مواضيع اليوم

مجموعة مقالات عبدو شامي لعام 2015..عام الخيانة الحريرية العظمى في لبنان والحرب العالمية الثالثة في سوريا

عبدو شامي

2016-01-01 05:44:28

0

 مجموعة مقالات عبدو شامي لعام 2015


عام الخيانة الحريرية العظمى في لبنان والحرب العالمية الثالثة في سوريا


وهو عام إشهاد العالم على اتفاق الشيطانين الأكبر والأخطر في فيينا



2016

http://elaphblogs.com/abdoshami.html



الفهرس


1-الجلاد والضحية كيف يتحاوران؟!

2- هل يقف تيار المستقبل وراء تفجيرَي جبل محسن؟

3- الغدر الإسرائيلي لن يُفسد للحلف قضية

4- جان عبيد يعلن برنامجه الانتخابي من القنيطرة

5- من القنيطرة الى شبعا الفيلم المحروق واحد

6- وتبقى داعش الأم  أخطر من ابنتها

7- انصافًا لخالد ضاهر.. يلا عقبالكن

8- كفاكم 10 سنوات اغتيالا لرفيق الحريري



9- الحريري في العاشرة.. استغباء وتحريف وتبعية

10- انصافًا لنصرالله.. ردَّ تحية الحريري بأحسن منها

11- خطر سياسة الحريري على لبنان بمسلميه ومسيحييه والكيان

 12- حدائق السعودية وملعب إيران

13- راجعوا حوادث آذار2015

14- أبعاد اتفاق الشيطان الأكبر والشيطان الأخطر

15- المستقبل والحزب وجهان لعمالة واحدة

16- الجيش اللبناني وامتحان القلمون السوري

17- خطر المحكمة العسكرية على الأمن القومي اللبناني

18- صفقة الشيطانين.. جدوى اقتصادية ممتازة وفرنسا شريك مضارب

19- لبنان في قاعة انتظار عقد مؤتمره التأسيسي

20- المشنوق أمام خيارَين.. الاستقالة أم الاستقالة

21- آخر أيام الجمهورية الثانية

22- الجمهورية الثانية.. ختامها نفايات

23- تحت طاولة اتفاق الشيطانَين

24- الخطأ الكبير الذي ارتكبه الأسير وأدّى الى اعتقاله

25- احذروا "طلعت ريحتكم" حصان طروادة الإيراني

26- لهذا لم ولن أتظاهر مع طلعت ريحتكم وأخواتها

27- حوار عصا التظاهرات وجزرة الرئاسة الموهومة

28- الحرب العالمية الثالثة نُصرة للأسد

29- حراك النفايات.. نفايات الحراك

30- ذكرى الحسن الثالثة..ستاند آب كوميدي مع المشنوق وحمادة!

31- تفجير برج البراجنة بلغة السياسة لا العاطفة

32- فرنسا المضرجة بدمائها تهتف: أرواحنا فدى الأسد

33-ما لا يجرؤ هولاند على الاعتراف به

34- فرنجية رئيسًا.. لمَ لا والحريري حليفًا؟

35- هدية الميلاد رئيس القرنبيط والبلح في بعبدا؟




*  *  *

*  *  *





1-  الجلاد والضحية كيف يتحاوران؟!

انطلقت سنة 2015 وفي جعبتها ملفات عديدة ثقيلة وملغومة ورثتها عن سابقتها، وكانت الافتتاحية مع الجلسة الثانية من ما أسمَوه حوارًا بين "تيار المستقبل" و"حزب الإرهاب المنظم".

بداية وللأمانة، لا بد من الشهادة بأننا لم نجد حزبًا سياسيًا وفيًا لشهدائه ومحافظًا على المبادئ التي دفعوا حياتهم ثمنًا لها بقدر ما هو حال "تيار المستقبل"؛ فالرئيس رفيق الحريري كُرِّم من تياره الأزرق مرات عديدة تجلى أهمها بزيارة نجله "سعد" سوريا حيث حظي بكرم ضيافة مجرمها "بشار الأسد" ونام في قصره وجاب في سيارته شوارع دمشق في أجواء ودية حميمية لا تمت بصلة الى ما روّج له إعلام "الحريري" من أنها زيارة بروتوكولية رسمية ومن دولة الى دولة. تبِع ذلك تكريمات متفرّقة مثل اعتراف الحريري الابن بوجود شهود زور في التحقيق الدولي وأنهم أساؤوا الى العلاقة بين لبنان وسوريا. اللواء "وسام الحسن" كرّمه التيار أيضًا على طريقته الخاصة حيث أعطى مقعده لقيادي ميليشوي في الحزب الإرهابي شارك قادة الأجهزة الأمنية في اجتماع رسمي على طاولة وزارة الداخلية الزرقاء، وكان التكريم الثاني في الذكرى السنوية الثانية لاغتيال "الحسن" مع اعتراف الوزير "المشنوق" بلعب دور الصحوات في وزارة الداخلية لمصلحة الحزب الإرهابي وإن تأفّف من الاستمرار فيه. بدوره الشهيد محمد شطح حظي أيضًا بتكريم تياره مرتَين، تكريم أول قبل أن يجف دمه وبعد نحو أسبوعين من اغتياله مع إعلان الرئيس "سعد الحريري" موافقته على مشاركة الحزب الإرهابي في حكومة ائتلافية، وكان التكريم الثاني في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد "شطح" بجلوس التيار الأزرق الى طاولة الحزب الإرهابي بشروط الأخير و"لاءاته" وعلى أرضه في "عين التينة" والبلد محتل والسلاح موجه الى الرؤوس، والحجة الاستغبائية "تنفيس الاحتقان السني-الشيعي".

ثلاث نقاط استغبائية وردت على ألسنة المتحاورَين تأبى عقولنا وكرامتنا وإنسانيتنا أن نخاطَب بها لما تحمله من إهانة مباشرة لشخصنا واستهزاء واضح بعقولنا واستخفاف لا أخلاقي بإدراكنا:

النقطة الاستغبائية الأولى هي "تتنفيس الاحتقان السني-الشيعي" الذي تبجّح أحدهم بأنه خفّ كثيرا عقب اللقاء الأول الذي جمع الطرفَين! والسؤال الذي يوجَّه لأصحاب هذا الادعاء من "سعد الحريري" الى أقل السياسيين "ببغائية" في تياره: هل تعتقدون أن جمهوركم بهذه الدرجة من السجاجة بحيث يطوي صفحة إرهاب الحزب الدموي بما فيها من جرائم واحتلالات لا تزال قائمة ومستمرة لمجرد مشاهدته صورة تجمع بين قياديين من "المستقبل" و"الحزب" والأنكى من ذلك أنهم قياديون من الصفَّين الثاني والثالث؟! حقًا إنه لعَيب ما بعده عَيب. تنفيس الاحتقان لا يتم إلا بنزع مسبباته الاستفزازية المباشرة وأهمها الاعتذار عن غزوات 7أيار الإرهابية وتسليم المتهمين باغتيال الحريري والكف عن قتل الشعب السوري وإنهاء اضطهاده مدن الثقل السني.

النقطة الاستغبائية الثانية هي "مكافحة الإرهاب والتطرف"، وهذه إهانة ثانية لعقول اللبنانيين تضاهي سابقتها، فكيف للحزب الدموي التكفيري والإرهابي ورمز التطرف في لبنان أن يكافِح نفسه؟! فاقد الشيء لا يعطيه إلا إذا كان المراد بمكافحة الإرهاب توغل "المستقبل" أكثر وأكثر في تغطية إرهاب الحزب في سوريا ولعب دور الصحوات في لبنان. أما التطرُّف الذي بدأت بعض نماذجه تظهر لدى قلّة من أبناء الطائفة السنيّة فالحوار سيفاقمه وعودة المستقبل الى المعارضة والمقاومة السلمية هي السبيل الوحيد لإيقافه أو على الأقل فرملته والحد منه؛ إذ ما كان لهذا التطرّف على ضآلته أن ينشأ لولا تخلي "الحريري" عن المقاومة السلمية لمشروع الحزب الإرهابي، أي لولا رؤية الشباب السني الغيور على طائفته ووطنه التيار الذي يدّعي تمثيله ينقلب على مواقفه وتعهداته المشرفّة وينبطح أمام الحزب الإرهابي سواء بدخوله حكومة الصحوات أو بتجريبه المجرّب في حوار الجلاد والضحية.

النقطة الاستغبائية الثالثة هي ما أُعلن عقب الجلسة الأولى من الاتفاق على "وقف الحملات الإعلامية" بين الطرفَين، والسؤال المطروح: هل إعداد صحيفة أو تلفزيون المستقبل تقريرًا عن فضائح الحزب الإرهابي يكشف مدى إجرامه في حق لبنان أو سوريا، هل يعد ذلك حملة إعلامية؟! هذا والله واجب وطني بل هو أضعف الإيمان في مقاومة الاحتلال الفارسي، وإيقافه استسلام تام وخيانة عظمى ما بعدها خيانة.

ختاما لم أجد كلامًا أكثر تعبيرًا عن واقع الحوار الاستغبائي من جملة قالها المفتي "دريان" في خطبته الأخيرة وإن لم يوردها في هذا السياق ولا عناه بها من قريب أو بعيد: "لا يمكن أن يلتقي العلم مع التطرف، ولا الفكر مع الإلغاء، ولا يمكن أن تلتقي السماحة مع الإرهاب، ولا العيش المشترك مع رفض الآخر". فهل لطرفَين يمثلان هذه التناقضات أن يلتقيا ما لم يكن تنازلاً قاتلاً جديدا يُمهَّد له في حق لبنان؟!

عبدو شامي

8/1/2015    

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


2-  هل يقف تيار المستقبل وراء تفجيرَي جبل محسن؟

خمسة عشر يومًا على انطلاقة العام 2015 كانت كافية للكشف عن أن المرحلتَين السياسية والأمنية اللتَين دخل فيهما لبنان والعالم إنما تحمِلان عنوان الاستغباء، استغباء الجماهير المؤيِّدة قبل المعارِضة، والاستخفاف بعقول الناس والتذاكي عليهم.

أوروبيًا، شخصان مدجّجان بالسلاح يجولان في أحد شوارع باريس حيث لا حركة سير ولا مارّة! الرجلان يقتحمان مبنى جريدة "شارلي ايبدو" الساخرة من جميع الأديان السماوية، التوقيت في وضح النهار وأثناء انعقاد الاجتماع الأسبوعي لهيئة التحرير؛ الحصيلة تصفية 12 شخصًا بحرفية عالية ودم بارد وأعصاب فولاذية؛ منفِّذا العملية يعودان الى سيارتهما المسروقة والمركونة في وسط شارع لا يزال خاليًا من معالم الحياة، قبل أن تعثر عليها الشرطة وفي داخلها هدية قيّمة، هوية أحد المنفّذَين، ترَكها للشرطة من باب تسهيل مجريات التحقيق! ساعات ويُعلَن عن تصفية الرجلَين داخل مكان كانا يحتجزان فيه بعض الرهائن لتُدفن معهما تفاصيل الجريمة. سبعة أيام ويظهر شريط مصور يعلن فيه تنظيم "قاعدة اليمن" تبني العملية، والتي أتبعت بهجوم على متجر يهودي قيل إنه تم تنسيقه مسبقًا مع منفذَي هجوم الصحيفة.

المطلوب منا فرنسيًا باختصار هو فصل الهجومَين عما تشهده فرنسا وأوروبا في الآونة الأخيرة من محاولات عنصرية تقوم بها بعض الأحزاب المتطرّفة لإيقاف اندماج المسلمين الإيجابي في نسيج البلدان التي يحملون جنسيتها اجتماعيًا وسياسيًا، والمطلوب فصله أيضًا عن المخطط الإسرائيلي لتهجير يهود أوروبا الى إسرائيل، وهما هدفان جرى استثمار الهجومَين الإرهابيَين على أكمل وجه كي يصبّا في خدمتهما. من هذا المنطلق وحتى إشعار آخر لا نرى غير أننا أمام فيلم مفبرَك من أجهزة استخبارات اسرائيلية سقط فيه ضحيّتان، الأولى هي مسلمو أوروبا، والثانية فرنسا نفسها، وقد اقتُبست أفكاره من ثلاثة أفلام سابقَة، عملية 11أيلول2001 في أميركا، وتفجير "حارة حريك" في لبنان بداية عام 2014 الذي عُثر على إخراج قيد ما قيل إنه منفّذه في إحدى شرفات بناء مجاور سالِمًا من الحريق، وفيلم "أبو عدس" الشهير انتاج عام 2005.

لبنانيًا، تفجير "انغماسي" مزودج يضرب "جبل محسن" انتقامًا لتفجير مسجدَي طرابلس عام 2013، الحصيلة 9 قتلى وعشرات الجرحى، "جبهة النصرة" تتبنى فيما يؤكد وزير الداخلية أن "داعش" هي وراء العملية؛ يومان وبتوجيه من الرئيس سعد الحريري لوزير داخليته "المشنوق" وتقوم القوى الأمنية باقتحام المبنى "ب" في سجن "رومية" ناقلة المعتقلين الإسلاميين الى مبنى آخر ليُعلن الوزير القبضاي إنهاء أسطورة سجن رومية وغرفة العمليات التي كان المعتقلون يديرون منها عمليات إرهابية عديدة منذ عام 2009 منها عملية "جبل محسن" الأخيرة، وذلك بعملية "نظيفة" لم تسجّل فيها أي إصابة في صفوف المعتقلين، كل ذلك على حد توصيف الوزير الأزرق.

الاستغباء والاستخفاف بالعقول بات على ما يبدو السمة الأساسية لخطاب "التيار الأزرق" بعد تدشينه حوار الذل مع المحتل الأصفر، وما كذب من قال: "قل لي من تعاشر أقل لك مَن أنت". فساعات قليلة كانت كافية لتبيان مدى نظافة العملية التي استغبى بها "المشنوق" الرأي العام ليُسوَّق بطولاته ودعايته الانتخابية لخلافة "تمام سلام" في رئاسة الحكومة، أفلام مصورة وصور وشهادات لأهالي المسجونين كشفت التالي: سجناء دون لباس، جرحى دون معاينة، دماء تصفى، إهانات، كدَمات وكسور وجروح... مع ذلك الكارثة ليست هنا. الكارثة هي أننا إذا أردنا منقاشة الوزير القبضاي بالمنطق الذي حدثنا به لتعظيم بطولاته، سنصل حتمًا الى نتيجة مفادها أن تيار المستقبل يقف وراء العمليات الإرهابية التي أديرت من غرفة عمليات المعتقلين في رومية منذ توليه الوزارة المسؤولة عن السجن عام 2014 على الأقل تفجير "جبل محسن"؛ وإلا ما سبب سكوت التيار عن وضع السجن الخطير وعدم تحرّكه لإنهاء حالته الشاذة على زعمه الى اليوم؟ لعل الجواب في المقطع التالي.

عقب انتهاء عملية السجن، وتحت تأثير نشوة بطولة "اعتقاله المعتقلين" تمنى "المشنوق" على الحزب أن ينظر الى هذا الإنجاز بعين الاعتبار ويقدّم بعض التنازلات من جهته على طاولة الحوار، وكأنه يقول كنا نحتفظ بغرفة العمليات كورقة نساوم عليها والآن نستغل تفجير جبل محسن كي نقدمها لك قربانًا فلاقِنا في وسط الطريق بتنازل من جهتك!

من المثبت علميًا أن مزْج اللونين الأزرق والأصفر يجعلنا نحصل على اللون الأخضر، من هنا يبدو أن طاولة الحوار باتت طاولة خضراء، طاولة قمار ومقامرة بلبنان واللبنانيين. وبين الانغماسيين والانبطاحيين والارهابيين المنظّمين رحم الله لبنان وكان الله في عون الشعب المستغبى ممن ارتضى أن يسلّمهم صوته وعقله.

عبدو شامي

17/1/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


3-  الغدر الإسرائيلي لن يُفسد للحلف قضية

الزمان: 18/1/2015. المكان: بلدة مزرعة الأمل في محافظة القنيطرة السورية. الحدث: مروحية إسرائيلية تُغير على موكب لحزب الإرهاب المنظم والحرس الثوري الإيراني. الحصيلة: سقوط عدد من كبار كوادر الحزب و"البسداران".

هيمن هذا الحدث على وسائل الإعلام اللبنانية والعالمية؛ الى أين تتجه الأحداث في سوريا والمنطقة بعد الغارة؟ هل سيرد الحزب ومتى وكيف وأين؟ هل سيدمَّر لبنان مجددًا على رأس أهله؟ والأسئلة لا تنتهي. من جهتهم أعضاء حكومة إيران في لبنان أخذوا يناشدون الحزب ويرجونه عدم التهوُّر في ردة فعل ستُدخل لبنان حتمًا في ما لا تُحمد عقباه، حتى إن بعضهم من شدّة خوفه وقلقه أخذ يخاطب الحزب بأسلوب منطقي لإقناعه بعدم الرد كقولهم: "بما أن العملية تمّت خارج لبنان فالرد يجب أن يكون أيضًا خارجه"! ووصل التزلُّف والانبطاح لدى البعض الى حد تعزية الحزب ومواساته بما أسموهم شهداء! متناسين أنهم إرهابيون مُعتدون قُتلوا على أرض يحتلونها ويبيدون شعبها.

بالنسبة إلينا العملية الإسرائيلية لا تحتاج الى كل ذلك التضخيم والتخوّف، فالحلف الصهيو-فارسي لا يزال قائمًا حتى إشعار آخر؛ نعم، اكتُشف "عميل" اسرائيلي في صفوف الحزب غير أنه لم يُكلّف باغتيال أمينه العام رغم كونه في الدائرة المصغرة والقريبة منه. إيران في قلب المجتمع الدولي واجتماعاتها  بالـ"شيطان الأكبر" ودول الإمبريالية والاستكبار العالمي لا تزال تنعقد بشكل دوري بأجواء ودية حميمية منذ أن كشفت الثورة السورية حقيقة العداوة المصطنعة ودفعت بالجميع الى لعب أوراقه على المكشوف تداركًا لمصير المنطقة وإعادة توزيع الحصص والأدوار بعد الإيقان بانكسار الهلال الفارسي واستحالة بقاء الأسد على رأس عصابته. من هذا المنطلق، فإن عملية القنيطرة لا تنفصل عن خطوط الحلف العريضة، ألا وهي العداوة الزائفة وتبادل المصالح والخدمات، والخدمة اليوم لمصلحة إسرائيل، وربما قدّمتها لنفسها بنفسها.

التوقيت وانتقاء الأهداف أكثر من ممتاز صهيونيًا، فاليمين الإسرائيلي المتطرّف على مشارف انتخابات بعد ثلاثة أشهر ولا بد من دعاية انتخابية؛ ممهِّدات ومقدِّمات هذه الدعاية قائمة على الدوام من خلال التضخيم المدروس والمقصود من الإعلام الإسرائيلي لقدرات الحزب الإرهابي وتخويف الداخل الإسرائيلي منه، أضف الى ذلك خطابات الأمين العام للحزب الذي يساهم في تلك الدعاية من خلال تهديداته المضادة، ولاشك أن اسرائيل استغلت تهديداته في عرض العضلات الأخير الذي قدّمه عبر قناة "الميادين" في 15/1/2015 ليكون لعمليتها الوقع الأكبر والأقصى على الداخل الإسرائيلي. وكأننا أمام دعاية مسحوق غسيل يأتي أحدهم فيدعي أنه سيُحدِث بقعة أسطورية يعجز أي مسحوق عن إزالتها ثم يأتي "البطل" بالمسحوق السحري فيزيل البقعة من جذورها ويذهل الجماهير. وفي النهاية التطرّف يحافظ على التطرّف فكلاهما يستمد وجوده من الآخر، مع ملاحظة مهمة هي أن الغدر مسموح من الأقوى وممنوع على الأضعف وإلا فسيكون قد كتب نهايته بيده.      

من هنا، الحديث عن رد وعدم رد ليس بهذه الدقة، فالحزب يعرف دوره وحدوده وقدراته جيدًا، هو لم يرد أساسًا على عملية اغتيال "مغنية"2008 -إن كان اغتيل فعلاًـ، كما لم يتأهّب أصلاً على الحدود التي يحرسها منذ عشرات السنين مع أن العملية موجعة جدًا، ولم يصدر عنه أي تصريح وقد مضى يومان على العملية؛ وهي حتى لو كانت عملية غادرة وغير منسقة مسبقًا فلن تُفسِد للحلف قضية لأن إسرائيل ستقدُّم للحزب كما عوّدتنا خدمة في المقابل عند الحاجة في توقيت يناسبه لانتشاله من ورطة ما وهو ما سيُروّج له على أنه "الرد الإلهي المنتظر". أما إيران فحاولت من جهتها تحصيل شيء من "الرسمال" عن طريق الإسقاط "projection" فاستثمرت في دماء كوادرها لتستر حلفها القذر واضعة تلك العملية في خانة الحلف الصهيوني-التكفيري الذي تدعيه لتشويه الثورة السورية وتسويغ تدخلها العسكري.

في النهاية، لا شك أننا أمام لعبة قذرة، من ارتضاها لنفسه يدفع بعض ضرائبها، والقاعدة الغُرم بالغُنم، ولا نملك إلا الدعاء أن يحفظ الله بلدنا لبنان من المتآمرين عليه والمقامرين به سواء من خلال طاولات حوار خضراء أو أحلاف دموية قاتلة، يستغلونها لتأمين أطماعهم وتحقيق أحلامهم ومصالحهم الخاصة ومصالح الدول التي تديرهم من الخارج، أما الشعب فسجلات نفوس وأرقام انتخابية لا أكثر.

عبدو شامي

20/1/2015   

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


4-  جان عبيد يعلن برنامجه الانتخابي من القنيطرة

لا تزال غارة "القنيطرة" حديث الساعة في لبنان؛ وهي عملية من وجه نظرنا -كما أسلفنا في مقال سابق- لا تخرج عن احتمالَين: إما تبادل خدمات داخل الحلف الصهيو-فارسي ومن قدّم آلافا على مذبح هذا الحلف لن يبخل بستة اليوم، وإما عملية غدر إسرائيلي سيُعَّوض عنها الحزب لاحقًا بما يخدم دعايته وربما بما يوفّر له حجة الانسحاب من سوريا، لكن "الرد الإلهي المنتظر"إذا أتى فلن يكون قبل ثلاثة أشهر، أي قبل استثمار العملية في الانتخابات الإسرائيلية بفوز اليمين المتطرّف، وعندها يتم التنسيق حول كافة تفاصيل الرد المسرحي مع القيادة العليا في إيران.

داخل "محور تقبيل أيادي الولي الفقيه" التعازي والتبريكات بما أسمَهوهم "شهداء" ما زالت تنهمر بغزارة على قيادة الحزب الإرهابي في لبنان والقيادة العليا في إيران؛ الإخوان المسلمون ممثَّلين بحركة "حماس" و"الجماعة الإسلامية" في لبنان قدّموا التعازي وأكدوا تضامنهم مع الحزب في شهدائه معتبرين أن "كل من يُقتل على يد العدو الصهيوني لا يمكن اعتباره إلا شهيدًا" على حد تعريف نائب "الجماعة" عماد الحوت، وبدورهم بعض المحسوبين (ويا للأسف) على قوى 14آذار فعلوا الفعل نفسه وكان آخرهم "تيار المستقبل" ممثلاً بالرئيس "فؤاد السنيورة".

لن نجادل مدمني زيارة العتبات المقدّسة في طهران من أعضاء "محور الشر" في ازدواجيتهم خصوصًا من حيث زعمهم أنهم مع إيران في مقاومتها المزعومة ضد إسرائيل وفي الوقت عينه ضدها فيما تفعله في سوريا، فإذا لم تثبت لديهم بعد العمالة الإيرانية التي لم يعرفوا منها إلا الخذلان في الساعات الحرجة، ولم توقظهم أيضًا جرائم إيران في حق إخوانهم في بلدان عديدة، فلن نوقظهم نحن بنقاشنا هذا، إنما سنناقش مدّعي الحرية والسيادة والإستقلال في تعازيهم وتوزيعهم أوسمة الشهادة، وهؤلاء نسأل: لنفترض أن مجرمًا إرهابيًا قتل "رفيق الحريري" وأتبعه بسلسلة جرائم واغتيالات، ثم أثناء همّه بوضع السكين على رقبة قائد استقلالي جديد إذ به يتلقى طعنة من الخلف بواسطة العدو الإسرائيلي فتُرديه قتيلاً، هل يكفي ذلك لمحو كامل سجل إرهابه وإجرامه بما فيها الجريمة الأخيرة التي كان يهم بها (والسكين على الرقبة)، ومنحه في المقابل وسام الشهادة التي هي بحد ذاتها شرف وبطولة بل أعلى درجاتهما؟! فما بالنا بمن ارتكب تلك الجرائم وزاد عليها إبادة للشعب السوري بل وقُتِل على أرض يحتلها منتهكًا كافة القوانين اللبنانية والدولية؟! الجواب واضح: هي الحصص المُتوخاة والمنصاب المُتمناة والانبطاح والتزلّف والمداهنة والإذلال والانهزامية والاستسلام أمام الجيش الذي يحتل لبنان بأمر من إيران ونيابة عنها.

بالعودة الى عنوان مقالتنا، يبدو أن البعض وجد في غارة "القنيطرة" فرصة ذهبية لتوقيت إعلان برنامجه الانتخابي وتقديم أوراق اعتماده لدى الجهة المكلفة من المحتل الإيراني بتعيين الرئيس اللبناني، من هؤلاء الوزير السابق "جان عبيد" صاحب التاريخ "الزاهر" مع عائلة الأسد والمقرب جدًا من "بعثها" بحيث كان وديعتها الدائمة والأساسية في الحكومات اللبنانية أثناء الاحتلال السوري. فبعد قيامه مسبقًا بواجباته لناحية تأدية مناسك الحج بزيارته القيادة السعودية ووكيلها في الملف اللبناني "سعد الحريري"، وبعد زيارته باريس وأخذه بركة "بطريرك المقاومة" في بكركي، أصدر "جان عبيد" برنامجه الانتخابي من بلدة "القنيطرة"، وذلك عبر بيان "مقاومتي" "ممانعتي" بامتياز، خالف فيه أبسط بنود الدستور اللبناني التي ينوي قسم اليمين للحفاظ عليه، خصوصًا لناحية تسميته الحزب الإرهابي بالـ"مقاومة"، فضلاً عن "نفخه" في قدرات الحزب العسكرية وتمجيدها (نعتذر عن عدم إيراد العبارة احترامًا لعقل القارئ)، وصولاً الى عبارتَي "الإكبار والتبريك" في ختام بيانه.

وفيما لم يُكلّف الزاحف الى "بعبدا" نفسه عناء الإشارة الى خطر وجود الحزب في سوريا ولو من باب مجاملة الدستور اللبناني أو حتى 14آذار عملاً بمستلزمات كذبة الرئيس "التوافقي"، حاول تقديم "النصح" للحزب بشأن قرار "الرد" بشكل غاية في اللطف قائلاً: "الأمر الى جانب الشجب والإدانة والتعزية يقتضي أعلى درجة من الحساب واليقظة وإعمال العقل والحكمة كما تصرّفت قيادة المقاومة. (...)لا نريد أن نبالغ في النصح خاصة وأن وضع المقاومة ويقظتها منذ الـ1701 وبعدها غني عن التنبيه والإشارة. إن لبنان كله أمام هذا الامتحان والقرار، وليس فريقًا منه فحسب(...)". وخَتَم: "وللمقاومة وأهل الشهداء أصدق التعازي والإكبار والتبريك".

ونحن بدورنا لا يسعنا إلا نختم قائلين: إذا كان هذا هو نموذج الرئيس التوافقي السعودي-الإيراني الذي سيفرضه "تيار المستقبل" على كامل قوى 14آذار بعد صدور الأمر الملكي، فهنيئًا للبنان واللبنانيين برئيس سيسهر بالتأكيد على احترام قسم المحافظة على الدستور اللبناني، لكن من باب رعايته مصالح الاحتلال الإيراني! عاشت "الحرية والسيادة والاستقلال"، عاش "لبنان أولاً".

