مواضيع اليوم

مجموعة مقالات عبدو شامي لعام 2016.. عام نهاية قصة 14آذار وثورة الأرز.. ميشال عون رئيسا للجمهورية

عبدو شامي

2017-01-01 07:43:57

0

 مجموعة مقالات عبدو شامي لعام 2016


عام نهاية قصة 14آذار وثورة الأرز.. ميشال عون رئيساً للجمهورية

وهو عام إجهاز الحرب العالمية الثالثة على الثورة السورية..

بعد حمص وحماه حلب بيد الأسد



2017

http://elaphblogs.com/abdoshami.html


 

الفهرس


1-عذرًا 2016.. وددنا لو نتفاءل بكِ ولكن

2- من القنيطرة الى القنطار الفيلم المحروق واحد

3- عون أو فرنجية.. تعدّدت المشانق والإعدام واحد

4- 14آذار انتحرت وأوصت بالجمهورية لـ8.. وعون وفرنجية يتصارعان على التَرِكة

5- الحريري في الذكرى الـ11: تبرير الاستسلام وتزيين الهزيمة وفخر بالخطيئة

6- الميكافيلية الحريرية في مفهوم الوفاء للحلف والحلفاء

7- السعودية تعاقب نفسها ولبنان يستحق اعتذارًا أيضًا

8- بدء تنفيذ الاتفاق النووي لبنانيًا.. السعودية تخلي الساحة لإيران



9- بلديات 2016 بين علم نفس الإنسان وعلم سلوك الحيوان

10- الحريري في مراجعته: أنا المسؤول عن بطولاتي التي لم   تقدِّروها

11- الحزب والمستقبل.. تطرّف مشترك وتبادل خدمات

12- الحريري ونصرالله.. منهج تضليلي واحد بالشواهد والتواريخ

13- داعش تعلن انتماءها لإيران

14- 15تموز2016.. نهاية ديمقراطية وولادة ديكتاتور

15- 31تشرين الأول2016..عون رئيساً يطمئن الجميع  واستشارات ساخنة

16- 3تشرين الثاني2016.. الحريري مكلّفاً بـ112 صوتاً وسلاسة التكليف مؤشّر لتزخيم التأليف

17- 15كانون الأول2016.. حلب بيد النظام.. رحلة الخروج من حلب الشرقية بدأت وقلق على إدلب



*  *  *

 


1-   عذرًا 2016.. وددنا لو نتفاءل بكِ ولكن


مع اطلالة كل عام جديد اعتاد الناس على تبادل عبارات التفاؤل والأمل بأن تكون السنة الجديدة خيرا من سابقتها... على الصعيد السياسي -وهو ما يعنينا- هي بلا شك عادة جميلة وقابلة للتحقق لا سيما في الدول التي تملك الحد الأدنى من الحرية والسيادة والاستقلال والوحدة الوطنية، غير أنها لا يمكن أن تعمّم، فلا نراها تصلح مثلا في المدى المنظور لبلد محتل مثل لبنان حيث لا تعدو عبارات التفاؤل والأمل بسنة أفضل من سابقتها عن كونها إحدى وسائل العلاج -أو لنقل الخداع- النفسي لإخراج الناس من حقيقة واقعهم ومرارته الى وَهْم لا يصدّقه إلا من سمَح لنفسه بالانسلاخ عن الواقع ليعيش في حلاوة الأحلام... وهذا ليس بخطأ ما لم يتحوّل الى حالة مستدامة من نكران الواقع للعيش في عالم آخر من صنع الخيال.

ليست بداية متشائمة ولا منكرة لقدرة الله تعالى على تحسين الأحوال، فمهما ضَعُف الأمل لا يمكن أن يخلو قلب المؤمن من الرجاء، إنما هي بكل بساطة مقدِّمة تسمي الأشياء بأسمائها استنادًا لوقائع ومعطيات ومنهجية تحترم عقل القارئ، فالتركة الثقيلة التي ورثتها سنة 2016 عن سابقتها لا تبشّر بالخير ولا تترك مكانًا للتفاؤل ولنبدأ بالتطرّق الى أهم هذه المعطيات.

البداية مِن ذكر حقيقة المرض دون التلهّي بالأعراض، لبنان بلد محتل من العدو الإيراني الذي يمسك بمعظم مفاصل الدولة الحساسة ويسيّرها خدمة لمشروعه الطائفي والفتنوي والتوسعي في المنطقة، وهذه حقيقة لا يمكن لاحتفال سنوي فلوكلوري بعيد الاستقلال أن يلغيها. أضف الى ذلك أن لا شيء في المدى القريب ولا المتوسط يبشَّر بزوال النظام التكفيري الإرهابي الحاكم في إيران، فقد تلقى في تموز من العام 2015 جرعة دعم كان بأمس الحاجة إليها بعد انقلاب الطاولة عليه في سوريا والعراق، حيث وقّع الشيطان الأكبر الأميركي والشيطان الأخطر الإيراني اتفاقًا نووي المَظهر جيو-سياسي المَخبَر من شأنه أن يثبِّت نظام ولاية الفقيه في الحكم على حساب حرية شعبه وأمن دول المنطقة.

سوريا التي كان من المتوقع أن ينعم لبنان بشيء من الراحة في حال ارتياحها بتحرّرها من سفّاح العصر لا تزال منكوبة، وبعد أن لاحت بارقة أمل بقرب انتهاء النظام تدخلّت روسيا في نهاية أيلول2015 لإعادة تثبيته وتطويل أيام إرهابه وتقوية موقعه على كرسي المفاوضات، وذلك بعد أن أطلق الأسد نداء استغاثة علنيًا بأن جيشه قد اُنهك، مقرًّا بذلك بفشل عصابته المسلحة مدعومة بالميليشيات الشيعية العراقية والحرس الثوري الإيراني والحزب الإرهابي اللبناني والوحش الأسدي الداعشي والغطاء الإسرائيلي الضامن للتأييد الدولي... من الوقوف في وجه تقدّم الثوار، هذا فضلا عن إصرار التحالف الدولي على مداعبة "داعش" عدو الثورة الثاني بعد بشار وعدم المساس بالأسد وظهور تبدّل قولي في الموقف الدولي يرضى ببشار في مرحلة انتقالية. وكلها مؤشرات على استمرار الحرب العالمية الثالثة على ثورة الشعب السوري واستمرار تداعياتها على لبنان وجعله جزءًا من التسوية.

في وجه الاحتلال لا بد من مقاومة وإلا فمن الغباء أن نحلم بتحرّر تحمله سنة 2016، وعندما نجد أن ما يسمّى "مقاومة" للمشروع الإيراني في لبنان هو تحالف موهوم ومزعوم يسمّى "تحالف قوى 14آذار" لا يمكن أن "نستبشر" إلا بمزيد من من نفوذ وتغلغل واستقواء ذاك الاحتلال الذي يمثله الحزب الإرهابي؛ ويكتمل معنا الجو "التفاؤلي" هذا عندما نرى أن الاحتلال وجد فريقًا ينتمي زورًا لذاك التحالف الاستقلالي الموهوم كي يعمل عنده في منصب "الصحوات" على حساب طائفته ووطنه، وقد أصر هذا الفريق الانهزامي والانبطاحي على الغدر مرات عديدة بشهدائه وحلفائه وجمهور "ثورة الأرز" وأبى أن يختم عام 2015 بغير طعنة مسمومة يوجهّها لكل هؤلاء  فأعلن ترشيحه لشخصية منتمية لفريق الحزب الإرهابي كي تترأس جمهورية الاحتلال الإيراني مقابل تكريس رئاسة الحكومة للصحوات! وإذا كانت أقصى درجات تفاؤلنا قبل ترشيح الحريري لفرنجية لا تعدو عن إمكانية وصول رئيس تحت مسمّى الوسطية أو التوافقية والتي نفهمها على أنها رعاية للاحتلال لكن من شخصية لا تحمل بطاقة انتساب للفريق الإرهابي المحتل، فقد أقفلت هذه الخيانة الحريرية العظمى كل الأبواب على ذاك التفاؤل حتى بات النقاش السياسي اليوم منحصر بعنوان: إذا كانت الرئاسة الأولى لا بد ذاهبة لـ8 آذار فالجنرال عون أولى بها من سليمان فرنجية لكيت وكيت من الأسباب...!

الخيانة الحريرية العظمى التي هي عمليًا بمثابة انضمام تيار المستقبل لـ 8آذار والتي انفرط معها رسميًا عقد قوى 14آذار رغم كل المجاملات والتكاذب المتبادل بين أحزابها، لا شك ستطبع مجريات عام 2016 في لبناننا المحتل والتوّاق للتحرّر من مفسديه عملاء السعودية وإيران.

عبدو شامي

3/1/2016    

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)

* * *

 


2- من القنيطرة الى القنطار الفيلم المحروق واحد


فيما لا تزال "بياخة" فيلم "القنيطرة-شبعا" ذي الانتاج الإيراني-الإسرائيلي المشترك لعام 2015 عالقة في أذهان المشاهدين الواعيين من نقّاد السينما الصهيو-فارسية الفاشلة في انتاج سيناريو قادر على اقناع المشاهد بمجريات القصة، إذ بشركة الانتاج الفاشلة نفسها تغزو صالات السينما الصفراء بفيلم جديد حمل عنوان "جرمانا-شبعا" ليكون بدوره شاهدًا جديدًا على الحلف الانتاجي المشترك الذي رغم تجاربه السابقة في التمثيل ورغم كافة مهارات "أبطاله" في الكذب والدجل والتلفيق قدّم فيلمًا أكثر سفاهة وتفاهة من سابقه!

ففي أحداث فيلم "القنيطرة-شبعا" أغارت المقاتلات الإسرائيلية في 18/1/2015 لدواع ودعايات انتخابية داخلية بحتة على موكب للحزب الإرهابي في القنيطرة السورية هلك فيه نحو ستة من الحزب الإرهابي بين قادة وعناصر، وكان معهم جنرال إيراني سارعت اسرائيل لتقديم الاعتذار عن قتله خطأ بإعلانها أنها لم تكن على علم بوجوده في الموكب؛ وفي 28 من الشهر نفسه وبعد تهديد ووعيد دعائي متفاهم عليه بين البطلّين أعلن الحزب عناستهدافه قافلة عسكرية اسرائيلية من تسع عربات في مزارع شبعا وقصفها بستة صواريخ الأمر الذي أدى الى مقتل ضابط وجندي... كل ذلك بحسب سيناريو الحزب الإرهابي الذي عانى من فجوة كبيرة جدا في الصدقية لعدم تصويره عملية "الرد الإلهي" المزعومة خلافا لمسرحيات سابقة كثيرة كان يرفقها دائما بشريط مصور!فهل اسرائيل بهذا الغباء كي تسيّر قوافل بهذا الحجم على مقربة من الحدود وهي تعلم أن الحزب توعّدها بالرد، أم أن الهدف السهل المقدّم على طبق من فضة يندرج في حِلف تبادل الخدمات؟ وكل ذلك على فرضية صحة الرواية عن وقوع العملية.

أما أحداث فيلم "جرمانا-شبعا" من انتاج عام 2016 فتهدف الى قلب حقيقة مقتل القيادي المغمور في الحزب الإرهابي "سمير القنطار" في حبكة قصصية صهيو-فارسية ضعيفة تحاول عبثًا إلصاق العملية بإسرائيل، أولاً، لإحباط معنويات الجيش السوري الحر، وثانيًا لرفع قيمة القنطار بما أن عموم الجهلة يعتبرون كل من تقتله إسرائيل شهيدًا، وثالثًا لتذكير السّذج بأن الحزب الإرهابي على عداوة مع اسرائيل رغم تفضيله قتل الشعب اللبناني والسوري والفلسطيني والبحريني والعراقي والسعودي واليمني والكويتي والمصري على قتل الإسرائيليين... وكل ذلك لإخفاء انجاز المعارضة السورية في قتل القنطار ومجموعة إرهابيين من شبيحة وإيرانيين بتاريخ 20/12/2015 في مقر اقامتهم بضاحية جرمانا قرب دمشق، أي أثناء قيامهم بواجبهم الإرهابي على أرض سورية يغتصبونها ويحتلونها ويقتلون أهلها الثوار الشرفاء الذين سبق للقنطار أن وصفهم بـ"الوجه الآخر للصهاينة" وهدد بـ"قطع يد كل من يحمل السلاح ضد النظام"... وقد نشر الجيش السوري الحر فيلمًا مصورًا تبنّت خلاله "سرية لواء المهام السرية في العاصمة دمشق بالإشتراك مع لواء فرسان حوران" اغتيال سمير القنطار ومرافقيه في "عملية نوعية".

وفيما لم يصدر عن إسرائيل بعسكرييها وسياسييها أي تبنٍ للعملية مع أنه لا شيء يمنعها كونها تبنّت عملية القنيطرة وهي أخطر من هذه بكثير، سارع الإعلام الأصفر الى تحميلها المسؤولية باستهداف مقر اقامة القنطار بعدة صواريخ واغتياله. ولم يكتف الحزب الإرهابي بهذا البيان بل خصص أمينه العام خطابًا مطوّلاً بذل فيه قصارى جهده لإقناع شعبه بأن "لا شك لديه في أن العدو الإسرائيلي هو من قتل القنطار" وكان لافتًا تكراره هذه العبارة بنصّها ومعناها عدة مرات متوعّدًا بالرد... لنكون في 4/1/2016 على موعد مع "رد إلهي مزلزل" عبارة عن عملية محدودة أعلن فيها الحزب عن استهدافه آليّتين للجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا بعبوة ناسفة وإصابة من بداخلهما... كل ذلك دون عرض أي فيلم مصوّر للعملية ودون رؤية آلية مصابة ولا قطرة دم واحدة ربما احترامًا لمشاعر ضعاف القلوب من المشاهدين. وكما عوّدتنا السينما الصهيو-فارسية تكون "قبلة النهاية" عبارة عن قصف مدفعي إسرائيلي للتلال والوديان القاحلة وإعلان إسرائيل أنها لن تنجر الى حرب مع لبنان.

بصراحة، لقد ملّ الناس مشاهدة الأفلام المحروقة؛ هو دائمًا الفيلم التافه نفسه والسيناريو السخيف ذاته والحبكة المكشوفة نفسها والحوار الاستغبائي عينه، لكن كل مرة تحت عناوين مختلفة وجديدة يتم اختيارها لذلك الفيلم القديم؛ فتغيير مكان التصوير لإيهام المشاهد تغيُّر المضمون لم يعد ينطلِ على أحد. وفي النهاية على أبطال الأفلام المحروقة أن يعلموا أن فيلمهم سيبقى أولا وآخرا فيلمًا محروقًا غير مقنع بالنسبة للمشاهدين الواعِين، وسيبقى عنوانه الحقيقي: "حلف واحد وتبادل خدمات" الى أن يُنفّذ أحد البطلَين تهديداته الدعائية بإبادة الآخر ورميه في البحر أو إزالته من الخارطة، وعندها لكل حادث حديث.

