 1971 و مكث هناك سنتين و تمكن من التسجيل في مدرسة للتكوين المهني في تخصص تركيب الآلات. ثم توجه إلى السعودية لقضاء العمرة و عاد إلى ألمانيا و منه إلى طنجة. ثم سافر مرة أخرى إلى السعودية و مكث بها خمس سنوات في منطقة لا تبعد كثيرا عن الكويت، و من هناك توجه إلى أفغانستان بعد أن قضى فترة بباكستان. و هناك تعرف على مواطن مصري و طلب منه عملا. و بعد أن علم هذا الأخير أن (أ-ع) حاصل على تكوين في تركيب الآلات بألمانيا عرفه على أبو ساجدة الذي أخذه إلى معسكر فاروق بأفغانستان. و هناك تلقى تدريبا على أسلحة الكلا شينكوف و شاطاكا الروسيتين. و قد دام تدريبه شهرا واحدا. ثم انتقل (أ-ع) إلى بيشاور حيث حصل على عمل في ورشة لإصلاح الأسلحة مقابل أجر قدره 600 دولار شهريا. و هناك التقى بأبي حديفة الذي قاده للعمل في هيئة الإغاثة كمدرب بعد أن قدم شهادته في فنون الحرب.
و ذات يوم استدعى أبو معاذ المغاربة الأفغان و حصل نقاش حول ما إذا كان الجهاد لا يزال قائما في أفغانستان بعد وصول برهان رباني إلى العاصمة كابول أم لا؟
ساد رأيان، فكان هناك من يقول إن الجهاد انتهى، و من يقول أنه مازال قائما. إلا أن الأغلبية ارتأت أن الجهاد قد انتهى. و هناك من انسحب، و من جملتهم (أ-ع) و أبو حديفة، و منهم من التحق بحكمتيار. و نفى (أ-ع) أن يكون قد حصل أي نقاش حول مصير المغرب في هذا الاجتماع و أي اتفاق حول خلق خلايا ينخرط فيها الشباب المغربي للجهاد.
أما (ع-م) فقد أنكر معرفته لروبير أنطوان و انتمائه لأهل السنة و الجماعة. و أكد لهيئة المحكمة أنه تعرض للتعذيب و أنه وقع على المحضر دون أن يطلع على مضمونه.
و نفى (خ-ح) أية علاقة بالفرنسي و أنكر أن يكون هذا الأخير قد طلب منه التوجه صحبة أشخاص آخرين إلى جبال شفشاون بشمال المغرب للبحث عن مكان آمن لا تصل إليه قوات الأمن لإقامة معسكر.
كما أنكر (ع-هـ ) أنه كان يفكك السيارات المسروقة الآتية من مدينة سبتة، و التي كان يدخلها روبير أنطوان منذ سنة 2001 إلى غاية 2002.
أما (ح-ز) فقد سبق له أن صرح للشرطة أن السلفية الجهادية تعاني من الحصار لذا كان لامناص من فكه بالدفاع عن النفس بالسلاح، إلا أنه نفى هذا الكلام أمام هيئة المحكمة.
و فيما يخص (ي-خ) فانه اعترف [انه مجرد تاجر مخدرات و بائع للمشروبات الكحولية و السجائر و أقراص الهلوسة المهربة من مدينة سبتة المحتلة. و كل ما كان يريده من روبير أنطوان هو أن يساعده في الهجرة إلى الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط بعد أن أصبحت الشرطة تضطهده نتيجة لاعتقالاته المتواصلة و العديدة.
كما أكد (م-ع) أن لا علاقة له بأي جماعة و هذه هي الحقيقة، أما ما ورد في المحضر فانه من نسيج المحققين إذ كتبوا ما أرادوا ثم أجبروه على التوقيع.
الحداثة، قضية شغلت و لازالت تشغل بال العديدين، إلا أن الحداثة تقتضي أولا تحديث الدولة عبر
تبني تغيير في النظام السياسي، لا سيما الإصلاح الدستوري لكونه يعتبر حجر زاوية التحديث
السياسي و الاقتصادي الفعلي.
و حسب البعض إن أول خطوة لا مناص من تحقيقها في هدا المضمار، هو التخلص من الطبيعة المخزنية للنظام السياسي، باعتبار أن الدولة ليست فوق الطبقات، و لا يمكنها مهما كان الأمر أن تكون متعالية على إرادة الأفراد و المجتمع برمته. و هدا هو السبيل الأنجع و الأجدى للدمقرطة الداخلية و التحديث الذاتي لمختلف مكونات المجتمع المغربي.
و في هدا الإطار لابد من القول أن دور الأحزاب المغربية ليس هو مجرد التصارع في فترة الانتخابات فقط، على رأس كل 6 سنوات، و خارج دلك تظل تنتظر هدا الموعد متفرجة على المجتمع الذي لا يحيا إلا بالحفاظ عللا المكتسبات و تحقيق مكتسبات جديدة و الدفاع عليها و تجديد الفكر و الإبداع السياسي. و هدا المسار جعل الأحزاب المغربية أضعف بكثير مما كانت عليه في السابق، بل أغلبها أضحى مجرد وكالات انتخابية ليس إلا.
وهدا لن يجر على مستقبل البلاد إلا المزيد من الضبابية. و دلك لأن الحداثة الفعلية تقتضي بالأساس تحديث الدولة نفسها بنفسها عن طريق تبني التغيير في النظام السياسي، و أهم خطوة في هدا المسار هي الإصلاح الدستوري و الذي أضح يكتسب حاليا بالمغرب راهنية و ضرورة خاصتين باعتبار ارتباط الإصلاح الدستوري الوثيق بالتحديث السياسي و الاقتصادي. علما أنه لا يمكن الحديث عن التحديث الفعلي بدون رد الاعتبار لدولة المجتمع و دولة المؤسسات.
بعض الاعترافات ذات دلالة
نتطرق إلى بعض الاعترافات التي أدلى بها بعض المتهمين إما لدى الضابطة القضائية أو أمام هيئة المحكمة.
المختار باعود، و هو أحد الأشخاص الدين نشرت صورهم على نطاق واسع قبل القبض عليه. يبلغ من العمر 25 سنة انضم إلى جماعة الدعوة و التبليغ سنة 2002 و بعد دلك أثر عليه محمد العمري 5الانتحاري الناجي من تفجيرات فندق فرح- للانضمام إلى جماعة السلفية الجهادية. و بدأ يحضر معهم الاجتماعات و مشاهدة الأشرطة المتعلقة بالجهاد، و كانت تلقى فيها دروس تحث على قتل اليهود و النصارى الموجودين بالمغرب.
و قد اعترف المختار باعود أن محمد العمري أطلعه و رفاقه بمخطط تفجيرات الدار البيضاء قبل حدوثها، و دلك بيومين قبل التاريخ المحدد. و كان بدوره ينتظر الأوامر للتوجه إلى مدينة الصويرة رفقة أعضاء خليته للقيام بعمليات انتحارية هناك. كما أخبرهم محمد العمري بأن المتفجرات جاهزة و ستوضع رهن إشارتهم موضحا لهم كيفية استعمالها.
و في تصريحات أخرى أوضح المختار باعود أنه تم إشعاره في شهر مارس 2003 أنه سيتم قريبا تنفيذ عمليات انتحارية بالدار البيضاء كمرحلة أولى، اد أخبر محمد العمري الخلية أن انتحاريين سيعمدون إلى تفجير أنفسهم داخل بعض المقرات و المنشآت التي تعج بكثرة الأجانب، لتليها عمليات مماثلة في مدن أخرى و ذكر مدينتي مراكش و الصويرة.
كما أكدت اعترافات آخرين أن المختار باعود أبدى استعداده لتفجير نفسه بأماكن تحدد لاحقا بمدينة الصويرة.
كما جاء في محضر الشرطة أن المختار صرح أنه لو لم يتم اعتقاله لتوجه إلى مدينة الصويرة ليفجر نفسه.
أما خلد الحداد، الملقب بأبي الوليد و المزداد سنة 1975 و حرفته لحام, فقد صرح أنه بعد استقطابه إلى السلفية الجهادية انضم إلى خلية كانت تقوم باقتراف أعمال إجرامية ببعض أحياء مدينة فاس. كما تبين أن خليته كانت تعقد اجتماعات بحضور أنطوان بيير ريشارد للتدريب على صنع و استعمال المتفجرات و على حرب العصابات بالمدن و على كيفية استعمال السلاح الناري. كما اعترف أنه كان ينتقل رفقة أفراد خليته إلى أحد الكهوف لتطبيق ما كانوا يتلقونه. و اعترف أيضا أنه اقتنى بندقية صيد و قطع مأسورتها لتصبح سلاحا فتاكا بعد أن قام روبير أنطوان بأداء ثمنها.
أما عبد الإله الفزازي، فقد تابع دراسته إلى حدود الرابعة إعدادي ثم تعلم المعلوميات لمدة سنتين في مدرسة حرة. و بعد دلك فكر في التوجه إلى أفغانستان، و هدا ما فعله رفقة خالد حولي. حيث اتجها معا على مثن الطائرة من الدار البيضاء إلى سوريا و من هناك إلى طهران ثم إلى أفغانستان برا، و قصدا كابول. و بعد دلك انتقلا إلى فيلات حولها حراس. و كان بها يمنيون و سعوديون و لم يكن بينهم مغاربة. و بعد تدريب لمدة ثلاثة أيام تسلم عبد الاله الفزازي كلاشينكوف، إلا أنه بدأ الانسحاب من المنطقة مع اشتداد أطوار الحرب ضد الأمريكيين. و توجهت المجموعة التي كان ضمنها الفزازي برا إلى باكستان بفضل مساعدة مهربين، و ظل أفرادها يتنقلون من قرية إلى أخرى و في نهاية المطاف و صلوا إلى جنوب إيران. و من هناك رجع عبد الإله الفزازي من إيران إلى الدار البيضاء عبر البحرين.
و بخصوص زكرياء بوغرارة، الملقب بأبي سيف الإسلام، فقد تم إلقاء القبض عليه بعد صدور مقال له في إحدى الصحف الجهوية بوجدة شرق المغرب. و حسب ما ورد في محضر الضابطة القضائية فان زكرياء بوغرارة يعد الوسيط المالي بين تنظيم مغربي يقيم قاداته في لندن و بين مدبري خدمات 16 مايو بالدار البيضاء.
و زكرياء هدا عاطل، لم يسبق له أن اشتغل قط، و كان يحصل على مبالغ مالية ضخمة من الخارج عبر حسابه البنكي. و كان يستعمل شقيقه و شقيقته لاستخلاص الأموال المتوصل بها. و كل تلك الأموال كانت موجهة في واقع الأمر إلى زكرياء الذي توصل في أقل من سنة بما قدره 400 ألف دولار.
