قبل الخوض في وضع تصورات تضمن محاصرة إسرائيل، لابد من التأكيد على أن المشروع الصهيوني في انكماش، وأن هيبته في المنطقة بدأت تتساقط على أيدي المقاومة الفلسطينية والعربية، ولعل آخرها صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل بوساطة مصرية، وأن فرص محاصرته بعد ربيع الثورات العربية أصبح أمراً ممكناً، على الرغم من التجربة الناجحة لإسرائيل في محاصرتها للدول واحتوائها، وخصوصاً دول الطوق المحيطة بما يسمى إسرائيل وهي جمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، وسوريا، ولبنان، والتي تتعامل إسرائيل مع كلاً من مصر والأردن من منطلق عدائي، ولكنه مغلف بدبلوماسية ناعمة بعض الشيء نظراً لتوقيعها اتفاقية سلام مع البلدين، وكمدخل لتنفيذ طموحاتها بأن تكون جزءاًً رئيساً وفاعلاً في شرق أوسط جديد.
وبذلك بدأت إسرائيل ببناء محددات سياستها الخارجية، والتي تقوم على أساس بناء أحلاف وأوراق قوة تستطيع من خلالها إسرائيل أن تعيش في هذه المنطقة الملتهبة من العالم، والتي يجمع معظم سكانها بأن السبب الرئيس وراء عدم الاستقرار العالمي في منطقة الشرق الأوسط يتمثل في وجود أقدم وأشرس احتلال عرفه التاريخ المعاصر، وهو احتلال إسرائيل لدولة فلسطين ...
وفعلاً بدأت إسرائيل في تقسيم أولوياتها حسب ما تقضيه مصالحها، فترى في مصر وسوريا ولبنان تهديداً عليها أكثر من الأردن، وبذلك وضعت إستراتيجية لاحتواء دول الجوار، تلك الإستراتيجية لا تقوم على الاستجداء، وإنما تقوم على الاحتواء الجبري لدول الجوار مستفيدة من نصيحة الفيلسوف الهندي القديم كوتيليا الذي ينصح الدول التي تخشى جيرانها بأن تتحالف مع الدول المجاورة لجيرانها، وذلك بهدف احتوائها.
ومن دراسة وتحري استطاعت إسرائيل معرفة نقاط القوة والضعف لتلك الدول، فكشفت نقطة ضعف مصر والمتمثلة بنهر النيل، فانطلقت سريعاً نحو أفريقيا، وقامت بدعم لا محدود لتلك الدول الفقيرة والمعدومة، وبدأت إسرائيل بالقيام بعدة مشاريع مائية على ضفاف نهر النيل في تنزانيا وأثيوبيا وغيرهم من دول المنبع، بالإضافة على دور إسرائيل الواضح في أزمة السودان وولادة دولة جنوب السودان، هذا بالإضافة إلى الدور المتزايد للموساد الإسرائيلي في سيناء، واستثمار إسرائيل لوقائع فرضتها اتفاقية كامب ديفيد 1979م.
أما سوريا فعلمت إسرائيل طوال عقود من الزمن على بناء علاقات إستراتيجية مع تركيا الدولة الجارة لسوريا، والتي تعتبر دولة منبع لنهر دجلة والفرات ومصب لنهر العاصي.
ومن خلال تلك العلاقات مع تركيا، استطاعت إسرائيل تحييد جبهة سوريا، واقتصرت سوريا على الدعم المعنوي للمقاومة عبر احتضان قادة الفصائل الفلسطينية، وهنا يوجد ملاحظة جديرة بالاهتمام تكشف الفكر الاستراتيجي الصهيوني، فبعد أزمة سفينة مرمرة واهانة تل أبيب للسفير التركي، تأزمت العلاقة بين تركيا وإسرائيل، مما دفع إسرائيل للذهاب نحو قبرص اليونانية، فقامت بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والقيام بعمليات تنقيب عن النفط في البحر المتوسط، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية بينهما، كل ذلك من أجل احتواء تركيا، والضغط عليها...
كذلك لعبت إسرائيل على موضوع الأقليات في الوطن العربي واستثماره كورقة ضغط على الدول كمن أجل احتوائها، فتغلغلت إسرائيل وسط الأكراد، للضغط على كل من تركيا وسوريا وإيران والعراق، وهاهي تعمل على بناء علاقات مع الأمازيغ (الصحراء الغربية)، وربما تكون إسرائيل هي من يقف خلف التوتر في مصر بين المسلمين والأقباط.
أضف إلى ذلك الخطاب الإعلامي الذي تتبناه الدبلوماسية الإسرائيلية، ومحولاتها المتكررة لكسب العطف والتأييد الدولي، وخصوصاً أن إسرائيل وعبر اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية استطاعت احتواء سيدة العالم، وبذلك تعمل إسرائيل على احتواء النظام العالمي بأكمله، فهي باتت ترى في نفسها بأنها دولة فوق القانون...
وهنا نطرح تساؤلاً كيف يمكننا محاصرة إسرائيل...؟
قد تكون المهمة ليست سهلة، ولكن ربيع الثورات العربية يدفع الجميع للتفكير في وضع الآليات الكفيلة لمحاصرة إسرائيل والتي ينبغي في مجملها أن تقوم على امتلاك أوراق قوة كي ننجح في فرض الحصار والعزلة على تلك الدولة التوسعية الاستيطانية...
وهنا أقترح ما يلي:
1- الاستفادة من التجربة الإسرائيلية التي تقوم على محاصرة الدول عبر دول أخرى .
2- دراسة نقاط القوة والضعف لدى إسرائيل.
3- دعم وتعزيز قدرات فصائل المقاومة الفلسطينية والعمل على توحيدها تحت إستراتيجية وطنية موحدة.
4- ملء الفراغ في منطقة أفريقيا وخصوصاً دول حوض النيل.
5- تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية في التعاطي مع مشاكل الأقليات في المنطقة.
6- السلام يحميه القوة، وبذلك لابد من رسم خارطة تحالفات جديدة تستطيع تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة كورقة قوة للضغط على إسرائيل.
7- تعزيز دور جامعة الدول العربية في التعاطي مع القضية الفلسطينية، وزيادة الدعم المالي للشعب الفلسطيني حتى تتحرر سلطتنا وقوانا وفصائلنا من المال السياسي.
8- إعادة النظر في مفردات الخطاب الإعلامي، وتبني خطاب ينسجم مع روح القانون الدولي، ويكشف زيف الادعاءات الصهيونية.
التعليقات (0)