عبدو شامي

5/1/2016(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

eliasbejjaninews.com)

* * *


 

3-عون أو فرنجية.. تعدّدت المشانق والإعدام واحد


كما كان متوقّعا استغلّت إيران إعدام السعودية لرأس الفتنة على أراضيها الإرهابي الشيعي "نمر النمر" لزيادة منسوب الوقود الفتنوي الذي تدير به محركات ثورتها الدموية وأطماعها التوسعية، فكان ردّها الأولي بإحراق السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، ما استدعى قطع السعودية علاقاتها مع إيران وسط تضامن إسلامي وعربي واسع نأمل أن يكون بداية صحوة حقيقة غير آنية حيال خطر العربدة الإيرانية الإرهابية والتكفيرية المدعومة بوضوح من السياسة الصهيو-أميركية.

كما كان متوقعًا أيضًا، تردّد صدى هذا التوتر على الساحة اللبنانية بقوة بين تيار المستقبل والحزب الإرهابي بردود عنيفة وردود مضادة بنبرة حادة واستماتة بشعة ومخجلة ومعيبة تعكس مدى العمالة التي يكنّها كل فريق للدولة التي ترعاه وتقديمه مصلحة الخارج بالكامل على المصلحة الوطنية التي ليس لها عنده أي اعتبار... وهي تراشقات وصلت درجتها الى حد تهديد رئيس كتلة الحزب الإرهابي النيابية محمد رعد الرئيس سعد الحريري بعدم العودة الى لبنان بقوله:"من يعيش الإفلاس في ملاذه الذي يأوي إليه الآن لا يجب أن يجد له مكانًا في لبنان"، ومطالبة رعد بانقلاب كامل أي بدستور جديد ومؤتمر تأسيسي قبل انتخاب الرئيس قائلاً: "المسألة ليست مسألة شخص نسلّمه موقعاً في رئاسة الجمهورية، ثم لا يجد صلاحيات يستطيع أن يحكم بها البلاد..."، عندها أجمع المتابعون على أن ملف الرئاسة انتقل من البراد الى الثلاجة على خلفية التوتر السعودي-الإيراني، وهو ما أقرّ به الملك السعودي حيث اعتبر في 10/1/2016 أن "إيران لا تفصل الرئاسة في لبنان عن صراعها مع المملكة"، ما يعني أن للمملكة وصاية على لبنان استمدّتها ممن ارتضوا لأنفسهم أن ينفذوا سياستها فيه، وقد وجد العدو الإيراني المحتل في ذلك جبهة إضافية يصارع فيها السعودية بواسطة من لا يخجلون من الاعتراف بعمالتهم لإيران. رغم الإهانة الشخصية والتهديد المباشر وكل ما تقدّم، بقي الحريري مصرًا على انبطاحيّته لـ 8آذار فظل متمسّكًا بترشيحه سليمان فرنجية للرئاسة!

ردًا على الخيانة الحريرية العظمى كان الانتباه مشدودًا الى معراب المُتخَم ظهرها بعدة خناجر لم تُنزع بعد جرّاء الطعنات الحريرية الغادرة المستمرة، هل سيُقدم الحكيم على اعلانه ترشيح الجنرال عون بعد أن استشعر مدى جدية الخيانة الحريرية وإمكانية وصول فرنجية الى كرسي بعبدا بعد أن تكفّل له الحريري بدعاية انتخابية وقحة وتسويق نشيط في عواصم القرار؟ الاجابة طرقت مسامعنا مساء 10/1/2016 مع إبلاغ ممثل القوات اللبنانية النائب "جورج عدوان" مختلف افرقاء ما يسمى بقوى 14آذار أن خيار القوات هو السير بترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.

يعلّل القواتيون تفضيلهم عون على فرنجية بأن حصر الرئاسة بـ8آذار يجعل عون أولى بها فتمثيله لدى المسيحيين يفوق فرنجية بعشرات الأضعاف، وأن لهم مع الجنرال تاريخًا مشتركًا في النضال الاستقلالي قبل عودته الانقلابية الى لبنان عقب اندحار الاحتلال السوري، وهم يرون أن الجنرال متلوّن فاصطفافه مع 8آذار ليس عقائديًا،هذا فضلا عن الاعتبارات التاريخية الحساسة التي تحول دون قبولهم بفرنجية.

مع احترامنا لوجهة نظر القوات التي لا تحسد على المأزق الذي وضعها به ذاك المزعوم حليفًا بضرب الذكاء الخارق الذي لعبه بترشيحه فرنجية، وبعيدًا عن التبريرات الفلسفية والتجميلية للواقع الأليم ودون تلطيف للعبارات، لا مفرّ من قولنا: تعدّدت المشانق والموت واحد، فالخيانة الحريرية ساقت لبنان المحتل وما تبقى من حَمَلة مبادئ 14آذار الى المشنقة لتنفيذ حكم الإعدام الذي أصدره الطاغية الإرهابي المحتل في حقهم، غير أن الأخير ترك للمحكوم عليه حرية الاختيار بين مشنقتَين إحداهما ذات حبل أخضر والثانية ذات حبل برتقالي، ففضّل المحكوم عليه أن يُعدَم بالمشنقة ذات الحبل البرتقالي لأنه علم أن ذات يوم استُخدم هذا الحبل البرتقالي في إنقاذ شخص مظلوم أُلقِيَ به في حفرة عميقة قبل أن يتم استخدَامه فيما بعد لتنفيذ الاعدامات الظالمة في هذه المشنقة... خلافًا للحبل الأخضر الذي "من يوم يومه" لا يُستخدم سوى في الإعدامات.

على من سيُنتَخب رئيسًا للجمهورية سواء عون أو فرنجية أن يشكر ناخبه الشكلي الأول سعد الحريري الذي لولا خيانته العظمى بترشيحه إحدى شخصيات 8آذار لما انحصر انتماء الرئيس بهذا الفريق؛ إن كان الرئيس فرنجية ففضل الحريري عليه ظاهر بترشيحه وتسويقه في عواصم القرار، وإن كان عون رئيسًا ففضل الحريري عليه كبير إذ لولا ترشيحه الجدي لفرنجية لما ردّت القوات بترشيح عون وجعلته مرشح الغالبية العظمى من الشارع المسيحي، وفي كلا الحالين ناخب رئيس الجمهورية المحتلة الشكلي الأول هو الحريري، أما معيِّن الرئيس الفعلي فهو الحزب الإرهابي الذي استطاع ترويض المستقبل وتدجينه لخدمة مشروعه.   

عبدو شامي

11/1/2016

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


* * *


 

4- 14آذار انتحرت وأوصت بالجمهورية لـ8.. وعون وفرنجية يتصارعان على التَرِكة


إذا كان المكتوب يُقرأ من عنوانه فسوداوية سنة 2016 تُعرَف من شهرها الأول.

عالميًا، شهد 16 كانون الثاني عودة الدولة الإرهابية الأولى في المنطقة إيران الى حضن الأمم المتحدة من بابها الأميركي العريض مع دخول الاتفاق النووي الجيو-سياسي حيّز التنفيذ، فرُفعت العقوبات الدولية وبدأت الوفود الرسمية الأوروبية تزور طهران لحجز حصتها الاقتصادية في السوق الإيرانية الواعدة. بدوره، بدأ الرئيس الإيراني يجوب أوروبا كحمامة سلام تنشد الأمن في العالم، فوقّع مع إيطاليا عقودًا بقيمة 17مليار يورو، واحتشمت له روما فسترت تماثيلها العارية خشية أن يقع نظره عليها فتخدش حياء مَن أرسل إرهابييه ليهتكوا أعراض النساء في سوريا قتلا واغتصابًا وتعذيبا... ثم عرّج على الفاتيكان فاستقبله البابا بالترحاب مع أن لحيته تقطر دمًا من جرائم إيران في المنطقة... وكانت له محطّة مميزة في فرنسا رافعة لواء الدفاع عن حقوق الإنسان، ومَن أرفق بالإنسان وحقوقه من ذاك "الإصلاحي" الذي فاق منسوب الإجرام في عهده ما شهده عهد سلفه المتشدّد "نجاد"، سواء نسبة الإعدامات التي بلغت رقمًا قياسيًا عام 2015، أو حجم الإرهاب وإراقة الدماء التي سفكها الحرس الثوري وميليشاته الشيعية في سوريا والعراق... مع ذلك لابأس أن تضحي فرنسا بما ترفعه من مبادئ طالما أن الغلّة الباريسية شملت توقيع شركة "توتال" عقداً يقضي بشراء 150الفاً الى 200ألف برميل من النفط الإيراني يومياً، وتعهد إيران شراء 118 طائرة "آيرباص" بقيمة تتجاوز 25 مليار دولار.

في سوريا، شهد كانون الثاني مضاعفة الوحش الروسي حجم إرهابه بضوء أخضر عالمي، فكثّف ضرباته على المعارضة المعتدلة والمدنيين مع انتصاف مهلة الستة أشهر التي قطعها على نفسه لقلب المعادلة العسكرية لصالح الأسد. وبالفعل، بدأ النظام المجرم بفعل خطة الأرض المحروقة الروسية يقضم مناطق الثوار المحرّرة ويحَصِّن حدود دولته العلوية، ولذا لم يجد حرجًا كي يكون الحاضر الأول والوحيد على طاولة مفاوضات "جنيف3" بعد تغير موازين القوى سائلاً المجتمع الدولي بكل سخرية: "مع من نتفاوض؟" ما ينذر ببداية نجاح جهود الحرب العالمية الثالثة لإجهاض الثورة الممنوعة، خصوصًا أن مسار التفاوض الذي تفرضه كل من روسيا وأميركا على المعارضة من شأنه أن يُبقي سفّاح العصر رئيسًا الى أجل غير مسمى.

كانون الثاني لبنانيًا لا يقل سوداوية عما كان عليه عالميًا وإقليميًا، فالسادس عشر منه شهد فضيحة وفتنة إخلاء المحكمة العسكرية سبيل المجرم ميشال سماحة وعودته الى منزله متعهدًا بمواصلة عمله السياسي! أما الثامن عشر فكان شاهدا على احتفال القوات اللبنانية في معراب بالمصالحة مع الجنرال ميشال عون وبإعلان الدكتور سمير جعجع ترشيحه العماد عون لرئاسة الجمهورية؛ وإذا كانت المصالحة بعد مراجعة الماضي الأليم مطلوبة وطنيًا ومسيحيًا، فترشيح عون مرفوض رفضا باتًا وبكافة المعايير والمبادئ الوطنية والـ14آذارية وحتى المسيحية، هذا رأينا بكل صراحة وتجرّد وانسجام مع المنطق الذي رفضنا على أساسه ترشيح الحريري لسليمان فرنجية، فمن يرفض هذا لا يمكن أن يقبل بذاك إذ كلاهما من صلب فريق 8آذار والمساهمة بإيصال أي منهما الى الرئاسة الأولى محض استسلام وتسليم لمشروع الحزب الإرهابي وتفريط بدماء شهداء ثورة الأرز وتضحياتهم.

أما البنود العشرة السيادية التي تلاها الحكيم وأعلن ترشيحه عون على أساس التزامه بها، فمن المستحيل أن نصدق أن الرجل الذي عوّدنا في مقاربته الأمور على المنطق والحكمة والحنكة وقوّة الحجة وبُعد النظر وعُمق التحليل... هو مقتنع فعلاً بأن عون موافق عليها أو أنه سيلتزم بها حال وصوله -لا قدّر الله- الى الرئاسة، لا سيما بندَي السياسة الخارجية وتنقل المسلحين عبر الحدود؛ فالحكيم نفسه شكّك في بعضها من خلال قوله للجنرال أثناء تلاوتها غامزًا من جهة جبران باسيل: "بدك يعملا" و"قلّو"! وإذا أضفنا الى ذلك تنكّر المنسق العام لتيار عون "بيار رفول" في 25/1 للنقاط العشر من خلال تفسيره مصطلحاتها بحسب قاموسه الفارسي لا سيما عند فرزه المسلحين بين ما يسمى "مقاومة" وإرهابيين، وأضفنا كذلك تأكيد الحزب الإرهابي في 29/1 مضيّه في ترشيح عون رغم احتفالية معراب وبنودها، فلا يبقى عندنا أي شك في أن النقاط العشر لا تعني ولا تلزم إلا الدكتور جعجع وحده وعون منها براء، وأن ترشيح عون ردة فعل قواتية تغلّبت فيها الكيدية على الثبات على المبادئ ردًا على ترشيح الحريري فرنجية وعلى طعناته السامة والغادرة المستمرة.

الحزب الإرهابي غير مستعجل أبدا ولا مربك فهو يعيش اليوم أحلى أيامه مبتهجًا بأمرين، ابتهاج برئاسة الجمهورية المحتلة التي سيسلّمها الى أحد اثنين من أدواته انحصرت هوية الرئيس بأحدهما، وابتهاج بانتحار تحالف قوى 14آذار الذي كان على هشاشته عائقًا أمام إتمام الحزب الإرهابي مشروعه في الهيمنة على الدولة.

عبدو شامي

1/2/2016

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


* * *


 

5-الحريري في الذكرى الـ11: تبرير الاستسلام وتزيين الهزيمة وفخر بالخطيئة


ليست كل الفنون جميلة بل منها ما هو قبيح وهابط وساقط حتى لو سُمِّي "فنًا"، وفي ذكرى 14شباط2016 قدّم لنا الرئيس سعد الحريري من على خشبة مسرح "البيال" مجموعة فنون هابطة لا تحوز على إعجاب ولا إقناع إلا مَن عطّل حاسة النقد فسلّم عقله الى الزعيم ورفعه الى مرتبة العصمة وانضم الى جوقة "الزَقّيفة" و"الهوبرجية" على قاعدة أن "لا كلمة تعلو فوق كلمة الحريري في تيار المستقبل". وفيما يلي بعض الشواهد المختارة على تلك الفنون.

فن استغباء الجماهير: ظهر في مواضع عديدة أبرزها قول الحريري: "لن يكون لبنان تحت أي ظرف من الظروف ولاية إيرانية"! جملة عجيبة عصيّة على الفهم لانسلاخها عن الواقع؛ فكيف لمن لمن قدّم كل التسهيلات والتمكينات والامتيازات للاحتلال الإيراني فشرّع سلاحه وغطى احتلاله وإرهابه في الداخل والخارج بمشاركته في الحكومة وصولاً الى حد ترشيح أحد أدواته لرئاسة الجمهورية... كيف لمن اقترف كل هذه الجرائم أن ينطق بتلك العبارة ومن أين لنا أن نصدّقه؟!

فن تبرير الاستسلام: استخدمه الحريري عندما عرض أسباب وحيثيات خطوته الاستسلامية (أو صفقته التجارية) بترشيحه سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وملخص تبريره هو أن "الفراغ كارثة وقد طال ليبلغ 21 شهرًا وكل شيء تراجع بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان"، وبما أن "واجبي الأول والأخير وضع حد للفراغ في الرئاسة"، وبما أن "الهدف هو وضع حد للتدهور الاقتصادي والعمل على تحسين وضع لبنان وحماية النظام والسلم الأهلي"، وبما أن "اتفاق بكركي حصر الرئاسة بأربعة قادة موارنة ثبت فشل إيصال ثلاثة منهم كما الاتفاق على مرشح توافقي، لم يبق سوى فرنجية بعدما أقفل كل مجال فالتقيته في باريس وتوصلنا معه الى تفاهم". هذا المنطق الانهزامي القاضي بتفضيل تسليم الجمهورية لـ8 آذار على استمرار الفراغ ما لبث الحريري أن نقضه عندما أردف قائلاً إن "مرشح 8آذار الحقيقي هو الفراغ". فإذا كان مرشّح 8آذار هو الفراغ انتظارًا لنضوج ظروف إقليمية تحدّدها إيران(وهو كذلك حقًا)، ما الذي يجبرنا على الاستسلام والانتحار بترشيح شخصيتَين من 8آذار (المستقبل فرنجية والقوات عون)؟ هل المقصود إخلاء ساحة مجلس النواب من أي مرشح استقلالي تسهيلاً على الحزب الإرهابي مهمة "حصر الإرث" بتعيين أحد أدواته رئيسًا عندما تأتي الأوامر الأيرانية؟!