عبدو شامي

22/1/2015  

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


5-  من القنيطرة الى شبعا الفيلم المحروق واحد

في الشكل، ليست إسرائيل التي استدرجت "حزب الإرهاب المنظم" ولا الحزب استدرج إسرائيل، إنما نجح الحزب وإسرائيل معًا إقليميًا: في إعادة التئام محور الشر (بما فيه حماس وملحقاتها) على هرطقة "المقاومة"، ولبنانيًا: في استدراج معظم قوى 14 آذار -طبعًا باستثناء اليقِظ دومًا حزب القوات اللبنانية- فسارعوا الى تعزية الحزب والتعاطف معه في إرهابييه الذين قتلوا في غارة القنيطرة، منهم مَن أقر بحقه في "الرد" وإن توسَّلوا إليه عدم الرد من الأراضي اللبنانية، فيما اكتشف آخرون أن طريق بعبدا تمرّ بالقنيطرة فقدّموا برنامجهم الانتخابي منها.

وفيما جميع المنبطحين والمتزلفين والوصوليين والانتهازيين منهمكون في حساباتهم الخاصة، باغتهم "الرد الإلهي المنتظر" آتيًا من مزارع شبعا، حيث رخّصت اسرائيل للحزب بتصوير مسرحية جديدة على أرض تحتلها فاستهدف قافلة عسكرية كبيرة موقعًا في صفوفها قتيلين، ضابطا وجنديا. فهل اسرائيل بهذا الغباء كي تسيّر قوافل بهذا الحجم على مقربة من الحدود وهي تعلم أن الحزب توعّدها بالرد، أم أن الهدف السهل المقدّم على طبق من فضة يندرج في حِلف تبادل الخدمات؟

من حيث التوقيت، نعم، لقد جاء مبكرًا خلافًا لترجيحنا حصوله بعد الانتخابات الإسرائيلية كي تُؤتي غارة القنيطرة كامل ثمارها، لكن يبدو داخل الحلف الصهيو-فارسي أن موقع الحزب عزيز جدًا ولا قلب لإسرائيل على كسر خاطره ولا على إحراجه أمام جمهوره المذهول من ضربة القنيطرة الموجعة. مع ذلك، المعادلة مقنعة بل ممتازة بالنسبة للحزب، 6 من أهم كوادره + 6 ايرانيين نعت منهم إيران جنرالاً، يُساوون في معادلة الحلف الصهيو-فارسي اعتذارًا عن قتل الجنرال الإيراني (تمثّل بإعلان إسرائيل أنها لم تكن تعلم بوجوده في الموكب) + ضابط وجندي اسرائيليَين فقط لا غير، طبعًا إذا سلّمنا بالحصيلة التي لم يُرنا فيها الإعلام قطرة دم واحدة.

في المضمون، الحزب ومنذ 2008 انحصرت سياسته الإعلامية الدعائية بمخاطبة شعبه حصرًا لأنه انكشف لدى غيرهم، كل شعارات المقاومة والممانعة سقطت في غزوات بيروت والجبل وتبخرت نهائيًا مع سفك دماء الشعب السوري والعراقي واليوم البحريني واليمني وغدا الكوستي والسعودي، وكما أن غارة القنيطرة كانت موجهة الى الشعب الإسرائيلي حصرًا واستبقها "نصرالله" قبل 3أيام من وقوعها بدعاية ممتازة عبر "الميادين"، فإن عملية مزارع شبعا موجهة بدورها الى جمهور الحزب حصرًا لشد عصبه ورفع معنوياته، وهي مقدمة ممتازة استبقت بها اسرائيل بيومَين خطاب "نصرالله" المرتقب في 30 من الجاري، على أن يُكمل المهمة بمعرفته لتعظيم "الرد الإلهي" الجديد وتخدير شعبه؛ وهكذا تبقى الدعايات متبادلة للمنتج الصهيو-فارسي المسمى "مقاومة"، اسرائيل تصرفها انتخابيًا وإيران وملحقاتها شعبويًا.

دجل ما بعده دجل. اسرائيل تصرح فورًا أنها لن تنجر الى حرب ثالثة مع لبنان، وتُبلغ اليونيفيل أنها أنهت الرد على العملية واكتفت بإطلاق بضعة قذائف مدفعية على الأحراج والوديان. أما أميركا المنشغلة بتغطية الاحتلال الايراني لليمن من باب توزيع جوائز الترضية على إيران تعويضًا عن انكسار هلالها في العراق وسوريا، فاكتفت بالتعليق: حدث خطير لكنه لا يستدعي حربا! عن أي رد أو حرب يتحدّثون؟! في ميزان القوى العسكري الحزب يساوي صفرًا مكعّبا مقارنة مع قدرات إسرائيل، وفي حال وجود عداوة حقيقية أو لنقُل إرادة بإنهائه عسكريًا لأنهته في 33 ساعة لا في 33 يومًا من الدعاية المكثفة والمركزة لمحور الشر عام 2006. كل ترسانة الحزب دخلت مخازنه بعلم وموافقة إسرائيلية ضمنية، مسرح الجنوب مكشوف بدقة متناهية عبر الأقمار الصناعية، المسموح به يدخل وغير المسموح به إما أن تقصف قوافله في الطريق وإما في المخازن حال تهريبه.

بصراحة، لقد ملّت الناس مشاهدة الأفلام المحروقة؛ هو دائمًا الفيلم التافه نفسه والسيناريو السخيف ذاته والحبكة المكشوفة نفسها والحوار الاستغبائي عينه، لكن كل مرة تحت عناوين مختلفة وجديدة يتم اختيارها لذلك الفيلم القديم؛ فتغيير العنوان أو مكان التصوير "location" لإيهام المشاهد تغيُّر المضمون لم يعد ينطلِ على أحد ولم يعد يُقنع أحدا، بالتأكيد باستثناء أسرة الفيلم من أعضاء ومناصري محور الشر. وفي النهاية على أبطال الأفلام المحروقة أن يعلموا أنه مهما بلغ انتاجهم السينمائي من ضخامة ومهما تفنّنوا في مشاهد "الأكشن"، ومهما علا سقف الحوار وتوزيع الأدوار، سيبقى أولا وآخرا فيلمًا محروقًا غير مقنع بالنسبة للمشاهدين الواعِين، وسيبقى العنوان الحقيقي: "حلف واحد وتبادل خدمات" الى أن يُنفّذ أحد البطلَين تهديداته الدعائية بإبادة الآخر ورميه في البحر أو إزالته من الخارطة، وعندها لكل حادث حديث.

عبدو شامي

29/1/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


6-  وتبقى داعش الأم أخطر من ابنتها

مرة جديدة يثبت لنا تنظيم "داعش" الإرهابي أنه صنيعة أجهزة استخبارات سورية-إيرانية مشتركة، نما وترعرع بتغطية أميركية، مهمّته الأساسية القضاء على الثورة السورية وتغيير ملامح وجهها مِن وجه أطفال درعا المسالم البريء الى وجه وحش كاسر طعامه الرؤوس وشرابه الدماء. أما كل ما تقوم به أميركا منذ إعلانها عن بداية الحملة الدولية العسكرية لضرب هذا التنظيم، فما هي إلا عملية رسم حدود وتقليم أظفار، تمامًا كالأم عندما تقوم بتأديب ولدها بقسوة مدروسة لا تسبِّب له أذى يُذكَر.

جديد جرائم "داعش" إقدامهم على إحراق الطيار الأردني الأسير "معاذ الكساسبة" حيًا حتى الموت، بعد أن حبسوه في قفص أرضيّته (كما ملابس "معاذ") مشبّعة بالمواد سريعة الاشتعال؛ شعلة نار وضعها أحد الإرهابيين عن بُعد على فتيل "ترابي" حارق موصول بالقفص كانت كافية كي تستعر النار بالطيار المحبوس ليسلّم الروح متفحّمًا بعد لحظات أشبه بسنوات من العذاب... عذاب وألم تسلّل الى قلب كل من شاهد الفيلم الذي صورته "داعش" بتقنية عالية ومؤثرات صوتية مرعبة ضاهت أفلام الرعب السينمائية، والتوقيع كالعادة بعد كل الجرائم: "الإسلام"! هذا الدين الذي على رأس ضوابط العقاب لديه أنه "لا يعذّب بالنار إلا رب النار" كما ورد في الحديث النبوي الشريف.  

نعم، لا بد من الاعتراف، لقد استطاع سفّاح العصر "بشار الأسد" أن يصنع وحشًا بشعًا قد يظنه البعض وللوهلة الأولى أكثر بشاعة ودموية وإجرامًا مِن صانعه، ونجح في تسويق هذه الصنيعة والديباجة لدى الرأي العام في كثير من دول الغرب؛ والسؤال: ما ذنب الشعب السوري الثائر الذي لا يملك التقنيات السينمائية كي يوثّق أفلام رعب لأكثر من 250ألف شهيد بين رضيع وطفل وامرأة وشاب وعجوز يتم تعذيبهم وقتلهم وحرقهم سواء ببراميل "الأسد" المتفجرة أم بسلاحه الكيميائي الذي لا يزال يستخدمه الى اليوم، أم في أقبية استخباراته حيث فنون التعذيب تجاوزت الأساليب النازية والصهيونية بأشواط كبيرة؟! الجواب لا يحتاج كثير بحث وتدقيق، الشعب السوري المنتفض لحريته وكرامته يتعرض لعملية إبادة منظمة على أيدي سفّاحه والحرس الثوري الإيراني والميليشيات الملحقة به من الحزب الإرهابي اللبناني الى غيره من العصابات العراقية، كل ذلك بتغطية دولية لم تعد تخفى على أحد بعد أن حشد الائتلاف الدولي قوته العسكرية لـ"ضرب" "داعش" وحدها دون المساس بالنظام الأسدي في استراتيجية تؤدي الى تقوية "الأسد" على حد إقرار وزير الدفاع الأميركي "تشاك هيغل" نهاية تشرين الأول2014؛ أما "ذنب" الشعب السوري فهو أنه تجرّأ على قلب الطاولة على الجميع وتغيير المعادلة الصهيو-أسدية المرساة منذ نصف قرن في المنطقة بقوله "لا" لطاغيته.

في حضرة عمليات الموت الشنيعة لا مكان لإلقاء النكات ولا للفكاهة، هذا ما يعرفه الصغار قبل الكبار، غير أن الحزب الإرهابي انتهك هذه الآداب بروايته نكتة "إدانته الجريمة الوحشية النكراء التي ارتكبتها داعش بحق الطيار الأردني(...)، والطريقة الدنيئة التي استخدمتها في ارتكاب الجريمة والتي لا يستعملها إلا عتاة القتلة السفّاحين"! رغم فكاهة هذه "الإدانة" بسبب صدورها عن حزب إرهابي ذمّته واسعة في القتل وجسمه "لبّيس" في تصفية الطيّارين بعد أن أسقط مروحية الضابط الطيار "سامر حنا" وأعدمه ميدانيًا بدم بارد عام 2008... مع ذلك أصاب الحزب في أن طريقة القتل هذه لا يتستعملها إلا عتاة القتلة السفّاحين، فالإعدام حرقًا هو الطريقة الدنيئة ذاتها التي فجّر بها الحزب موكب الرئيس "رفيق الحريري" بطنّين من المواد شديدة الانفجار تم مزجها بمواد شديدة الاشتعال يصعب جدًا أطفاؤها ليقضي حرقًا حتى الموت كل مَن نجا من الموت بسبب عصف الانفجار؛ هذا ما حصل بالفعل مع النائب "باسل فليحان" الذي عذبه الحزب بالحرق حيًا حتى الموت الى أن فارق الحياة بعد نحو شهرين من المعاناة، وهذا ما فعله الحزب بالمُسعف "مازن الذهبي" الذي خرج من الموكب مشتعلاً وفارق الحياة بعد دقائق، وهذا ما فعله الحزب ربما بالـ"حريري" نفسه وبكل عنصر من جهاز أمنه قضى متفحّمًا ليس محبوسًا داخل قفص إنما داخل هيكل سيارته المشتعل.

إن "داعش الأم" وأخواتها يستثمرْن اليوم في "داعش البنت" لتلميع صورتهن وتعمية الأنظار عن خطرهن وأمومتهن وأبوّتهن لها، وفي النهاية سُلالة الإجرام واحدة وكلهنّ أخوات في "الداعشية"؛ مع ذلك علينا أن لا نغفل عن أن العقل الاستخباراتي الذي استطاع صُنع "داعش" مهما بلغت وحشيّتها وبربريّتها يبقى بلا شك عقلاً يفوقها قذارة وإرهابًا واجرامًا وتكفيرًا، وأنه إذا كانت "داعش" اختارت "الإسلام" لترتكب باسمه إجرامها فإن "حزب الإرهاب المنظم" فاقها جرأة على انتهاك المقدسات حيث اختار "الله" تعالى مباشرة ليرتكب باسمه إجرامه وينفذ مشروعه.

عبدو شامي

7/2/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *  


7-  انصافًا لخالد ضاهر.. يلا عقبالكن!

منذ ليل الأحد 8/2/2015 ولبنان منشغل بتصريح أدلى به النائب "خالد ضاهر" من "ساحة النور" في مدخل طرابلس فَهِمَه كثيرون عن سوء أو حُسن نية على أنه يطالب بإزالة شعارات المسيحيين وصلبانهم ورموزهم الدينية من مناطقهم.

بصراحة وموضوعية، وبغض النظر عما عاد وأوضحه وزير الداخلية من أنه لم يكن بصدد إزالة لفظ الجلالة "الله" من وسط الساحة، ودون الدخول في مسألة هل وضع الرموز الدينية على مداخل المدن مناسب أم لا، ثم بحكم متابعتي لمواقف هذا النائب ومعرفتي بخلفيته الدينية التي لم أجدها تخرج عن ما أعرفه من تعاليم الاعتدال الإسلامي خصوصًا لناحية احترام الطوائف الأخرى وآداب العيش المشترك... أقول بكل راحة ضمير: لم أجد في كلمة "الضاهر" أية إساءة الى المسيحيين، كل ما فعله هذا الرجل هو أنه استخدم طريقة في المحاججة والمناظرة تقوم على التمثيل والمُقايسة وصولاً الى إثبات تهافت وبطلان منطق الخصم أو بيان انحيازه.

عبارة "الضاهر": "...إذا كانوا يريدون إزالتها فليبدأوا بتمثال يسوع الملك وصور القديسين"، إذا أردنا فهمها بموضوعية وعبر ربطها بسياقها لا نراها تحتمل إلا معنى واحدًا، فكأنه يقول: نصب لفظ الجلالة "الله" (رب الناس أجمعين) كما رايات "لا إله إلا الله محمد رسول الله" شهادتا الإسلام المرفوعة الى جانب النصب، هما رمزان دينيان لدى المسلمين، فإذا قرّرت الوزارة أنهما مشمولان في حملة إزالة الشعارات الدينية والسياسية، فصلبان المسيحيين وتماثيلهم هي أيضًا من الرموز الدينية، فإذا أزلتم هذه يعني أنكم ستزيلون تلك، وبما أنكم لم تفعلوا فهذا يعني أن قراركم جائر. فأين التطاول على المسيحيين في كلام "الضاهر" الذي دافع حتى عن رموزهم بمجرّد أنه ساوى حُرمة رموزه بحرمة رموزهم في قياسه؟!

المهم أن الدنيا قامت على "الضاهر" ولم تقعد، فما كان من الرجل إلا أن بادر الى عقد مؤتمر صحافي وضّح فيه كلمته الواضحة أصلاً، ولم يعتذر من المسيحيين لأنه في قرارة نفسه موقن أنه لم يُسِئ إليهم، وأعلن أنه لو كان أساء فعلاُ لاعتذر. كلام الضاهر لم يرُق لتيار المستقبل ولا للرئيس السنيورة الذي طالب "الضاهر" باعتذار علني واضح عما صدر منه؛ كرامة "الضاهر" وعزة نفسه وراحة ضميره منعته من الاستجابة لطلب "السنيورة" غير المبرر والمسيّر بـ"عقدة ذنب" جبانة، فكانت النتيجة العملية "طرد" "الضاهر" من كتلة "المستقبل" والتي جرى لها إخراج قيل إنه لائق بحق النائب وتمثّل بإعلانه تعليق عضويته في الكتلة.

فللمسيحيين كما للمسلمين، وبشكل عام لكل مؤمن بدين نقول: إذا لم تُستثَر عواطفكم ولم تغضبوا عند انتهاك حرمة مقدساتكم فأيقنوا أن إيمانكم سطحي وضعيف ولم يتجاوز ألسنتكم للاستقرار في قلوبكم، لكن قبل ذلك كله عليكم فَهم الكلام الذي وجدتم فيه للوهلة الأولى إساءة، ضعوه في سياقة واقرؤوه جيدًاعدة مرات فإذا ثبتت الإساءة عبّروا عن غيرتكم على مقدساتكم بالطرق القانونية المقبولة.         

أما للنائب "خالد ضاهر" فنقول: أن تخرج من "تيار المستقبل متأخرًا خير لك من أن لا تخرج أبدًا"، فلست الأول الذي يتم إحراجه لإخراجه من هذا التيار بسبب تعبيره بكل صراحة وجرأة عن معاناة شارعه وبيئته، فعام 2011 تمّ إخراج الكاتب والصحفي "محمد سلام" على خلفية جملته الشهيرة في "يوم الغضب" ومن تلك الساحة الطرابلسية نفسها "المارد السني خرج من القمقم ولن يعود". لكن أيها "الضاهر" اليوم في الاسم والفعل تأكّد أنك أنت و"محمد سلام" وأمثالكما مُزعجون جدًا بالنسبة للتيار لأنكم تعبّرون عن وجع بيئتكم بكل صراحة، فإذا أظهر الجيش انحيازه لم تسكتوا وإذا استهدِفت بيئتكم رفعتم الصوت، والأهم أن اعتدالكم هو الاعتدال الصحيح المبني على أسس دينية لا الاعتدال المزعوم الذي أثبت التاريخ منذ عام 2005 أنه انحلال. أرادوا المزايدة عليك في اعتدالك ليوهموا الناس أنهم الاعتدال الصحيح بل وليحافظوا على احتكارهم لهذا الشعار الزائف في البيئة السنية تمامًا كما يحتكر الحزب الإرهابي شعاره الزائف للمقاومة في البيئة الشيعية. الآمال معقودة عليك وعلى أمثالك من المعتدلين في قوى 14آذار لكسر أحادية المستقبل في الشارع السني وتأسيس تيار وطني يفتخر بإسلامه وبتحالفه مع المسيحيين الاستقلاليين تحت شعار "لبنان أولا" قولاً وفعلاً، تيار يحترم بيئته وعهوده ومواقفه، تيار غير مربوط بحبل تحرّكه دولة أجنبية من الخارج كيفما شاءت. تيار يعرف كيف يواجه الاحتلال الإيراني ولا ينبطح تحت قدميه.

خالد ضاهر هنيئا لك الخروج من تيار المستقبل؛ أما مَن سلّموا عقلهم لهذا التيار الذي أساء الى "ثورة الأرز" أكثر مما نفعها فنستعير عنوان الفيلم اللبناني الذي يُعرض اليوم في الصالات لنقول لهم: "يلا عقبالكن"!

عبدو شامي

12/2/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


8-  كفاكم 10 سنوات اغتيالاً لرفيق الحريري

عقدٌ مرّ على اغتيال الرئيس رفيق الحريري؛ 2005-2015 لعلها أطول عشر سنوات في تاريخ لبنان الحديث لكثرة ما شابها من حوادث إرهابية، أيام سود تفجيرات اغتيالات غزوات حروب "زعرَنات" انقلابات... كلها مثّلت نكسات ونكبات للفريق الاستقلالي فيما صنّفها الإرهابيون انتصارات إلهية وأيامًا مجيدة. غير أن الحزب الإرهابي إذا كان اغتال الحريري الأب بالأمر الإيراني-الأسدي المشترك مَرّة، فإن الحقيقة المُرّة تفيد أن الحريري الابن اغتال أباه أو لنقُل "ثورة الأرز" -تلطيفًا للعبارة- بالأمر الملَكي السعودي ألف مَرّة، وبدلاً من أن تكون جريمة العصر محطة مفصلية تنقل لبنان من مرحلة الاحتلال السوري الى مرحلة الاستقلال اللبناني، تحوّلت بفضل تلك الاغتيالات الحريرية الى مجرّد نقطة عبور وتسلُّم وتسليم بين احتلالَين، الاحتلال البعثي الأسدي والاحتلال الإيراني المستمر الى يومنا هذا.

بدأ مسلسل اغتيالات "الحريري" الأب بعد أن قرّر تياره التحالف مع حلفاء وأزلام النظام السوري الذي توجهت إليه أصابع الاتهام في الجريمة أولاً، فكان "الحلف الرباعي" في انتخابات 2005 النيابية. عام 2007 اغتيلت "ثورة الأرز" بتخلي "سعد الحريري" عن مرشحَي 14آذار للرئاسة لمصلحة "ميشال سليمان" الذي كان أول من طرح اسمه "نبيه بري". عام 2008 اغتيلت الثورة بالتوقيع على اتفاق الدوحة المخالف للدستور. عام 2009 بعد الفوز التاريخي بالانتخابات النيابية اغتيلت الثورة وجرى الانقلاب على ناخبيها بمسارعة "الحريري" الى المطالبة بحكومة ما يسمى "وحدة وطنية"؛ ثم اغتيلت الثورة ثانية بتصويت الحريري لـ"نبيه بري" رئيسًا للبرلمان؛ وفي العام الأسود نفسه اغتال "سعد" الثورة ثالثة بإقراره ثلاثية العُهر في البيان الوزاري لحكومته، ذلك قبل أن يُتوِّج الابن عامه الأسود باغتيال من العيار الثقيل تبلور بزيارة ودّية حميمية لـ"بشار الأسد" والنوم في قصره. عام 2010 اغتيل الحريري مجددًا باعتراف ولده بوجود شهود زور في التحقيق الدولي ثم باعتذاره من سوريا لاتهامه إياها باغتيال والده، ولا ننسى مأدبات السحور الدمشقية والتجول بسيارة الأسد في شوارع الشامعملاً بالأوامر الملكية وكارثة الـ س.س.

عام 2012 اغتيلت الثورة عبر تلذُّذ المستقبل في تلقي اللدغات من الجحر الواحد عدة مرات فكانت المشاركة بجلسات حوار التقية مع الحزب الإرهابي التي انتهت باغتيال "وسام الحسن" وباعتبار الحزب "إعلان بعبدا" حبرًا على ورق. عام 2013 اغتيلت الثورة من خلال فشل أفرقائها في الاتفاق على قانون انتخاب فكان التمديد الأول لمجلس النواب؛ وكان التواطؤ على تجديد التمديد عام 2014 فجرى إحراج "القوات" وذُبحت الديمقراطية. عام 2014 أيضا اغتيلت الثورة عبر انقلاب الحريري على تعهداته فوافق على حكومة ائتلافية مع الحزب الإرهابي على دماء "محمد شطح"، غطى إرهاب الحزب في سوريا كما احتلاله لبنان ولعِب دور الصحوات القذر بشخص "مشنوقه" الذي أشرك الحزب الإرهابي في اجتماع قادة الأجهزة الأمنية وما لبث أن تحوّل صقرًا ينطلق من ساعد الحزب الآمِر للانقضاض على طرائده في البيئة السنية تحت مسمى تنفيذ "الخطط الأمنية". تلاشت لذّة لدغة الحوار الأخيرة فسارع "المستقبل" الى إنهاء العام 2014 بتدشين حوار دجل جديد تمخّض حتى الآن عن فضيحة إزالة الصور والشعارات الدينية والحزبية باستثناء تلك الموجودة في مناطق الحزب، وحجة "المشنوق" الاستغبائية أن صورها كسلاحها تابع للاستراتيجية الدفاعية!

بغير تسمية الأشياء بأسمائها، وبغير وضع الأصبع على الجرح، وبغير الصراحة ولو كانت جارحة أحيانًا، وبغير الجرأة في قول الحق... لا أمل في الوصول الى أي تغيير في الوضع الكارثي لقوى 14 آذار، فالمجاملات التي نرى قادتها يتبادلونها فيما بينهم لا تنفع، ونكران حقيقة أن لبنان واقع تحت نير الاحتلال الإيراني خيانة ومضيعة للوقت وترسيخ للاحتلال على حساب التضحيات ودماء الشهداء.

من هذا المنطلق واستنادًا الى كل ما تقدّم نسأل: أما آن لقوى 14آذار أن تتحوّل من "تخالف" الى "تحالف"؟ أما آن لتيار المستقبل أن يتحالف مع "القوات اللبنانية"؟ أما آن لسعد الحريري أن ينزع خنجره من ظهر 14آذاروظهر بيئته السنية؟ أما آن له أن يعود الى "لبنان أولاً" تاركًا تبعيّته لـ"السعودية أولاً" الوافقة وراء كل انقلاباته الفجائية وسياساته الانبطاحية والانهزامية؟ أما آن للقوى الاستقلالية أن تعيد هيكلة أمانتها العامة بما يحرّرها من هيمنة التيار الأزرق ويجعلها سيدة قرارها لا انفصام في الشخصية بين بياناتها وسلوك مكوِّناتها السياسية؟ أمانة عامة قادرة على وضع استراتيجية دفاعية لمقاومة سلمية سياسية حقيقية، مقاومة تتصدى للاحتلال الإيراني وصولاً الى تحرير لبنان من ولاية الفقيه الدموية والطائفية والإرهابية؟ كفاكم عشر سنوات اغتيالاً لرفيق الحريري، وكفاكم مثلها اغتيالاً لثورة الأرز وخذلانًا لأبنائها.

عبدو شامي

14/2/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


9-  الحريري في العاشرة.. استغباء وتحريف وتبعية

دون طول سيرة ومقدمات، أهلاً بالشيخ سعد الحريري في بلده لبنان آمِلين أن لا تكون زيارة خاطفة قبل عودته الى مكان الإقامة بين الرياض وباريس. فغياب زعيم "تيار المستقبل" لم يعد مبرَّرًا تحديدًا منذ بداية 2014 حيث أصبح مرحّبًا به في بلده المحتل بمجرّد مشاركته الحزب الإرهابي في حكومة ائتلافية بعد 3 سنوات من المعارضة الشريفة خارج السلطة؛ هذا، وإن كان الاحتياط واجبًا ممن شِيمته الغدر. أما ركيزة مقالتنا هذه فخمس نقاط تطرّق إليها الرئيس "سعد الحريري" في خطابه بمناسبة الذكرى العاشرة لاغتيال والده.

أولاً في ذكر السعودية: استهل الحريري كلمته قبل الخوض في أي موضوع وقبل حتى الترحُّم على والده بتوجيه التعزية بالملك السعودي الراحل رغم قيامه بواجب العزاء الكامل في المملكة، ثم عاد وقدّم التحية والعهد على الوفاء باسم الحاضرين للعائلة الحاكمة وذكر بالاسم الملك الجديد وولي العهد وولي ولي العهد، وكأنه يقدّم المبايعة علنًا! شكلاً ومضمونًا اقحام المملكة في بداية الخطاب لا نرى فيه إلا دليلاً على مدى تبعية التيار الأزرق لها، لا بل ذلك يعيدنا بالذاكرة الى إلزامية ذكر "الشقيقة سوريا" و"وحدة المسار والمصير" في خطابات حقبة الاحتلال السوري، ما يعني أننا من تبعيّة الى أخرى؛ قبل أن يعود في نهاية خطابه "لتجديد الالتزام بتحرير القرار الوطني اللبناني من التبعية الخارجية"، مع أنه لا جدال في أن كل انقلاباته الفجائية على تعهداته ومواقفه إنما أتت بالأمر الملكي السعودي! فهل يحق له بعد ذلك القول: "أنا متطرّف في الحرية والسيادة والاستقلال"؟!

ثانيًا في الهجوم على الحزب: لا نستطيع إنكار أن الحريري هاجم الحزب الإرهابي في مواضيع ساخنة كثيرة من سلاحه الى القتلة المطلوبين من المحكمة الى تدخله في سوريا الخ... بيد أنه رغم وصف الصحف هجومه هذا بـ"الناري" فإن: أولاً، تغطية الحريري بدخوله الحكومة احتلال الحزب لبنان وإرهابه في سوريا، ثم ثانيًا قبوله بشروط الحزب في تحييد كل مواضيع هجومه العلني هذا عن جلسات حوار الدجل الذي يقيمه معه اليوم... كل ذلك يدل على أن الهجوم كان "مائيًا" لا "ناريًا"، وأن الحريري لم يكن يخاطب الحزب الإرهابي إنما يخاطب شعب تياره حصرًا خطابًا دعائيًا شعبويًا لا يُفسد لوُدّ السلطة المشتركة مناصب "صحويَة" ولا حوارًا انبطاحيًا. وهذا يعيدني بالذاكرة الى أيام المدرسة، حيث كان أستاذ الرياضيات بعد أن ينادي على التلميذ الراسب وقبل أن يسلّمه ورقة امتحانه، كان ينظر الى شجرة في الملعب فيبدأ بتوبيخها بلهجة شديدة وهو التوبيخ نفسه الذي يريد توجيهه الى الطالب الكسول، ثم يسلمه مسابقته وبيقى الوضع على حاله كَسل وسَمن على عسل.

ثالثًا في مواجهة الإرهاب: يبدو أن "الشيخ سعد" لا يعتبر الحزب الذي يحاوره بذُلّ ويشاركه في الحكومة حزبًا إرهابيًا! فرغم كل جرائم هذا الحزب على الأقل تلك المرتكبة في لبنان من 2005 الى يومنا هذا، ورغم إرهابه في سوريا، ورغم تفاخره وتمجيده أعماله الدموية وإعلانه مسؤوليته عن بعضها، وجّه الحريري له المناشدة التالية: "نداء للجميع وخصوصًا لحزب الله العمل دون تأخير لإيجاد استراتجية وطنية لمواجهة الارهاب"! وكفى بذلك ذلاً وانبطاحًا ولحسًا للمبرد. وللأمانة لم يُخطئ بقوله: "نحن لا نهادن الارهاب" فقد تجاوز المهادنة الى حد التغطية.

رابعًا في الاعتدال المزعوم: كعادته شدد الحريري على احتكاره شعار "الاعتدال" ليصبح تصنيف كل من لا يؤيد نهجه وسياسته في بيئته السنية متطرفًا، لكنه رغم محاولته البائسة تلك وقع في خطأ كبير حيث قال: "نحن قوة الاعتدال(...) ونحن ندرك جيدًا أن لا نقطة وسط بين الاعتدال والتطرّف"؛ فات الحريري أن الاعتدال نفسه هو وسط بين تطرفَين، أو بعبارة أخرى الاعتدال هو نقطة الوسط بين التطرف والانحلال، كما يقال عن طقس لبنان إنه معتدل أي ليس بشديد البرودة ولا الحرارة، وبمراجعة بسيطة لتاريخ الحريري منذ 2005 نجد أنه يمثل الانحلال والانهزامية بجدارة. أما عن وصفه السعودية بأنها تمثل الاعتدال، فلا شك أن حرية الرأي والصحافة وآلية تداول السلطة وقيادة المرأة السيارة وسواها... تثبت صحة كلامه.

خامسًا في تحريف الدستور اللبناني: اعتبر الحريري أن حدود المعتقد هو البيت والكنيسة والمسجد أما الدولة فلا دين لها، هذه مغالطة شنيعة، فلبنان ليس دولة علمانية بكل ما للكلمة من معنى، الطائفية السياسية هي الحاكمة بدليل تأكيد الحريري نفسه على صون المناصفة، فضلاً عن أنه يحق لرؤساء الطوائف الطعن في أي قانون يمس بدينهم، فلماذا هذا التنقاض؟!

لا يسعنا في الختام إلا أن نكرر دعوتنا للشيخ سعد أن يكون خطابه موجهًا لكافة العقول، لا مقتصرًا على من سلّموا له عقلهم بالتصفيق الدائم، فثمة عقول تنطلي عليها هذه النوعية من الخطابات وثمة عقول ترفض الاستغباء شكلاً ومضمونًا.

عبدو شامي

15/2/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


10-        انصافًا لـ"نصرالله".. ردَّ تحية الحريري بأحسن منها

ها هي الحوادث تتوالى مؤكدة ما ذكرناه في افتتاحية مقالتنا الأولى لهذا العام من أن عنوان سنة 2015 هو الاستغباء بامتياز، وتحديدًا استغباء المؤيدين قبل المعارضين؛ أما موضوع استغباء الساعة في لبنان فهو "مكافحة الإرهاب"؛ فبعد إطلاق الرئيس "سعد الحريري" مناشدته الانبطاحية: "نداء للجميع وخصوصًا لحزب الله العمل دون تأخير لإيجاد استراتجية وطنية لمواجهة الارهاب"، ردّ عليه الحزب الإرهابي التحية بأحسن منها على لسان أمينه العام، فلم يكتفِ بالترحيب بهذه الدعوة بل أرفقها بدعوة خاصة للحريري وحلفائه نصها: "فلنذهب سويًا الى سوريا والعراق(...) تعالوا لنذهب الى أي مكان نواجه فيه هذا التهديد".

بداية، لا نفهم "فورة" الإعلام المستقبلي في الرد على دعوة "نصرالله" الخاصة والعامة بالانضمام الى إرهابيه في شتى بقاع الأرض، فالحزب، وبكل بساطة، فَهِم كلام الحريري بدقة متناهية وبنى على الشيء مقتضاه فردّ عليه بمنطق وعقل موزون؛ لأننا وببداهة مطلقة عندما نقرّر أن نزيل بقعة قذرة بخرقة لا تقل عنها قذارة فهذا يعني أننا نعتبر الخرقة الوسخة نظيفة وصالحة لإزالة القذارة، وإلا نكون قد ضاعفنا حجم البعقة ووساختها وهذا لا يقدِم عليه عاقل. من هنا، مجرّد دعوة الحريري الحزب الإرهابي لوضع استراتيجية يكافحان الإرهاب فيها معًا، تعني أمرَين:

أولاً، يعني أن الحريري لا يعتبر الحزب رغم كل جرائمه في الداخل والخارج إرهابيًا لأن الإرهاب لا يكافِح نفسه بنفسه، فضلاً عن أن الحريري نفسه بحسب تصريحاته لا يقبل أن يهادِن الإرهاب والتطرّف؛ ويعني ثانيًا: أن تعريف الإرهاب الذي يريد الحريري مواجهته مع الحزب هو نفسه التعريف العمَلي (ونشدد على قيد العملي) الإيراني-الأميركي-الاسرائيلي للإرهاب الذي يستثني من المكافحة محور الشر السوري-الإيرانى وميليشياته وملحقاته سنيّة كانت أم شيعية، ليبقى المشمول بتعريف الإرهاب كل تنظيم سنّي حصرًا سياسيًا كان أم عسكريًا من شأنه أن يشكل خطرًا على مصالح إيران أو على احتكار السعودية لتمثيل الإسلام لدى السنة، واحتكار التيارات الخاضعة للمملكة للاعتدال الزائف من جهة ثانية؛ إذا أدركنا ما تقدّم جيدًا يصبح كل ما قاله "نصرالله" في دعوته مفهومًا ومنطقيًا وهو: بما أنك لا تعتبرنا إرهابيين وتتفق معنا على تعريف الإرهاب، فهيا بنا نتشارك معًا في نشر المحبة والسلام وإرسال القبلات توزيع الورود على شعوب المنطقة خصوصًا في سوريا والعراق واليمن والبحرين، ولا ننسى لبنان حيث الأقربون أولى بالمعروف ابتداءً من هدية "مروان حمادة" الى مكافأة "رفيق الحريري"، مرورًا بالأيام المجيدة وبتوزيع البقلاوة ابتهاجًا بنجاح كل "مهرجان أزهار" يقام على شرف أحد قيادات 14 آذار في الشوارع وعند مفارق الطرق، وليس انتهاء بعرس "محمد شطح".

الاستنتاجات لا تقف عند هذا الحد، فبعيدًا عن تفسير دعوة الحزب الإرهابي للحريري و14آذار للالتحاق بصفوفه، إصرار الحريري الجدي على مشاركة الحزب في مكافحة الإرهاب هو الدليل القطعي والواضح على أن الحريري لا يمثل "الاعتدال" كما يزعم إنما يستخدم هذا الشعار الزائف لدغدغة مشاعر المسيحيين كما المسلمين الخائفين من موجات التطرّف وتسويق نفسه على أنه المنقذ الوحيد، ويستعمل "الاعتدال" أيضًا كجواز سفر يمرّر عبره مصالح السعودية السياسية في لبنان ومصالحه باحكتاره التمثيل السني. ما نعرفه أن الاعتدال لا يمكن أن يتشارك مع التطرّف ولا يمكن أن يغطيه بشكل من الأشكال، فالضدّان لا يجتمعان. أضف الى ذلك أن الحريري أثبت في الذكرى العاشرة لاغتيال والده أنه يعرّف الاعتدال تعريفًا خاطئًا عندما أكّد وجزم أنه يدرك جيدًا أن "لا نقطة وسط بين الاعتدال والتطرف" جاهلاً أو متجاهلاً عمدًا أن الاعتدال نفسه هو نقطة الوسط بين تطرّفَين، بين التشدّد والانحلال الذي ينطبق على سياسته اليوم في "الاستراتيجية المهزلة" موضوع مقالتنا فضلاً عن تاريخ انقلاباته القاتلة لثورة الأرز منذ عام 2005.

في 14شباط2015 دخلنا مرحلة اللعب على المكشوف، فمَن لم يرتكب عُشر معشار الإرهاب الذي ارتكبه الحزب في الداخل والخارج يعتبر في مفهوم التيار الأزرق إرهابيًا تجب مكافحته، أما الإرهابي الأصيل الذي يفاخر بإرهابه ويدعو الآخرين للانضام الى إجرامه العابر للحدود فهو شريك يمكن أن يعوّل عليه في مكافحة الإرهاب! فإما أن يلتزم الحريري بتعريف الإرهاب كما ورد لدى المحكمة الجنائية الدولية وكما نص عليه القانون اللبناني، وإما أن يكون بتبنّيه عمليًا التعريف الإيراني يوّجه اغتيالاً جماعيًا لشهداء "ثورة الأرز" أجمعين ونبشًا لقبورهم وتمثيلاً بجثثهم وسَحلاً لها على الطريقة الداعشية التي تطل علينا اليوم معنويًا بزيّها الأزرق. فعذرًا شهداءنا الأبرار ولا تغفروا لهم لأنهم يعلمون جيدًا ماذا يفعلون.

عبدو شامي

19/2/2015

 (مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


11-        خطر سياسة الحريري على لبنان بمسلميه ومسيحييه والكيان

مقولة "إن لبنان طائر لا يطير إلا بجناحَيه المسلم والمسيحي" ليست شِعرًا، وإذا كان البعض يعتبرها كذلك فهي عندنا حقيقة مثبتة بالتواريخ والوقائع.

لن نعود أكثر من نصف قرن الى الخلف، فخلال تلك الحقبة من تاريخ لبنان كان مناخ الرأي العام السُنّي يتأثر بكل موجة سياسية تضرب محيطه العربي فكل من ادعى الزواج بأمّهم جعله كثيرون عمَّهم، من "عبد الناصر" والقومية العربية الى الوحدة، الى "أبي عمار" ومنظمة التحرير التي استباحت لبنان، الى مرحلة الاحتلال السوري والوصاية الأسدية... كلها مراحل كان فيها لبنان ثانيًا وثالثًا وربما خارج الاعتبارات. ولا نُغفل مرحلة ما عُرف بالـ"مارونية السياسية" بما لها وعليها من سياسات، ثم الحرب الأهلية التي تغّذت على تراكم موجات المحيط الفاسدة وتلك الخلفيات مجتمعة التي زرعت الشقاق وعدّدت الانتماءات.

في فترة الاحتلال السوري بلغ الشرود السني مداه، تمرّد المفتي "حسن خالد" في البداية فتمت تصفيته ليخلفه مفتٍ سيّئ الذكر، مجَّد الوصاية ورسّخها جاعلاً عبارات الخزي كـ"الشقيقة سوريا" و"وحدة المسار والمصير" و"الوجود السوري الضروري والشرعي والمؤقت" من أدبيات "دار الفتوى" وأركانًا لازمة في خطب الجمعة... كل ذلك في إطار سياسة التخويف من الشريك المسيحي المضطهَد وردًا على مواقف "بكركي" السيادية الوطنية التي كانت سبّاقة في رفض الاحتلال السوري ومطالبته بالانسحاب؛ دور استقلالي تجلى بأبهى حلله في بيان المطارنة الموارنة التاريخي في 20/9/2000 وما تبعه من قيادة الكنيسة ورعايتها معارضة مسيحية وطنية عبر لقاء "قرنة شهوان" شكّلت الفتيل الحقيقي لانتفاضة استقلالية أشعلتها شرارة اغتيال الرئيس "رفيق الحريري" بعد تمرّده على سياسة الوصاية؛ فكان 14/2/2005 اليوم التاريخي الذي التقطت فيه اليد المسلمة اليد المسيحية الممدودة إليها منذ أكثر من 30 سنة تحت شعار الرئيس "بشير الجميل" "لبنان أولاً"، عندها التقى الجناحان ورفرفا فحلّق لبنان، تحققت "المعجزات" فكانت الثورة المليونية في 14آذار2005 وتبعها اندحار الاحتلال السوري في 26نيسان. تلك أيام عابقة بنسيم الحرية والسيادة والاستقلال عشناها وتنشقنا عبيرها في ساحة الحرية في فترة مقاومة استقلالية مكلِفة لكن مشرِّفة، فماذا عن واقعنا اليوم؟

بعد 10 سنوات على آذار المجيد، وضعُ لبنان مأسوي ومُبكٍ. سياسة الرئيس "سعد الحريري" الانهزامية والتبعية: 1)أفسدَت على اللبنانيين انتفاضتهم الاستقلالية. 2)أخرجَت الشارع السني عمليًا ومجدّدًا من "لبنان أولاً" الى "السعودية أولاً" المسؤولة عن كل انقلابات الحريري الفجائية وتنازلاته القاتلة لثورة الأرز. 3)هيمنَت على قرار الأمانة العامة لـ14آذار. 4)همّشت الجناح المسيحي الاستقلالي وأخذته أحيانًا نحو انبطاحيتها مبهرة إياه بكذبة "لبنان أولاً"، و"الاعتدال" المزيّف، و"الاستقرار" المرادف للركوع بذل واستسلام. 5)فرّقت الجناحَين المسلم والمسيحي مجدَّدًا بتقديمها المصالح الخارجية على الوحدة الوطنية. 6)دفعت بعض الشباب السنّي الى التطرّف كبديل وردّ فعل مرفوضَين لكن مفهومان في علمَي النفس والاجتماع نتيجة لانبطاح من ادعى واحتكر تمثيلهم فخذل بيئته وغطى الاحتلال وأمعن في انحلال يسميه اعتدال. 7)راهنت رهانًا غبيًا سخيفًا جبانًا على "نبيه بري" ونبذت الشيعة الأحرار. 8)شرّعت الأبواب أمام الاحتلال الإيراني ورسّخته عبر تنازلاتها القاتلة ليكمل مشروعه الإرهابي في نهش لبنان وتهديد الصيغة والكيان.

بدورها بكركي "الراعي" منسلخة تمامًا عن دورها الاستقلالي وثوابتها الوطنية والتاريخية التي جسّدها البطريرك "صفير"، ومن جهتها "دار الفتوى" واقعة بالكامل في القبضة "الحريرية". في المقابل "القوات اللبنانية" تجسّد اليوم بجدارة نبض ثورة الأرز الأخير نظرًا لانسجامها مع مبادئها وتعارُض قراراتها الاستقلالية بنسبة 99% مع قرارات الحريري الانبطاحية منذ عام 2005، لتكون المحصّلة التراكمية منطقية وعادلة: القوات في المعارضة المشرِّفة، أما "تيار المستقبل" ففي الموالاة يلعب دور الصحوات القذر لصالح الحزب الإرهابي ويرعى الاحتلال مستغبيًا الجميع بشعار "الاعتدال"، وآخر الأباطيل والتفاهات مكافحة الإرهاب عبر الاستعانة بالإرهاب!

حقيقة مرّة، 14آذار اليوم مجرّد شعار مفرّغ من أي مضمون، لا أفعالَ لها بل ردّات فعل نارية مع توديع كل شهيد لا تلبث أن تحولّها السياسة الحريرية الى دخان ورماد، دماء شهداء زكية وغزيرة لكن مهدورة ومراقة على أعتاب خضوع مذل لمدمني الإرهاب، مشروع يرفع شعار الدولة غير أنه فاقد للخطة والإدارة وآلية التنفيذ، جناحان مسلم ومسيحي تارة مفترقان وطورًا مختزلان بسَاسة التبعية والانهزام. فلا نسألنَّ بعد ذلك لماذا هو متمكّن ومتمادٍ بغطرسته ووقاحته واستكباره ذاك الاحتلال الفارسي، ولا لماذا هو بائس وحزين ذلك الطائر مكسور الجناح المسمّى لبنان.

عبدو شامي

3/3/2015            

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


12-        حدائق السعودية وملعب إيران

مع استمرار "عاصفة الحزم" الخليجية-المصرية-الباكستانية بقيادة السعودية في ضرب عصابة الحوثيين إجهاضًا لولادة نموذج لبناني جديد، أي حزب إيراني تكفيري-إرهابي يسيطر بواسطة حفنة عملاء من حمَلة الهويات اليمنية على اليمن ومضيق "باب المندب" واضعًا الأمن القومي السعودي والمصري في البحر الأحمر مباشرة تحت سيطرة إيران... كثيرون تحدّثوا عن صحوة عربية-سنيّة وتغيير لموازين القوى. فما مدى صحة هذه التحليلات؟

المتتبّع لسياسة السعودية حيال البلدان التي ابتلعها المشروع الفارسي الحاقد يجدها بعيدة كل البُعد عن الاعتبار السنّي أو العربي، هي سياسة مصالح خاصة وضيّقة فاقدة لرؤية استراتيجية تُوقف مشروع إيران الأخطبوطي ما سمح له بالتمدّد بدعم وتسهيل مباشر من اللاعِبة على الحبلّين ومدعية الحلف مع السعودية: أميركا؛ هذا على الأقل ما حصل في بوّابة العالم العربي، العراق، باعتراف الإيرانيين أنفسهم. توسّعت إيران وضمّت الى العراق سوريا ولبنان وغزة(حماس)، مع ذلك لا تحرُّك استراتيجيًا سعوديًا يردعها. قامت الثورة في سوريا وكانت فرصة ذهبية لتحريرها من الاحتلال الفارسي، مع ذلك التزمَت السعودية بالأوامر الأميركية في عدم تقديم ما أسمَوه "الأسلحة الفتاكة" للجيش الحر، بل موّلت جماعات دينية تحمل فكرًا متشدّدًا لم تلبث أن انشقت عن هذا الجيش أو حاربته وشتّت قواه لمصلحة النظام المجرم. في لبنان، السعودية مسؤولة عن تعاظم النفوذ الإيراني لوقوفها بالكامل وراء التنازلات القاتلة والمفاجئة والمستمرة التي قدّمها وكيلها "الحريري" طوال 10 سنوات، وهي اليوم تحاور إيران بِذُلّ في لبنان بعد إذُلاله بمعادلة الـ س.س الغادرة. أما في اليمن، فالتخبّط السعودي في التعامل مع ملف الرئيس المخلوع "علي عبدالله صالح" وعزوف المملكة عن دعم السنّة المقاومين للتمدّد الحوثي بحجة أنهم من "الإخوان المسلمين" أتاح لإيران الهيمنة على البلاد بتحالف جمع الحوثيين وجماعة "صالح"... الى أن قرّرت السعودية اليوم تصحيح خطئها في اللحظة الأخيرة كما فعلت عام2011 في البحرين بواسطة "درع الجزيرة". فما هي دوافع هذا التحرّك؟

منطقيًا، التدخل الاستراتيجي الرادع الذي اتخذته السعودية في البحرين واليمن جاء بدافع مصلَحي خاص نظرًا لكون سقوطهما يشكّل تهديدًا أمنيًا مباشرًا لمملكة آل سعود بخلاف سقوط لبنان وغزة وسوريا، أما العراق فاحتلاله فارسي-أميركي مشترك "على رأس السطح" وبالتالي فات فيه أوان التدخل. وعمومًا، تصاريح إيران التوسعية والعنصرية الوقحة التي خلعت معها "تشادور" التقيّة خصوصًا في آذار2015 وتطلّعها الى مكة والمدينة كما يجاهر بعض معمّميها، إضافة الى مآخذ السعودية على أميركا على خلفية ما تصفه بسلوك إدارة "أوباما" المتساهل حيال إيران... جعل السعوديين يستشعرون خطرًا مضاعفًا على أمنهم، فقضم إيران اليمن (كما البحرين) تمّ بضوء أخضر أميركي عكَسه السكوت حيال العربدة الإيرانية، وهو ما أكّدته صحيفة "الجريدة" الكويتية في 28/3/2015 على لسان مصدر مطلع كشف"أن مسؤولين كبارًا في "البنتاغون" حاولوا إقناع القيادة السعودية بوقف العملية وإعادة النظر"، مضيفاً أن "الجانب الأميركي فوجئ بالتصميم الخليجي وبالائتلاف العربي والإسلامي الواسع الذي شُكّل، ووافق عليه على مضض".

مما لا شك فيه أن العرب والسنّة تحديدًا بل والشيعة الأحرار وكذلك المسيحيّون مستفيدون من تحرير أي بلد تحتلّه إيران عدوّ العرب والسنّة الأول قبل إسرائيل؛ لكن هذا لا يُعمِينا عن أن التحرّك السعودي-المصري حيال اليمن لم يُبنَ على مبدأ عربي ولا سنّي ولا حتى نصرة لشعب اليمن، إنما أتى بدافع المصلحة الخاصة، أي حِفظ أمنهم القومي حيث يمكنهم التدخُّل وحيث هو مهدّد بشكل مباشر، وهذالا يعدو عن عملية حزم موضعي لا تتجاوز حدود اليمن ولن تأتي بحسم شامل يُنهي الاحتلال الفارسي للبلدان العربية. باختصار، نحن أمام ترسيم حدود لإيران مفاده أن السعودية وما يحدّها من "حدائق" خط أحمر، أما الملعب الإيراني فهو العراق وسوريا ولبنان.

نريد التحدّث بواقعية وعقل دون عواطف وأوهام، عاصفة الحزم على أهميّتها وما شكّلته من ألَم لولاية الفقيه بقطعِها إحدى أذرعها، بعيدة عمّا وصفَتها به التحليلات من "توحُّد مليار سني ضد ايران"، و"رد اعتبار العرب والسنّة"، و"تغيير موازين القوى في سوريا والعراق ولبنان"، و"بداية انهيار الامبراطورية الفارسية"؛ وطالما أن الحلف الصهيو-فارسي قائم لا خلاص من المشروع الفارسي إلا بعاصفة حزم شاملة تهبُّ بدافع عامّ عربي-سني مشترك، أو بدعم حقيقي للسنّة المنتفضين في سوريا والعراق، أو بثورة داخل إيران تعيدها من امبراطورية فارسية عاصمتها بغداد الى جمهورية إيرانية ديمقراطية عاصمتها طهران وعلى خاصرتها دولة عربية مستقلة اسمها الأحواز. هذا ما نقرؤه الآن، وعند آتي الأيام الجواب اليقين.

عبدو شامي

1/4/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


13-        إيران بلا تقيّة.. راجِعوا حوادث آذار2015

"راجع حوادث آذار2015"؛ عبارة معدودة الكلمات بيد أن عِظَم ما حَوَته من معاني ودلالات جعلها جديرة من الآن فصاعدًا أن تجتاح كتب التاريخ ومراجع العلوم السياسية فضلاً عن هوامش الدراسات وأسطر المقالات. فقد نسف آذار بحوادثه الدسمة فنّ القراءة بين السطور فضيَّق هامش التحليل وأنهى عهد التقيّة جاعلاً ما بين السطورِ السطورَ نفسَها. وهذه بعض النماذج الآذارية في التدليل على ما تقدّم.

أولاً- في الدعم الأميركي والعالمي لبشار الأسد وسعيهم لعدم سقوط نظامه: أثبت آذار2015 صحة هذا التحليل بتصاريح لا تحتمل أي لبس أو تأوييل؛ ففي 14/3/2015 أعلن "جون برينان" مدير وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA): "لا أحد منا، لا روسيا ولا الولايات المتحدة ولا التحالف (ضد داعش) ولا دول المنطقة، يريد انهيار الحكومة والمؤسسات السياسية في دمشق، لأن من شأن ذلك أن يخلي الساحات للجماعات الاسلامية المتطرفة، وآخر ما نريد أن نفعله هو السماح لهم بالزحف الى دمشق". رسالة الـCIAالمطمئِنة لعميلها "بشار الأسد" بأن معقله دمشق يحظى بحماية عالمية تابعها وزير الخارجية الأميركي "جون كيري" الذي تخلى عن موقف بلاده الدعائي من أن الأسد فقد شرعيته وأن لا مكان له في مستقبل سوريا، فصرّح في الذكرى الرابعة لانطلاق الثورة السورية 15/3/2015: "يجب علينا أن نتفاوض في نهاية المطاف مع الأسد"، مما يعني بقاءه في السلطة.

ثانيًا- في الحلف الأميركي-الإيراني وتلزيم المنطقة لإيران: فيما "كيري" ونظيره الإيراني "ظريف" يجتمعان في سويسرا، كان الرئيس اليمني في1/3/2015 يعلن صنعاء "عاصمة محتلة من الحوثيين" وسط صمت أميركي مدوٍ استدعى تدخلاً عسكريًا خليجيًا-مصريًا في26/3 انقاذًا لأمنهم القومي. الشيخ "مهدي طائب" رئيس "مقر عمّار" الاستراتيجي للحروب الناعمة والذي يعتبر بمثابة غرفة تخطيط للحرس الثوري جزم في 3/3 أن "سوريا هي المحافظة الـ35 لإيران"، مفاخرًا بأنه "لولا دعم إيران لما حصلت الانتصارات في العراق وسوريا واليمن". أما قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الذي يُفترض دعائيًا أنه على لائحة التنظيمات الإرهابية، فكان يدير شخصيًا بغطاء جوّي أميركي معارك الـCIAعلى مختلف الجبهات في سوريا والعراق وتحديدًا تكريت التي أعلن رئيس هيئة الأركان الأميركية "مارتن ديمبسي" من بغداد في9/3 "دعم بلاده عملية تحريرها" معتبرًا في11/3: "إن نشاطات الإيرانيين ودعمهم لقوى الأمن العراقية أمر إيجابي بالمعنى العسكري ضد داعش".

ثالثًا- في الحلف الصهيو-فارسي وتبادل الخدمات: قدّم آذار2015 نموذجًا باهرًا لهذا الحلف فقد توّج "نتياهو" في1/3 حملته الانتخابية بخطاب أمام الكونغرس الأميركي عُدَّ أضخم حملة دعائية لإيران، فحذّر من اتفاق نووي معها وتخوّف من سيطرتها على أربع عواصم عربية، كما استعان بحزبها في لبنان زاعمًا أن "نصرالله" يطارد اليهود في العالم. نجحت الفزّاعة الإيرانية في تخويف الإسرائيليين ففاز اليمين المتشدّد بالانتخابات في 18آذار. وكانت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية استبقت هذا الإنجاز الصهيو-فارسي بتحليل في 5/3/2015، اعتبرت فيه أن "عبارات العداء بين إسرائيل وإيران ما هي إلا محض شعارات"، وأن "إسرائيل نجحت بالتوصل لنوع من الاتفاق مع إيران، والذي عن طريقه استطاع الطرفان خدمة مصالحهما دون الدخول بمواجهة عنيفة. فمن ناحية استطاعت إيران عن الطريق الفزاعة الإسرائيلية بالحفاظ على حكمها، ونجحت إسرائيل بحفظ السيطرة على الأراضي الفلسطينية".

رابعًا- الانفلاش الإيراني دوافعه طائفية-إلغائية-عنصرية-تكفيرية: هذا ما أكّده شهر آذار2015 فالجانب الطائفي أبرزَته جرائم الحرس الثوري وميليشياته في سوريا والعراق واليمن حيث جرى التنكيل بأهل السنة تحت ستار محاربة داعش خاصة في تكريت، ليتأكّد أن العدو الحقيقي هو السنّة ما جعل "الأزهر" يندِّد في 11/3/2015 بما "ترتكبه هذه الجماعات من جرائم بربرية نكراء على خلفية طائفية". الجانب الإلغائي تمّ تلزيمه لداعش التي أنتجتها المخابرات السورية-الإيرانية بهدف القضاء على الثورة السورية باحتلالها مناطق الجيش الحر وتصفية قادته ثم وأد ثورة سنّة العراق باستعمالها ذريعة لضربهم... فقد دأبت على محو كل ما وجدته في طريقها من معالم تراثية وحضارية سنيّة ومسيحية في سوريا والعراق، الأمر الذي يحيلنا مباشرة الى الجانب العنصري الذي عبّر عنه "علي يونسي" مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، معلنًا في 8/3/2015 إن "إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي"، وذلك في إشارة إلى إعادة الامبراطورية الفارسية الساسانية التي تأسّست عام 559 ق.م واحتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها.أما الجانب التكفيري فعبّر عنه الشيخ "نعيم قاسم" نائب الأمين العام للحزب الإرهابي في لبنان، معتبرًا في 21/3/2015 إن "إيران هي عنوان الإسلام الأصيل"، هذا تكفير لكل مسلم لا يعتقد بولاية الفقيه فالأصيل يقابله المزيّف والإسلام المزيّف ليس بإسلام.

أدبًا، كي نعزو الفضل لأهله، لم يكن لآذار2015 أن يدخل التاريخ مرجعًا في السياسة والتاريخ لولا آذار2011، شهر اندلاع الثورة السورية التي قلبت الطاولة على الجميع فأسقطت الأقنعة وهدّدت الهلال الصهيو-فارسي وجوديًا فأحرجَته وأخرجَته الى العلن أملاً بصحوة تلجم إيران. اليوم نستطيع التحدّث بكل ثقة عن حلف أميركي-اسرائيلي-إيراني مشترك،دِمبسي في الجو وسليماني على الأرض والعدو هو السنّة المنتفضون لا داعش، ولمَن أراد التوسّع: راجع حوادث آذار2015.

عبدو شامي

27/3/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


14-        أبعاد اتفاق الشيطان الأكبر والشيطان الأخطر

بعد مفاوضات ظهرت إعلاميًا شاقة وحرجة، أُعلِن في 2/4/2015 عن اتفاق-إطار نووي تاريخي بين أميركا (دول5+1) وإيران يتمحور حول فرض قيود لضمان سلمية البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات. وعلى الرغم من الفرحة العارمة التي عمّت شوارع طهران والنشوة التي انتابت الإدارة الأوبامية الأميركية، تبايت تفسيرات الجانبين حول آلية وتوقيت رفع العقوبات. لكن، أيًا تكن آليات الرفع، يبقى الأهم كامنًا في خلفيات الاتفاق وأبعاده وانعكاساته على المنطقة.

بداية، ثمة نقطة جوهرية من الصعب تجاهلها، وهي أن القوى العالمية وتحديدًا أميركا وإسرائيل مقتنعتان تمامًا أن البرنامج النووي الإيراني لن يشكل خطرًا عليهما، لأن إيران تعرف حجمها والمهمة الموكلة إليها في المنطقة والخط الأحمر في المجال النووي، ولذلك تمّ ترك إيران بسلام منذ عام 2007 لتعلن بفخر عن برنامجها وتقدّمه، وإلا، لو كان خطر إيران النووي حقيقيًا والأخيرة معاندة ومصمّمة على تجاوز الخط الأحمر كما هي الدعاية الإيرانية قبل وأثناء المفاوضات على لسان قادتها وممثِّل الإعلانات الإيرانية الأول "نتنياهو"، لكنا رأينا المفاعلات الإيرانية مدمّرة كما فعلت إسرائيل بمفاعل تموز العراقي عام1981، فلا مجال للعب ولا المخاطرة بالأمن القومي الإسرائيلي والأميركي. انطلاقًا من هذه النقطة الجوهرية تصبح الصيغة المنطقية للسؤال عن الاتفاق النووي الأخير: لماذا اليوم؟

ثمة ثلاثة عوامل رئيسية دفعت للتعجيل في الإعلان عن اتفاق-الاطار: العامل الأول، تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط بما يهدّد وجوديًا المصلحة الإيرانية، لا سيما في سوريا ثم العراق، ما أدى الى انكسار الهلال الفارسي الذي أصبح عبارة عن جزر ومناطق مقطّعة الأوصال، الأمر الذي فرض تغييرا جذريًا على ستاتيكو المنطقة منذ الثورة الخمينية تقريبًا، من حيث تولي إيران حماية الأمن القومي الإسرائيلي عبر هلالها المتمدِّد على مراحل من طهران الى بغداد ودمشق وبيروت وغزة، أضف الى ذلك حاجة إيران الى المال بعد المليارات التي أنفقتها مؤخرًا على عملائها لتفادي سقوط أنظمتهم. العامل الثاني: المس بالمصلحة الأميركية التي تعتمد على تعاظم وتعظيم النفوذ الإيراني لاسغلاله فزاعة لدول الخليج أي آلة حلْب لطالما تمّ تثبيتها على ضِرع البقرة الحلوب الخليجية لدر مليارات الدولارات لمصانع السلاح الأميركي في صفقات خليجية كاملة الدسَم (60مليار دولار كلفة الصفقة السعودية الأخيرة)، الأمر الذي جعل من أميركا مورِّد السلاح الأول في العالم قبل روسيا والصين. العامل الثالث: تطلّع الرئيس "أوباما" لإنهاء ولايته بـ"إنجاز" يدخل به التاريخ، وعينه على إنهاء "العداوة" المستمرة دعائيًا منذ 35عامًا مع إيران، خصوصًا أن تراكم الفضائح جعلها غير قابلة للانطلاء على أحد. هذه العوامل الثلاثة حفّزت عقد اتفاق عنوانه "نووي" لكن مضمونه أبعد بكثير من العنوان، بدليل الآتي.

لم يكد يجف حبر الاتفاق-الإطار حتى بدأت دول العالم تطرق باب إيران بحثًا عن صفقات تجارية مغرية؛ الرئيس التركي "أردوغان" أول الزائرين في 7نيسان وقد مهّد لزيارته شعبويًا بخطاب هاجم فيه إيران بقسوة على دورها التوسعي في المنطقة، ليتبيّن أن الغرض الرئيس من الزيارة ليس أزمة اليمن إنما تعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين ليصل نهاية2015 الى 30مليار دولار، واستيراد النفط والغاز الإيرانيَين بأسعار معدّلة. بدورها روسيا، بدأت العمل باتفاق النفط مقابل الغذاء، وأعلنت في 13نيسان عن المباشرة في تسليم طهران صواريخ أرض-جو (أس-300)، بناء على صفقة تعود لعام2007 حالت العقوبات دون تسليمها. وإذا كانت قبل الاتفاق أكثر من 200 شركة إسرائيلية تستثمر داخل إيران فكم سيبلغ عددها بعده؟!

كل ما تقدّم يجعلنا نقرأ الاتفاق النووي بين "الشيطان الأكبر" و"الشيطان الأخطر"على أنه جزء من مخطط أكبر لتحويل طهران شريكًا استراتيجيًا لواشنطن في إدارة الشرق الأوسط بعد أن قلبت الثورة السورية الطاولة على الجميع ومسّت بالمصالح الصهيو-أميركو-إيرانية في الصميم. رفع العقوبات سيعيد استيعاب إيران الإرهابية ضمن الأسرة الدولية، سيجعلها تستعيد نشاطها الاقتصادي والتجاري، سيتيح لها استرجاع أموالها المجمدة والتي هي بأمس الحاجة إليها اليوم للإنفاق على معسكراتها ومرتزقتها في المنطقة بلا عراقيل، وتوسيع نفوذها ليصبح أكثر فاعلية. من ناحيتهما، ستبقى أميركا تحلِب البقرة الخليجية بالفزاعة الإيرانية-شرطي المنطقة، وستحيك إسرائيل وإيران "سجّادًا" جديدًا لتبادل الخدمات والمصالح فيما بينهما.

الإدارة الأميركية تسوّق فكرة أن "أوباما" يحاول أن يميّز نفسه عن سلَفه، غير أن واقع الحال يظهر أن الرئيسين متكاملان، "بوش" الابن خلّص إيران من عدوّيها اللدودَين في أفغانستان والعراق وفتح لها أبواب المنطقة لتصدير ثورتها، واليوم "أوباما" يوطد هذا النفوذ ويشرِّعه باتفاق دولي ظاهره نووي وباطنه جيو-سياسي.

عبدو شامي

15/4/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


15-        المستقبل والحزب وجهان لعمالة واحدة

منذ بداية "عاصفة الحزم" بقيادة المملكة العربية السعودية بهدف تأمين "حديقتها الخلفية" عبر تطهير اليمن من قذارة الاحتلال الإيراني المتستّر بالزي الحوثي-اليمني، ولبنان يشهد حملات يومية للهجوم والردود والردود المضادة بين "حزب الإرهاب المنظم" و"تيار المستقبل"، وضعَ فيها الطرفَين كامل طاقاتهما الإعلامية والإنشائية والهجائية بما يضمن إرضاء أولياء أمورهما في الخارج في الدفاع عنهم.

حقًا، إنه لمشهد معيب بحق لبنان كرامةً وسيادة وشعبًا؛ فمن حيث المبدأ، كل من عمل لمصلحة بلد آخر على حساب مصلحة بلده فهو عميل، سواء كان ذلك البلد الذي ارتضى العميل أن يحقَّق له مصالحه على حساب بلده عدوًا أو مسالمًا؛ طبعًا العمالة لعدو إرهابي تكفيري توسعي (إيران ) أخطر من العمالة لباحث بطرق سلميّة عن نفوذ أو هيمنة أو تأثير عبر فريق سياسي داخلي (السعودية)، لكن هذا لا ينفي أن "العمالة" تبقى واحدة من حيث تقديم مصالح الآخرين على مصلحة الوطن لبنان.

لا شك لدينا أن السعودية باتخاذها قرار التدخل العسكري في اليمن أصابت وإن أتى متأخرًا جدًا، ولا ريب كذلك أن السعودية ساعدت لبنان في محطات حرجة كثيرة، هذا يستدعي واجبًا أخلاقيًا بالقول لمن أحسن أحسنت وتقديم الشكر على المعروف، بيد أن كل ما تقدّم مضافًا إليه تطاول وهجوم الحزب الإرهابي الإيراني على السعودية يجب أن لا يجعلنا ندافع عنها بطريقة استزلامية وضيعة ورخيصة؛ نعم، نقول كلمة الحق بفخر وبراحة ضمير ونعلن موقفنا بوضوح، لكن لا نستميت في الدفاع المتكرّر عن المملكة أكثر من دفاعها هي شخصيًا عن نفسها، وذلك كلما سمعنا نباحًا أو نعيقًا أو نهيقًا من هنا أو هناك، حفاظًا على كرامتنا وكرامة بلدنا. اللبنانيون الأحرار لا يُباعون ولا يُشترون، فلا رعاية اتفاق طائف ولا بضعة مليارات دولار ولا حتى سداد الدين العام بكامله (71مليار دولار) يجعلنا أزلامًا ومستزلمين ولا مُبايِعِين لمقدِّم تلك الخدمات ومانح تلك الأموال.

ثم هل السعودية جمعية خيرية تفعله ما تفعله مع لبنان دون مقابل؟ واقع الحال يُظهر أن السعودية تملك في لبنان تيارًا سياسيًا ينفِّذ مصالحها حرفيًا ويتلقى منها الأوامر الاستراتيجية في المحطات المصيرية بما يتناسب مع مصالحها وتصارعها على تقاسم النفوذ مع إيران. وبمراجعة بسيطة لكل القرارات القاتلة والمذِلّة بحق "ثورة الأرز" وتضحيات شهدائها وشعبها على مدى السنوات العشر الأخيرة، نجد أن أوامر الديوان الملكي تقف بالكامل وراء قرارات "الحريري" الانبطاحية والفجائية والمنقلبة على عهودها ومواقفها المشرِّفة بين ليلة وضحاها، بعدما ارتضى أن يكون رجل المملكة في لبنان وراعي مصالحها على حساب الشعار الدعائي "لبنان أولاً"؛ الإطاحة بانتصار2009 الانتخابي، وتشريع سلاح الحزب في البيان الوزاري، والـ س.س، والاعتراف بوجود شهود زور في التحقيق الدولي، والاعتذار من المجرم بشار الأسد والنوم في قصره، وحكومة اليوم وفضائح وزارة داخليتها... كلها نماذج صارخة عن مدى الإذلال الذي سبّبته رعاية "الحريري" للتدخل السعودي في لبنان.

الحملة المستميتة والبشعة والمقززة والمقيتة والتي فاقت المألوف والواجب في دفاع "تيار الحريري" عن المملكة هو إحدى تجليات هذه التبعية البغيضة. وإذا كان من شيء كشفَته الردود والردود المضادة التي أدت الى تسخين المناخ الشعبي العام لدى جمهور الطرفَين (المستقبل والحزب)، فهو دجل حجة "تنفيس الاحتقان" التي اخترعها "الحريري" تحديدًا لتبرير انقلابه على مواقفه السابقة وقبوله بالجلوس الى طاولة حوار مذل مع الحزب الإرهابي، فقد نسَفَت الحملة تلك الحجة من أساسها وأثبت "الحريري" مجدّدًا أنه لا يزال يقدّم مصلحة السعودية على مصلحة لبنان، فعندما تهادن السعودية إيران يأتي الأمر بالجلوس الى طاولة الحزب الإرهابي و"تنفيس الاحتقان"، وعندما تشتبك السعودية مع إيران يصبح الشحن المكثّف مطلوبًا، وهذه المرة تحت تعبير الوفاء للمملكة وتأييد "التضامن العربي". وعليه، كل ما يأكل به عقولنا ذلك التيار من حجج وتبريرات "خزعبلية" عند كل انقلاب مفاجئ ما هو إلا محض دجل عابر، أما "السعودية أولاً" فهي السبب والحقيقة الدائمة.

بعد ذلك، قد يتساءل القارئ لماذا الانتقاد موجّه لحملة "المستقبل" الاستزلامية في الدفاع عن السعودية دون التطرق الى حملة الحزب الإرهابي المضادة دفاعًا عن إيران و"حوثيِّها"، والجواب هو أن الحزب الإرهابي واضح، يُعلن ويفتخر ويجاهر بأعلى صوته يوميًا بعمالته وطاعته الكاملة للولي الفقيه وتقديمه إياها على مصلحة لبنان، فيما "تيار المستقبل" يُخفي ولاءه التام للسعودية وينفي تبعيّته المطلقة لها ويستغبي عقولنا متستّرًا بشعار "لبنان أولاً" رغم تقديمة البَيعة علنًا في 14/2/2015 أمام وباسم الحاضرين في احتفال "البيال". فليذهب هذا الى السعودية (وهو هناك) وذاك الى إيران وليتركوا لبنان للبنانيِّين، لا عملاء ولا أزلامًا ولامستزلمين.

عبدو شامي

19/4/2015        

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


16-        الجيش اللبناني وامتحان القلمون السوري

مع نهاية شهر نيسان ودخول شهر أيار الحالي تسارعت وتيرة المستجدات السياسية في المنطقة بشكل ملحوظ، وكان لبعضها تأثيره الواضح على لبنان كنتيجة طبيعية ومؤسفة لتوريطه في خندق المحاور المتصارعة.

فعلى الجبهة السعودية-الإيرانية، أعلن تحالف "عاصفة الحزم" بشكل مفاجئ في 21/4/2015 عن انتهاء عمليته العسكرية في اليمن ضد الحوثيين الإيرانيين، وإطلاق عملية "إعادة الأمل" لإعادة ترتيب البيت اليمني سياسيًا وانمائيًا، وانتقال التحالف الى الضربات الجوية الانتقائية لمساندة المقاومة اليمنية الوطنية على الأرض؛ وعلى الرغم من تبرير السعوديين توقف عاصفتهم المفاجئ بأنها حققت أهدافها، يُرجَّح أن يكون السبب الحقيقي ناتج عن العامل الإنساني الذي بات مأسويًا في مدن كثيرة، إذ على الرغم من تحقيق العملية العسكرية القسم الأكبر من أهدافها بقطع الإمدادات الإيرانية عن الحوثيين وتدمير سلاحهم الثقيل، إلا أن الرئيس اليمني لا يزال في السعودية غير قادر على التوجه الى اليمن لإدارة شؤون البلاد حيث المعارك محتدمة في العاصمة ومدن عدة. توقف "عاصفة الحزم" كان له انعكاساته على الساحة اللبنانية، حيث هدأت حملة التراشق الكلامي المعيبة بكافة المعايير بين "تيار المستقبل" السعودي والحزب الإيراني الإرهابي، وذلك بعد أن بلغت حدًا صبيانيًا سخيفًا في الدفاع عن أولياء الأمور على طريقة "أبي أقوى من أبيك"!!

الشأن السوري وجبهاته العسكرية المتعددة كان له نصيبه الدسم من تسارع الأحداث، فقد نشرت صحيفة "ديرشبيغل" الألمانية في 18/4/2015 وثائق تظهر ما أشبعناه بحثُا وتأكيدًا من أن "داعش" هي صنيعة نظام الأسد لتشويه الثورة السورية والقضاء عليها، وكان الخبر المدوي في 24 نيسان مع إعلان النظام الأسدي عن هلاك رئيس شعبة الأمن السياسي السابق اللواء "رستم عزالي" صاحب التاريخ الأسود في لبنان قبل سوريا، وكل الأخبار والتحاليل تشير الى أن "غزالي" تعرّض لتصفية على يد نظامه المجرم عبر حقنه بمادة سامّة تسببت بموته البطيء وذلك إثر خلافات داخلية على الدور الإيراني في درعا مسقط رأسه والتي تمّ ضربه وعزله على أثرها. الدور اليوم وصل على ما يبدو الى اللواء "علي مملوك" الذي شاعت الأنباء عن إصابته بمرض سرطان الدم في مراحله الأخيرة. وأيًا تكن أسباب موت "غزالي" ومن سبقه ومن سيلحق به من رموز "الأسد"، وسواء كان لها ارتباط بجرائم الداخل السوري أم باغتيال الرئيس "رفيق الحريري" لمَحوهم وأسرارهم، تبقى العبرة بموت القاتل شرّ ميتة، وأن من ارتضى العمالة لجهة ما على حساب أهله ووطنه ستكون نهايته على أيدي من يعمل عندهم عندما تنتهي مهمته ويصبح عدمه أنفع من وجوده.

ميدانيًا، أخيرًا، وبعد توحُّد الثوّار، سقطت نهاية نيسان محافظة "إدلب" بيد المعارضة السورية المسلحة وتم تحريرها مع "جسر الشغور" من الاحتلال الأسدي، لنكون أمام نقطة تحوّل استراتيجية في الحرب السورية، حيث باتت الطريق مفتوحة أمام الثوار باتجاه الساحل السوري حيث الثقل العلوي ومسقط رأس الأسد "القرداحة"، إلا أن ذلك لا يعني أن سقوط النظام بات وشيكًا جدًا، ذلك أن العاصمة لا تزال في قبضته وبقاءه ببقائها وإن فقد السيطرة على جميع البلاد، وهي تحظى بحماية دولية من وصول الثوار الإسلاميين إليها بحسب ما أعلن الأميركيون في آذار الماضي.

لبنانيًا، باتت معركة القلمون واقعة بين ليلة وضحاها، وقد حصد الثوار في مناوشاتها قبل أن تبدأ 5 من كبار قادة الحزب الإرهابي الغازي!! وفيما يقرع الحزب طبول هذه المعركة الواقعة خارج الأراضي اللبنانية يلاحَظ أن لا مكان ولا صوت للدولة أو الحكومة اللبنانية في المعادلة، أما طاولة حوار الذل فيكتفي فيها "المستقبل" بـ"الاستفسار" عن ما يعزم الحزب توريط لبنان فيه؛ من جهته "القبضاي" على أهله مستمر في حملته الانتخابية لرئاسة الحكومة بإدارة الوزير الأصيل "وفيق صفا"، وجديد "قبضاينا" ابتكاره تقنية جديدة لمحاربة "الإرهاب" تقوم على اعتقال الزوجات إن لم يُعثر على أزواجهم المطلوبين! وبالنسبة للخطة الأمنية الهزلية والكوميدية في الضاحية فهي لا تزال مستمرة أما توقيفاتها فتتم في طرابلس وصيدا!

العين اليوم على الجيش اللبناني وكيفية تعامله مع اعتداء الحزب الإرهابي على الأراضي السورية انطلاقًا من لبنان، هل ستكون على طريقة غضّه الطرف عن جحافل الحزب التي تستبيح الحدود ذهابًا وإيابًا كل يوم؟ أم سيتجاوز ذلك ليصبح ظهيرًا داعمًا للحزب الإرهابي وينخرط لصالحه في عمليات إسناد تورّط لبنان بجيشه وشعبه في معركة خارج حدوده يُستخدَم فيها أبناؤنا العسكريون كما سلاح الهبتَين السعودية والأميركية كرمى لمشروع الحزب وإيران والأسد؟ وهل سيدخل الصراع "العَوني" على قيادة الجيش في مجريات المعركة؟ لا شك أن الجيش أمام امتحان حساس والجواب عن الأسئلة رهن الأيام الآتية.

عبدو شامي

6/5/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


17-        خطر المحكمة العسكرية على الأمن القومي اللبناني

اسم بغيض الدلالة، سيئ الذكر، عديم الثقة، ذائع الصيت لكن بقذارة السمعة... إنها المحكمة العسكرية من جديد تتصدّر واجهة الأحداث بفضيحة جديدة تنضم الى أخواتها من فضائح العيار الثقيل في تاريخ هذه المحكمة الشاذة بوجودها وأحكامها.

28/8/2008، مروحية عسكرية تابعة للجيش اللبناني تتجرّأ على ارتكاب جرم وخيانة التحليق في أجواء تلة سُجُد في الجنوب اللبناني! العقوبة، إسقاط المروحية وتركيع ضابطها الطيار "سامر حنا" واعدامه ميدانيًا بدم بارد من قبل مجموعة من عناصر الحزب الإرهابي الذي تسلّم منذ عام 2000 راية احتلال الجنوب من الجيش الإسرائيلي. تساءل الجنرال "ميشال عون" مستنكرًا: "ماذا كانت تفعل الطوافة العسكرية في ذلك المكان"؟! وصلت الرسالة الدموية وسلَّم الحزب الإرهابي أحد عناصره المدعو "مصطفى مقدّم" الى القضاء العسكري حيث "كُرِّم" على جريمته بإطلاقه مجددًا في أدغال الإرهاب في 16/6/2009 أي بعد 9 أشهر من الاستضافة لدى المحكمة العسكرية وبكفالة مالية قدرها عشرة ملايين ليرة لبنانية، ولا شك أنه كان يدندن مع خروجه أغنية: تِسلم يا عسكر لبنان يا حامي استقلالنا!

4/8/2010، انجاز أمني-وطني لفرع المعلومات تمثّل بإيقاف القيادي في التيار العوني "فايز كرم" بعد توافر الأدلة الكافية لإثبات عمالته للعدو الإسرائيلي والتي استمرّت سنوات عديدة! ارتباك وسخط داخل تيار الجنرال عون والحزب الإرهابي المقاوم والممانع لا يلبث أن يهدأ مع انتقال العميل "كرم"الى الأيادي "الأمينة" ليكرَّم بدوره بحُكم تشجيعي-تحريضي على العمالة حيث قضت المحكمة العسكرية بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة به مدة ثلاثة سنوات وتخفيضها الى سنتين مع تجريده من حقوقه المدنية، وبما أن مدة التوقيف تحسب من مدة "العقوبة" وقد استُهلك أكثرها، خرج "كرم" الى ساحات الممانعة والمقاومة في 3/9/2011 وكل عميل وأنتم بخير.

9/8/2012، إنجاز تاريخي-أمني-وطني جديد لفرع المعلومات، الذي أوقف "إكسير" و"إيسانس" المقاومة والممانعة والعروبة "ميشال سماحة" بأدلة دامغة من تسجيلات ومضبوطات واعترافات منه مباشرة تدينه بنقل متفجرات من سوريا الى لبنان وتأليف جماعة إرهابية بأوامر من بشار الأسد نفسه وإشراف اللواء علي مملوك لإشعال فنتة طائفية سنية-مسيحية-علوية، وتصفية قيادات لبنانية دينية وسياسية داعمة للثورة السورية في شمال لبنان. من جديد الأيادي "الأمينة" دائمًا بالمرصاد، حيث أصدرت سماحة المحكمة العسكرية في 13/5/2015 حُكمها بتكريم "سماحة" باستضافته مدة أربع سنوات ونصف مع تجريده من حقوقه المدنية؛ وبما أن مدة التوقيف تحسب من الحكم سَيتصدّر "سماحة" بعد سبعة أشهر شاشات الإرهاب ليكمل رسالته المقاومتية-الوطنية المشرّفة متغنيًا بثلاثية "المقاومة والمقاومة والمقاومة" وانتصاره على مؤامرة "جورج بوش" و"ديك تشيني".

بصراحة طفح كيل اللبنانيين السياديين -خصوصًا أهل السنّة- من انحياز المؤسسة العسكرية بكافة فروعها من جيش ومخابرات ومحكمة عسكرية الى الحزب الإرهابي وحلفائه ومرتزقته على حساب لبنان وأمنه وسيادته وعلى حساب المؤسسة العسكرية نفسها. وليعذرنا المبجّلون اليوم بالجيش اللبناني على عدم تدخله في معركة القلمون، فمجرّد سماحه لجحافل الحزب الإرهابي باستباحة الحدود هو انحياز صريح للحزب ونعي للحيادية وتخلٍ عن الواجب تمامًا كما كان تخاذله عن نصرة مواطنيه وتجاهله لنداءات الاستغاثة التي أطلقها أهل بيروت والجبل لتخليصهم من اعتداءات الحزب الإرهابي في 7و11أيار2008 انحيازًا صريحًا وخيانة للقسَم لا يمتّان بصلة الى "الحكمة" و"الحيادية" التي سوّق لها يومها قائده "ميشال سليمان".

المحكمة العسكرية باتت اليوم خطرًا على الأمن القومي اللبناني بفعل أدائها الذي ينمّ عن التالي: 1- إذكاء النعرات الطائفية عبر تخفيف الأحكام وتشديدها وفقًا لطائفة المحاكَم، تساهل مع شيعة ولاية الفقيه وحلفائهم وتشدّد وظلم مع أهل السنة. 2- قتل وإهانة واستباحة هيبة المؤسسة العسكرية وهدر دماء أبنائها (جريمة سُجد نموذجًا). 3- تبديد إنجازات فرع المعلومات وتضييعها(كرم-سماحة). 4- التشجيع على العمالة لإسرائيل وإيران وبشار الأسد عبر أحكام تخفيفية حتى لو كان المخطط تفجير لبنان بكامله؛ كل ذلك متسامح به شرط أن يكون المتهم من جماعة الحزب الإرهابي وحلفائه، وإلا فتُهم الإرهاب وعقوبات المؤبد والإعدام جاهزة لغير ذوي الامتيازات.

نعود الى أصل الداء كي لا نهدر مزيدًا من الحبر على أعراضه، لبنان بلد محتل من إيران بواسطة حزبها الإرهابي وأحكام المحكمة العسكرية إحدى أدوات هذا الاحتلال ونتائجه، أما انبطاحية "المستقبل" وتنازلاته وإنكاره مع قوى 14آذار وجود هذا الاحتلال وعدم مواجهته دوليًا بل تغطيته بحكومات ائتلافية وحوارات إذلالية...فهي من أهم أسباب ترسيخ الاحتلال وتفرعنه وتماديه بجرائمه في لبنان وسوريا.

عبدو شامي

14/5/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


18-        صفقة الشيطانَين.. جدوى اقتصادية ممتازة وفرنسا شريك مضارب

خلال مفاوضات اتفاق-الإطار النووي بين الشيطانَين الأكبر والأخطر (أميركا وإيران) في 2/4/2015، برز الدور المتشدّد حيال إيران المُشكَّك في صدقيّتها والتزامها وهو التكتيك الذي سارت عليه فرنسا الساعية الى كسب ثقة الخليج، مقابل دور متساهل قادته أميركا المطمئنّة في تكتيكها الى وهْمٍ رسّخته هي لدى الخليجيين بأن لا قدرة لهم على مواجهة الفزاعة الإيرانية إلا من خلالها. استراتيجية واحدة لكن بتكتيكَين مختلفَين أثبتا نجاحهما في تحفيز البقرة الحلوب الخليجية على درِّ المزيد من حليبها الكامل الدسم عبر آلة الشفط الصهيو-أميركية الصنع إيران، ولم يحتج الاتفاق أكثر من 40يومًا ليثبت جدوى اقتصادية ممتازة لجميع أطرافه بشهادة الأرقام الآتية.

إيرانيًا، منذ الأسبوع الأول للاتفاق المبدئي وقبل الإفراج عن أكثر من 150 مليار$ من الودائع والممتلكات الإيرانية في الغرب بموجب الاتفاق النهائي المزمع توقيعه في 30حزيران، بدأت الاستثمارات الأجنبية تدق باب طهران؛ الرئيس التركي أردوغان كان أول قارعي الجرس حاملاً معه سلّة عقود واتفاقات ترفع التبادل الاقتصادي بين البلدين الى 30 مليار$ نهاية عام 2015. بدورها الصين بدأت محادثات لشراء مزيد من النفط الإيراني كما لتلزيم شركاتها مشروع تمديد أنابيب الغاز الإيراني الى باكستان. أما روسيا، فأعلنت عن المباشرة في تسليم طهران صواريخ أرض-جو (أس-300)، بناء على صفقة تعود لعام2007 حالت العقوبات دون تسليمها. ولا شك أن عدد الشركات الإسرائيلية المستثمرة حاليًا في إيران سيتضاعف وكذلك الشركات الأوروبية المتطلعة الى دخول السوق الإيراني الواسع.

سياسيًا، خطاب إيران بعد الاتفاق زاد عدوانية واستكبارًا، ما يشير الى الطابع الجيو-سياسي الحقيقي للاتفاق؛ ففي 18أيار أعلن "ظريف" إيران شرطيَّ المنطقة بقوله: ان "مناورات الجيش والحرس الثوري تجلب الهدوء والسلام والأمن لشعوب المنطقة". قائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري كشف في 8/5/2015 أن تدخلات إيران في اليمن وسوريا هي لـ"توسيع خارطة الهلال الشيعي في المنطقة والذي يجمع ويوحد المسلمين في إيران وسوريا واليمن والعراق ولبنان".أما رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية علاء الدين بوروجردي فنعت الملك السعودي في 14/5/2015 بـ"خائن الحرمَين الشريفَين والأمة الإسلامية".واستكمالاً لخلع تشادور التقية الذي لبسته طوال 35عامًا، تحولّت طهران في أيار2015 معرضًا عملاقًا للوحات الفنية العالمية التي حلّت مكان لوحات "الموت لأمريكا والموت لإسرائيل".

فرنسيًا، بدأ وزير الدفاع "لودريان" حملة تسويق للسلاح الفرنسي في الخليج؛ زار أولاً الإمارات للتباحث في رغبتها بشراء مقاتلات رافال الفرنسية؛ ثمّ عرّج على قطر حيث وقّع صفقة ضخمة بقيمة 6,3 مليار$تتضمن شراء 24 مقاتلة رافال مع مستلزماتها من صورايخ وتدريبات. وقد حلّ الرئيس الفرنسي "هولاند" -في سابقة- ضيف شرف على قمة مجلس التعاون الخليجي في 4/5/2015  حاصدًا أهم ثمار تكتيك فرنسا بالتشدُّد الشكلي حيال إيران أثناء مفاوضات الاتفاق النووي.

أميركيًا، ستُنقذ الكويت مصنع طائرات "أف18- سوبر هورنيت" التابع لشركة بوينغ الأميركية من تعليق انتاجه المقرّر بحلول 2017، فقد أُعلِن في 7/5/2015 عن عزمها طلب 28 مقاتلة من ذلك الطراز بقيمة 3 مليارات$، ما سيسمح للمصنع بمواصلة انتاج هذه الطائرات دون توقف. وزير الخارجية "كيري" مهّد لنتائج اجتماع أوباما بالقادة الخليجيين في "كمب دايفد" بالقول: "نعمل على بلورة سلسلة من الالتزامات الجديدة مع مجلس التعاون، هذا سيأخذنا الى أبعد بكثير مما ذهبنا إليه من قبل". وبالفعل جاء في بيان مشترك بعد القمة في 14أيار: "ان دول المجلس ملتزمة تطوير قدرة دفاع صاروخية باليستية بما في ذلك نظام إنذار مبكر بمساعدة فنية أميركية. وتتعهد واشنطن سرعة إمداد دول المجلس بالأسلحة وإرسال فريق إلى المنطقة خلال الأسابيع المقبلة لمناقشة التفاصيل".وستتنافس على تنفيذ هذه المنظومة كبرى الشركات الأميركية، كما سيجني "البنتاغون" كلفة تعزيز الالتزامات الأمنية بما تتضمنه من سلاح وتدريبات، علمًا أن موازنة السعودية الدفاعية عام 2014 فاقت موازنة إيران ست مرات لتبلغ 80 مليار$ معظمها أُنفق على السلاح الأميركي.

بيع السلاح هو المُخدِّر الذي تحقن به أميركا دول الخليج لطمأنتهم من تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة وإيهامهم أنها تقف الى جانبهم، علمًا أنها السبب الرئيس لصنع هذا النفوذ وتعاظمه؛ وما رفضُها توقيع اتفاق مكتوب في اجتماع "كمب دايفد" يلزمها الدفاع عن دول الخليج حال تعرّضها لهجوم إيراني، وما تشديدها المكتوب في بيان الاجتماع نفسه على عدم قيامهم بعمل عسكري إلا بعد مشاورتها (تأنيبًا لهم على ضرب إيران في اليمن)، إلا ضمانًا لاستمرار مخاوفهم من فزّاعتها وبالتالي بذلهم المزيد من الأموال على شراء حُقَن المخدرات والمهدّءات المصنّعة في أميركا.

عبدو شامي

21/5/2015 

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


19-        لبنان في قاعة انتظار عقد مؤتمره التأسيسي

الحدث المحوري الأساس هو الثورة السورية، فمنذ انطلاقتها ولبنان موضوع في قاعة الانتظار مصيره معلّق بمصيرها، كل ما يجري في سياسته الداخلية الدَجَليّة بجدارة والشعبوية بامتياز ما هو إلا تضييع وقت لا يقدّم ولا يؤخِّر في مستقبله المتوقف على الحدث السوري الحتمي، أي موعد فرار الأسد الى روسيا أو إيران.

فبقرار دولي، الحرب ممنوعة في لبنان المحتل من العدو الإيراني على الأقل حتى انتهاء النزاع السوري، ووظيفته لا تعدو اليوم عن مخيِّم لاجئين عشوائي الانتشار وعملاق المساحة، 10452 كلم2 مخصصة لإيواء الفارِّين من البلدان المنكوبة في المنطقة على اختلاف جنسياتهم ودياناتهم وأعراقهم واللبنانيون بينهم هم الأقليّة!

وفيما ثوار سوريا المتخمون بالخذلان العالمي وبالطعنات الأسدية والإيرانية والداعشية يقتربون من رقبة "بشار"، يمضي لبنان أوقاته في قاعة الانتظار يمرّر أوقات الملل بحوارات عبثية، أوّلها إذلالي ومستمر رغم كل الإهانات والتهديدات المباشرة بين رمز الانبطاحية الأزرق ورمز الإرهاب الأصفر، وثانيها حوار الجنرال والحكيم تمخّض عن زيارة الأخير المفاجئة للرابية في 2حزيران للتوقيع على ورقة إعلان نوايا بين الرجلّين رسمت علامات استفهام كثيرة، فالنوايا التي تضمّنتها عبارة عن حَشْوٍ وبديهيات ولزوم ما لا يلزم، لا يُعَوَّل عليها في شيء لأن عون وجعجع ضدان لا يلتقيان إلا إذا ذهب الحكيم الى إيران أو عاد الجنرال الى لبنان، وطالما أن أيًا من الشرطين لم يحدث وطالما أن الجنرال لا همّ له سوى توزيع مناصب الدولة على أفراد عائلته في "الجمهورية العونية الإيرانية" أيًا كان الثمن... لا يسعنا إلا أن نعتذر من جميع المهلّيلين لتلك النوايا والمعوِّلين عليها فهي جزء لا يتجزّأ من تضييع الوقت الذي يبقى سيّد الموقف. من جهته بطريرك الموارنة الذي يتحمل مع الحزب الإرهابي و"عَونه" مسؤولية الفراغ الرئاسي... ماض في ترجمة "الشركة والمحبة" بأرقى معانيها وهذه المرة عبر تمضية "ويك أند" دعائي لسفّاح العصر "بشار الأسد" في دمشق المحتلة يُستخدم فيه المسيحيون أداة لتليمع صورة مضطهد البشرية الأول في قمّة مسيحية لبحث أوضاع المسيحيين في الشرق... كل ذلك وسط صمت معيب وتبرير مرفوض من ساسة 14 آذار لاسيما الموارنة منهم!

بدوره، الحزب الإرهابي ماض في عملياته الفتنوية، وآخرها الإعلان عن تشكيل "لواء القلعة" في البقاع الشمالي تحت قيادة تاجر المخدرات الشهير "نوح زعيتر" بذريعة قتال التكفيريين وحماية بعلبك والقرى الشيعية، الأمر الذي أعاد نبش حقبة سوداء في التاريخ الإسلامي شهدت تأسيس فرقة "الحشّاشين" الاسماعيلية الشيعية على يد الحسن بن الصباح الذي اتخذ من "قلعة الموت" في بلاد فارس سنة 1090م مركزًا لنشر دعوته الضالة وغسل أدمغة أتباعه عبر مخدّر "الحشيشة" وترسيخ أركان دولته. توسّل الحشاشون أساليب احتراف القتل والاغتيال لأسباب سياسية ودينية متعصبة (ومن تسميتهم أخذ الأوروبيون كلمة assassin  للدلالة على القاتل المحترف المأجور أو القتل خلسة وغدرا). فهل من رابط بين تسمية "لواء القلعة" و"قلعة الموت" معقل الحشاشين في فارس؟!     

سنة على شغور منصب رئاسة الجمهورية، مجلس نيابي مشلول ومخطوف، حكومة معطلة، تناحر على التعيينات الأمنية والادارية، تناتش على الحصص والمحاصصة، تعدٍ وتسلبط من خاطفي الطائفة الشيعية على مناصب من حصة المسيحيين والسنة، تمديد لمجلس النواب عند كل استحقاق انتخابي، وتمديد آخر للمناصب الأمنية الحساسة لتعذّر التوافق على تعيينات... والسؤال ماذا بقي من الديمقراطية، وماذا بقي من دستور الطائف؟!

الحزب الإرهابي يمضي اليوم آخر أيامه الدموية في سوريا، وهو لا شك عائد الى لبنان صاغرًا مهزومًا مدحورًا بما تبقى له من إرهابيين لم توفّق الإنسانية بالارتياح منهم هناك، ولا شك أن الحزب سيبحث عن تعويض عن خسارته سوريا الأسد من خلال وضع إمكاناته الإجرامية كافة في سبيل جلب جميع مكونات لبنان نحو مؤتمر تأسيسي ينال فيه بعضًا مما يُرضيه ويُعزّيه وبعضًا مما كان يضطر الى فرضه بقوة السلاح... والى ذلك الحين لبنان في قاعة الانتظار مهما أعلن ببغاوات 14 آذار رفضهم القاطع للتخلي عن الطائف متسائلين بسذاجة: كيف نتخلى عن الطائف فيما دول المنطقة تبحث لها عن طائف مماثل ينظم شؤونها؟ ففي نهاية المطاف الأمر الواقع سيفرض نفسه وكما وافق الموارنة بعد الطائف على ما كانوا رافضين إياه قبل ذلك... ستوافق اليوم جميع الطوائف على ما سيتم جرّها إليه، جميعها بما في ذلك الطائفة الشيعية المخطوفة من الحزب الإيراني بالتعاون مع 14آذار الشريكة في الجُرم من خلال التودُّد والتقرُّب من "نبيه بري" وتهميش المعارضين الشيعة الأحرار الذين بيدهم وحدهم إنقاذ لبنان وقلب المعادلة بالثورة على الحزب الإرهابي.

عبدو شامي

14/6/2015             

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


20-        لمشنوق أمام خيارَين.. الاستقالة أم الاستقالة

عجيب أمر الطائفة السنية في لبنان؛ كبرى طوائف البلد، نحو مليون ونصف المليون إنسان معظمهم من المتعلمين والمثقفين، فيهم الشجعان والأذكياء والحذّاق والأتقياء وأصحاب الدِّين الذين يخافون الله في أنفسهم وأهلهم ووظائفهم ووطنهم، يشهدون للحق والحقيقة ولا يخافون لومة لائم... مع ذلك  لم يجد هؤلاء مَن يتزعّمهم ويدّعي تمثيلهم على عظم كفاءاتهم ووفرة رجالاتهم إلا تيارًامنبطحًا، وآخر فضائحه عمليات تعذيب مرفوضة بكافة المعايير الدينية والأخلاقية والإنسانية يتعرّض لها السجناء والمعتقلون في سجن وزارة تابعة ولو ظاهريًا للتيار الأزرق.

منذ نحو ثلاثة أشهر خرج علينا شانق الحقيقة بمؤتمر صحافي دافع فيه بشدة عن حُسن المعاملة التي يتلقاها المعتقلون والسجناء الإسلاميون في سجن رومية، وزعم مستعينًا ببعض الصور والأرقام والتقارير "كشف كل الحقائق حول المغالطات والمبالغات التي سادت بعض التصريحات" وقصد بها نفي صحة كل ما رواه أهالي هؤلاء مِن تعرّض أبنائهم لعمليات ضرب وإهانة وتعذيب وإذلال أثناء الحوادث التي شابت السجن. بات الرأي العام أمام خيارَين، تكذيب الأهالي وتصديق الوزير أو العكس... لم نصدّق الوزير ولو للحظة لأننا لا نشك في صدقية ومظلومية مَن نعرفه من الأهالي، فيما لا صدقية عندنا البتّة لمن يبدّل خطابه قبل المنصب وبعده كون "روما من فوق غير روما من تحت"، كما لا ثقة لنا بمن يصادق القائد الميليشيوي وفيق صفا ويشركه في اجتماعات الأجهزة الأمنية الرسمية اللبنانية ويُجلسه على مقعد أحد ضحاياه اللواء الشهيد وسام الحسن... ولا تقدير عندنا للمستقوي على أبناء طائفته في الأوزاعي وسواها خصوصًا مَن لا يعرفون منهم مع مَن يتكلّمون..

صبيحة الأحد 21/6/2015 استيقظ اللبنانيون على أفلام مسرّبة تؤكد رواية الأهالي وكذب ودجل رواية الوزير الذي لا يخلو وضعه من احتمالين: إما أنه كان يعرف جيدًا ما يُرتكب في سجون وزارته من ممارسات لا إنسانية يندى لها الجبين ومع ذلك طمس الحقيقة وتستّر عليها وشارك في الجريمة؛ وإما أن تكون تلك الجرائم التي تطال السجناء خافية على وزيرنا القبضاي وبنى على معطياته الخاطئة مضمون مؤتمره الصحفي؛ الكارثة أنه في كِلا الاحتمالَين لا يستحق هذا الوزير أن يكون وزيرًا وأن يتابع مهامه "الصَحَوية" أو "الغَفَويّة" على رأس وزارته!

سجناء بالسراويل الداخلية فقط، عراة الصدور يتلقون الضرب والتعذيب والشتائم والسب للذات الإلهية، والمرتكبون المجرمون ليسوا غرباء على وزيرنا القبضاي فهم من أهل الوزارة وعناصر أمنية باعترافه وإن كانت ملامحهم على ما يبدو أشبه بعناصر ميليشيا صفا بلحاهم القذرة ووجوههم المظلمة وزيّهم الميليشيوي وملفظهم البغيض يفجرون جام حقدهم الطائفي على المعتقلين من أهل السنة الذين تبيّن بما لا يقبل الشك أنهم ليسوا معتقلين من قبل الدولة إنما هم معتقلو الحزب الإرهابي المودعون على سبيل الأمانة في سجون الدولة.

فضيحة ما بعدها فضيحة إن كان الوزير جاهلا، وتواطؤ ما بعده تواطؤ من "صقور" تيار الصحوات الأزرق مع إرهابيي الحزب الأصفر في اضطهاد لا يخلو من الصبغة الطائفية إن كان الوزير عالمًا عارفًا بخصوصيات سجونه؛ فهل وصلنا الى زمن يحلو فيه للبعض البقاء في السلطة وتقاسم قالب الحلوى على أنين وصراخ وأوجاع طائفة بأكملها ومعتقلين منهم الأبرياء حتى المرتكبين منهم ممنوع معاملتهم قانونًا بتلك الفظاعات؟

جانب ذو دلالات خطيرة حملته ردات فعل الرأي العام على الأفلام المسرّبة وخصوصًا المعني الأول بها: الطائفة السنية التي بدأت تضيق ذرعًا بأداء التيار الذي يزعم تمثيلها ويلغي سواه باحتكاره الاعتدال، فكثير من أهل السنّة صبّوا جام غضبهم على الوزير وتياره وزعيمه الذي على ما يبدو يفضل قيادة تياره ومن لا يزالون مقتنعين به عبر وسائل التواصل الإجتماعي من سكايب وفايسبوك وتويتر ولا نملك رقم جوّاله لنعلم إن كان يتواصل أيضا مع قاعدته الشعبية عبر الواتساب، ولا يزور لبنان إلا لأيام معدودات عندما يبلغه فرمان الإجازة الملكية؛ فهل بدأت تترسخ في ذهن هؤلاء المضطهدين فكرة أن من يضطهدهم ويذلهم بأدائه الانبطاحي هو التيار الأزرق وليس الحزب الإرهابي الذي ببساطة وَجَد من يُعينه عليهم باسمهم وبهويتهم وبانتمائهم الطائفي فلم يقصّر في تفريغ حقده الطائفي في أحد فصول الحرب السنية-الشيعية أو بعبارة أدق الحرب الشيعية الولاية فقيهية المعلنة على أهل السنة في كافة بلدان المنطقة؟!

سؤال خطير لا شك، وتبقى الحقيقة المرة التي يكابر في نفيها البعض أن تيار المستقبل بسياسته الانهزامية لم يكتفِ بتدمير قوى 14آذار وإيصالها الى الحالة المأسوية التي تعيشها الآن، أنما بدأ يدفع باعتداله المشوّه المزعزم والموهوم بعض أبناء طائفته نحو التطرّف. 

عبدو شامي

22/6/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


21-        آخر أيام الجمهورية الثانية

لا يزال لبنان عالقًا في قاعة الانتظار يملأ سياسيّوه الأوقات الضائعة بسجالات وعنتريّات وابتكارات دجلية فارغة ريثما يعود الحزب الإرهابي من سوريا فيَدخل ويُدخِل معه الجميع الى قاعة انعقاد المؤتمر التأسيسي-التدميري الذي سينقل لبنان من الجمهورية الثانية الى الجمهورية الثالثة؛ وهو المخطط الذي عبّر عنه الحزب بخجل في "مؤتمر سان كلو" بفرنسا عندما طرح المثالثة عام 2007 مواربة على لسان الإيرانيين، قبل أن يعود ويكشف هدفه بوضوح في 1/6/2012، عندما دعا أمينه العام الى: "عقد مؤتمر تأسيسي أو إلى مجلس خبراء جديد". وتساءل "ألا نستأهل نحن كلبنانيين ذلك قبل أن نصل إلى المدافع؟".

الحديث عن هذا المؤتمر كحقيقة واقعة غدًا أو بعد غد ليس محض توقعات، فالحزب الإرهابي صاحب النصر الإلهي والإلزامي والحتمي الدائم في جميع معاركه سواء الوهمية منها مع إسرائيل أوالحقيقية منها في سوريا سيعود مهزومًا مدحورًا من الوحول السورية الى لبنان بالظروف والنتائج التالية: آلاف الإرهابيين المحمّلين جثثًا هامدة في صناديق صفراء وأضعافهم من الجرحى والمعاقين، كامل الرقعة السورية بما فيها المقامات المصنّفة شيعية باتت تحت سيطرة الثوار الأبطال وإرهابيي داعش الأشرار، سوريا خرجت بالكامل من نير الاحتلال الفارسي ومن يد الأسد الذي فرّ الى روسيا أو إيران وربما إسرائيل، جرائم الحزب الإرهابية ضاعفت عليه الأحقاد وستفتح عليه باب الثارات... في لحظة العودة هذه ماذا سيقول الحزب لشعبه؟ وكيف سيخترع انتصارًا؟ وأنى له أن يسوّق لهكذا انتصار؟! الجواب باختصار: تدمير لبنان دستورًا وصيغة ورسالة سيكون هو الانتصار!

حرص الحزب الإرهابي على تأمين طريق عودته الى لبنان منذ بداية حربه على سوريا عبر الإمعان في تفشيل وضرب دستور الطائف وشل مؤسساته بواسطه حَقنِه بسُمّ قاتل أصفر غني عن التعريف وأخضر (نبيه بري) وبرتقالي (ميشال عون) بطيء السريان ينخر جسد النظام اللبناني مستفيدًا من المناعة المعدومة التي يمثلّها الأداء المخزي لما يسمى تَفَكٌّهًا "تحالف" قوى 14 آذار المهيمَن عليه من "تيار المستقبل"، ومستغلاً كذلك شبق الأخير للسلطة ولو كان المنصب "صحوات"، لتكون النتيجة الماثلة أمامنا اليوم، سنة وشهرين على شغور رئاسة الجمهورية تحت شعار الجنرال البرتقالي أو لا أحد، مجلس نواب ممدَّد له مرتين ومعطل بواسطة مايسترو إدارة التعطيل الصديق الودود لـ14آذار والذي أشاد الحريري في 12/7 "بجهوده لتفعيل العمل التشريعي"!! نبيه بري، ومجلس وزراء مكربَج خاضع للعُطَل القسرية العونية تارة لشهر وتارة لأسبوعين والعناويين الشعبوية حقوق المسيحيين وصلاحيات رئيس الجمهورية وتعيين الصهر قائدًا للجيش... ضربة قاضية ممنهجة للديمقراطية والحياة السياسية لن ينتظم سير الحكم بعدها إلا بدستور جديد.

بعد إثبات الحزب بفعل الأمر الواقع فشل اتفاق الطائف في تسيير أمور الدولة وانتظام عمل مؤسساتها وآلية حكمها، نفّذ أول استعدادات عودته الفعلية من سوريا الى لبنان في 9/7/2015، حيث تم اختبار مدى فاعلية الدخان البرتقالي في حجب الرؤية عن مشهد الاندحار المُذِل، فتوزعت النتيجة بين نجاح وفشل: من جهة أولى ثبت فشل الدخان البرتقالي من حيث الكثافة في حجب الرؤية فقد كان أقرب الى الشفافية المطلقة بتحرّك شعبي خجول تُرجِم في الرابية بهستيريا من المراحل المتقدّمة لم تجد معها جهة تفجِّر فيها جام حقدها وألم خذلانها إلا قناة "MTV"حيث صدرت الأوامر العسكرية بمنع دخولها الى قصر رئاسة جمهورية الأوهام العونية في الرابية؛ ومن جهة ثانية نجحت البروفة في رفع منسوب حقد العونيين الموتورين والمتطرفين طائفيًا على السنّة وعلى الطائف وهو ما استغله الجنرال لطرح الفيدرالية وان تراجع عنها بعد ساعات، كما أثبت نجاح توقيع ورقة النوايا مع القوات في تحييد هؤلاء عن التصويب على حفلة الجنون البرتقالية حيث تفادى الحكيم أي تعليق!

لن يعجز الحزب عن إيجاد دخان بكثافة مناسبة لحجب الأنظار عن مشهد عودته من سوريا، أما الانتصار فسيكون بالمثالثة وباستحداث منصب "نائب رئيس" للجمهورية من الطائفة الشيعية وتكريس شيعي على مديرية الأمن العام على حساب الموارنة وكذلك تثبيت بقية الشيعة المفروضين في المناصب المعتدى عليها والمسروقة من حصة السنّة والمسيحيين، كما سيكون الانتصار بقَونَنة ما كان يستحصل عليه الحزب بغلبة السلاح عبر مواد دستورية كالنص على ثلث معطّل إلزامي في كل حكومة تشكّل يكون من حصة الفريق الخاسر في الانتخابات التي ستصبح شكليّة وهزلية في ظل الديمقراطية التوافقية حيث لا فرق في النتائج بين أكثرية وأقلية... عندئذ لا مانع من تسليم بعض السلاح الثقيل للجيش إنقاذًا لماء وجه حالفي الأيمان المغلّظة بالحفاظ على المناصفة والطائف كي يقولوا للسذّج من شعبهم عادت حصرية السلاح للدولة.

عبدو شامي

13/7/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


22-        الجمهورية الثانية.. ختامها نفايات

نهاية الجمهورية الثانية، مشهد درامي-تراجيدي منطقي ومتوقّع مِن كاتب سيناريو تفشيل الطائف وتدمير الجمهورية الثانية وصولاً الى جرّ البلاد نحو مؤتمر تأسيسي يتمخّض عنه دستور مسخ تكون فيه الأفضلية والامتيازات للطائفة الشيعية المخطوفة على حساب بقية المكونات اللبنانية في زمن تخلى فيه الشيطانان الأكبر (أميركا) والأخطر (إيران) عن إخفاء زواجهما السري الذي دام 35 عامًا ليقولا الـ"نعم" الملعونة أمام الملأ في "فيينا" حيث أشهرا زواجهما وتعانقا علنًا في حفل توقيع الاتفاق الجيو-سياسي والنووي النهائي في 14تموز2015.

مؤسسات الدولة الدستورية الميتة دخلت طور التحلُّل، فبعد الإجهاز المُمَنهج على الرئاسة الأولى ومجلس النواب حيث اغتيلت الديمقراطية مرارًا بالتمديد وتمديد التمديد، ها هو مجلس الوزراء المشوّه منذ الولادة حيث يخفق نبض "الجمهورية الرمزية" الأخير وإن على وقع التعطيل والعطل العونية الشعبوية القسرية يعدُّ أنفاسه الأخيرة التي تتسابق على إنهائها كلٌ مِن استقالة رئيس الحكومة "تمام سلام" التي لوّح بها تحت ضغط التعطيل المتكرّر والفضائح الوزارية، والتطورات على الساحة السورية التي ستُعيد الحزب مدحورًا الى لبنان، واستحقاقات أيلول التفجيرية ولا سيما منها تعيين قائد جيش من خارج البيت العوني أو التمديد للقائد الحالي...

إنه الفصل الأخير من الرواية البائسة للجمهورية الثانية التي لم تجد ما يليق بخاتمتها أجمل ولا أرقى من النفايات التي نمت وتكاثرت كالفطر على أرصفة شوارع مدن لبنان وعاصمته قبل أن تصبح خلال ساعات على انتهاء العمل بمطمر الناعمة تلالا وجبالا تُهين المواطن وتشوّه المنظر وتبث الأمراض والأوبئة لفرض شركة معيّنة بحكم الأمر الواقع وللإجهاز على شعب لا يتعلّم ولا يريد أن يتعلّم من خطأه في انتاج واعادة انتاج الطبقة السياسية نفسها التي جلبت عليه الويلات ولم تكتف بمص دمائه من خلال تقاسُم وتحاصُص موارد الدولة لتمتص معها نفاياته ذات الموارد المالية الضخمة التي يغفل عنها كثيرون باستثناء رجال الأعمال الوصوليين والمتنكّرين ببدلات رسمية سياسية ينفذون بها الى أماكن القرار حيث يستغلون مناصبهم مطيّة لعرقلة المناقصات القانونية وزرع الألغام في دفاتر الشروط لتفشيلها بغية فرض شركة نفاياتاتهم الخاصة وتأبيد عقودها ذات المبالغ المضاعفة عن المتعارف عليه دوليًا لإنهاك خزينة الدولة واحتكار الهيمنة على  ثرواتها بما فيها النفايات!

نتانة جبال النفايات المتراكمة التي حوّلت لبنان الى مزبلة عشوائية عملاقة عكست بلا شك نتانة حكومة "المصلحة الحزبية" المسماة زورًا "المصلحة الوطنية"، وهل لشجرة العلَّيق أن تُثمر عنبًا؟! حكومة تشكّلت على دماء الوزير الشهيد "محمد شطح" وما تراكم قبله من دماء زكية مهدورة وعلى وقع الانطلاقة المدوية والمبهرة للمحكمة الدولية التي عرّت المجرم في جلستها الافتتاحية، وعلى مبدأ الطعن في الظهر والتراجع عن العهود والنكث بالوعود والحنث بالأيمان التي أَتخم بها التيار الأزرق شعبه على مدى ثلاث سنوات أمضاها خارج جنّة الحكم متظاهرًا بعدم الأسف والندم ورافعًا أسقف العودة وشروطها لتكون النتيجة عند أول فرصة تسنح للعودة تغطية الحزب الإرهابي في احتلاله لبنان وإرهابه في سوريا ومناصب صحوية لاسيما في وزارة الداخلية، فضائح مدوية أقل ما تستوجبه الإستقالة، لكن أنّى لعديم المسؤولية ولمن لا يملك قراره ولصاحب الشبق السلطوي ولو على حساب أهله أن يستقيل ويطرد نفسه بنفسه من جنّة الحكم؟! حتى "حلول" فضيحة النفايات التي وفّرها "المشنوقان" وزيرا الداخلية والبيئة مدعومَين من التيار الأزرق ومن منتحلي صفة تمثيل العاصمة إنما أتت على حساب المناطق ذات الأكثرية السنيّة لطمرها فيها، وجاءت أم الفضائح باقتراح (رشوة) مدعوم من الرئيسَين الحريري وسلام يقضي بطمر النفايات في عكّار مقابل إنشاء فرع للجامعة اللبنانية فيها!!

"الشعب اللبناني يحصد اليوم في براميل الزبالة ما زرعه بالأمس في صناديق الاقتراع"، جملة معبِّرة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ولا شك أن الغرض منها توعية الشعب الى حسن اختيار ممثليه في أي انتخابات قادمة أملاً في إحداث تغيير... لكن هل من انتخابات بعد في لبنان حيث اعتاد النواب انتخاب أنفسهم؟!

احتضار البلد وإشهار الزواج الشيطاني الأميركي-الإيراني وما سينتج عنه من تسوية غالب ومغلوب في لبنان لمصلحة الحزب الإرهابي والطائفة التي يحتكر تمثيلها تعويضًا عن خسارته عمقه الاستراتيجي السوري وانكسار هلاله الفارسي... لن تزيد المستنقع اللبناني إلا نتانة في بلد متخم بالنفايات المادية والمعنوية، بلد لا يقل فيه شعار "لبنان أولاً" زيفًا وزورًا عن شعارات "المقاومة" و"الممانعة" و"حقوق المسيحيين" التي تصيح بها الدِّيَكة صباح مساء كلٌّ على مزبلته.

عبدو شامي

27/7/2015      

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


23-        تحت طاولة اتفاق الشيطانَين

بدءًا من 14تموز2015، تاريخ توقيع الاتفاق التاريخي بين إيران والدول الست العظمى ومنطقة الشرق الأوسط المنهكة بالحروب والدماء في حالة ترقب لكيفية انعكاس "اتفاق الشيطانَين" (الأكبر والأخطر) عليها...

بعيدًا عن الدعاية المضخمة الصهيو-إيرانية المشتركة ذات الأبعاد والأهداف المتقاطعة والتي تريد تعميم انطباع لدى الرأي العام بأن الاتفاق يزيد من خطر إيران النووية على العالم وإسرائيل... يجد القارئ بتأنٍ لبنود اتفاق "فيينا" أنه قضى على آمال إيران النووية على الأقل لمدة 15 عامًا من تاريخ توقيعه خصوصًا لناحية نصّه على تفكيك مفاعلات وتقليص قاس لعدد أجهزة الطرد المركزية، والرقابة المشددة التي تتجاوز السيادة الإيرانية على منشآتها... الى ما هنالك من بنود صارمة تجعل من دفاع "أوباما" عن اتفاقه والمدعوم بشهادة عشرات الخبراء النوويين أقرب الى الصحة من المبالغات الصهيو-إيرانية التي تضع الاتفاق في خانة الانتصار الإيراني نوويًا؛ لكن هل يعني ذلك أن إيران ما بعد الاتفاق أضعف من إيران ما قبله؟

بالعقل والمنطق نسأل: هل يمكن لإيران أن تقايض الإفراج عن 150 مليار دولار من أموالها المجمدة مع رفع العقوبات عن أبرز شخصياتها الإرهابية وفي مقدمتها "قاسم سليماني" وعن قطاعاتها النفطية والاقتصادية... مقابل التخلي عن طموحاتها النووية والمرحلة المتقدّمة التي وصلت إليها والتي أنفقت عليها أضعاف أموالها المجمّدة وجعلتها جزءًا لا يتجزّأ من أمنها وفخرها القوميَين؟!

في قناعتنا أن الإجابة هي لا بالطبع، فبعيدًا عن مسرحيات "نتنياهو" و"نجاد" وسواه من القادة الموتوريين الإيرانيين، النووي الإيراني متفَق على وجهة استعماله ضمنيًا بين إسرائيل وإيران ولو كان يشكّل أدنى خطر على الأمن القومي الإسرائيلي لجرى تدميره في بداية عهده كما تمّ التعامل مع المفاعل العراقي... وبضم هذا الاعتبار المهم الى السؤال الاستنكاري المطروح آنفًا من المرجّح أن نكون أمام اتفاق عنوانه نووي لكن بمضمون جيو-سياسي يلبّي أطماع إيران التوسعية في الهيمنة على المنطقة وتصدير الثورة الدموية الإرهابية الخمينية المترعرعة على الأراضي الباريسية بحيث يجعل من إيران تؤجل حلمها النووي على الأقل 15عاما مقابل هندستها منطقة أطماعها ونفوذها بالتعاون مع السياسة الصهيو-أميركية.

الاتفاق الجيو-سياسي ذو الواجهة النووية عاد بالنفع الفوري على كافة أطرافه، فأميركا وفرنسا رأسا حربة المفاوضات حصدتا مليارات الدولارات من صفقات الأسلحة مع دول الخليج التي زاد الاتفاق من فزعها من الشرطي الإيراني الذي بات بإمكانه العربدة في المنطقة مُعتمرًا تارة الخوذة الزرقاء أو واضعًا شارة الاتحاد الأوروبي أو حتى العلم الأميركي ونجمة داوود... كيري جال على دول الخليج وحصد ما فيه النصيب، الملك السعودي زار فرنسا شاكرًا ومصطافًا وقدّم ما تيّسر، بدورهم وزراء الاتحاد الأوروبي بدأوا بالتوافد مع جيوشهم من رجال الأعمال لزيارة إيران، هذا البلد الديمقراطي المسالم، رافع لواء حقوق الإنسان في المنطقة والمناهض لجميع أشكال العنف والتمييز خصوصًا ذات الخلفية الطائفية والعرقية والمذهبية، وحامل رسالة المحبة والسلام لشعبه كما لكافة شعوب المنطقة!!

وفيما يبدو من انعكاسات الاتفاق النووي، تشهد الأزمة السورية حركة دبلوماسية غير مسبوقة، اجتماعات سعودية-روسية-أميركية مشتركة واجتماعات مماثلة مع أركان الإرهاب الأسدي كان أبرزها استقبال "مملكة الخير" للإرهابي الأسدي اللواء علي مملوك... تركيا باشرت بموافقة أميركية الإعداد لمنطقة عازلة داخل الأراضي السورية؛ والملاحظ أن الحلول تدور حول إبقاء موطئ قدم لإيران في سوريا الجديدة، وهو ما عبّر عنه صراحة "عبد اللهيان" نائب وزير الخارجية الإيراني بقوله: "ان الأزمات في المنطقة لن تحل إلا في شكل سياسي على قاعدة رابح رابح".

لبنانيًا، نضح إناء الحكومة بما فيه فغرق البلد بالنفايات، مرّ التمديد للقادة العسكريين بصيغة قامت عليها قيامة "جنرال الرابية" وهي صيغة ما كانت لتمرّ لولا موافقة حليفه الحزب الإرهابي، مع ذلك ولدواع شعبوية بحتة لا بد من استعراضات وعراضات بهلوانية برتقاليةفي الشارع تحارب الطواحين. وريثما ينضح الحل السوري سيبقى لبنان في قاعة الانتظار على قاعدة أن أي مكسب للسنّة في سوريا لا بد أن يقابله مكسب للشيعة في لبنان؛ في تلك الأثناء يغرق تجار الهيكل بتناتش حصصهم من قالب النفايات، وسيكتب التاريخ أن التيار الأزرق أغرق لبنان بالنفايات فيما أغرقه الحزب الأصفر بالإرهاب والدماء، وأغرقته الحركة الخضراء باغتيال مجلس النواب، أما التيار البرتقالي فأغرقه بالعتمة الكهربائية والفراغ الرئاسي وقضى على ما تبقى من حقوق للمسيحيين... ولا داعي لذِكر بكركي فراعيها لا محل له من الإعراب.

عبدو شامي

11/8/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


24-        الخطأ الكبير الذي ارتكبه الأسير وأدى الى توقيفه

15آب 2015، وبعد عامين على معركة عبرا، جهاز الأمن العام ينجح في توقيف الشيخ أحمد الأسير في المطار أثناء محاولته مغادرة البلاد متنكَّرًا وبأوراق مزورة.

حدَثٌ من الأهمية بمكان نجح في خرق ستاتيكو أزمة النفايات التي لا يزال لبنان غارقًا في مكبّها ونتانة روائحها السياسية، كما خرق أجواء نوبات الهستيريا العونية التي كشفت عن ثقافة حقد طائفي دفين وكراهية متغلغلة في نفوس مريضة تُرجِمَت برفع يافطات تصف التيار العلماني-اللاديني (وإن ادعى تمثيل السنّة) تيار المستقبل بـ"الدولة الإسلامية-إمارة لبنان" في إشارة الى "داعش" وفي استخدام وَقِح لأدبياتها المزوّرة وهو إقرار عوني بأن التنظيم الإرهابي يمثل الإسلام ودولته!!، وكفى بذلك إساءة الى الإسلام والمسلمين؛ والسؤال: إذا كان التيار الأزرق داعشيًا على انحلاله بالمفهوم السياسي (وحتى الديني مقارنة بتعاليم الإسلام المعتدل)، فبماذا يصنف العونيّون دار الفتوى أو حتى الجماعات والجمعيات الدينية السنيّة؟! الإجابة (ما لم يعتذر العونيون عن جريمتهم) تقودنا الى أحد أهم القواسم المشتركة في التحالف البرتقالي مع الأسد وإيران وحزبها الإرهابي في لبنان، ألا وهو الحقد على السنّة (علمانيين ومتدينين) بعدما تأكّد أننا في صميم حرب سنية-شيعية تديرها ولاية الفقيه.

بالعودة الى حدَث الساعة، فقد استدعى ليس فقط تهنئة مختلف الأحزاب السياسية لجهاز الأمن العام إنما تنويهًا عجيبًا من رئيسَي الأركان والموساد الإسرائيليَين اللذَين رفعا التحية للأمن العام على انجازه بتوقيف الأسير معتبرين أن الجهاز اللبناني تفوّق على جهاز الموساد في هذه العملية، وهي تحية تُرفَع للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل على الإطلاق وليس بشأن لبنان فقط. أكثر التعليقات صراحة وواقعية كانت من نصيب حكيم ثورة الأرز (المغتالة حريريًا)، فقد سأل الدكتور سمير جعجع بعد أن "هنّأ الأجهزة بالانجاز الأمني الكبير": "كيف تمكنت هذه الأجهزة من اعتقال الأسير رغم تنكُّره الكامل بينما لم تتمكن من اعتقال قتلة هاشم السلمان وصبحي ونديم الفخري رغم أنهم معروفون تمامًا ولم يتنكروا يومًا؟". الجواب على سؤال الحكيم أتى من اللواء عباس ابراهيم حيث دعا المنتقدين "الى العودة الى وطنيتهم بعيداً من الحساسيات. فهذا موضوع وطني بامتياز له علاقة بالشهداء، ودم اللبنانيين لا يذهب هدرًا، وأي قاتل لم يتم توقيفه اليوم بالطبع سيتم توقيفه غداً".

بين واقعية الحكيم وشاعرية اللواء ابراهيم المتنكِّرة للواقع، الحق واضح والحقيقة ناصعة البياض وإن عكست الواقع الأسود، الخطأ الاستراتيجي الجسيم الذي وقع به الأسير وأدى الى توقيفه ليس اختياره الفرار عبر المطار الدولي ولا الأوراق المزورة إنما عدم انتسابه الى الحزب الإرهابي أو الى أي ذراع من أذرعه المسلحة مما يسمى "سرايا مقاومة" أو سواها من الأحزاب السياسية الحليفة المنضوية في خط مقاومة قيام الدولة اللبنانية وإلحقاقها بالامبراطورية الفارسية المتفتتة وإبقائها تحت نير الاحتلال الإيراني الغاشم والغطرسة الولاية فقيهية المدعومة أميركيًا.

ببساطة متناهية، لو قدّم الأسير أوراق انتسابه الى خط ولاية الفقيه لاستطاع الافلات من وجه العدالة التي لن تعثر عليه ولو بـ300 سنة من البحث والتحري ولرُفِع الى مراتب القديسين وأشرف الناس رغم قتله رفيق الحريري وخيرة قادة لبنان وإن كان  معروفًا بالشكل والاسم والعنوان. لاستطاع أيضا اجتياح بيروت والجبل وقتل عساكر الجيش في معركة "كمين عبرا الإيراني" وسواها دون ملاحقة، مع التذكير بأن نائب الحزب الإرهابي نواف الموسوي منع ممثلي قيادة الجيش من الاجابة خلال جلسة المساءلة النيابية على أسئلة نواب المستقبل المحرجين أمام بيئتهم من الصور والأفلام التي أظهرت الحزب الإرهابي يقاتل جنبًا الى جنب مع الجيش اللبناني في عبرا، ثم مَنع الجيش من المشاركة في الجلسة اللاحقة. الأسير "مقاوِمًا" كان استطاع إسقاط طوافة عسكرية مع إعدام طيارها ميدانيًا بمحاكمة رمزية وإخلاء سبيل. الأسير بانتسابه الى ميليشيات إيران كان استطاع خطف "جوزيف صادر" على طريق المطار دون حسيب أو رقيب، ولتمكّن من التخابر مع إسرائيل بلا محاسبة أو بحكم تكريمي تشجيعي عسكري خجول، لاستطاع التآمر مع الأسد والمملوك على تفجير بطريرك الموارنة ومفتيي السنّة في عكار بحكم عسكري يهدر دماء السنّة والمسيحيين وما كان ليُكشف لولا انجاز فرع المعلومات. الأسير إيرانيًا لتمكّن من محاولة قنص الحكيم في معراب وإرسال الطائرات الاستطلاعية لمراقبته دون توقيف مجرم أو اسقاط طائرة. الأسير إيرانيًا كان تمكّن من محاولة تفجير المصعد بالوزير بطرس حرب منتحلا صفة مخابرات الجيش دون ملاحقة ولا توقيف. الأسير إيرانيًا لم يكن ليُمسّ رغم معرفته بالاسم والعنوان عند اغتيال الناشط هاشم السلمان على باب السفارة الإيرانية. والأسير إيرانيًا كان تمكن من ارتكاب أشنع الجرائم والسرقات والتواري في مناطق نفوذ حزبه واستكمال إرهابه بأمن وأمان واطمئنان.

عبدو شامي

18/8/2015 

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


25-        احذروا "طلعت ريحتكم" حصان طروادة الإيراني

بعد ستاتيكو الركود الطويل والمُمِّل في لبنان والذي شكّل على مدى السنوات الأربع الماضية ترجمة لإرادة دولية باستمرار النزف في سوريا على اعتبار أن الملفّين اللبناني والسوري متلازمان لتصحيح موازين الربح والخسارة بين السنّة والشيعة في أي تسوية قد تنشأ... تسارعت الأحداث مع توقيع الاتفاق النووي بما يكفي لقلب المشهد رأسًا على عقب. ففي خضم بوادر قرار دولي جدّي بإنهاء الحرب في سوريا، جاء أمر المحتل الإيراني ببدء نقل لبنان من قاعة الانتظار الى قاعة انعقاد مؤتمره التأسيسي-التدميري حيث ستُنتزّع تواقيع أفرقائه السياسيين على ما كُتِب تحت طاولة الاتفاق الجيو-سياسي الأميركي-الإيراني ليصبح نافذ المفعول بشقّه اللبناني طبعًا...

هذا هو التفسير الوحيد الذي نجده لحوادث 22و23 آب ذلك "الويك أند" التخريبي الميليشياوي الطائفي والمذهبي الحاقد الذي شهده وسط بيروت حيث تسلّل عشرات القوارض من فئة الجرذان من عديمي الدين والأخلاق والإنسانية واخترقوا صفوف جموع التظاهرة التي دعت إليها حملة "طلعت ريحتكم" المشبوهة انتماءً وتبعية وتسييرًا وإن كانت محقة في مطالبها المعيشية غير السياسية، فافتعلوا معركة مع القوى الأمنية المكلفة حراسة السراي الحكومي قبل أن ينتشروا في شوارع وسط بيروت حيث قَرَضوا الأخضر واليابس وعاثوا فسادا وتخريبًا وسرقة وحرقا وتدميرا للأملاك العامة والخاصة، كاتبين على الجدران عبارات مذهبية ومطلقين هتافات تعرِّف بانتمائهم الحركي والحزبي فضلا عما أبرزوه قصدًا من رموز وأوشام تصب في الخانة نفسها؛ ولم يسلم ضريح الرئيس رفيق الحريري من حقدهم الأعمى فقد كتبوا على صوره العبارات النابية التي تعبّر عن ثقافة حقد وكراهية مارسوها فرحين فخورين بانتمائهم الى الدرك الأسفل من حثالة حثالة من يوصفون تجوُّزًا بالانتماء الى جنس البشرية... كل ذلك وسط غياب مريب للجيش والقوى الأمنية الذين لم يتدخلوا إلا بعد أن أنهى الجرذان مهمتهم التخريبية تحت عدسات المصورّين مطمئنين وكأنهم تلقوا ضمانات بأن حصانتهم من حصانة سلاح الغدر الإرهابي!

نقولها بكل راحة ضمير، إن تحوّل عنوان تظاهرة "طلعت ريحتكم" من المطالبة بحل أزمة النفايات الى المطالبة بإسقاط الحكومة وحل مجلس النواب مع إغفال تام لانتخاب رئيس للجمهورية لم يكن بسحر ساحر إنما بتكليف سيّد عَرف بخبثه ودهائه كيف يُنزل الناس الى الشارع تحت شعارات اجتماعية محقة عابرة للطوائف والأحزاب، ليمتطي فيما بعد ذلك الجمهور الساخط كحصان طروادة آخذًا إياه نحو المطالبة بأجندته الانقلابية الخاصة مستغلاً في آن معًا نقمة ذلك الجمهور على الطبقة السياسية الفاسدة لكن أيضًا جهله الواضح أو لنَقُل سطحية فهمه السياسي لمعاني ونتائج المطالب التي جعله يهتف بها، وهي بالمناسبة متماهية تمامًا مع طروحات حراك الجنرال الفاشل من حيث الحشد الشعبي والفاعل من حيث التسبُّب بتعطيل المؤسسات تمهيدًا لمؤتمر تأسيسي، وهي النتيجة الحتمية لمطالب "طلعت ريحتكم". 

قد يتساءل البعض عن سبب هذا التغير الجوهري الطارئ على سياسة الحزب الإرهابي من محافِظ على الاستقرار ومتمسك بالحكومة الى موتِّر للشارع كما المخيمات الفلسطينية ومطالب بإسقاط الحكومة، والجواب هو أن الحزب الإرهابي عمل منذ اندلاع الثورة السورية على مسارين متوازيَين، مسار أول حَرص فيه على تأمين استقرار أمني نسبي ومزيّف أرساه بالتعاون مع صحوات التيار الأزرق في لبنان كي يتيح له إحكام قبضته على لبنان وإطلاق يده في مهمته الوجودية الإرهابية في سوريا باطمئنان... ومسار ثانٍ يتمثّل بتدمير منهجي لمؤسسات الدولة وإهانة وقهر المواطن عبر ضرب أساسيات حياته من سلسلة رواتب وكهرباء ونفايات بحيث يلجأ الحزب حال هزيمته في سوريا الى هدم الجمهورية الثانية بواسطة استثارة مواطنيها (الأكثرية الصامتة) طمعًا بنظام جديد يتنزع فيه الامتيازات للطائفة التي يخطف قرارها، امتيازات تُعمي شيعته عن الخسارة المذلة في سوريا بادعاء انتصار في لبنان وترضي أطماع إيران. وإذا صحّت المعلومات عن بدء الحزب الإرهابي بسحب إرهابييه من سوريا وإعادتهم مدحورين مذلولين خائبين الى لبنان بعد اللقاء الذي جمع أمينه العام بوزير الخارجية الإيراني في 11/8/2015 والذي أبلغه فيه أوامر مرحلة ما بعد الاتفاق العلني بين الشيطانَين فيما يخص لبنان وسوريا، فهذا يعني أننا في عين المسار الثاني وقلب الخطة "ب" التي باشر الحزب بتنفيذها.

باختصار، لقد قطع الحزب الإرهابي كافة أغصان الأرزة اللبنانية ونشر الجزء الأكبر من جذعها بحيث بات سقوطها أرضًا متوقفًا على مجرّد وكزة بسيطة، وكزة لا يريد الحزب (حتى الآن) أن ينال لعنة الاضطلاع بها إنما يريدها أن تأتي من قبل الشعب نفسه، الشعب الذي لم يشتَمّ بعد رائحة مكونات 8آذار الكريهة التي تفوح من حملة "طلعت ريحتكم" حصان  طروادة الإيراني لنسف الجمهورية المحتلة.   

عبدو شامي

25/8/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


26-        لهذا لم ولن أتظاهر مع "طلعت ريحتكم" وأخواتها

من الواضح أن الاستقرار المؤقت والمزيّف الذي أرساه الحزب الإرهابي في لبنان منذ نحو ثلاث سنوات قد انتهى، نهايته تؤرَّخ تحديدًا مع الزيارة المشؤومة والملعونة لوزير خارجية الاحتلال الايراني في 11/8/2015 حيث أبلغ الحزب الإرهابي تعليمات مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي والذي يحمل في ثناياه إطلاق يد إيران بتلزيمها المنطقة مقابل ضمان أمن إسرائيل وضمان استمرارية إدرار البقرة الحلوب الخليجية نفطَها وأموالَها بغزارة مضاعفة.

ما يعنينا في لبنان هو أن إيران لم تعد تريد فرض الامتيازات لحزبها وشعية ولاية الفقيه قهرًا بقوة السلاح الإرهابي لكونها امتيازات مخالفة للدستور، أنما تريد أن تحوّل امتيازاتها المفروضة قهرًا الى نصوص دستورية واجبة التطبيق بحكم الدستور نفسه دون حاجة لاستعمال سلاح أو قمصان سود أو رفع أصابع... دستور جديد ينبثق عن مؤتمر تأسيسي يبدو أنه هدف الحزب الاستراتيجي للمرحلة الحالية وهو ما طالب به علنًا منذ عام 2012؛ بناء على ذلك وفي ظل الإدارة الفاشلة وحالة الموت غير المعلَن لما كان يُسمّى "تحالف 14 آذار"، لم يعد السؤال عن إمكانية انعقاد مؤتمر تأسيسي من عدمها، إنما السؤال اليوم عن كلفة انعقاده هل ستكون دموية أم مادية، وعلى ماذا سينص، علمًا أن الدساتير في لبنان لا تغيّر الا بعد حروب!

"ويك أند" تخريبي تولى أمره جرذان الحزب والحركة، تبعته تظاهرة حاشدة انتهت بـ"السكيتش" التخريبي نفسه لقوارِض الحضارة، وبين الحدثَين اعتصامات يومية يكون مِسك ختماها مع من يسمون بـ"المندسين"، وجديد الحراك اقتحام وزارة البيئة ومحاصرة الوزير في مكتبه حتى يقدّم استقالته... إنه التظاهر، الموضة الرائجة في لبنان اليوم، أطلقتها حملة "طلعت ريحتكم" بذريعة أزمة النفايات وما لبث أن جرى تفقيس وتفريخ حملات وحركات تكاثرت كالفطر من حركة "بدنا نحاسب" الى "كلّن يعني كلّن" الى "حلّو عنا" والقائمة تطول، ولكل متظاهر مطالب خاصة تخالف المتظاهر الآخر، فهذا يريد استقالة الحكومة وذاك استقالة الوزيرَين المشنوقَين فقط وآخر يريد اسقاط النظام ورابع يريد انتخاب رئيس أولاً، حراك فوضوي لا يجمعه سوى عنوان النفايات شعبيًا وأجندة معلومة-مجهولة تنظيميًا... و"العترة" على الشعب المسكين الموجوع معيشيًا والمُهان رسميًا والذي يتم انزاله الى التظاهرات تحت عنوان معيّن ليتفاجأ أن المنظمين أصدروا بيانًا بمطالب سياسية لا يوافق عليها أو ربما لا يعلم معناها ولا مُؤدَّاها، لكن هؤلاء المتظاهرين العفويين في نهاية المطاف شاءوا أم أبوا علموا أم جهلوا، إنما يُستخدمون وقودًا لثورة إذا نجحت لن يكون لهم فيها ناقة ولاجمل ولا تحقيق حلم ولا نيل مطلب، إنما سيجني ثمارها ويحصد غلّتها ويسيّرها لأهدافه وأطماعه الحزب الإرهابي باعتباره الأقوى بين المكونات اللبنانية سياسيًا وعسكريًا وتنظيميًا وحشدًا شعبيًا...والأهم من ذلك أنه الطرف المدعوم أميركيًا... وهذه تكاد تكون من بديهيات الثورات التي لا يُعرَف لها رأس ولا يديرها فريق واحد منظم، أن يصادرها الفريق الأكثر تنظيما على الأرض.

في مصر، "ثورة 25 يناير2011" التي مهّدت لها وأشعلتها حركات شبابية مطالبة بالحرية والعيش الكريم ثم بإسقاط النظام لم تكن نتائجها من نصيب هؤلاء إنما قطفت ثمارها "جماعة الإخوان المسلمين" باعتبارها الحزب الأكثر تنظيمًا على الساحة المصرية مع أن "الاخوان" كانوا آخر من انضم الى الثورة؛ وبعد سنة من حكم إخواني تلا مرحلة انتقالية عسكرية تجرّأ الرئيس المنتخب ثم المعزول "مرسي" على ما لم يجرؤ عليه المخلوع "مبارك" فأمسك بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في البلاد بإعلان دستوري فوّض الى نفسه بموجبه صلاحياتمطلقة! ثار الشعب ثانية في "30يونيو2013" ليجني ثمار الثورة على الإخوان العسكر وتقع مصر مجددًا تحت حكم الجزمة العسكرية وإن تنكّرت أحيانًا بحذاء رسمي ملمّع. أما في إيران فالثورة على الشاه عام 1979 جنى ثمارها ملالي ولايه الفقيه بزعامة الخميني الذي عمل بمجرّد تسلّمه السلطة على تصفية معارضيه عبر القتل أو السجن أو الإقامة الجبرية، أقفل نحوًا من خمسين وسيلة اعلامية معارٍضة وأرسى دستور جمهورية ولاية الفقيه أصل البلاء وعدو المنطقة الأول والأخطر قبل إسرائيل.

لذلك كله، لم ولن أشارك في الحراك المشبوه المسمى شعبيًا، فلا أريد أن أكون مطيّة للحزب الإرهابي ولا أداة بيده وقد بدأ يستخدمها علنًا عبر تهديده الرئيس سلام بإنزال شعبه في التظاهرات إن لم يوافق على مطالب عون، لا أريد أن تجنح بي نقمتي على السياسيين الفاسدين لأتحوّل مِعوَل هدمٍ للجمهورية بنظامها الحالي الذي وإن كانت لي عليه مآخذ كثيرة إلا أني أرفض استبداله بنظام أكثر سوءًا وأشد طائفية، لا أريد أن أساهم في صنع ثورة فوضوية يجني ثمارها حزب مشبّع بثقافة الموت والحقد والكراهية واغتيال الآخر، ثقافة لا تشبه لبنان الذي أحبّه ولا تمُتُّ إليه بصِلة.

عبدو شامي

2/9/2015         

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


27-        حوار عصا التظاهرات وجزرة الرئاسة الموهومة

موضة التظاهر الى مزيد من الرواج في لبنان، ومكينات تفقيس الحملات المطلبية في أوج نشاطها، فاللبنانيون منذ 22آب الفائت باتوا على موعد يومي مع مؤتمرات صحفية تبشِّرهم بولادة حملات جديدة... كلُّ حملة تنادي بمطالب مختلفة عن أخواتها وأحيانًا متعارضة معها بعد أن خرجت الحملة الأم "طلعت ريحتكم" عن مطاليبها المعيشية التي توسّلتها بداية لدغدغة عواطف الناس واستثارتهم مستغلّة معاناتهم وأوجاعهم قبل أن تكشف القناع عن مطالب سياسية انقلابية بامتياز فاتحة الباب أمام حراك فوضوي تخريبي لا نرى فيه إلا انقلابًا يهدف الى تغيير دستور لبنان.

عصا الحملات المطلبية وتظاهراتها أربكت السياسيين نعَم، لكن ليس جميعهم بل فقط ساسة التحالف المنحل ثم الميت المسمّى 14آذار؛ فاتهامات الفساد التي تطلقها الحملات (ومعظمها اتهامات محقّة) لا تطال إلا رموز ومشاريع الفريق السيادي، والمطالبة بالاستقالات لا توجّه إلا الى وزرائه ورئيس الحكومة المحسوب عليه وهو منه فعلاً، والتجمّعات لا تنظّم إلا أمام مؤسساته الدستورية (السراي الحكومي) والاقتحامات (بتسهيلات أمنية مريبة) لا تطال إلا وزاراته ولا تحاصِر إلا وزرائه!

لا أحد من أبطال تلك الحملات يجرؤ على المطالبة بحصر السلاح بالدولة، لا أحد ينتقد الحزب الإرهابي ولا رموزه ودوره في اغتيال الدولة وخيرة رجالاتها، لا أحد ينتقد فساد الحزب ونشاطه التهريبي في المرفأ والمطار والمعابر البرية، لا أحد ينتقد اغتيال الحزب للشباب عبر ترويج المخدرات وتصنيع حبوب الكابتاغون، لا انتقادات لتعدّي الحزب على الأملاك العامة والخاصة بما فيها الأوقاف والكنائس والمساجد، لا انتقاد لتوزيع الحزب حصص الفساد على أدواته خصوصًا أداته البرتقالية الرائدة في مجال جمع الثروات على حساب مشاريع قطع الكهرباء والمياه والاتصالات والمازوت الأحمر (وقد أقر الجنرال عون بأن الحملات سرقت شعاراته ومطالبه)، ولا انتقادات لأداة الحزب الخضراء المتمثلة بنبيه بري وحركته التي تنخر جميع مؤسسات الدولة، كما لا تظاهرات ضد ولا أمام المركز الرئيسي لحركة أمل المسمّى "مجلس النواب"... أما من يسمّون إعلاميًا بالـ"مندسّين" وهم الطابور الأول لا الخامس، فقد أعلنوا بكل صراحة انتمائهم الحزبي والطائفي وعبّروا عن ثقافة الحقد والكراهية التي غُسِلت بها أدمغتهم، وكلما تجرّأت القوى الأمنية على اعتقال أحدهم سارع ممثلو حملات التظاهر الى الاعتصام والمطالبة بالافراج عنه فورًا.

لن نتحدّث بطائفية لكن سنصف الواقع كما هو دون مجاملات ولا تلطيف عبارات، بعدما قُضِي على المسيحيين دستوريًا بإبعادهم عن أهم مناصب الدولة والأمن العام التي تُعُورِفَ على أسنادها إليهم بعد اتفاق الطائف وصولاً الى الضربة القاضية بتجريدهم من رئاسة الجمهورية وإهانتهم بإجلاس الفراغ مكانهم، بات الدور اليوم على السنّة من خلال استهداف الحكومة ورئيسها والوزراء السنّة فيها وإن كانوا من وجهة نظرنا -وتحديدًا أولئك المنتمين الى التيار الأزرق- أكثر من أساء الى السنّة أنفسهم وطعنهم في ظهرهم بسياسته الانبطاحية والتنازلية وتبعيته الى الخارج. أما من يدير عملية الاستهداف الممنهج فهو الحزب الإرهابي الذي ينفّذ الأجندة الإيرانية في لبنان وحيثما استدعى الواجب الإرهابي في دول المنطقة والعالم، والمطلوب اليوم بعد توقيع الاتفاق الجيو-سياسي (النووي) نسف الطائف والاتيان بدستور جديد يلبي أطماع إيران عبر إعطاء الامتيازات لشيعة ولاية الفقيه على حساب السنّة والمسيحيين. ولا يغتر بعض الناقمين بحق على الطبقة السياسية الحالية وفسادها بشعارات انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب وإلغاء الطائفية السياسية واقرار قانون انتخاب مبني على النسبية المطلقة... فهذه المطالب وحدهما كفيلة بإسقاط الدولة بالكامل بيد الحزب الإرهابي كونه يملك مع أدواته من نفس طائفته ومع عملائه في الطوائف الأخرى "البلوك" الانتخابي الذي سيصعَد بـ"التكليف الشرعي" على سلّم إلغاء الطائفية لاكتساح المناصب واحلال أقسى أنواع الطائفية في البلاد.

لا أمل اليوم في اعادة الحياة لدستور الطائف إلا بالحل الدستوري والقانوني الوحيد المتمثل بانتخاب فوري لرئيس الجمهورية في مجلس النواب، وأي التفاف على هذا المسار هو نعي رسمي للجمهورية الثانية ودستورها. ومن هنا، بدعوته الى "طاولة الحوار" اللادستورية من جديد للاتفاق على رئيس يكون "نبيه بري" قد استخدم بأوامر من الحزب الإرهابي عصا التظاهرات -شاء المتظاهرون أم أبوا أحبّوا أن يعرفوا أم أصرّوا على جهلم- لجمع نواة المؤتمر التأسيسي وسَوق أبرز ممثلي الفريق السيادي (باستثناء صاحبة القرار الحكيم بعدم المشاركة "القوات اللبنانية") الى قاعة اجتماعات المؤتمر التدميري التحضيرية، وهو ما نفهمه من تصريح "بري" في الأول من أيلول الجاري: "نسبة نجاح مؤتمر الحوار هي بمعدل صفر أو مئة، وهو من آخر الفرص الإنقاذية أمام اللبنانيين للخروج من هذه الأزمات".

عبدو شامي

8/9/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


28-        الحرب العالمية الثالثة نصرة للأسد

لم تمضِ أيام قليلة على الاتفاق الجيو-سياسي بين الشيطانَين الأميركي والإيراني حتى بدأ الحديث عن بوادر حل وتسوية للملف السوري؛ وبالفعل شهد العالم تحركات دبلوماسية غير مسبوقة لتحريك هذا الملف الذي حرّك معه تلقائيًا الملف اللبناني عملاً بلازمة "وحدة المسار والمصير" التي يبدو أنها لا تزال تلاحق لبنان بلعنتها، فها هي نواة المؤتمر التأسيسي قد التأمَت باجتماعات تحضيرية مستمرة بعد أن استعمل الحزب الإرهابي عصا حراكه المموَّه شعبيًا لسَوق معظم أفرقاء 14آذار كالحمار الى طاولة الحوار واضعًا أمامها جزرة رئاسة الجمهورية الموهومة!

كثرت التساؤلات والتحليلات عن بنود ومعالم الحل أو التسوية التي طُبخَت لسوريا الى أن أتى النصف الثاني من شهر أيلول المنصرم حاملا معه عنوان التسوية الدولية وبنودها وآلية تنفيذها وهي ثلاث نقاط يمكن اختصارها بعبارة واحدة: "بشار الأسد أو لا أحد"! فمع انتصاف الشهر التاسع بدأت الدول الأوروبية وأميركا وتركيا تتراجع عن تشددها اللفظي حيال مستقبل "بشار الأسد" وبعد أن كان بقاء الإرهابي-الكيماوي-البرميلي من المحرمات وتنحيتُه شرطًا في أي تسوية بات وجوده مقبولاً في حكومة "وحدة وطنية" لتمرير تلك المرحلة، فـ"على الأسد أن يرحل لكن التوقيت يتقرّر من خلال التفاوض" كما قال "كيري"!

 ومع انتصاف أيلول أيضًا انتشرت تقارير عسكرية عن إقامة روسيا جسرًا جويًا مع الساحل السوري العلوي حيث قاعدتها العسكرية ناقلة ترسانة عسكرية كاملة مع مستلزماتها من ذخيرة ومُؤن ومحروقات فضلا عن إقامتها مساكن وتحصينات وبنائها مدارج طائرات... كل ذلك بالتنسيق العسكري والعلني مع أميركا وإسرائيل التي زار رئيس حكومتها "نتياهو" موسكو خصيصًا لهذا الغرض أي لبحث إجراءات إطلاق الخرطوشة الأخيرة الرامية لإنقاذ العميل المخلص "بشار الأسد" بعد أن استغاث في خطابه الشهير مقرًا بأن جيشه أُنهِك. أقرَّ الروس بنقل ترسانتهم العسكرية الى طرطوس واللاذقية وأن تحرّكهم أتى استجابة لطلب "الأسد" و"مساندة له في محاربة داعش"، غير أن الغارات الروسية لم تستهدف سوى المدنيين في المناطق المحررة وتجمعات لبقايا الجيش السوري الحر ومثيلاته من الفصائل المعتدلة المعارضة للأسد الأمر الذي برَّره الروس بإعلانهم أن كل الفصائل المسلحة التي تقاتل النظام في سوريا "إرهاب" واقع في دائرة أهدافهم... وقد تلى ذلك معلومات عن وصول جنود إيرانين بعدتهم وعتادهم مدعومين بمقاتلين من الحزب الإرهابي في لبنان والميليشيات الشيعية العراقية للاشتراك في هجوم بري وشيك على المعارضة السورية السنيّة بغطاء جوي من الجيش الروسي.

دخول روسيا الحرب السورية من بابها العريض بالتنسيق العسكري مع أميركا وإسرائيل وإيران لم يُبقِ أية صدقية للسجالات الكلامية المسرحية التي دارت بين زعماء الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشأن السوري، وحوّلها الى دورة التضامن العالمي مع الإرهابي "بشار الأسد" وإعلان الحرب العالمية على الشعب السوري الثائر لحريته وكرامته، ومشهد توزيع الأدوار أكثر من واضح:

الدور الأول الذي تلعبه أميركا متزعّمة تحالفًا دوليًا يضم أكثر من 60 دولة تحت شعار ضرب داعش دون مساس بالأسد يرعى عمليًا ذلك التنظيم الذي هو حقيقة وليدتها وتتشارك أبوّته مع الأسد وإيران وهو منذ إعلان الحرب المزعومة عليه لم يزدد إلا قوة وتوسعًا ونشاطًا في مهمته المختصرة بتشويه الإسلام والقضاء على الجيش الحر والفصائل المعتدلة والاستيلاء على مناطقها المحررة وتسلُّم المناطق التي لم يعد بإمكان جيش الأسد السيطرة عليها منعًا لوقوعها بأيدي الثوار وذلك نظرًا لحاجة النظام الى نقل جنوده الى جبهات أكثر أهمية تشكِّل تهديدًا وجوديًا لبقائه.

والدور الثاني تلعبه روسيا بالتعاون والتنسيق مع أميركا نفسها وإسرائيل وإيران وميليشياتها الشيعية الحاقدة في لبنان والعراق يقاتل المعارضة المسلحة المعتدلة دون مساس حقيقي بـ"داعش" شمّاعة كل الجيوش الغازية للأراضي السورية... لتكون النتيجة النهائية أن كلا الفريقَين المختلفَين كلاميًا إنما يخدم العميل الأممي بمرتبة الامتياز والشرف والمتأصل أبًا عن جد "بشار حافظ سليمان الأسد" في تخليصه من شعبه الثائر والصامد ومن ثوار المعارضة المسلحة التي تفيد الوقائع بأن قرار إنهائها تمّ أخذه، إنهاء المعارضة المعتدلة أولاً ثم إنهاء "داعش" بعدها لإخلاء الساحة أمام الأسد للتفاوض مع معارضة الخارج السياسية مجرَّدة من أي قوة عسكرية على الأرض بما يرجّح كفّة العميل الأسدي ويفرض تسوية تجهض الثورة وتضمن لكل اللاعبين دورًا يناسبهم كلٌّ حسب منسوب إراقته للدم السوري، وإلا في حال جرت رياح الثورة بما لا تشتهي سفن الغزاة العالميين فالدولة العلوية باتت مرسّمة الحدود والجيش الروسي منتشر على كامل أراضيها المطهرة طائفيًا.

عبدو شامي

2/10/2015    

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


29-        حراك النفايات.. نفايات الحراك

في سوريا، انقاذًا لسفّاح العصر "بشار الأسد" وتحسينًا لموقعه في التسوية السورية كي يُفاوض من موقع قوة بعد أن كاد يخسر كل شيء بوصول الثوار الى تخوم مسقط رأسه "القرداحة" والساحل العلوي حيث المنفذ الروسي الوحيد على البحر المتوسط... لا تزال الحرب العالمية الثالثة مستمرة على الشعب السوري مع نزول اللاعب الروسي الى أرض المعركة بكامل ثقله العسكري والظهور الفاقع والسافر للتحالف الصهيو-فارسي وميليشياته الارهابية في لبنان والعراق اضافة الى عصابات الأسد الذين بدأوا هجومهم البري بغطاء جوي روسي على المناطق المحررة لتدمير المعارضة المعتدلة وهي المدينة الى أميركا مدى الحياة بمهزلة تدريبها وتسليحها 50 عنصرًا لتحرير كامل سوريا من الاحتلال الأسدي!

قمة التآمر الدولي في سوريا يقابلها قمة العهر السياسي في لبنان حيث يتم تعطيل الحكومة -نبض شِبه الجمهورية الأخير- من أجل أطماع عائلية وجشع وراثي وَقِح يقضي بتقاسُم العم وأصهرته مناصب الدولة الأساسية من رئاسة الجمهورية الى وزارة الخارجية الى قيادة الجيش وربما غدا حاكمية مصرف لبنان، والمطلوب اليوم ضرب هيكلية الجيش وإثارة الشحناء والضغناء بين صفوف عمدائه من أجل ترقية استنسابية سياسية بامتياز الى رتبة لواء لصهر يتقدمه 21 عميدا مسيحيًا في أحقية الترقية ويحل في المرتبة 45 بين العمداء المستحقين من جميع الطوائف.

وفي سياق العهر السياسي نفسه، وتحقيقًا لأهداف الحزب الإرهابي بقلب النظام مع نضوج التسوية السورية وضغطًا على أفرقاء 14آذار للتسريع في انصياعهم الى أوامر الحزب وأطماع الجنرال عون العائلية... لا يزال الحراك التخريبي المموّه شعبيًا مستمرًا في جهوده الهدّامة لإرباك الساحة الداخلية وزرع الفتن والأحقاد بين الشعب وقواه الأمنية وتحريضه على الانتحار عبر مطالب وشعارات سياسية تنسف الدستور ولا تخدم إلا الحزب الإرهابي والاحتلال الفارسي.

فبعد معركة "الويك أند" التخريبي الأسود في 22 و23 آب الماضي انتقامًا من وسط بيروت بما يرمز ويمثل وانتهاكًا لحرمة ضريح الحريري، عاد المخربون ليضيفوا الى رزنامة تحركاتهم الهمجية والبربرية المتسترة بحق حرية التظاهر والتعبير تاريخًا أسودًا جديدًا هو 8 تشرين الأول ذاك الليل الأسود الطويل الذي أمطروا فيه وسط بيروت والقوى الأمنية بالحجارة واعتدوا على الأملاك العامة والخاصة فاقتلعوا الأرصفة وكسروا الزجاج وحطموا بوابة أحد الفنادق محاولين اقتحامه ومحوّلين المنطقة الى ساحة حرب حقيقية؛ وكالعادة لا تتدخل القوى الأمنية إلا بعد إتمام المخربين مهمتهم المعدّة سلفًا على أكمل وجه! اللافت هذه المرة أنهم لم يحتاجوا الى الطابور الأول المصنّف زورًا خامسًا والمتمثّل بأفواج أمل شعبة الخندق الغميق المتخصصة بالأعمال الفتنوية-التخربيبة، إنما اكتفوا بحثالة من زعرانهم عبرّوا بكل عفوية عن حقيقة قيَمهم الساقطة وثقافتهم الهابطة وعن هَوَس جنسي ترجموه بحركات مهينة بحق القوى الأمنية... أين العجب ومَن يتزعّم حراكهم التخريبي مستهزِئ بالديانات السماوية ومتطاول عليها ولا يحترم عَلَم بلده ولا أرزته؟!

8تشرين الأول ليس تاريخًا بريئًا فهو اليوم الأول على انفضاض طاولة الحوار دون رضوخ الفريق السيادي الى املاءات عون والحزب الإرهابي ما استدعى تأجيل الجلسات الى آخر الشهر افساحًا في المجال أمام جرعة جديدة من الحراك التخريبي الضاغط، ما يؤكّد أن الحراك لا يعمل عفويًا إنما يهمد وينشط وفقًا لأحوال الأرصاد الجوية السياسية، فانطلاقة أعماله التخريبة جاءت مع تحريك ملف التسوية السورية عقب زيارة وزير خارجية الاحتلال الإيراني لبنان، وبعصا الحراك سيق معظم أفرقاء 14آذار الى جلسات الحوار التمهيدي للمؤتمر التاسيسي، وتزامنًا مع كل جلسة حوار ينظمون تحركًا يربك البلاد، ومع كل حلحلة قد تفضي الى حل أزمة النفايات ينظمون الوقفات الاحجاجية مبتكرين فكرة تخريبة جديدة، فمن تشويه للجدران بكتابة الشعارات الى تشويه للطرقات بالطلاء على الزفت الى تقليع الأرصفة... وكأن مشهد تراكم النفايات لا يُشبع رغباتهم التشويهية ولا طموحاتهم التخريبة.

لقد قدّم الوزير "شهيّب" بمعاونة فريق من الخبراء خطة لحل أزمة النفايات يمكن وصفها بأنها أفضل الممكن والمُتاح والمعقول والقابل للتنفيذ في لبنان، ومع ذلك حرّضوا الناس عليها ورفضوها، فيبدو أن حراك النفايات حريص على تفشيل أية خطة هادفة الى تخليص اللبنانيين من مأساتهم لإنه ببساطة يدافع عن علّة وجوده التي ينتهي بانتهائها ألا وهي النفايات ذريعة تنفيذه أجندته التخريبية، تمامًا كمحور الشر الإرهابي الذي يدعي المقاومة والممانعة فيما يضع كامل جهوده للحفاظ على علّة وجوده اسرائيل فبدونها لا ذرائع للسلاح الإرهابي ولا للاستقواء ولا للتخوين ولا لتصدير الثورة الخمينية.

عبدو شامي

9/10/2015

 (مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


30-        ذكرى الحَسن الثالثة.. ستاند آب كوميدي مع المشنوق وحماده!

فيما العالم منشغل بالحرب العالمية الثالثة على الشعب السوري مع تلزيم آلة القتل الروسية مهمة القضاء على المعارضة المعتدلة واستغلال داعش الفرصة لقضم مناطق جديدة محرّرة من أيدي المعارضة... لم يجد "تيار المستقبل" لتسلية اللبنانيين أنسَب من عرضه مسرحية من نوع "stand-up comedy " كان من المؤسف حقًا أن يتم عرضها في الذكرى الثالثة لاستشهاد اللواء وسام الحسن الأمر الذي جرّد الذكرى من هيبتها نظرًا لما حوَته كلمتَي "نهاد المشنوق" و"مروان حماده" من مضامين مثيرة للضحك الى حد القهقهة ومن الاستخفاف بالعقول الى حد الاستهزاء!

كلمة النائب "مروان حماده" بدأت رصينة منسوجة بإحكام سمَّت الأشياء بأسمائها وضعت الأصبع على الجرح وأشارت الى المجرم الإرهابي بصراحة، غير أن "حماده" زلَّ في سؤال و"نزَعَها" في الخاتمة: زلَّ عندما سأل: "إذا كانت الأرواح بيد الله فمن فوّض حزب الله حق إزهاقها"؟ الإجابة بالنسبة إلينا بديهية وتكمن في السؤال نفسه، فمَن فوّض الحزب إزهاق الأرواح هو مروان حماده نفسه الذي ارتضى لنفسه أن يسمّيه "حزب الله"! فمن حيث المبدأ حزب الله ينفذ أمر الله كما تنفذ القوى الأمنية أمر قيادتها وتطبق القانون، وبالتالي بات سؤال "حماده" غاية في السُّخف والخِفّة وكان باستطاعته تحويله الى سؤال استنكاري مفيد بمجرّد أن يسمّي الحزب وينعته بما يستحق، فحزب قاتل مجرم لا يليق به وممنوع عليه أن ينتسب الى الله تعالى بل الى الشيطان والأبالسة والإرهابيين.

نهاية كلمة حماده لم تكن موفّقة، فقد انتهك حرمة الذكرى مطلِقًا نكتة من العيار الثقيل حيث وجّه رسالة الى الرئيس الحريري قائلاً: "عُد الى لبنان، انت الحبيب وانت القائد، بل انت الثورة قبل الثروة.(...) عُد لنقنع الخصم بأن مغامراته الحربية انتهت ومسيرته لا بد من أن تعود سلمية... إن عدت نختار رئيساً ونحيي حكومة وننتخب مجلساً وتعود الثقة الى شعب لبنان والعالم بمستقبل لبنان". كلام ارتجالي عجيب أفقد كلمة "حماده" الكثير من قيمتها، فبعد أن أشبَعنا ساسة 14آذار ومنهم حماده نفسه محاضرات في أن الحزب الإرهابي وأداته ميشال عون هما مَن يعطلان البلد، إذ بحماده ينسف هذه النظرية (الصحيحة) بنظرية مجاملة ومداهنة و"نفخ" يصل الى حد النفاق الخالص مفادها أن "الحريري" هو الثورة فيما سياسته الانبطاحية وتنازلاته المخزية هي التي اغتالت الثورة، وأن الحريري هو مفتاح الحل (سوبرمان) وبعودته يننتهي التعطيل وتعود الديمقراطية بل ويمكن لعودته أن تقنع الحزب بالكف عن إرهابه والتخلي عن دوره في تنفيذ المشروع الفارسي!! 

بطلنا الثاني على مسرح الـ"ستاند آب كوميدي" كان الوزير القبضاي "نهاد المشنوق"، وكما أن بعض الممثلين الكوميديين بمجرد ظهورهم على خشبة المسرح يبدأ الجمهور بالضحك والابتسام لاشعوريًا، كذلك الحال مع قبضاينا، فمجرّد أن يكون الوزير الذي أجلس قاتل "وسام الحسن" في اجتماع أمني رسمي مكان وسام الحسن خطيبًا ومحاضرًا في ذكرى وسام الحسن دون خجل ولا وجل لهو أقصى أقصى درجات سخرية الحال الداعية الى الضحك والقرف في آن، والمثل الشهير أوضح من أن يقال. فكاهة المَظهَر أكمَلها المشنوق بفكاهة المَخبَر فاستعاد مضمون خطابه الذي ألقاه العام الماضي في الذكرى نفسها، وعلى قاعدة "نفِّذ ثم اعترِض" تذمّر وتأفف مجددًا من استمرار لعبه وتياره الأزرق دور الصحوات لكن زاد عليه هذه المرة "شرَف" شهادة الزور فإذ ذكّرنا دون خجل وهو وزير الداخلية بأن الخطة الأمنية في البقاع "لا تزال حبراً على ورق"، أعلن ان بقاء الوضع على ما هو عليه "هو الخطوة الاولى نحو الاستقالة من الحكومة والخروج من الحوار الذي أردناه صونًا لسلم أهلي فإذا بنا نتحول الى شهود زور على حساب مسؤولياتنا الوطنية".

المشنوق أطلق مغالطة عجيبة ولسنا ندري أكان يقصد من خلالها الاستخفاف بعقل الجنرال عون أم بعقولنا نحن، فقد حاول نسف نظرية "الرئيس القوي" (التي يسوِّق بها عون أحلامه بالرئاسة) فزعم أن حجة كون "بقية الطوائف تختار الاقوى فيها هو محض اختلاق وافتراء، فلو أن الأقوى في طائفته هو من يتبوّأ المنصب الموكل للطائفة لما كان الرئيسان سلام وبري في موقعيهما". وليسمح لنا المشنوق فكلامه هو الاختلاق والافتراء بعينه، فلولا موافقة الحريري وهو الأقوى نظريًا في طائفته لما كان سلام رئيس حكومة، ولولا أمر الحزب الإرهابي وهو الأقوى ترهيبًا في طائفته لما كان بري رئيس مجلس نواب، كلاهما معيّن من الأقوى وينوب عن الأقوى.

 أما نكتة المشنوق المدوية التي بالتأكيد "طأطأت" معها خواصر الجمهور من كثرة الضحك فهي إشادته "بالقيمة الوطنية التي تمثلها عروبة الرئيس بري"!! صدَق المشنوق هي حقًا عروبة لكنها مترجمة الى اللغة الفارسية ولا تستطيع الحَيد عن مشروعها قيد أنملة.

عبدو شامي

17/10/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


31-        تفجير برج البراجنة بلُغة العقل لا العاطفة

إذا كان يوم الخميس 12/11/2015 قد أنهى ساعاته الـ24 مكتفيًا بحصيلة بلغت 43 قتيلاً و239 جريحًا ليكون أحد الأيام الأكثر دموية في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية، فإن الحصيلة المخطط لها في هذا اليوم كانت أكبر من ذلك بكثير ليكون اليوم الأكثر دموية في تاريخ لبنان الحديث على الإطلاق... فإلى الداعشيَين اللذين فجرا نفسَيهما مساءً في برج البراجنة المحسوبة على معقل الحزب الإرهابي، ثمة ثالث قتله عصف أحد التفجيرين فلم يفجّر نفسه، كما جرى صباحًا تفكيك عبوة ناسفة في جبل محسن زنتها 10كيلوغرامات معدّة للتفجير، وتمّ توقيف انتحاري في عرسال، وكأن المراد تفجير لبنان بأكمله!

في الشكل والمضمون، شطح بعض المحللين بعيدًا في تحليلاتهم حيث وضعوا التفجير المزدوج الذي ضرب برج البراجنة في خانة الرد على التسوية السياسية التي أتاحت لمجلس النواب أن يعقد جلسة تشريعية في ذلك اليوم بعد انقسام خطير مسيحي-إسلامي على خلفية دستورية وميثاقية الجلسة ومشاريع القوانين التي تدخل في خانة الضرورة... وهو تحليل مستبعد جدًا من وجهة نظرنا لأن التخطيط لهكذا عملية لا يتم بين ليلة وضحاها بل يحتاج الى أشهر من الرصد والتسوية تمّت في ربع الساعة الأخير، كما أن الجهة التي تبنّت التفجير لا تُلقي بالاً ولا اهتمامًا بزواريب السياسة اللبنانية سواء اتفق فرقاؤها أم اختلفوا وأنما مخططها وأهدافها أبعد من ذلك بكثير.   

وفي الشكل والمضمون أيضًا، الملاحظ أن التغطية الإعلامية للتفجيرَين ركّزت بمعظمها (وخصوصًا الإعلام الأصفر) على الجانب العاطفي لما حصل ربما لحرف الأنظار وتشتيت العقول عن الخوض في أسباب وتبعات الحدث الضخم وفي الوقت نفسه التصويب على مدى ارهاب الجهة التي تبنّت العملية وأنها صادرة عن "وحوش لا ينتمون الى البشرية" على حد تعبير أحد قياديي الحزب الإرهابي... تغطية مباشرة من غرف قسم الطوارئ في المستشفيات، نواح عويل بكاء صراخ تهديدات صريحة في حقدها الطائفي وهتافات تعكس مكابرة ترفض الاعتراف بالخطأ وإصرارًا على مزيد من الخوض فيه. أطفال يبكون من جراحهم والمُراسل يسألهم: أين الماما أو البابا؟ فيكون جوابهم البريء والدموع تسيل تُغرق أعينهم: في الطائرة، هكذا قيل لهم مؤقتًا ريثما تحين ساعة المصارحة الأليمة بأنهما قضَيَا في ساحة التفجير دون تجرّؤ على طرح السؤال المُحرَّم: لماذا مات مَن مات وحدث ما حدث؟

بعيدًا عن استثارة العواطف وبلغة السياسة الخالصة والعقل والمنطق وبكلمات شديدة الصراحة يمكن تلخيص ما حصل في برج البراجنة بقاعدة السببيّة (أوالعلّية) (causeàeffet) والتي تفسّر الحدث بأنه نتيجة للعلاقة بين السبب والأثر، فلولا حدث مشاركة الحزب الإرهابي في الحرب العالمية الثالثة المعلنة على الشعب السوري منذ نحو خمس سنوات وخوضه في دماء السوريين الثائرين لحريّتهم وكرامتهم وانتهاكه أعراضهم ونهبه خيراتهم وتيتيمه أطفالهم وعدم اخفائه الحقد الطائفي الذي يعدّ الدافع الأول لهذا الكمّ من الإجرام والإرهاب المنظّم قبل أي عامل آخر... لولا كل ذلك لما وجدنا أثر المَسّ بمعقل الحزب ولا ببيئته الحاضنة ولا بلبنان بأي سوء يُذكر، والدليل الحسي الملموس الأكبر على صحة ما تقدّم هو أن مسلسل التفجيرات لم يضرب مناطق الحزب إلا بعد تاريخ خوضه في دماء وأعراض الشعب السوري، وبالتالي فإن لبنان المحتل لم يُصَب بإحدى شظايا تلك الحرب وإنما أصيب بأحد صواريخها الموجهة باعتباره في صميم المعركة لا على هامشها.

إذا عرفنا ما تقدّم يُصبح كل ما ركّز عليه الإعلام عن قصد أو غير قصد من مشاهد دموية مأسوية مردودًا على الحزب الإرهابي نفسه باعتباره أذاق الشعب السوري بمفرده وبآلة القتل الأسدية والإيرانية والروسية مؤخرًا أمثال بل أضعاف ما أبرزه لنا إعلامه من حجم الفاجعة التي ضربت بيته الداخلي في الصميم وضربت معه لبنان المحتل بأكمله وكل اللبنانيين بعد أن جعلهم الحزب في دائرة الاستهداف بمجرّد انخراطه في البركان السوري.    

يبقى السؤال عن سبب قيام داعش بالعملية التي جعلت الحزب يدفع قسطًا من حساب إرهابه في سوريا، في حين يقيم هذا التنظيم الإرهابي نفسه حلفًا غير معلن مع  النظام الأسدي إذ لا معارك حقيقية تُذكر بينهما كما أن الاجرام الروسي صب 90% من إرهاب غاراته على المعارضة المعتدلة مهمِّشًا داعش... تساؤل في محله ولعل المصالح بدأت تأخذ حسابات مختلفة، لكن الثابت لدينا وما نستطيع الجزم به هو أننا شهدنا جولة دموية على أرض بلدنا لبنان بين تنظيمَين إرهابيَين كان الشعب ضحيتها، وأنه مهما تفاوتت الأخوات المجرِمات في نسبة الخطورة تبقى "داعش الأم" (الأسد وإيران) أخطر من بناتها.

عبدو شامي

13/11/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


32-        فرنسا المضرجة بدمائها تهتف: أرواحنا فدى الأسد!

مع تشييع أي مجرم يُقتل أثناء تأديته واجبه الإرهابي في سوريا من الطبيعي أن نسمع مشيِّعيه يهتفون: "لبيك نصرالله" و"فدى صرماية السيّد"، وعند تشييع أي شبّيح يُقتل في سوريا أثناء إبادته أحرار شعبه من البديهي أن نسع المشيِّعين يهتفون: "كلنا رجالك بشار"، هذا أمر نفهمه من زاوية علم نفس الجماهير ولا نتفاجأ به خصوصًا إذا وضعناه في دائرة العصبية العمياء الناتجة عن ثقافة الأدمغة المغسولة بمسحوق تأليه الزعيم وعبادة القائد... بيد أن العجيب الغريب أن نسمع هتافات "أرواحنا وأمننا فدى الأسد" من القادة الفرنسيين خصوصًا والأوروبيين عمومًا مباشرة عقب إعصار العمليات الانتحارية الذي ضرب قلب باريس يوم الجمعة 13/11/2015 موقعًا نحو 130 قتيلاً وأكثر من 260 جريحا ثمانون منهم بين الحياة والموت!

"أرواحنا فدى الأسد"، سمعناها، نعم، سمعناها عندما صبّ الرئيس الفرنسي "فرنسوا هولاند" ووزرائه جام غضبهم على "داعش" وحدَها التي تبنّت الهجمات الإرهابية ووصفوها بأبشع الصفات وأقذر النعوت وهي تستحقها لا شك... "أرواحنا فداك بشار" سمعناها مع ردّ الحكومة الفرنسية المدوّي على الإعصار ما وصفوه بالـ"حرب" و"العمل الحربي" الذي ضرب عاصمتهم حيث تعهّدوا وتوعّدوا بأن "فرنسا ستواصل حربها على داعش وستضربها بالقدر نفسه الذي ضربت به باريس وستنتصر فرنسا" على حد تعبير رئيس الوزراء الفرنسي "منويل فالس". "أمننا القومي واقتصادنا فداك أبا حافظ"، سمعناها من معظم الدول الأوروبية التي رغم هواجسها الأمنية ومشاكلها الاقتصادية فتحت حدودها لتتحمّل عبء إيواء وإطعام وضبط ومراقبة مئات آلاف اللاجئين السوريين الفاريين من إرهاب بشار الكيماويي والبرميلي ومن وحشية داعش.

لقد قال الفرنسيون نصف الحقيقة وكتموا نصفها الثاني وهو الأهم؛ نعم، ذاك الوحش الإرهابي المسمى "داعش" لا يستحق الضرب وحسب إنما يجب أن يُباد من الأرض رأفة بالبشر والحجر، لكن ماذا عمن صنع هذا الوحش وربّاه في سجونه وأشربه أخطر فكر إجرامي في العالم تحت ستار الدين وبواسطة رجال استخبارات متنكّرين بزي علماء دين؟! ماذا عن سفّاح العصر "بشار الأسد" الذي سبق للفرنسيين بتصاريح كثيرة أن حمّلوه مسؤولية إنشاء "داعش" وتمدّدها، أليس هو مع أسياده الأيرانيين مَن ابتكروا الفكر الداعشي ولقنّوه لعشرات آلاف الشباب في سجون سوريا والعراق ثم أطلقوهم من عقالهم لينشروا الفساد في الأرض بهدف تشويه الإسلام السنّي وتلميع صورة إرهاب بشار وشيعة ولاية الفقيه وإيران ثم القول للعالم: "ثمّة في هذه الأرض مَن يفوق بشار في ارتكاب الفظاعات المقززة فعلاما تلومونه، ألا ترَون أن ثمة خطرا أكبر يجب التخلّص منه ومحاربته بمعاونة بشار نفسه"؟! ثم أليس بشار هذا مَن شمت بفرنسا اليوم وكان سبق له أن هدّد بإشعال المنطقة من البحر المتوسط الى بحر قزوين، كما سبق لشيطانه منتحل صفة الافتاء أن هدّد بإرسال انتحاريين الى أوروبا؟

لنفرض أن منتجًا غذائيًا فاسدًا غزا الأسواق الفرنسية وسمّم من سمّم من المواطنين، هل ردّة فعل السلطات الفرنسية ستكون بتنظيم حملة على كامل مساحة "الإكزاغون" لسحب المنتج الفاسد من كافة الأسواق فقط، أم ستبادر السلطات توازيًا مع ذلك بمداهمة المصنع وإقفاله ومحاكمة وملاحقة مالكيه؟! ما فعتله فرنسا العام الماضي عندما تسلّلت الى أسواقها لحوم الأحصنة وبيعت على أنها لحوم بقرية هو أنها سلكت هذين المسارّين معًا، سحبت اللحوم المزوّرة أغلفتها من السوق مع أنها صالحة للأكل ولاحقت مورّديها، فما بال الحكومة الفرنسية اليوم تكتفي بملاحقة داعش دون ملاحقة منتجها مع العلم أن الكارثة ليست بلحوم الأحصنة إنما بلحوم الشعب الفرنسي التي تناثرت في شوارع باريس ومسارحها وقهاويها في مجزرة لم تشهد لها فرنسا مثيلاً؟!

قناعتنا التامة أن فرنسا لن تكون صادقة ولا ناجحة ولا مقنعة في ما تدّعيه من محاربة الإرهاب ومن الرد على داعش ما لم تحارب المَصنَع والمُصنَّع المنتَج معًا، ومفتاح الحل قطع رأس الأفعى فبعده سيبقى ذيلها يتحرّك لكن لفترة قصيرة قبل أن يلتحق بالرأس جثة هامدة، أما الاستمرار في سياسة قطع جزء من الذيل فلن يجدي نفعًا لأن الجزء المقطوع سينبت من جديد وستبقى الأفعى تبث سمومها في القارات الخمس. بعد ذلك كلّه يحق لنا أن نتساءل: ما الذي يمنع أوروبا من استقبال "لاجئ" واحد اسمه "بشار الأسد" بدلا من تكبّد عناء استقبال مئات آلاف اللاجئين وتعريض أمنها القومي للخطر واقتصادها لمزيد من التدهور؟! ما الذي يمنعهم من قتل أو سجن نفس مجرمة واحدة مقابل إحياء ملايين الأرواح البريئة التي أُزهِق منها 350ألفا على أقل تقدير في سوريا وما يزيد على 130 في فرنسا؟! للأسف، يبدو أن كل ذلك يهون فدى العميل الأممي الأول في العالم بشار حافظ الأسد.

عبدو شامي

15/11/2015     

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


33-        ما لا يجرؤ هولاند على الاعتراف به

تعهدت الولايات المتحدة وفرنسا في 22/11/2015 "سحق تنظيم داعش" وفق ما أعلنه رئيسا الدولتَين. سحق داعش! جيِّد، بل ممتاز، لكن يحق لنا أن نتساءل أين كانت هذه النخوة الفرنسية والأميركية منذ نشأة هذا التنظيم أو -لنكن أكثر تساهلاً- لنقُل منذ بداية توسُّعه وإعلانه قيام دولته مقتطعا مساحة شاسعة من الأراضي السورية والعراقية؟ أين كانت هذه الصحوة عندما كانت جحافل التنظيم وأرتاله العسكرية تتنقّل في الصحراء لتسقط المدينة تلو الأخرى من الرقة الى الموصل مكشوفة في وضح النهار آمنة على نفسها من أي ضربة أسَدية أو دولية؟! وماذا كان يفعل الائتلاف الدولي العسكري المكوّن من نحو 70 دولة من أجل محاربة داعش منذ بداية طلعاته الجوية في أيلول 2014؟ والأسئلة تطول وتطول...

بدون أحكام مسبقة ولا تأثُّر بنظرية المؤامرة (الصحيحة في مسائل كثيرة)، وبمجرّد استعمال التحليل والمنطق لا نستطيع أن نفهم ذلك التغاضي عن خطر داعش حتى وصلت الى وسط باريس إلا في إطار دعم العميل الأممي "بشار الأسد" كون داعش في فترة السماح (على فرْض انتهائها اليوم) صبَّت أبشع أنواع إرهابها على الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة المعتدلة، قاتلتهم وحدهم وانتزعت منهم أراضي محرّرة من الاحتلال الأسدي بتكاليف بشرية ومادية هائلة، بل كان ذلك التنظيم الإرهابي يتسلَّم من الجيش الأسدي مدنًا بكاملها بسلاسة تامة وبرضى النظام المجرم وذلك خشية أن تقع بيد المعارضة وبسبب حاجة الأسد الى نقل جيشه الى مناطق استراتيجية (علوية) أكثر أهمية... وآخر المدن الي سلّمها الأسد للتنظيم كانت "تدمر" التي زحفت إليها أرتال داعش بمواكب جرّارة دون أن تتعرّض لرصاصة واحدة من الائتلاف الدولي! 

عذرًا على التعبير، بالتحليل والمنطق فرنسا وأوروبا تدفعان اليوم ثمن سياستهما الخاطئة (كي لا نقول المتواطئة) في سوريا خوفًا ورعبًا وأرواحا بريئة من باريس الى بروكسيل الى برلين وسواها من عواصم الدول الفاعلة في القرار الدولي، هذا فضلاً عن تسونامي اللاجئين الذي ضرب سواحل إيطاليا واليونان وأغرق سائر الدول الأوروبية. فهل كان لا بد للسكين أن يصل الى عنق فرنسا كي تصحو وأوروبا وأميركا لخطر داعش، وهذا كله مجدّدا على فرض صحّة وجدية هذه الصحوة؟

الموقف الفرنسي المعلَن (ونشدّد على وصف "معلن") كان "لا لداعش ولا للأسد" وإن كان تطبيقه العملي "نعم لداعش ونعم للأسد"، هذا الموقف انقلب فجأة في 13/11/2015 عند الساعة 9.20 مساء (توقيت بداية الجهوم الداعشي على باريس) ليصبح "لا لداعش فهو عدونا أما الأسد فهو عدو شعبه"، هذا ما صرّح به كبار رجال الدولة الفرنسية، فما مدى دقّة الموقف المستجد قولا لا عملا وداعشيًا لا أسديًا كون الأسد كان ولا يزال في دائرة العفو الدولي؟

في إجابة مستندة الى ما سبق للفرنسيين أن صرّحوا به من تحميل الأسد مسؤولية انشاء داعش وتمددها، وقولهم إن "الأسد لا يستحق أن يكون على كوكب الأرض" (لوران فابيوس)، لا شك لدينا في أنهم يعرفون تمامًا من هي داعش ومن هو الأسد ومدى ارتباط كل منهما بالآخر والمصالح المتبادلة بين الطرفين الإرهابيَين؛ فبمراجعة سريعة لتوقيت العمليات الداعشية الإرهابية نلاحظ أنها تصبّ بشكل لافت في مصلحة الأسد وكان آخرها اعتداءات باريس قبل أقل من 24 ساعة على انعقاد مؤتمر فيينا حيث تمّ التوصل نظريًا الى تسوية للشأن السوري نصّت على عملية انتقالية مدتها 18 شهرًا، كان إرهاب الأسد ومستقبله الغائب الأكبر عن المؤتمر والإرهاب الداعشي الحاضر الأول والأخير بلا منازع.

من هنا لا نرى مفرًّا من الإجابة القاسية بأن الحزب الإشتراكي الحاكم في فرنسا إنما يستخف بعقل شعبه عبر تصويبه البوصلة نحو داعش فقط وتحميلها المسؤولية الكاملة عما حدث والتوعّد بسحقها، لأن اعتراف الرئيس الفرنسي الاشتراكي بالحقيقة تعني تلقائيًا (automatiquement)استقالته وفريقه السياسي من الحكم وإعلان فشله الصريح ومسؤوليته المدويّة عن الأرواح الفرنسية التي أزهقت؛ من هنا لا يجرؤ "فرنسوا هولاند" على الاعتراف بأن فرنسا أخطأت في التعامل مع الأزمة السورية وأن للأسد "مَوْنة" وإن كان شريكا في الجريمة بصفته من مؤسسي داعش ورعاتها وإذا وجب القضاء عليها فالقضاء عليه واجب من باب أولى... هذا ما يجب أن يدركه الشعب الفرنسي، فلا أمن ولا اطمئنان بمجرّد القضاء على "داعش" كما تدّعي حكومته، لأن داعش "مصنع إرهاب" حقًا كما قال "هولاند" لكن خاصيّة هذا المصنع أنه لا يستطيع أن ينتج بإيديولوجيّته إلا دواعش مثله، أما الأسد صانع داعش فمصنع إرهابه قادر على انتاج داعش وماعش وباعش وتاعش كي تخلف داعش فيما لو هلكت، وقد أثبت ذلك بجدارة.

عبدو شامي

 23/11/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


34-        فرنجية رئيسًا.. لمَ لا والحريري حليفًا؟!

فيما لا تزال آثار وآلام طعنة الخنجر الأول موجودة في ظهر حكيم ثورة الأرز الدكتور سمير جعجع وجُرحها لم يندمل بعد رغم مجاملات "الضحك على الذقون" المتبادلة... إذ بالحكيم يتلقى طعنةَ غدرٍ ثانية من الطعّان الأول نفسه سعد رفيق الحريري؛ غير أن الطعنة الأولى إذا كنا لم نعوّل على خطورتها كثيرا لقناعة لدينا، فإن الطعنة الثانية أخطر من سابقتها بكثير وذلك للمعطيات الآتية.

الطعنة الأولى الحاصلة نهاية العام الماضي والمتمثّلة بلقاء الحريري-عون السري في باريس وروما إذا كنا لم نعوَّل على إحداثها أي خطر يُذكَر -وهي لم تُحدِثه فعلا- فإن ذلك عائد لا محالة الى كون ترؤس الجنرال للجمهورية مرفوض من الحزب الإرهابي وإن بقي يُقسم أعظم الأيمان من اليوم الى قيام الساعة أن عون مرشحه الأوحد والذي لا رجعة عنه، ما ذلك إلا لتقطيع المراحل وتمرير الوقت ريثما تنضج الأمور المراهَن عليها في المنطقة سواء على صعيد مجريات الحرب العالمية الثالثة في سوريا أو على صعيد الملف الإيراني الجيوسياسي-النووي؛ ففي تلك المرحلة كانت المعارضة السورية رغم تلقيها الضربات الموجعة من داعش تنزل بعصابات الأسد خسائر فادحة.

اليوم اختلفت المعادلة، فالاتفاق بين الشيطانَين الأكبر(أميركا) والأخطر(إيران) قد تمّ توقيعه وإعلانه بعد 35 سنة من السريّة والعداوة المزيّفة، وهو اتفاق من أهم وأخطر نتائجه أنه يثبّت النظام الإيراني الإرهابي المكروه من شعبه ويقوّيه ويعترف به لاعبًا أساسيًا في المنطقة؛ أضف الى ذلك أن المجرم بشار الأسد دفعته الخسائر الفادحة التي أنزلتها به المعارضة الى الاقرار بخيباته وطلب النجدة علنًا معترفًا بتقهقر جيشه وعدم امكانية آلة قتله على الاستمرار... فكانت النجدة الروسية في الثانية الأخيرة من المباراة فقلبت موازين القوى ودفعت نحو تمديد إلزامي لزمن الحرب على الشعب السوري، وجعلت دول العالم تغيّر مواقفها المعلنة بأن لا مكان للأسد في مستقبل سوريا  الى القبول بدور للأسد في مرحلة انتقالية، وأصبح همُّ العالم الأوحد داعش.

بناء على ما تقدّم، فإن الطعنة الثانية بلقاء الحريري-فرنجية السري في باريس خطيرة وخطيرة جدا كونها جاءت في الظروف المذكورة آنفًا، ولكون سليمان فرنجية جدير بالاعتماد عليه والثقة به من جهة الحزب الإرهابي الحاكم في لبنان، وثالثًا لكون فرنجية صديق ودود للإرهابي البرميلي المجرم بشار الكيماوي، بل ويتفاخر بصداقته ويعتز بعلاقته مع عائلة الإجرام الأسدية، والرجل في النهاية صريح وصريح جدًا في هذا المجال، ولا شيء لديه يخفيه، وهو لا يقبل أصلا أن يخفي عنا مدى ارتباطه وعائلته التاريخي و"المشرِّف" بالعائلة التي قتلت في لبنان وسوريا وفلسطين العراق ما يفوق أضافًا مضاعفة ما أُزهق من أرواح على يد إسرائيل.

التاريخ كرَّر نفسه لأننا ببساطة لم نأخذ العبرة من الماضي ولم نبني على الشيء مقتضاه فبقي الحريري حلفيًا وزعيمًا لما يسمى 14آذار، فلا شيء كان يضمن لنا عدم تكرار سيناريو 28/11/2007 عندما أتت كلمة السر السعودية لرجلها في لبنان سعد الحريري بالقبول بميشال سليمان رئيسا للجمهورية فما كان من "عمار الحوري" إلا أن خرج علينا في ذلك اليوم عبر مداخلة هاتفية في مقابلة متلفزة مُعلنًا تأييد تياره "ميشال سليمان" كمرشح توافقي ومُفاجئًا بإعلانه هذا مرشح 14 آذار يومها "بطرس حرب" والقادة الاستقلاليين الموارنة الذين كانوا اجتمعوا في معراب تحت شعار "الأمر لك في الأمن لا في السياسة" معلنين بذلك رفض إيصال قائد الجيش ميشال سليمان الى سدة الرئاسة الأولى! رغم ذلك بقيت 14آذار مسلَّمة قرارها لمن لا يملك قراره أصلا، وبالتالي خرجت علينا الصحافة بتسريبات عن لقاء خَجِل الحريري من الإقرار به أولاً فنفى حصوله قبل أن يُقرّ به مواربة عبر فريقه السياسي وسليمان فرنجية، الى أن جاء الإعلان الرسمي عن طريق النائب "فريد مكاري" في 25/11/2015 قائلا عبر محطة "المستقبل" ان الرئيس الحريري جدّي في طرحه ترشيح سليمان فرنجيه ولكن ضمن سلة متكاملة، موضحاً ان الحريري يرى ان التوافق على رئيس يرضي الجميع لم ينجح طوال السنة ونصف السنة الماضيين وهو تلقف مبادرة السيد حسن نصرالله الاخيرة"... كل ذلك والمعني الأول مرشح 14 آذار الرسمي الدكتور سمير جعجع آخر من يعلم!! إذًا بناء على كلام "مكاري" استراتيجية الانبطاح والاستسلام الحريرية واضحة، لم نستطع الاتفاق طوال هذا الوقت على مرشح توافقي، إذا فلنعطي 8آذار المرشّح الذي تريده.

 لقد أهان الحريري بطرس حرب سابقًا بتخليه عنه دون إعلامه وأهان معه 14آذار، واليوم يهين الحكيم بطعنة ثانية في الظهر ويهين معه المسيحيين السياديين بمصادرة قرارهم، أما 14 آذار فلا إهانة تطالها لأنها ميّتة منذ زمن وقاتلها هو القائد الفذ والزعيم الاستقلالي والسيادي الأول سعد رفيق الحريري نفسه. رحم الله لبنان.

عبدو شامي

26/11/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)


*  *  *

*  *  *


35-        هدية الميلاد رئيس القرنبيط والبلح في بعبدا؟

ترشيح تيار "المستقبل" سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية لم يسبِّب لي شخصيًا صدمة تُذكَر كون هذا التيار عوّدنا منذ عام 2005 على سياسة انبطاحية انهزامية جبانة تجعلنا نتوقّع منه دائمًا الأسوأ وأن الآتي أعظم و"أفَكُّ رقبة". لكن بعيدًا عن المدلولات السياسية واللاأخلاقية لهذا الترشيح رأيتُ فيه دلالة على أن أمثالاً شعبية كثيرة وشهيرة نسمعها كل يوم دون أن نُلقِيَ بالاً لمدلولاتها ومعانيها ربما ظنًا منا أننا نفهم مغزاها بالبداهة، غير أن ذلك الوهم لا يلبث أن يتبدّد عندما يواجهنا موقف فاقع لدرجة نشعر معها أننا الآن والآن فقط فهمنا حقا دلالة هذا المثل أو أدركنا أنه مثل خاطئ أو أنه نادر التطبيق. فمن الأمثلة التي لم أفهم معناها إلا اليوم "طء شرشح الحيا" و"اللي اختشوا ماتوا"، ومن الأمثلة التي بان لي ندرة صحتها "اللي خلّف ما مات" فقد يكون مات بل وتمّت اماتته عشرات المرّات من أقرب المقرَّبين إليه.

أيضًا بعيدا عن تحليل الترشيح-الكارثة، عجبتُ لأولئك "المستقبليين" ساسة وصحفييين وعوامًا الذين لو طرحنا عليهم "فرنجية" رئيسًا قبل ثانية واحدة من تبني الحريري ترشيحه لنَظَموا فيه أعنف قصائد الهجاء معلنين رفضهم القطعي غير القابل للنقاش، وفجأة بعد ترشيح الحريري إيّاه إذ بهؤلاء أنفسهم ينظمون قصائد التبرير تحت عناوين "الواقعية" و"الاستقرار" و"التسوية الشجاعة"، وربما تمادوا في استغبائهم إيّانا فأدرجوا الترشيح ضمن "لبنان أولا" و"المصلحة الوطنية"، أو وصل الأمر ببعض مَن قتلوا في أنفسهم حاسة النقد وارتضوا بتسليم عقولهم الى الزعيم "المُؤَلَّه" الى حد نظم قصائد المديح والثناء والتي كانت قبل ثانية واحدة قصائد هجاء! وقد عرف أحمد الحريري -أمين عام الزُرْق- الكيفية الناحجة لمخاطبة هؤلاء جميعًا فنَهَرَهم وزَجَرَهم ووبّخهم صارخًا بنبرة تصطنع "وَهْرة" مُهَلهَلة بتمثيل فاشل: "عندما يقول الرئيس الحريري كلمته في أي مبادرة لا كلمة تعلو فوق كلمته في تيار المستقبل"، فعرفنا بذلك أننا أمام تيار ديكتاتوري لا كلمة فيه لمكتب سياسي مزعوم ولا لاستشارات وتبادل آراء خصوصًا في المواضيع المصيرية الخطيرة، فعندما تأتي الأوامر الملكية يخضع الجميع من أعلى الهرم الى أسفله.

وفي سياق الخضوع المفاجئ بعد صدور الأوامر يجدر بذاكرتنا أن تستعيد قول الحريري في مقابلة متلفزةبتاريخ 27/11/2014:""لا نريد رئيسا يتفاهم مع بشار الأسد وبالنسبة لي بشار الأسد نظام غير موجود وهو يتعاون مع ايران لوضع خلايا تخرِّب المنطقة. (...)لم نذهب لإنتخاب عون لأن ليس هناك اتفاق عليه ضمن 14 آذار، (...)ميشال عون وضع نفسه في موقع مرتبط عضويا مع حزب الله وأنا لا أستطيع تقبُّل ذلك. (...)حاورناه ولم يحصل توافق، هل يقبل 8 آذار بسمير جعجع، نحن حاورناه في حين أن 8 آذار لم تحاور جعجع. الجنرال عون لديه مشكلة مع 14 آذار ويوجد خلاف في هذه القوى على شخصيته(...). الجنرال عون هو طرف في 8 آذار فهل توافق 8 آذار على الإتفاق على أمين الجميل أو بطرس حرب، أتمنى ذلك ولكنه لن يحصل". نعم، هذه مآخذ وحجج ومبررات الحريري لرفض تبنّيه ترشيح عون وهي نفسها تنطبق حرفيًا وزيادة على فرنجية الذي يُصرُّ الحريري على المُضي بترشيحه اليوم ضاربًا إرادة المسيحيين خصوصًا واللبنانيين الأحرار أبناء ثورة الأرز عمومًا، وواضعًا صدقيّة مواقفه في الحضيض.

وعلى سيرة ثورتنا المجيدة التي يقتلها الحريري بتنازلاته المخزية كل يوم، يبدو أنه قرّر الإجهاز عليها نهائيا بإيصال فرنجية الى بعبدا، لا مبالغة في ذلك، أليس فرنجية الذي سَخِر من ثورة الأرز واستهزأ بقادتها قائلاً في 3/8/2007: " إن حركة 14 آذار لا تمثل ثورة الأرز، بل هي ثورة القرنبيط والبلح"؟ وإذا نسي الحريري هذه الإهانة التي تطال فيما تطاله دماء الشهداء، فهل نسي أن مرشّحه الجدّي الذي يسوّقه في العالم ويتكفّل بدعايته الانتخابية كان من ضمن عصابة المحرِّضين على اغتيال أبيه فوصفه قُبيل اغتياله بـ"رأس الأفعى"، وأضاف بتاريخ27/1/2005 "الحريري هو المعلم الأول للمعارضة وهو صاحب مشروع مشبوه منذ العام 94"، وتابع في7/2/2005 "ليس هناك قرار 1559 وانتخابات، هناك فريق يطالب اليوم بمطالب اسرائيلية وفريق يطالب بالخط الوطني".

يبدو أننا في لبنان لم تكفنا الحساسية السنية-الشيعية فأراد الحريري بعملية انتحارية انغماسية انقلابية سياسية متطرفّة أن يزيد عليها حساسية سنية-مسيحية، ترشيح فرنجية وغدره بثورة الأرز وحكيمها مؤشرات خطيرة على ذلك. تبقى الخلاصة التي تؤكّدها السياسة اللبنانية القذرة كل يوم، أن صاحب المبدأ وصاحب المَكسَب ضدّان لا يتحالفان لأن تحالفهما سينتهي حتمًا عند أول صفقة يبيع فيها صاحبُ المكسب حليفَه صاحبَ المبدأ جاهلاً بعمى جشعه وتعطّشه الى السلطة بأن صفقته وما يتوهم حصده معها من مكاسب ما هو إلا الخسارة المدوية والخسران بحدّ ذاته.

عبدو شامي

3/12/2015

(مدونات إيلاف وموقع المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية eliasbejjaninews.com)



*  *  *

*  *  *

*  *  *

*  *  *






التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !