مجنون العرب يعود للقاء العقلاء
على الأرض نحيا وتحيا الحياة
بقلم : حسن توفيق
على الأرض نحيا ، لكن حظوظنا فيها تتفاوت ، فمنا من نقول إنهم رحلوا عن عالمنا وهم في عمر الزهور وهذا ما ندركه حين نتذكر على سبيل المثال المطربة الرائعة أسمهان والشعراء طرفة ابن العبد وأبو القاسم الشابي وبدر شاكر السياب ، ومنا من يعمرون طويلا بصورة خرافية وخيالية مثل النبي نوح أو بشكل منطقي مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ومثل الشاعرتين فدوى طوقان ونازك الملائكة ومنا من يولدون فقراء ويموتون كذلك أو يصبحون من كبار الأغنياء ، ومنا من يولدون فوق ثلوج سيبيريا والقطب الشمالي أو يولدون في جحيم الصحراء الإفريقية ، لكننا نظل نحيا ونحاول أن نتأقلم طالما أننا على الأرض نحيا .
أنا ولدت على أرض مصر العربية وبالتحديد في حي شبرا الشعبي بالقاهرة ، وظللت في مصر أتجول وأتأمل مدنا وقرى عديدة فيها ، إلى أن انتقلت إلى أرض عربية أخرى هي أرض دولة قطر التي عملت في عاصمتها الدوحة على امتداد ثلاثين سنة ، ثم عدت إلى الوطن الأم اعتبارا من يوم الخامس من يوليو سنة 2009. وقبل أن أقرر العودة بعدة أشهر رأيت أن أنهمك في تعلم ما لم أكن أعلم ، وهكذا ابتعدت إلى حد كبير عما يسميه المتنبي العبقري – خير جليس في الزمان – لكي أقترب من جليس عصري ، يدمنه أبناء الأجيال الجديدة في كل دول العالم تقريبا ، وكنت أسخر من نفسي أحيانا حين ألاحظ أن اقترابي من هذا الجليس العصري – الإنترنت يصل إلى حد الهوس والشغف ، فأقول : بعد ما شاب .. ودوه الكتاب !
رأى أصدقائي الذين تحمسوا وقتها لمساعدتي أن ينشئوا لي مدونة ضمن مدونات إيلاف ، وهي هذه المدونة المسماة – مجنون العرب ، وكم كانت دهشتي كبيرة وأنا أتابع تعليقات كثيرين من المدونين والمدونات ، وبدأت جسور صداقات جميلة تتوطد بيني وبين الذين تفضلوا بقراءة ما أدونه ، ومعظمهم من أبناء الجيل العربي الجديد ، وبالطبع فإني لم أفرح وحدي بهذا التواصل التلقائي الجميل ، بل خاض نفس الذي خضته صديق رائع من أبناء جيلي هو الكاتب والشاعر المبدع خليل إبراهيم الفزيع الذي بادر إلى إنشاء مدونة له بعنوان – فضاء الكلمة .
كان لا بد أن أتوقف عن التدوين قبل مغادرة قطر بعدة أيام ، ووعدت أصدقائي جميعا بالعودة إلى مدونتي بعد إنجاز ترتيب كتبي التي نقلتها برا عبر السعودية والأردن إلى القاهرة ، وقد فرغت من هذه المهمة الصعبة والممتعة ، ومع هذا ظللت بعيدا عما كنت أحبه وبعيدا عن الأصدقاء الذين أحببتهم ، إلى أن اتصل بي خليل الفزيع ، لكي ينبهني إلى أن انقطاعي قد طال وأنه قد يتصل بالإنتربول لوضعي في السجن الانفرادي إذا لم أبادر فورا لتنفيذ الوعد الذي كنت قد قطعته على نفسي !
على الرغم من أن عباس محمود العقاد كان قد تهجم على أمير الشعراء أحمد شوقي فإن بيتين من شعر شوقي يترددان الآن :
ويا وطني لقيتك بعد يأس
كأني قد لقيت بك الشبابا
وكل مسافر سيؤوب يوما
إذا رزق السلامة والإيابا
كأني الآن أحس بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين بعد سنة النكبة 1948فقد حرص هؤلاء أن يحملوا معهم مفاتيح بيوتهم لكي يعودوا إليها بعد أن تتحرر الأرض من العصابات الصهيونية وما زال الأحياء منهم ينتظرون، وهذا أنا أدون هذه السطور من القاهرة بينما مفتاح بيتي في الدوحة ساهر معي على المكتب .
تحية حب للحياة التي نحيا على أرضها أيا كان مكان هذه الأرض ، وتحية للجميع و للصديق الغالي خليل الفزيع لأنه من أعادني بمحبته إلى مجنون العرب الذي ظل يتقلب ما بين ليالي الطرب ورعد الغضب !
التعليقات (0)