و بخصوص محمد النكاوي فقد اعترف بحيازة لأسلحة و بتورط الشبيبة الإسلامية في اغتيال عمر بنجلون زعيم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية = شقيق أحمد بنجلون رئيس حزب الطليعة و الذي آزر بعض المتهمين في إطار محاكمات الإرهاب بالمغرب = .
كما أقر محمد النكاوي أن عبد العزيز النعماني، زعيم حركة المجاهدين المغاربة، كان من بين مؤسسي تنظيم الشبيبة الإسلامية إلا أنه اختلف مع عبد الكريم مطيع بصدد اغتيال عمر بنجلون. و لدلك انفصل عنه و أسس حركة المجاهدين المغاربة التي ظل يترأسها حتى وفاته.
و قد وضح محمد النكاوي في هدا الصدد بأن عبد العزيز النعماني أسر له أنه هو الذي قام باغتيال عمر بنجلون بأمر من عبد الكريم مطيع، و حدث أن رغب هدا الأخير في اتخاذ مسافة بينه و بين مسؤوليته في حادث الاغتيال فقام بطرده حتى تتبرأ الشبيبة الإسلامية منه.
روبير بيير أنطوان ريشارد
حسب أقوال روبير بيير فان رشيد العروسي هو الذي دل رجال الأمن على مكانه. اد صرح أنه انه طلب منه التوجه إلى القنصلية الفرنسية لطلب المساعدة و تعيين محام بعد أن فشل هو في القيام بدلك بنفسه لن مقر القنصلية كان محروسا من طرف الأمن، في حين كان البحث جاريا عليه.
كما تبين من تصريحاته هنا و هناك انه كان ينوي ضمان تمويل نشاطاته بالمغرب بواسطة إدخال السيارات المسروقة من أوروبا إلى المغرب. و هدا ما أقام به فعلا اد صرح أحد المتهمين انه تسلم من روبير أكثر من 20 سيارة لتفكيكها.
و كان روبير يدخل و يخرج من المغرب بسهولة باستعمال جواز سفر متقادم.
إن التصريحات التي فاجأت الجميع هي تلك المتعلقة بارتباطه و علاقته بالمخابرات الفرنسية اد صرح روبير أمام هيئة المحكمة أن المخابرات الفرنسية اتصلت به و طلبت منه الحصول على جواز سفر من المافيا التركية و كذلك ربط علاقات بالإسلاميين. و فعلا، حصل على الجواز المطلوب. و بعد دلك توجه إلى المغرب، و كان لا زال سبب تواجده بالمملكة المغربية سرا بينه و بين المخابرات الفرنسية و بالتالي لا يمكن البوح به. و هو يدخل، حسب أقواله، في كونه كان مكلفا بتتبع أنشطة السلفية الجهادية بفرنسا بأمر من المخابرات الفرنسية، لاسيما و إن فرنسا كانت تخشى أن تتحول مدينة طنجة إلى قاعدة خلفية للمتطرفين.
و نفى روبير جميع التهم الوجهة إليه، لكنه اعترف بعلاقاته مع جملة من المتهمين. اد قال انه التقى حسن الكتاني سنة 2001 و هو الذي وجهه إلى أبي حفص. و بخصوص لقائه مع الأول قال روبير انه كان يعاني من مشاكل عائلية فقصد الكتاني لاستفساره حول أمور دينية، لكن هدا الأخير أحاله على أبي حفص لمسائلته عن فتوى حول الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فقال له أن دلك يجب لأن يكون باحترام النظام.
كما نفى روبير زيارته لأفغانستان و التفكير في أي مشروع يستهدف مصفاة لتكرير البترول بمدينة ليون الفرنسية و ضرب محلات ماكدونالد و الكنائس و شاحنة لنقل مادة "البلوتينيوم" المستخدمة في الصناعة النووية. كما نفى نفيا كليا الشروع في استقطابه عدد من الأشخاص لتكوين خلية إرهابية.
وحسب التحقيق و الاستقصاء المجري من طرف الضابطة القضائية و قاضي التحقيق، يظهر أن روبير بيير انطوان كان يحمل مشروعا إرهابيا و يروج إليه، و لهدا الغرض حاول جاهدا التعرف على جملة من الأشخاص بالمغرب. و هكذا التقى ببعض المغاربة الأفغان و أخبرهم بمشروعه، و وافقوه شريطة الحصول على جوازات سفر و التمويل اللازم للعمليات المقترحة.
و بعد أن تأكد روبير أن محمد النكاوي يمتلك خبرة أكثر منه في صنع المتفجرات قام بمعيته بجملة من التجارب في هدا الصدد. و هكذا تم إجراء تجربة بمنزل المسمى عبد السلام بمدينة طنجة حضرها أشخاص آخرين إلا أن التجربة الأولى فشلت. و بعد مضي 15 يوما أعادوا الكرة بمنزل آخر بحضور أشخاص آخرين من ضمنهم أحد المتهمين يعمل بصفوف البحرية الملكية، و هده المرة كللت العملية بالنجاح.
كما تعرف روبير على رشيد العروسي الذي كان يجري أبحاثا بخصوص المتفجرات و التفجير بالتحكم عن بعد باستعمال هاتف محمول معبأ ببطاقات خاصة.
و بعد أن أخبره أحد معارفه بوجود مجموعة بمدينة فاس اتجه روبير سنة 2003 إليها، و هناك اجتمع معهم لمناقشة موضوع الجهاد و سبل محاربة الفساد و التصدي إليه. آنذاك أخبر روبير بعضهم أن مدينة فاس مناسبة و مواتية جدا لإجراء تداريب، لاسيما بالمنطقة المعروفة بالكهوف المتوارية عن الأنظار.
و حسب نتيجة التحقيقات يتبين أن روبير انتقل إلى مدينة شفشاون بشمال البلاد و أقام هناك معسكرا على غرار ما كان موجودا بأفغانستان. كما صرح أحد المتهمين أنه تسلم مبلغا ماليا لتوزيع بعض المنشورات، و صرح آخر أن الفرنسي كلفه بالانتقال إلى مدينة الناظور للحصول على أسلحة نارية.
و بعد دلك عمل روبير على الاتصال بحن الكتاني من أجل منحه فتوى حول مدى شرعية القيام بالعمليات الاستشهادية ضد المصالح الأمريكية و الفرنسية إلا أنه أخبره بأنه غير مؤهل للإجابة على دلك فوجهه إلى أبي حفص لأنه مؤهل للإجابة أكثر منه، و منحه رسالة بخط يده و هي عبارة عن كلمة سر.
و بخصوص الأسلحة النارية فقد حجزت الشرطة مسدسين في منزل محمد النكاوي، و رشاشين و أربع مسدسات أخرى و رصاصات بمدينتي بركان و الخميسات. كما كشفت التحريات على وجود أسلحة بأماكن أخرى و كلها أدخلت إلى المغرب عبر مدينة مليلية السليبة. و أكدت التحقيقات أن هده الأسلحة أدخلت إلى المغرب سنة 1984 ثم في سنة 2000 عبر المدينتين المغربيتين المحتلتين سبتة و مليلية، كما أبانت أن بعضها تسلمها محمد النكاوي من عند عبد الله بنيعيش الذي توفى بأفغانستان.
و على اثر أقوال روبير، نفى وزير العدل المغربي أن يكون الفرنسي قد تعرض لأي اعتداء أو اغتصاب خلال مدة اعتقاله، مضيفا أنه أبدى تعاونا كبيرا مع السلطات الأمنية و القضائية في كل مراحل التحقيق معه، كما أنه كشف عن معلومات دقيقة غاية في الأهمية ساعدت بشكل كبير في إلقاء القبض على مجموعة من الأشخاص المتورطين في الأعمال الإرهابية.
خلايا الإرهاب
كانت بداية الاعتقالات في صفوف المتطرفين في صيف 2002 حيث سلمت المخابرات المغربية تسع أشخاص متورطين في جرائم قتل متعددة إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية قصد التحقيق معهم في الأفعال المنسوبة إليهم، و كان دلك في سرية تامة. و استمرت الاعتقالات لتشمل أشخاص آخرين كشف التحقيق عن تورطهم في مجموعة من جرائم القتل. و قد همت هده الاعتقالات بالأساس جماعة التكفير و الهجرة (مجموعة يوسف فكري و من معه).
و تتالت الأحداث و توسعت الاعتقالات بعد تفجيرات 16 مايو الدامية بالدار البيضاء عندما استهدف الإرهاب المغرب لأول مرة و بشكل مباشر.
و قد أظهرت الأحداث أن خلايا الإرهاب كانت منتشرة بالدار البيضاء و فاس و طنجة و أكادير و القنيطرة. و أنها تناسلت كالفطريات في الأحياء المهمشة بهده المدن في صفوف الشباب العاطل و المعطلين المستقطبين لاستعمالهم كقنابل بشرية، و دلك خلال مدة لم تتجاوز الستة أشهر على أكبر تقدير دون علم دويهم و أقاربهم و دون إثارة الريبة و الشك.
لقد انطلق التخطيط بتكوين خلايا محدودة العناصر للعمل و النشاط دون إثارة الشبهات لاسيما و أن الإرهابيين عقدوا العزم على ضرب أكبر عدد من المنشآت و إلحاق الخسائر المادية و البشرية بها. و هكذا عمل رؤوس الإرهاب على تكوين انتحاريين جاهزين توا و انتحاريين احتياطيين لضرب الأماكن المستهدفة. و هي العناصر التي أطرتها خلايا الدار البيضاء و طنجة و فاس و القنيطرة و أكادير و سلا و الرباط و الصويرة و سيدي بنور و تمارة. فكانت كل خلية من تلك الخلايا تتكون من 15 عنصرا على أكبر تقدير يترأسها أمير يقوم بتسييرها و توجيهها و تتبعها. و كانت المهام مونعة بدقة بين أفرادها. فكان من تكلف بالاستقطاب و البحث و التقصي على العناصر المؤهلة، و من تكلف بالتكوين و تلقين المبادئ الداعية إلى التكفير و الجهاد، و من تكلف بالتداريب شبه العسكرية. انه تنظيم محكم يمكن من تأطير المستقطبين و متابعتهم عن قرب إلى حين إعدادهم لقبول تحويل أجسامهم إلى قنابل بشرية قاتلة.
و لم تكن الخلايا على ارتباط أو أدنى علاقة فيما بينها، و عملية التنسيق تتم عن طريق الأمراء الدين كانوا يخضعون لتعليمات و توجيهات الأمير الوطني.
و في إطار الإعداد في مجال صناعة المتفجرات كان أشخاص على دراية بهذا المجال يعقدون جلسات مع كل خلية على حدة من أجل التدريب، كما كانوا يمركزون مختلف التجارب لتعميم نتائجها على مختلف الخلايا.
و قد لعب المغاربة الأفغان – الدين تدربوا على استخدام الأسلحة بأفغانستان في ظل حكم طالبان- دورا بارزا في هدا الصدد.
و أفادت تحقيقات أن الأغلبية الساحقة لانتحاريي أحداث 16 مايو تنتمي إلى خلايا الدار البيضاء، و قد التحق هؤلاء بخلاياهم عبر مسلسل ابتدأ باجتياز اختبارات الثقة. و قد كان هدا العمل سهلا بالنسبة لرؤوس الإرهاب بفعل تغلغل الجماعات المتطرفة في أحياء الدار البيضاء المهمشة. و قد ساعدهم استفحال المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية بتلك الأحياء على بلوغ أهدافهم. اد كانت التربة مهيأة سلفا بعدما قامت جماعة الصراط المستقيم و جماعة الهجرة و التكفير و جماعة السلفية الجهادية بإرساء الأفكار الأساسية الرامية إلى تكفير المجتمع و تكفير النظام و اعتبار المؤسسات و القائمين عليها رموزا للطاغوت، و اعتبار المتشبعين بهده الأفكار يشكلون وحدهم الفرقة الناجية من النار.
و ضمت خلية فاس عناصر تتراوح أعمارهم ما بين 17 و 52 سنة، توبعوا بتهم تكوين عصابة إجرامية و الاختطاف و الاحتجاز و السرقة الموصوفة و استعمال السلاح و الضرب و الجرح بواسطة السلاح الأبيض المؤدي إلى عاهات مستديمة مع سبق الإصرار و الترصد و توزيع منشورات هادفة إلى التحريض على العنف و تهديد الأمن العام و الانتماء لتنظيم سري و القيام بمهام من اختصاص رجال الأمن.
و قد اعتبر المدعو مصطفى التاقي زعيم هده المجموعة التي عمدت على شن جملة من الاعتداءات الإرهابية في حق المواطنين بعدة أحياء هامشية بمدينة فاس. و كان الزعيم يقوم بإصدار فتاوى التكفير و الاعتداء ضد من كان يعتبرهم فاسقين و ملحدين و أعداء الله. و من ضمن الأفعال الإجرامية المنسوبة إليه و لجماعته القيام ببتر يد مواطن بالسلاح الأبيض.
و أغلب أعضاء خلية فاس ينتمون لوداديات سكنية تابعة لأحياء فقيرة بفاس أحدثت وفق تصوراتهم، و كانوا يقومون بدوريات لمحاربة باعة الخمور و المخدرات و المتعاطين للفساد و النساء المتبرجات و اللواتي يرافقن الغرباء. كما استهدفت الخلية بعض الأماكن للسطو عليها اعتبارا لأن أمرائها ربا في نظرها و مخالفة للشرع.
أما خلية سيدي بنور فكانت تضم ما يناهز 20 عنصرا. و تعود الوقائع المرتبطة بها إلى 20 يونيو 2003 حيث نظم فرع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (الحزب ذو الأغلبية الحكومية) بمدينة سيدي بنور ندوة جماهيرية، فتقدم عبد الصمد بنعياد لإلقاء مداخلته التي تمثلت في اتهام المخابرات المغربية بافتعال تفجيرات الدار البيضاء لضرب ما أسماهم بالإسلاميين. كما وجه انتقادات شديدة اللهجة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و للبرلمان لمصادقتهما على قانون الإرهاب، و أضاف أنه يعرف عدة أشخاص مغاربة بايعوا أسامة بن لادن و أن تنظيم القاعدة لا علاقة له بأحداث الدار البيضاء.
و يعد بوشعيب ركيبة أبرز عنصر في هذه الخلية، و هو الذي كان يحث أتباعه على عدم الصلاة وراء أئمة المساجد الذين يقومون بالدعاء للملك، كما يأمرهم بالاستعداد لمواجهة الأعداء الكفار و الجهاد كواجب شرعي.
و حسب محضر الضابطة القضائية فان بوشعيب ركيبة هو الذي أسس خلية سيدي بنور و هي تابعة للسلفية الجهادية و كانت تعقد اجتماعات سرية تتناول فيها مواضيع التكفير و الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر باستعمال العنف.
و قد تمحورت مرافعة النيابة العامة حول ثبوت صلة المتهمين، أعضاء الخلية، ببوشعيب ركيبة و حول القيام هؤلاء بالاستعداد لمخطط إرهابي قصد تنفيذه. في حين ركز الدفاع على أن المحاكمة لا ينبغي أن تنم على المقاصد و النوايا، بل على أفعال إجرامية، و اعتبر أن لا وجود في ملف النازلة لأعمال إجرامية، و الأفكار و المعتقدات لا يطالها القانون إلا إذا ترجمت إلى أفعال.
و بعد مداولة استمرت من الساعة الحادية عشرة و النصف من مساء الجمعة إلى الساعة الثالثة و الربع زوال يوم السبت 13 شتنبر 2003 أصدرت المحكمة أحكامها بإدانة جميع المتهمين 19 بأحكام تتراوح بين ثماني و عشر سنوات سجنا نافذا.
و خلية تمارة كانت تابعة لجماعة الهجرة و التكفير، و تمت محاكمة مجموعة من 15 شخصا في إطار الملف الخاص بها و الذي عرض على العدالة. و قد أدانتهم المحكمة بتهم زعزعة عقيدة المسلم و عقد اجتماعات بدون ترخيص. و صدرت في حقهم أحكام تتراوح ما بين سنتين و ثلاث سنوات حبسا نافذا.
أما بالنسبة لخلية المحمدية فقد أفادت التحقيقات أن الطيب بنتيزي كان من أبرز قادتها. و هو البالغ من العمر 50 سنة. حيث جاء في محضر الضابطة القضائية أنه سافر إلى أفغانستان و تدرب هناك على استخدام الأسلحة و ساهم رفقة سعد الحسني و نور الدين بنمالك في تأسيس الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة. كما جاء في المحضر كذلك أن الطيب قام بجمع 17 ألف دولار، و كان يوزع مبالغ مالية 500 دولار على أعضاء الخلية غير المتزوجين و 1200 دولار على المتزوجين منهم كما أشار المحضر إلى أن الطيب تسلم من أسامة بن لادن في أفغانستان 15 ألف ريال سعودي بعد لقائه به.
و قد كشف الطيب بتيزي لهيئة المحكمة رحلاته المتعددة إلى الخارج. فقد سافر إلى ليبيا و مكث بها مدة سنة، ثم توجه إلى فرنسا فيما بين 1981 و 1995 و عمل هناك كحارس لأحد المساجد التابعة إلى منظمة الاتحاد الإسلامي و عاين هناك الانشقاق الذي عرفته هذه المنظمة. كما صرح أنه كان يدرب مجموعة من الأفراد على فنون الحرب بعد انخراطه في جماعة الاتحاد الإسلامي باعتباره حاصل على الحزام الأسود في رياضة التيكواندو. و إذا كان الطيب قد اعترف للمحكمة بسفره رفقة رئيس منظمة الاتحاد الإسلامي إلى هولندا و اسبانيا و حضر مؤتمرات إسلامية في عدة دول، فانه نفى كليا سفره إلى الخرطوم و انجلترا قبل طرده من فرنسا بعد انتهاء مدة إقامته بها و عدم تمكنه من تجديد بطاقة الإقامة بها.
و قد نفى كافة عناصر المجموعة انتماءهم إلى تنظيم سري، كما اتفقوا جميعا في قولهم أمام المحكمة أن تصريحاتهم الواردة في محاضر الضابطة القضائية كانت تحت التعذيب و لا تمت بصلة بالوقائع، كما أكدوا أنهم تعرضوا للتعذيب. و من هؤلاء (ر-ز) الذي يشتغل مهندسا بالمركز النووي بالدار البيضاء.
و قد أكد الدفاع في دفوعاته الشكلية و الأولية على عدم اختصاص المحكمة (محكمة الإرهاب) في البت في ملف النازلة و ضرورة إحالته على المحكمة المختصة التي ارتكبت بدائرتها الوقائع اعتبارا لكون هذه الوقائع كانت سابقة لصدور قانون مكافحة الإرهاب. كما دعا الدفاع ببطلان إجراءات التفتيش و الإشعار و انعدام حالة التلبس بالنسبة للمتهمين، كما التمس الدفاع بطلان محاضر الضابطة القضائية. إلا أن المحكمة رفضت كل الدفوعات و أدانت المجموعة بالتهم المنسوبة إليها.
و بخصوص خلية مدينة القنطرة، فقد أطلقت على نفسها خلية الحنشة نسبة لدوار الحنشة، و هو أحد الأحياء الهامشية للمدينة. و كان المسمى أحمد ماطو أميرها، و كان على علاقة بمحمد الفزازي و حسن الكتاني و أبي حفص. و قد أشار محضر الضابطة القضائية إلى أن أفراد الخلية تلقوا تداريب شبه عسكرية بالغابة المجاورة للدوار المذكور. و قد أدانت المحكمة جميع أعضاء الخلية بالتهم المنسوبة إليهم و كانت أقصى عقوبة أصدرتها في ملف النازلة هي 30 سنة حبسا نافذا.
أما خلية أكادير فقد بدأت عملياتها باغتيال مواطنة فرنسية بواسطة السلاح الأبيض أثناء مرورها بشارع مدينة أكادير الرئيسي عائدة من الشاطئ. و قد تم تنفيذ هذه الجريمة بعد أحداث 16 مايو بالدار البيضاء.
بايعت هذه الخلية (البالغ عدد أفرادها 14 شخصا) أميرا لها، و كانت تستهدف الأجانب و تنوي تفجير الحافلات السياحية و تستعد للهجوم على مؤسسات سياحية و صناعية حسب ما ورد في محضر الضابطة القضائية. و من أجل تنفيذ مخططاتها حصلت الخلية على كمية من المتفجرات من خلال السطو عليها من المقالع التابعة لمعمل الأسمنت. حيث كان عناصر الخلية ينتقلون إلى عين المكان بعد صلاة العشاء لتعيين الأماكن التي توضع بها المتفجرات من طرف المهندسين. و في اليوم الموالي يتسللون زوالا إلى تلك المواقع التي خضعت للتفجير قصد البحث عن المتفجرات التي لم تنفجر لأسباب تقنية و يجمعونها لتخزينها قصد الاستفادة من موادها لصنع متفجرات لاحقا بطريقة عتيقة.
و قبل انطلاق حملة الاعتقالات بلغ عدد أتباع الخلية ما يزيد على 40 شخصا بفعل عمليات الاستقطاب التي كانت جارية بدون انقطاع.
ففي غضون شهر يوليوز 2003 اعتقلت مصالح الشرطة 12 من المشتبه فيهم في نازلة مقتل السائحة الفرنسية.
و أمير خلية أكادير لا يتعدى مستواه الدراسي الخامسة ابتدائي، و كان يمتهن بيع الكتيبات الدينية أمام المساجد و هو من مواليد سنة 1970 بأكادير، سبق أن حوكم بتهمة العنف ضد الأصول (الوالدين) سنة 1996.
و قد تراوحت الأحكام الصادرة في حق عناصر خلية أكادير بين المؤبد و 5 سنوات بعد اتهامهم بالانتماء إلى تيار السلفية الجهادية و جمع أموال بنية استخدامها في عمل إرهابي و تكوين عصابة إجرامية لإعداد و ارتكاب أعمال إرهابية و الاعتداء عمدا على حياة شخص في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام و بسلامة الدولة و ممتلكات فئة من المواطنين و التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية و عقد اجتماعات دون ترخيص مسبق و ممارسة نشاط في جمعية غير مرخص بها.
و بالنسبة لخلية طنجة عمل الفرنسي روبير أنطوان على استقطاب عدد الشباب المنتمين لتيار السلفية الجهادية و كون معهم خلية استهدفت القيام بعمليات تخريبية بالمغرب عن طريق استعمال المتفجرات و نظام التفجير عن بعد بواسطة هواتف محمولة. و من أجل الاستعداد لذلك تم إنشاء معسكر تدريبي بنواحي مدينة فاس تمحور بالأساس حول التمارين الرياضية و الإعداد البدني و التدريب على السلاح و تصنيع المتفجرات و إجراء التجارب عليها. و لنفس الأغراض أقيم معسكر آخر بجبال مدينة شفشاون بشمال البلاد.
و من أجل تمويل هذه الأنشطة تقرر الاستعانة بشبكة تهريب المخدرات للحصول على بنادق قصد استخدامها ضد قوات الأمن و الاستيلاء على أسلحة إضافية. و بعد الحصول على كمية كافية منها عقد أعضاء الخلية العزم على استعمالها للهجوم على الثكنات العسكرية للحصول على الذخيرة اللازمة، و كل ذلك بهدف إثارة الفتنة و زعزعة الأمن و الاستقرار بشمال البلاد.
وقد تكونت خلية طنجة في بدايتها من 10 عناصر يترأسهم روبير أنطوان الذي أطلق عليها اسم خلية " أسود خلدن" أسوة بمعسكر خلدن بأفغانستان. كما عزمت الخلية على إنشاء معسكر بطنجة يكون قاعدة خلفية للقيام بعمليات هجومية على السدود الأمنية و القوافل العسكرية. و من أعضاء هذه الخلية عبد الإله الفزازي و هو الابن الأكبر لمنظر السلفية الجهادية محمد الفزازي، و هو عائد من أفغانستان التي تلقى فيها دروسا نظرية و تطبيقية في صناعة المتفجرات حسب ما ورد في محضر الضابطة القضائية.
و خلية الرباط، يعتبر ملفها الوحيد في ملفات محاكمات الإرهاب بالمغرب الذي يضم العنصر النسوي بشكل بارز. ففي إطار هذا الملف توبعت التوأمين سناء و إيمان و امرأتين. و كانت التوأمان القاصرتان من المرشحات للقيام بعمليات انتحارية استهدفت البرلمان و جملة من كبريات الأسواق التجارية بالرباط. كما كان مخططا اختطاف شخصيات بارزة في الدولة قصد طلب الفدية.
و قد تبين أن أهم أعضاء خلية الرباط هم من قاطني أحد الأحياء الهامشية. و حسب سكان الحي المعني، و هو حي جبل الريسي، همت الاعتقالات و الاستنطاقات جميع المتعاطفين مع التيارات الإسلامية و جميع الملتحين بالحي. كما أن بعض الاعتقالات تمت بمقر السكنى ليلا و عرفت أحيانا مواجهات بين عناصر الأمن السري و العائلات لاسيما في شارع السوق الذي عرف اعتقال أكثر من 30 شخصا.
و يعتبر حسن الشاوني الملقب بكشك أبرز عناصر هذه الخلية. و هو من مواليد سنة 1975، متزوج و أب لطفل عمره 9 أشهر، يقطن بإحدى غرق بيت العائلة. يمتهن بيع الحلوى لفائدة شخص آخر بشارع السوق بحي الريسي و يتقاضى أجرا يوميا أقل من 4 دولارات، و لا يتعدى مستواه الدراسي الأولى من التعليم الإعدادي. سبق له أن استضاف بمنزل عائلته سعد الغمضي المتهم بانتمائه لتنظيم القاعدة مكث ضيفا عنده لمدة قصد البحث عن زوجة.
و حسب عائلة الشاوني فقد تم إلقاء القبض عليه يوم 14 غشت 2003 و ليس يوم 20 غشت كما ورد في المحضر، وقد تساءلت العائلة عن مكان تواجده و مصيره فيما بين تاريخ الاعتقال الفعلي و التاريخ المنصوص عليه بالمحضر.
و قد وجهت إليه المحكمة تهمة الانتماء لتيار السلفية الجهادية و توزيع مناشير مناهضة للنظام و المساهمة و الإشراف على إعداد عمليات تخريبية.
و يظل ارتباط هذه الخلية بقاصرات من المسائل التي استأثرت كثيرا بالرأي العام. فحسب محضر الضابطة القضائية تم استدراج القاصرتين و التغرير بهما من طرف عناصر خلية الرباط بأفكار لا تتناسب سنهما و وضعيتهما الاجتماعية، و كان تأطيرهما بشكل منظم و مدروس بدقة.
و الفتاتان القاصرتان هما توأمان من مواليد 1989 عاشتا وسط بيئة تعاني من الفقر المدقع و ضمن أسرة تعيش على التسول و بيع الملابس المستعملة أحيانا. كانت القاصرتان إيمان و سناء تلتقيان بعد الصلاة بمسجد الوحدة بالرباط ببعض النساء اللواتي يستدعينهما لمآدبهن دون علم أمهما بذلك. و تعددت اللقاءات و تحجبت التوأمان حيت توطدت علاقتهما بالأصوليات.
و حسب ما ورد في المحضر أن انطلاقة الاعتقالات كانت بعد اتصال إحدى القاصرتين بإمام مسجد الحي لاستفساره حول شرعية القيام بالعمليات الانتحارية، و فيما هي هل حلال أو حرام؟ و بعد أن أبلغ الإمام الشرطة بالأمر بدا التحقيق مع القاصرتين و أفدى إلى التعرف على نوايا خلية الرباط.
و قد تابعت المحكمة الجنائية للأحداث بالرباط القاصرتين بتهم تتعلق بتكوين عصابة إجرامية لإعداد و ارتكاب أعمال إرهابية و جمع و تدبير أموال بنية استخدامها في عمل إرهابي و التآمر على شخص جلالة الملك و الأسرة الملكية. و حكم عليهما بخمس سنوات سجنا نافذا مع وضعهما في إصلاحية الأحداث إلى حين بلوغهما سن الرشد.
و فيما يخص خلية مدينة سلا فقد أفادت الأبحاث بوجود أكثر من خلية متطرفة في عدد من الأحياء الهامشية بالمدينة. و تعرفت قوات الأمن و الدرك على عدد من عناصرها و داهمت أحد البيوت المشتبه فيها إلا أن المجتمعين فيه تمكنوا من الفرار.
و في غضون شهر شتنبر 2003 اعتقلت قوات الدرك بسلا أحد المشتبه فيهم للتحقيق معه بخصوص لقاءات تعقد بأحد المنازل. و عندما كان المعني بالأمر بالمخفر يخضع للتحقيق طلب من الدركي سجادة لأداء الصلاة بعد سماعه الآذان، و حين كان الدركي المحقق بصدد البحث عن المطلوب باغته المعتقل و حاول اغتياله بواسطة سكين، إلا أنه نجا رغم إصابته ببعض الجروح.
تورط الخارج في أحداث الدار البيضاء
في إطار محاولة تفسير ما حدث بالدار البيضاء يوم الجمعة 16 مايو 2003، تحدث البعض عن تورط تنظيم القاعدة. لاسيما و أن هذه الأخيرة سبق لها و أعلنت عن احداث فروع و ملحقات تابعة لها عبر دول العالم. كما أنه في مسار تحول نشاط القاعدة في اتجاه استهداف الدول الإسلامية تم أدراج اسم المغرب ضمن الدول المستهدفة بعد السعودية و قبل الأردن و ذلك اعتبارا لتعاونه، في نظرها، مع الةلايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب.
في حين أن التفسيرات التي برزت مباشرة عقب أحداث الدار البيضاء اتجهت نحو اتهام الصهيونية كيد فاعلة خفية و راء ما وقع يوم الجمعة 16 مايو 2003. و هذا تفسير يعيد إلى الأذهان اتهامها عقب تفجيرات نيويورك و واشنطن.
و من المعروف أن الصهيونية تدعم و تساند مشروع أرييل شارون الطامح إلى تهجير مليون يهودي إلى إسرائيل. و في هذا الصدد فان خلق شعور بانعدام الأمن في المغرب، الذي ظل عن منأى من الإرهاب، من شأنه خدمة هذا الغرض كثيرا. علاوة على أن الصهيونية تسعى إلى الحفاظ و استدامة الضعف الاقتصادي العربي لصالح إسرائيل، لذلك فان تفجيرات الدار البيضاء من شأنها إجهاض أماني التوقيع على اتفاق التجارة الحرة مع الةلايات المتحدة الأمريكية و ذلك بإظهار المغرب كبلد غير آمن.
كما أعلن أكثر من مصدر أنه هناك تنسيق مع تنظيم القاعدة، و قد تم عبر عناصر مغربية توجد بالخارج من ضمنها عبد العزيز بنعيش و محمد التمسماني اللذين اعتقلا بالديار الاسبانية، و شخص آخر يدعى عبد الكريم المجاطي متزوج بمواطنة أمريكية، و هو كان مكلفا سابقا بتجنيد المغاربة للقتال بأفغانستان.
و أكدت هذه المصادر أن التنسيق بين العناصر التي كانت تقيم بالخارج و تلك المتواجدة بالمغرب كان يتم عبر عناصر محدودة العدد جدا من بينها المدعو "مول السباط" الذي توفى بالمستشفى أثناء مرحلة التحقيق و كذلك ياسين الحنش و عبر الفرنسي روبير أنطوان الملقب بالحاج عبد الرحمان.
و من الأسماء الأجنبية التي وردت في إحدى ملفات محاكمات الإرهاب بالمغرب هناك بيكار بيريك، و هو فرنسي الجنسية دخل إلى المغرب سنة 2002 و اعتنق الإسلام سنة 1999 بفرنسا. اعتقل بمدينة فاس و وجهت له تهمة عدم التبليغ عن مخطط يهدف إلى ارتكاب أعمال ارهابية طبقا للفصل 8-218 من قانون مكافحة الإرهاب. و قد أوضح بيكار في دفاعه عن نفسه أن عدم التبليغ عن الأشخاص المتورطين في الأعمال الإرهابية راجع إلى جهله بالقانون المغربي، و أنه لم يكن على علم بأي مخطط إرهابي و أن وجوده بالمغرب و تنقله بين فاس و المدن الأخرى كان الهدف منه زيادة معرفته بالإسلام.
و هناك أجنبي آخر و هو البريطاني بيري أنطوني جانسون الذي اعتقل بمدينة فاس في منتصف شهر يونيو 2003 و أدين من طرف محكمة الاستئناف بفاس بأربعة أشهر حبسا نافذا بموجب الفصل 490 من القانون الجنائي المغربي المتعلق بالتحريض على الفساد و الإخلال بالآداب، في حين برأته المحكمة من تهم الانتماء إلى جماعة غير مرخص لها و التحريض على العنف. علما أن بيير أنطوني هذا، و الملقب بياسين، حوكم ضمن الملف الذي عرف بمحاكمة ارهبيي فاس. و كان آخر دخول ياسين إلى المغرب يوم 28 شتنبر 2002. و حسب ما صرح به لهيئة المحكمة فان السبب الأساسي من قصده المغرب كونه كان متابعا قضائيا و حكم عليه بسنتين سجنا نافذا ببريطانيا بتهمة الاتجار في حواسيب بطريقة غير شرعية، لذلك اضطر إلى الهروب من العقوبة و فكر في الاستقرار بموريطانيا إلا أنه لم يكن يعرف أحدا هناك. و مادامت زوجته بريطانية من أصل مغربي فضل اللجوء إلى المغرب للاستقرار به.
و هكذا استقر في بداية الأمر عند تاجر ثوب بمدينة العرائش بشمال المغرب سبق و أن تعرف عليه ببريطانيا، ثم انتقل إلى فاس للاستقرار بمنزل والد أحد المغاربة الذي تربطه به علاقة بانجلترا قبل رحيله منها.
و بعد مدة تعرف على أخت المدعو الزبير و تزوجها إلا أنه لم يعقد عليها عقد النكاح بطريقة قانونية خشية الاعتقال بحكم متابعته من طرف العدالة البريطانية.
و قد اتضح للمحكمة أن أنطوني رحل إلى الشيشان و سافر إلى أفغانستان و باكستان بغرض الجهاد و هذا ما تضمنه محضر الضابطة القضائية. في حين أن المعني بالأمر أكد أن سفره لتلك الدول كان لغرض إنساني و الإطلاع على حياة المسلمين هناك.
و ردا على سؤال النيابة العامة حول ما إذا كان أنطوني قد تعرض لإكراه أو عنف خلال الحراسة النظرية، رد أنه تعرض لإكراه و لكن ليس كالذي تعرض له المتهمون الآخرون مضيفا أن نفسته كانت منحطة و مهزوزة و أنه كان يسمع صراخا قويا على امتداد مدة احتجازه.
محمد النكاوي : مسار متطرف
محمد النكاوي من مواليد 1958 بضواحي مدينة بركان بمنطقة الريف بشمال المغرب. نما و ترعرع في قرية وسط عائلة بدوية، تابع دراسته إلى حدود القسم الخامس من التعليم الابتدائي، ثم اشتغل مع والده في الزراعة. و في سنة 1981 سافر إلى فرنسا بعد تمكنه من الحصول على جواز السفر و عمل هناك في البناء. و مع تعقب رجال الأمن له هناك انتقل بين عدة مدن فرنسية.
ابتدأ مسار التطرف بفرنسا عندما ذئب النكاوي على الصلاة بمسجد ستالين بباريس. و هناك التقى بعبد العزيز النعماني زعيم حركة المجاهدين بالمغرب و هو أحد المتورطين البارزين في اغتيال المناضل عمر بنجلون. و بواسطته تعرف النكاوي على مجموعة من المغاربة مقتنعين بالإعداد للثورة من أجل تغيير نظام الحكم بالمغرب و تعويضه بنظام الدولة الإسلامية حسب زعمهم. و ظلت علاقة محمد النكاوي بعبد العزيز النعماني مستمرة من أجل استقطاب أشخاص جدد للتنظيم.
و في سنة 1983، و بأمر من عبد العزيز النعماني، عاد محمد النكاوي إلى المغرب قصد استقطاب عدد من المغاربة إلى تنظيم حركة المجاهدين بالمغرب. و هذا ما نجح في إنجازه لاسيما بمنطقة زايو قرب مدينة وزان. كما تكلف بتوزيع مجلة السرايا، لسان حال حركة المجاهدين بالمغرب، خصوصا بمدينة فاس و مكناس و مراكش و أكادير و بركان و وجدة و الدار البيضاء و القنيطرة. و عندما شعر النكاوي بتعقب الشرطة له قرر مغادرة المغرب من جديد و عاد إلى فرنسا.
و قبل هذا الوقت كان النكاوي قد تعرف، بواسطة عبد العزيز النعماني، على عناصر من الجماعة الإسلامية بلبنان، لاسيما سعيد شعبان الذي سبق له أن درس بكلية أصول الدين بمدينة تطوان المغربية سنة 1978، و ذلك لتمكين بعض المغاربة من تلقي تداريب بمعسكر طرابلس بلبنان.
ثم سافر النكاوي من فرنسا إلى لبنان و التحق بمعسكر طرابلس. و كان البرنامج اليومي يبدأ بصلاة الفجر ثم تمارين رياضية. و بعد صلاة الظهر يخضع لحصة التدريب على الأسلحة و ينتهي نهاره بدروس حول الجهاد. و هكذا أصبح محمد النكاوي ملما بالأسلحة و على دراية بتفكيكها و إعادة تركيبها لاسيما سلاح كلاشينكوف.
و بعد مدة توجهت المجموعة التي كان ضمنها محمد النكاوي إلى الشاطئ اللبناني قصد تطبيق ما تلقنوه حول الرماية. و قد استمر التدريب مدة شهرين ثم عاد إلى فرنسا ليعلم بمقتل عبد العزيز النعماني و إسناد قيادة التنظيم إلى البوصغيري.
و في سنة 1989 رجع النكاوي إلى المغرب رغم علمه بأنه مدان غيابيا بالمؤبد من طرف محكمة مراكش. و قد اضطر إلى العودة للمغرب بعد تعرضه بفرنسا لمحاولة اغتيال من قبل مجهولين.
دخل محمد النكاوي المغرب عبر مدينة مليلية باستعمال جواز سفر و بطاقة تعريف مزورين و توجه إلى مدينة سلا حيث استأجر منزلا بحي شعبي لمدة ستة أشهر، ثم انتقل إلى مدينة الخميسات و ظل بها فيما بين 1990 و 1994 و اشتغل في التجارة. و في سنة 1995 انتقل إلى مدينة طنجة و أصبح تاجرا في الهواتف المحمولة، و هناك عمل على ربط الاتصال بأعضاء حركة المجاهدين بالمغرب.
و في سنة 2002 تعرف على روبير أنطوان ريشارد و شرعا معا في دراسة إمكانية التعاون بينهما لتنفيذ أعمال إرهابية، إلا أن اعتقالهما أسقط نواياهما في الماء.
أصحاب البدل السوداء ضمن المتهمين
لقد عرفت بعض ملفات محاكمات الإرهاب بالمغرب اتهام بعض المحامين، و لعل أبرز قضية في هدا الصدد حالتي الأستاذين عين عين و ألف فاء ألف.
فقد اتهم الاستاد عين عين بجناية مساعدة شخص مبحوث عنه في إطار تكوين عصابة إجرامية على الاختفاء و محاولة تهريب مجرم من الاعتقال أو البحث عنه. كما توبع الاستاد عين عين بافشاء سر مهني للمتهم خ-س الدي حوكم بعشر سنوات سجنا نافدا في ملف يوسف فكري و من معه.
أما بالنسبة للاستاد ألف فاء ألف فقد كان ضمن مجموعة توبعت بتهمة تكوين عصابة إجرامية و المشاركة في محاولة القتل العمد مع سبق الإصرار و الترصد و السرقات الموصوفة و محاولة الاختطاف و الاحتجاز و المشاركة في التخريب العمدي. و هي مجموعة منتمية لخلية السلفية الجهادية بالناظور بشمال المغرب.
و يمتهن ألف فاء ألف المحاماة مند ثلاثين سنة خلت، و سنه يفوق الستين. و قد كشفت التحقيقات أن الاستاد كان يتوصل بأشياء ثمينة لبيعها و إرسال محصولها المالي إلى جماعة جزائرية مسلحة كان على علاقة بها. كما جاء في محضر الضابطة القضائية أن أشخاص أجانب ينتمون للجماعة الإسلامية قد قاموا بزيارته رفقة صهره. و كان جل هؤلاء يقيمون بالسويد، يقومون بسلب الأموال ممن يسمونهم كفارا هناك و يرسلونها إلى المحامي بالمغرب.
كما أن أحد المتهمين اعترف بأن اللقاءات كان تقام بمنزل المحامي المذكور حيث يتم تدارس أمور الجهاد و مناقشة أمور تطبيق شرع الله بعد القضاء على حكم الطاغوت.
وقد كشفت التحريات على وقائع تشير إلى أن الأشخاص الدين يحضرون منزل المحامي كانوا على علاقة بصهره و من ضمنهم ليبي مقيم بالسويد و أبو القعقاع و هو جزائري مقيم بالسويد كذلك و المغربي المدعو بأبي يقيم بنفس البلد.
و من المعلوم أن اسم المحامي ألف فاء ألف ورد في سلسلة من المساطر المرجعية، كما أن تصريحاته بمحضر الضابطة القضائية جاءت مطابقة و متجانسة مع تصريحات باقي المتهمين و التي أكدها بعضهم أمام قاضي التحقيق جملة و تفصيلا.
و قد صرح الاستاد ألف فاء ألف أنه تعرف على المتهم دمير ( و هو الدي حوكم بالإعدام) عن طريق صهره (شقيق زوجته) حيث كان يأتي معه إلى المنزل، إلا أنه نفى نفيا قاطعا انتماءه أو علاقته بأي تنظيم محظور, علما أن صهره يقطن بالديار السويدية و يعمل بها و هو متزوج بسويدية. كما نفى الاستاد أن صهره كان يرسل أشياء ثمينة لبيعها و بعث محصولها المالي إلى جماعة جزائرية مساحة.
و قد اعتبر الاستاد المحامي أن المتابعة تقتضي وجود وقائع حقيقية، و الوقائع أرضيتها غير متوفرة بتاتا في حالته، لدلك استغرب كل الاستغراب و هو يستمع إلى التهم الخطيرة و الخطيرة جدا المنسوبة إليه.
... انسحبت هيئة المحكمة، و بعد حوالي ثلاث ساعات من المداولة قضت محكمة الاستئناف بالرباط بعدم مؤاخذة المحامي بالتهم المنسوبة إليه و الحكم ببراءته.
شخصية الإرهابي
إن ما حدث بالدار البيضاء يوم الجعة الأسود 16 مايو 2003 يدعو إلى التساؤل حول الإرهاب كظاهرة. كما أن طبيعة و سيمات الانتحاريين الذين قاموا بتفجير أنفسهم وسط أبرياء تدعو هي كذلك إلى التساؤل حول شخصية الإرهابي.
فالإرهاب من الظواهر المعقدة، و هو فعل مكوناته الأساسية هي الرعب كنتيجة أو محصلة للأفعال و ضحايا مقصودين لذو اتهم كوسيلة لإرهاب الآخرين و أهداف محددة توجه إليها الأفعال الإرهابية و استخدام العنف بصوره المختلفة.
و مختلف تعريفات الإرهاب كادت تتفق في وصفها للإرهاب على جملة من العناصر، و هي أن الإرهاب يتضمن دائما و أبدا استخدام العنف أو التهديد به و عنصر المفاجأة و كذلك ضحايا و البحث عن صدى إعلامي و وجود أهداف يراد تحقيقها سواء أعلن عنها أم لم يعلن.
و الإرهاب كذلك شكل من أشكال الحرب النفسية التي تستهدف التأثير على أفراد المجتمع. و من أسبابه حسب علماء النفس رفض المجتمع بطريقة ما من طرف أفراد معينين يدفعهم رفضهم إلى حد العزلة و الشعور بالاغتراب، مما يؤدي إلى تحقير الذات. و هكذا تسهل عملية لجوء هؤلاء إلى جماعات منغلقة على نفسها لتستقطبهم من حيث لا يدرون و تعطيهم "هوية"، أو ما يفهمونه كهوية أيا كانت معالم تلك الهوية.
و حسب البعض عندما تصبح حالة الإحباط الفردي و الجماعي هي الحالة السائدة و التوازن القيمي-الانفعالي مختلا و قنوات التواصل مقطوعة عندئذ يمكن أن يبرز الإرهاب كوسيلة للدفاع عن الذات.
و يرى جل علماء النفس أن الحرمان عموما من شأنه توليد درجات و مستويات مختلفة و متباينة من العنف. و بتوفر شروط مواتية و تدخل عوامل خارجية يمكن أن يتحول هذا العنف إلى إرهاب. و لعل أبرز نوع من الحرمان الذي يمكن أن يشعر به أي إنسان_ متعلما كان أو غير متعلم، مسيسا كان أو غير متسيس- هو الحرمان من متع الحياة (لاسيما الحاجيات الضرورية لضمان العيش الكريم) و التي يعاين استفادة البعض منها دونه.
و يمكن القول أن علماء النفس قد اتفقوا على ظرفين أساسيين يسببان العدوان و هما الإحباط و الهجوم (أو تهديد الحياة أو مفهوم الذات و تقديرات الذات). إلا أن عدة دراسات بينت أن نظرية الإحباط – العدوان ليست نظرية مطلقة، و بالتالي فهي ليست كافية لوحدها لتفسير الخلفية السيكولوجية للإرهاب. و ذلك لسبب بسيط و هو أنه ليس كل عدوان ارهابا مع العلم أن كل إرهاب هو عدوان بامتياز. و هكذا يتضح أن العلاقة بين العدوان و الإرهاب هي علاقة جزء بكل و بالتالي ما يفسر الجزء لا يمكنه بالضرورة أن يفسر الكل.
و إذا وسعنا مفهوم الإحباط ليشمل الحرمان من جملة من الماديات و الحاجيات و الحيلولة دون إشباعها، مادية كانت أو اجتماعية أو جسمية أو نفسية أو كذلك روحية، يمكن أن يكون هذا الإحباط و بهذا الفهم العام و الشامل يكون فقط مساعدا لتفسير بعض أشكال الإرهاب.
و هذا الإحباط قد يتحول إلى عدوان ضد الآخر و قد يأخذ شكل إرهاب، كما يأخذ في حالته القصوى الشكل الانتحاري.
و قد ركز بعض علماء النفس، في عملية تحليل الإرهاب، على دور مفهوم التوازن القيمي-الانفعالي في العدوان البشري. و حسب وجهة النظر هذه، هناك ارتباط وثيق بين المنظومة القيمية و المنظومة الانفعالية عند الإنسان. فالقيم مرتبة حسب الأهمية و تنوع الطاقة الانفعالية عند الإنسان. إذ أن أهم قيمة يقابلها أكبر مقدار من الطاقة الانفعالية و العكس صحيح. و يشكل رد الفعل هذا محورا من محاور العدوان البشري.
و يمكن إضافة عامل آخر، و هو عامل فقدان التواصل بين الجماعة التي تتبنى الإرهاب و الجهة أو الطرف الذي يوجه نحوه الفعل الإرهابي. و في هذا الصدد هناك من يعتقد أن الإرهاب يظهر عندما تنقطع خيوط التواصل و التفاهم.
فعندما تكون هناك حالة إحباط فردي أو جماعي حالة سائدة (على الأقل ضمن المجموعة) و التوازن القيمي-الانفعالي مختلا و قنوات التواصل مقطوعة عندئذ تتجمع الشروط الكافية لبروز الإرهاب. و الحل بالنسبة لأصحاب هذه النظرية هو العمل على إيقاف الإحباط و إعادة التوازن إلى المنظومة القيمية-الانفعالية. لذا يقال أن الإرهاب يتميز بطبيعة دائرية مفرغة، و بهذا المعنى يقال بأن العنف لا يولد سوى العنف.
لقد صنف أحد العلماء شخصية الإرهابي إلى ثلاث أصناف و هي صليبي و مجرم و مجنون. إلا أن هذا التصنيف يبدو مبسطا جدا. في حين يرى بعض العلماء لا وجود لخصائص شخصية معيارية للإرهابي و إنما هناك أنماط معينة من الشخصيات و هناك خصائص للنمط الأكثر تطرفا و انجذابا نحو سلوك الإرهاب أكثر من الأشكال الأخرى من العنف.
و مهما يكن من أمر فقد اتفق علماء النفس على أن هناك خللا في المكون الانفعالي لشخصية الإرهابي. بحيث يحول هذا الخلل دون الشعور بالذنب عند ارتكاب العمل الإرهابي و الذي غالبا ما يكون ضحاياه أناس أبرياء. و هذا لا يعني أن الإرهابي شخص مجنون أو مختل عقليا بالتعبير العام أو أنه مريض نفسانيا بالتعبير السيكولوجي لأن المجنون أو المختل عقليا مستبعد كليا و قطعا من دائرة الإرهاب لأنه لا أهداف له من وراء ذلك العمل و لا يستطيع السيطرة على أفعاله.
و عموما فان الإرهابي شخص منكفئ على ذاته متمحور حولها لا يقيم أدنى اعتبار لمشاعر الآخرين. و غالبا ما يميل إلى إسقاط نواقصه على الغير.
إلا أنه وجب التنبيه إلى أن خصائص الإرهابي تظل دائما مرتبطة بالخلفية التاريخية و الاجتماعية و الفكرية و بالتالي لا يمكن تعميمها على الأشكال و على جميع من ينعتون بالإرهابيين. و هكذا فخصائص الإرهابي الديني قد تختلف عن خصائص الإرهابي السياسي و ذلك اعتبارا لفعل الفوارق الحضارية و التاريخية و الفكرية. إلا أنه هناك جملة من الخصائص قد تكون مشتركة بين مختلف الإرهابيين. و لعل من أبرز تلك الخصائص العمر. فأغلب الإرهابيين يتراوح سنهم بين 20 و 35 سنة. و نقطة العمر هذه تثير الاهتمام و هي المرحلة العمرية التي تعد بداية الرشد و النضج العقلي و الانفعالي و الاجتماعي. و هناك خاصية أخرى قد تكون مشتركة و هي المتعلقة بالجانب الاجتماعي. فمن الملاحظ أن علاقة الإرهابي بأعضاء مجموعته تكون قوية جدا مما يوحي بأنها تعويض عن فقدان شبكة العلاقات الاجتماعية المفقودة، و التي يحتاج إليها المرء في أي مجتمع.
و بذلك فان حل قضية الإرهاب يجب أن يكون شاملا لكافة مناحي الحياة السياسية و الاقتصادية و التربوية و الاجتماعية و الدينية أي العمل على سد كافة المنافذ التي من شأنها أن تؤدي إلى بروز الإرهابي وبكلمة فان التصدي للإرهاب يستوجب الشمولية و ليس الاقتصار على الجانب الأمني و القمعي و الردعي.
و لعل تتبع حالة أغلب الانتحاديين المغاربة يؤكد بما فيه الكفاية و زيادة جملة الأفكار الواردة أعلاه.
فبالنسبة لحالة محمد العمري، الناجي من انفجارات فندق فرح، فان جميع معارفه يجمعون على أنه كان منعزلا. كما أنه لم تكن تربطه أية علاقة بساكنة الحي، و علاوة على ندرة ظهوره. فانه لم يسجل عليه أنه وقف مع أحد بالشارع أو تبادل أطراف الحديث مع الجيران. في حين أنه كان بين الفينة و الأخرى يستقبل بعض الملتحين المترددين على منزله، و كانوا يدخلون فرادى و يخرجون فرادى. لقد كان يمشي و عيناه في الأرض و قليلا ما كان يرفع رأسه.
أما رشيد خليل، فكان كتوما جدا لا يكاد صوته يسمع إلا لماما. ملامح وجهه لا تكشفان عن أية مشاعر و كأنه آلة ميكانيكية لتنفيذ الأوامر.
بصمات الإرهاب في مقتل اليهود المغاربة
احد المغتالين : يهودي مغربي يعيش بالدار البيضاء
الوقت : الساعة الواحدة و النصف زوالا من يوم الخميس 11 شتنبر 2003-
المكان : حي شعبي بالعاصمة الاقتصادية
أداة الجريمة : مسدسان
منفذو الجريمة : شخصان مقنعان
طريقة القتل : الرمي بالرصاص عن قرب و بدون تردد
كان ربيبو، اليهودي المغربي المغتال من مواليد الدار البيضاء سنة 1944 (55 سنة)، أب لطفلتين يزاول مهنة تجارة الخشب في حي شعبي منذ أزيد من 30 سنة.
و قد أثار اغتياله تساؤلات كثيرة، لاسيما تلك المرتبطة بإصرار الإرهابيين على تنفيذ عمليات إجرامية بالغرب.
كان ربيبو يستعد لإغلاق محله في منتصف النهار عندما تقدم شخصان شابان، واحد نحيف الجسم و الآخر أضخم منه، فأخرج الأول مسدسا و أطلق 3 عيارات أصابت ظهر ربيبو قبل سقوطه، ثم أعاد النحيف الكرة فأطلق طلقتين إضافيتين أصابتا بطن الضحية و هي ملقاة على الأرض. و قبل فرار المجرمين، استدار النحيف فسمع ربيبو يترنح في دمائه على الأرض فعاد إليه و أطلق عليه عيارا آخر أصاب وجهه فهمدت الجثة و لم تتحرك.
تم إطلاق 7 رصاصات على ربيبو، و كانت الأخيرة هي القاضية إذ أصابته برأسه، لاسيما و أن الجاني أطلقها عليه عن قرب.
و بعد اقتراف جريمتهما النكراء لاذ الجانيان بالفرار فلحق بهما بعض الشبان و أوشكوا على المسك بهما. إلا أنهما أشهرا سلاحيهما من جديد و أطلقا عيارات في السماء لتخويف ملاحقيهم. وبذلك تمكنا مكن الوصول إلى الطريق السيار الرابط بين الدار البيضاء و الرباط حيث اعترضا سيارة على متنها رجل و امرأة و هدداهما بإطلاق النار عليهما إذا لم يتركا السيارة. فركباها و لاذا بالفرار بسرعة جنونية.
و قد كشف البحث الطبي أن الضحية أصيبت أكثر من إصابة و كانت إصابة الرأس هي القاضية. و قد حاول شرطي، كان بعين المكان في الطريق السيار إطلاق النار على المجرمين الفارين إلا أنه لم يصبهما. و قد ذكرت مصادر مطلعة أن سبب عدم إصابتهما بأية طلقة من رصاصات الشرطي الذي تعقبهما يعود إلى عدم فعالية الرصاص الذي مر عليه زمن طويل دون استخدامه.
و منذ الوهلة الأولى لم تخف عدة مصادر و جهات إمكانية تورط أصوليين متطرفين في هذه العملية، لاسيما و أن عدة متهمين في ملف تفجيرات 16 مايو بالدار البيضاء كانوا يخططون لمهاجمة مواطنين يهود و لضرب المصالح اليهودية بالمغرب، كما أن هناك عناصر من السلفية الجهادية و الجماعات الأخرى لازالت في حالة فرار أو لم يتم التعرف عليها و كشفها بعد.
و قد تزامنت هذه الجريمة مع الذكرى الثانية لأحداث 11 شتنبر التي استهدفت الولايات المتحدة في عقر دارها. و كشفت مصادر مطلعة أن البحث و التقصي أفادا أن العيارات التي أصابت ربيبو هي نفسها التي استعملت في محاولة اغتيال اليهودي المغربي أزنكورت سنة 1997 و التي لم تتمكن التحقيقات من كشف منفذيها. و العيار المذكور هو من صنف 9 ملم، حيث كان شخصان على مثن دراجة نارية أطلقا النار على أزنكورت و هو تاجر بالدار البيضاء و لاذا بالفرار و لم يتمكنا من إصابته.
كما أفادت مصادر أخرى أنه تم التعرف على منفذي اغتيال ربيبو، و هما مغربيان على صلة بالأوساط المتطرفة المغربية.
و في الأخير تم اعتقال مجموعة من المشتبه فيهم و من ضمنهم شرطي سابق اعترف لدى الشرطة بالتهييء لاغتيال رجال الأمن و شخصيات وازنة في المجتمع. و قد حاول هذا الشرطي استغلال عمله السابق للتخطيط للسطو على شاحنة تنقل الأسلحة. و قد غادر وظيفته عندما اعتبرها كفرا و المال الذي تقضاه منها مال حرام.
و كان المتهمون في هذه النازلة يحضرون دروس زكرياء الميلودي – أمير جماعة الصراط المستقيم- و حسب محاضر الضابطة القضائية اعترف الشرطي أنه حاول استغلال عمله للتخطيط لاعتراض شاحنة تنقل الأسلحة النارية و الذخيرة الخاصة برجال الأمن إلى حقل الرماية بضواحي الدار البيضاء، لاسيما و أنها تكون غير محروسة و يقودها شخص واحد. و بعد مغادرة سلك الشرطة امتهن المعني بالأمر مهنة بائع متجول. كما جاء في المحاضر أنه ساهم في التخطيط لمهاجمة سيارات نقل الأموال للسطو عليها و على المؤسسات المالية للحصول على الأموال اللازمة لاقتناء الأسلحة قصد استعمالها في عمليات جهادية ضد مصالح يهودية بالمغرب.
كما أكدت محاضر متهمين آخرين أنهم تلقوا تداريب رياضية ميدانية للإعداد البدني. و قد سبق لهذه المجموعة أن خططت للسطو على منزل المواطن اليهودي جابيس صاحب مطبعة كان يعمل بها أحد عناصرها إلا أن هذه العملية لم تنفذ.
و يتابع المتهمون في هذه النازلة بتكوين عصابة إجرامية لإعداد و ارتكاب أعمال اجرامية خطيرة.
و مهما يكن من أمر فان حادثة اغتيال المواطن اليهودي في واضحة النهار و على مرأى العيان يذكر مرة أخرى باستمرار حضور غول الإرهاب بالمغرب الذي يستهدف تخويف المغاربة و رعبهم. و يبدو أن الإرهابيين يودون افتعال وضعية تضطر معها الدولة لتضييق الخناق نوعا ما على الحريات العامة، و هذه استراتيجية أضحت معروفة لدى منظري الموت في العالم، و هي المعروفة عموما باستراتيجية تعميق التناقضات.
و في واقع الأمر إن رصاصات الإرهابيين الغادرة لم تصب مواطنا يهوديا مغربيا فحسب، و إنما استهدفت بالأساس تقويض أساس روح التسامح و التعايش و روح المواطنة بالمغرب.
التصدي للإرهاب لا يعني الهروب إلى الأمام
إن الدروس المستخلصة من أحداث الدار البيضاء دفعتني دفعا إلى استرجاع جملة من المقالات لكتاب و صحفيين غربيين سبق لي أن قمت بترجمتها من الإنجليزية إلى العربية و نشرت بعضها على صفحات بعض الجرائد المغربية، و مجملها يؤكد على مسؤولية الغرب في تنامي الإرهاب بالعالم.
1
و ها هي بعض المقالات المترجمة. فقد كتب كارل استايروك ورقة بعنوان بدلا من الإرهاب، جاء فيها أنه كان على الولايات المتحدة أن تستخدم مصادر القانون الدولي لمتابعة جناة أحداث 11 شتنبر 2001... فماذا عسى أن تفعله واشنطن لمنع تكرار ما حدث ذلك اليوم المرعب... هل عليها أن تقتل كل الإرهابيين... و فعلا هذا ما قيل هنا و هناك...لكن القتل يزود الغاضبين ضد الولايات المتحدة و بالتالي تخصيب التربة الملائمة لبروز المزيد من الإرهاب و الأعمال الوحشية عبر العالم. أغلب الناس الماقتين للإرهاب بأمريكا، من مصرفيين و محامين و رجال أعمال و بيروقراطيين، يحتقرون الاستخبارات الأمريكية و وكالاتها و يعترضون على السياسة الأمريكية في هذا المجال، لأنه هناك ثلاث معطيات ساهمت بشكل كبير جدا في نمو و توسيع دائرة إرهاب بالعالم :
1- دعم أمريكا للديكتاتوريات الفاسدة في البلدان العربية
2- عقوبات جائرة على العراق و الشعب العراقي، و هو إجراء ساهم في قتل مليون شخص نصفهم من الأطفال
3- الدعم الأمريكي لإسرائيل ملما أن هذه الأخيرة هي المستلمة لأكبر كمية من المال الأمريكي المخصص للخارج وبذلك كان من الأولى إجبارها على احترام القانون الدولي.
لقد كان من المفروض أن تعكس إسرائيل و تجسد السياسة الأمريكية، سياسة صاحبة بلايين الدولارات التي تمنحها إياها بسخاء كل سنة. و أقل ما كان عليها أن تفعله سحب جيشها و مستوطنيها من الأراضي الفلسطينية التي تحتلها بشكل غير قانوني.
لقد احتلت الولايات المتحدة الأمريكية العراق بدعوى أنها انتهكت قرارات مجلس الأمن، لكن إسرائيل تنتهك قراراته منذ أكثر من 35 سنة، علاوة على قتلها آلاف الناس، و رغم أن ممارساتها مدانة على امتداد العالم بأسره. لكن من المعروف أن الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بالأساس على الدفعات السخية من طرف الولايات المتحدة الأمريكية التي جعلت من إسرائيل "مرتزق اسبارتا" لحراسة النفط بالشرق الأوسط.
و ما روع كذلك الأمريكيين هو اعتراض واشنطن على التخلي عن العقوبات الأمريكية القاتلة للعراق رغم أنها أتت على الأطفال الذين كانوا يموتون يوميا... و لعل أكبر ضعف للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط يكمن في استمرار اعتمادها على آليات السيطرة ذات الطابع الاستعماري التقليدي، أي الاعتماد على كمبرادور (حكام محليون) يعتمدون على علاقاتهم مع الخارج بدلا من الاعتماد على القوى الداخلية. و قد سبق لأكثر من واحد أن أكد أن أحسن السبل لضمان المصالح الأمريكية هو احترام القانون الدولي و ليس الدوس عليه، أي أن تصبح فلسطين دولة مستقلة فعلا و فعليا.
و في ورقة لايفان رافيز تحت عنوان " الديموقراطية المباشرة...ظلمة قبل الفجر" جاء أنه في أبريل سنة 1967، عام بالضبط قبل اغتياله، قال مارتن لوثر " تعتبر حكومتنا الممون الأعظم للعنف على الكوكب"...فعلا علينا أن نحس و نشعر بالذنب مادامت الحكومة العسكرية لا تمثل الناس، و هذا ما أكده بوضوح هاوارد زينين في كتابه "تاريخ ناس الولايات المتحدة". و بحلول سنة 1975 تبين من خلال استطلاع الرأي العام أن 65 في المائة من الأمريكيين يعارضون تقديم مساعدات عسكرية للخارج لأنهم يشعرون بأن تلك المساعدات تمكن الديكتاتوريات من إبقاء سيطرتها على السكان. لكن الكونغرس وافق على منح مساعدات عسكرية لأفغانستان منذ 1980 إذ كانت آخر مساعدة إمداد طالبان ب 43 مليون دولار تحت غطاء محاربة المخدرات في مايو 2001.
إن تأثير منتجي الأسلحة بارز للغاية على سياسات الحكومة العسكرية، لأن هؤلاء يمكنهم شراء عدد كبير من أعضاء الكونغرس، و لقد أكد "ايزنهاور" في خطاب وداعه إلى الأمة على أنه لا مناص من أخذ الحذر من تأثيرات المنشآت الصناعية العسكرية لأنها تسعى دائما و على الدوام إلى خدمة الارتفاع الكارثي للقوة في غير محلها.
ففي الأسبوع الأول الموالي لأحداث 11 شتنبر 2001 عرفت جميع الأسهم هبوطا كبيرا لم يسبق له مثيل منذ 1940، لكن أسهم منتجي الأسلحة لم تتأثر كثيرا. و في هذا الصدد اقترح السيناتور مايك حصوا اقتراحا شاملا لتصحيح الوضع و التصدي لمختلف مظاهر فشل الحكومة التي تمثل الأمريكيين. و مايك حصوا هذا أحد الأمريكيين الذين ساهموا بامتياز في صنع السلام في فيتنام سنة 1971، و كان من بين الذين عارضوا بقوة استعمال الطاقة النووية. و يقول اقتراحه بضرورة تعديل الدستور للسماح للناس، عموم الناس، اقتراح القوانين و التصويت لصالح القوانين التي يريدونها بالتوازي مع الهيئات التشريعية الحالية، و كذلك تمكينهم من التصويت على تغيير سياسات الحكومة العسكرية التي تسلح أعداء أمريكا لتلزم الأمريكيين بعد ذلك لمحاربتهم. و قد حاول مايك حصوا و آخرون الدفاع على هذا المقترح في 1977 إلا أنهم فشلوا، لأنه بكل بساطة كان يدعو إلى ديموقراطية فورية و مباشرة تحتم على الكونغرس إشراك الناس في السلطة.
و في ورقة من تأليف "رون بول" – عضو مجلس النواب- تحت عنوان " نحن الذين صنعنا طالبان" جاء أنه لا يخفى على أحد أنه حتى قبل أحداث 11 شتنبر 2001 كان أغلب الأمريكيين يدركون أن أكبر عداوة لهم تأتي من الشرق الأوسط، و هكذا كانت التجارب مع إيران و ليبيا و العراق، و هذا ما تأكد في أفغانستان. فبعد فترة الحرب الباردة كان مصدر أكبر عداوة للولايات المتحدة الأمريكية هو الشرق الأوسط. لذا لم يكن الأمريكيون يفهمون لماذا دولارات الضرائب التي يؤدونها تصرف على الأعداء الحاليين و المستقبليين في المنطقة.
و لا يخفى كذلك أن الدولارات الأمريكية هي التي ساعدت على خلق حكومة طالبان التي عملت أمريكا على تحطيمها. ففي أواخر سبعينات و أوائل ثمانينات القرن الماضي اشتركت وكالة المخابرات المركزية في تدريب و تمويل المجموعات الإسلامية المختلفة في أفغانستان، و بعضها شكل العمود الفقري لنظام طالبان و حكومتها. و لقد اعترفت الحكومة الأمريكية أنها منحت لتلك المجموعات 6 بليون دولار كمساعدة عسكرية كما مدتها بالأسلحة. و بن لادن نفسه تلقى التداريب على استخدام الأسلحة على يد وكالة المخابرات المركزية التي ساعدت كذلك بعناصرها لبناء مجموعة من المعسكرات حول مدينة "خوست"، كما سلمت لها قدائف "ستينجر"، و هكذا ساهمت أمريكا في تسليح أعدائها و تدريبهم و إعدادهم لمواجهتها.
و على أي حال فان ملايين الدولارات تماطرت على أفغانستان التي نسفها و سوتها أرضا القوات الأمريكية و حلفائها. و حتى قبيل 11 شتنير 2001زودت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان بمساعدات إنسانية بقيمة 125 مليون دولار تم تسليمها بكل اطمئنان مباشرة لطالبان و ليس للفقراء المعنيين و المستهدفين أصلا. و في شهر مايو 2001 أعلنت واشنطن على مكافأة طالبان بإضافة 43 مليون دولار لمساعدتها على التصدي و مكافحة زراعة الخشخاش المستعمل لإنتاج الهيروين و الأفيون. علما أن تجارة الأفيون و المخدرات عموما كانت مربحة بأفغانستان و كانت المصدر الوحيد للتصدير، و قد تأكد أنها كانت تزود العالم ب 75 في المائة من كمية الهيروين المروجة فيه.
لذا من حق دافعي الضرائب بأمريكا أن يتساءلوا عن وجه استعمال الدولارات التي تدفقت على أفغانستان و غيرها على امتداد سنوات، فهل استعملت للتخفيف من معاناة الشعوب؟ و هل ساعدت أمريكا على اكتساب احترام تلك الشعوب؟
لقد صرفت أمريكا ملايين الدولارات لتضطر للدخول في حرب ضد من كانت تساعدهم و تدعمهم بالأمس، لذلك قال الكثيرون الأولى لواشنطن أن لا تبعت دولارا واحدا إلى الخارج كمساعدة.
يبدو بجلاء من خلال هذه الورقات المنشورة في أواخر 2002 أن أمريكا لعبت دورا كبيرا في التأسيس لأرضية انتشار الإرهاب عبر العالم و لازالت لحد الآن تساهم في ذلك. و تزداد الصورة وضوحا اعتبارا لكون الأغلبية الساحقة لمنظري الإرهاب بالمغرب و لرؤوسه و للانتحاريين و لمخططي العمليات، كلهم على علاقة، بشكل أو بآخر، بأفغانستان، و بذلك تتوضح الصورة و تكون العبرة واضحة وإذا ظهر المعنى فلا فائدة في التكرار, لذا فان التصدي للإرهاب يستوجب الشمولية و لن ينفع معه الهروب إلى الأمام في هذا المجال مهما كانت التفسيرات و الدواعي.
التصدي للإرهاب يستوجب الشمولية
هناك إجماع جل المقاربات التي تناولت أحداث 16 مايو 2003 بالدار البيضاء و التي أكدت كلها أن التطرف الإرهابي هو نتاج لتظافر جملة من العوامل المتداخلة.
فإذا كان الفقر و الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية المتردية التي يعاني منها عدد كبير جدا من المغاربة مكنت من توفير التربة الخصبة الملائمة لبروز التطرف و ترعرعه إلى أن بلغ مستواه الإرهابي المتجسد في أحداث الدار البيضاء، فان العامل الديني لعب هو كذلك دورا حاسما، لاسيما فيما يسميه البعض بالتسيب الديني الذي انتشر بشكل ملحوظ بالمغرب بفعل إطلاق العنان لمن هب و دب لإصدار الفتاوى و السماح لنفسه بالتخليل و التخريم و التكفير و الإقرار بالحدود و تفسير النصوص الأساسية للإسلام حسب هواه. و قد ساهم نشاط التيارات الإسلامية الاطلاقية في تفعيل و إعمال كل هذه العوامل مجتمعة ليصل الوضع إلى ما وصل إليه يوم الجمعة الأسود بالدار البيضاء.
و ازداد الوضع تعقيدا في ظل غياب تصور و استراتيجية تربوية هادفة و واضحة المعالم و مضبوطة المقاربة و التخطيط و محكمة في التنفيذ. و هذا ما مكن رؤوس الإرهاب من تجييش مجموعة من الأفراد و إعدادهم فكريا و نفسيا للانخراط في دوائر الإرهاب تحت غطاء ممارسة الجهاد بعد أن تم تكفير الدولة و المجتمع و القائمين على الأمور في مختلف المجالات و الميادين. و هذا علاوة على العوامل الخارجية التي صبت في نفس الاتجاه، أي تسهيل المأمورية لمنظري إيديولوجية الموت قصد تنفيذ خططهم. كما أن الأحزاب السياسية ساهمت هي كذلك في تسهيل هذه المأمورية بحكم فشلها الذر يع سواء في تأطير المواطنين أو الحفاظ على مصداقيتها. و بالتالي فشلت بامتياز في تأثيرها الفعلي في المجتمع عموما.
و كانت الفرصة مواتية للتيارات المتطرفة للتغلغل في ألأوساط الشعبية بفعل انسداد كل أفق سياسي أو اقتصادي يساعد على الخروج من وضعية الأزمة الخانقة التي أضحى يعيشها المغرب منذ سنوات. لاسيما و أن الشعور بالروح الوطنية و تكريسها على أرض الواقع يظل – أراد من أراد و كره من كره – متوقفا بالدرجة الأولى على وجود أمل في الغد القريب-البعيد، و في آمال التغيير المرتقب و في معاينة – فعلا و فعليا- بداية مسلسل تحسين الأوضاع على ركح الواقع اليومي المعيش.
و زاد الطين بلة عندما لاحظ المغربي البسيط – لاسيما الشباب- أن الحكومة لم تؤد في أخر المطاف إلى –ولو جزء- من ما كان منتظرا منها على الصعيد الاجتماعي بالأساس. و لقد أكدت جل الدراسات أن تحصين الشعب المغربي من مختلف النزعات المتطرفة يتطلب بالأساس اعتماد الديموقراطية الحقة كاختيار سياسي و اقتصادي و اجتماعي يهدف بالأساس إلى تحسين أوضاع مختلف فئات الشعب المغربي و صيانة كرامتهم و إقرار حقوقهم. علما أن الاختيار لا يجب أن يظل مجرد خطاب ليس إلا، و إنما يتوجب اثباته في الممارسة الفعلية على جميع الواجهات.
وفي واقع الأمر إن المغرب في حاجة حاليا أكبر من أي وقت مضى إلى استراتيجية واضحة للبناء الديموقراطي الشامل كفيلة بضمان دمج اجتماعي و اقتصادي و ثقافي للمواطنين. لاسيما و أن المواطن البسيط و العادي وصل إلى درجة من اليأس فتحت الأبواب على جميع الاحتمالات.
و مهما يكن من أمر فان التصدي للإرهاب يستوجب الشمولية.
فان أحداث مايو بالدار البيضاء دقت أكثر من ناقوس خطر، 13 شابا أدتهم إيديولوجية الموت والدمار " من أحياء الصفيح إلى حلبة تدمير كل أسباب الحياة الاجتماعية. وهكذا أضحينا الآن نتكلم عن مغرب ما قبل مايو 2003 ومغرب ما بعد مايو 2003، وبرزت من جديد وبشكل أكثر قوة وإلحاحا إشكالية الحداثة والتحديث.
ولعل أول درس تم استخلاصه، على التو، هو ما يرتبط باستغلال الديمقراطية من أجل النيل من سلطة الدولة و " سوء " استخدام حرية الرأي والتعبير.
وإذا كانت الاعتبارات الأمنية من الوسائل اللازمة لمواجهة والتصدي للوضع فإنها تظل غير كافية، ولا مندوحة من إرفاقها بإجراءات أخرى، لاسيما الاجتماعية منها والثقافية.
وذلك لأن مروجي " إيديولوجية الموت والدمار " استغلوا أوضاعا اجتماعية ومعيشية كتربة سهلت لهم مهمتهم وساعدتهم على بلوغ بعض أهدافهم الخسيسة، وهذا هو الأهم الواجب أخذه بالاعتبار أكثر من غيره، لأن اعتماد إجراءات أمنية متشددة دون التفكير في تغيير الوضع الاجتماعي القائم قد يسيء أكثر مما سيفيد.
فالتفاوت الاجتماعي الصارخ لازال جليا وفضاءات التهميش والعيش على هامش المسار العادي لازالت كثيرة وعديدة ببلادنا، والمشاكل والمعضلات الاجتماعية لازالت سائرة نحو التضخم، وهذه كلها أوضاع تغذي اليأس وتسد الأبواب أمام الشباب المتعلمين وغير المتعلمين منهم. وليس من باب الصدفة أن يكون انتحاري الدار البيضاء ينحدرون من فضاءات مهمشة تعيش على هامش المسار لحياة القرن الحالي.
التعليقات (0)