فن تزيين الهزيمة: أتحف به الحريري الجماهير فور انتهائه من فن تبرير الاستسلام حيث قال بعد اعلانه التفاهم مع فرنجية: "أين الغلط؟ ولماذا أنتم متفاجئون؟ أصلاً ما هو دوري؟ وما هو إرث رفيق الحريري سوى المحافظة على النظام والسلم وتحسين حياة الناس؟"، ليؤكد بذلك ثباته وإصراره على استراتيجية الانبطاح وتقديم التنازلات المخزية مقابل العيش باستقرار زائف ممزوج بذل واستسلام.

فن الفخر بالخطيئة مهّد له الحريري بمقدمته العاطفية تلك ثم نفذ إليه قائلاً: "خطوة خلطت الأوراق، وأعادت تحريك الفراغ الرئاسي بعد أن نسيه الجميع، نحن فخورون بهذه النتيجة"! وسؤالنا، ما النفع من إعادة خلط الأوراق وتحريك الملف الرئاسي إذا كان ذلك على حساب طعن المرشح المزعوم حليفًا وعلى حساب القضية ودم الشهداء؟ الغاية النبيلة لا تبرّر الوسيلة القذرة. لم يكتفِ الحريري بهذا القدر من التضليل بل أمعن بفخره قائلاً: "خطوة أدت بحلفائنا القوات اللبنانية لأن يتوصلوا بعد 28سنة لمصالحة تاريخية مع التيار الوطني الحر(...)، خطوة أدت بالدكتور جعجع أن يقرر الانسحاب من السباق ويعلن ترشيحه الجنرال عون للرئاسة، عظيم، أين المشكلة؟"! المشكلة شيخ سعد هي أنه إذا كانت المصالحة أمرًا إيجابيا أحببت أن تنسبه الى "أمجاد" ترشيحك فرنجية وإن لم يكن منها كون العمل عليها استغرق أكثر من سنة، فهل لرجل يدعي رفع شعار لبنان أولاً و14آذار أن يفتخر بتسبّبه في انسحاب مرشح 14آذار لصالح مرشح من 8آذار وحصر الرئاسة بذلك الفريق؟ لقد دان الحريري بهذه العبارة نفسه فأقرّ بأن ترشيحه فرنجية خطيئة فجّرت 14آذار واستفزّت القوات ودفعتها الى الرد بترشيح عون وإن خلف ستار مسرحية النقاط العشر والتي ما لبث عون أن تنكّر لأهمها في ذكرى توقيعه وثيقة الحزب الإرهابي.             

ومن أجل الإيحاء لأصحاب التفكير المحدود بأن تحالف 14آذار لا يزال على قيد الحياة وأنه لم يَتَشَظَّ الى أحزاب تبحث عن مصالحها الخاصة على حساب ثوابت ثورة الأرز، كان مشهد الختام بقول الحريري:"أدعو قيادات 14آذار الى المسرح لأخذ صورة تذكارية للتأكيد على وحدة 14آذار وأنها باقية وما زالت على ما هي عليه"، مؤكِّدا بالصوت والصورة أن هذا المسمى "تحالفًا" ما هو إلا تحالف صوري فعلاً لا يتجاوز حد الصور التذكارية وتوزيع المجاملات والقبلات التي تتنكّر للواقع وترفض الاعتراف بالخطأ مع أنه فضيلة، كما تأبى الرجوع عنه مع أنه واجب.

عبدو شامي

15/2/2016

  (مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


* * *

 

 

6-الميكافيلية الحريرية في مفهوم الوفاء للحلف والحلفاء


لا نزال مع خطاب الرئيس سعد الحريري الأخير، فالخطاب دَسِم لدرجة أعجزتنا عن إيفاءه حقه في مقالة واحدة، إذ فضلاً عن الفنون الهابطة التي حواها والتي أفردنا لها المقالة السابقة، زاد الخطاب دسامة تجرٌّؤ الحريري على البوح بالسرِّ الكامن خلف طعناته الغادرة لحليفه الحكيم ولثورة الأرز وصولاً الى الطعنة القاتلة بترشيحه الأسدي الثامن آذاري سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية؛ فما هو هذا السرّ يا ترى؟

سرّ طعنات الحريري الغادرة لحلفائه هو مفهومه للوفاء والحلف والحلفاء؛ فبمراجعة لتعريف "الحِلْف" في معاجم اللغة العربية نجدها متفقة على إعطائه معاني: "الميثاق والعهد والتناصر والاتفاق". وهو في معجم مصطلحات اللغة العربية المعاصر: "معاهدة على التعاون والتكاتف والاتفاق والتناصر تُعقد بين طرفين أو أكثر من الدول أو الجماعات في المجال العسكري أو السياسي أو الاقتصادي أو غيرها من المجالات". وبما أن الحِلف عهد فالوفاء به واجب وهو ما نصّت عليه الأديان السماوية والقوانين الوضعية فضلاً عن الإخلاق والآداب، طبعًا بضابط جوهري هو أن يكون الأمر المتحالف عليه مباحًا وإلا كان التحالف على ما هو ممنوع ممنوعًا وفض حلفه واجبًا. وأي تحالف يقضي على أطرافه بالحد الأدنى الاتفاق على الثوابت والمبادئ والأهداف والمصالح المشتركة التي قام عليها حِلفهم والوفاء لها والحفاظ عليها كي تنطبق عليهم تسمية "حلفاء"؛ فلا يحق لأحدهم التنازل عن المبدأ المتحالف عليه أو العمل ضده أو الإضرار بحليفه وإلا اعتُبر ناقضًا للحلف وفعله غدر وخيانة. نعم، ثمة أشياء تقبل المرونة والاختلاف والتمايُز بين الحلفاء، لكن ذلك يقتصر على جزئيات لا تمس الأسس والمبادئ والمصالح المشتركة التي قام عليها التحالف.

هذا تعريف الحِلف في اللغة وفي الاصطلاح السياسي، وهذه ضوابطه وحكم الوفاء به في الدين والقانون والعقل والأخلاق... فما هو مفهومه لدى الشيخ سعد؟

برر الحريري غدره بـ14آذار وبمرشحها للرئاسة وترشّيحه فرنجية فكشف مفهومه للحلف قائلاً: "ويعطونا دروسًا بالوفاء للحلفاء، نعم، الوفاء للحلفاء جميل، لكن ما نفع الوفاء إذا كان على حساب مصلحة لبنان، وإذا كان هدفه استمرار الفراغ؛ الوفاء الأصلي هو الوفاء للبنان، لأن الوفاء للبنان هو أساس الوفاء للحلفاء ولكل اللبنانيين".

مفهوم مخيف وخطير، فالوفاء للحلفاء ليس مسألة جمال وقبح لأنهما نسبيان بين الناس إنما مسألة وجوب وإلزام؛ والوفاء للحلف ليس مسألة نفعية مصلحية خاصة إنما مسألة كلمة وعهد ومبدأ وأخلاق تتخللها تضحيات من أجل المصلحة العامة للحلف ومبادئه؛ وبما أن الحريري اعتمد على الجمال والنفع والمصلحة الخاصة بات عنده الوفاء بالحلف غير نافع -أي الغدر به مسموح بل مطلوب- إذا تعارض مع تلك المصلحة. قد يعترض أحدهم قائلاً إن هذا التحليل باطل لأن الحريري قيّد المصلحة بمصلحة لبنان لا بمصلحته الشخصية، وردًا على ذلك نقول:

"مصلحة لبنان" مصطلح برّاق ولشدة لمعانه يُعمي الأبصار والبصائر عن إدراك ضلال الفكرة الذي سِيق ضمنها. فهل تحالف 14آذار الذي ادعى الحريري مرة أنه "لا يفرّقه عنه إلا الموت" قائم على ما يتعارض مع مصلحة لبنان كي يسمح لنفسه الغدر به، أم إن مبادئ الحرية والسيادة الاستقلال التي هي لب وجوهر هذا التحالف هي المصلحة اللبنانية بذاتها؟! وهل الوفاء للحليف المرشح لرئاسة الجمهورية وفقًا لبرنامج 14آذاري وطني بامتياز أصبح يهدف الى استمرار الفراغ وبالتالي الغدر به واجب؟! أليست اللعبة ديمقراطية و"لينزل كل فريق بمرشحه الى مجلس النواب حيث سنبارك للفائز" كما قال يقول الحريري نفسه اليوم بعد صفقة فرنجية؟!

هل مصلحة لبنان في السين-سين وفي الاعتذار من الأسد وفي تشريع سلاح الحزب الإرهابي وتغطية إرهابه بحكومة ائتلافية وبلعب دور الصحوات وتقديم كل التسهيلات لتحويل لبنان ولاية إيرانية وصولاً الى ترشيح وتسويق شخصية أسدية 8آذارية للرئاسة تتويجًا لـ11 سنة متواصلة من التنازلات المخزية والتقلُّبات المفاجئة بعد رفع السقوف العالية والطعنات السامة والغادرة بحق الحلف والحلفاء والشهداء كلها تمّت تحت ستار "مصلحة لبنان" فيما هي حقيقة مصلحة الحريرية السياسية للبقاء في السلطة أيًا كان الثمن ومصلحة الوصي الإقليمي عليها المملكة السعودية؟!

لقد شكّل نيكولا ميكافيلي (1469-1527) نقطة تحوّل خطيرة في تاريخ الفكر السياسي، حيث جعل في كتابه "الأمير" مبدأه السياسي الأول: "الغاية تبرر الوسيلة" مهما كانت الوسيلة منافية للدين والأخلاق، وذكر في الفصل الثامن من كتابه أنه ينبغي للأمير أن يحافظ على العهد حين يعود ذلك عليه بالفائدة فقط. أما إذا كانت المحافظة على العهد لا تعود عليه بالفائدة فيجب عليه حينئذ أن يكون غدّارًا، ماكرًا مكر الذئب ضاريًا ضرواة الأسد. وبناء على ذلك يبدو أن 14آذار ذهبت ضحية وفريسة الميكافيلية الحريرية في مفهوم الوفاء والحلف والحلفاء.

عبدو شامي

18/2/2016 

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


* * *



7-السعودية تعاقب نفسها ولبنان يستحق اعتذارًا أيضًا


انضم شهر شباط الى سلفه ليثبت سوداوية سنة 2016 لبنانيًا، حيث قررت المملكة العربية السعودية في 19/2/2016 وقف هبة المليارات الأربعة للجيش وقوى الأمن ردًّا على خروج لبنان المُهين على الإجماع العربي في تمنّعه المُشين عن إدانة حرق السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في "مشهد"، كما منعت مواطنيها من التوجه الى لبنان ولوّحت ودول مجلس التعاون بإجراءات أكثر تصعيدًا قد تطال ترحيل لبنانيين عاملين في الخليج فضلا عن مراجعة التبادل الاقتصادي والتمثيل الدبلوماسي وسواها من الإجراءات المؤلمة ما لم يعتذر لبنان عما بدر منه، واضعة كل ذلك تحت عنوان "مصادرة ما يسمى حزب الله لإرادة الدولة اللبنانية، ومواقفه ضد المملكة".

لسنا ممن ينطبق عليهم المثل اللبناني الشعبي "طعمي التم بتستحي العين"، فصحيح أن للسعودية أيادٍ بيضاء كثيرة على لبنان وشعبه يُملي علينا الواجب الأخلاقي شكرها عليها، غير أن إحسان السعودية لا ولن يجعلنا نتحرّج أو نستحيي من تسليط الضوء على الدور السيّئ الذي تلعبه في لبنان من حيث تدخلها في سياسته الداخلية والخارجية عبر فريق سياسي ارتضى لنفسه أن يمثّل مصالح المملكة في بلده على حساب شعاره الميكافيللي والتضليلي "مصلحة لبنان" و"لبنان أولاً"، وهو تدخل يصبّ مباشرة لصالح دعم الاحتلال الإيراني للبنان، ما يعني أن أي إجراء عقابي يتذرّع بمصادرة الحزب قرار الدولة إنما هو عقاب من السعودية للسعودية نفسها.

فبمراجعة سريعة لأبرز القرارات المصيرية التي ساهمت في تعاظم نفوذ الحزب الإرهابي ومكنّته من تحويل لبنان ولاية إيرانية تدريجًا منذ عام 2005... نجد أن المسؤول عنها وبشكل مباشر "تيار المستقبل"  بناء على أوامر سعودية. وإذا سلّمنا أن ما قبل غزوة 7أيار 2008 الإرهابية كان مرحلة مواجهة، فما بعدها هو مرحلة انبطاح واستسلام بامتياز. فبعد فوز 14آذار بانتخابات 2009 النيابية تحت شعارات أن لا للسلاح ولا لولاية الفقيه ولا للثلث المعطل ونعم لحكومة أكثرية، إذ بالحريري يخون 14آذار وناخبيه بإعلانه المفاجئ عن مد اليد لحكومة ما يسمى "وحدة وطنية" ضمّت الحزب الإرهابي وشرّعت له سلاحه بـ"ثلاثية العهر" ومنحته الثلث المعطل المضمر الذي ما لبث أن خلع قناعه وأسقط الحكومة عام 2011 وأتاح لنصرالله شخصيًا تعيين نجيب ميقاتي لرئاسة حكومة إيرانية ذات لون واحد.

عهد الحريري الحكومي الذهبي بالنسبة للحزب الإرهابي لم يقف عند هذا الحد من تمكين إيران في لبنان، فقد حفل بقرارات مفاجئة تخالف ما سبق للحريري أن أعلنه وتعهّد به لجماهيره وحلفائه، قرارات لا تفسير لتغيّرها الجذري بين ليلة وضحاها واستدارتها المفاجئة بنسبة 180 درجة إلا بوصول الأوامر الملكية، ابتداءًا من الس-س بتسليم لبنان رسميًا الى السعودية وسوريا الإيرانية، مرورًا باعتذار الحريري من الأسد على اتهامه إياه باغتيال والده عبر صحيفة سعودية، وزيارته الودية الحميمة الى دمشق ومبيته عند الأسد، والإقرار بوجود شهود زور في التحقيق الدولي.

