مجنون ليلى يسقط بالضربة القاضية.. في أقل من ثانية
من مقامات مجنون العرب
في قلب وادي الجن.. أخذ مجنون ليلى يئن .. وتآمرت عليه رياح مجنونة.. أخذت ترشقه بالإبر المسنونة.. بينما أرعدت فوقه السماء.. وامتلأت الأجواء.. بحركات غريبة من أشباح سوداء.. خرجت من بئر ليس بها أعماق.. لتتهكم على مجنون ليلى دون إشفاق.
أمسك المجنون كتف مجنون ليلى بحسم.. وقال له: لا بد أن تبعد عنك هذا الهم.. اتصل بليلى الآن.. وأسألها هل ما زالت تحبك مثل أيام زمان.. أم انها شربت من نهر النسيان.. وإذا كانت قد نسيتك فعليك أن تنساها.. وأن تنفض عن روحك غبار ذكراها.. حتى تعيش أنت حياتك من جديد.. وتبدأ رحلة البحث عن عالم سعيد.. وفي الحال قدم المجنون لمجنون ليلى موبايل نوكيا.. وقال له إن هذا الجهاز الذي تتجمع فيه حبات لوبيا وفاصوليا.. يتكفل بأن تتكلم مع ليلى بشكل مباشر.. حتى لو كانت هي في أقصى الحواضر.. المهم في الأمر ان يكون لديها تليفون.. تستطيع هي أن ترد عليك منه يا مجنون!
مفاجأة حلوة.. غمرت قلب المجنون بالنشوة.. فقد أخرج مجنون ليلى ورقة.. كانت مطوية في جيبه ومختفية.. وقال إن ليلى قد أعطتها له قبل الفراق.. ففتح المجنون الورقة بلهفة واشتياق.. وإذا بالورقة تنبض بعدة أرقام.. مكتوبة بدقة وبنظام.. ففرح المجنون بما رآه.. وأخذ الموبايل بيمناه.. وضغط على الأزرار.. وإذا بصوت ليلى يتردد دون حائل أو أسوار:
آلو.. من يطلبني في هذا الليل؟.. من يشغلني عما في بيتي من حفل؟
- أنا قيس بن الملوَّح.. وقد أضنى الحب جسدي فترنح.. هل تذكرين ما كان بيننا من عهود.. قبل أن يقيدوك بما أنت فيه من قيود؟
يا سيد قيس.. فلتتجرع كأس اليأس.. فليس بيني وبينك أي عهد!
- أهذا هو الرد.. على من أحبك بغير حد؟
نعم.. فأنت مسكين لا تملك غير الكلمات.. وأنا تزوجت واحداً ممن لديهم خيرات وثروات.
- لكن الحب أجمل ثروة
هذا هو الوهم الذي أردت أن تغرقني فيه
- هل هذا يعني أنك لم تعرفي الحب؟
طبعاً.. لأن كل من يتحدث عن الحب.. هو إنسان فارغ الجيب.. ليس لديه دفتر شيكات.. ولا يملك إلا عدة أبيات.. يصور فيها بلواه.. أو يناجي فيها من يتوهم أنها لن تنساه!.. أتعرف أني في كل ليلة.. أقيم في بيتي حفلة.. وأختار من بين المدعوين.. واحداً من المجانين.. الذين يملكون الملايين.. وأتركه يتغزل.. وأفرح حين يتوسل.
- أهذا هو الحب عندك يا ليلى؟
مدام ليلى من فضلك يا سيد قيس!
.. ألقى مجنون ليلى الموبايل في الرمل.. وخر مغشيا عليه فوق الوحل.. ثم أفاق ليستمع إلى عويل الرياح.. وهي تذكره بالزمان الذي راح.. مخلفا في قلبه الجراح:
كلهم كانوا يغنُّونَ لليلى إنما مهجة ليلى لم تكن مشغولة إلا بليلى
هكذا مرت لكي تصغي لأشعار من المجنون حتى تتجلَّى
بين باقات الصديقات وتبقى.. هي احلَى
في عيون الشعراء
وقتها.. تزهو بأن الشعر مبهور بليلى وحدها كي تتسلَّى
بينما المجنون يهذي بعد ان ذاب اشتياقا واضمحلا
فوق رمل الصحراء.
.. من جمال الشعر. ليلى أصبحت أحلى أميرة
جاءها العشاق يسعون إلى النجمة من أطراف أرجاء الجزيرة
جاءها هذا بشعر.. جاءها ذاك بخيل.. جاءها آخر محفوفا بأموال وفيرة
صارت النجمة أفعى حين تسعى في هدوء ناعم نحو الضحايا
جاءها ورد فصالتْ ثم صادتْ عزَّه فوق الحشيات الوثيرة
واستبدتْ كي تثيره
صارت النجمة أفعى حولها أكداسُ أموالٍ وزوج وهدايا
واحتوتْ مهجة ليلى كلَّ من كان شجيا أو سخيا بالعطايا
... بكى المجنونان على ضعف الناس.. حين يتكالبون على المال فيفقدون أجمل احساس.. وجأر مجنون ليلى بالشكوى.. تحت ضغط ما عاناه من بلوى:
«جبل التوباد حيَّاك الحيا
وسقي الله صبانا ورعَى
فيك ناغَيْنا الهوى في مهده
ورضعناه فكنتَ المرضعَا
وحدونا الشمس في مغربها
وبكرنا فسبقنا المطلعَا
قد يهون العمر إلا ساعة
وتهون الأرض إلا موضعَا»
.. اغتاظ المجنون من مجنون ليلى وطالبه أن يعود إلى الصواب.. وإلا فإنه سيظل يشرب من السراب.. وبعد دقائق معدودات.. سمع الإثنان أصوات حمحمات.. وإذا بفارس جميل يترجل.. ويقترب منهما وهو يتمهل.. ثم صرخ في مجنون ليلى وقال:
- إبعد عنك شرودك يا قيس.. إن كنت تريد أن يكون لك مكان تحت الشمس - إنك شاعر عذب ورقيق.. ولكني جئت لأجعلك تفيق. هل تظن أن النساء.. يعشقن من يتلذذ بالشقاء.. إنهض بسرعة كي أعلمك معنى الرجولة.. فربما صرت مضرب الأمثال فى البطولة
وقف المجنون بين مجنون ليلى والفارس الجميل.. وتجلى الفارق بين الجسدين.. لكل من يملك عينين.. وفجأة سدد الفارس ضربة قاضية.. فسقط مجنون ليلى على الأرض في أقل من ثانية!
التعليقات (0)