بعد إخراج الحريري من الحكومة ونفيه من لبنان استمرّت الإملاءات السعودية الانهزامية، فقَبِل بمعاودة حوار التقية مع الحزب الإرهابي بعد دعوة علنية لاستئنافه من الملك الراحل عبدالله للرئيس ميشال سليمان، فمُنِح الحزب بالتالي فرصة لتضييع الوقت وغطاء التحضير لاغتيالات وسام الحسن ومحمد شطح، ثم أعلن الحريري وبشكل مفاجئ كالعادة من باب المحكمة الدولية في "لاهاي" استعداده للدخول في حكومة ائتلافية مع الحزب الإرهابي، فغطى احتلال الحزب وإرهابه في الداخل والخارج لا سيما في سوريا، واستمر بتشريع سلاحه في البيان الوزاري كما تولى منصب "الصحوات" لصالح الحزب من خلال خطط أمنية لا تطال إلا البيئة السنية، والأخطر من ذلك كله أنه كشف لبنان الرسمي دوليًا وعرّضه لتحمّل تبعات سياسة الحزب الإرهابية، إذ بعد أن كان احتلاله مكشوفًا بحكومة لون واحد انقلابية ميقاتية بات بإمكانه ممارسة إرهابه بغطاء وطني وحصانة رسمية عبر حكومة متعددة الأطياف، وبالتالي لم يعد التمنّع عن التضامن مع الاجماع العربي فقط قرار حكومة الحزب الإرهابي بل أصبح قرار الجمهورية اللبنانية ممثلة بحكومة متعددة الأطراف تعمل لصالح إيران، ليست السعودية طرفًا مشاركًا فيها فقط بل عضو مؤسِّس أيضًا!

يبدو أن تسليم إيران الحكومة ومجلس النواب غير كاف، لذلك قررت السعودية إكمال "معروفها" بمحاولة تسليمها رئاسة الجمهورية أيضًا! فبعد فيتو من الراحل سعود الفيصل عطّل صفقة الحريري مع عون، نجحت صفقته مع سليمان فرنجية ونالت مباركة السفير السعودي علنًا من بكركي، وتمّ دعم وتسويق المرشح الأسدي-الإيراني كي يترأس الجمهورية المحتلة بـ "مكرمة" من الملك سلمان هذه المرّة.

بعد كل تلك التدخلات السعودية في لبنان لصالح الإحتلال الإيراني، هل يحق للمملكة أن تعاقب لبنان متذرّعة بأنه أصبح ولاية إيرانية؟! ألا يستحق لبنان الاعتذارا أيضًا؟

عبدو شامي

1/3/2016

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


* * *


 

8-بدء تنفيذ الاتفاق النووي لبنانيًا.. السعودية تخلي الساحة لإيران


مع توقيع الشيطانَين الأكبر والأخطر أميركا وإيران اتفاقهما النووي في 14/7/2015 بدا واضحًا أن لهذا الاتفاق أبعادًا جيو-سياسية غير معلنة تلبّي أطماع إيران التوسعية في الهيمنة على المنطقة؛ ويبدو أن المملكة السعودية أولى المنصاعين للشق اللبناني من هذا الاتفاق بتسليم لبنان لإيران بالكامل.

ندعم أي إجراء خليجي يطال عملاء الحزب الإرهابي من اللبنانين العاملين في الخليج، ونؤيّد تصنيف الحزب إرهابيًا وإن جاء اعتماده متأخرًا جدًا من مجلس وزراء الداخلية العرب، غير أن اتخاذ السعودية ومجلس التعاون الخليجي مجموعة قرارات دبلوماسية واقتصادية وأمنية تصب في خانة العقاب الجماعي لجميع اللبنانيين هو في قراءتنا انصياع من المملكة للاتفاق النووي بشقّه اللبناني تحديدًا. فخلافًا لما ذهب إليه معظم المحللين من أن السعودية قررت مواجهة المد الإيراني في لبنان، نرى أن السعودية وعلى العكس تمامًا إنما تُخلي الساحة اللبنانية لصالح إيران التي بتعافيها الاقتصادي بعد رفع العقوبات ومع مئات مليارات الدولارات التي بدأت تستعيدها أصبحت قادرة على ملء الفراغ السعودي في شتى الصعد كما أنها مستعدة لتسليح الجيش اللبناني لرفع نسبة الهيمنة على قراره من جزئية الى كليّة.

لا ننكر أن سياسة الملك سلمان منذ توليه الحكم في السعودية حازمة ومتشدّدة حيال إيران لكن إذا كان ذلك الحزم ينطبق على اليمن مثلا فهو بالتأكيد لا ينسحب على لبنان. ففي حين نرى سلمان ماضيًا في تصحيح أخطاء سلفه الراحل عبدالله في اليمن، نجده سائرًا على خطى عبدالله في سياسته الانبطاحية التي اعتمدها في لبنان. وبعد أن قدّم عبدالله كل التسهيلات لتحويل لبنان ولاية إيرانية وصولاً الى منح الحزب حكومة تشرع سلاحه وترعى وتحمي إرهابه وفساده في الداخل والخارج وتدافع عنه باسم جميع اللبنانيين، جاء قرار سلمان بتسليم رئاسة الجمهورية لإيران عبر دعم السعودية ترشيح سليمان فرنجية كما بسلسلة إجراءات ظاهرها العقاب الجماعي وباطنها إخلاء الساحة اللبنانية أمام الاحتلال الإيراني. من هنا لا يستقيم منطق واضعي قرارات السعودية الأخيرة في خانة تصميمها على إضعاف النفوذ إيران في لبنان، فكيف لمن يريد فرنجية رئيسًا أن يكون في مواجهة مع إيران؟!

وفي هذا السياق، واهم جدًا من يظن أن "تيار المستقبل" يملك  قراره في الشؤون المصيرية أو أنه يستطيع أن يحيد قيد أنملة عن إملاءات الديوان الملكي عندما يتدخل في سياسة لبنان الداخلية والخارجية، فالحريري حامل للجنسية السعودية ومبايع للملك ومصالحه التجارية في السعودية كما مستقبله السياسي في لبنان متوقفان على رضا العائلة المالكة. أما خروج وزير الداخلية نهاد المشنوق عن قرار وزراء الداخلية العرب برفضه تصنيف الحزب إرهابيًا والذي نال عليه تهنئة خاصة من أمين عام الحزب، فلا يتعارض مع التبعية الحريرية المطلقة للسعودية إنما يؤكدها وينسجم معها بإصراره على سياستها الانبطاحية في لبنان والمتشدّدة في سواه.

لقد فاقت الكوريدا اللبنانية الكوريدا الإسبانية بشاعة، وإذا كان المدافعون عن الكوريدا الإسبانية هم "الفرسان" فالمدافعين عن الكوريدا اللبنانية هم "الثيران"! ففي حين يتم قتل الثيران بأسلوب بشع للغاية بعد مصارعتها وإنهاكها بغرس عدة أسياخ حديدية في ظهرها قبل أن يطعنها "البطل" المصارع الطعنة القاتلة بالسيف وسط هتافات وتصفيق الجماهير، يبرر الإسبان عدم إيقاف هذه الجريمة الوحشية والنزعة السادية على أنها جزء من الفن والثقافة والقيم والتقاليد الإسبانية... أما في لبنان فثمة آلة قتل متخصصة بتصفية الأحرار المعارضين للمشروع الفارسي في الداخل والخارج، غير أن توصيف المرتكب إرهابيًا ممنوع لأنه "جزء من النسيج الوطني ومكوّن رئيسي في المجتمع اللبناني وممثل في مجلس النواب ومنتخب وعضو في الحكومة الائتلافية" كما قال المشنوق وجوقة شانقي الحقيقة من جنبلاط الى سجعان قزي وسواهم من مشجعي الكوريدا اللبنانية الذين تناسوا بانبطاحيتهم أنهم "ثيرانها" أيضًا! وفي ظل تشريع الكوريدا اللبنانية من الطبيعي بقاء الإرهابيين المجاهرين بجرائمهم وعمالتهم طلقاء مكرّمين في حين تعج سجون الدولة بمظلومين ومجرمين غير محصّنين، وتكتظ قبورها باستقلاليين تجرأوا على معارضة "البطل" المصارع.

سألت شبكة الـ CNNفي 3/3/2016 الرئيس الحريري عن رأيه في مقولة إن الهبة السعودية للجيش كانت ستنتهي في أيدي الحزب الإرهابي، فأشاد الحريري بالجيش غير أنه أردف قائلاً: "أعتقد أن هناك قرارا سياسيًا بأن يأخذ حزب الله لبنان على الصعيد الإقليمي"! عودته الى لبنان وتطمينه جمهوره أنه باق فيه، وتجواله في المناطق رغم ما سبق وسوّقه من أنه معرّض للخطر، ثم ترشيحه فرنجية وتمسّكه به، كل ذلك مؤشر أنه رضي بتنفيذ القرار الإقليمي بتسليم لبنان الى إيران، ونال الأمان من الإرهابيين بعد تلقيه أمر الانبطاح والتسليم من السعوديين.

عبدو شامي

7/3/2016

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


* * *

 

 

9-بلديات 2016 بين علم نفس الإنسان وعلم سلوك الحيوان


شهد أيار 2016 عودة الديمقراطية المقنّعة الى لبنان المحتل حيث توافقت الأحزاب الممدِّدة لنفسها نيابيًا على إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية فحوّلتها سياسية بامتياز، وأرادتها اختبارًا لشعبيتها وتحالفاتها الجديدة تمهيدًا للانتخابات النيابية خصوصًا بعد انتحار 14آذار باستسلام أهم مكوّناتها للحزب الإرهابي سواء بدعمها مرشّحَيه لرئاسة الجمهورية، أم بالتحالف مع حليفه الذي يعني التحالف معه بالنتيجة.

مفاجأة البلديات كانت طرابلس التي أطاحت بتحالف الحريري-ميقاتي وسائر الأحزاب معلنة الوزير أشرف ريفي زعيمًا للمدينة، وباستثناء هذا الإنجاز الباهر مضافا إليه طرد الحريرية من سير-الضنية وتمرّد بعض المدن المشرّف على المهَيمنين عليها وإن لم يكفِ لإيصال مرشّحيها... بقيت النتيجة العامة -لا سيما في العاصمة بيروت- إعادة إنتاج الشعب لوائح الطبقة السياسية نفسها التي خذلته الى حد الخيانة! وفيما يلي تحليل لهذه الظاهرة عبر حوار مفترض مع الفيلسوف وعالم النفس الفرنسي "غوستاف لو بون" (1841-1931) الذي يردُّ على أسئلتنا بأجوبة حقيقية مقتبسة ومترجمة من كتابه المرجع "علم نفس الجماهير" الصادر عام 1895.

-نرحّب بك أستاذ "لو بون" ونبدأ حوارنا بالسؤال التالي: كيف تفسّر انتخاب معظم الشعب بمثقيفه وبسطائه وأغنيائه وفقرائه لوائح معيّنة بكاملها "زي ما هي" عملا بتوجيهات زعيم جماعتهم وهم يعلمون أنه شكّلها كي يمنحها غطاءه فتكون فوق المحاسبة وتخدم مصالحه الخاصة، علمًا أن معظم هؤلاء الناخبين يجهلون أعضاء اللائحة التي اقترعوا لها، بل منهم من يعلم أن في اللائحة مَن يناقضهم في السياسة ومن هو حاقد عليهم ومعروف بعدم الكفاءة والنزاهة في مجال عمله العام والخاص؟

-"في الروح الجمعية تنمحي أهليات الأفراد العقلية وشخصيتهم من حيث النتيجة، ويغرق المتباين في المتجانس وتسيطر الصفات اللاشعورية(...)؛ وهنالك مشاهدات دقيقة تثبت كما يظهر أن الشخص إذا ما انغمس مُدة في جماعة فاعلة لا يلبث أن يقع في حال خاصة كثيرة القُرب من حال سِحر المنوَّم بين يدَي منوِّمه، (...) والذات الشاعرة حين تغيب تبطُل الإرادة ويزول التمييز وتتوجه المشاعر والأفكار إذ ذاك الى الهدف الذي عيّنه المنوِّم. تلك هي حال الفرد في الجماعة تقريبا".

-أستاذ "غوستاف" كلامك عن انمِحاء أهليات الأفراد العقلية وزوال التمييز يرُدّنا الى رداءة خطابات بعض الزعماء الانتخابية، لكثرة ما تحويه من سُخف واستغباء وقلب للحقائق لدرجة تثير العجب من تأثُّر كثيرين بها وتفاعلهم معها وتأييدهم لائحة مُطلِقِها على حساب لائحة منافسة غير نافذة سياسيًا وماليًا وإعلاميًا غير أنها احترمت الشعب فخاطبته بالعقل والعلم والمنطق والحجة والبرهان! ما قولكم في هذه المفارقة؟

-"نعم، إن ضعف بعض الخطب التي مارست تأثيرا عظيما في سامعيها يثير الحيرة أحيانا عند قراءتها، ولكنه يغيب عن البال أن تلك الخطب وُضعت لقيادة الجماعات لا ليطالعها الفلاسفة، والخطيب إذا ما كان وثيق الاتصال بالجماعة عَلِمَ كيف يُحضِر من الصور ما يَفتِنها به، وهو إذا ما وُفِّق لذلك بلغ غايته، ولا يَعدِل مجلّدا من الخطب بضعُ جُمَل تُغوي ما يجب إقناعه من النفوس(...). ونجاح الخطبة في البرلمان رهين بنفوذ الخطيب وحده تقريبا لا بالأدلة التي يُدلي بها. ولا حظّ للخطيب المجهول الذي يأتي بخطبة مملوءة بالبراهين فقط في أن يُصغى إليه على الأقل".

-أشرتم الى استحضار صور وجُمل بقصد الإفتان، هذا ما فعله الإعلام الموجَّه الذي ضخّ دعوات مكثفة للاقتراع "وفاء للرئيس الشهيد" مثلا فاستحضره بقصد البَصم لسياسة وريثه المدمِّرة. أو"وفاء للمقاومة" أي لهيمنة الإرهاب... أوهام يدحضها الواقع، فكيف أغوَت معظم الناخبين؟

-"مما يروى في الغالب قصة ذلك المسرح الشعبي الدراماتيكي الذي كان يضطر الى حماية الممثِّل الذي مثّل دور الخائن عند خروجه من المسرح إنقاذًا له من عُنف الحضور الذين أغضبتهم جرائمه الخيالية، وهذا أوضح الأدلة على حال الجماعات النفسية على ما أرى، ولا سيما السهولة التي تُلقَّن بها، فللوهمي من الأهمية ما للحقيقي تقريبا، والجماعات تميل ميلا واضحا الى عدم التفريق بينهما. (...) وكذلك أقطاب السياسة في جميع الأجيال والبلدان، حتى أشدهم استبدادا، دعامة سلطانهم في الخيال الشعبي، وهم لم يحاولوا الحكم بغيره قط".

أشكركَ أستاذ "لو بون" على تحليلك القيِّم وأختم حوارنا بما كتبه الصحافي الناقد "أوكتاف ميربو" في صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية عام1888 تحت عنوان "إضراب الناخبين": "الخراف تذهب الى المسلخ. لا تقول شيئا، ولا تأمل بشيء. غير أنها على الأقل لا تصوِّت للجزّار الذي سيقتلها ولا للبورجوازي الذي سيأكلها. أشدُّ بهِيميّة من البهائم، أكثر غنَميّة من الغنم، الناخب يسمّي جزّاره ويختار آكِلَه. لقد قام بالثورات لانتزاع هذا الحق"! فكلُّ التقدير للذين عبّروا عن إنسانيّتهم فصوّتوا لإنماء مدنهم لا لإنماء نفوذ مَن طَعَنَهم، وريثما تقرّر الأكثرية الصامتة التذمُّر في الصناديق بدلا من اللّتْلَتة في الصالونات، تصبحون على وطن لا قطعان فيه ولا مَن هم أضَلُّ من الغنم.

عبدو شامي

30/5/2016

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


* * *


 

10-الحريري في مراجعته: أنا المسؤول عن بطولاتي التي لم تقدِّروها


فجأة، وجد نفسه خلف المِقوَد، ظن أن الوراثة تشمل رخصة قيادة لا يحمِلها، وضع المفتاح، أدار المحرِّك، وقاد بطريقة متهوِّرة؛ دخل في منعطفات كثيرة يمينًا ويسارا بسرعة جنونية استجابة لأوامر خارجية دون إعطاء إشارة مسبقة بل بعد أن أوهم مَن معه ومَن خلفه أنه ماضٍ الى الإمام على الوعد والعهد. كثرت اصطداماته وارتفعت حصيلة ضحايا قيادته الطائشة. استخفّ بالركاب، فرَّ من البلاد مفضِّلا ممارسة هواية قيادة السيارة عن بُعد عبر التويتر والسكايب والفيسبوك! قُبيل موعد تقرير "الخبير الشعبي" لبيان مسؤوليته عن حوادث القيادة المتهوِّرة عاد الى البلاد ليثبت وجوده أمام من نَسِيَه ويستنهض دعم ضحاياه. صدر قرار الخبير بنهاية أيار2016، غضبٌ عارم من تلك القيادة المتهورة وتمرُّد عليها: إدانة مزلزلة من خبير طرابلس بنسبة 85% وإدانة معبرة جدًا من خبير بيروت بنسبة 40%، مرورًا بإدانات متفرقة في بلديات أقل تأثيرًا أهمها 100% في سير-الضنية. أمام إدانة الخبير أطل القائد المتهوِّر من شبّاكه ليقول بوقاحة: نعم، أنا المسؤول عن كل ما حدث، غير أن تقرير خبيركم لن يجعلني أغيّر طريقتي في القيادة، وكل ما دخلته من منعطفات رغم ما نتج عنها من حوادث كان للسلامة العامة، وكان إما لحكمة جَهِلْتُمُوها أو لمصلحة لم تُحسِنوا إدراكها. نعم، أنا المسؤول عن بطولاتي التي لم تقدّورها أيها السفهاء!!

قصة قصيرة أعترِف للأمانة الصحفية أنها ليست من بنات أفكاري إنما استوحيتها من الرئيس سعد الحريري في 11/6/2016 يوم ألقى خطاب "المراجعة الشاملة" بعد نتائج الانتخابات البلدية التي لقّنت تيار الحريرية درسًا أليمًا ستنساه بالتأكيد لأنها كابرت واستكبرت باعتماد أسلوب التبريرات الواهية والكذب على الذات، بل وحوّلت بحبكة مدروسة أخطاءها الى حِكَم مخفية ومصالح وطنية وبطولات! وكانت لافتة خدعة مَنح "العِصمة" للحريرية السياسية عبر تعمُّد تسميتها بـ"الحريرية الوطنية" بعد أن فنّدت أخطاءها المقالات وكشفت زيفها الانتخابات. هذا ما اختصره الحريري بقوله: "أنا مسؤول مسؤولية كاملة عن المسار السياسي للتيار وللحريرية الوطنية منذ تسلّمي زمام القيادة بعد اغتيال الرئيس الشهيد الى الشوط الأخير من الانتخابات البلدية(..). ثمن غيابي عن بيروت كان باهظًا جدا (..)، لكن ثقوا أن تيار المستقبل لن يتأثر بعواصف الفناجين وسيبقى صامدا في وجه الريح يمسك قراره بيده، ولا يتأخر عن حماية لبنان". "ما من شيء في هذا العالم يمكنه أن يستقوي على تيار المستقبل"!

هل نحن أمام "جنون العظمة" وإن كان من فعلاما يكون؟! هل نتائج الانتخابات البلدية مجرد "عواصف فناجين" أم تأجُّج وثوران براكين؟! لقد تجرّأت في هذا العالم فئة من أحرار الشعب اللبناني انتفضت لحريتها وكرامتها ودماء شهدائها، تجرّأت على الاستقواء على تيار المستقبل ومن حالفه فقالت في الصناديق حيث يمكن للصوت أن "يُوَدَّي": "لاء، مش زي ما هي، زي ما نحنا بدنا ياها تكون". 

تابع الحريري مراجعته التكبرية والتنكرية للواقع والحقيقة والنتيجة، فعدّد مراحل عديدة من تنازلاته المخزية ليكشف لنا أنها بطولات! فهو مشى باتفاق الدوحة (أي وافق على منح الحزب الإرهابي المزيد من السيطرة على الدولة) كي لا يتحول تيار المستقبل الى ميليشيا مسلّحة! مضيّه في اتفاق الدوحة كان سبب وصولنا الى انتصار 2009 النيابي! تطييره الانتصار بتشكيله حكومة وحدة وطنية وبالثلث المعطل (الذي أسقط الحكومة فيما بعد) كان لتجنب التعطيل! مضيه في معادلة ال س.س (أي رهن لبنان للسعودية وسوريا وهدر دماء الشهداء) كان "الغرض منه مصلحة لبنان ولأنه على ثقة أن السعودية لا تريد إلا الخير". ذهب الى سوريا ونام في قصر الأسد وجال معه بسيارته في شوارع الشام وتناول السحورات الرمضانية... "كي أفتدي بكرامتي الشخصية الهدف العربي النبيل". مضيّه في ال س.س رغم تداعياتها القاتلة على تحالف المرحومة 14آذار كان من أجل "كشف كذب بشار الأسد وحلفاؤه"! وكان أيضًا استجابة لإلحاح السعودية وأوباما وساركوزي الذين تمنوا عليه أن "لا تقف مشاعره الشخصية في وجه وعود بشار الأسد لنا بالانفصال عن إيران"! وهل للسياسة الصهو-أميركية أن تتخلى عن خدمات بشار وإيران؟! لكن الحريري بريء بريء، فكلهم عادوا واعترفوا له بحكمته وقالوا له بعد أن أحكم الحزب قبضته على لبنان: "والله كان الحق معك ويا ليتنا سمعنا منك". قبوله من لاهاي بحكومة ائتلافية مع الحزب (أي بتغطية احتلاله لبنان وإرهابه في سوريا) كان "من وحي ثوابت ثورة الأرز وحماية للاعتدال والعيش المشترك وقيم العبور الى الدولة"!! حواره مع الحزب كان "لضبط الاحتقان المذهبي". اغتيال 14 آذار عبر ترشيح فرنجية للرئاسة كان "فقط لكي نكسر الحلقة المفرغة من دون نتيجة حتى الآن". "أخلاقنا، مدرستنا، مسؤوليتنا الوطنية، خوفنا على البلد وأهلنا، فرضت علينا كل هذه الأمور".

هو خطاب تجاهل تصدّع جدران البيت الأرزق والتعامي عن بداية انهياره على رؤوس أصحابه، الشعب بدأ يحاسب، "لبنان أولا" خشبة الخلاص و"السعودية أولاً" سبب الغرق.

عبدو شامي

12/6/2016        

 (مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


* * *

 

11-الحزب والمستقبل.. تطرّف مشترك وتبادل خدمات


مع انتهاء الانتخابات البلدية التي أوصلت رسائل قاسية الى "تيار المستقبل" وإن رفَضَ استلامها عبر خطاب استكباري تنكّر فيه للواقع مستخدما أسلوب الكذب على الذات سمِّي بخطاب "المراجعة الشاملة"... لوحظ بوضوح تعمّد الرئيس سعد الحريري توجيه انتقادات شديدة اللجهة الى الحزب الإرهابي، جرى ذلك في جميع الإفطارات بنسب عنفية متفاوتة (حسب ما تتطلبه نوعية المدعوّين) وهو ما سيتكرّر لاحقا في إفطار طرابلس المتحرّرة التي نفضت عن نفسها الغبار الأزرق. والسؤال هنا: ما الغاية من هذه الحملة الحريرية (الكلامية) العنيفة على الحزب التي تخرق سقف التفاهم على تهدئة التوتّر السنّي-الشيعي التي يعلّل بها التيار معظم انقلاباته؟

يبدو أن "تيار المستقبل" قرّر الهروب من السخط الشعبي الى الأمام، ظنّا منه أنه بتشديد اللجهة مع الحزب الإرهابي يمكن أن يستسمح بيئته أو أن يلملم شعبيته المبعثرة، والمفارقة أن التيار الأزرق يؤكّد في الوقت نفسه أن كل ما ارتكبه من جرائم في حق 14آذار وتضحيات ثورة الأرز وثوارها وشهدائها وصولا الى اغتيالها بالضربة الفرنجية القاضية... إنما كان التزاما منه بالمصلحة الوطنية وعملا بثوابت 14آذار وثوابت الحريرية السياسية المسماة حديثًا "الحريرية الوطنية"!!

ففي استعراض سريع لعلاقة الأزرق والأصفر نجد أن الحوار الثنائي بين المستقبل والحزب قائم ومستمر، وتغطية إرهاب الحزب في سوريا واحتلاله لبنان لا تزال مؤمّنة في الحكومة، والإصرار على ترشيح سليمان فرنجية الأسدي و"نور عين" الحزب الإرهابي لا يزال على حاله... هذا ما يدفعنا الى القول بأن الحملة العنيفة التي يشنّها الحريري على الحزب مجرّد قنابل صوتية شعبوية وهوبرات "قُمقُمِيّة" لا تعني الحزب الإرهابي من قريب أو بعيد، إنما هي موجّهة الى الجمهور المستقبلي حصرًا سواء منه المصفِّق دائما عند كل كلمة ينطق بها زعيمه (على الطريقة الأسدية-التوتاليتارية) أو الساخط المتحرِّر أو الباقي على مضض، وهي أشبه ما تكون بإشاعة تصويت الحزب للّائحة المنافسة للتيار والتي تعمّد الأزرق بثّها يوم انتخابات بلدية بيروت عندما شعر بخطر الرسوب، فما كان ممن ابتلعوها إلا أن نزلوا للاقتراع للمستقبل نكاية بالحزب بعد أن كانوا مُحجمين عن المشاركة!

في المقابل نجد الحزب الإرهابي منشغلا بهمومه الذاتية، أحكم احتلاله للدولة ووجد من يعمل معه تحت غطاء معارضته مقابل مكاسب في السلطة المخطوفة أصلا فاطمأن؛ هو لا يُلقي شأنًا يُذكَر لقنابل المستقبل الصوتية لأنه يدرك تماما أن لا أنسب له من انبطاحية "المستقبل" معارضا مزعوما يجب المحافظة عليه ممثلا احتكاريا للساحة السنيّة، فلا بأس بالصرخات الحريرية طالما أنها لا تفسد لوُدِّ معادلة "التغطية مقابل المنصب" قضية. الهَمُّ الأكبر عند الحزب هو الحرب في سوريا والخسائر الفادحة التي تفرض نفسها بين الحين والآخر فتفضح بطولات التعاون والتنسيق الأسدي-الروسي-الإسرائيلي-الإيراني-الأميركي المباشر والمشترك الهادف الى تعزيز موقع الأسد في أي تسوية مستقبلية وتقسيم الخارطة العراقية!

الحزب أيضا محرج أمام جمهوره، فحسابات المقرَّبين منه يتمّ إقفالها عملاً بالقانون الأميركي المعروف بقانون مكافحة تمويل الحزب عالميا، الأمر الذي استدعى توجيه رسالة قوية (فعلية لا كلامية) للمصرف المركزي عبر تفجير المبنى المركزي لـ"بنك لبنان والمهجر" الأكثر نشاطا والتزاما بتطبيق القانون. وإذا كان تفجير الأحد 12/6/2016 المسائي في يوم عطلة وعند ساعة الإفطار يمكن وصفه بالتفجير "الذكي" من حيث تعمّد "نظافته" من الدماء وحصر الأضرار بتجهيزات المصرف وفي الوقت نفسه تذييل التفجير بتوقيع "خفيّ" لكن أشد ظهورًا ووضوحًا من التوقيع بالحبر المرئي... فإن قانون مكافحة تموييل الحزب الإرهابي الأميركي يمكن وصفه بالـ"غبي" وربما الاستغبائي، إذ كيف لمن سلّم لبنان الى إيران بموجب الاتفاق النووي الجيو-سياسي وبانصياع سعودي، ورفع التجميد عن حسابات إيران المصرفية المقدّرة بنحو 150مليار دولار وبدأ فعلا يتسليمها إياها بموجب الاتفاق الشيطاني نفسه، كيف له أن يدّعي مكافحة تموييل حزب إيران في لبنان؟! هل هو مجرّد حفظ لماء وجه أوباما أمام الأميركيين أو للتباهي بأن أميركا تكافح الإرهاب عبر إيلام المقرّبين من الحزب لا الحزب الذي يعرف كي يستجلب ماله الطاهر؟

التطرّف يخدم التطرّف، هذا ما تُختصر به العلاقة بين المستقبل والحزب، تيار متطرف في انحلاله المسمّى "اعتدالا"، وحزب متطرف بإرهابه المسمى "مقاومة"، كلاهما يستنهض شعبيته مُستعينا بالآخر؛ أما فوق الطاولة وتحتها فمصالح مشتركة وتبادل خدمات، وآخر العروضات جاء من الرابية عبر وئام وهّاب: الحريري في السرايا مقابل عون في بعبدا. وما المانع؟ فما من مستحيل على التيار الأرزق عملا بثوابت الحريرية السياسية وثورة الأرز وحفاظا على الاعتدال والعيش المشترك.

عبدو شامي

19/6/2016    

 (مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


* * *

 

 

12-الحريري ونصرالله.. منهج تضليلي واحد بالشواهد والتواريخ


الاعتراف بالخطأ فضيلة لا يعرفها إلا الكبار من أصحاب الضمائر الحيّة. النقد الذاتي والمراجعة والشعور بالمسؤولية... كلها خصال حميدة وأخلاق وثقافة لا يجرؤ على التحلي بها إلا الأقوياء وهي دليل اخلاص في العمل واحترام لعقول الآخرين. في المقابل، ثقافة اختلاق الأعذار بهدف الإصرار على الخطأ والتمادي فيه والمكابرة في إنكاره وصولا الى الكذب على الذات بتبريره وتسويغه وتحويله الى صواب (أو حتى بطولات!) هي ثقافة ضعفاء النفوس وعديمي المسؤولية والمستكبرين والمستخفّين بعقول الناس. وهذا فن احتيالي خطير، أخطر حِيَله على الإطلاق تلك التي تعتمد "المنطق المغلوط" عبر إيراد حجج واستنتاجات تبدو بظاهرها منطقية بحيث تولّد لدى العاجز عن اكتشاف المنطق المفقود قناعة موهومة بأن الخطأ هو الصواب.

باختصار وتبسيط، عندما يبرّر أحد خطأه قائلا إنه ليس الشخص الأول الذي يرتكبه، أو أن معظم الناس ترتكب مثله، فلن يحظى بإقناع إلا قلة قليلة من السذّج الذين تنطلي عليهم مثل تلك الأعذار الواهية والمكشوفة لأي عاقل... أما عندما يلجأ المُحتال في تبرير خطئه الى إيراد حجج بقالب ظاهره منطقي كأن يدعي أن فعله صواب لأنه كان تفاديا لنتائج افتراضية سيئة أوتخوّفات مستقبلية غيبية، عندئذ يصبح عقل المتلقي أمام امتحان صعب، فإما أن ينبهر بادعاء المحتال تحقيق أو تفادي نتائج مفترضة هي بحد ذاتها وهمية ومستقبلية وغبيبة أو حتى خيالية ومعدومة، فينسى الخطأ وتتحقق عنده القناعة الموهومة بصوابيته، وإما أن ينسف المغالطة بمجرّد إثبات أن الفعل خطأ من أساسه دون الانتشاء بنتائج غير متحقّقة أو متعلّقة بعلم الغيب. وفيما يلي شاهدان من خطابات الرئيس سعد حريري وحسن نصرالله.

ففي إحدى حلقات البرنامج الكوميدي الساخر الذي عُرض بشكل شبه يومي بعد الإفطار خلال شهر رمضان، وقدّمه الحريري وتميّز بحملته الكوميدية العنيفة على الحزب الإرهابي الذي سمح له بالعودة الى لبنان وضمن له أمنه الشخصي... قال الحريري في 16/6/2016 رافضا الاعتراف بخطأ معاودته الحوار مع الحزب ونكثه وعودا سابقة بعدم استئنافه :"إن الحوار مع حزب الله كان سببه الأساسي العمل على تخفيف التوتر ودرء الفتنة بين السنة والشيعة، (...) وأنا أعرف صعوبة قياس هذا العمل الذي سنواصله طالما أن هناك من يعمل على تأجيج الفتنة لأن مقياسه الحقيقي ليس ما أُنجِز ولكن ما تفاداه من مآس وويلات لو سمحنا للفتنة أن تقع". إذن برر الحريري خضوعه للمحتل والعمل لصالحه ونكث الوعود بالحؤول دون تحقق نتائج مستقبلية غيبية سيئة هي أنه لو لم يفعل لكانت وقعت الفتنة والويلات، لكن بمجرّد أن يدرك المتلقي أن الحوار مطلب الحزب لتضييع الوقت والتغطية على تحضير أعمال إرهابية داخلية وخارجية وتنسيق بين محتل وصحوات، وأن الفتنة ليست من مصلحة الحزب حاليا الذي يريد أن يحمي ظهره في حربه ضد الشعب السوري، وأن الحريري لا يملك قاعدة شعبية يمون عليها تستطيع الحؤول دون الفتنة وهو ما أكدّته الانتخابات البلدية، وأن الحوار بحد ذاته ضاعف التوتر الطائفي لأنه مثّل تنازلا مخزيا للحزب، عندئذ يدرك خطأ الحوار ومكابرة الحريري بجعله صوابا.

الحيلة الحريرية نفسها نجدها ظاهرة في خطاب نصرالله الذي ألقاه في يوم المتاجرة بالقضية الفلسطية الذي سماه الخميني "يوم القدس العالمي"، حيث قال في 1/7/2016 مبررا تدخله الإرهابي في سوريا ومستثمرا في المسلسل الإيراني الدموي الطويل وتحديدا حلقة 27/6/2016 التي صوّرت في قرية القاع الحدودية المسيحية التي استهدفت بثمانية إنتحاريين دفعة واحدة ينتمون الى إحدى أهم فرق عمل محور الشر والمسماة "داعش": "لولا هذه الحرب الاستباقية في سوريا والقصير وفي القلمون وفي الزبداني وفي السلسلة الشرقية وفي دمشق... كنتم رأيتم كل يوم ثمانية انتحاريين يدخلون الى بلدات لبنانية(..)، كنتم بدل السيارة التي نفتش عليها كل شهر أو شهرين رأيتم عشرات السيارات تدخل البلدات والمدن والقرى اللبنانية، أليس هذا فرقا وأليست هذه نتيجة؟". بدوره لجأ نصرالله الى ادعاء تحقيق نتائج مستقبلية غيبية بل معدومة تبريرا لخطئه، مفادها أنه لو لم يتدخل في سوريا لكان لبنان يكتوي يوميا بتفجير عشرات السيارات والانتحاريين وبالتالي ما فعله صواب، لكن كل تلك المغالطة تُنسَف من أساسها بمجرّد تنبّه المتلقي الى أن الخطأ بل الجريمة الأساس هي قتل الشعب السوري وتشكيل عصابة إرهابية وضرب القوانين واستباحة الحدود... وعندما يتذكّر أن العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة الآتية من الخارج لم تضرب لبنان إلا بعد تدخل الحزب في سوريا، وأن عملية القاع ذات أهداف مكشوفة وغرضها تبرير الأمن الذاتي والتسليم بصوابية لا منطق الحزب.

استخفاف بالعقول واستغباء، لكن مهما بلغ دهاء المحترفين في صناعة الحِيَل وإيراد المغالطات لتبرير الأخطاء، سيبقى الخطأ خطأ والصواب صوابا والحقيقة حقيقة. 

عبدو شامي

3/7/2016

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


* * *


 

13-داعش تعلن انتماءها لإيران


منذ أن ظهر اسم "داعش" ونحن نحذّر من الاغترار بما يدّعيه هذا التنظيم الإرهابي من انتسابه الى الإسلام. أكثرنا من المقالات التي توضح أن هذه العصابة من تفقيس حاضنات الاستخبارات السورية-الإيرانية، غُسِلت أدمغتها المختلّة أصلا في السجون السورية والعراقية حيث غُذِّيت بالفكر الإجرامي قبل أن يجري إطلاقها من أقفاصها لتعيث في الأرض فسادا بعد أن وجد الأسد نفسه عاجزا عن الوقوف في وجه الثورة.

استُعملت داعش في خدمة أهداف التحالف الأميركي-الروسي-الإسرائيلي الذي لم يكن مقنعا في اداعائه محاربتها، فامتنع عن استهداف أرتالها مسهّلا مهمة احتلالها المدينة تلو الأخرى. ضربت الثورة السورية أولا عبر قتال الفصائل المعارضة للنظام فحيّدته كما حيّدها هو من نطاق إجرامه وعقد معها صفقات النفط والكهرباء؛ ثم استُخدمت في العراق بعد أن سلّمها الجيش العراقي-الصفوي مدنا بأكملها بسلاسة تامة بما تحويه من أموال وأسلحة تُركت لها عمدا، فاستُعملت أداة لسحق المدن السنية وتهجير أهلها والتنكيل بهم من قبل الميليشيات الشيعية بهذه الذريعة وصولا الى تقسيم العراق. شوّهت الإسلام بجرائمها الوحشية العابرة للقارات، هدمت مساجد وكنائس وأزالت معالم الحضارات السابقة من على وجه الخارطة، اضطهدت الأقليات العرقية والدينية، وكان معظم ضحايا إجرامها من أهل السنة التي تدعي الانتماء إليهم. استثمر فيها النظام الأسدي وإيران للتغطية على طائفيتهما البغيضة، فأعطت صورة مغلوطة للعالم بأن ثمة وحشًا أشد خطرا من الأسد يجب قتاله بالتعاون مع الأسد وإيران، فيما الحقيقة أن داعش الأم أخطر من بناتها، فمن ابتكر لهؤلاء الوحوش فكرهم الإرهابي وأشربهم إياه هو بلا شك أشد وحشية وإرهابا منهم.

رغم كل ما تقدّم، ولاسيما الجرائم المدروسة بعناية من حيث الأمكنة التي تحيّد إيران وإسرائيل وتستهدف الدول السنية، والتوقيتات السياسية بما يخدم محور الشر، بقي كثيرون ينفون عن داعش حقيقة ائتمارها بالاستخبارت الأسدية-الإيرانية، الى أن كشفت داعش بنفسها عن حقيقة أمرها في 4/7/2016 فأعنلت بذاتها براءتها من الإسلام وانتمائها الى إيران والشيطان من خلال تفجير أحد انتحارييها نفسه في ساحات المسجد النبوي في المدينة المنورة في 3/7/2016 تزامنا مع أذان الإفطار في رمضان، ما أسفر عن استشهاد أربعة رجال من الأمن السعودي وإصابة خمسة آخرين وترويع عشرات آلاف المصلّين؛ لكن مهلا، قد نَفهم براءة داعش من الإسلام من خلال تجرُّئها على تفجير مسجد النبي الذي تدّعي انتماءها إليه كما هو مدوَّن زورا على رايتها، لكن كيف يُفهم من جريمتها تلك إعلانها الانتماء والولاء لإيران؟!

بمراجعة تاريخية سريعة، وباستثناء محاولة الانقلاب على الحكم السعودي التي نفّذها من داخل الحرم المكي سنة 1979 جهيمان العتيبي ومحمد القحطاني الذي ادعى أنه المهدي المنتظر... يجد الباحث أن الفئة الوحيدة التي تجرأت على انتهاك حرمة مكة والمدينة وأثناء مناسك الحج أعظم الشعائر لدى المسلمين، وقامت أحيانا بتدنيس مقابر الصحابة في البقيع في المدينة المنورة، إنما كانت الفئات الباطنية المغالية التي تدعي الانتماء الى آل بيت النبوة لضرب الإسلام من الداخل! فمن القرامطة أولا الذين أغاروا على المسجد الحرام بمكة سنة 339هـ فقتلوا الناس وسرقوا الحجر الأسود من الكعبة وغيّبوه 22 عنها سنة. ثم الى الخميني ثانيا الذي بعد أن استثمر عملية القحطاني في الدعاية لثورته زاعما أن أميركا تقف وراءها، استخدم موسم الحج لتصدير الفكر الدموي الفتنوي لثورته المدعومة من الغرب عام 1979؛ ففي عام 1986 اكتشفت أجهزة الأمن السعودية مادة شديدة الانفجار خُبّئت في جميع حقائب الركاب الـ 110 لطائرة حجاج إيرانيين وصلت الى جدة، أظهرت التحقيقات أن هدفهم كان المسجد الحرام. وفي العام 1987 أثار الحجاج الإيرانيون الرعب والموت في موسم الحج إثر قيامهم بالتنسيق مع الحرس الثوري بتظاهرات سياسية وأعمال شغب لتصدير الثورة، راح ضحيتها 402 قتيل من الحجاج ورجال الأمن. وسنة 1989 قام ما يسمى بـ"حزب الله الكويتي" بتفجيرات أدت الى مقتل حاج وجرح 16آخرين. وبعدها بعام سنة 1990 اشتُبِه بقيام ذاك الحزب نفسه بإطلاق غاز سام في نفق "المعيصم" مما أدى الى مقتل نحو 1426 حاجا. أما عام 2015 فكانت أكبر كوارث الحج حيث تسبب خروج 300 حاج إيراني بشكل مريب عن موعدهم المخصص لهم للتفويج في "منى" وسيرهم في الاتجاه المعاكس لجموع الحجاج بمقتل نحو 2121 حاجا، في كارثة لم تخل من رائحة التدبير والتآمر وإن كان في عداد القتلى كثير من الإيرانيين.

الخميس 2تموز2016 أعلنت إيران رسميا منع حجاجها من أداء مناسك الحج لهذا العام رغم كل التسهيلات التي قدمتها إليهم السلطات السعودية؛ فماذا تخبّئ داعش الإيرانية-الأسدية لمكة والمدينة في موسم الحج الآتي بعد شهرين من الآن؟

عبدو شامي

6/7/2016      

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


* * *

 

 

14-  15تموز2016.. نهاية ديمقراطية وولادة ديكتاتور


نجح الشعب التركي في إفشال محاولة انقلاب عسكري دموي غبي على السلطة السياسية المنتخبة ديمقراطيا والمتمثلة بحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ عام 2002 بزعامة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قامت به مجموعة صغيرة خائنة في الجيش وذهب ضحيته نحو 300 قتيل. انقلاب ليل 15/7/2016 والذي لم يعمّر أكثر من 6 ساعات أنهته تلبية الشعب النداء التاريخي الذي أطلقه إردوغان عبر محطة تلفزيونية بالنزول الى الشارع والتصدي للانقلاب، وحسْم المعارضة قرارها المشرِّف بالوقوف الى جانب الديمقراطية رغم عمق خلافاتها مع الحزب الحاكم، لتستعيد الحكومة سلطتها كاملة مع ساعات الصباح الأولى ويصبح إردوغان بطلا إسلاميا تاريخيا في نظر كثيرين. لكن هل حقا فشلت محاولة الانقلاب أم نجحت؟

في التعامل مع أي حدث كبير لا بد من التروّي ريثما تتكشّف الأمور وتتوضّح أبعادها إذ غالبا ما تكون تحاليل الساعات الأولى مخدَّرة بالعواطف والحماسة وبالتالي بعيدة عن الصواب ومجافية للحقيقة. اليوم، وبعد مرور 8 أيام على محاولة الانقلاب العسكري بدأت الأجوبة على السؤال أعلاه تتوافد بقوّة: نعم، لقد نجح الإنقلاب وإن فشل! فشل الانقلاب العسكري الغبي في نقل تركيا الى ديكتاتورية العسكر، لكنه نجح في تسريع وإنجاح الإنقلاب المدني الإردوغاني الديكتاتوري البطيء على الديمقراطية؛ انقلابا فعليا بدأه العسكر الخائن وخطفه الحزب الحاكم ليس انتصارا أو دفاعا عن الديمقراطية كما يروِّج الإعلام التركي إنما ترسيخا لنفوذ حزب وأحلام فرد يمتطي الديمقراطية للوصول الى التسلّط والاستبداد عبر إلغاء المعارضين و"أخونة" كافة مناصب الدولة من الحاجب الى الرئيس بحيث يكون ولاءهم للحزب لا للدولة. أين العجب وبطلنا إردوغان في صميم جماعة "الإخوان المسلمين" الماهرة في ركوب موجة الثورات (واليوم الانقلابات) وسرقتها تحويلها لخدمة مصالحها وأجندتها الخاصة، وهو يمضي مسرعا على خطى استبدادية الرئيس المصري المخلوع "محمد مرسي"، وكأن الزعيم التركي لم يتعلّم شيئا من درس إخوان مصر، وكأن شبقه للنظام الرئاسي ونزعته الشمولية وبذخ قصره العملاق وجنون عظمة المشهديات المسرحية والأزياء الملحمية التي تواكبه في اطلالاته، وهتافات المدغدَغين عاطفيًا من أنصاره... كل ذلك أنساه أنه حتى لو كان يحمل منهجًا صحيحا فإن تطبيقه السريع بأساليب استبدادية ملتوية ومستفزّة سينقلب ضده ليثور الشعب عليه بَعُد موعد تلك الثورة أو قَرُب.

ففي اليوم التالي للمحاولة الفاشلة اعتبر إردوغان "الانقلاب هدية من الله لأنها ستكون سببا في تطهير جيشنا"؛ غير أن نزعته الاستبدادية حولّت تلك النعمة الحقيقية نقمة، فبدلا من أن تقتصر المحاسبة على الانقلابيين والإرهابيين الخونة من الجيش استغل بطلنا الأمر لإحكام قبضته على كافة مفاصل الدولة فاجتث الأخضر واليابس من معارضيه وزرع مكانهم محازبيه وذلك في كافة القطاعات العسكرية والتعليمية والقضائية والإعلامية والإدارات الحكومية لتكون حصيلة حملة التطهير غير النهائية اقتلاع نحو 55 ألف موظف رسمي في 4 أيام بين إقالة أو تسريح أو تعليق أو اعتقال، فضلا عن فرض حال الطوارئ حماية للديمقراطية لا تسهيلا لعميلات القمع والاستبداد! فما دوافع هذه الحملة الشمولية؟

فاز إردوغان بالانتخابات الرئاسية وجعل رئيس الوزراء دمية بين يديه، لكنه ما لبث أن أدرك انكشافه أمام الشعب وأن الديمقراطية لم تعد تخدم أحلامه بعد خسارة حزبه الانتخابات النيابية في حزيران 2015؛ اعتمد استراتيجية إفشال مساعي تشكيل حكومة ائتلافية كي تعاد الانتخابات بعد ثلاثة أشهر من حملة انتخابية كان وقودها تكثيف ضرب الأكراد الذين حرموه الأكثرية وإثارة العصبية القومية وتخويف الشعب من الإرهاب في حال خسارة حزبه مجددا، فاستعاد الأكثرية التي تؤهله الحكم بمفرده وعَينُه على تعديل دستوري يحوّل النظام رئاسيا بصلاحيات كاملة وهو ما لم يكن يطالب به عندما كان رئيسا للحكومة ما يؤكد نزعته الى التفرّد بالحكم. هو في أحسن أحواله لا يمثل أكثر من 52% من الشعب، أما البقية فناقمة عليه؛ الناقمون لا يقتصرون على العلمانيين كما أن أسباب النقمة لا تنحصر بمعارضة العلمانيين أسلَمة القوانين -والتي نرى أن تعديلها متى ما تمّ ديمقراطيا من أكثرية نيابية فلا مكان لاعتراضهم- بل تتعداها قمعا وفسادا وسياسات خاطئة وبيع كلام وفقدان صدقية.

داخليًا: حوّل إردوغان تركيا الى أكثر الدول قمعا للصحافيين والأكاديميين، أقفل صحفا ومحطات تلفزيونية وسجن صحافيين وحجب موقعَي تويتر ويوتيوب. عام 2013، أظهرت تسجيلات صوتية لمقربين من إردوغان بما فيهم نجله تورطهم في صفقات فساد واستغلال نفوذ، لكن لا تحقيق ولا محاسبة بما أنه أحكم القبضة على القضاء وسيّسه، فيما يُساق معارضوه بالجملة الى السجون. وبلغت نقمة المعارضين أشدها مع قمع تظاهراتهم في ميدان "تقسيم" وفضها بالقوة في حزيران 2013.

داعشيا: برزت اللعبة المزدوجة الخبيثة التي لعبها مع داعش بغضّه الطرف عن عبور عناصرها حدوده ورفضه قتالها الى أن غدرت به بتفجيرات في الداخل التركي فأعلن حربه عليها. وفي 2/12/2015، أظهرت أفلام من الأقمار الاصطناعية عبور أرتال كبيرة من صهاريج النفط الداعشي الحدود التركية حيث يتم شراؤه وتهريبه، وقد اتهمت روسيا إردوغان وصهره ونجله بالتورط في تجارة النفط الداعشي.

سوريًا: دعم الثوار السوريين بالحدود المسموحة دوليا بحيث لا تتفوّق على عصابات الأسد، وتعامل مع الثورة شعبويا فأعلن أن "حماه" خط أحمر ولن يسمح بسقوطها فسقطت، كرّر الأمر نفسه مع حمص فسقطت، ثم مع حلب وهي تكاد تسقط، اكتفى بمشاهدة داعش تجتاح كوباني وإذ به يرى أعداءه من داعش والأكراد داخل داره. هاجم دور إيران في سوريا واتهماها إياه بدعم داعش، ثم ما لبث أن كان أوّل المهنئين بالاتفاق النووي عاقدا صفقات معها بالمليارات. هاجم روسيا على دعمها الأسد وأسقط قاذفة لها انتهكت مجاله الجوي في 24/11/2015، رفض الاعتذار وطالب روسيا بتقديمه ثم ما لبث أن اعتذر منها في 27/6/2016 بعد أن استثمر العملية شعبويا وبعد أن آلمته العقوبات الروسية. استغل موجات اللاجئين المتدفقة الى تركيا، فغض الطرف عن مراكب الموت ليبتز أوروبا فانتزع منها 6 مليارات يورو مقابل ضبط حدوده البحرية واستعادة بعض المهاجرين في آذار 2016. أعلن في 3/7/2016 عزمه على منح الجنسية التركية لـ300 ألف سوري من ذوي المؤهلات بحجة خدمة مصالح تركيا فيما هدفه ضمان أصواتهم في أية انتخابات قادمة. أبدت حكومته نهاية 2015 استعداد تركيا للقبول بدور رمزي للأسد في السلطة الانتقالية لمدة 6 أشهر بعد أن عارض منذ بداية الأزمة السورية أية عملية انتقالية تشمل الأسد.

اسرائيليا: في خضم أزمته مع إسرائيل على خلفية قتلها 9 أتراك كانوا على متن سفينة تنقل مساعدات لغزة عام 2010، أبلغه رئيس استخباراته في 29/8/2011 أن "إسرائيل هي أفضل جهة تتعاون مع تركيا في مجال مكافحة الإرهاب، وأنها تتقاسم وإياها بعض المعلومات الاستخبارية أخيرا رغم الأزمة القائمة بين البلدين". أما البضائع التركية فكان يتم شحنها بحرا الى اسرائيل لتصدّر منها الى الأردن ثم الى الخليج وذلك منذ أن تعذّر سلوك طريق سوريا باندلاع الثورة. قال إردوغان في 3/1/2016 إن "تركيا بحاجة الى إسرائيل كما أن إسرائيل تحتاج الى تركيا" ليتم الإعلان في 27/6/2016 عن توقيع اتفاق بين الطرفين بعد اعتذار اسرائيل ودفعها تعويضات لعائلات الضحايا يعيد العلاقات على كل المستويات بما فيها الأمنية وأعلن عن مد خطوط لنقل الغاز من الآبار الإسرائيلية عبر البحر كي يصدّر الى أوروبا عبر تركيا، لتعود تركيا كما كانت على الدوام الحليف الأساسي لإسرائيل في المنطقة.

ليس مهمًّا من يقف وراء الانقلاب الفاشل أهو جنرال علوي مؤيّد للأسد أم عدو إردوغان اللدود وشيخه السابق فتح الله غولن أم أميركا أم مؤامرة دولية.. المهم أن الانقلاب نجح وإن فشل؛ لقد أبهر إردوغان العالم بانتشاله تركيا اقتصاديا من الحضيض الى القمة، وها هو يبهره اليوم بنزعة شمولية بدأت تقضي على ما حققه من إنجازات ليكون عنوان تركيا 15/7/2016: ولادة ديكتاتور ونهاية ديمقراطية.

عبدو شامي

22/7/2016


* * *

 

 

15- 31تشرين الأول2016..عون رئيساً يطمئن الجميع واستشارات ساخنة

(افتتاحية جريدة 1/11/2016)


على صعوبة تجاوز المجريات المفاجئة التي شهدتها جلسة 31 تشرين الاول والتي شكلت سابقة لم تعرفها أي دورة انتخابية رئاسية في تاريخ لبنان، فان استواء العماد ميشال عون الرئيس الثالث عشر للجمهورية على كرسي الرئاسة الشاغر منذ سنتين وخمسة اشهر وخمسة ايام منذ ما بعد ظهر أمس شكل الحدث اللبناني الاستثنائي داخليا وخارجيا. لم تتأخر مفاعيل ملء لبنان فراغ رئاسته وانتخاب العماد عون رئيساً، اذ توالت بسرعة لافتة الاتصالات الدولية بالرئيس المنتخب مرحبة بهذا التطور، الامر الذي بدا بمثابة استعادة لبنان للثقة والاهتمام الدوليين به. أما في الداخل وعلى رغم ما واكب العملية الانتخابية من اطلاق رسائل مبطنة تحت عنوان "عبث مجهول" في أصول الاقتراع عقب مفاجأة أولى تمثلت في عدم نيل الرئيس المنتخب أكثرية الثلثين في الدورة الاولى، فان الاهتمام الواسع بمضمون خطاب القسم للرئيس عون اعادت الاعتبار بسرعة الى آفاق الحدث الرئاسي داخليا وخارجيا.

وفي جلسة انتخابية عدت الأطول في تاريخ الانتخابات الرئاسية نال الرئيس المنتخب 83 صوتاً، فيما صوت 36 نائباً بأوراق بيضاء واعتبرت سبع اوراق لاغية بينها خمس اوراق لنواب الكتائب الذين كتبوا عبارة "ثورة الارز في خدمة لبنان"، كما حملت ورقة اسم النائبة ستريدا طوق. اما التطور اللافت الغريب الذي تسبب باجراء اربع جولات اقتراعية، فتمثل في زيادة مغلف على عدد النواب الـ127 الحاضرين الامر الذي تكرر مرتين بعد الدورة الاولى الى ان انتظم الوضع واعلنت النتيجة الرسمية النهائية.

والحال ان الرئيس المنتخب بدا مدركاً تماماً الأثر الذي سيتركه خطابه على المستويين الداخلي والخارجي نظراً الى الالتباسات والشكوك الكثيفة التي طبعت ترشحه أساساً وخصوصاً بعد الاتجاه الى انتخابه في الفصل الختامي من أزمة الفراغ. وبدا واضحاً من ردود الفعل على الخطاب ومسارعة عواصم غربية وعربية واقليمية الى الترحيب بانتخابه انه اطلق دينامية طمأنة للمتخوفين من انتخابه اقله على مستوى التوجهات العريضة التي تعهدها في الخطاب. أول هذه التوجهات ابرزها الرئيس عون في حديثه عن "احترام الميثاق والدستور والقوانين من خلال الشراكة الوطنية التي هي جوهر نظامنا"، كما تشديده على "ضرورة تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني بكاملها من دون انتقائية أو استنسابية وتطويرها وفق الحاجة من خلال توافق وطني"، كما دعا الى اقرار قانون انتخاب " يؤمن عدالة التمثيل".

أما على المستوى الخارجي، فان أبرز ما طبع الخطاب تشديد الرئيس المنتخب على "منع انتقال شرارة النيران المشتعلة في المنطقة الى لبنان وضرورة ابتعاده عن الصراعات الخارجية والتزام ميثاق جامعة الدول العربية واحترام القانون الدولي". وفي موضوع الصراع مع اسرائيل قال:

 "لن نألو جهدا ولن نوفر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقى من اراض لبنانية محتلة". كما شدد في موضوع اللاجئين السوريين على "تأمين عودتهم السريعة" من منطلق انه "لا يمكن ان يقوم حل في سوريا لا يضمن ولا يبدأ بعودة النازحين". وبالاضافة الى العناوين الداخلية الاخرى للخطاب فان الخلفيات السياسية التي واكبت العملية الانتخابية برزت خصوصا في الكلمة التي القاها رئيس مجلس النواب نبيه بري قبل خطاب القسم الرئاسي اذ حرص على الترحيب بالرئيس المنتخب باشارة اكتسبت دلالة لاذعة بقوله " يسرني يا فخامة الرئيس ان ارحب بكم تحت قبة البرلمان الذي انت احد اركان شرعيته" رداً على مواقف سابقة للرئيس المنتخب باعتبار المجلس غير شرعي. كما شدد على ان "انتخابكم يجب ان يكون بداية وليس نهاية وهذا المجلس على استعداد لمد اليد لاعلاء لبنان".

في أي حال، استعاد قصر بعبدا حيويته اثرالمراسم التي أجريت للرئيس عون عقب وصوله الى القصر، اذ سارع الى تحديد يومي الاربعاء والخميس المقبلين لاجراء الاستشارات النيابية الملزمة وتسمية رئيس الوزراء المكلف. واسترعى الانتباه في جدول مواعيد الاستشارات تحديد الموعد الاخير منها لرئيس مجلس النواب وكتلة التنمية والتحرير، علماً ان الاستشارات تبدأ بروتوكوليا برئيس المجلس الامر الذي عكس مناخ "الصفيح الساخن " الذي يستبقها.

ويشار في هذا السياق ان انتخاب عون واكبه يوم طويل من الاحتفالات الشعبية لانصاره في مختلف المناطق وأقيم احتفال مركزي حاشد في ساحة الشهداء ليلا.

الاصداء الخارجية

أما الاصداء الخارجية لانتخاب العماد عون، فبدأت بسلسلة اتصالات تلقاها من عدد من الرؤساء العرب والاجانب من ابرزهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والرئيس الايراني حسن روحاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كما تلقى اتصالا من الرئيس السوري بشار الاسد.

واذ سارعت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان الى الترحيب بانتخاب الرئيس عون، أصدرت وزارة الخارجية الاميركية بيانا هنأت فيه "الشعب اللبناني على انتخاب عون " واعتبرت ان هذه الانتخابات "تشكل فرصة لخروج لبنان من سنوات الجمود السياسي وبناء مستقبل اكثر ازدهاراً واستقراراً للبنانيين" ودعت جميع الاطراف الى "التمسك بالتزامات لبنان الدولية". ورأى مستشار مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية علي أكبر ولايتي ان انتخاب عون "يظهر دعما جديدا للمقاومة الاسلامية وهذا بالتأكيد انتصار للسيد حسن نصرالله والمقاومة الاسلامية".

الامم المتحدة

وأفاد مراسل "النهار" في نيويورك علي بردى ان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون هنأ العماد عون بانتخابه آملاً في أن يواصل الأطراف اللبنانيون "العمل الآن بروح من الوحدة والمصلحة الوطنية"، مستعجلاً تأليف حكومة "تتعامل مع التحديات الخطيرة" التي تواجه البلاد.

وعلمت "النهار" أن موضوع انتهاء الشغور الرئاسي بانتخاب عون سيكون موضوعاً أساسياً في المشاورات المغلقة التي يجريها مجلس الأمن غداً الأربعاء، حين يستمع الى إحاطة من وكيل الأمين العام للشؤون السياسية جيفري فيلتمان عن التقدم في تطبيق القرار 1559.

وفي بيان تلاه الناطق بإسمه ستيفان دوجاريك، رحب الأمين العام بإجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان، متمنياً "التوفيق والنجاح" للرئيس عون.

وأمل أن "يواصل الأطراف اللبنانيون العمل الآن بروح من الوحدة والمصلحة الوطنية"، قائلاً إن "الشعب اللبناني يستحق أن يكون لديه مؤسسات دولة فاعلة، طبقاً لحقوقه الدستورية والديموقراطية"، مضيفاً أنه "يشجع على تأليف حكومة بلا إبطاء يمكن أن تلبي بفاعلية حاجات جميع المواطنين اللبنانيين وتتعامل مع التحديات الخطيرة التي تواجه البلاد". وأكد أيضاً "الحاجة الى ضمان إجراء الانتخابات النيابية في موعدها". وأشار الى أن الأمم المتحدة "تتطلع الى العمل مع الرئيس عون والسلطات اللبنانية، بدعم من الشركاء الدوليين". وشكر لرئيس الوزراء تمام سلام "قيادته خلال هذه الفترة العصيبة".

ورداً على سؤال لـ"النهار"، قال دوجاريك: "نحن نعترف بالكرم المدهش من لبنان حيال اللاجئين، على رغم أن نسبتهم بالنسبة الى السكان أعلى بكثير من أي نسبة أخرى للاجئين في العالم".


* * *

 

 

16- 3تشرين الثاني2016.. الحريري مكلّفاً بـ112 صوتاً وسلاسة التكليف مؤشّر لتزخيم التأليف

(هدى شديد-جريدة النهار 4/11/2016)


أقلع قطار عهد رئيس الجمهورية ميشال عون بتكليفه الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة. يومان من الاستشارات النيابية الملزمة انتهيا بتسمية 112 نائباً الحريري، بشبه اجماع، لو لم يخرج عنه 14 نائباً هم نواب كتلة "الوفاء للمقاومة" (13) وعضو حزب البعث عاصم قانصوه.

 ولكن "حزب الله" وفى بوعده بإنقاذ ميثاقية أولى حكومات العهد بإرجاء موعد استشاراته الى صباح امس، بحيث تمّ تنسيق الموقف مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي تولّى إعطاء الحريري أصوات كتلته كاملة، بمن فيهم النائب قاسم هاشم الذي كان أعلن مع النائب قانصوه في اليوم الاول من الاستشارات عدم التسمية.

مفارقات عدّة سجّلت في عملية التكليف:


-
من اسقط الحريري في الرابية بالثلث المعطّل أعاده الى رئاسة الحكومة في بعبدا بـ 112 صوتاً.

 -حزب الله" انسجم مع موقفه ولم يسمّ الحريري رداً على مواقفه من الحزب في لبنان وسوريا، ولكنه أمّن له رافعة بالتنسيق مع حليفه الرئيس بري، من أجل ضمان انطلاق العهد بحكومة جديدة.

-بري التقط الاشارات الدولية والاقليمية بدعم انطلاقة العهد وتلقّف كرة حليفه "حزب الله"، وفتح الباب على التعاون والشراكة في الحكومة، ورمى الكرة في ملعب الرئيس المكلّف.

-كسر اللقاء بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس جليد العلاقة بينهما قبل جلسة الانتخاب الرئاسي وخلالها. وعلم أن المودّة والتناغم سرعان ما طغيا على مشاوراتهما. وبإيجابيته في تسهيل التكليف والتأليف، انضمّ رئيس المجلس الى السيبة الرافعة للعهد.

- انسحبت الايجابية على الاجتماع الثلاثي الذي جمع رئيس الجمهورية مع رئيس المجلس والرئيس المكلّف، والذي اتفق فيه على الاسراع في تأليف الحكومة، وعلى أن ينجز الحريري استشاراته النيابية غير الملزمة اليوم وغداً.
وكان رئيس الجمهورية قد بدأ اليوم الثاني من الاستشارات مع كتلة "الوفاء للمقاومة"، وباسمها أعلن رئيسها محمد رعد "بالمختصر عدم التسمية"، فيما طالبوا رئيس مكتب الاعلام في القصر رفيق شلالا بأن يرسل لهم صورهم "مع فخامة الرئيس".

نائبا الطاشناق ارتيور نظاريان وآغوب بقرادونيان سمّيا الحريري، واشار بقرادونيان الى أنه "رغم وجود اختلاف في الآراء في بعض المراحل السابقة، نرى في شخص الحريري الرجل المناسب والأفضل لهذه المرحلة".
وأعلن النائب نقولا فتوش تسمية الحريري "عسى أن تكون التسمية لمصلحة الوطن وانسجاماً مع مواقف الرئيس الهادفة الى جمع الكلمة في لبنان".
كذلك سماه نائب "الجماعة الإسلامية" عماد الحوت والنائب روبير غانم، معتبراً أنه "رجل المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان".

واعلن النائب دوري شمعون أن "من الطبيعي أن أسمي صديقي الرئيس سعد الحريري". وقال: "ان ما سبق العهد في العلاقة مع العماد عون وضع جانباً، والآن أضع نفسي الى جانب الرئاسة عملاً بمبدأ مدرسة كميل شمعون".
النائب أميل رحمة الذي لم يأت في عداد "تكتل التغيير والاصلاح" ولا "كتلة لبنان الحر الموحّد"، قال إنه "باسم التضامن، أتضامن مع الاجماع بتسمية الحريري".

ووصل النائب أحمد فتفت مستقلاً الى الاستشارات وسمى الحريري. وصرح: "هنأت الرئيس عون بانتخابه وتمنيت اظهار كل من لم يصوّت له على خطأ، وأنا منهم". وأشاد بخطاب القسم متمنياً "لو تمت الإشارة فيه الى القرارين ١٧٠١ و١٧٥٧".

وسمى النائب محمد الصفدي الحريري، وتحدث عن اكتمال شبكة أمان بدأت بانتخاب عون وبوجود بري في المجلس وبتكليف الحريري اليوم".
وقال النائب سيرج طورسركيسيان الذي سمّى الحريري: "هذا العهد القوي والذي ننتظر منه الكثير يجب أن يكون فيه رئيس مجلس الوزراء قوياً باعتداله ونظرته الاقتصادية".

وانتهت الاستشارات مع رئيس مجلس النواب الذي اجتمع برئيس الجمهورية. ومعاً انتقلا الى قاعة السفراء للاجتماع بنواب كتلة "التنمية والتحرير". وأعلن بري عن تسمية الحريري ايفاء لدين له في ذمته منذ صرّح بأنه معه "ظالماً ام مظلوماً". وقال: "لو لم تكن لدينا نية التعاون لما كنا سمينا الرئيس سعد الحريري".

وعن مشاركته في الحكومة، أجاب: "إذا أرادوا التعاون أردنا التعاون، وإذا أرادونا في المعارضة فنكون في المعارضة".

واختلى عون ببري وأطلعه على حصيلة الاستشارات النيابية، وصدر بيان التكليف الذي أذاعه المدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير "عملا بأحكام البند /2/ من المادة /53/ من الدستور المتعلق بتسمية رئيس الحكومة المكلف".

واستدعي الحريري إلى بعبدا، وعقد لقاء ثلاثي، ثم غادر بري، واستكمل عون والحريري اجتماعاً استمر ساعة، أدلى بعده رئيس الحكومة المكلف ببيان أعلن فيه قبوله التكليف، شاكراً "رئيس الجمهورية على ثقته والزملاء النواب على التسمية".

وأعلن تطلّعه الى "الشروع في الاستشارات لتشكيل حكومة وفاق وطني تتخطى الانقسام السياسي مستندة إلى اجماع كل القوى السياسية حول خطاب القسم بكل مندرجاته".

وقال: "إنه عهدٌ جديدْ. وأملي كبير في هذه اللحظة الإيجابية التي تضع حدا لمعاناة الوطن والمواطنين طوال عامين ونصف عام منَ الشغور والشلل والجمودْ، في تشكيل الحكومة سريعا".

* * *


17- 15كانون الأول2016: حلب بيد النظام.. رحلة الخروج من حلب الشرقية بدأت وقلق على إدلب

(جريدة النهار 16/120162)

غادر آلاف من المدنيين والمقاتلين شرق حلب أمس في اطار عملية اجلاء متواصلة الى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في الريف الغربي، مما يمهد لبسط الجيش السوري سيطرته على المدينة بعد اكثر من أربع سنوات من المعارك الدامية.

وبارك الرئيس السوري بشار الاسد للسوريين بـ"تحرير" مدينة حلب، معتبراً ان ما يحصل "بحد ذاته تاريخ يرسم الآن أكبر من كلمة مبروك".

وتواجه الفصائل المعارضة التي طمحت الى اطاحة نظام الاسد، احتمال الهزيمة الكاملة في سوريا بعد خسارتها حلب، المدينة التي شهدت شوارعها تظاهرات ضخمة عام 2011 ضد النظام قبل ان تتحول الى جبهة قسمت العاصمة الاقتصادية السابقة لسوريا الى جزءين، واحداً تحت سيطرة النظام في الغرب وآخر تحت سيطرة المعارضة في الشرق.

وبدأت عملية الاجلاء صباح أمس بتجمع آلاف المدنيين والمقاتلين في منطقة العامرية بشرق حلب، لتخرج الدفعة الاولى قرابة الساعة الثانية والنصف بعد الظهر (12:30 بتوقيت غرينيتش) في نحو 30 سيارة إسعاف وحافلة وصلت بعد أكثر من ساعة الى ريف حلب الغربي الخاضع لسيطرة الفصائل المعارضة.

وأفاد مصدر عسكري ان الدفعة الاولى شملت نحو ألف شخص بينهم أكثر من 200 مسلح و108 جرحى بينهم أيضاً مسلحون.

ووصلت مساء الخميس الدفعة الثانية من مقاتلين ومدنيين الى بلدة خان العسل في الريف الغربي.

وتحدث أحمد الدبيس، المسؤول عن وحدة من الاطباء والمتطوعين تنسق عمليات الاجلاء والموجود في بلدة خان العسل في الريف الغربي، عن تلقي الوحدة اتصالاً قبل وصول القافلة الثانية "لتجهيز عشر سيارات للاسعاف الطارىء، لأن هناك عشر حالات حرجة وضعت على أجهزة تنفس".

وأوضح مراسل التلفزيون السوري الرسمي انه "سيتم اخراج المسلحين وعائلاتهم على دفعات وتستمر (العملية) خلال ساعات الليل حتى انهاء الوجود المسلح في حلب".
واعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان أن نحو 3000 مدني وأكثر من 40 مصاباً بينهم أطفال تم إجلاؤهم من شرق حلب في جولتين من الإجلاء.

وصرح مدير عمليات الصليب الأحمر في الشرق الأدنى والشرق الأوسط روبرت مارديني في مقابلة مع "رويترز" في مكتبه بجنيف بعدما أطلعته رئيسة بعثة اللجنة في سوريا ماريان غاسر على الوضع في حلب بأن "المزيد والمزيد" من دورات الاوتوبيسات وسيارات الإسعاف ستكون مطلوبة في الأيام المقبلة. وقال: "هذه بالنسبة إلينا هي الخطوة الأولى وكانت إيجابية".

وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن ثالث قافلة بدأت بعد الغروب طريقها لحلب.
ورأت غاسر في بيان أن "عملية الاجلاء في مدينة حلب قد تحتاج الى بضعة أيام للانتهاء".

لحظات مؤثرة

وخلال استقبال للدفعة الاولى، روى مراسل في خان العسل أنه شاهد كثيرين وهم يرددون "عائدون" من غير ان يتوقفوا عن البكاء. وبدا كثيرون أيضاً متلهفين الى الحصول على المياه والبسكويت من المنظمات الانسانية في المكان، بعد حصار قاس عانوه في الاحياء الشرقية في حلب.

وأثر اللحظات المؤثرة كانت تمثلت في مشاهدة أشخاص من حلب كانوا عالقين خارج المدينة بسبب الحصار وهم يلتقون أقرباءهم بعد طول انتظار.

وفي وقت سابق صباح الخميس، احتشد آلاف الاشخاص في منطقة تجمع المغادرين في العامرية بشرق حلب ينتظرون دورهم لمغادرة مدينتهم. وكتب أحدهم بالغبار على احدى الحافلات: "سنعود يوماً".

وكان بعض المدنيين يبكون، فيما ودع مقاتلون أفراد عائلاتهم المغادرين في الدفعة الاولى.

وبدا آخرون فرحين بالخروج بعد حصار طويل ارهقهم.

وأظهرت صور شاباً يبكي وهو متربع على الارض بين الركام والى جانبه مقاتل غطى وجهه بوشاح ويحمل سلاحه الخفيف بيده.

وتدخل هذه العملية في اطار اتفاق تم التوصل اليه في رعاية تركية - روسية لاجلاء مقاتلي المعارضة ومدنيين من آخر المناطق التي تسيطر عليها الفصائل في شرق حلب، اثر هجوم واسع لقوات النظام السوري على الاحياء الشرقية استمر شهراً.

وبث التلفزيون السوري ان "اربعة آلاف مسلح مع عائلاتهم سيتم إخراجهم من الاحياء الشرقية".

وقال مصدر قريب من السلطات في دمشق ان الاتفاق ينص أيضاً على ان إجلاء جرحى ومرضى من بلدتي الفوعة وكفريا اللتين تحاصرهما فصائل المعارضة في محافظة إدلب.

دو ميستورا يطالب بمراقبين

وأكد المبعوث الخاص للامم المتحدة الى سوريا ستافان دو ميستورا ووزير الخارجية الفرنسي جان - مارك آيرولت ان نحو 50 ألف شخص معظمهم مدنيون لا يزالون محاصرين في شرق حلب.

وقال دو ميستورا في مؤتمر صحافي مشترك مع آيرولت في باريس: "هناك 50 ألف شخص، بينهم 40 ألف مدني، يقيمون ويا للأسف في هذا القسم من المدينة. الآخرون مقاتلون، بين 1500 وخمسة الاف الى عائلاتهم".

وحذر من انه "اذا لم يكن هناك اتفاق سياسي ووقف للنار، فان ادلب ستصير حلب المقبلة"، مشدداً على أولوية نشر موظفين من الامم المتحدة للاشراف على عملية الاجلاء من حلب.

وقدرت تركيا عدد المدنيين الذين قد تشملهم عملية الاجلاء من حلب بما بين 80 ألفاً ومئة ألف.

ردود فعل

واعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن ما تقوم به حكومة الأسد في حلب "ليس أقل من مذبحة". وقال إن الولايات المتحدة تسعى إلى وقف الأعمال القتالية في حلب بشكل فوري ودائم وقابل للتحقق. ودعا المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغوط من أجل دفع العملية قدماً.

وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه ناقش خلال اتصال هاتفي مع الرئيس الاميركي باراك أوباما الوضع في سوريا والعراق.

وفي لندن، قاتل وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون ان بلاده لا ترى "مستقبلاً للرئيس الاسد" في سوريا. ولاحظ أنه "حتى وان انتصر على المعارضة في حلب، ليس هناك انتصار في قصف مستشفيات أو تقييد وصول المساعدة الانسانية".

واعلن وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون انه "استدعى" سفيري روسيا وايران للتعبير عن "قلقه العميق" من الوضع في مدينة حلب السورية.
وفي نيويورك، يعقد مجلس الامن جلسة عاجلة اليوم بطلب من فرنسا للبحث في الوضع الانساني في حلب.

ويناقش الاجتماع التشاوري المغلق بعد ظهر الجمعة اعتباراً من الساعة 12:00 (17:00 بتوقيت غرينيتش) اجلاء آلاف المدنيين والمساعدات الانسانية لسكان حلب.

الاسد
أما الاسد، فقال في شريط مصور قصير نشرته صفحة رئاسة الجمهورية السورية في موقع "فايسبوك" للتواصل الاجتماعي: "أريد ان أؤكد ان ما يحصل اليوم هو كتابة التاريخ، يكتبه كل مواطن سوري... الشعب الحلبي بصموده، الشعب السوري بشجاعته وتضحيته وكل مواطن سوري وقف مع حلب ووقف مع بلده ووقف مع وطنه ووقف مع الحق. هذا بحد ذاته تاريخ يرسم الآن اكبر من كلمة مبروك".

الجامعة العربية تندّد

وفي القاهرة، ندد مجلس جامعة الدول العربية بما وصفه بالممارسات والعمليات العسكرية "الوحشية" التي تقوم بها حكومة الأسد وحلفاؤه ضد المدنين في حلب التي دمرتها الحرب.

ودعا المجتمع الدولي في ختام اجتماع على مستوى المندوبين الدائمين بالقاهرة إلى الضغط على دمشق لفتح ممرات إنسانية آمنة لإغاثة المدنيين في حلب.
وقال الوفد اللبناني إنه "ينأى بنفسه عن تأييد مشروع القرار... تمشياً مع سياسة النأي بلبنان عن الصراعات وعدم تدخل لبنان في الشؤون الداخلية للدول".



***




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !