http://elaphblogs.com/abdoshami.html
1-من حسن روحاني الى محمد شطح |
2- ماذا يعني أن يكون الحزب قد فجّر شعبه؟ |
3- وداعًا "المستقبل"..أما نحن فمستمرون |
4- في 14شباط.. ماذا بقي من 14آذار؟ |
5- الاعتدال إن شكا |
6- بيان وزاري بتوقيع اسرائيلي! |
7- الإرهاب يشرّع سلاحه من جديد |
8- الحكيم رئيسًا! حلم أجمل من أن يتحقق |
9- أمن مزيف واستقرار مؤقت والفراغ على الباب |
10- هل يؤيد الحريري الحكيم حقًا للرئاسة؟! |
11- هل ستطيح "المقاومة المدنية" بالرئاسة الأولى؟ |
12- حزب الإرهاب في مهرجان كان السينمائي |
13- الإرهاب يهين المسيحيين ويبتز الجمهورية..الفراغ رئيسًا |
14- انتخابات رئاسية نزيهة والأسد يستحقها |
15- وانكسر الهلال الفارسي من وسطه |
16- مسلسل التفجيرات الفارسي يعود بجزئه الثاني |
17- سلام والمشنوق.. تضليل وجرأة مفقودة! |
18- حزب الإرهاب يتبنى التفجيرات والمستقبل لا يخجل |
19- الشيزوفرينيا الحريرية مستمرة |
20- هل يَعتبر حزب الإرهاب من مصير القباني؟ |
21- عبرا 2.. والعماد قهوجي رئيسًا للجمهورية |
22- عودة الحريري الحلقة ما قبل الأخيرة من مسلسل الإرهاب الفارسي |
23- حزب الإرهاب تكفيري أيضًا |
24- "داعش الأم" أخطر من ابنتها |
25- مؤتمر حماية طوائف لبنان من الحزب الإرهابي |
26- المقايضة هي الحل |
27- المناقبية العسكرية قبل التسليح |
28- بعد فضيحة بريتال..هل يعلن الحزب تحالفه مع إسرائيل؟ |
29- حزب الإرهاب يُشهر إفلاسه |
30- المشنوق يعترف: نحن صحوات والمستقبل لا يملك قراره |
31- طرابلس.. كرب وبلاء وتخوّف من نهر بارد ثانية |
32- عندما يتذاكى برِّي على القوات اللبنانية33-الأربعاء الأسود34- ديمقراطية الآخرين على أرضنا35- المستقبل والقوات بعيدًا عن المجاملات36-حوار الاعتذار من عون وجعجع؟!37- جبران تويني..عندما يهاب السلاحُ القلمَ38- لبنان 2014.. احتلال وصحوات وفراغ وتمديد وفساد
|
* * *
* * *
نشرت جريدة "وول ستريت جورنال" الأميركية بتاريخ 29/12/2013 نص رسالة مفتوحة أرسلها الوزير السابق الشهيد "محمد شطح" (في الأسبوع الذي اغتيل فيه) الى الرئيس الإيراني "حسن روحاني". وفي ما يلي، نص رسالة جوابية افتراضية من نسج خيال كاتب هذا المقال، يورد فيها تصوّره لرد الرئيس "روحاني" على أبرز ما تضمنته رسالة الشهيد "محمد شطح" الموجهة إليه.
معالي الوزير محمد شطح،
تلقيتُ رسالتكم التي أبديتم فيها قلقكم على مستقبل بلدكم ودعوتموني في ختامها الى المساهمة في إنقاذ لبنان؛ وإني إذ أشيد بالتوصيف الدقيق الذي عرضتموه للوضع اللبناني المتأزم، لا أخفي عليكم اختلافي معكم على كثير مما تضمنته هذه الرسالة شكلاً ومضمونًا، وقد كانت لي عليها المآخذ التالية:
أولاً، من حيث الشكل: اسمحوا لي أن أصارحكم بأنكم أخطأتم العنوان! فقد افتتحتم رسالتكم بالقول:"نكتب إليكم بصفتكم رئيس جمهورية إيران الإسلامية"، ثم ما لبث أن تبيّن لي بوضوح في ثنايا رسالتكم أنكم تشْكون إليّ "حزب الله" وما يقوم به بالتنسيق مع "الحرس الثوري الإيراني" في لبنان وسوريا... معالي الوزير، لكي تؤتي الشكوى ثمارها لا بد أن يكون المشكو إليه أرفع رتبة وأعلى سلطة من المشتكى عليه، ونحن "حسن روحاني" وأخي "حسن نصرالله" في مرتبة واحدة، كلانا جندي في ولاية الفقيه المطلقة نخضع لأوامرها وننفذ سياستها ولا نملك أن نحيد عنها قيد أنملة، وبالتالي كان عليكم توجيه الرسالة الى الولي الفقيه نفسه، أي "علي خامنئي" المرشد الأعلى لجمهوريتنا.
أما من حيث المضمون، فيجدر بي أن أوضح لكم النقاط التالية:
معالي الوزير، خاطبتموني بالقول إنه "أرسل انتخابكم رئيساً الصيف الماضي مؤشراً لكثيرين في المنطقة والعالم بأن الشعب الإيراني يريد أن يضع بلاده على مسار جديد؛ مسار الإصلاح والانفتاح والعلاقات السلمية مع باقي العالم". هنا، اسمحوا لي أن ألفت انتباهكم الى أن الانتخابات الرئاسية وحتى النيابية عندنا في إيران "فلولكلورية" شكلية دعائية، لا تقدّم في سياسة الجمهورية ولا تؤخر، لأن بلدنا خاضع لنظام ديكتاتوري حديدي يديره أولاً وآخرًا الولي الفقيه؛ جميع المرشحين للرئاسة يشترط لقبول ترشحهم حصولهم على موافقة المرشد الأعلى الذي بدوره يعيّن الفائز حتى لو أتت نتائج صناديق الاقتراع لغير مصلحته وذلك وفقًا لما تتطلّبه المرحلة الراهنة لإيران... ولعلكم تذكرون جيدًا ماذا حصل عام 2009 عندما أتت نتائج الاقتراع مخالفة لـ "محمود أحمدي نجاد" مرشح الولي الفقيه، وكيف تمّ إنجاحه بسحر ساحر أو قل بولاية ولي.
معالي الوزير، بناء على ما تقدّم أظن أن الأمر بات واضحًا لديكم، فلا إرادة شعبية صحيحة كما ذكرتم، ولا مسارًا جديدا، ولا إصلاحًا، ولا انفتاحًا، ولا علاقات سلمية مع باقي العالم...كل ما في الأمر وببساطة شديدة: لقد أراد الولي الفقيه بعد دراسته للمرحلة الحالية والقادمة -في الداخل الإيراني وفي الخارج- أن على إيران تغيير "الماكياج" من الصدامية الى الكلام اللين، ومن التصلّب الى الحوار، أما الوجه -وجه الحلف الصهيو-فارسي التاريخي المقدس ووجه التقية- فيبقى واحدًا مهما غيرنا في "مكياجه"؛ وأعطيك دليلاً بسيطًا على ذلك، ألا وهو أنه في عهدي أنا عهد "الاصلاح والعلاقات السلمية" -على حد وصفكم- لا تزال إيران مستمرة في إبادة الشعب السوري واضطهاد الشعب العراقي السني، وقد فاق عدد القتلى في الأشهر الستة الخالية من عهدي إجمالي العدد الذي تمت تصيفته في عهد سلفي "أحمدي نجاد" المعروف بتشدده.
معالي الوزير، أرجو أن تتخذوا ما سقته لكم من حقائق في الفقرة السابقة أساسًا ومدخلاً لولوج باب توضيحي الجديد وهذه المرة ردًا على قولكم: "لقد أحيا الاتفاق الموقت الذي جرى توقيعه أخيراً بين إيران ومجموعة 5 زائد واحد، والتصريحات الصادرة عنكم منذ انتخابكم، الآمال بأن إيران ربما تتخذ فعلاً الخطوات الملموسة الأولى لسلوك ذلك المسار الإيجابي. نأمل حقاً في أن يكون هذا صحيحاً".
هنا، أطلب منكم المعذرة لأنني سأخيّب آمالكم، فالاتفاق بين إيران والغرب وعلى رأسه أميركا قائم لم يتزعزع منذ إنجاح الغرب لثورة إمامنا وولينا "روح الله الخميني" عام 1979، ولا داعي للاستطراد في أشكال الدعم الفرنسي والبريطاني المباشر الذي قُدّم للـ"خميني"، ثم الدعم الأميركي والاسرائيلي العسكري الذي مُنح إياه في حربه مع العراق "صدام حسين" عام 1985، وهو ما عرف بفضيحة "إيران كونترا" أو إيران جيت".
معالي الوزير، كن على يقين أن إيران تعرف حدودها جيّدًا بالنسبة للنووي ولا تجرؤ على تخطيها، وبالتالي فالاتفاق الذي تتحدثون لم يوقّع حديثّا لكنه ظهر الى العلن حديثًا بعدما لم يعد ثمة أي معنى لستره مع فضح "الثورة السورية" لما استطعنا إخفاءه على مدى 34 عامًا...وإلا فما تفسيركم لسكوت العالم على إبادتنا للشعب السوري الى جانب حليفنا "بشار الأسد" على مدى نحو ثلاثة أعوام؟! صدقوني لستُ أبالغ إن اعترفت لكم أننا نقاتل الشعب السوري نيابة عن العالم أجمع، وفي مقدمته إسرائيل التي صدر عن قادتها ورؤساء استخباراتها تصاريح واضحة أنهم مع بقاء "الأسد" في السلطة، وأميركا التي تخدع ما تسمونه "الجيش الحر" وتمنع تسليحه بما يقلب موازين القوى ويجعله يتفوق على "حرسنا الثوري" وجيش "الأسد".
معالي الوزير، إن إيران "الخمينية" -إذا صح التعبير- قامت على شعار شعبوي واحد "الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل"، وكان أهم أدواتها لتصدير الثورة والفكر والتشيّع "الخميني" قائمًا على دغدغة المشاعر وإثارة العواطف عبر المتاجرة بالقضية المركزية لكل عربي ومسلم وحتى مسيحي، عنيت بها القضية الفلسطينية... وتحت أستار "المقاومة" و"الممانعة" ومعاداة إسرائيل وأميركا التي أطلقنا عليها وصف "الشيطان الأكبر" إمعانًا في التضليل، وبمساعدة عسكرية مباشرة من هذين الطرفين بنينا هلالاً فولاذيًا يمتد من إيران ويمر بالعراق وسوريا وغزة ولبنان، مهمته حماية مصالح مَن ندعو عليهما بالموت في كل اجتماعاتنا وخطبنا؛ وكان حجر الاساس في بنائه تلك الخدمة الأميركية الجليلة بإزاحة حركة "طالبان" من أفغانستان عام 2001، ثم ما تبعها من إزاحة "صدام حسين" من العراق عام 2003، وقد أتت ما تسمونها "حرب تموز2006" في هذا السياق نفسه لزعزعة حكومة ما تسمونه "الاستقلال الثاني" وترجيح كفة الدويلة على الدولة، فلا يخفى عليكم أن التفوق العسكري والتكنلوجي والاستخباراتي الإسرائيلي قادر -لو أراد- على محو الترسانة العسكرية لحزبنا في لبنان في ساعات معدودة لا في 33 يومًا من الدعاية المركّزة والمكثفة لمحورنا. أما في غزة، فبعد جهودنا الناجحة في انفصال قطاع غزة وصولا الى حصاره، باتت مهمتنا توريط "حركة حماس" في محارق دامية مع إسرائيل وفي التوقيت الذي تحدّده تلك الأخيرة، وذلك كلما احتاجت إسرائيل لتلك الخدمة في سياساتها الداخلية لأغراض انتخابية أو سواها، وهو تمامًا ما جرى نهاية عام 2008 ونهاية عام 2012.
معالي الوزير، انطلاقًا من كل ما تقدّم، أعتذر منكم مجدًدا، فلا إمكانية بتاتًا لتنفيذ ما أشرتم إليه في رسالتكم من "الخطوات الضرورية" المطلوب من إيران اتخاذها لـ"حماية لبنان من مواصلة التدحرج على منحدر شديد الانزلاق" والتي حددتم خطوطها العريضة بالتزام حزبنا بـ"إعلان بعبدا" و"وضع حد لمشاركته في النزاع السوري". فالبنسبة لـ"إعلان بعبدا" جرى توقيع حزبنا عليه بحبر "التقية"، ونوقع لكم على أكثر من ذلك طالما أننا نستخدم ذلك الحبر نفسه، ولسنا في وارد التخلي عن قاعدتنا العسكرية في لبنان. أما فيما يتعلق بأمرنا الحزب -والأمر للولي الفقيه أولاً وآخرًا- بالانسحاب من سوريا فهو طلب تعجيزي، ولم يكن أخي وزميلي في "الجندية" "حسن نصرالله" يكذب أو يبالغ عندما اقرّ في 20/12/2013 أن قتالنا في سوريا هو "معركة وجود وليس شرط كمال" وأننا "مهددون في وجودنا"، فالامبراطورية التي فصّلت لكم مهمتها وامتدادها وجهود بنائها على مدى 34 عامًا مهددة اليوم بالزوال والتفكك والانهيار على يد الشعب السوري الثائر، ولسنا في وارد التضحية بوجودنا ومصالحنا لا سيما أن آمال السياسة الصهيو-أميركية معلّقة علينا، فهم على يقين أن بقاءهم من بقائنا وزوالهم من زوالنا.
مع خالص اعتذاراتي
حسن روحاني
* * *
* * *
استيقظ الزوج صباحًا ليجد بيته قد سُرق، فقد نسيَت زوجته في تلك الليلة أن توصد باب المنزل قبل أن تنام. الى الآن القصة منطقية وصالحة لجميع الأعمار، غير أنه عند التحقيق تمّ الزجّ بالزوج في السجن بتُهمة الاشتراك مع السارقين وتبرير الجريمة والتحريض على ارتكاب جرائم مماثلة، وذلك لمجرّد أنه وجّه اللّوم الى زوجته قائلا: لماذا تركتِ الباب مفتوحًا؟ لو أنك أقفلتِه جيدًا لما دخل السارق منزلنا!!
هذا الغباء أو التغابي أو الاستغباء -الذي لا ينطلي على الأسوياء من البشر- نسمعه بعد كل انفجار يضرب قلب "الضاحية الجنوبية"، حيث يسارع "حزب الإرهاب المنظم" الى اتهام القوى الاستقلالية بـ"تبرير الإرهاب" و"دعم التكفيريين"، وذلك ردًا على وضع تلك القوى الانفجار في إطاره التسلسلي والمنطقي الصحيح على أنه نتيجة طبيعية لإرسال الحزب جحافله الإرهابية الى سوريا لقتل الشعب الثائر هناك... وكأن هذا الحزب لا يمكن أن يستمر له وجود ولا أن يَهنَأ له عيش إلا بأمر واحد هو اغتيال العقول، سواء ماديًا أم معنويًا.
آخِر فصول "مسرحية تعطيل العقول" الهزلية شهدناه بعدما دوّى أحدث تلك الانفجارات تاريخًا في 2/1/2014، واستهدف بسيارة مفخخة منطقة "حارة حريك" على مسافة قريبة من المكتب السياسي لـ"حزب ولاية الفقيه"، حاصدًا أربعة قتلى ونحو 70 جريحًا.
للأمانة، كان السيناريو هذه المرة مشوّقًا في بدايته ونجح في شد انتباه الجمهور، غير أن ذلك التشويق ما لبث أن تلاشى الى حد الزوال مع تسلسل الأحداث التي كشفت عن خلل مميت في الحبكة، وعن سيناريو هزيل يستخف بعقول المشاهدين! مع عدم إغفالنا السعي الواضح من "صنّاع العمل" الى تقديم قصة أكثر إقناعًا من "فيلم أبو عدس 2005"، لكنهم مع ذلك فشلوا في تقديم حبكة تحترم ذكاء المشاهد.
عنصر التشويق وشد الانتباه دام دقائق معدودة وتألّف من المشاهد التالية: عقب التفجير مباشرة وفيما الحديث دائر عن سيارة مفخخة، خرج النائب عن كتلة الحزب "بلال فرحات" ليشير إلى أن "انتحارياً نزل من السيارة وفجّر نفسه بالقرب منها"؛ في المقابل كانت وسائل الإعلام التابعة لـ"الحزب" تستدرج الفتنة من خلال تحدثها عن "خطة سير" رُصدت للسيارة عبر "عرسال" (السنية)!
منذ تلك اللحظة، بدأت الثغرات تظهر بشكل تصاعدي كلما تصاعدت أحداث "القصة" وعلى مدى ثلاثة أيام متوالية من تاريخ الانفجار؛ ومن أبرز تلك الثغرات التي نمّت عن ركاكة في الحوار وهزال في الحبكة، سرعة وصول الجيش والأجهزة الأمنية الى مسرح الانفجار، وهي سابقة في تاريخ الحزب الذي يفرض عادة طوقًا أمنيًا من عناصره ولا يسمح لأي جهة أمنية أو رسمية بالمعاينة إلا بعد "تنظيفه" ما يجب "تنظيفه". وكان لافتاً أيضًا السرعة التي كُشفت فيها التفاصيل عن السيارة وكيف بيعت ولمن، فقبيل الغروب وخلال نصف ساعة من حصول الانفجار، كان تاريخ السيارة التي بيعت بموجب وكالات مرارًا وتكرارًا مفصلاً ومسرّبًا الى وسائل الإعلام، علمًا أنه في ذلك الوقت لا دوائر رسمية مفتوحة ولا مكاتب لكتّاب عدل! في تلك الأثناء، بدأ التمهيد لأحداث اليوم التالي عبر الإعلان عن أن "أشلاء عدة وجدت في مسرح الجريمة تبيّن أنها تعود الى شخص واحد هو الانتحاري، ويجري التأكد من هويته".
لمسة "الساينس فيكشن"، كان المشاهدون على موعد معها في حلقة اليوم التالي(الثاني)، حيث أُعلِن عن اكتشاف إخراج قيد مضاد للنار والماء والتفجير وكافة أنواع المواد الحارقة، تطاير ووصل إلى الطبقة الثامنة في إحدى البنايات المجاورة للإنفجار!! هذا "السوبر إخراج قيد" تبيّن أنه يعود الى طالب جامعي من "وادي خالد"(العكارية السنية)، هو "قتيبة محمد الصاطم" باعتباره الانتحاري أو الاستشهادي المفترض، ما أثار لغطًا واسعًا، خصوصًا أن عائلته وأهالي بلدته أصدروا بيانًا شككوا فيه في التلميح الى اتهامه لكونه لا يجيد قيادة السيارات، ولا يعقل أن يحمل إرهابي هويته في جيبه، متسائلين كيف وجدت هويته من غير أن تتأذى في جثة متفحمة؟ وفيما أثبتت التحاليل المخبرية أن الأشلاء المكتشفة تعود الى "قتيبة"، أظهرت صورة الجثة أنها مهشّمة من الجهة اليمنى بشكل كامل فيما لم تصب الجهة اليسرى منها إلا بشكل جزئي، ولو كان هو يقود السيارة وهو الإنتحاري لتضرر جانب رأسه الأيسر بإعتبار أن السيارة كانت مفخخة عند الأبواب؛ الأمر الذي رجّح أن تكون جثة "قتيبة" قد وضعت داخل السيارة، ولم يكن هو مَن يقودها".
وجاء اليوم الثالث على التفجير (4/1/2014) ليكشف السقطة الكبرى! فبعدما كثرت علامات التعجب حول عدم تبني أية منظمة ذلك التفجير، وكثرت الشكوك حول إمكانية أن يكون الحزب نفسه هو مَن يقف وراء التفجير، أتت "محاولة التكحيل لتصيب بالعمى" أو لـ"تحرق الطبخة" الفاشلة أصلاً وتثبت التهمة، مع إعلان تنظيم "داعش" في بيان منشور عبر "تويتر" تبنيه تفجير "حارة حريك". فمن هي "داعش"؟
في سوريا، "داعش الأسد" هي أداة الاستخبارات لاختراق المعارضة السورية المسلحة وتشويهها وتفتيتها وتدميرها من داخلها. وفي العراق، "داعش إيران" هي أداة "المالكي" لاختراق محافظة الأنبار السنية التي تشكل ثلث مساحة العراق وتتشارك وسوريا في حدود تمتد نحو 300 كيلومتر، وهي محافظة يحاول "المالكي" السيطرة عليها بحجة مكافحة الارهاب وضرب أبناء العشائر السنية في مدنها... وصولاً الى فك الحصار عن نظام الإرهابي "بشار الأسد" وتأمين خط إمداده إيرانيًا بالمعونات اللازمة لمواجهة المعارضة السورية، بعد أكثر من سنة على توقف خط التهريب عبر تلك المحافظة السنية بسبب اعتصامات واحتجاجات بدأت تنظمها مطلع عام 2013 رفضًا لسياسة التمييز والاضطهاد الفارسية، وهي احتجاجات يعود الفضل في نشوبها الى الثورة الوحيدة الممنوعة عالميًا وصهيو-أميركيًا، والتي شكّلت باعث أمل للأنبار وأعادت لها امتدادها الديموغرافي الطبيعي... مع التذكير أن "الأنبار" كانت وحدها -إضافة الى بعض المدن السنية- التي قاومت الاحتلال الأميركي، فيما قبض "السيستاني" 200 مليون دولار ليسلّم العراق للأميركيين ويحرّم قتالهم (بحسب ما أورده دونالد رامسفيلد في مذكراته “known and unknown”، والتزم "عبد العزيز الحكيم" بأوامر الولي الفقيه التآمرية، وانصاع "مقتدى الصدر". وقد أعلن متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية الكولونيل "ستيفن وارن" في 6/1/2014 أن الإدارة قررت تسريع تسليم صواريخ وطائرات مراقبة من دون طيار الى العراق لمساعدة السلطات العراقية في مواجهة المقاتلين المرتبطين بتنظيم "القاعدة"! لنكون أمام "إيران-كونترا" جديدة لكن علنية هذه المرة بعدما لم تترك الثورة السورية للسرّ مكانًا.
بعد ذلك كله، والاستطراد الذي كان لا بد منه، وإذا ثبت أن الحزب هو الفاعل، ماذا يعني أن يكون الحزب قد فجّر شعبه؟ ثمة ثلاثة احتمالات:
إما أنه يريد شدّ عصب أبناء الطائفة الشيعية التي يخطف قرارها ومنعها من التململ أو رفع الصوت، خصوصًا بعد تكاثر عدد جثث مقاتليه المتوافدة الى القرى الجنوبية حيث مسقط رأسها، وإن كان بعضها دفن بلا رأس!
وإما أنه أراد بالتفجير إيقاف العد العكسي لولادة حكومة حيادية ضُرب لها موعد مبدئي شبه ثابت قبل العاشر من الشهر الجاري؛ وهذا ما يؤيده تصريح الشيخ "نعيم قاسم" عقب التفجير، حيث حذّر من أن "مخطط الاجرام سيؤدي الى أن يشرب الجميع من هذه الكأس المرة"، وخلص الى أن "الرد هو بالتفاهم السياسي والمسارعة الى تشكيل حكومة للوحدة الوطنية".
وإما أنه اتخذ القرار ببدء الانسحاب من سوريا بعدما أيقن أن معركته خاسرة وأن هلاله قد كُسر، وبالتالي انتقل الى الخطة باء التي يريد من خلالها أولاً: العودة الى لبنان بذريعة حماية بيئته تمويهًا وسترًا لحقيقة العودة اندحارًا...، وثانيًا: التعويض عن جزء من خسارته "سوريا الأسد" و"الكوريدور" الفارسي الذي يوصله بإيران، وذلك بمكسب استراتيجي يفرضه على مكونات الشعب اللبناني لا يقل عن دستور جديد يعطيه بالنص والقانون ما انتزعه وفرضه بالسلاح. وقد عبّر الحزب عن مخططه هذا بوضوح في 1/6/2012، عندما دعا أمينه العام الى: "عقد مؤتمر حوار وطني وليس فقط طاولة حوار وطني، بل تطويرها إلى مؤتمر تأسيسي أو إلى مجلس خبراء جديد". وتساءل "ألا نستأهل نحن كلبنانيين ذلك قبل أن نصل إلى المدافع؟".
ثلاثة احتمالات واردة قد تكون كلها صحيحة، غير أن صحة الاحتمال الأخير تعني أن الحزب قد أخذ قرار إشعال الاضطرابات والفتنة في لبنان، باتهامه عرسال وعكار بالتفجير الأخير، وتسعيره بروباغاندا "داعش" والتكفيريين، ولا سيما أنه هيّأ الأرضية لقراره هذا بعد نجاحه في رفع منسوب الاحتقان الطائفي بقتله الشعب السوري السني بخلفيات وشعارات طائفية حاقدة، ومصادرته حقوق المسيحيين والسنة والاعتداء على مناصبهم في الدولة، وإمعانه في سياسة التفريغ المنهجي للمؤسسات والذي سيصل في وقت قريب الى منصب الرئاسة الأولى.
* * *
* * *
إذا كان النائب "وليد جنبلاط" بطل "الجمباز" (قِسْم الاستدارات والانعطافات السريعة في السياسة) بلا منازع، فالرئيس "سعد الحريري" أثبت بجدارة أنه بطل "الوثب العالي" فوق المبادئ والمواقف والشعارات!
فمنذ بروزه على الساحة السياسية بعد استشهاد والده الرئيس الشهيد "رفيق الحريري"، توالت الأحداث لتثبت -على الأقل في السنوات الخمس الأخيرة- أن "الشيخ سعد" ماهر بقدرته على بناء السقوف العالية القائمة على أعمدة ضخمة من الأسمنت المسلّح بالشروط الوطنية والسيادية والاستقلالية والمدعّمة بالمواقف النارية المشرِّفة، ثم بقدرته كذلك على القفز فوق تلك السقوف والأعمدة مهما بلغ ارتفاعها، هكذا فجأة وبسحر ساحر!
والملاحظ هنا، أن "الحريري" لا يُقدِم على أي "قفزة" إلا إذا أرفقها بقنابل دخانية، أو بإثارة موجات من الغبار الكثيف، تخفيفًا على جمهوره الاستقلالي من هول مشهد السقوف السيادية التي هدمها والركائز الوطنية التي تجاوزها بوثبه العالي؛ ولعل أهم مكوّنات الدخان والغبار المُثارَين تختصر بمواد تخديرية مثل: "أم الصبي" و"اليد الممدودة"، وكان آخرها استعمالاً اليوم "مصلحة لبنان" و"تحكيم العقل على العاطفة".
فبعد "وثبته" الأخيرة بمشاركته في حزيران 2012 بجلسات "حوار التقية" التي أعقبت قفزه فوق "سقف" "أن لا حوار قبل الإعتذار عن 7 أيار وتسليم المتهمين في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى المحكمة الدوليّة"، وفقًا لما نقله عنه في 18/4/2012 النائب "نهاد المشنوق" مطمئنًا الجمهور الاستقلالي، سجَّل "الحريري" في 17/1/2014 رقمًا قياسيًا بوثبة أكثر ارتفاعًا ثمثّلت بموقف انهزامي انبطاحي صادم، حيث أبدى "استعداده للمشاركة في حكومة ائتلافية جديدة مع "حزب الله" باعتباره حزبًا سياسيًا"، معربًا عن تفائله بتشكيل هذه الحكومة! ومعتبرًا أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته"، ومبرّرا "قفزته" بأن "الخطوط الحمر تمليها حاجات البلاد، ونحن نريد الاستقرار"... ليقع مجددًا في فخ شرعنة قوى الأمر الواقع المسلّحة ومنحها غطاء جديدًا لكسب الوقت في مشروع هيمنتها على الدولة، كل ذلك تحت ذريعة حفظ الاستقرار!
مع انكشاف قناعه الطائفي الحاقد البغيض، بدأ "حزب الإرهاب المنظم" يبحث عن "غطاء سني" يقيه زمهرير تدخله في سوريا وخوضه في دماء الشعب السوري، فالـ"غطاء المسيحي" العوني فضلا عن كونه قصيرًا ورقيقًا وممزقًا وشفافًا... لا يخدمه في حربه على الشعب السوري لأنه سنّي بغالبيته العظمى، كما لا يفيده في ضرب سنّة لبنان المتمسكين بمشروع الدولة والمؤيدين والداعمين للثورة السورية المجيدة... إذًا لا بد من "غطاء سنّي" حتى لو استدعى الأمر بعض "التنازلات" الكلامية اللفظية المفرّغة من أي مضمون عملي كونها صادرة عن "لسان التقية" ومكتوبة بحبرها، فالتقية سيّدة الموقف في تلك الظروف، والتجربة بل التجارب العديدة خير برهان. أما ثلاثية تشريع سلاح الحزب، فأمرها بسيط ولا يعدو عن صيغة إنشائية مبتكرة، فاللغة العربية غنية وحمالة أوجه وقادرة على إيجاد صيغة ترضي الجميع وتجعل "المستقبل" يوهم شعبه أنه حذف الثلاثية ولم يشرّع سلاح الإرهاب، فيما يدّعي الحزب العكس تمامًا، أما الحقيقة فهي أن القديم باق على قدمه فعلا والدولة ماضية في الانهيار!!
بناء على ما تقدّم رفض "الحزب" أي كلام عن حكومة أمر واقع أو حكومة حيادية وهدّد بالويل والثبور حال إقدام رئيس الجمهورية أو الرئيس المكلف على تشكيلها؛ هو يريد حكومة سياسية بامتياز، حكومة يشاركه فيها "تيار المستقبل" للحصول على الغطاء السني المنشود، أما الجنرال البرتقالي وصهره وأقاربه فباتوا "آخر همّه"، وها هو "بكاء" الجنرال يعلو ممتعِضًا:"نحن لم نُستشر في أمر الحكومة ولا نعرف أسماء وزرائنا".
انتظرتُ وتمهلّتُ قبل كتابة تلك الكلمات، وقلت في نفسي لكي لا نظلم الرجل فلننتظر مقابلته في برنامج "انترفيوز" الذي تقدمه الإعلامية "بولا يعقوبيان" على تلفزيون "المستقبل"، لعل "الشيخ سعد" يقنعنا بتأويل موقفه الأخير أو "وثبته العالية الأخيرة" التي تجاوز فيها الخطوط الحمر التي وضعها لمشاركته في أية حكومة تجمعه بـ"حزب الإرهاب المنظم" والتي لطالما ردّدها ونواب "تيّاره" على مدى أكثر من عام وبشكل مكثّف ويومي خلال الأشهر التسعة على تكليف النائب "تمام سلام" بتشكيل الحكومة الجديدة. غير أن أجوبة "الحريري" جاءت ضعيفة ودون المستوى، لأنها أصلاً تدافع عن قرار خاطئ أقل ما يقال فيه إنه "هدية مجانية" للحزب، ودعسة ناقصة وانزلاق الى وادٍ عميق من أجل تسوية غير متكافئة أو تنازل إضافي مُهين في حق "ثورة الأرز" وشهدائها وجمهورها، وهذا الانقلاب المفاجئ لا يمكن أن ينجم إلا عن وحي أو أمر خارجي (سعودي في المقام الأول)، سيؤدي كالعادة الى تراجع عن المبادئ الاستقلالية والمواقف المشرّفة التي أعلنها الحريري في الفترة السابقة، وينسف الأهداف المرسومة لـ "المقاومة المدنية السلمية" لتحرير لبنان من السلاح التي أعلنها الرئيس "السنيورة" عقب اغتيال الوزير السابق "محمد شطح"...وربما قضى على ما تبقى من 14آذار!! وهو ما سنتناوله في مقال لاحق.
فبالنسبة لقطعه العهود أمام جمهور اللبنانيين بأنه لن يقبل بحكومة يشارك فيها "حزب الإرهاب المنظم" قبل أن ينسحب من سوريا بعد أن أمعن في التنكيل وارتكاب المجازر بحق الشعب السوري، كان جواب الحريري:" إن المشاركة في الحكومة مع "حزب الله" "هي في مكان ما ربط نزاع، فحزب الله لن يخرج من سوريا ونحن سنبقى نطالب بخروجهم، لكننا نضع الخلاف على طاولة الحكومة ليحصل حوار"!!
وبالنسبة لتقديمه تنازلات جديدة، حاول الحريري إيهام الرأي العام بأن المتراجع والمتنازل هو "الحزب" وليس هو قائلاً: أنه وافق على المشاركة انطلاقًا من أن "هناك فريقاً كان يهدّد واليوم تراجع، وقال إنه يتخلى عن 9-9-6، وبدأ يتحدث بإيجابية، لكن لا يعني ذلك اني أغطي سلاحه أو مشاركته في سوريا"... متجاهلاً استسلام النائب "جنبلاط" ووزرائه لإرهاب الحزب، ومتغافلاً عن الوزير الشيعي المحسوب على حصة رئيس الجمهورية في صيغة 8-8-8، والذي سيؤمِّن الثلث المعطل المموّه للحزب ويعيد تجربة الوزير الوديعة أو الخديعة الذي فجّر باستقالته عندما صدر التكليف الشرعي حكومة "الحريري" الأخيرة.
وبالنسبة لإعلانه عن أنه تقدّم بأسئلة واضحة للحزب تتناول تحديدًا موقفه من "إعلان بعبدا" ومن الثالوث الأخبث "الجيش والشعب والمقاومة" وأن على "الحزب" أن يوافق على الأول ويتراجع عن الثاني لكي يقبل بمشاركته في الحكومة، قال الحريري: "عندما رأينا تراجعًا من "8 آذار" عن حكومة 9-9-6 الى 8-8-8 طرحنا أسئلة وكانت الردود إيجابية"، ، ثم لا يلبث أن يناقض نفسه قائلاً: ""إننا لن نتنازل عن مطالبنا وهم أيضا لن يتنازلوا، ولكن اليوم نفتح بصيص أمل لتشكيل حكومة على رغم الخلافات الكبرى... ولا يمكن ترك البلد هكذا، نريد وقف الانهيار". وتلك قفزة مزدوجة، تجاوز فيها الحريري ما سبق وأعلنه عقب إقصائه من الحكم بإسقاط حكومته في 11/1/2011 من أنه لن يقبل بأي تعهد من "الحزب" إن لم يكن مكتوبًا وممهورًا بتوقيعه ومصورًا بحضرة شهود، وذلك بعد نكثه بعهود "الدوحة".
وأما عن تبنيه التصنيف الأوروبي للحزب الإرهابي، والذي فرّق بين جناحيه السياسي والعسكري، فقد تهرّب الحريري من الإجابة قائلاً بضحكة ساخرة: "إيه نحن أوروبيون نحن أوروبيون". هذا مع العلم أن الحزب نفسه يرفض فكرة التفرقة بين جناحيه وقد أعلن ذلك صراحة، وهذه حقيقة، فالحزب أسسه "الخميني" عام 1982 على أنه ميليشيا مسلحة شعارها البندقية وهدفها تصدير الثورة الخمينية وإلحاق لبنان بإيران.
خلاصة الموضوع بسيطة جدًا بالنسبة للشيخ "سعد": ثمة "خلافات جوهرية، ولكن مصلحة الناس والبلد تحتم علي تحكيم عقلي على عاطفتي، واتفق مع حلفائي على ضرورة الحذر من المشاركة في حكومة مع 8 آذار"، مشيراً إلى أن "هناك بعض الأمور الاجتماعية والاقتصادية يجب معالجتها(...) وهناك استحقاقات أمام لبنان ويجب علينا أن نتحرك".لافتًا الى أن "كل تفجير يقابل بتفجير آخر، ثم يوزع الملبّس هنا أو هناك ولكن من يفعل ذلك؟ إنه بشار الاسد". وأضاف: "البلد لم يعد يحتمل وأنا من واجبي أن أجد معادلة للخروج من الوضع المؤلم".
إذًا، كل ما فعله الحريري هو أنه وجد "معادلة الخلاص"، "حكّم عقله" خلافًا للقاعدة الجماهرية لقوى 14 آذار ولحكيم ثورة الأرز الدكتور "سمير جعجع" المتمسكين بالثوابت والمبادئ الدستورية والسيادية والاستقلالية والرافضين المساومة عليها أو تجريب المجرّب وأن يُلدغوا من الجحر مرّتين بعد الألف، فهؤلاء على ما يبدو هم أسرى لعواطف تسيّرهم استطاع الحريري التحرّر منها من خلال "تحكيمه العقل" وتغليبه على العاطفة، فقرّر أن يكرّر ما فعله "نجيب ميقاتي"، سيجلس مع الإرهابيين ويقوي ظهرهم بحكومة ائتلافية سنية-شيعية، وهم سيتابعون إرهابهم في الداخل باسم "داعش" والتكفيريين وفي الخارج باسمهم الشخصي، أما هو فسينتظر الشهيد التالي من القوى الاستقلالية وسيبقى يطالبهم بتسليم السلاح وبالانسحاب من سوريا!!
أعلنها "الشيخ سعد" أكثر من مرة وأعادها في مقابلته الأخيرة: "لا شيء يفرّقني عن حلفائي في 14 آذار إلا الموت"، وبالفعل نجح "حزب الموت" في تحقيق تلك التفرقة. وداعًا "تيار المستقبل"، أما نحن فمستمرّون.
* * *
* * *
في الذكرى التاسعة لجريمة العصر والتي تميّزت هذا العام بانطلاق جلسات "المحكمة الدولية" التي أبهرت العالم بحرفيتها ومهنيتها العالية، نجد من الضروري بمكان التطرّق الى وضع "تحالف قوى 14آذار" الوليد المبارك للحظة التاريخية التي التقطت فيها اليد المسلمة اليد المسيحية الممدودة إليها منذ أكثر من ثلاثة عقود تحت شعار "لبنان أولاً".
لدى الحديث عن قوى 14 آذار، أو الحركة الاستقلالية اللبنانية، لا بد من التنبيه على أنها تتألّف من شقّين متكاملَين:
الشق الأول: هو الشعب التوّاق لبناء الدولة الحرة السيدة المستقلة التي تجمعه -بكل أطيافه وانتماءاته- في الإطار الوطني الواحد، الشعب الذي سبق قياداته مفجّرًا انتفاضة الاستقلال في أعقاب اغتيال الرئيس "رفيق الحريري" من أجل التحرر من الاحتلال السوري وأدواته "اللبنانية"، جمهور نوعي طليعي ملأ الساحات منذ 14 آذار 2005، وأعاد الكرّة في ذكرى 14 شباط من كل عام قبل أن تتقوقع قياداته مفضلة إحياء الذكرى داخل قاعة "البيال".
أما الشق الثاني، فهو الجسم السياسي الذي يضم مجموعة متحالفة من القوى والأحزاب والشخصيات المستقلة، التي قادت "ثورة الارز" وحملت لواء "الحرية والسيادة والاستقلال"، وكان إنجازها التاريخي إقرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
بناء على ما تقدّم نقول: لا خوف على تفكّك 14آذار على الصعيد الشعبي، فلانتفاضة الاستقلال حماتها وحرّاسها الحقيقيون، وهؤلاء هم شعب "ثورة الأرز" الملتزم بقسَم الشهيد "جبران تويني". أما الجسم السياسي، فقد أثبتت السنوات التسع الماضية أن الأمور بالنسبة لتماسكه تبقى مفتوحة على جميع الاحتمالات، فقد عجز عن التصرّف كفريق واحد في كثير من الحوادث المفصلية، الى درجة جزم معها البعض بوفاته، أو بأنه أمسى تحالفًا وهميًا منفرط العقد.
كسبيل منطقي لمعرفة حياة تحالف "قوى 14آذار" من موته، أو تشخيص صحته من مرضه، لا بد من استعراض مختصر قدر الإمكان لأبرز الخطايا التي اقترفها على مدى 9سنوات من ولادته، وصولاً الى استخلاص المشاكل واقتراح الحلول.
1
فمن المؤرِّخين من اكتفى بخطيئة "الحلف الرباعي" لكي يسارع في الإجهاز على تحالف القوى الاستقلالية وهي لا تزال في مهدها؛ إذ قبيل انتخابات حزيران2005 النيابية، ارتكب حزبان استقلاليان خطيئة لا تغتفر بعقدهما تحالفًا انتخابيًا مع حزبَين منتميَين الى عصابة "شكرًا سوريا"، ما أنتج حلفًا رباعيًا ضمَّ "تيار المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" من جهة، و"حزب ولاية الفقيه" و"حركة أمل" من جهة ثانية. وما إن جرت الانتخابات حتى تبيّن أن الجنرال "ميشال عون" كان شريكًا مضاربًا في الحلف الرباعي -الخماسي حقيقة- ذلك أن "الحزب الإيراني" أيَّد لوائح "ميشال عون" باستثناء "بعبدا"! هذا الحلف "الإسلامي" انتخابيًا أدى الى استنهاض الشارع المسيحي في اتجاه "الجنرال" الذي عرف كيف يستثمر خطئية الاستقلاليين بكتاب برتقالي يعرض برنامجًا انتخابيًا ظاهره استقلالي سيادي وباطنه دعائي خادع، حصَدَ بموجبه نحو 70% من أصوات المسيحيين. وكانت تلك لعبة سورية-إيرانية "ناجحة" لإدخال "حصان طروادة" الى القلعة المسيحية الاستقلالية. وحتى اليوم الأخير من الانتخابات ظلَّ وضع المعارضة مضطربًا لحصولها على 44 نائباً مقابل 56 لحلفاء سوريا، لكن في الجولة الأخيرة فَعَلَها "الشمال" وأنقذ الموقف بانتخابه 28 نائباً استقلاليًا جديداً، فباتت المعارضة تمتلك 72 نائباً من أصل 128.
2
ومنهم من يعيد وفاة تحالف 14آذار الى 28/11/2007، يوم أصدر النائب "سعد الحريري" قرارًا "انقلابيًا" مفاجئًا تولى مهمة إعلانه النائب عن كتلة المستقبل "عمار حوري" قائلاً: "بعد حصول الفراغ في موقع الرئاسة، (...) وخلافاً للتوجهات التي سادت سابقاً، نعلن قبولنا بتعديل الدستور في سبيل الوصول إلى توافق على اسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان" كمرشح لرئاسة الجمهورية. كان لهذا الإعلان وقع الصدمة العنيفة على جمهور "ثورة الأرز" الذي بدأ يرى قياداته تتراجع عن القرار تلو القرارخصوصًا أنها كانت قد حسمت موقفها برفض تعديل الدستور وانتخاب عسكري لمنصب الرئاسة الأولى؛ وكان المعيب في إعلان "الحريري" أنه فاجأ بعض قيادات الأكثرية نفسها، نظرًاً لعدم التشاور معها مسبقًا بخصوصه أو حتى إعلامها به، وكان على رأس هذه القيادات مرشح 14 آذار للرئاسة الأولى النائب "بطرس حرب"!!
3
ومنهم من يحدد 21/5/2008 تاريخًا لنهاية تحالف 14 آذار؛ ففي هذا اليوم، وعلى وقع مدافع غزوات 7أيار الإرهابية، وبعد أن سيقت مكبّلة الأيدي الى طاولة "حوار" في العاصمة القطرية وُضِع فيها سلاح غدر الحزب وملحقاته على الطاولة وفي الرؤوس، وقّعت الأكثرية على "اتفاق الدوحة" مع تحفّظ مشرِّف لحكيم ثورة الأرز الدكتور "سمير جعجع". "اتفاق الغالب والمغلوب" بامتياز، انتصرت فيه الأقلية المسلّحة على الأكثرية المغشوشة بالنصائح الخارجية والدعم الأميركي الكلامي المفرّغ من أي مضمون عملي، حيث نالت المعارضة ما سبق أن رفضت 14آذار منحها إياه، وهو حكومة "وحدة وطنية" لها فيها الثلث المعطِّل، وقانون انتخاب العام 1960، أي قانون القضاء الذي ظنت أنه يضمن لها الأكثرية. أما فيما يتعلق بانتخاب "ميشال سليمان" رئيساً للجمهورية، فهو أيضاً من مكاسب المعارضة المسلحة، بعد نجاحها في منع قوى 14 آذار من انتخاب أحد مرشحَيها. كما نجح "حزب ولاية الفقيه" بمنع قوى 14 آذار من التعرُّض لمناقشة موضوع سلاحه في "اتفاق الدوحة"، بدليل أنه نصَّ على تأجيل بحث هذا الموضوع إلى "الحوار الوطني" في لبنان، مع العلم أن قيادات قوى 14 آذار كانت قد شدَّدت قبل جلبها إلى "الدوحة" أن موضوع السلاح سيكون الأول بلا منازع على طاولة الحوار القطرية.
4
ومنهم من يؤرخ لنهاية تحالف قوى 14آذار بحزيران 2009، عندما بادر النائب "سعد الحريري" بشكل مفاجئ -كالعادة- وغير متوقّع، الى الإعلان عن "اليد الممدودة" للفريق الانقلابي لتشكيل "حكومة وحدة وطنية" بعد ربع ساعة من إعلان فوز قوى 14آذار في انتخابات 7/6/2009 النيابية! بدّد هذا القرار الانتصار التاريخي الذي حقّقه جمهور "ثورة الأرز"الذي خاض الانتخابات النيابية الأخيرة على أنها معركة فاصلة ستحدد مصير لبنان،وعلى أساس أكثرية تحكم وأقلية تعارض، ولا للثلث المعطل ولا لسلاح الغدر...وإذ بقواه ترضى بعد انجلاء غبار المعركة التاريخية (عن أكثرية 71 نائبًا) بحكومة مفصّلة على قياس الأقلية الخاسرة، قائمة على صيغة 15-10-5 تحوي ثلثًا معطلاً مضمَرًا، وبتوزير الراسبين في الانتخابات وهو ما كانت رفضته بشراسة، وشرّعت السلاح الميليشيوي (موضوع الفقرة 8)، فأعادتإنتاج اتفاق الدوحة ومدَّدت مفاعيله المخالفة للدستور وخسرت فرصة تطبيق الديمقراطية في لبنان. وقد أدى سوء التنظيم أثناء المعركة الانتخابية الى انسحاب (الراحل) النائب "نسيب لحود" رئيس "حركة التجدد الديمقراطي" من الأمانة العامة لقوى 14آذار احتجاجًا على عدم تبنيها أيًا من مرشحي حركته؛ وكذلك فعل عميد الكتلة الوطنية "كارلوس اده"، عازيًا انسحابه الى "موقف مبدئي".
5
ومنهم من يؤرخ لوفاة تحالف 14آذار بـ 25/6/2009؛ ففي ذلك اليوم أُعيد انتخاب زعيم "حركة أمل" "نبيه بري" رئيسًا لمجلس النواب (للولاية الخامسة على التوالي!)، رغم إثباته عدم أهليته لذلك المنصب وعدم أمانته على العمل التشريعي النيابي، بعدما حوّل المجلس الى مؤسسة خاصة لطائفته وحركته، وأقفل أبوابه (في سابقة تاريخية عالمية) مدّة عامين تقريبًا في وجه نواب الأمة، معطِّلا الاستحقاقات الدستورية وعمل الدولة اللبنانية ومصالح الناس، ومانعًا الأكثرية النيابية الاستقلالية في ممارسة حقها الدستوري في إقرار المحكمة الدولية لبنانيًا وانتخاب رئيس جمهورية من صفوفها. وقد جاءت مهزلة انتخاب "بري" بعد فشل قوى 14 آذار في الاتفاق على قرار موحّد بشأن عملية التصويت؛ فقد نال "بري" 90 صوتًا من أصل 128، بينها 33 نعمًا مخزية من قوى 14 آذار تقاسمها معظم نواب كتلة "الحريري" ونواب كتلة "وليد جنبلاط"، فيما امتنعت "القوات اللبنانية" و"حزب الكتائب" وآخرون عن التصويت منسجمين مع مبادئهم، كما صوّت مستقلون بـ 11 ورقة بيضاء مشرّفة. وكان أضعف الإيمان بالنسبة لزعيم الأكثرية النيابية "سعد الحريري" (إذا كان خائفًا من 7أيار جديد حال عدم إنجاح "بري") أن يمتنع عن التصويت تاركًا "بري" يفوز بأصوات نواب 8آذار، غير أنه حتى هذا الخيار لم يجرؤ على اتخاذه!
6
ومنهم من يحدد 2/8/2009 تاريخًا لوفاة تحالف قوى 14 آذار؛ ففي صباح ذلك اليوم، خضع النائب "وليد جنبلاط" لغلبة السلاح الإرهابي الذي يحاصر الشوف والجبل، معلنًا من فندق "البوريفاج" تحديدًا، بما للمكان من دلالات معبرة، أنّ تحالفه مع قوى "14 آذار" كان بحكم الضرورة ويجب ألا يستمر، معتبرًا "أن فريق "14 آذار" لم يخض معركة ذات مضمون سياسي"، ومشيرًا الى أن "كل معركتنا كانت قائمة على رفض الآخر من موقع مذهبي وقبلي وسياسي"! وقد وصل به الأمر في 13/11/2009، الى حد استجداء زيارة لسوريا من على منبر تلفزيون "المنار" حيث أعلن أن "المصالحة مع سوريا قد حصلت مع عودتنا الى الثوابت"، زاعمًا أن "العاطفة والحماس غلبته، وأنه كان قاسيًا جدًا على الصعيد الشخصي ضد النظام السوري"، وأنه عندما "يكون هناك استعداد في دمشق لاستقبالي، سأعلن عن زيارتي"! وبالفعل، في 31/3/2010، قبِل النظام السوري توبة "جنبلاط" بعد تلاوته فعل الندامة، فزار "جنبلاط" "بشار الأسد" "القرد الذي لم تعرفه الطبيعة" (بحسب تعبير جنبلاط نفسه في 14/2/2006)، منهيًا قطيعة دامت زهاء 6 سنوات. بيد أنه مع اندلاع الثورة السورية أيّدها، وأعلن "جنبلاط" في 11/7/2011: "أنتظر على ضفة النهر، إذ لا بد أن تمرَّ جثة عدوي يومًا أمامي".
7
ومن المتابعين من يحدّد 9/11/2009 تاريخًا لانتهاء تحالف قوى 14آذار؛ ففي حين كان أعضاء المكتب السياسي الكتائبي يتلون بيان تمسّكهم بحقيبة التربية في الحكومة الجديدة، كان الرئيس المكلف "سعد الحريري" يوقّع مع الرئيس "سليمان" تشكيلة وزارية أسند فيها إليهم حقيبة الشؤون الاجتماعية! كان من غير اللائق أن يُعامَل بهذه الطريقة حزب جسّد عبر مسيرته التاريخية ثوابت حركة 14 آذار قبل ولادتها، ثم شكّل محور "ثورة الأرز" بعد انطلاقتها، خصوصًا إذا علمنا أن الطرف المسيحي في الأقلية نال من "الحريري" جل مطاليبه (وزارة الاتصالات وتوزير الراسبين في الانتخابات)، واحتفظ بخمسة وزراء رغم تراجع تمثيله بنسبة 23%! هذا التصرّف المعيب جعل "حزب الكتائب" يعتبر أن تجمّع 14 آذار بهيكليته الحالية وطريقة تعاطيه مع الفرص التاريخية والتحديات المختلفة "يترنّح"، و"يفقد تدريجيًا وحدته وروحيته أمام الرأي العام"، معلنًا مقاطعته جلسات الأمانة العامة لقوى 14 آذار الى حين تجاوبها مع الخطة الإنقاذية التي طرحها والتي تضمنت: "أولا تشكيل قيادة عليا مصغرة لـ14 آذار، ثانيا حصر القرارات السياسية بهذه القيادة، وثالثا وضع مشروع إصلاحي للنظام السياسي اللبناني(...). وبانتظار تنفيذ هذا المشروع الإصلاحي، يبقى حزب الكتائب كما كان دائما حزبا مستقلا ويتصرف على هذا الأساس".
8
ومنهم من يحدّد 2/12/2009 تاريخًا لانفراط عقد تحالف قوى 14آذار؛ ففي ذلك اليوم الأسود صدر البيان الوزاري مقرًا ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة"، أي مانحًا ما يسمى بـ"المقاومة" التي يحتكرها "حزب ولاية الفقيه" بسلاحه الفئوي والفتنوي والمذهبي الحاقد والغادر... شخصية معنوية مستقلة تساوي بين سلاح الجيش وسلاح الحزب بحيث يتقاسمان السيادة على أرض وطن واحد! وكان لافتًا في تلك الجلسة، اعتراض وتحفظ وزراء أحزاب ومستقلي مسيحيي قوى 14آذار على البند السادس المتعلق بالسلاح، فيما أيّد وزراء السنّة في تلك القوى، وتحديدا "تيار المستقبل" وفي مقدمهم رئيس الوزراء "سعد الحريري"، صيغة البيان من دون تحفّظ أسوة بالوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية ووزراء قوى 8آذار و"الحزب التقدمي الاشتراكي". وعبثًا حاول "حزب الكتائب" اقناع أفرقاء 14 آذار بالطعن في هذا البند أمام المجلس الدستوري، غير أن أحدًا لم يوقِّع معهم باستثناء النائب "عقاب صقر"! ومنذ تاريخ تشريع "الحريري" السلاح الميليشيوي، بدأنا نألَف مصطلح "مسيحيي 14آذار" في مقابل مصطلح "سنّة أو مسلمي 14آذار"، وكفى بذلك دلالة على تشرذم -إن لم نقل وفاة- تحالف تلك القوى الاستقلالية وابتعادها عن روحية "ثورة الأرز" العابرة للطوائف بل الموحِّدة لها سياسيًا تحت لواء "لبنان أولاً".
9
ومن المحلّلين من يحدّد عصر 19/12/2009، تاريخًا لوفاة تحالف قوى 14آذار؛ ففي ذلك التوقيت، من دون دعوة رسمية ولا جدول أعمال صادر عن مجلس الوزراء ولا وفد وزاري، وصل الى مطار دمشق الدولي رئيس وزراء لبنان "سعد رفيق الحريري" في زيارة قيل إنها رسمية، "فرض عليه منصبه القيام بها قبل انجلاء نتائج التحقيقات في قضايا الاغتيالات، متجاوزًا مشاعره الخاصة ومشاعر الشارع السني والاستقلالي عامة، من باب وجوب تصحيح العلاقات مع سوريا، وبَحْث المواضيع العالقة، كرئيس حكومة كل لبنان وكل اللبنانيين". لكن رغم تلك التبريرات الواهية، عُدَّ ذلك الحدث بمثابة مصالحة تاريخية (برعاية سعودية) بين "الحريري" الابن والقيادة السورية التي اتهمها باغتيال والده؛ وهي تمثّل في مطلق الأحوال نكسة قاتلة لقوى 14آذار، ونقطة ذهبية ثمينة سجّلها "الأسد" في المرمى الاستقلالي، بدا معها واضحًا أن 14آذار تدفع ضريبة قبولها باعتلاء "الحريري" سدة الرئاسة الثالثة، ما أثبت صوابية الأصوات التي نصحت "الحريري" بعد الانتخابات بترك المهمة للرئيس المحنّك "فؤاد السنيورة"؛ فالأخير وإن زار سوريا (وقد زارها سابقًا) ليس زعيم الأكثرية السنية ولا النيابية ولا رئيس "تيار المستقبل" كما أنه ليس ابن الشهيد "رفيق الحريري"، بما لتلك الرمزيات من تأثير بالغ على تحالف 14آذار ومستقبله.
10
ومنهم من يؤرخ لوفاة 14 آذار بما حدث في 6/9/2010؛ فكما عوّدنا، ها هو الرئيس "سعد الحريري"يفاجئ الجميع بموقف انقلابي عبر صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية (بما ترمز وتمثّل)، اعتذر فيه من النظام السوري عن اتهامه إياه باغتيال والده، كما اعترف لقوى 8 آذار بوجود "شهود زور" في التحقيق الدولي قائلاً: "نحن في مكان ما ارتكبنا أخطاء. في مرحلة ما، اتهمنا سوريا باغتيال الرئيس الشهيد، وهذا كان اتهاماً سياسياً، وهذا الاتهام السياسي انتهى". "هناك أشخاص ضلَّلوا التحقيق، وهؤلاء ألحقوا الأذى بسوريا ولبنان(...). شهود الزور هؤلاء خرّبوا العلاقة بين البلدَين وسيَّسوا الاغتيال، ونحن فيلبنان نتعامل مع الأمر قضائياً".وكان لذلك التصريح الدراماتيكي (المتماهي مع نص تلاوة "جنبلاط" "فعل الندامة" في 13/11/2009)، انعكاسه السلبي على القوى الاستقلالية؛ فقد عُدّ تنازلاً موصوفًا من الدرجة الأولى معنوياً وسياسياً ومبدئياً، ولا سيما أننا كنا لا نزال في مرحلة التحقيق الدولي والمحكمة لم تلفظ قرارها الاتهامي بعد؛ فضلاً عن أن ما قيل من غير الجائز أن يصدر عن "الحريري" دونتشاور وتنسيق مع بقية الأقطاب الاستقلالية والأمانة العامة، ما يظهر مرة جديدة وبفجاجة حال الفوضى والتشرذم داخل البيت الاستقلالي.
11
ومنهم من يحدّد 11/6/2012 تاريخًا للدلالة على وفاة تحالف 14آذار؛ ففي ذلك اليوم، بناء على دعوة العاهل السعودي الرئيس "سليمان" في 22/5/2012 "رعاية هيئة الحوار الوطني"، وعلى الرغم أولاً من نقل النائب "نهاد المشنوق" (في 18/4/2012) عن النائب "سعد الحريري" تأكيده "ألا حوار قبل الإعتذار عن 7أيار وتسليم المتهمين في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى المحكمة الدوليّة"، وعلى الرغم ثانيًا من إعلان قوى14آذار في 24/5/2012 أن "لا حوار قبل تشكيل حكومة انقاذية حيادية"، وعلى الرغم ثالثًا من عدم تحقق أي نقطة مما سبق، شاركت معظم القوى الاستقلالية في طاولة "حوار التقية" معوّمة بشكل أو بآخر الحكومة الانقلابية "الميقاتية" (التي نشأت عقب إسقاط حكومة "الحريري" في 12/1/2011 باستقالة الثلث المعطل). أبت "القوات اللبنانية" أن تنقلب على مبادئها، فرفضت المشاركة داعية الحكومة إلى "تنفيذ مقررات الحوار السابق بدل العودة إلى طاولة الحوار بألسن خشبية وللصورة فقط". صحيح أن ذاك "الحوار" أنتج "إعلان بعبدا" السيادي، غير أن الحزب الإيراني ما لبث -جريًا على عادته- أن لحس توقيعه فنعى رسميًا الإعلان في 14/8/2013 معتبرًا أنه "وُلد ميتاً ولم يبق منه إلا الحبر على الورق"، مؤكدًا صوابية قرار "القوات اللبنانية".
12
ومنهم من يدلّل على وفاة تحالف 14آذار أو يؤرخ لها بالتخبّط والضياع في الرد السياسي على 19/10/2012؛ ففي ذلك التاريخ، وعلى أثر اغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي العميد "وسام الحسن" الذي انضم الى القافلة التي فتحت منذ سبع سنوات ونيّف طريق الحرية والسيادة والاستقلال والكرامة، أعلن الرئيس "سعد الحريري" التحرك المدني السلمي لإسقاط حكومة الرئيس "نجيب ميقاتي" ومقاطعتها الى أن ترحل"، كما أكّد الرئيس "فؤاد السنيورة" أن "لا حوار على دم الشهداء"، وتابعته الأمانة العامة لقوى 14آذار معلنة عن تفعيل قرار مقاطعة الحكومة وأنه سيُترجَم من خلال امتناع نوّابها عن المشاركة في اجتماعات اللجان النيابية، ومؤكّدة أن "أي كلام آخر قبل رحيل الحكومة غير وارد". غير أن هذه القوى ما لبثت في 3/12/2012 أن قرّرت الموافقة على استثناء قاعدة المقاطعة بإعادة إحياء عمل اللجنة النيابية المصغرة لدرس اقتراحات قوانين الانتخاب. وفي حين اعتبر المحللون تلك الخطوة تراجعًا وعجزًا من هذا الفريق على الالتزام بقراراته بكسره قاعدة المقاطعة، رد بعض نواب 14 آذار بأنه ليس كسرًا بل هذا مستثنى أصلاً، فيما عزا آخرون القرار الى أنه أتى من منطلق الرهان على الانتخابات للخروج من الواقع الراهن.
13
ومنهم من يدلّل على وفاة تحالف 14آذار بـالنصف الأول من العام 2013، عندما احتدم الخلاف بين أفرقاء "التحالف" وعجزوا عن التوصّل الى قانون انتخاب موحّد يقدم مصلحة لـ"لبنان أولاً" على الحسابات الحزبية والطائفية. ففي حين تمسكّت "القوات اللبنانية" و"الكتائب" ومعهما معظم المسيحيين في البداية بمشروع "قانون اللقاء الأرثوذكسي" القاضي بانتخاب المسيحيين نوابهم، رفضه "تيار المستقبل" طارحًا بدعة مركّبة تقضي بانتخاب مجلس النواب على دوائر صغرى وإنشاء مجلس الشيوخ في آن معًا، بعد إجراء تعديل على الدستور يسمح بذلك، لنكون أمام مجلسين طائفيين! وظل التشرذم والأخذ والرد سيّدَي الموقف بين أفرقاء 14آذار حتى ربع الساعة الأخير حيث توصّل الثنائي "القوات اللبنانية" و"تيار المستقبل" بالتحالف النائب "وليد جنبلاط" الى مشروع "القانون المختلط" الذي تحفّظت "الكتائب" على تقسيماته، كما رفضه الفريق الانقلابي فأمر "نبيه بري" بالامتناع عن عقد جلسة نيابية للتصويت عليه.استُنفذت المهل الدستورية، فما كان من المجلس النيابي إلا أن قرر في31/5/2013 مخالفة الدستور ونسف النظام الديمقراطي بالتمديد لنفسه 17شهرًا بذريعة انقاذ المجلس من الفراغ، وتعذّر إجراء الانتخابات وفقًا للقانون القائم بسبب الأوضاع الأمنية المتوترة، وذلك في جلسة خاطفة وبأكثرية بلغت 97 نائبًا.
14
ومنهم من يحدّد 17/1/2014 تاريخًا لوفاة تحالف 14آذار؛ يوم نفّذ الرئيس "سعد الحريري" انقلابًا صادمًا ومفاجئًا جديدًا، بإعلانه "استعداده للمشاركة في حكومة ائتلافية مع "حزب الله" باعتباره حزبًا سياسيًا"، ومبرّرًا "قفزته" بأنه "غلّب العقل على العاطفة" وأن "الخطوط الحمر تمليها حاجات البلاد، ونحن نريد الاستقرار"! ليقع مجددًا تحت ذريعة "حفظ الاستقرار" في فخ شرعنة قوى الأمر الواقع المسلّحة ومنْحِها غطاءً "سنيًا" يستر وجهها الطائفي الحاقد في قتالها الشعب السوري. قفز "الحريري" فوق تعهداته بأنه لن يشارك الحزب في حكومة قبل أن ينسحب من سوريا، وفوق حذف معادلة "الثلاثية" واعتماد "إعلان بعبدا" مسبقًا بيانًا وزاريًا، قابلاً بترحيله الى ما بعد التشكيل، بعكس "القوات" التي بقيت مصرة على ما سبق للمشاركة، مفضلة الانسجام مع مبادئها على تجريب المجرَّب والسير بتسوية لا مصلحة للبنان بها. أما "الكتائب"فرأت في المشاركة جملة انتصارات لمشروع الدولة و14آذار، ما أوحى أن "الحزب الإرهابي" الماكر أكبر ساذج وغبي بقبوله بهكذا حكومة! وقد أتى ذلك كله وسط تساؤلات عن مصير "المقاومة المدنية السلمية لتحرير لبنان من احتلال السلاح" التي أعلنها "السنيورة" عقب اغتيال الوزير السابق "محمد شطح" في 27/12/2013، مؤكّدًا للشهيد "ما قبل اغتيالك لن يكون بعده"!
خلاصة أوّلية
بعد هذا السرد المؤلم، لست أدري على ماذا بيني قادة قوى 14آذار حُكمهم، عندما يطمئنون جمهورهم بأن تحالف قواهم بخير، ولا ماذا يعنون بادعائهم انه "سليم مئة في المئة". فإذا كان المقصود اكتمال صفوف 14آذار، يجيبنا الواقع بأن الأمانة العامة لا تزال ناقصة وإن عاد إليها ممثل "الكتائب" مطلع 2013. وإذا كان المقصود التحالف السياسي الإسلامي-المسيحي، فتجيبنا الخطايا السابقة أنه لا يعدو عن غزل (على وزن شِعر "الحريري": "لن يفرقني عن حلفائي إلا الموت")، وكلام معسول ومجاملات تتبادلها الأحزاب المسيحية و"تيار المستقبل" الذي لا يلبث زعيمه عند الاستحقاقات المصيرية والحوادث المفصلية أن أن يُحلّق خارج سرب ذلك التحالف بمواقف صادمة ومفاجئة أضرّت بالمسيرة الاستقلالية. أما إذا كان المقصود وحدة استراتيجية المواجهة، فتجيبنا الوقائع الـ14 السابقة أنها الغائب الأكبر، أو أنها استراتيجية التخبط والتشرذم والضياع، وعدم القدرة على الوفاء بالتعهدات والالتزام بالسقوف العالية للمواقف، وتقديم "لبنان أولاً" على أي اعتبار.
توصيف المشكلة
مما تقدّم نستخلص أن "تحالف" القوى الاستقلالية يعاني من المشاكل التالية:
"مشكلة" 14آذار أولاً -ونوردها على سبيل المجاز لأنها ميزة في حد ذاتها- هي مشكلة قادة 14آذار مع شعبهم الذي يتطلّب التعامل معه خطابًا منطقيًا مقنعًا -لا شعبويًا غرائزيًا-، خطابًا يثبت عند كل مفصل أن كل ما تُقدم عليه قواهم السياسية يوافق مبادئ وشعارات "ثورة الأرز"؛ وهذا أمر في غاية الدقة والصعوبة مع شعب يفكِّر ويحلّل ولا يسلّم عقله لتكليف شرعي يعطله، ولا "يؤلّه" زعيمه أو يرفعه الى مرتبة العصمة والقداسة، بل يبقيه في مرتبة البشرية القابلة للخطأ والصواب، وبالتالي لا يسمح لمحبته وتقديره لقادته أن تعميه عن أخطائهم أو تجعله يبرّرها وإن كان مقتنعًا بعدم صوابيتها. من هنا أقول: لا خوف على المكون الدرزي لـ14آذار، فالنائب "جنلاط" طالت غربته أم قصرت عائد من "نزهة النهر" لا محالة، وروح قاعدته الشعبية استقلالية بامتياز.
مشكلة 14آذار ثانيًا، أنها عند كل خطيئة كبرى تُظهر تشرذمًا وانقسامًا داخل صفوفها في الوصول الى قرار موحّد تلتزم به جميع المكونات، نراها تفاخر بديمقراطية "تحالفها" متغافلة عن أنها في الحقيقة تفاخر بإحدى نقاط ضعفها! فلكل معركة الأسلحة التي تناسبها، ولكل مرحلة تكتيك في التعامل معها وضابطه أن لا يمس بالاستراتيجية الاستقلالية السيادية الكبرى، وبالتالي عندما تكون الدولة مهددة في وجودها وكذلك الصيغة الوطنية، وعندما نكون في مواجهة حلف موحّد بقيادة حزب حديدي مسيّر بأمر خارجي، لا بد عند كل مفصل من قرار واحد موحّد يُتخذ بطريقة ديمقراطية حقيقية داخل 14آذار بحيث يلتزم به المصوِّتون ضده، وإلا كان التشرذم -المُفاخَر به على أنه من وجوه الديمقراطية- مِعول هدم للصرح الاستقلالي، وخدمة جليلة للقوى الانقلابية التي نواجهها. أما عندما تكون الدولة غير مهددة في وجودها واللعبة السياسية وطنية وديمقراطية بامتياز، فلا بأس بالمفاخرة باختلاف الآراء وتغريد كل طرف على غصنه الخاص بحثا عن حصة زائدة أو حجم حزبي مميّز.
مشكلة 14 آذار ثالثًا، إحجام أفرقائها عن وضع استراتيجيا موحدة صلبة ولكن عملية وواقعية في آن واحد، تأخذ في الاعتبار موازين القوى والأحجام في الداخل والخارج، وتبنى على قراءة سياسية تمنع الانغشاش بالنصائح الخارجية من دولية وإقليمية، ولا سيما أنها غالبًا ما تكون لصالح الفريق الانقلابي.
مشكلة 14آذار رابعًا، -ونأسف لهذا التوصيف لكنه الواقع- أن الجناح المسلم فيها (وليس الشعب المسلم) لا يستطيع مجاراة الجناح المسيحي في طروحاته الوطنية السيادية والاستقلالية، بدليل المحطات الأليمة التي سردناها وخصوصًا تشريع "الثلاثية" القاتلة...وغالبًا ما تعض القوى المسيحية على جرحها معتبرة أن هذا "التحالف!" لا بد منه ليبقى لبنان مهما برزت السقطات القاتلة من الجناح المسلم ونعني به تحديدًا "تيار المستقبل". فمنذ بروزه على الساحة السياسية، توالت الأحداث لتثبت أن "الشيخ سعد الحريري" ماهر بقدرته على القفز فوق مواقفه وتعهداته المشرِّفة، والانقلاب عليها فجأة ودون ممهدات، ولا أجد تفسيرًا لتكرار عنصر المفاجأة هذا إلا بارتباط قرار "الحريري" الوثيق بالمملكة العربية السعودية، وتماشيه مع سياستها كلما أشارت عليه بذلك سيرًا في تسوية إقليمية أو غير ذلك، ما يؤشر الى أن "تيار المستقبل" عندما ردّد شعار الرئيس "بشير الجميل" "لبنان أولاً"، حمّل نفسه أكبر من طاقتها! ولعل خطورة ما عليه "الحريري" أنه بانقلاباته وقفزاته تنازلاته غير المبرّرة يجعل قسمًا مهمًا من أبناء الطائفة السنية يرى في سياسة "المستقبل" انحلالاً لا اعتدالاً، واستسلامًا لا مواجهة، ما يدفع البعض نحو خيارات أخرى قد يكون أحدها التطرّف!
الحل وآليته وضمانة نجاحه
بالتمعّن في عرض الخطايا الـ14 أعلاه، يمكن ملاحظة ثلاثة نقاط مضيئة في بحر من السواد، وهي: حكمة "القوات اللبنانية"، وخطة "الكتائب" الانقاذية، وتبنّي "لبنان أولاً" من "السنية السياسية" (وإن انتهكته مرات عديدة)؛ هذه "الثلاثية" البنّاءة هي الركائز الأساسية للحل المنشود على قاعدة قسَم الشهيد "جبران تويني"، ألا وهو التوحّد.
هذا التوحد شَرطه أن يكون قولاً وعملاً؛ آليّة تطبيقههي الخطة الإنقاذية التي طرحها "حزب الكتائب" والتي تضمنت إعادة هيكلة الأمانة العامة بتشكيل قيادة عليا مصغرة لـ14 آذار، وحصر القرارات السياسية بهذه القيادة. أما ضمانة نجاحه فهي التزام جميع مكونات 14آذار بـ"لبنان أولاً" وخصوصًا "تيار المستقبل".
هذا أقل ما يمكن تقديمه تجاه "ثورة الارز" وقاعدتها الشعبية النموذجية وشهدائها الأبرار الذين ضحوا بأنفسهم لبقاء لبنان، ولا سيما أننا في مرحلة احتضار الامبراطورية الفارسية التي سينكسر هلال شّرها بتحرير سوريا من أنياب الأسد، وهي مرحلة في غاية الدقة والخطورة خصوصًا أن الحزب الإيراني سيسعى الى التعويض عن جزء بسيط من خسارته امتداده الاستراتيجي بانتزاع مكاسب وامتيازات على حساب الدستور اللبناني وبقية الطوائف... ما يحتّم علينا استثمار اللحظة وإدراك المخاطر وتوحيد الرؤية والتوحّد، وإلا فلا بديل عن النهوض بتحالف 14آذار سوى البكاء على لبنان وصرير الأسنان.
ويبقى سؤال: هل "تيار المستقبل" قادر فعلاً على الالتزام بموجبات "لبنان أولاً" والتحرُّر من الإملاءات السعودية؟!
* * *
* * *
منذ اندلاع انتفاضة الاستقلال وخطايا "تيار المستقبل" في تراكم مستمر. صحيح أن "من لا يعمل لا يخطئ"، و"جلّ من لا يخطئ"، لكن "غلطة الشاطر بألف"، ولذلك على "التيار الأزرق" أن يعلم أن أغلاطه ليست بألف وحسب، إنما بأربعة ملايين ونصف المليون في الداخل ونحو عشرة ملايين في الخارج!
حديثنا في هذا المقال ليس عن خطايا أوقفزات الرئيس "سعد الحريري" المفاجئة والصادمة في السياسة والتي تعتبر السبب الرئيس لضعف 14آذار، فقد سبق أن فصّلناها بالتواريخ والوقائع في مقالنا السابق "في 14شباط..ماذا بقي من 14آذار؟"؛ مقالنا اليوم يتناول أخطاء من نوع آخر، هي أخطاء "الوقوع في خطأ الغير" إذا صح التعبير، ونعني تحديدًا وقوع "الحريري" في كلمته الأخيرة في الذكرى التاسعة لذكرى 14شباط بخطأ كبير لطالما اتهم به أخصام الأمس وشركاء اليوم، ألا وهو قلب المفاهيم واحتكار المسميات!
قالها "الحريري" وبصوت عال: "تيار المستقبل يرفض أن يكون على صورة حزب الله"، وختم كلمته بالنبرة ذاتها: "أهل العدالة هم أهل الاعتدال. ونحن، نحن أهل الاعتدال. نحن أهل الاعتدال الذين وقفنا ونقف بوجه كل تطرف، مهما كان".
بقليل من التفكير في كلام "الحريري" هذا، نجد أنه أظهر الوجه الثاني للعملة أو للصورة التي رفض أن يكون على شاكلتها آنفًا؛ فكما يحتكر "حزب الإرهاب المنظم" صفة "المقاومة" وهو منها براء، وكما يحتكر قرار الطائفة الشيعية ويستفرد بتمثيلها، وكما اتهمه "تيار المستقبل" ذات يوم أنه تكفيري بتخوينه من يخالفه أو يعارضة في السياسة... كذلك وقع "الحريري" في خطأ احتكار "الاعتدال" وأكّدها ثلاث مرّات وبأل التعريف :"نحن، نحن أهل الاعتدال، نحن أهل الاعتدال"، ما يعني بمفهوم المخالفة أن من لا ينتمي لتياره أو ليس على منهجه أو حتى يعارضه من أبناء طائفته هو متطرّف ومن أهل التطرف، وهذا أقصى التطرّف، بل هو تكفير ولو بالمجاز! ولو كان للحريري (أو لكاتب خطابه) الحد الادنى من الانصاف والموضوعية لقال:" نحن معتدلون" أو نحن من أهل الاعتدال".
تابعنا سلسلة مقالات "الاعتدال إن حكى" التي نشرتها صحيفة "المستقبل" الأسبوع الماضي وأشار "الحريري" الى احدى حلقاتها، وهي مقالات وإن أتت في سياق "احتكار الاعتدال" الذي أشرنا إليه، لا شك أنها قيّمة في جوانب عدة، وكأي رأي -ومنه هذا المقال- هي مجموعة آراء خاضعة للنقاش والأخذ والرد. وفي نهاية المطاف يبقى "الاعتدال" صفة غير مؤبّدة بالموصوف، فقد تنفك عنه أو تلتصق به تبعًا لالتزامه بمفهوم ومبادئ الاعتدال، وهي لا تمنحه بحال من الأحوال "كارت بلانش" أو شيكًا على بياض ليقترف ما شاء من التطرف والانحلال ويبقى مع ذلك هو هو هو أهل الاعتدال.
فالاعتدال إن شكا أظنه سيقول: لستُ أنا مَن يغطي تطرفًا يقتل شعبًا بريئًا بحقد طائفي فاق الخيال. لستُ أنا من يَعِد ويتعهّد ثم يتنصل من كلامه وكأنه ليس كلام رجال. لست أنا من يرفع السقف عاليًا بمواقف نارية ثم يقفز فوقها وكأنها هلوسات في خيال. لست أنا من ينقلب على تحالف كلما جاءته إشارة من على بُعد آلاف الأميال. لست أنا من يجتمع بخصمه سرًا تاركًا حليفه في غفلة حال. لست أنا من يرفع شعارًا ثم لا يلبث يطبق نقيضه في الحال والمآل. لست أنا من يقبل الهوان لوطنه وطائفته ثم يدرج تخاذله في خانة الاعتدال. كلا كلا، لست أنا من يرضى بكل ذلك، سمّوه انتحالاً، سمّوه انحلالاً، سمّوه تطرفًا، سموه غلوًا، سمّوه ما شئتم، لكن إياكم إياكم أن تشوِّهوا صورتي وتقلبوا مفهومي، وتسمّوا ذلك الغلو والتطرف في الانحلال اعتدال.
* * *
* * *
قوى 14آذار عبارة عن تحالف وهمي لا يعوّل عليه في مواجهة مشروع الشر الفارسي إلا بمزيد ومزيد من السقطات المخزية. "تيار المستقبل" بشخص زعيمه هو السبب الرئيس لضعف قوى 14آذار لأن قراره ببساطة في السعودية لا في لبنان. "الاعتدال" شعار تضليلي يُستخدم لتجميل "الانحلال" والروح الاستزلامية والانهزامية. إسرائيل تهُبّ دائمًا لانقاذ حِلفها العلني-الخفي مع محور الشر كلما وقع في مأزق ما، واليوم سارعت الى نجدة "حزب الارهاب المنظم" في معركة البيان الوزاري.
أربعة جمل مصاغة بأسلوب جازم، غير أنها تبقى في إيطار الفرَضيات الهشّة التي لا يمكن أن ترتقي الى مرتبة النظريات القوية ما لم توثق بالأدلة والوقائع والتواريخ. في المقالات السابقة أثبتنا صحة الأولى والثانية والثالثة، وفي الأسطر الآتية نثبت صحة الرابعة.
معركة البيان الوزاري بين راعيَي مصالح السعودية وإيران على حساب لبنان في لبنان، بدأت بأجواء وُصفت بالإيجابية، مع عدم إبداء الحزب في الأيام الثلاثة الأولى تشدُّدًا حول إدراج "الثالوث الأخبث" كما أنه لم يُبدِ تنازلاً عنه في الوقت نفسه. غير أنه مع بداية مقاربة اللجنة الوزارية موضوع "الثلاثية"، اتخذ موضوع البيان بعدًا جديدًا في ظل التداعيات التي أثارتها غارة اسرائيلية عجيبة غريبة تحدَّث عنها الإعلام في 24/2/2014 (غير مسبوقة منذ مسرحية تموز2006)، اختُلِف في حدوثها، واختُلِف في مكانها، واختُلِف في الأهداف التي قصفتها! غير أن "حزب ألإرهاب المنظم" الذي لم يسمح للصحافيين بمعاينة مكان الغارة، أكّد حصولها متوعدًا على الطريقة الأسدية الدعائية بردّ في المكان والزمان المناسبَين. ومما زاد الأجواء دراماتيكية لجوؤ إسرائيل الى استنفار قوّاتها على الحدود مع لبنان وتهديد الدولة بأكملها إذا أقدم الحزب على تنفيذ وعيده.
استُكمِلت المسرحية في الأول من آذار، مع إعلان جيش الإسرائيلي عن العثور على بقايا صاروخين سقطا على "جبل الشيخ" دون وقوع اصابات وأضرار، وقد سارع الحزب عبر "مصادر إعلامية" الى الاعلان عن أنه رد على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مركزاً له باستهداف موقع إسرائيلي في "جبل الشيخ" بضربات صاروخية؛ من جهتها أعلنت إسرائيل أن مصدر القذيفتين هو الجانب السوري وقد سقطتا عن طريق الخطأ. بذلك جرت محاولة مزدوجة لحفظ ماء وجه الحزب وإظهاره بصورة المقاومة المزيفة، وفي الوقت نفسه حُفِظت صورة إسرائيل العسكرية من الاهتزاز.
لم تقف الخدمات الإسرائيلية لمحور الشر عند هذا الحد، بل عملت الصحف الصهيونية على تأكيد فرضية الحزب التافهة بأن المعارضة السورية تخدم أهداف إسرائيل، وهو ما نعبِّر عنه بمصطلح التأييد الإنعكاسي، والذي يعني باختصار اختلاق ومغازلة "حليف" زائف سترًا ودعاية لـ"عدو" زائف، (وهو ما أفردنا له مقالا خاصًا يجدر بالقارئ الاطلاع عليه على الرابط أدناه).
ففي 25/2/2014، أعلنت القناة الإسرائيلية العاشرة أن "الغارة الإسرائيلية الأخيرة على الحدود اللبنانية السورية أعطت دعماً للمعارضة السورية، ما سيؤدي الى مزيد من العمليات في الضاحية"، معلنةً أن "إسرائيل تساعد المعارضة السورية"!! ذلك علمًا أنه بات من نافلة القول أن سبب صمود الأسد هو إسرائيل التي تتخوّف من البديل المجهول والذي لن يكون بالتأكيد بمهارة النظام السوري ومحوره في تأمين الأمن القومي الاسرائيلي؛ أضف الى ذلك أن العدو الصهيوني لو كان فعلاً يريد التخلّص من الحزب الإيراني لكان انقضّ عليه في اللحظة الذهبية التي ينغمس فيها حتى أذنيه في الوحول السورية؛ والأمر نفسه ينسحب على الحزب الذي لو كان يريد فعلا "المقاومة والتحرير" لصب ترسانته العسكرية على القلب الصهيوني نفسه لا على "أطرافه" التي يزعم أنها تتمثّل بالمعارضة السورية المسلحة والتكفيريين!
وبالعودة الى البيان الوزاري، بذل الحزب قصارى جهده لاستثمار الغارة المنقِذة، فأعاد التذكير إعلاميًا بأنه على عداوة مع إسرائيل وأن عدوه ليس فقط الشعب السوري الثائر بِشِيبِه وشبّانه ونسائه وأطفاله؛ لكن هل لا تزال العقول العربية و الاسلامية تهضم تلك التُرَّهات؟!
بصفته ممثل الحزب في لجنة صياغة البيان تولى الوزير "محمد فنيش" العلمية الاستثمارية، فأكد في 26/2/2014 أن "الغارة الاسرائيلية التي استهدفت البقاع هي دليل إضافي على ضرورة ذكر المقاومة في البيان الوزاري". وأضاف في 27/2/2014: "ما جرى هو أسطع دليل، أو دليل اضافيّ تذكيريّ لمن يريد أن يتعامى عن حقيقة الخطر الصهيوني وعن الحاجة المُلحّة الى دور المقاومة وأهمّيتها وحقّها في مواجهته". وعلى هذه الخلفية عادت لغة التخوين إلى المناقشات، حيث اتّهم الوزير "فنيش" في 28/2/2014 زملاءَه في قوى 14آذار "بركوب المؤامرة الإسرائيلية والاستقواء بالطائرات المغيرة على مواقع المقاومة في البقاع، والرضوخ للضغوط الأميركية". وبدوره طالب الحزب الحكومة بأن يكون "نصّ بيانها الوزاري رادعًا لإسرائيل، ولا يشجّعها على العدوان مجدّداً على لبنان، نصّاً تخشاه إسرائيل ولا ترضاه". أما الرئيس "نبيه بري" فحاول الإيهام بأنه يملك قرارًا مستقلاً عن الحزب وليس خاضعًا له بالكلّية، فأعلن في 26/2/2014 أنّه "إذا تخلّى حزب الله عن المقاومة في البيان الوزاري فأنا لستُ في وارد التخلّي".
وبالانتقال الى تدعيم نظرية مسارعة إسرائيل الى نجدة محور الشر في مآزقه، وإعطائه الشبهات التي يحسن استثمارها في تبرير هجومه على القوى الاستقلالية ونيل غاياته وتقوية مشروعه المناهض للدولة...حسبنا أن نذكر مثالَين واضحَين هما:
أولاً، الجهود الإسرائيلية لوأد حرارة "ثورة الأرز" وتخفيف اندفاعتها الحارقة على "حزب ولاية الفقيه" من خلال "مسرحية حرب تموز2006"، وما تلاها من تصاريح أميركية-إسرائيلية هدفت الى إيجاد شبهة قوية لدى البسطاء بعمالة وتبعية 14آذار لهما، دعمًا لجهود الحزب في إسقاط حكومة الاستقلال الثاني وقلبه دفة الهجوم الى صالحه.
ثانيًا، عقب تعثّر مساعي تشكيل حكومة "الحريري" عام 2009 بسبب رفع المعارضة الإيرانية سقف مطالبها، ارتفعت أصوات استقلالية تطالب بحكومة أكثرية خالصة لا تشارك فيها المعارضة... فسارع رئيس الوزراء الاسرائيلي "نتنياهو" في 10/8/2009 الى التدخل لتنشيط آلية التشكيل والحؤول دون إقصاء الحزب عن الحكومة، فحذَّر من نتائج دخول الحزب الحكومة المقبلة قائلاً: "ليكن واضحاً ان الحكومة اللبنانية ستتحمل مسؤولية أي هجوم يأتي من أراضيها إذا صار حزب الله رسميًا جزءًا منها...". استثمر الحزب مجددًا دعم نتياهو "الانعكاسي" بشخص أمينه العام الذي أكد في 15/8/2009 بأن "الرد على ذلك يكون بأن نسارع ونتعاون جميعاً على تشكيل حكومة وحدة وطنية وأن يشارك حزب الله فيها بفعالية، وهكذا نسقط الهدف من هذه التهديدات". وقد حققت التصاريح الاسرائيلية هدفها المنشود، وسمعت الرد الذي تنتظره، مع قول الرئيس المكلف "سعد الحريري" في 25/8/2009: "أريد ان أؤكد للعدو الاسرائيلي (...) أن حزب الله سيكون في الحكومة،شاء العدو ام ابى، لان مصلحة الوطن تتطلب ان نكون جميعاً في هذه الحكومة ولا يُزايدنّاحد في هذا الموضوع".
لن نطيل أكثر في سرد الوقائع والتواريخ، وهي تربو على عشرة حوادث لا يمكن أن تكون وليدة الصدفة، أحيلُ من أراد الاطلاع عليها بالتفصيل الى مقالي "التأييد الانعكاسي" (17/10/2009) على الرابط التالي:
والسؤال المطروح اليوم: هل ستنجح إسرائيل مجددًا في إدارج بند في البيان الوزاري يشرِّع مرّة إضافية السلاح الإرهابي الذي يحتل لبنان ويصفّي قادته ويصادر قرار الدولة ويخضعها لمشروعه الطائفي الخارجي؟ وكأني بمُجيب يقول: مع "تيار المستقبل" وهذا التحالف الوهمي لـ 14آذار كل شيء كارثي وارد بل مرجّح!!
* * *
* * *
"تؤكِّد الحكومة واجب الدولة وسعيها الى تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر وذلك بشتى الوسائل المشروعة، مع تأكيد حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الاسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأرض المحتلة". التوقيع "سعد الحريري" "حزب الإرهاب المنظم" و..."إسرائيل"!
بدون مقدمات، نبدأ من حيث انتهينا في المقال السابق: مع "تيار المستقبل" وهذا التحالف الوهمي لـ 14آذار كل شيء كارثي وارد، بل مرجّح! لقد فعلها الرئيس الحريري من جديد وغرَسَها جريًا على عادته طعنة مسمومة إضافية في قلب "ثورة الأرز"، وفي ظهر "تحالف" 14آذار، وفي رأس الجمهور الاستقلالي (غير الاستزلامي) وفي يوم الذكرى التاسعة للتظاهرة المليونية التي كسرت جميع الحواجز من أجل "لبنان أولاً"... نعم لقد شرّع الحريري من جديد السلاح الإرهابي المتلطي خلف كذبة "المقاومة"، مع رفض وزراء "الكتائب" وتحفظ الوزير "أشرف ريفي".
فبعبارة كفيلة بإكمال مشروع هدم الدولة اللبنانية نظرًا لجمعها بين متناقضَين صارخَين، الأول يحصر مسؤولية التحرير بالدولة والثاني يؤكد حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة والتحرير بمعزل عن الدولة، ودون ورود أي شيء عن انسحاب الحزب من سوريا أو عن حواجز أمنه الذاتي، ذهب "إعلان بعبدا" أدراج الرياح السعودية-الإيرانية، وأُقرَّ البيان الوزاري الذي تزامن انعقاد جلسة تخريجه مع خدمة إسرائيلية جديدة لمحور الشر دعمًا لما يسمى "مقاومة" بعد غارة 24 شباط الوهمية، حيث شهدت الحدود اللبنانية-الاسرائيلية انفجار عبوة ناسفة بالقرب من دورية للجيش الاسرائيلي دون وقوع إصابات، وعلى الأثر قصفت العدو الإسرائيلي بالمدفعية أطراف بعض القرى الحدودية، وكانت المهزلة بإعلان "داعش" الأسدية-الإيرانية عبر "تويتر" مسؤوليتها عن العملية!
هذه المرة وعلى عكس فجاجة ووقاحة بيان حكومة 2009 الحريرية، وجد الفريقان الموكلة إليهما مهمة إدارة المصالح السعودية والإيرانية في لبنان وعلى حسابه، أن التمهل في إعلان التسوية-الفضيحة حتى اللحظة الأخيرة يخدم مصالحهما معًا، إذ يستطيع كل فريق منهما -وخصوصًا المتستر بشعار "لبنان أولاً"- إيهام جمهوره أنه قاتل بشراسة حتى الرمق الأخير وأنه انتصر في النهاية، وطالما أن قسمًا لا بأس به من الشعب قتل في نفسه روح النقد راضيًا بتسليم عقله الى الزعيم فلا خوف من تضاؤل شعبية أوانخفاض هتاف أو قلّة تصفيق. وكان للفكاهة نصيب بارز في ذلك الفيلم الهزلي-الدراماتيكي، حيث عقد اجتماع الإقرار المشؤوم على وقع "تهديد" رئيس الوزراء "تمام سلام" بالاستقالة إن لم يفرَج عن البيان في تلك الجلسة، وكأن من رضي لكل الأحزاب المشاركة في الحكومة أن تمرَّغ سمعته في التراب على مدى عشرة أشهر ونيف من "بازارات" المحاصصات التي رافقت رحلة التشكيل دون أن يجرؤ على التلويح مرة واحدة بالاستقالة، كأنه بات يملك اليوم قراره فانتفض لكرامته وكرامة منصبه وهيبة الدولة معلنًا أن الأمور قد وصلت الى حدّها، فإما البيان وإما الاستقالة!
سيكتب التاريخ يومًا هذه الحقيقة المرة: في ذكرى "14آذار" بما ترمز وتمثّل شرّعوا الإرهاب والظلم والشر، شرّعوا انحلال الدولة لمصلحة احتلال الدويلة، شرعوا هيمنة السلاح الميليشيوي على حياة اللبنانيين، جدّدوا لـ"حزب الإرهاب المنظم" رخصة سلاحه الإرهابي التي منحوه إياها هم أنفسهم عام 2009... أصبحوا شركاء في كل شيء.
نعم، نقولها بمرارة، لقد نجح الحزب الإيراني تزامنًا مع معركة القلمون-يبرود الاستراتيجية في تحميل تبعات خوضه في دماء الشعب السوري لتيار المستقبل، عبر استدراجه للدخول الى حكومة شراكة وإغرائه بحقائب أمنية لا ريب أنها بمثابة "مجالس صحوة سنيّة" لحماية ظهر الحزب الارهابي من الجماعات الموصوفة تكفيرية والمزعومة سنيّة... وبمرارة أكبر نقول، منذ الإعلان عن تشكيل حكومة السعودية وإيران في لبنان بات الحزب الإرهابي قادرًا على تعليق شريطة زرقاء الى جانب الشريطة الصفراء على بزات عناصره في معاركها الارهابية سواء في الداخل اللبناني أو الخارج السوري... أما مع الاعلان عن إقرار البيان الوزاري بصيغة العهر السياسي الأخيرة فبات بإمكان الحزب استبدال الشارتَين الصفراء والزرقاء بالعلم اللبناني المخطوف. فبئس هكذا تحالف زائف وبئس هكذا حلفاء لا يملكون قرارهم، وشكرًا للـ"قوات اللبنانية" ولـ"حزب الوطنيين الأحرار" ولكل المعارضين للمشاركة في الحكومة ولمهزلة بيانها الأخيرة، فقد أبقوا لنا كجمهور استقلالي مبدئي حق من يقوم بتمثيلنا.
* * *
* * *
"قوى 14آذار ستتفق على مرشح واحد من صفوفها لرئاسة الجمهورية"! منذ دخول مهلة الاستحقاق الرئاسي وسياسيو ما يسمى بـ"تحالف" قوى 14آذار يردّدون على مسامعنا هذه العبارة، أو لنقُل "النكتة" التي لكثرة تداولها وهشاشة مضمونها وواقع حال رواتِها أصبحت غاية في "البياخة" إن لم نقُل "الهَذَيان" الذي بدوره يصل الى أعلى درجاته عندما يتوهّم البعض أن "المرشح الواحد" سيكون الدكتور "سمير جعجع".
ما من شك أن "حزب القوات اللبنانية" مارس حقه الديمقراطي بترشيح قائده لمنصب الرئاسة الأولى، بل أظنُّه يكون مخطئًا في حق وطنه لبنان إن أحجم عن ذلك القرار، خصوصًا أن قائده أثبت منذ دخوله العمل السياسي بعد "الطائف" أنه يتمتع "بفائض" من الصفات والمؤهلات اللازمة للقيادة وبالتالي لاعتلاء منصب الرئاسة الأولى، لكن بالتأكيد في بلد غير لبنان حيث الواقع السياسي يجعلنا نصطدم بحقيقة أن موانع وصول الحكيم الى القصر الجمهوري هي نفسها موجبات وصوله إليه!
الحكيم أثبت أنه صاحب مبدأ لا سيما لناحية عدم خضوعه للتسويات وعدم دخوله في الصفقات عندما تكون على حساب لبنان وعلى حساب المبادئ، وذلك بدءًا من رفضه الخضوع للهيمنة السورية والمضي في تسوية ما بعد الحرب الأهلية والتي دفع ثمنها 11عامًا و3أشهر و5أيام أمضاها تحت الأرض في سجن وزارة الدفاع، وصولاً الى رفضه اليوم المشاركة في حكومة السعودية وإيران وتغطية "الحزب الإرهابي" في احتلاله لبنان وحربه على الشعب السوري. لهذا السبب الحكيم جدير بمنصب الرئاسة الأولى ولهذا السبب نفسه المنصب ممنوع عليه.
الحكيم أثبت أنه الرقم الصعب في المعادلة السياسية اللبنانية قبل الطائف وبعده، يدرك حقيقة خصومه، لا يثنيه عن الثبات على مبادئه ترغيب ولا ترهيب، يتقن فن التعبير عن أفكاره بمنطق وثبات واقناع واتزان، اختار التحالف مع الدولة وعمل على الدفاع عن سلطتها وبسط هيبتها على كامل أراضيها، رفض أكذوبة "المقاومة" وأصرّ على حصر السلاح بالقوى العسكرية الرسمية اللبنانية، كل ذلك جعل منه حجر العثرة الوحيد في وجه مشروع الهمينة والاستكبار والحقد الطائفي الفارسي المهيمن على لبنان بمباركة صهيو-أميركية لا تزال مستمرّة، فكانت محاولة اغتياله في 4نيسان 2012 انطلاقة مبكرة أرادها الإرهابيون لمعركة الاستحقاق الرئاسي، غير أن العناية الالهية كانت لهم بالمرصاد. لهذه الأسباب أيضًا الحكيم جدير بالرئاسة ولهذه الأسباب ذاتها هو ممنوع من الوصول إليها.
لأن تأييده في الشارع الإسلامي يكاد يضاهي تأييده في شارعه المسيحي، وهو ما أتى نتيجة طبيعية لامتلاكه الجرأة على الاعتراف بأخطاء ارتُكبت في الحرب، وتقديمه اعتذارًا عميقًا عن كل جرح أو أذيّة صدرت من جانبه طالبًا السماح والتعالي والمحبة، ولأنه بات صاحب خطاب عروبي بحت التزم به قضية فلسطين وأيد الثورة السورية عبّر من خلاله عن رؤية جيو-سياسية غاية في الوضوح حول موقع لبنان في المنطقة المتأرجح بين خطر إسرائيلي وتوظيف إيراني...، لذلك الحكيم جدير برئاسة الجمهورية ولذلك أيضًا هي محظورة عليه.
ولأن المقاومة والممانعة المسيحية في وجه ما يحيكه المشروع الإيراني التوسّعي الظلامي للبنان باتت متمثّلة ومتجسّدة في "القوات اللبنانية" ورئيسها "سمير جعجع"، ولا سيما بعدما أخذ البطريرك الماروني "بشارة الراعي" بكركي بعيدًا عن ثوابتها الوطنية والتاريخية مقارنة مع نهج سلفه البطريرك "صفير"... لهذا حكيم ثورة الأرز جدير برئاسة الجمهورية ولذلك أيضًا ممنوع عليه الوصول إليها.
وأخيرًا، عندما تكون المؤهلات هي نفسها الموانع، وبما أن الغزل الأميركي-الإيراني في أبهى حلله وأحلى أيامه،وفي ظل واقع أليم تعيشه قوى 14 آذار التي باتت أوهى وأضعف وأعجز من أن تتفق على أدنى مسألة، ونظرًا الى مواصفات "حليف" أزرق أثبت بجدارة أنه لا يملك قرار نفسه وأنه على أهبة الاستعداد فور وصول الأمر السعودي لطعن ثورة الأرز في ظهرها والانقلاب على مبادئها والنكث بتعهداته والتزامته تجاه شعبها مهما بلغ علو سقفها... بناء على ذلك كله لا مفرّ من الإقرار بالحقيقة المرّة: الحكيم رئيسًا للجمهورية يبقى خبرًا أجمل من أن يصدَّق وحلمًا أجمل من أن يتحقّق.
* * *
* * *
لبنان بعد تشكيل حكومة السعودية وإيران ليس لبنان ما قبلها.
علينا أن نصدّق أن عاصفة التخوين المتبادل على مدى ثلاث سنوات كانت سحابة صيف عابرة، وأن أزهار الربيع بين القوى المتناحرة قد بدأت بالتفتح؛ أليس وزير الداخلية "نهاد المشنوق" مَن عَلّق في 18/2/2014 على التواصل المستجد بين "حزب الإرهاب المنظم" و"المستقبل" بالقول: "لم نطوِ الصفحة وحسب بل طوينا كتبًا"؟!
علينا أن نصدّق أن جولات الاقتتال العشرين في طرابلس قد انتهت الى غير رجعة. الجيش والقوى الأمنية أرسَيَا الأمن في التبانة وجبل محسن. "الحزب العربي الديمقراطي" أصبح حزبًا إرهابيًا بعض قيادييه موقوفين فيما رؤوسه الكبيرة "ملاحقون" وإن كان تهريبهم من البلاد قد تمّ بغطاء وعلم من الأجهزة الأمنية. شارع "سوريا" يخطّط "الحريري" لتحويليه شارعًا نموذجيًا على غرار "سوليدير". أما الشهداء والجرحى فأمرهم لا يعدو عن "فرق عملة" من الطبيعي أن يذهب في معاملات صيارفة الخارج المتحكّمين في الداخل.
علينا أن نصدّق أن الخطة الأمنية قد وصلت الى البقاع بعد طرابلس، الجيش انتشر في كامل عرسال، والغطاء قد رُفع عن بعض المطلوبين بعشرات ومئات مذكرات التوقيف في بريتال وحي الشراونة في بعلبك وسواها من قرى البقاع المحسوبة على "حزب الإرهاب المنظم"، وإن كان تمّ إمهال بعضهم لتمكينهم من الفرار من وجه العدالة.
علينا أن نصدق أن طبيعة الصراع في لبنان قد تبدّلت من صراع سياسي جذري بين 8 و14آذار الى صراع مطلبي معيشي نقابي بين المالكين القدامى والمستأجرين، وأصحاب المؤسسات والعاملين، وبين الدوائر الرسمية والموظفين، بين المدارس والمعلمين، بين الجامعة والاساتذة المتعاقدين، بين شركة الكهرباء والمستخدمين، صراع متطوعي الدفاع المدني المطالبين بالتثبيت، وصراع هيئة التنسيق النقابية المطالبة بسلسلة الرتب والرواتب، والصراع بين هؤلاء جميعًا ومجلس نواب أرعن في تشريعاته ومتسرّع في سنّ قوانينه ومنحاز الى حيتان ماله، عدد ساعات عمله هي الأقل مقارنة مع برلمانات العالم، كيف لا وقد تمّت مصادرة مفتاحه منذ 23 سنة من الثنائي الشيعي، ووُضعَ في جَيب رئيسه "المؤبّد" مكافأة له على إخضاع "حركته" للحزب الإيراني وتناسيه كل التصاريح الموثقة التي كشف فيها حقيقة الحزب و"مقاومته".
علينا أن نصدّق أن الجانب المعيشي والاجتماعي بات عليه مدار السياسة في لبنان وكأننا في بلد غربي متطور، وكأن لا انتخابات رئاسية دخلت مهلة استحقاقها، ولا حدود منتهكة يوميًا من مقاتلات ومدافع العدو الأسدي، ولا حزبًا إرهابيًا يجتاز الحدود اللبنانية لاحتلال بلد مجاور وقتل شعب يريد انتزاع حريّته من قلب وحش كاسر، ولا دولة تنحل تدريجًا لمصلحة دويلة ظلامية.
هي "الصحوات" تفعل فِعلها وتؤدّي مهمتها بإتقان تارة بحق وتارة بغير حق؛ نعم، "الصحوات" التي حذّر منها "حكيم ثورة الأرز" عندما رضي الحزب الإرهابي بتسليم أهم الوزارات الأمنية لـ"تيار المستقبل" كي يستثمر سنيّته المزعومة في إخماد البؤر المتوترة ذات الغالبية السنية تفاديًا أو إخفاءً للبعد الطائفي المذهبي من جهة أولى، ومن جهة ثانية كي يضعه الحزب في الواجهة لدى رفعه الغطاء عن بعض المجرمين والإرهابين المحضونين من بيئته والمتوارين فيها، وذلك تجنّبًا لأي صراع داخلي قد ينشأ أو دماء قد تراق بين مكونات البيئة الشيعية...
بالمختصر المفيد، لبنان رهين فريقين متصارعَين عميلَين لدولتَين أجنبيتَين. الفريقان لا يملكان من أمرَيهما شيئًا، يأتمران بأوامر الدولتين الوصيّتين عليهما أيًا كانت الأوامر ولو كانت الأثمان خيانة للعهود ونكثا بالوعود وانقلابا على "التحالفات" وطعنا للحلفاء والتفريط بدماء الشهداء... الفريق الأول عميل لإيران، يعلن عمالته ولا يخفيها، بل يجاهر بأعلى صوته أنه "يفتخر أن يكون جنديًا في حزب ولاية الفقيه". وفريق ثان عميل للسعودية، غير أنه يفضل ستر عمالته بشعار "لبنان أولاً" فيما السعودية لديه أولاً وآخرًا، وانقلاباته المفاجئة وطعناته القاتلة لـ"ثورة الأرز" منذ عام 2005 أقوى دليل على ذلك.
إذا عرفنا ذلك أدركنا أننا نعيش أمنًا مزيفًا واستقرارًا مؤقتًا لن يلبثا أن يتبخّرا عندما يأتي الأمر الخارجي بإعادة تشغيل محرّكات الخلاف من جديد، وبالتالي فلا مجال لتصديق كل ما يريدون منا تصديقه مما تقدّم، أما قنبلة المطالب المعيشية الدخانية فتمّ تفجيرها للتعمية والتشويش والتغطية على الاستحقاق الرئاسي تمهيدًا لتنصيب فخامة "الفراغ" رئيسًا للجمهورية حتى إشعار آخر.
أما "دعاة الاستقرار" ومحتكروا "الاعتدال" فهنيئًا لهم التخلّي عن منطق استكمال المواجهة السلمية المشرِّفة على كلفتها الأمنية الباهظة وإن انتهت بانهزام، وقبولهم بالتنازل المخزي بالرضوخ للحالة الميليشيوية مقابل العيش باستقرار زائف ممزوج بذل واستسلام.
* * *
* * *
شكلا، انعقدت الجلسة الأولى لانتخاب رئيس للجمهورية بحضور 124نائبا، ونال فيها الدكتور سمير جعجع 48 صوتا، مقابل 52 ورقة بيضاء و7 أوراق ملغاة و16صوتا لمرشح "جنبلاط" هنري حلو، وصوت واحد للرئيس السابق أمين الجميل. في الشكل أيضًا، أعلنت "14 آذار" أنها ذهبت الى الجلسة بمرشح واحد هو "الحكيم" وصوتت له. وفي الشكل كذلك انسحب بعد التصويت نواب "عون" والحزب الإرهابي من القاعة لإفقاد النصاب منعًا لعقد دورة انتخاب ثانية. هذا في الشكل فماذا عن المضمون؟
مضمونًا، الجلسة لم تخالف التوقعات ولا الحسابات؛ قوى 14آذار لم تتفق على مرشح واحد، فستة نواب منها (من أصل 57) لم يصوتوا للحكيم فضلا عن تغيّب ثلاثة آخرين هم سعد الحريري وعقاب صقر وخالد ضاهر. أما كثافة الأصوات التي نالها الحكيم فهي نتيجة للعوامل التالية:
أولاً: الإحراج الذي سببه "الحكيم" لكل "حلفائه" بإعلانه عن ترشحه مبكرًا وبدعمه الإعلان ببرنامج استقلالي سيادي من الطراز الرفيع لا يمكن لأي استقلالي أو حتى مدعي استقلال رفضه.
ثانيًا: من المرجّح أن الحريري الذي سوّق من خلال صحيفته في 17/4/2014 لمرشح تسوية تحت شعار "تسوية من موقع قوة"...وافق على "جعجع" على مضض، نعم على مضض لأنه لم يتبلّغ بعد الأمر السعودي من جهة، ومن جهة ثانية لأنه يعلم مسبقا أن الأصوات غير كافيه لإيصاله من الدورة الأولى، وأن 8 آذار لن تسمح بدورات تالية طالما أن "جعجع" مرشح 14آذار.
ثالثًا: كما أن "حزب الكتائب" الذي سوّق لمرشحه الحقيقي "أمين الجميل" على أنه يمكن أن ينال أصواتًا من خارج 14 آذار، وافق أيضا على التصويت لـ"جعجع" للسبب الحسابي الأخير نفسه لا أكثر ولا أقل.
انطلاقًا من تلك المعطيات لا شك أن المواقف داخل فريق 14آذار ستختلف بالنسبة للدورات الانتخابية اللاحقة، ففيما ستتشبث "القوات" بترشيح "الحكيم"، سيحاول "الحريري" الخروج من "جعجع" كما ستطرح الكتائب ترشيح رئيسها. والسؤال المطروح هنا، هل يريد سعد الحريري سمير جعجع حقًا رئيسًا للجمهورية؟!
المسألة ليست قراءة نوايا أو ادعاء معرفة ما تُخفي الصدور، لكن بالتحليل المستند الى الوقائع نقول: الحريري لا يريد جعجع في الرئاسة الأولى، صحيح أنه أعلن عام 2012 و2013 أن مرشحه سيكون "الحكيم" لكنه ما لبث أن أحجم عن إعادة تسمتيه بداية عام 2014 عندما وصله الأمر السعودي بالدخول مع حزب الإرهاب في الحكومة، فاكتفى بالقول انه مع المرشح الذي سيتفق عليه المسيحيون، ما يدل على أن تسميته السابقة والتي كانت في عز المواجهة مع 8 آذار لم تكن جدية، بل ربما فرضتها ظروف المعركة، أي كانت بغرض "المُآجرة" بالفريق الإيراني الذي يرعبه مجرد سماع اسم "الحكيم"، وإلا لو كان جادًا في تسميته الحكيم لكرر دعمه له دون التفاف، ولحضر الجلسة ومعه عقاب صقر شخصيا، ولما سوّق عبر صحيفته للمرشح التسووي ولا انتظر حتى قبل الجلسة بيومين ليعلن عن دعمه "جعجع" بعدما اتضح الى أين وكيف ستسير الأمور... وبالتالي بات بإمكان الحريري بعد جلسة 23 نيسان أن يقول: لقد أدّيت قسطي للعلى ونفّذت وعدي لكن تبين أن طريق بعبدا مقطوعة أمام الحكيم، وبالتالي سيبدأ خطة التملص من ترشيح الحكيم تحت ذرائع وحجج هو ضليع بها كما عودنا في انقلاباته وقفزاته خلال السنوات الماضية.
الحريري يريد رئيسا يدخل في التحالف الرباعي (2005) ولا يبقى خارجه؛ رئيسا يوقّع على اتفاق الدوحة المخالف للدستور (2008) لا رئيسا يوقّع مع التحفّظ؛ رئيسا يوافق على حكومة ما يسمى "وحدة وطنية" بعد فوز 14آذار بانتخابات 2009 النيابية، لا رئيسًا يطالب بحكومة أكثرية خالصة؛ رئيسًا يصوّت لنبيه بري لرئاسة البرلمان (2009) لا رئيسا يمتنع عن التصويت؛ رئيسا يقبل بإقرار ثلاثية العُهر في البيان الوزاري لحكومته (2009) لا رئيسا يعترض عليها ويُصر على عدم دستوريتها؛ رئيسا يقبل بالاعتراف بوجود شهود زور في التحقيق الدولي ويعتذر من سوريا لاتهامه اياها باغتيال رفيق الحريري (2010)، لا رئيسا معارضا كليا شكلا ومضمونا لما تقدّم؛ رئيسا يقبل المشاركة بجلسات حوار الدجل والتقية (2012 و2014) لا رئيسا يريد حوارا جديا ويرفض تلك المشاركة الصورية؛ رئيسا يمشي معه في قانون انتخابي مبتدع (2013) لا رئيسا يتمسك بمصلحة المسيحيين؛ رئيسا يقبل مشاركة الحزب الارهابي في حكومة ائتلافية (2014) لا يتضمن بيانها الوزاري اعلان بعبدا ولا انسحاب الحزب من سوريا، لا رئيسا صاحب مبدأ يبقى خارج الحكومة انسجاما مع مبادئه ومواقفه أيًا كانت الأوامر الخارجية.
الحريري يريد رئيسًا من خط "الاعتدال" الذي هو حقيقة انحلال من العهود والوعود والمواقف والمبادئ... وآخر نموذج أتحفنا به "صقر" تيار الحريري وزير الداخلية "نهاد المشنوق" الذي جعل المسؤول الميليشيوي رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الإرهابي "وفيق صفا" يشارك في اجتماع قادة الأجهزة الأمنية الشرعية في 19/4/2014 فحضره وجلس على طاولة حذف منها الشهيد اللواء "وسام الحسن"!! ولو كان فعلا ثمة تحالف يدعى 14آذار وأمانة عامة فاعلة، لشُنق "المشنوق" سياسيا على باب الأمانة العامة على فعلته المهينة المشينة التي تستسلجب عليه لعنة كل شهداء ثورة الأرز، وذلك بأن يُتخذ القرار بطرده من 14آذار هو والتيار الذي يمثله.
باختصار الحريري يريد رئيسا هيّنا ليّنا مرنًا، هيّنا من حيث انصياعه للتسويات والرياح الخارجية من س-س وس-أ وسواها، ليّنا من حيث خضوعه لضغوط الداخل الارهابي والخارج الاستغلالي، مرنًا من حيث استعداده لتنفيذ القفزات والالتفافات والانقلابات على الثوابت والمبادئ والتضحيات... رئيسًا غير مزعج ولا محرِج، تتماهى صفاته مع الأداء الذي قدّمه الحريري منذ عام 2005 الى اليوم.
من هنا نقول المعادلة باتت واضحة، لقوى 8آذار مرشحان اثنان فقط، الأول مرشح يكمل مشروع إخضاع الدولة للدويلة وهو ما يسمى بالمرشح "التوافقي"، أما المرشح الثاني "الرديف" فهو الفراغ وذلك في حال لم يخضع الحريري "للتوافق"، أما تهمة العرقلة فستُلصَق بدستور الطائف والادعاء أنه أثبت عدم صلاحيته، وصولا الى مؤتمر تأسيسي يأتي بدستور جديد "قابل للتطبيق".
* * *
* * *
استحقاق الرئاسة الأولى في مهب الفراغ الذي وصل الى "مستديرة الصياد" آتيًا من "حارة حريك" على أن يحط رحاله في بعبدا ويستقر على كرسي قصرها ابتداء من 25أيار2014.
الساتيكو منذ تعطيل جلسات الانتخاب يختصر بالتالي: قوى 8 آذار تكرر يوميًا معزوفة أن لا رئيس في بعبدا ما لم يؤد واجب الطاعة للاحتلال الفارسي وهو ما يُعرف اختصارًا بالـ "مقاومة"، فيما يُصر ما يسمى مجازًا بـ "تحالف" قوى 14آذار (أو معظمه)على ترشيح الدكتور "سمير جعجع" الذي اعتبر أن الفراغ أفضل من تسليم لبنان الى حزب إيران، ومع تسجيل حراك مكوكي بكافة الاتجاهات السياسية للرئيس السابق "أمين الجميل" الذي يستعد على ما يبدو لإعلان ترشيحه رسميا ويُمَنّي النفس بحصد أصوات من خارج 14 آذار فيما الحقيقة أن "حزب الارهاب المنظم" يتلاعب بالجميع بمن فيهم حصانه الطروادي "ميشال عون" ويستخدم رَجله في المجلس النيابي "نبيه بري" لضرب الدستور وهدم ما تبقى من أسس للدولة.
ما لا يدعو الى الاطمئنان في هذا الصدد هو ما خرج به المجتمعون عقب اجتماع ضم وفدين من "تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية" من حيث "اعتبار الاستحقاق الرئاسي جزءا من المقاومة المدنية" و"تعميم هذا التوجه في قوى 14آذار". فمضمون مصطلح "المقاومة المدنية" التي أعلنها "تيار المستقبل" و14آذار عقب اغتيال اللواء "وسام الحسن" والوزير "محمد شطح" لا يبشّر بالخير، فقد كانت آخر الملاحم البطولية التي سطرتها هذه "المقاومة" موافقة "تيار السعودية أولا" على تغطية "حزب الإرهاب المنظم" في احتلاله لبنان وحربه على الشعب السوري من خلال مشاركته إياه في حكومة ائتلافية! ثم تابعت تلك "المقاومة المدنية" تسطير انجازاتها بحروف من ذهب مع دعوة وزير الداخلية "نهاد المشنوق" القيادي الميليشيوي "وفيق صفا" لحضور اجتماع رسمي لقادة الاجهزة الأمنية الرسمية في وزارة الداخلية!! والمفارقة هنا أنه إذا كان هذا حال "المشنوق" الذي يفاخر به تياره على أنه من "صقوره" فماذا ننتظر من الحمائم والفراخ؟! ولا شك أن التاريخ سيذكر لهذا "الصقر" و"تياره" أنهم حولوا تسمية وزارتهم من "وزارة الداخلية والبلديات" الى "وزارة الداخلية والميليشيات".
هذا النموذج "المشرِّف" من "المقاومة المدنية" التي يُراد لها أن تدير الاستحقاق الرئاسي يفتح علينا الباب لتدفق سَيل من الاسئلة المقلقة:
فما الذي يضمن لنا عدم تكرار سيناريو 28/11/2007 بضرب "تيار المقاومة المدنية" استحقاق الرئاسة الاولى من خلال تجاوز المسيحيين وتأييد رئيس ضعيف مسيّر وخاضع لحملة السلاح الإرهابي؟! ما الذي يضمن لنا عندما تأتي كلمة السر السعودية-الإيرانية أن لا يخرج علينا "عمار الحوري" مجددا كما فعلها عام 2007 عبر مداخلة هاتفية في مقابلة متلفزة فيُعلن تأييد تياره "ميشال سليمان" كمرشح توافقي مفاجئًا مرشح 14 آذار يومها "بطرس حرب" والقادة الاستقلاليين الموارنة الذين كانوا اجتمعوا في معراب تحت شعار "الأمر لك في الأمن لا في السياسة" معلنين بذلك رفض إيصال قائد الجيش ميشال سليمان الى سدة الرئاسة الأولى؟!
ما الذي يمنع "الحوري" أن يعلن هذه المرة تأييد "البعثي الملتزم" "جان عبيد" الذي أدى "مناسك الحج" بكافة أركانها سواء في بكركي أو في فرنسا أو في السعودية كمرشح توافقي؟! ألم يُعلن صراحة "المشنوق" منذ بضعة أيام أن مرشحه الشخصي هو "عبيد"؟!
ما الذي يحول دون إعلان "الحوري" تأييده التمديد للرئيس الخارج "ميشال سليمان" مكافأة له على مواقفه الأخيرة التي لم تتعد الأقوال الى الأفعال؟ وبذلك تكون الحملة التي شنتها عليه قوى 8آذار هي حقيقة حملة دعم انتخابية وحملة سَتْر لا حملة تشهير لأنه لن يلبث أن يعود الى بيت الطاعة الذي لم يخرج منه أصلا إلا في السنة الأخيرة من عهده ولدواعي انتخابية بحتة.
ما الذي يمنع "الحوري" من إعلان تأييد قائد الجيش "جان قهوجي" بطل "حرب البندقية الموحدة" في عبرا يوم سمحت له مناقبيته العسكرية بالقتال جنبًا الى جنب مع ميليشيا إرهابية بل وتلقي بعض الأوامر منها؟! الأمر غير مستبعد بالنسبة لـ"تيار المقاومة المدنية" الذي نظّم حفل تكريم على شرف "قهوجي" عقب معركة عبرا مباشرة، فلِمَ لا يُكرَّم بالرئاسة الأولى كما سبق وكُرِّم سلفه بها مكافأة على دوره المخزي في تغطية غزوات 7 و11 أيار الإرهابية وتسخير الجيش الوطني لخدمة قوى الإرهاب في قتل المواطنين واحتلال العاصمة؟!
لم يكن مازحًا مستشار "علي خامنئي" الجنرال "يحيى رحيم صفوي" عندما أعلن في 6/5/2014 أن "حدود إيران تصل الى جنوب لبنان"، لكن عتبي عليه أنه ناكر للجميل والعرفان لأنه لم يشكر صقور وأبطال "المقاومة المدنية" الذين عبّدوا له الطريق ليعلن تصريحه المعادي ذاك بكل ثقة وغطرسة وعنجهية واستكبار.
* * *
* * *
عوّدنا "حزب الارهاب المنظم" على قدر عال من المكر والدهاء والخبث في اختيار توقيت أعماله الإجرامية والانقلابية؛ أما الوقائع فهي بالجملة وهذه عيّنة منها.
مسرحية حرب تموز2006 عَرَضها الحزب الإرهابي عندما حَشَرَه القادة الاستقلاليون في طاولة الحوار واحتدم النقاش حول سلاحه، وتزامن توقيتها أيضًا مع "العصر الذهبي" لـ"ثورة الأرز" ومشارف الموسم السياحي الواعد جدا جدا، وذلك للهروب من النقاش وابتداع شبهة تخوين 14آذار وبالتالي ضرب اندفاعة "انتفاضة الاستقلال" وضرب الاقتصاد الوطني وزعزعة "حكومة الاستقلال الثاني".
أضف الى ذلك أن عددا كبيرا من الاغتيالات التي طالت قادة "ثورة الأرز" تمّت في أوقات ذات ارتباط وثيق بالمطالبة بالمحكمة الدولية وعملية إقرارها. أيضًا، غزوات أيار2008 الإرهابية تمّت تحت ستار تحركات وتظاهرات "الاتحاد العمالي العام" المسيّرة من قِبَل الحزب نفسه. أما توقيت الإطاحة بـ"اتفاق الدوحة" غير المأسوف عليه وإسقاط حكومة "الحريري" مطلع عام 2011 فاختاره الانقلابيون مع بداية لقاء "الحريري" مع الرئيس الأميركي "أوباما".
جديد ألاعيب الحزب الإرهابي اليوم ذو شقّين، أحدهما قديم-جديد يتمثّل بتكراره تجربة 7أيار2008 "الناجحة"، حيث عاد الى استخدام دميتَي "هيئة التنسيق النقابية" و"الاتحاد العمالي العام" اللتين نجد عددا لا بأس به من رموزهما وأعضاء نقاباتهما يجلسون في الصفوف الأولى أمام الشاشة العملاقة عند كل خطاب يلقيه قائدهم "حسن نصرالله".. فالحزب رفض المشاركة في لجنة دراسة تمويل سلسلة الرتب والرواتب ودعم ورعى تظاهرة "الهيئة" بحشود كثيفة أتت من البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية... ولا شك أن المطلوب اليوم من هذا التحرك وتوقيته هو التشويش على الاستحقاق الرئاسي بتظاهرات بدأت -وستستمر ربما- بقصد إحداث فوضى ممنهجة تيهمن على فترة الفراغ الرئاسي لإجبار ما يُعرف بتحالف 14آذار على الإذعان مجددا وانتخاب رئيس موال للاحتلال الإيراني؛ وكأن الحزب يريد إفهام الجميع أنه في فترة الاحتلال لا يُنتخب رئيس البلاد انتخابًا إنما يُعيّن تعيينًا وتعينه يكون من قِبل سلطات الاحتلال نفسها! ثم يُساق النواب لانتخابه شكليًا في البرلمان؛ ولا يمكن فصل تصريح "يحيى رحيم صفوي" حول أن "حدود إيران تمتد الى جنوب لبنان" عن هذا السياق.
فضلا عن ذاك التوقيت السياسي القاتل، ثمة توقيت فنّي مواز له، ألا وهو افتتاح مهرجان "كان" السينمائي! فتزامنًا مع توقيت حفل الافتتاح ومرور المشاهير على "السجاد الأحمر"، ولمزيد من الدجل والتعمية والتلاعب بمصير العمال والمعلمين وعواطفهم ومعاناتهم، حاول الحزب الإرهابي أن يخطف الأضواء من مشاهير السينما وأن يفرض مشاركته الميليشيوية في "مهرجان كان" من خلال عرضه فيلم "السلسلة" لبطَلَيه "فياض وعمار"، حيث وقف النائب في كتلة الحزب "علي فياض" أثناء جلسة مناقشة السلسلة في 14/5/2014 ليقول: "انا ضد السلسلة كما هي مطروحة اليوم من اللجنة الفرعية الانقلابية. نريد انصاف العسكريين والاساتذة والعمال". وتابعه زميله "علي عمار" الذي أعلن انسحابه من المجلس قائلا: "نصرة لكل القطاعات، أنا ضد هذا المشروع منهجية وأداءً. وأعلن انسحابي".
من حيث تصنيف فيلم "السلسلة" وممثليه، لا شك أنه يندرج في خانة الأفلام الكوميدية الهزلية الساخرة، فالحزب الذي يدّمر الاقتصاد الوطني بشكل منهجي ومدروس منذ عشرات السنوات سواء من خلال افتعال الحروب المدمّرة والمسرحيات المدروسة مع العدو الاسرائيلي أو من خلال زعزعة الاستقرار بشكل مزمن وشل الوسط التجاري مدة سنتين، أو عبر التهريب والتهرب من الجمارك عبر المرافئ البرية والبحرية والجوية، والحزب الذي يتفنن بصنوف التعديات على الأملاك العامة والخاصة وشركة الكهرباء...هذا الحزب الذي بإقلاعه عن أفعاله تلك يستطيع تأمين وفر للدولة يمول السلسلة ويساهم في سداد الدين العام لا يحق له أن يزايد على الآخرين في وقوفه الى جانب حقوق العمال والمعلمين. وإذا كان من "سعفة ذهبية" يستحقها الحزب على فلمه هذا، فهي بلا ريب عن فئة الدجل والنفاق والتلاعب بعواطف الناس واستغلال مآسيهم ومعاناتهم لأغراض سياسية إرهابية انقلابية احتلالية دنيئة.
* * *
* * *
بعد أن سبق له إهانة الشيعة بارتكابه أعماله الإرهابية باسمهم، ثم إهانة الدروز بإخضاع زعيمهم، ثم إهانة السنّة بفرضه رئيس حكومة لا يريدونه ولا يمثلهم، ها هو حزب الإرهاب اليوم يهين المسيحيين واللبنانيين أجمعين للمرة الثانية منذ اتفاق الطائف بتنصيبه الفراغ رئيسًا لجمهوريتهم.
إذا، تزامنًا مع حلول ذكرى إطلاق كذبة "عيد المقاومة والتحرير" حيث لا مقاومة ولا تحرير، اقتحم الفراغ في 25 أيار2014 قصر بعبدا وجلس على كرسي الرئاسة عنوة بقوة التعطيل الإرهابي، آتيًا من سفر طويل قطعه مباشرة من طهران الى "حارة حريك" في ضاحية بيروت الجنوبية ومنها صعودًا الى بعبدا...فما هي دلالات وصوله، ومتى وكيف تنتهي ولايته؟
الدلالة الأولى من وصول الفراغ الى سدّة الرئاسة الأولى تشير الى أن الاستحقاق خرج من يد الموارنة ومن مجمل الساحة اللبنانية الى الساحة الإقليمية والدولية، وبالتالي الرئيس المقبل لن يُمثل مسيحيي 14 ولا حتى 8 آذار، لأنه سيكون وليد تسوية خزي وعار، ورَهين توافقِ غالبٍ ومغلوب بين "عميلَي" السعودية وإيران في لبنان.
الدلالة الثانية لحلول الفراغ تكشف بوضوح أن "حزب الإرهاب المنظم" لم يكن لديه قبل 25 أيار إلا مرشحًا واحدًا لا غير هو الفراغ نفسه، ذلك أنه لو أراد إيصال مرشّح غيره لأمكنه فِعل ذلك ولكان أمّن له أكثرية النصف زائدًا واحدًا في جلسة الانتخاب الثانية التي عطّل نصابها، وبالطريقة نفسها التي سبق أن أمّن بها الأكثرية لفرض "نجيب ميقاتي" في رئاسة الحكومة عام 2011... فبالنسبة لكتلة النائب "وليد جنبلاط" واهم من يظن أن بإمكان الزعيم الدرزي الخروج عن طاعة الحزب الإرهابي في المسائل العملية والمصيرية وما حصل أثناء تسمية "الميقاتي" أسطع دليل، أما ترشيح "جنبلاط" النائب "هنري حلو" فلم يكن ليتم بغير موافقة الحزب لأنه ببساطة لا يقوى على منافسة الفراغ، فلا الحزب ولا غيره يمكن أن يصوّتوا له وبالتالي لن يصل. ويكون الأمر أكثر خضوعًا وإذلالاً ودناءة إذا تحدثنا عن كتلة الجنرال "عون" التي يستخدم الحزب رئيسها عند كل استحقاق مستغلا "شَبَقَه الرئاسي" لتمرير الوقت والتعطيل واستنفاذ المُهل وصولاً الى إحراق ورقة الجنرال وجَعْله يصوّت مرغمًا لمرشح يمكن للحزب الإرهابي أن يضع فيه ثقته، وتجربة عام2008 خير دليل.
الدلالة الثالثة لفخامة الفراغ هي أن مخطط الحزب لا ينفع معه نصاب النصف زائدًا واحدًا (فلو كان ذلك كافيًا لكان أمّنه لأي مرشّح يريده كما بيّنا آنفًا)، بل مخططه يحتاج الى أكثرية الثلثين التي يحتّم عليه تأمينها جمع أصوات من ما يسمى "تحالف" قوى 14 آذار، وهي النسبة المطلوبة لإجراء تعديل في الدستور بشكل عام، ما يجعلنا أمام احتمالَين:
-1- فإما أن يكون مرشّح الحزب شخصية لا يحق لها الترشّح حاليًا للرئاسة لشغلها منصبًا من الفئة الأولى مثلا وبالتالي تحتاج الى تعديل دستوري ليتسنى لها ذلك، والشخصية المرجّحة هي قائد الجيش العماد "جان قهوجي" الذي فضلا عن تأييده ما يسمى زورًا "مقاومة" باتت تجمعه مع الحزب الإرهابي منذ معركة "عبرا" عام 2013 رفقة سلاح وبندقية!! وبهذا يكون تعديل الدستور جزئيًا.
-2- وإما أن يكون تعديل الدستور جذريًا، وذلك حالة كون مرشح الحزب هو "مؤتمر تأسيسي" أي تدميري للجمهورية وتخريبي للصيغة والميثاق، وبالتالي يتطلّب أكثرية الثلثين لفرض سلّة كاملة تبدأ بإجراء تعديلات تنسف المناصفة ودستور الطائف وتنتهي بتنصيب الرئيس الذي يريده الحزب سواء قائد الجيش أم سواه... الاحتمالان (الجزئي والجذري) واردان بقوة، وأيٌّ منها كما دلّت التجارب لا يتم في الظروف الطبيعية بل يحتاج إلى إراقة دماء واغتيالات وفوضى أمنية ومؤسساتية... وعليه فالفراغ لن يُنهي ولايته ولن يُخلي كرسيّه إلا لمصلحة أحدهما أو كليهما.
للأسف، ودائمًا استنادًا الى وقائع التاريخ والتجارب المريرة السابقة منذ عام 2005، ومع كامل ثقتي بثبات "القوات اللبنانية" على مبدأ المقاومة الحقيقية والحفاظ على الجمهورية، لا أجد مفرًا من ترجيح فرضية أن ينال الحزب مراده سواء الأقل خطرًا وهو فرض مرشحه الذي سيكمل بطبيعة الحال مشروع إخضاع لبنان بالكامل الى الاحتلال الإيراني عبر إدارة الأزمة، أو المراد الأخطر على الإطلاق وهو فرض مؤتمره التدميري... فعلى وقع الهرج والمرج والاغتيالات والفوضى الممنهجة، وبمجرّد تلقيه الأمر السعودي، وتحت شعارات "أم الصبي" و"المصلحة الوطنية" و" تغليب العقل على العاطفة" و"حفظ الاستقرار" وسواها من الخزعبلات والترّهات الحريرية الانبطاحية والانهزامية التبريرية الواهية، سيخضع "تيار المستقبل" ويؤمّن أكثرية الثلثين التي يريدها الارهابيون لاتمام مخططهم.
يبقى أن نوجه الشكر والتحية الى "حكيم ثورة الأرز" الدكتور سمير جعجع الذي أدى واجبه الوطني على أكمل وجه، فبترشحه لرئاسة الجمهورية وببرنامجه الانتخابي السيادي بامتياز استطاع أن "يعيِّش" اللبنانيين الاستقلاليين حلمًا ورديًا جميلاً أخرجهم ولو للحظة من كابوس حقيقة الاحتلال الإيراني، قبل أن يحل الفراغ ويعيدهم مرغمين الى استكمال ذلك الكابوس الإرهابي حيث لسلطة الاحتلال وحدها حق تعيين "الرؤساء" وعزلهم أو حتى اغتيالهم.
* * *
* * *
تأسس عام 2009 في فرنسا ما أطلق على نفسه تسمية "اتحاد عمّال الجنس" أو "نقابة العاملين في الجنس" (strass)؛ هذا الاتحاد له مقرّه الرسمي في باريس، كما له نقيب يتم انتخابه من قبل أعضاء النقابة، وله ممثلون وناطقون باسمه؛ وقد أعلنت النقابة أن هدفها هو "الدفاع عن حقوق العاملين في الجنس وخصوصًا العاهرات وممثلي الأفلام الإباحية، وبشكل عام كل من يمارس الدعارة على أنواعها، سواء في الشوارع أو الأماكن المغلقة أو عبر الويبكام والهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي".
أيها القارئ الكريم لا يُساوِرَنّك الشك ولا تأخذنّك الحَيرة، عنوان المقال صحيح والمقطع الأول هو مقدمته وأنت فعلاً تقرأ مقالاً عن الانتخابات الرئاسية في سوريا، فإذا بات للعاهرين والعاهرات في أوروبا "نقابة" تمثّلهم ونقيب مُنتخَب يدافع عن "حقوقهم"، ما الغريب في أن يكون في سوريا نقابة "اتحاد السفاحين الدوليين والعاملين في مجال الإرهاب"، وما العجب في أن يكون لها نقيب أو رئيس منتخب من قبل أعضاء النقابة؟! أليس للسياسة عُهرها أيضًا؟!
هنا قد "يتبجّح" أحد المعارضين قائلاً: هذه انتخابات باطلة غير شرعية ولا قانونية، بل هي مهزلة بكل ما للكلمة من معنى لأنها تجري تحت قصف متواصل بالبراميل المتفجرة وعلى بحر من دماء زهاء 200 ألف شهيد سوري وتسعة ملايين مشرّد، والأدهى من ذلك أن المرشح هو السفّاح الكيماوي نفسه، هادم البلاد وقاتل العباد ومنتهك الأعراض "أبًا عن جد" منذ 50 عامًا، أما الناخبون فهم عصابته المجرمة ممن يشاركون في قتل معارضيهم أويفرحون بإبادتهم، بعد ذلك كله كيف لها أن توصف بالانتخابات النزيهة وبأن الأسد يستحق الرئاسة؟!
مسكين هذا المعارض، فقد أعطى في متن سؤاله كل الردود والأجوبة على استنكاراته. نعم أيها الثائر، انتخابات الأسد صحيحة ونزيهة لكن بالاعتبارات التالية:
فأن يكون المرشح هو السفّاح والإرهابي القاتل، هذا شرط جوهري أساسي لترأس "اتحاد السفاحين"، فكما تعلَم في نقابة الأطباء لا يحق للمرشح الى منصب النقيب أن لا يكون طبيبًا، وفي نقابة المحامين يشترط فيه أن يكون محاميًا، وفي نقابة العاملين في الجنس عاهرًا... وبالتالي فاعتراضك مردود عليك وهو في غير محله، فرئيس "اتحاد السفاحين" لا بد أن يكون سفّاحًا.
أما أن يكون الناخبون مقتصرين فقط على معاوني السفاح والمنتمين الى عصابته الإرهابية على تنوع مهامهم سواء القتل أو الهتاف أو التصفيق، فهذه أيضًا حجة مردودة عليك، فكما أن نقيب العاملين في مجال الجنس لا ينتخبه إلا العاهرات، وكما أن نقيب الأطباء لا ينتخبه الى الأطباء... كذلك الأمر بالنسبة لنقابة السفاحين لا يحق للناخب إلا أن يكون إرهابيًا مجرمًا سفاحًا مثل نقيبه، ومن هنا -والحق يُقال- أحسَنَ الأسد في اختيار "سوا" شعارًا لحملته الانتخابية، فهو وداعموه وناخبوه ومحبوه سويًا ويدًا واحدة على الشعب السوري، وهم سواء في الإرهاب الذي يمارسونه.
وبالنسبة الى طعنك في الانتخابات الأسدية بذريعة أنها تجري على بحر من الدماء وتزامنًا مع قصف البراميل المتفجرة التي تمطر بها المدن والمناطق المعارضة... فهنا أيضًا وقعتَ في التناقض، لأن ما وصفته من أعمال إرهابية هو جزء لا يتجزّأ من الحملة الانتخابية لأي سفّاح طامح لتبوّؤ منصب "رئيس نقابة السفاحين"، بل ما وصفته دليل ساطع على جدارة المرشح الأسدي وجدّيته وتفانيه في تأدية مهنته حيث لا كسل ولا ملل ولا عُطل ولا راحة من القتل حتى في يوم الانتخابات نفسه.
بناء على ما تقدّم، أؤكّد لك أخي المعارض أن الانتخابات الأسدية صحيحة ونزيهة، وقد استوفت الشروط المطلوبة كاملة ترشّحا وترشيحا واقتراعًا ومقترعين، حتى الشعار "سوا" موفّق جدًا وصادق جدًا ودقيق جدًا... أما "بشار الأسد" فيستحق الفوز وهو الأجدر بهذا المنصب وتاريخ حزبه وعائلته الدموي والخياني منذ 50 سنة كافٍ لأن يجعله يفوز بالتزكية، غير أن احترامه للشفافية وحريّة الاختيار والتزامه بالديمقراطية الحقيقية نصًا وروحًا ومضمونًا حتّم عليه أن يتحّمل عناء الدعوة الى الانتخابات وأن يُعيِّن "شبّيحَين" برتبة مرشّح صوري غير منافس، وأن يشطب ما استطاع من معارضيه منعًا لأي تزوير وحرصًا على سلامة ونزاهة العملية الانتخابية التي لا يحق للناخب فيها إلا أن يكون إرهابيًا سفّاحًا مجرمًا، وهو كذلك سواء وضع عمامة أو حجابًا أو صليبًا... سواء بسواء على شاكلة رئيسه.
عزيزي المعارض الثائر لحريتك وكرامتك لا أدعوك الى اليأس أبدًا، فانتخابات "نقابة السفاحين" لا تعنيك من قريب أو بعيد، بل هي بحد ذاتها إنجاز جديد يُضاف الى إنجازات الثورة الأعظم في العالم، إنجاز يؤكد لمن له عينان مبصرتان أن الناخب الأول هو الدعم الدولي الصهيو-أميركي لمحور الشر الذي تجرَّأتَ على زعزعة أركانه، لكن مهما تخلى عن نُصرتك العالم أجمع ومهما طال أمد الظلم فالحق آت لا محالة، وثورتك السورية على حق، يكفيها شرفًا أنها بانطلاقتها أطلقت العد التنازلي لنهاية العائلة الأسدية ومعها الامبراطورية الصهيو-فارسية بعد أن كان العد تصاعديًا سريعًا لمزيد من الهيمنة والاستكبار والغطرسة والتمكُّن والإفساد في الأرض.
* * *
* * *
جديد انجازات الربيع السوري الدائم شجرة فتية نبتت على طرف الثورة السورية ومن الجذر المبارك نفسه للشجرة الأم، حيث استفاق محور الشر الصهيو-إيراني المتهالك في 10/6/2014 على ثورة عراقية مجيدة حرّرت الموصل وبقية مدن محافظة نينوى وتكريت ومعظم محافظة صلاح الدين، وبعض المعابر الحدودية مع سوريا، والآن أصبحت في بعقوبة على تخوم العاصمة بغداد.
صحيح أن سياسات "نوري المالكي" الفارسية الطائفية والإقصائية والإلغائية الظالمة في حق المكوّن السني العراقي كان لها الأثر الكبير في اندلاع تلك الثورة، وأنها تأتي امتدادًا للاعتصامات والاحتجاجات التي بدأ هؤلاء ينظمونها منذ مطلع عام 2013 وعلى مدى عام كامل رفضًا لسياسة التمييز والاضطهاد الفارسية قبل أن يتخذ "المالكي" قرار إخمادها بالقوة مطلع عام 2014 مستخدمًا فزّاعة "داعش" والسلاح الأميركي، غير أن الأساس الذي يجب أن لا نتغافل عنه هو أن الثورة العراقية والاحتجاجات التي سبقتها يعود الفضل في نشوبهما الى الثورة السورية التي شكّلت باعث أمل لأهل العراق المضطهدين السنّة تحديدًا الذين شعروا أنها أعادت لهم امتدادهم الديموغرافي الطبيعي بعد أن سلخهم عنه الهلال الفارسي الذي أنشأه الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 قبل أن ينسحب الأميركيون مُخلِين الساحة للاحتلال الفارسي في أعقاب اجتماعات مباشرة بين الطرفين لترتيب أوضاع المنطقة.
وسيرًا على خطى أمّها السورية، بدأت الثورة العراقية منذ يومها الأول تؤكّد صحة الفضائح التي كشفتها سالفتها وتصدّق على زيف الأقنعة التي سبق أن أسقطتها، وأخذت الإنجازات تتوالى على وقع توالي سقوط المدن العراقية في الإقليم السني كأحجار الدومينو، بحيث أمكن تسجيل النقاط التالية:
أولا: جرى الإعلان رسميًا من إيران وأميركا على امكانية التعاون العسكري وغير العسكري من أجل وأد تلك الثورة، كما عبرّت اسرائيل عن قلقها الكبير من التغيرات على الأرض العراقية، وبدا التناغم الأميركي-الإيراني-الصهيوني واضحًا وصريحًا أكثر من أي وقت مضى من حيث تلزيم العراق للاحتلال الفارسي والحفاظ عليه في القبضة الإيرانية جزءًا لا يتجزّأ من الهلال الفارسي الضامن الأول للأمن القومي الصهيوني والذي بنى مجده على أكذب شعار عرفه التاريخ "الموت لأمريكا الموت لأسرائيل".
ثانيًا: انقلاب الطاولة على الاحتلال الإيراني في العراق أرغم إيران على إرسال قائد "فيلق القدس" -الذي لا يعرف أين تقع القدس- الى العراق على وجه السرعة لكي ينظم لـ"المالكي" إرهابه، وجعل المرجعيات الشيعية العراقية تفتي علنًا بالتعبئة العامة لقتال الثائرين، الأمر الذي أكّد أن المسألة منذ بدايتها طائفية قذرة بامتياز مبنية على أطماع تاريخية وأحقاد دفينة وعلى استعداد للتعاون مع أي شيطان أكبر أم أصغر من أجل تحقيقها، والحجة الواهية كما في سوريا "حماية المقدسات"!
ثالثًا: تغيير قواعد اللعبة في العراق انسحب عليها في سوريا، فعمدت إيران الى سحب ميليشياتها الإرهابية العراقية من سوريا وأعادتها الى العراق لمواجهة الثورة العراقية، الأمر الذي جعل حزب الإرهاب المنظم في لبنان يدفع بالمزيد والمزيد من عناصره الإرهابية الى سوريا تعويضًا عن النقص الطارئ. وبالتالي سيخضع الحزب الإرهابي الى المزيد من الانهاك والاستنزاف جرّاء الغرق في الوحول السورية، كما أن أعداد التوابيت الخشبية العائدة الى لبنان ستتضاعف سواء بأسماء حقيقية أم وهمية.
رابعًا: محاولة إلصاق الغالبية العظمى من الإعلام الغربي -والمحلي الناقل عنه- الثورة العراقية بتنظيم "داعش" الإرهابي تماهيًا مع التصاريح الأميريكة والإيرانية و"المالكية" وهو التنظيم المعروف من حيث المنشأ والإنتاج والتصدير، وتهميش هؤلاء صوت العشائر وهيئة العلماء المسلمين السنة ومفتي الديار العراقية الداعمين للثورة... كل ذلك يصب في خانة شيطنتها كما تمت شيطنة الثورة السورية قبلها تسويغًا لمحاربتها تحت ستار محاربة "داعش". صحيح أن لـ"داعش" وجودها على الأرض وهو الأكثر نفورًا نظرًا لفظاعة أعمالها غير أن غالبية ثوار العراق من تشكيلات وأحزاب وفصائل متنوعة لا تخرج من دائرة الاعتدال.
خامسًا: أما في لبنان حيث الاضطهاد الفارسي للمكونات السنية والمسيحية والدرزية والشيعية الحرة، وبعد أن انقطع خط التواصل الإرهابي البري الذي يربط طهران بالضاحية الجنوبية، فلن يجد الاحتلال الإيراني المعزول عن امتداده الاستراتيجي أنسب له من تعميق هوّة الفراغ الرئاسي وشل المؤسسات توصّلا الى مؤتمر تأسيسي يشرّع فيه ما انتزعه وفرضه بقوة السلاح الارهابي من مكاسب على حساب الدستور والصيغة.
في الخلاصة، لقد دقّت الثورة السورية المسمار الأول في نعش الهلال الفارسي، وها هي اليوم تنتج ثورة عراقية مجيدة لتعلنان معًا يصوت صارخ: تمّ كسر الهلال الصهيو-فارسي من وسطه، والتاريخ لن يعود الى الوراء.
* * *
* * *
في التاسع من تموز من العام 2013 بدأ مسلسل التفجيرات الانتحارية وغير الانتحارية يضرب لبنان وتحديدًا مناطق الضاحية الجنوبية حيث معقل الحزب الإرهابي، وقد طال في إحدى حلقاته مسجدي "التقوى" و"السلام" في طرابلس حيث الثقل السنّي. في تلك الفترة وما سبقها، كان "تيار المستقبل" متمسكًا بمواقف استقلالية مشرّفة أهمها على الإطلاق عدم المشاركة في حكومة مع الحزب الارهابي قبل أن ينسحب من سوريا، وعلى أن يكون "إعلان بعبدا" أساس البيان الوزاري.
توالت التفجيرات وكان من ضمنها عملية اغتيال مستشار الرئيس الحريري "محمد شطح" نهاية عام 2013، وكانت النتيجة أن خضع الحريري لإرهاب الحزب -وبناء على الأمر السعودي- أعلن عن استعداده للمشاركة في حكومة ائتلافية قبل أن ينسحب الحزب من سوريا، وبالتالي تفضيله الاستقرار المذل والمزيّف على المواجهة بالثبات على المواقف الوطنية المشرّفة. تألفت الحكومة، وغطى "الحريري" ولوغ الحزب الارهابي في الدم السوري واحتلاله لبنان... لم ينسحب الحزب من سوريا بل ضاعف إرهابه ضد الشعب السوري بعدما أطمأن للساحة اللبناية، ولم يؤتَ في البيان الوزاري على ذكر إعلان بعبدا... وفجأة وبسحر ساحر توقّف مسلسل التفجيرات!! فما هو السبب يا ترى؟
بداية، بعض التفجيرات التي طالت الضاحية الجنوبية لم تكن مقنعة في حبكتها الإخراجية لناحية أنها صنيعة يد خارجية، بل إن معظمها- وليس كلها- كان يشير بأصبع الاتهام الى وقوف الحزب الإرهابي وراءها ولا سيما فيلم "إخراج القيد الطائر" ومحاولة إلصاق التهمة دائمًا بـ"عرسال" السنيّة تارة وبعكار تارة أخرى... فلا يُستبعَد أن الحزب كان يفجّر بيئته باعثًا برسالة مزدوجة الأولى لشعبه ومفادها أن أي تمرّد على إرسال أبناء الطائفة الشيعية ليقاتلوا ويُقتلوا في سوريا ستكون عواقبه وخيمة، والثانية لـ"سعد الحريري" ومفادها أن الاستقرار بات مفقودًا وأن حربًا مذهبية بدأت تترجَم بتفجيرات متنقلة بين الضاحية وطرابلس... بناء على ما تقدّم أصبح الجواب معلومًا، ببساطة توقفت التفجيرات لأنها حقّقت النتائج المرجوة منها، وبالتالي آن أوان تعليقها، لا إنهائها، وحتى إشعار آخر.
في الفترة الممتدة من عام 2005 الى يومنا هذا، أثبت الحريري أن همّه هو "الاستقرار" أيًا كان الثمن، ولو كان خضوعًا وانبطاحًا واستسلامًا وتراجعًا عن الثوابت والمبادئ والوعود والمواقف... لعب الحزب الإرهابي على نقطة ضعف الحريري مرّات عديدة ونال مراده في محطات مفصلية كان آخرها تغطية الحزب في حكومة ائتلافية يمارس فيها "المستقبل" دور "الصحوات" على الطريقة العراقية، وقد أدى "وزير الداخلية والميليشيات" "الصقر" نهاد المشنوق المهمة على أكمل وجه بالتعاون والتنسيق المباشر مع المسؤول في الحزب الإرهابي "وفيق صفا".
في 20/6/2014 عاد مسلسل التفجيرات المتنقلة في جزئه الثاني ليغزو الشاشات؛ تفجير انتحاري على حاجز للدرك في "ضهر البيدر" حاول الحزب الإرهابي وإعلامه واستخباراته إيهام الرأي العام بأن المستهدف به كان موكب مدير عام الأمن العام "عباس ابراهيم"، لكن كأفلام التفجيرات التي سبقته لا تزال السينما الإيرانية تحتاج في حبكاتها البوليسية الى مزيد من المنطقية والواقعية لإقناع المشاهد بقصصها، فهوية "ابن عرسال" التي عثر عليها في مكان التفجير كانت مزوّرة، أما الوثيقة التي اخترق الحزب بها "جريدة النهار" فنشرتها قبل 24 ساعة من التفجير على أنها مسرّبة من الموساد الإسرائيلي الذي يحذر لبنان فيها من محاولة يجري الاعداد لها لاغتيال اللواء "ابراهيم" ما لبث أن بان زيفها على لسان الصحافية المنسوبة إليها زورًا... فهل يريد الحزب مصارحتنا بخجل بأن إسرائيل باتت ضنينة على أمنه وأمن لبنان وأمن رجال الحزب في الأجهزة الأمنية؟!!
مسلسل التفجيرات "البايخ" عرض حلقته الثانية في 23/6/2014، هذه المرة بتفجير انتحاري في "الطيّونة" على مدخل الضاحية قرب حاجز للجيش ومقهى يرتاده شبان المنطقة، ومرة جديدة بدأ الإرهابيون بالتلميح الى أن مصدر السيارة المفخخة كان "الطريق الجديدة" حيث الثقل السني! فما السبب وراء استئناف حلقات هذا المسلسل ابتداءً من 20حزيران2014 والى متى سيستمر عرضه؟
الجواب يأتي في السياق نفسه للاجابة على السؤال الأول ويحمل رسالتين، الأولى مزدوجة لبيئة الحزب الإرهابي لشد عصبها وتهديدها تحسُّبًا لأي تمرّد في آن معًا، خصوصًا أن عدد القتلى الإرهابيين للحزب بدأ يتضاعف وسيتضاعف أكثر وأكثر مع دفعه بالمزيد من إرهابييه الى سوريا للتعويض عن انسحاب الميليشيات العراقية الى بلدها لمواجهة الثورة السنية هناك... والرسالة الثانية لـ"سعد الحريري" ومفادها أن الاستقرار الذي ينشده بأي ثمن ولو كان غاية في الخزي والعار عاد ليهتز، والثمن المطلوب هذه المرة التخلي عن ترشيح "الحكيم" لرئاسة الجمهورية وحتى عن أي شخصية أخرى تحمل مبادئه السيادية والخضوع لمرشح يعيّنه الحزب ليرعى الاحتلال الإيراني ويساهم في هدم الدولة...
على ذلك سيستمر عرض مسلسل التفجيرات في جزئه الثاني حتى يأتي الأمر السعودي للحريري بالخضوع وإعطاء الحزب مراده، والحريري سيفعلها تحت الذرائع والتبريرات الواهية التي عوّدنا عليها، لنكون أمام مرحلة جديدة من الاستقرار الزائف قبل أن يحين موعد عرض الجزء الثالث من مسلسل التفجيرات فور ورود مطلب ابتزازي جديد للحزب وملاقاته بتعنّت حريري.
* * *
* * *
منذ سفرته الأولى الى الخارج وتحديدًا تلك الافتتاحية التي قصد بها المملكة العربية السعودية والثانية التي تلتها الى دولة الكويت، ورئيس الحكومة "تمام سلام" يحدّثنا في مؤتمراته الصحافية عن "الأمن الممسوك في لبنان" وعن "محاربة الإرهاب بكافة أشكاله"، وقد تماهى معه في خطابه وزايد عليه "وزير الداخلية والميليشيات" نهاد المشنوق بإعلانه "الحرب المفتوحة على الإرهاب" حتى أمكن تسميتهما بـ"ثنائي التضليل الإعلامي في الداخل والخارج". من هنا بات لزامًا علينا التدخل لوضع النقاط على الحروف.
بادئ ذي بدء وقبل الخوض في أي تفصيل، لا بد من تذكير رئيس الحكومة ووزير داخليته أنه لا يمكن لأي دولة أن تتحدّث عن "أمن ممسوك" فيما الدولة نفسها خاضعة لاحتلال حزب إرهابي عميل لدولة إرهابية ومتهم بسلسلة تفجيرات اغتيالات يُحاكَم عليها دوليًا وإن نفى تورّطه بها، وبغزوات إرهابية يفاخر بها ويمجّدها فيما الدولة عاجزة عن محاكمته عليها...
هذا أولاً، وثانيًا لا يمكن لبلد يُصدّر الإرهاب بشكل منظم الى سوريا والعراق ومختلف دول الخليج ومصر واليمن وبعض دول أوروبا... لا يمكن لهكذا بلد أن يتحدث عن "مواجهة للإرهاب بكل ألوانه وصنوفه وأشكاله" كما حاول تضليلنا "المشنوق" في تصريحه عقب الحلقة الأولى من مسلسل التفجيرات الفارسية بجزئه الثاني، ولا الحديث أيضًا عن "عدم وجود مجموعات إرهابية في لبنان إنما خلايا نواجهها ونضع حدًا لها" كما أعلن "سلام" من الكويت قبل أيام... وبالتالي فإما المساواة بين الإرهابيين في المكافحة والمواجهة والحرب المفتوحة، وإما امتلاك الجرأة على الاعتراف بأننا في حكومة احتلال فارسي نغطي إرهابه وننفذ سياسته ونلتزم بخطابه وتعريفه للإرهاب والإرهابيين.
نقطة ثانية نضعها على حرف رئيس الحكومة الذي صرّح من السعودية أنه في "لبنان لم يتم التعرّض لأي سائح خليجي" قائلاً ذلك في معرض تشجيعه الخليجيين على السياحة في لبنان... فإننا نذكره بما تعرّض له المواطن القطري من "آل العطية" في أيار عام 2012 من مداهمة وتحقيق سياسي مشين ومهين أثناء تواجده في المستشفى وفي حالة صحية صعبة، وذلك على خلفية تبرعه بمبلغ مالي متواضع للثورة السورية... وكيف وتّرت هذه الحادثة الإرهابية العلاقات اللبنانية القطرية يومها وكادت أن تؤدي الى مضاعفات لا تُحمد عقباها.
أما وزير الداخلية "نهاد المشنوق" فحبذا لو يشرح لنا نظريته في الحرب المفتوحة على الإرهاب وكيفية انسجامها مع جعله المسؤول الميليشيوي رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب الإرهابي "وفيق صفا" يشارك في اجتماع قادة الأجهزة الأمنية الشرعية في 19/4/2014، وأين هي من تشريع الحدود أمام تصدير الإرهابيين الى سوريا لقتل الشعب السوري؛ وقبل ذلك كله ليته يوضح لنا كيف سقطت بلدة "الطفيل" الحدودية اللبنانية في أيدي الحزب الإرهابي والجيش الأسدي في 22/6/2014 وكيف هُجّر منها جميع أهلها... علمًا أن الوزير كان برّر حضور "صفا" ذاك الاجتماع الأمني الرسمي بأن للحزب تواجدًا في "الطفيل" وأن الاجتماع كان مخصصًا لدخول الدولة الى البلدة وفرض سيطرتها عليها والوقوف على معاناة أهلها، وبالفعل نظمت الهمروجه الإعلامية لدخول الجيش والقوى الأمنية الى البلدة لتصبح بعد أقل من شهرين خالية من أهلها وخاضة للاحتلال الارهابي الأسدي-الايراني المشترك!! هذا الأمر من الدقة والخطورة بمكان يستدعي معه مساءلة الوزير والتحقيق معه حول ملابسات ما جرى دفعًا لشبهة الخيانة العظمى.
في النهاية لا بد من امتلاك الجرأة على الاعتراف بأن لبنان بلد خاضع لحزب ارهابي ومصدّر ومستورد للإرهاب في آن واحد، سواء إرهاب الحزب الداخلي أو إرهابه الخارجي أو الإرهاب الذي جلبه الحزب على نفسه وعلى لبنان بسبب ولوغه في دم الشعب السوري المنتفض لحريته وكرامته... وكل كلام خلاف ذلك تضليل وهراء حتى لو صدر عن رئيس حكومة ووزير داخلية.
* * *
* * *
لا يزال لبنان يتابع مسلسل الارهاب الفارسي بجزئه الثاني باهتمام، ذلك المسلسل الذي نجح في فرض نفسه على الشعب اللبناني ومنافسة المسلسلات المسماة "رمضانية" لا لأنه يتمتع بقصة جميلة وحبكة مقنعة وإخراج متقن... فهو لا يمت الى هذه المعايير بصلة، إنما لكونه يثير مخاوف اللبنانيين ويعرّض حياتهم الى الخطر ويضرب ما تبقى من مقومات الدولة واقتصادها. ما يهمنا إبرازه في هذه المقالة يختصر بتوضيح وتصويب وتأكيد ودعوة الى الخجل!
فبالنسبة للتوضيح، يخطئ من يظن أن المسلسل الفارسي بجزئه الثاني لم تعرض منه سوى ثلاث حلقات فقط، وهي التي تخللتها التفجيرات المعروفة، بل المسلسل مستمر بعرض يومي ومتواصل منذ حلقته الأولى في 20/6/2014، فالحلقات لا تقاس بالتفجيرات وحدها، ذلك أن موجة التهديدات المبتادلة التي أمطرتنا بها وسائل التواصل الاجتماعي عقب تلك التفجيرات من ألوية حقيقية ومزعومة وجهات مكشوفة تحرّكها أجهزة الاستخبارات الفارسية...مضافًا إليها ما يتم تضخيمه وتسريبه من خلال التحقيقات... هذه كلها حلقات إرهابية جديدة تضمن استمرارية عرض المسلسل لكن بحوادث وأنماط مختلفة.
فيما يتعلّق بالتصويب، الملاحظ أنه بعد الحلقات الثلاث الأولى تم الترويج إعلاميا وأمنيا -وخصوصا من وزير الداخلية والميليشيات- أن جميع التفجيرات أخطأت أهدافها، فيما المرجح بحسب تحليلنا اليوم ويوم حدوثها أنها أصابت أهدافها بدقة وأوصلت رسائلها الى العناوين الصحيحة، سواء عنوان المجتمع الشيعي الممنوع من التمرّد والمهدد والمخطوف، والذي يعيش كارثة حقيقة هي مأساة عودة عدد من أبنائه كل يوم بالتوابيت من الوحول السورية... أو الى عناوين ما يسمى "تحالف 14آذار" برسالة مفادها أن المسلسل الفارسي الدموي مستمر طالما أنهم لم يوافقوا على تقديم رئاسة الجمهورية لحزب الاحتلال الارهابي...
أما التأكيد، فهو تصريح نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب الإرهابي " الشيخ نبيل قاووق" الذي أكّد فيه المؤكّد من التحاليل التي تنسب التفجيرات الى الحزب الإرهابي، فتبنى عن قصد أو غير قصد تلك التفجيرات الإرهابية وأعلن مسؤولية حزبه عنها، لا بل ربط استمرارية عرض مسلسل الارهاب الفارسي بتخلي 14آذار عن عنادها حيال مطالب الحزب الإرهابي التخريبية الجديدة.
قالها "قاووق" بصراحة في 6/7/2014، ففي معرض مطالبته بـ "العمل على تحصين الداخل من العمليات الإرهابية وعدم إعطائهم أية إشارات تشجيعية"، أسف "لاعتماد وتبني فريق 14آذار استراتيجية إطالة أمد الفراغ والتعطيل وعدم الاستعجال لانتخاب رئيس للجمهورية أو لإقرار سلسلة الرتب والرواتب أو لتفعيل المجلس النيابي، لأنهم هم المستفيدون من هذا كله..."، معتبرًا أن "تبني استراتيجية التعطيل والفراغ تعطي رسالة ضعف أمام الخلايا الإرهابية". إذًا باعتراف "قاووق" المسلسل الإرهابي مستمر الى حين تقديم 14آذار واجب الطاعة لسلطات الاحتلال.
بقيت نقطة الدعوة الى الخجل، وهذه نوجهها الى "تيار المستقبل" الذي أصبح في أوساط عديدة من بيئته "تيارًا من الماضي" خصوصًا بعد سلسلة الطعنات المسمومة التي وجهها الى ثورة الأرز بانقلاباته على تعهداته الوطنية ومواقفه المشرفة كلما جاءه "أمر اليوم" السعودي... فحري بأعضاء المكتب السياسي لهذا التيار ونوابه وساسته أن يخجلوا من دعوة الحزب الارهابي الى الانسحاب من سوريا، وهو ما دأبوا عليه في هذه الأيام بشكل شبه منظم، فمن غطى إرهاب الحزب في سوريا بجلوسه معه في حكومة واحدة، ومن يملك وزارتي الداخلية والعدل في حكومة رعاية الاحتلال، ومن رضي أن تسجّل في عهده سابقة وفضيحة احتلال بلدة لبنانية (الطفيل) من العصابات الأسدية والحزب الارهابي، هذا التيار لا يحق له "بَيع" جمهوره تلك الدعوات، والجمهور أصلاً لن يشتريها منه، بل عليه أن يخجل من عقد الشراكة المهين والمعيب الذي أبرمه مع الحزب الإرهابي في سفك دماء الشعب السوري واحتلال لبنان.
* * *
* * *
لا يزال "تيار المستقبل" يعاني تخبّطًا واضحًا في سياسته وتناقضًا واضحًا بين شعاراته وأفعاله، فالسلوك لا يتناسب مع التفكير المنسلخ بدوره عن واقع الحال، والشيزوفرينيا مستمرة... هذا باختصار ما أكّده الرئيس سعد الحريري في خطابه الأخير في 18/7/2014.
سنتعامل مع خطاب "الحريري" بالمعيار الذي شدّد عليه في كلمته حيث قال بثقة وحزم: "نحن سنبقى صوت العقل، ومنحازين الى العقل، ومتأكدين من انتصار العقل"؛ ونحن بدورنا بناء على العقل ورافعين صوت العقل سنتاول بالتحليل جانب "مكافحة الإرهاب" الذي خصص له الحريري مساحة مهمة من خطابه، حيث اعتبر أن "هناك من يحاول تزوير إنجازات الخطة الأمنية وتصويرها على أنّها خطة موجهة ضدّ السُنّة في لبنان"، قال ذلك بعد تأكيده على أن "الدولة هي المسؤولة عن حماية المواطنين والدولة هي المعنية حصراً بملاحقة ومداهمة أوكار الإرهاب والإجرام، وهذا ما يقوم به بنجاح واقتدار الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وسائر الأجهزة الأمنية والقضائية"، ثم ما لبث أن أعلن "أن كل تنظيم يرمي بالشباب إلى التهلكة والتفجير هو بالنسبة لنا إرهاب وعدوّ للبنان".ربطًا بين هذه الجمل الحريرية الشيزوفرينية الثلاث يحق للعقل أن يسأل:
إذا كان الحزب الإيراني تنظيمًا إرهابيًا وعدوًا للبنان لأنه "يرمي بالشباب الى التهلكة" على حد وصف الحريري، كيف لنا أن نعتبر أن الأجهزة الأمنية تقوم بدورها في مكافحة الإرهاب "بنجاح واقتدار" فيما هي لا تلاحق هذا الحزب ولا تكافح إرهابه ولا توقف مرتكبي جرائمه (على سبيل المثال لا الحصر قتلة الرئيس رفيق الحريري والمناضل هاشم السلمان وإرهابيو 7أيار...) بل تبقي له الحدود مشرعة ذهابًا وإيابًا رعاية وتسهيلاً منها لإرهابه في سوريا؟! هل تستقيم بعد هذه الشراكة والتغطية مطالبة الحزب بالانسحاب من سوريا؟!
عقلاً، أين "النجاح والاقتدار" في سقوط قرية "الطفيل اللبنانية بيد ميليشيا الحزب الإرهابي وعصابات "الأسد" بعد أن دخلها الجيش والقوى الأمنية لحمايتها؟! أين لمح "الحريري" هذا "النجاح والاقتدار" في عدم توقيف مطلقي النار نحو بعبدا وطريق الجديدة من أسطح أبنية الضاحية الجنوبية وهم معروفون صورة وهوية؟!
عقلاً، أين لمس "الحريري" الاقتدار والنجاح في وقوف أجهزة الدولة وجيشها متفرجين على العرض العسكري الظاهر الذي نظمه الحزب جهارًا نهارًا في بعض "قراه" البقاعية مسيّرًا الآليات العسكرية من راجمات صواريخ وناقلات جند وسواها من الأسلحة والاعتدة والعناصر المسلحة؟!
عقلاً، بعد تراكم هذه الحوادث الفضائحية ومشاهدة المواطن اللبناني لما يحدث في طرابلس والشمال وسواها من المناطق من ملاحقة المعارضين السوريين والمتضامنين معهم من اللبنانين ثم إيقافهم أو التضييق عليهم... ألا يحق له أن يستنتج أو حتى أن يتساءل عما إذا كانت الخطة الأمنية موجهة ضد السنّة في لبنان، وعما إذا كان "تيار المستقبل" ارتضى لنفسه بتسلّمه وزارتي الداخلية والعدل أن يمارس عمل "الصحوات" في حكومة الاحتلال الفارسي على غرار النموذج العراقي بحيث يتم ضرب السنّة بالسنّة تفاديا للبُعد الطائفي وحساسياته فيما تبقى سلطات الاحتلال الارهابية تمارس إجرامها في الداخل والخارج حرة طليقة اليدين؟!
نعم، صحيح أن الحريري اعترف بحصول تجاوزات من بعض الاجهزة الامنية من اعتقال عشوائي وانتهاك لحقوق المواطنين السياسية، واعتبرها أعمالا مرفوضة، لكن ما تفسير أن تكون تلك التجاوزات تمارس دائمًا ضد فئة معيّنة هي "السنّة" فيما لا أثر لتلك التجاوزات ولا حتى لإحقاق الحق وتطبيق أبسط القوانين على الحزب الارهابي وممارساته القذرة في حق الدولة والمواطنين؟
تبقى نصيحتان لـ"الشيخ سعد"، الأولى بتجنّب استعمال الأفعال والأدوات والعبارات التي تفيد الجزم في المواقف التي يطلقها في خطاباته، فالتاريخ أثبت أن لا ثابت عند التيار الأزرق سوى الموقف السعودي الذي عليه مدار العمل. أما النصيحة الثانية فهي بصياغة الخطابات على أنها موجهة الى الخصوم أو المعارضين قبل المناصرين، لإنه إذا استطاع اقناع خصمه أو مواجهته بصوت العقل والمنطق والحجة فسيكون اقناعه لجمهوره تحصيل حاصل، أما أن تُصاغ الخطابات على أنها موجهة الى الجمهور الذي قتل في نفسه حاسة النقد وسلّم عقله الى زعيمه، فعندئذ لن نكون إلا أمام خطاب شيزوفريني من هذا القبيل على الأقل في شقه المتعلّق بـ "مكافحة الارهاب" موضوع النقاش.
* * *
* * *
تعود القصة الى بداية عام 2011 يوم نفذ الحزب الارهابي انقلابه على اتفاق الدوحة -غير المأسوف على انهياره- فأسقط حكومة الرئيس "سعد الحريري" وأتى برجله وبصديق "آل الأسد" "نجيب ميقاتي" رئيسًا لحكومة سوريا وإيران في لبنان، متحديًا الطائفة السنية في عقر منصبها الدستوري بفرضه عليها من لا يمثل خياراتها السياسية ولا الوطنية...
في تلك الأيام السوداء المستمرة الى يومنا هذا لكن تحت ستار وشعار "حكومة ربط النزاع" التضليلي، انحاز المفتي "محمد رشيد قباني" الى الحزب الإرهابي تصفيةً لحسابات سياسية وبدوافع كيدية تسيء الى مقامه وطائفته ولا تمت بصلة الى ما يزعمه من مواجهة التعديلات التي يريد "تيار المستقبل" ادخالها على القانون 18 المتعلق بتنظيم شؤون دار الفتوى، فانقلب على "الحريري" وعلى طائفته وخبّأ الميقاتي تحت عبائته بعدما أدى الأخير ما يتوجب عليه من مستلزمات الاستمالة...
منذ ذلك التاريخ تحوّل القباني من مفت الى "مفتن" فاستغل الحصانة التي اكتسبها من السلطة المغتصبة في تدمير ما بقي سليمًا من مؤسسات طائفته فعزل مفتين معروفين بانتمائهم الوطني وعيّن آخرين موالين له وأقال مشايخ يعارضون سياسته، وتدرّج في الافساد الممنهج حتى بات لصيدا مفتيان وللطائفة السنية في لبنان مجلسان "شرعيان"... أما على الصعيد السياسي فما من شخصية مستفزة لمشاعر الشارع السني نظرًا لدورها القذر أثناء عهد الاحتلال السوري أو لقربها من الحزب الارهابي إلا ودنّس صالون دارالفتوى ومنزل الافتاء بدعوتها واستقبالها أو بتكريمها مانحًا إياها "ميدالية دارالفتوى" أعلى وسام يمكن لمفتي الجمهورية منحه، حتى وصل به الامر الى حد استقبال سفير الاجرام الأسدي "علي علي" ثلاث مرات في عز مجازر النظام الدموي، ووفد من "حزب الارهاب المنظم" يوم صدور القرار الاتهامي بتورطه في جريمة العصر!! وقد بلغ الاضطهاد الطائفي الذي يمارسه الحزب الايراني على الطائفة السنية أوجه عندما منح الحزب الحصانة السياسية والعسكرية للقباني قُبيل عيد الفطر من عام 2013 والتي أتت كرد فعل ميليشيوي عطّل مفاعيل عريضة العزل القانونية الشهيرة التي أمّن التواقيع اللازمة عليها الرئيس "السنيورة" وكان على وشك تقديمها بعد العيد، ليصبح بذلك أعلى ممثلَين للطائفة السنية مفروضَين عليها كرهًا من قبل الحزب الارهابي، رئيس الحكومة ومفتي الجمهورية.
في عز معركته الكيدية الفتنوية، وقبل نحو شهر من الموعد الذي ضربه لإشعال الفتنة الكبرى بانتخاب مفتيَين للسنّة في لبنان، إذ بحزب الارهاب يتخلى عن القباني ويأمر ملحقاته وأزلامه المحسوبين على السنّة بالتحرّك منفذين أوامر رفع الغطاء، فأبلغوا القرار رسميًا للقباني معلنيين تأييدهم انتخاب مرشح "تيار المستقبل" رئيس المحاكم الشرعية الشيخ "عبد اللطيف دريان" مفتيا للجمهورية متحدثين عن تسوية اقليمية وعن مخرج مشرّف وكريم للقباني -غامزين من جهة ملفه ونجله المالي ذائع الصيت- ليفتحوا الباب بذلك على سَيل من الأسئلة:
كيف ستتعامل الأوساط السنيّة مع ترشيح "دريان" الذي اصبح انتخابه في حكم المؤكد مفتيا للجمهورية، خصوصًا أن وفدًا من "هيئة العلماء المسلمين" سبق له أن أبلغ "السنيورة" في شهر حزيران رفضه وصول "دريان" الى هذا المنصب لاعتبارات عديدة ليس الآن موضع تفصيلها؟ وما هي تفاصيل التسوية المشار إليها والتي جعلت "حزب الارهاب" يؤيد مرشح "تيار المستقبل" لسدة الافتاء بعدما كان ماضيًا في تفتيت الطائفة بانتخاب مفتيَين لها، لاسيما مع ما تتم إشاعته بين خاصة مشايخ دار الفتوى عن زيارة "دريان" دمشق سرًا واجتماعه بمفتي نظام الاجرام الاسدي؟ والى متى سيبقى منصب الافتاء وشخص المفتي -ذو البُعد السياسي الوطني قبل الديني- مكرّسًا لسياسة "الحريري" السعودية يستدير مع استدارتها ويتقلّب وفقًا لتقلّباتها ويصيغ مواقفه مستعينًا ببيان كتلتها النيابية فيما آخر همّه شؤون طائفته و"لبنان أولاً"؟ وهل من المقبول في حق الطائفة السنية ايجاد مخرج "مشرّف" للقباني أم يجب أن يحاسَب على ملفاته حتى ولو اقتضى الامر زجّه في السجن ليكون عبرة لمن سيخلفه -بل ولغيره من رؤساء الطوائف- تطبيقًا للقانون بل وانسجامًا مع تعاليم الإسلام حيث لا حسب ولا نسب ولا منصب يحول دون محاسبة المرتكب؟
أسئلة عديدة أجوبتها رهينة الأيام الآتية، وتبقى العبرة للحزب الارهابي بأن مصيره عندما سينتهي دوره سيكون مشابهًا للطريقة نفسها التي أنهى بها رَجله القباني، وستكون نهايته حتمًا على يد من ارتضى أن يكون عميلاً وأداة لهم سواء منهم الأقربون أم الأبعدون من أصحاب المشروع الفتنوي التكفيري العنصري الفارسي المنسجم تماما مع السياسة الصهيو-أميركية في المنطقة.
* * *
* * *
كلما هممنا بتحريك شفتينا لتوجيه انتقاد الى الجيش اللبناني مستندين الى وقائع وحقائق وتحاليل... خرج علينا مَن يزجرنا بلسان القمع والقصائد الزجلية:"ويحكم! اصمتوا... هذه مؤسسة الجيش التي تقدّم التضحيات وتحفظ الأمن وتصون الوطن". والى هؤلاء نقول: كفى "تأليهًا" للجيش اللبناني.
نعم، كفى "تأليهًا" للجيش فما الجيش إلا أداة أمنية بيد السلطة التنفيذية تخضع لسياستها وتنفذ أوامرها، فالمؤسسة العسكرية ليست مستقلة على الإطلاق إنما هي تابعة ومأمورة وموظفة، تتلقى أوامرها من الدولة وتتقاضى رواتبها من الضرائب المفروضة على المواطنين مقابل القيام بواجبها من حماية الشعب وحفظ حدود البلاد وذلك تأدية لوظيفتها دون جميل ولا مِنّة في تقديم تضحية ولا تفضُّل في أداء واجب على أحد... هذا محل الجيش من الإعراب وفقًا لقواعد الدستور اللبناني لا أكثر ولا أقل، ومن لم يَرُق له هذا الإعراب فعليه بأقرب بلد تحكمه الجزمة العسكرية.
بالانتقال الى صلب الموضوع، وهو المعارك المندلعة منذ عصر السبت 2/8/2014 في عرسال وجرودها، فإنه بقدر رفضنا المطلق لأي اعتداء على الجيش ولأي تواجد عسكري ميليشيوي لبناني أم أجنبي ينتهك للدولة سيادتها، فإننا نرفض بالقدر ذاته تبعية المؤسسة العسكرية لغير الدولة ونأخذ عليها تعاونها الكامل مع ميليشيا إرهابية قتلت اللبنانيين قبل سواهم من الشعوب بل واعتدت على المؤسسة العسكرية نفسها غير مرة... فكيف لأهل بيروت والجبل أن ينسوا تخلي الجيش عنهم في غزوات أيار 2008 وتركهم فريسة سهلة لإرهاب الحزب الإيراني، وكيف لأهل عكار أن يغضوا الطرف عن اغتيال شيخ "الثورة السورية" أحمد عبد الواحد على حاجز للجيش، وكيف لأهل "عبرا" أن يتجاهلوا معركة "البندقية الموحدة" يوم تشارك الجيش مع قوى الإرهاب وغطى مخططها في القضاء على "الأسير" من خلال القصف الجنوني العشوائي ونهب البيوت... وكيف لمناصري الشعب السوري المقهور أن يتعاموا عن ملاحقة مخابرات الجيش للناشطين البارزين في الثورة، بل كيف لكل اللبنانيين أن يسكتوا عن تخاذل الجيش -خلافًا لأوامر السلطة التنفيذية ورئيس الجمهوريةـ في الرد على الاعتداءات الأسدية اليومية المستمرة منذ عام 2011 والتي تطال القرى الحدودية... وكيف للبناني أن يصمت عن خروج الجيش عن مهامه المحددة دستوريًا وتركه حدود البلاد مشرعة ذهابًا وإيابًا أمام جحافل حزب الإرهاب التي تدخل سوريا لسفك دم الشعب السوري؟ والقائمة تطول.
لسنا من المنتمين الى حزب الشيطان الأخرس ونأبى أن نُحسَب عليه، فتاريخ سقطات الجيش اللبناني يتكرّر اليوم في عرسال حيث ظهرت الأفلام والصور مؤكدة مشاركة الحزب الإرهابي في القتال بعدّته وعتاده، وهو لم يُخفِ ذلك أصلا من خلال إعلامه التحريضي الحاقد وأناشيده التي يسرّب بواسطتها ما يمتنع قياديوه عن إعلانه. وليس صحيحًا ما صدر عن قيادة الجيش من أن "ما يجري اليوم يُعدّ أخطر ما تعرّض له لبنان واللبنانيون"، فالوقائع المذكورة أعلاه أخطر بكثير، بل إن وقوع لبنان في قبضة الاحتلال الإرهابي الفارسي أخطر وأخطر.
إن ما يحدث في عرسال ليس وليد ساعته، بل هو نتاج تراكمات تتعرض لها هذه البلدة من قمع وحصار وتضييق منذ بداية الثورة السورية ومناصرتها لها، حيث بذل حزب الإرهاب قصارى جهده لتفادي اقتحامها تفاديًا لفتنة سنية-شيعية صريحة مفضلاً القضاء على المعارضة السورية من الجهة المقابلة لعرسال، أي القلمون وقراها، ظنَّ أنه انتصر وأعلن الانتصار الوهمي -ككل انتصاراته المزعومة- وحاصر عرسال من جميع الجهات، غير أن أرض الواقع ما لبثت أن كذّبت أوهامه فعادت المعارك الى القلمون موقعة في صفوفه الخسائر المؤلمة والفادحة، واشتدت وطأتها عليه في شهر رمضان الفائت حيث بلغت خسائره ذروتها رغم اقحامه الجيش واستخدامه إياه في معارك ليست معاركه لكي يحمي ظهره، فما كان من الحزب بعد أن أفلتت جرود عرسال والقلمون من قبضته إلا أن قرر إنقاذ نفسه بزجّ الجيش وأهالي عرسال والنازحين السوريين في معركة دامية وفتنة ممهورة بتوقيع تدخل الحزب في سوريا وأجندته الإرهابية للسيطرة على البلدة.
باختصار إن سلاح الشرعية وسلاح الإرهاب ضدان لا يجتمعان إلا إذا خضعت الشرعية للإرهاب، من هنا لا بد من مراجعة سريعة لمدى تبعية المؤسسة العسكرية للسلطة التنفيذية كي يبقى الجيش مؤسسة يتوحّد حولها الجميع ولا تشعر أي طائفة بأنها باتت أداة فئوية لاستهدافها يستخدمها الحزب الإرهابي المحتل لصالح مشروعه الفتنوي الحاقد. أما العماد "قهوجي" فقد "هنّأناه" برئاسة الجمهورية منذ معركة عبرا فلن نعيد التهنئة بعد معركة عرسال، لكن ما لا شك فيه أنه حال وصوله فعلاً الى سدة الرئاسة فإنه لا ولن يمثَل شريحة كبيرة من اللبنانيين، ليس أولهم كاتب هذا المقال.
* * *
* * *
في الفترة الممتدة بين 14/2/2005 و25/5/2008 عُرض الجزء الأول من مسلسل الإرهاب الفارسي الذي تضمنّت حلقاته سلسلة تفجيرات واغتيالات وحرب كبيرة وأخرى صغيرة، طالت الأولى المناطق المسيحية الحرة، وحصدت الثانية خيرة قادة "ثورة الأرز"، وقضت الثالثة على الاقتصاد، وأنهكت الرابعة الجيش في "نهر البارد"، وقد تُوِّج بغزوات أيار الإرهابية... توقف عرض المسلسل فجأة بعد "اتفاق الدوحة" حيث نال حزب الإرهاب المنظم كافة مطالبه من إنهاء حكومة الاستقلال الثاني وتشكيل حكومة ينال فيها الثلث القاتل وقانون انتخاب يرضيه إضافة الى تعيين -لا انتخاب- قائد الجيش السابق ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية.
في الفترة الممتدة بين 9/7/2013 وشباط 2014 عاد مسلسل الإرهاب الفارسي بجزئه الثاني، وتضمّن هذه المرة سلسلة تفجيرات متنقلة بين الضاحية وطرابلس منها الانتحارية وغير الانتحارية كما اغتيل في إحدى حلقاته الوزير السابق "محمد شطح"، وقد توقف عرض هذا الجزء من المسلسل فجأة مع نيل حزب الإرهاب المنظم مطلبه حيث حظي بتغطية "تيار المستقبل" لإرهابه في سوريا واحتلاله لبنان من خلال موافقة "الحريري" على الجلوس مع الحزب في حكومة ائتلافية ولعب دور "مجالس الصحوات" بتسلّمه وزارتي العدل والداخلية.
في الفترة الممتمدة بين 20/6/2014 والمستمرة الى يومنا هذا بدأ عرض الجزء الثالث من مسلسل الإرهاب الفارسي حيث عادت موجة التفجيرات المتنقلة وحرب تهديدات متبادلة لمنظمات وهمية وغير وهمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي كما شهد لبنان معركة عرسال الدموية التي أراد حزب الإرهاب المنظم من خلالها السيطرة على البلدة الاستراتيجية في المكان والمكانة بالنسبة للثورة السورية. ومن المتوقع أن يستمر عرض الجزء الثالث من هذا المسلسل الى حين خضوع 14آذار وقبولها بانتخاب رئيس جمهورية يفرضه حزب الإرهاب مباشرة أو مواربة، وكل المجريات تؤكد من معركة عبرا 2013 الى معركة عرسال 2014 وما بينهما الى أن مرشح الحزب هو العماد "جان قهوجي".
جديد الحوادث التي لا يمكن -من وجهة نظرنا- عزلها عن مجريات المسلسل الفارسي ومفاعيله هي عودة الرئيس سعد الحريري المفاجئة الى لبنان في 8/8/2014 بعد ثلاثة أعوام وأربعة أشهر من النفي الإرادي والقسري في آن معًا، وفي خلفيات هذه العودة يمكننا قراءة النقاط التالية:
أولاً في الشكل: لا شك أن لبنان هو المكان الطبيعي الذي يجب على الرئيس الحريري أن يتواجد فيه، لكن عجبنا لوصف "الأمانة العامة لقوى 14 آذار" عودته على أنها "عودة شجاعة وبالغة الأهمية"، هي بالغة الأهمية نعم، لكن شجاعة لا، فالشجاعة تكون في عودة الحريري في عز المواجهة ويوم كان مهدّدا لمواقفه الوطنية الاستقلالية المشرّفة كأي قائد يدير المعركة وسط الميدان (وقد ناشده حكيم ثورة الأرز الدكتور سمير جعجع في تلك الأيام بالعودة عدة مرات)، أما اليوم فلا شجاعة أبدًا في عودة كان بإمكان "الحريري" القيام بها منذ بداية العام 2014 عندما زال الخطر عنه بموافقته على تغطية حزب الإرهاب في الحكومة ولعب دور الصحوات خصوصًا أنه أدّاه مع فريق عمله على أكمل وجه حتى وصل به الأمر الى نفي تدخل الحزب في معركة عرسال عشية وصوله الى لبنان رغم نشيد "سيطر ع عرسال" والأفلام المصورة ونعي الحزب لإرهابيين له سقطوا هناك!
ثانيًا في المضمون: تسويق العودة على أنها أتت على خلفية تكليف الملك السعودي للحريري بالإشراف على انفاق هبة المليار دولار للمؤسسات الأمنية غير مقنعة، إذ بإمكان الحريري الإشراف الكامل عليها من الرياض أو باريس، وبالتالي ثمة قطبة مخفية وراء عودته منها ما هو مؤكد ومنها ما هو مرجّح:
فالمؤكد فيها أنها أتت بأمر سعودي لإعادة تفعيل "reactivation" الحريري مجدّدا على الساحة السياسية التي خفت نجمه فيها بفعل تواجده في الخارج، وكذلك الساحة السنية حيث ظهر التململ بوضوح من سياسته الانبطاحية بفعل انقلاباته المتعددة على مواقفه وتعهداته الوطنية المشرفة وخذلانه طائفته في قضاياها المستدامة وبالتالي لا بد من محاولة لاستدراك الأمر ورأب الصدع... أما المرجّح من العودة فهو أن تكون متصلة بصفقة متكاملة جديدة على منصب رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وقيادة الجيش ومنصب مفتي الجمهورية (الذي اتضحت معالم تسويته) والانتخابات النيابية، أو بعبارة أكثر صراحة خضوع انبطاحي جديد لحزب الإرهاب على حساب "ثورة الأرز" ومقابل استقرار مزيّف وفتات من المحاصصات يراها الحريري مناسبة، فيما النتيجة استمرار الاحتلال الفارسي للبنان بأقنعة ومظاهر وأدوات مختلفة.
كل ذلك يبقى في دائرة القراءة والتحليل، فهل تكون عودة الحريري الحلقة ما قبل الأخيرة من مسلسل الإرهاب الفارسي؟
* * *
* * *
"بعد عودة الحريري، كيف سيتعاون الحريري ونصرالله لمواجهة الإرهاب"؟! سؤالا مُذهلا طرحته مذيعة مخضرمة على ضيفها عبر إذاعة تابعة لـ"رئيس مجلس الصحوات" سعد الحريري. أَوَصَلوا الى هذه الدرجة من السفالة في استخدام أساليب غسل الأدمغة لقلب المفاهيم وتغيير المسمَّيات واستغباء الجماهير والاستخفاف بعقول الناس ومحاولة محو ذاكرتهم؟!
"مواجهة الإرهاب ومحاربة التكفيريين"، وحدة حال وانسجامًا تامًا في الخطاب اليومي يلاحظهما مَن يتابع تصريحات الحكومة رئاسة ووزراء وكذلك معظم السياسيين وقيادة الجيش، معظمهم تبنى خطاب "حزب الإرهاب المنظم" الذي يسوّق له منذ عام 2012 -سنة إعلانه دخول الحرب في سوريا الى جانب الطاغية "بشار الأسد"؛ وكانت "داعش" محور خطاب "حسن نصرالله" في 15/8/2014، حيث حذّر من أنها "تشكّل خطرًا حقيقيًا على السنة والشيعة والمسيحيين"، و"خطرًا وجوديًا على لبنان وعلى دول المنطقة". وهنا نسأل المتحمّسين لمواجهة الإرهاب والتكفيريين أليس الحزب المذكور إرهابيًا بل تكفيري أيضًا؟
بالنسبة للإرهاب حدّث ولا حرج، فمنذ تأسيسه على الفكر الدموي الإجرامي "الخُميني" عام 1982 وتاريخه حافل بالإجرام، وكي لا نعود كثيرًا الى الوراء حسبنا أن نذكر اغتيال "رفيق الحريري" وقافلة شهداء "ثورة الأرز"، مرورًا بغزوات 7و11أيار واغتيال النقيب "سامر حنا" وصولاً الى مشاركته في ذبح الشعب السوري وما بين تلك التواريخ من حوادث وخطف وتفجيرات واغتيالات وقتل للدستور وانتهاك للقوانين وتعطيل للحياة السياسية واغتيال للديمقراطية واضطهاد للطوائف واحتلال للكنائس(لاسا) والمساجد (صور وبعلبك) وتعدٍ على الأوقاف السنية والمسيحية، وعبث بالتوزيع الديموغرافي ومصادرة للحريات وانتزاع لمكاسب سياسية وفرض للإرادة الخارجية... كل ذلك بقوة السلاح الميليشيوي الذي يحتل لبنان. هذا في لبنان، أما في المنطقة فتصدير الفكر الخميني المتطرّف لم يترك بلدًا من شرّه، سواء في مصر أو دول الخليج حيث تُكتشف المخططات والشبكات الإرهابية الحزبية والإيرانية باستمرار؛ بعد ذلك كله يحذرنا ذاك الزعيم الإرهابي من الخطر الوجودي لـ"داعش" على لبنان والمنطقة فيما هو ومحوره أمّ الخطر وأبوه.
أما فيما يتعلّق بالفكر التكفيري فالحزب تكفيري أيضًا، والأمر جلي بالنسبة لمن اطلع على المصادر التي يستقي منها فكره الدموي المتطرّف، غير أننا لن نعود إليها بل سنُدينه من فمِه مستندين الى تصريحَين؛ الأول صدر عن رئيس الهيئة الشرعية في الحزب الشيخ "محمد يزبك" في 8/10/2012 بعد تشييع أحد عناصر حزبه الذي هلك أثناء قتله الشعب السوري، فقد أعلنه "شهيد الواجب والدفاع عن الأمّة، وقد استُشهد في معركة كان يُدافع فيها عن كرامة الإسلام والمسلمين"!! ما يعني أنه وحزبه احتكروا الإسلام وكفّروا الشعب السوري -ذا الغالبية المسلمة السنية- بكامله، إذ من غير المعقول الدفاع عن كرامة الإسلام والمسلمين من خلال قتل المسلمين! ورئيس "الهيئة الشرعية" -عشرة خطوط تحت هذه الصفة- يدرك تمامًا معاني وأبعاد مصطلحاته. أما التصريح الثاني فقد صدر 4/8/2014 عبر يبان نعى فيه الحزب إرهابيين له هلكوا في معركة عرسال وجرودها جاء فيه: "استشهد فرسان جدد أثناء قيامهم بواجبهم الجهادي ضد مرتزقة الكفر الوهابية دفاعًا عن سيادة لبنان..."، وهذا تكفير صريح للـ"وهّابية" مع العلم أن هؤلاء محسوبون على أهل السنة والجماعة ولم تفتِ بكفرهم أية مرجعية إسلامية معتبَرة بما في ذلك "الأزهر الشريف".
لا بد من الاعتراف بأسف شديد، نعم لقد نجح "حزب الإرهاب المنظم" في حملته الإعلانية-الدعائية-الترويجية، فوجد أناسًا يتبنون خطابه متغافلين عن أنه بعد سقوط أقنعة "مقاومة" إسرائيل ومعاداتها ودعم القضية الفلسطينية التي تاجرَ بها منذ تأسيسه لسَتر خيانته، صنَع محور الشر السوري-الإيراني الوحش "داعش" ووضع فيه أبشع أنواع الإرهاب والفظائع لتشويه صورة السنّة ووأد الثورة السورية، وقبل ذلك ليغسل صورته القذرة بصورة توازيها قذارة ويسوّق نفسه على أنه حامي الأقليات -حتى السنة!- من هذا الوحش الكاسر. هو رأسمال دسم وتجارة رابحة استثمر فيهما الحزب الإرهابي والنظام الأسدي دوليًا ومسيحيًا واعلاميا وسياسيًا (وقريبًا عبر مؤتمر مسيحي مريب) لتلميع صورتهما عبر ذر الرماد في العيون... فأضاع كثيرون البوصلة! فيما البوصلة السليمة تشير الى حقيقة واحدة هي أن العقل الاستخباراتي الذي صنع "داعش" على وحشيّتها وبربريّتها هو بلا شك عقل يضاهيها قذارة وإرهابًا واجرامًا وتكفيرًا، وبالتالي علينا مواجهة العلة الحقيقية التي هي محور الشر الإرهابي المتهالك الذي يحتل لبنان وسوريا والعراق وإيران وليس إضاعة الوقت في محاولة علاج العارض "الداعشي" الناجم عنها فقط. هذه هي البوصلة فأعيدوا تصويبها ولا تضيّعوها أيها الاستقلاليون.
* * *
* * *
العالم بقيادة أميركا يحشد قواه للقضاء على "داعش". مؤتمرات الدفاع عن الأقليات وحماية الوجود المسيحي في الشرق تتوالى والغرض التركيز على خطر "داعش". "داعش" شغل العالم الشاغل... صدق حكيم "ثورة الأرز" عندما قال: "اعترف للفريق الأخر بأمر واحد وواحد فقط، وهو قدرته أحيانًا على غش الرأي العام وتسليط الضوء على الزاوية التي يريد من المسرح وحجبه عن زوايا أخرى أشد خطورة وإجرامًا".
أوباما في 6/9/2014:"مشكلة الدول السنية ليست إيران فحسب، داعش الخطر الأكبر على الدول السنية". و"هنري كسنجر" في اليوم التالي يصرّح وكأنه يرد على استغباء "أوباما" للرأي العام السني والعالمي: "إيران أخطر من داعش، امبراطورية فارسية تحت مسمّى شيعي".
العالم الغربي يدرك جيدًا أنه لو احترم إرادة الشعب السوري وتخلى عن عميله الأسدي ودعم ثورة الحرية والكرامة في سوريا منذ بدايتها -وهو خائن لها حتى اللحظة- لما كان اليوم يواجه وحشًا كاسرًا يسمى "داعش"، وكذلك الأمر بالنسبة للإرهاب "الحوثي" الذي يضرب اليمن، وللمأساة التي يعيشها لبنان بسبب الحزب الإرهابي التكفيري وملحقاته، والفوضى التي يعانيها العراق جرّاء تسليمه للاحتلال الايراني ذي السياسات الإقصائية والفئوية والطائفية الحاقدة... كل ذلك ما كان ليحدث لولا لتخليهم عن "الثورة الخضراء" في إيران رغم الكيفية "الداعشية" بامتياز التي اتبعها نظام الخميني الدموي في إخمادها...هم باختصار لا يريدون قتل الأفعى التى ترعى مصالحهم وتنفذ سياساتهم الهدامة، هم ببساطة وبوقاحة وبمكابرة لا يزالون يفضلون الانشغال بمحاربة ذنَب الأفعى الذي لن يلبث أن يَنبتَ من جديد ولو قُطّع ألف قطعة وذلك طالما أن رأس الأفعى -صانع داعش وعلّة وجودها- بخير ومطمئن لعمالته للسياسة الصهيو-أميركية في المنطقة وتلزيمه إياها.
بالتأكيد هم لن يقطعوا رأس الأفعى وعلينا أن لا ننتظر منهم ذلك -على الأقل في المدى القريب- لأن قطعهم إياه بمثابة مَن يبتر جزءًا من جسده؛ فهل لأميركا أن تحرق آلة الحلْب الإيرانية التي تضعها وتثبتها -منذ إنجاحها للثورة الخمينية قبل 35 سنة- على ضرع البقرة الحلوب الخليجية لتشفط بواسطتها أموال تلك الدول بصفقات السلاح "المليارية" وتركّز موطئ قدم لها عسكريًا في تلك البقعة النفطية الاستراتيجية من العالم؟! أم هل لإسرائيل أن تقطع أو تسمح بتقطيع أوصال الحزام الفارسي (وقد تقطّعت) الممتد من طهران مرورًا ببغداد ودمشق وصولاً الى بيروت وهو الذي يحمي أمنها القومي تحت شعار الممانعة والمقاومة والقضية الفلسطينية؟! هم لن يفعلوا شيئًا من ذلك، فالشعوب الحرة هي وحدها القادرة على اتنزاع حريتها من فم الأسد، هذا ما أثبته التاريخ على مر العصور، وقد بدأ العد العكسي لمحور الشر مع اندلاع الثورة السورية -ثم ابنتها العراقية- اللتين أسقطتا الأقنعة وأجبرتا الحلف (الخفي) الأميركي-الصهيوني-الأسدي-الفارسي على الظهور الى العلن من "ليالي الأُنْس في نيويورك" في أيلول 2013، الى "ليالي الأُنس في فيينّا" في تموز2014، الى الحلف المشترك من تحت الطاولة ومن فوقها وإن كان لضرب "داعش"، مرورًا "بلحس" أوباما للخطوط الحمر الكيميائية في آب2013 فلا ضربات جوية رغم العهود والوعود التي قطعها على نفسه كرمى لعيون إسرائيل حيث التمسك بالأسد مستمر حتى آخر قطرة دم باقية في عروق طفل سوري نجا من الكيماوي والبراميل ويجب عليه أن يموت لأنه أدرك أن أمه ولدته حرًا وعبدًا لله لا عبدًا لـ"البعث" أو "دمية" تصفّق لبقاء العميل متربعًا على كرسي الاجرام الى الأبد.
قلناها سابقًا ولن نسأم من تكرارها منعًا لأي تضليل، رأس الأفعى هو محور الشر، بشار الأسد السفّاح البرميلي-الكيماوي والقيّم الأول على "المدجنة الاستخباراتية" أي "حاضنة تفقيس" الجماعات التكفيرية وبثّها في المنطقة، والنظام الفارسي المصدِّر الأوّل للفكر الإرهابي الدموي التكفيري تحت مسمّى "تصدير الثورة الخمينية"، وحزبه المسلح ذو الفكر الإرهابي التكفيري الذي يحتل لبنان يغتال دستوره يسفك دماء شعبه ويضطهد طوائفه...
إن "داعش الأم" تستثمر اليوم في "داعش البنت" لتلمّع صورتها وتعمي الأنظار عن خطرها وأمومتها وأبوّتها لها، بيد أن العقول العادلة السوية تدرك -ونعود الى الحكيم- أن كليهما داعشيّ سواء من يَقتل بيديه العاريتَين أو من يقتل بقفازات مخملية، والعين البصيرة تبقى كاشفة لجميع زوايا المسرح وتأبى أن تنغش بمحاولة الإرهابيين حصر الضوء في زاوية معينة والتعتيم الممنهج على بقية الزوايا التي تشهد على إرهاب محور الشر وتكفيره وأنه أخطر من صنيعته "داعش البنت"بأشواط كبيرة.
* * *
* * *
لا زلنا بالتدليل والتحليل نحاول الإضاءة على الزوايا المظلِمة في مسرح الأحداث بفعل سياسة التضليل التي ينتهجها الحزب الإرهابي التكفيري الذي يستثمر في إجرام "داعش" ليُخفي تاريخ إجرامه الماضي والحاضر، ويَنفي حقيقة كونه أخطر منها، نعم أخطر، وفي المَظهَر قبل المَخبَر؛ فإذا كانت "داعش" اختارت "الإسلام" لترتكب باسمه إجرامها فإن "حزب الإرهاب المنظم" فاقها جرأة على انتهاك المقدسات حيث اختار "الله" تعالى مباشرة ليرتكب باسمه إجرامه وينفذ مشروعه.
"حزب الإرهاب المنظم" أخطر من داعش؟ نعم، هو كذلك خصوصًا من ناحية تكتيك بلوغ الأهداف الاستراتيجية وإن تساوى الفريقان في النتيجة العملية التي هي الإرهاب؛ فتكتيك داعش يمكن اختصاره بسياسة "اللعب على المكشوف" فما من جريمة ترتكبها (قتل ذبح تهجير تنكيل) إلا وتمهرها بتوقيعها وتوثّق كافّة تفاصيلها بالصوت والصورة مع تحديد الزمان والمكان وأحيانًا الهدف التالي... هذا التكتيك الوقح من حيث تبني أعمال الإجرام والمفاخرة والتحدي بها جعل من ذلك التنظيم يكتسب العداوة والكراهية بسرعة قياسية، بل جعلت من اسمه صفة ذات دلالة أبشع من صفتَي الإجرام والإرهاب حتى أمسى مصدرًا تُشتقّ منه الأفعال والكلمات فيُقال: "دعَشَ يدعَشُ دَعْشًا وداعِشِيّة، فهو داعِش وداعِشي ودُعَيْش والجمع دَوَاعِش"!
في المقابل، نجد تكتيك "حزب الإرهاب المنظم" يعتمد "سياسة التقيّة" أي "اللعب في الخفاء" إذ غالبًا ما يكون الظاهر المعلن مخالفًا للمَخفي المُبطَن... ففيما عدا الجرائم التي يستحيل إخفاؤها مثل غزوات أيار2008 الإرهابية (التي وصَفها بـ"المجيدة") وقتْل الشعب السوري (الذي وضَعه في خانة "الواجب الجهادي") نجد الحزب الإرهابي حريصًا على عدم التوقيع على الجرائم التي يرتكبها أو بعبارة أخرى يفضِّل التوقيع عليها باسم "إسرائيل" شمّاعته الشهيرة، ومنها على سبيل المثال جريمة اغتيال الرئيس "رفيق الحريري" التي احتاج كشْف تفاصيل مسؤولية الحزب عنها 9سنوات و4 لجان تحقيق دولية. نعم، كلاهما في غاية التقزُّز والبشاعة لكن أيُّ الجريمتَن أبشع وأخطر؟ تفجير منطقة سياحية سكنية مأهولة بأكملها بغرض قتل إنسان واحد واستهدافه بشاحنة تحمل 2طن من المواد شديدة الانفجار، أم إعدام الإنسان المستهدف وحده بقطع رأسه بسكينة؟! وهل قتل جميع المعارضين "أدعَش" أم تقويض ثورة مليونية من خلال تصفية قادة الرأي والشخصيات الواعدة فيها؟
أبْعَد من ذلك نسأل: أيهما أخطر وأكثر خبثًا ومكرًا؟ تكتيك المجاهرة بعداوة الطوائف الدينية المخالفة (بما فيها السنّية) ثم تهجيرها عبر إعلان الحرب عليها وإرغامها على مغادرة أراضيها لأنها لم ترضخ لإرادة المجرم الداعشي، أم تكتيك الإبقاء ماديًا على وجود الطوائف المخالفة (بما فيها الشيعيّة) في أرضها لكن مع الهيمنة على قرارها وتطويعها واضطهادها عبر إلغاء وجودها السياسي والمعنوي ومصادرة حقوقها ثم المتاجرة بهذا الوجود المادي المفرّغ من أي مضمون عملي عبر ادعاء احترام الرأي الآخر وحماية الأقليات وعدم انتهاج سياسة طائفية تكفيرية؟!
أولى الطوائف المهجرة معنويًا عن وطنها كانت الطائفة الشيعية حيث احتكر الحزب الإرهابي قرارها وألغى الرأي الآخر داخلها مُبقيًا (بعد معارك دموية طاحنة) على "حركة أمل" كأداة تحت وصايته يستخدمها عند الحاجة لتظهير الخلافات التي يفتعلها على أنها سياسية لا تابعة لمشروع طائفي حاقد، كتعطيل الحزب مثلاً نِصاب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية المسيحي ثم أمره نواب الحركة بحضورها. أما الطائفة السنيّة فجرى تهجيرها معنويًا بواسطة قتل زعيمها الوطني الاستثنائي "رفيق الحريري" ثم تمّت السيطرة عليها من خلال ابنه "سعد" الذي أتى بالوراثة فاقِدًا مؤهلات القيادة فكان خاصرة 14 آذار الرخوة ونقطة الضعف (talon d’Achille) التي عرف الحزب الإرهابي كيف يستغلها لانتزاع التنازلات القاتلة من الفريق الاستقلالي. وكذلك الطائفة الدرزية، استطاع الحزب تهجيرها معنويًا وامتلاك قرارها من خلال اخضاع زعيمها على أثر غزوة أيار الإرهابية مع تركه له هامشًا محدودًا للمخالفة (كما في الشأن السوري) لدواعِ شعبوية "جنبلاطية" لا أكثر. أما الطائفة المسيحية فتمكّن الحزب من تهجير نحو نصفها بعد إبرامه صفقة العودة مع الجنرال عام2005 ثم ورقة الخضوع الذليل عام2006، فيما بقي النصف الثاني من المسيحيين متشبثًا بمبادئه وهويّته وعزّته الوطنية ما استدعى محاولة فاشلة لاغتيال الزعيم والقائد المسيحي المشرقي الأول "سمير جعجع" حفظه الله من داعشيّتهم.
"مؤتمر حماية طوائف لبنان من اضطهاد الحزب الإرهابي" بات اليوم ضرورة، ذلك أولى من هرولة البطاركة وبعض أحزاب 14آذار الى واشنطن للمشاركة في مؤتمر بانت مؤامرته في طلب حماية مسيحيي الشرق من الإرهاب التكفيري حصرًا وبالتالي التسويق للمضطهد الأول لجميع الطوائف، محور الشر السوري-الإيراني.
* * *
* * *
"خيارنا المواجهة بقرار موحد خلف الجيش والقوى الأمنية ولن نتنازل للإرهابيين عن أي شيء". هل المتحدّث الحقيقي هو رئيس الحكومة "تمام سلام" أم الحزب الإرهابي الذي يتحكم بقرارات الحكومة ويسُوق اللبناننين الى الموت بالتقسيط تارة بإرهابه الشخصي وتارة باستجلابه الإرهاب الخارجي الى لبنان.
نقولها بأسف وحسرة، لا يزال لبنان يدفع ثمن دخول الحزب الى سوريا نُصرة للإمبراطورية الفارسية (مقطّعة الأوصال) وللعميل المزدوج لإيران وإسرائيل "بشار الأسد". لا يزال بلدنا يدفع ثمن استدراج الحزب التنظيمات المقاتلة والمتقاتلة في سوريا الى لبنان وإقحام الجيش اللبناني في معركة ليست معركته لمساندته في معركة القلمون الثانية بعد تبخُّر الانتصار المزعوم والموهوم في الأولى من جهة ثانية... هذه المعركة التي لم تُحسَم منذ تفجرّها في 2/8/2014 ومن غير المعلوم كيف ولمصلحة مّن ستُحسَم. لن نطيل في شرح الأسباب والمسببات لما آل إليه حالنا اليوم، فعقارب الساعة لن تعود الى الوراء وقد بات الجيش في قلب المعركة وفي عين العاصفة وله في قبضة الجماعات الخاطفة من "داعش" و"النصرة" عددًا من العسكريين ذبحت منهم "داعش" اثنين وأعدمت "النصرة" واحدًا رميًا بالرصاص بعد عدم تجاوب الحكومة مع مطالب تحريرهم، والسكّين على الرقاب. مدار البحث النافع اليوم هو كيف ستنقذ الحكومة اللبنانية حياة جنودها الباقين في الأسر؟
كل المؤشرات تدل بما لا يقبل الشك أن من يُكبِّل أيدي الحكومة في عملية التفاوض هو "حزب الإرهاب المنظم" أما "المسكين" "تمام سلام" العاجز عن مصارحة الشعب اللبناني بالحقيقة فلم يجد أمامه سوى الكلام الدبلوماسي والإنشائي كالتعبير عن أن "قوة الحكومة في التفاوض هي في وحدة الشعب"، وتطمين أهالي العسكريين من أن الدولة تملك "أوراق ضغط في التفاوض مع الإرهابيين"، فيما الحقيقة أن لا أوراق "ضغط" ولا حتى "سُكّري" فلو كان ثمة أدنى توازن رعب بين الطرفين لما كان أقدَم الخاطفون على إعدام ثلاثة عسكريين؛ الحكومة ببساطة لا تملك قرارها فالحزب هو من يمنعها من التفاوض ويرفض أي بحث في مقايضة العسكريين ببعض المعتقلين الإسلاميين في السجون اللبنانية كما تطلب الجماعات الخاطفة... أما دليل "تحريم" المقايضة فقد وجده "سلام": "المقايضة تمس بهيبة الدولة"!!
هيبة الحزب أم الدولة؟! وهل للدولة المحتلّة من هيبة؟! هل لدولة يسيطر حزب إرهابي تكفيري على كافة مفاصلها ويشارك في اجتماعات أجهزتها الأمنية أدنى هيبة؟ هل لدولة تدّعي مكافحة الإرهاب فيما هي تفرّق بين إرهاب وإرهاب وتسمح لحزب أن يستبيح حدودها لغزو بلد آخر مِن هيبة؟ هل لدولة يفرض عليها حزب ارهابي تأخير محاكمة معتقلين إسلاميين -منهم مرتكبون وأكثرهم مظلومون- مدة تزيد على 8 سنوات مِن هيبة؟ هل لدولة تصنّف العملاء استنسابيًا بين عميل بزيت يشدَّد حُكمه لتعامله مع إسرائيل دون تغطية من أحد أحزاب 8آذار، وعميل بسَمْن يُخفّف حكمه لتعامله مع إسرائيل بتغطية من 8آذار، و"عميل بقشطة" يُكرَّم ولا يُعترف بعمالته أصلاً لتعامله مع إيران والأسد، هل لهذه الدولة من هيبة؟ والأمثلة أكثر من أن تُحصى.
المقايضة هي الحل، نعم، المقايضة والتبادل، هذا ما تدعمه مواقف الحكومة وأفعال الحزب المهيمِن -وإن أعلنا رفضهم له- بدليل الآتي: لبنان في حالة حرب والمقايضة من مستلزمات الحروب؛ أليست الحكومة بناء على أوامر الحزب تدعي أنها في حرب على الإرهاب وتكافح الإرهاب التكفيري؟ ثم ألم يُقايِض الحزب نفسه في "حروبه" المسرحية الدعائية -التي لم تنطلِ علينا يومًا- مثل صفقة تموز 2008 التي كان الغرض منها محاولة محو آثار غزوات أيار الإرهابية وإعادة إظهاره بمظهر البطل القومي المقاوم لتثبيت دعائم الهلال الفارسي؟ فلماذا يُمنَع على الحكومة التفاوض والمقايضة لإنقاذ عسكرييها فيما يحق للحزب أن يفاوض إسرائيل بمعزل عن الحكومة ويتبادل معها الأسرى والمعتقلين؟ أم للحزب مآرب فتنوية يكتمها؟
نكرّرها، إذا كانت المقايضة تعيد لنا أسرانا فلتكن، وإلا فلا نجد مفرًا من القول إن من أقحم الجيش في أتون معركة القلمون -لا عرسال-، ومَن عرقل وعطّل جهود "هيئة العلماء المسلمين" في التفاوض وحاول قبل ذلك أثناء المعركة تصفية وفدها بكامله أثناء توجهه الى البلدة سعيًا الى وقف القتال، وإن من يمنع الحكومة اليوم من التفاوض الجدي ومن المقايضة... هذا الطرف المجرم ليس فقط سبب أسر الجنود اللبنانيين إنما هو أيضًا شريك في ذبحهم الواحد تلو الآخر وعن آخرهم (لا قدّر الله)، مع ما قد يستتبع ذلك من تهديد للسلم الأهلي بدأت معالمه الخطرة تظهر مع الخطف على الهوية التوعّد بالثأر والتحريض على أهالي عرسال وآل الحجيري... فهل يريد الحزب الإرهابي من مأساة العسكرين وذُيولها أن تكون حلقة جديدة يستخدمها في الجزء الثالث من مسلسل الإرهاب الفارسي لفرض رئيس فارسي للجمهورية؟
* * *
* * *
مع تنامي الحوادث الأمنية التي لا يمكن فصلها عن تداعيات الأزمة السورية واستيراد "حزب الإرهاب المنظم" الإرهاب الخارجي الى لبنان كنتيجة طبيعية لتصديره إرهابه الداخلي الى سوريا، كَثُر الحديث عن وضع الجيش اللبناني حيال تلك التحديات، فمنهم من نادى بضرورة تسليحه عبر إعادة تفعيل صفقة التسليح الروسية والإسراع في اتمام الصفقة الفرنسية، ومنهم مَن طالب بإعادة هيكلة الجيش، ومنهم دعا الى زيادة العديد، ومنهم من اقترح استدعاء قسم من الاحتياط... كلّهم طالبوا بالقشور (وهي مطلوبة) ونسوا اللب (وهو الأساس)، ألا وهو إعادة النظر في المناقبية العسكرية.
لقد فات هؤلاء المنظّرين ما هو أولى من استجداء مساعدة عسكرية من هنا أو هبة مالية من هناك، فالمناقبية العسكرية هي الأساس لأنها تُعنى بالأخلاقيات التي تبثها المؤسسة العسكرية في نفوس المجنّدين وتُنشِّئهم عليها سواء منها ما يتعلق بالانضباط (سلوكيات الجندي) أو بأصول التعاطي مع المواطنين أو بمعاني ثلاثية "الشرف والتضحية والوفاء" التي اختارها الجيش اللبناني لتكون شعاره... فكما أنّ الإنسان بلا أخلاق يصبح أقرب الى البهيمية كذلك إنّ جيشًا بلا مناقبية يُمسي عصابة من "الشبيحة" أو "الباسيج" أو قطّاع الطرق مهما امتلك من عديد وترسانة عسكرية.
المناقبية العسكرية تجلّت بأبهى صورها في 14آذار2005 يوم قدّم "ثوار الأرز" الورود البيضاء الى عناصر الجيش الذي حاول الاحتلال الأسدي استخدامه لمنع المتظاهرين من الوصول الى ساحة الحرية، فما كان من الجيش إلا أن فتح الطرق أمام مواطنيه وعمل على تأمين سلامة تظاهرتهم المليونية التي غيّرت مجرى التاريخ. المناقبية العسكرية ظهرت كذلك في 22/8/2014، في ردّ قائد الجيش على مَن أقحمه في "معركة القلمون الثانية" وأراد استخدامه في إبادة "عرسال" وتدميرها على رؤوس أهلها ولاجئيها: "في عرسال 120ألف شخص بين أهالي البلدة والنازحين السوريين، فهل كان بعضهم يريدني أن أدمر عرسال وأقتل لبنانيين ونازحين سوريين"؟!
في مقابل النماذج المشرفة للمناقبية العسكرية نجد نماذج مسيئة وخطيرة تدعو الى القلق. فالمناقبية العسكرية ضُرِبَت مثلاً عام 2008 عندما أُجبِر الجيش على التخلي عن واجبه في الدفاع عن شعبه، فأخلى الساحة في بيروت والجبل لميليشات الحزب الإرهابي تعيث فسادًا وقتلاً وخرابًا في الأرض. والمناقبية العسكرية ضُرِبت حين خاض الجيش "حرب البندقية الموحّدة" عام 2013 في "عبرا" فرضي بالقتال جنبًا الى جنب مع ميليشيا "حزب الإرهاب المنظم" الذي كرّر جرائم 7 أيار لكن ضد أهالي صيدا تحت غطاء الجيش اللبناني الذي قامت بعض عناصره أيضًا بممارسات مشينة وموثّقة في حق بعض المواطنين. والمناقبية العسكرية كُسِرت يوم آخى "تيار المستقبل" بين الشرعية والإرهاب فأجلَسَ قادة الأجهزة الأمنية على طاولة واحدة مع قيادي ميليشيوي في الحزب الإرهابي في اجتماع رسمي أيًا كانت أسبابه ودوافعه. والمناقبية العسكرية أٌهينت بشكل مضاعف طيلة أيام شهر أيلول المنصرم، مع انتشار مقاطع "فيديو" تُظهر تفنُّن بعض العسكريين في الاعتداء على اللاجئين السوريين العُزَّل سواء من خلال انتهاك كرامتهم أو شتمهم أو إهانتهم، أو إطلاق ألفاظ عنصرية في حقهم، هرس ممتلكاتهم تحت جنازير الدبابات وإتلافها، تعذيب ذوي الاحتياجات الخاصة منهم عبر الدوس على موضع إعاقتهم كموضع بتر الساق، وكذلك عبر ضرب الموقوف الجريح في المستشفى على موضع جرحه أو كسره، نتف لحية الموقوف الملتحي، تمريغ الموقوفين بالتراب، رَكْلِهم بالحذاء العسكري على وجوههم... كل ذلك دون تفرقة بين شاب ومُسن وضعيف ومعوّق وفي اعتقالات بالجملة بعضها غير مبرّر.
عنصرية همجية شوفينية نازية سادية فاشية إذلال إهانة تركيع... مَن حقن كل هذا الحقد وتلك الكراهية تجاه المدنيين العزَّل في نفوس أولئك العسكريين؟ مَن حرَّضهم على ارتكاب تلك الممارسات التي يندى لها الجبين ومَن أمرهم بالتنفيذ؟ مَن صوّر لهم المدني المسالم الأعزل الهارب من الوحش الأسدي الكاسر عدوًا شريرًا مدجّجًا بالسلاح؟ أسئلة كثيرة تَطرح نفسَها والجواب واحد: أنقِذوا المناقبية العسكرية فالإنسان في لبنان لا يريد من الجيش أكثر من "الشرف والتضحية والوفاء" التي ألزم بها الجيش نفسه؛ لذا على الجيش إعادة النظر في المناقبية العسكرية التي ينشِّئ عليها جنوده ومراقبة مدى التزامهم بها، وتطهير صفوف المؤسسة العسكرية من عديمي الإنسانية وفاقدي أدنى قِيَم المناقبية المتنكّرين بالبزة العسكرية الشريفة أيًا كانت رتبهم، وإلا فلتكن لدى الجيش جرأةُ مصارحة اللبنانيين بأنه بات أسير خاطفَين إرهابيَين أحدهما يأسر منه نحو عشرين عسكريًا فيما يأسر الخاطف الآخر الـ65 ألفًا الباقية.
* * *
* * *
في الخامس من تشرين الأول 2014، خرجت علينا معظم وسائل الإعلام اللبنانية في نشراتها الإخبارية المسائية بخبر صِيغَ بأسلوب "ملحمي" "اسطوري" "بطولي" مفاده أن "حزب الإرهاب المنظم" أثبت جهوزيته وتمكن من صدّ هجوم مباغت قامت به "جبهة النصرة" على موقع له في جرود "بريتال" اللبنانية فأوقع في صفوفها عشرات القتلى والجرحى وأجبرها على الانسحاب والعودة من حيث أتت.
"أم الفضائح" ظهرت في اليوم التالي (6/10/2014) مع نشر "النصرة" شريطًا مصورًا للعملية كشف فيما كشَفَه أن الإعلام اللبناني تبنّى رواية "الحزب الإرهابي" الكاذبة وعرَضَها على أنها الحقيقة المطلقة، فيما بيّن واقع الأمر أن العملية -بعدما ألغى الحزب الإرهابي الحدود بين لبنان وسوريا- كانت أشبه بزيارة "معايدة" مفاجئة ومباغتة قام بها مقاتلو "النصرة" لجرود "بريتال" حيث "عايدوا" الحزب (في اليوم الأول لعيد الأضحى عنده) على طريقتهم موقعين في صفوفه خسائر فادحة وفاضحة قبل أن ينسحبوا آمنين مطمئنين الى الداخل السوري محمّلين بالأسلحة والذخائر التي غنموها بسهولة من موقع "أم خرج" بعد فرار الحزب منه.
عملية "أم الفضائح" لم تكتفِ بفضح كذِب "حزب الوعد الصادق" على بيئته الحاضنة قبل الجمهور الواعي من اللبنانيين، بل كشَفَ اغتنام "النصرة" صواريخ "تاو" الأميركية من موقع الحزب أنه مع إسقاط الثورة السورية المجيدة جميع الأقنعة أصبحت فضيحة "إيران كونترا" السرية أمرًا مألوفًا قابلا للتكرار العلني كل يوم، فها هو الحزب يقاتل بسلاح "الشيطان الأكبر" في بريتال كما في جرود عرسال حيث حاول إقفال ملف العسكريين المخطوفين باستهداف موقعهم بصاروخ أميركي موجّه، وها هو ذاك "الشيطان" نفسه يسارع والعالم الى تسليح "الجيش" العراقي -ولو لمواجهة داعش- فيما يعلم المتابعون أن لا جيش للعراق إنما ميليشيات وعصابات شيعية إيرانية الولاء تقاتل مسيّرة بالحقد الطائفي تحت مسمّى "الجيش العراقي".
وإذا كان شريط عملية "أم الفضائح" قد فعل فِعله في ضرب معنويات جمهور الحزب الإرهابي الذي اعتاد قائده على بَيعه الانتصارات الوهمية تلو الانتصارات وتصويره لهم على أنه "الحزب الالهي الذي لا يُقهر" و"كاسِر أسطورة الجيش الإسرائيلي" وسواها من التُرَّهات، وهو ما دفع بالحزب الى استنفار جهوده الإلكترونية لحذف الشريط من على موقع "يوتيوب" وقد نجح في ذلك، فإن ما لم يكن في حسبان "النصرة" نفسها ولا حتى "الحزب الإرهابي" أن تكون تلك العملية النوعيّة سببًا للتأكيد على الحلف الصهيو-إيراني!
ففي اليوم التالي على نشر "النصرة" شريطها (7/10/2014)، حاول الحزب المحرَج أمام جمهوره والرأي العام اللبناني حرف الأنظار وغسْل الخزي والعار الذي مني به في "بريتال" من خلال تبنّيه تفجير عبوة ناسفة في "مزارع شبعا" (جرحت جنديَين إسرائيليَين بحسب الإعلام الإسرائيلي) في عملية هي الأولى من نوعها منذ مسرحية تموز 2006، استرعى معها الانتباه إعلان الاستخبارات الاسرائيلية عن اقتراب حصول عمل عسكري على الحدود الشمالية قبل ساعة واحدة من حصولها!! بيد أنه وبدلاً من أن يكون الرد الإسرائيلي متناسبًا مع نوع العملية-المسرحية الحزبية وهو الخبير بأدق إحداثيات وتفاصيل مواقع الحزب ومخازن سلاحه، اكتفى الإسرائيليون بقصف مسرحي أيضًا طاول بعض المرتفعات والبراري بنحو 30 قذيفة عشوائية، وجريًا على خطى العميل "الأسدي" صرّح الإسرائيليون بأنهم يحتفظون لأنفسهم بحق الرد في المكان والزمان المناسبَين!! مؤكّدين بذلك أن تبادل الخدمات داخل الحلف الصهيو-إيراني لا يزال قائمًا والحلف لا يزال متينًا، وأن مَن أطلَق عام 2006 كذبة "لو كنت أعلم" كان عام 2014 يعلم جيدًا حجم الرد المسرحي الذي لن يصرفه عن مهمته الإرهابية في سوريا حيث يقدّم لإسرائيل الخدمات الجليلة بالدفاع عن نظام الأسد، تمامًا كما كان يعلم جيدًا في الـ 2006 تفاصيل الدور المناط به وأن الحرب كانت حقيقة على لبنان حصرًا لوقف اندفاعة "ثورة الأرز" وإسقاط "حكومة الاستقلال الثاني" عبر إلباسها تهمة الخيانة المزيفة.
لا شك أن لبنان دخل مع عملية "أم الفضائح" و"مسرحية شبعا" منعطفًا جديدًا وخطيرًا، فتدخُّل حزب الإرهاب في سوريا نقل المعركة التي لا طاقة له بها الى الداخل اللبناني، ما أعاد الى الذاكرة وبقوّة تحذير الأمين العام الأسبق للحزب الشيخ "صبحي الطفيلي" في 30/1/2012: "المعركة ستكون مفتوحة وكل أنواع الرجال وكل أنواع السلاح سيتدفق الى لبنان، الشارع السني محتقن، لا سلاح حزب الله ولا سلاح غيره سيستطيع الوقوف في وجه هذا الأمر، وهنا أحذِّر أننا سنجد حزب الله سيضطر الى التحالف مع الإسرائيليين (لمواجهة التدفق السني)، وهو ما يتداوله كثيرون في الشارع الشيعي وكثيرون من المقربين من قيادة الحزب". فهل بات التحالف العلني قريبًا؟
* * *
* * *
مع ارتفاع منسوب الخوف والقلق في صفوف شعبه بسبب انتقال المعارك الى داخل قراه، ومع تزايد عدد قتلاه في سوريا، وبعد عملية "أم الفضائح" في بريتال التي كشفت المستور ولم تترك للسر ولا للستر غطاءً... يبدو أن "حزب الإرهاب المنظم" وصل الى ذروة الإحراج مع بيئته الحاضنة وبدأ يتخبّط في ردود فعله الى درجة أشهَرَ معها إفلاسه الأخلاقي باختلاقه الأكاذيب على لسان جمهور 14آذار لرفع معنويات شعبه وإيهامهم أنه اتخذ القرار الصائب بتوغله وولوغه في الدماء السورية.
"بطل" مقالتنا اليوم هو النائب "نواف الموسوي" الذي خاطب جمهوره في 13/10/2014 قائلا: "من الواجب علينا أن نفرّق بين مشاعر القاعدة الشعبية لفريق 14آذار وبين الطبقة السياسية التي لا تزال تشن حملة شعواء على حزب الله ولا تزال تكابر وتصر على خطاب عدائي ضده، في حين أن الأكثرية الغالبة من القاعدة الشعبية لهذا الفريق تشعر في قرارة نفسها أنها مدينة لحزب الله بشهدائه ومجاهديه في الأمن الذي تتمتع به في هذه المرحلة لأنه تمكّن من وضع حدّ لانتشار المجموعات التكفيرية وأقام سدًا يحول بينها وبين الوصول الى العاصمة اللبنانية أو غيرها من المدن والقرى اللبنانية". فماذا أراد "الموسوي" إفهام شعبه بهذا الافتراء؟
باختصار، لقد وجه النائب عن الحزب الإرهابي التكفيري رسالة تعنيف وتهديد مبطن الى كل مَن بدأت تحدّثه نفسه (من جمهوره) بالتذمّر والتأفّف أو الاعتراض ورفع الصوت على الويلات التي تسبّب بها الحزب لشعبه، والى كل من بدأ منهم يقتنع بصوابية منطق 14آذار في مطالبة الحزب بالانسحاب من سوريا وتحميله مسؤولية التبعات التي أخذت تضرب لبنان منذ إعلانه الحرب على الشعب السوري؛ أراد "الموسوي" حقيقة أن يقول: لا تنخدعوا بخطابات قادة 14آذار فجمهورهم مُمتنّ لنا على تدخلنا في سوريا ويرى لنا فضلا عليه في منع وصول "التكفيريين" الى لبنان، وبالتالي إذا كان هذا الجمهور الذي يختلف معنا اختلافًا جذريًا في نظرتنا الى لبنان يؤيّد تدخلنا في سوريا وهو راضٍ عنه فكيف يحق لكم مجرّد التفكير في التذمّر والاعتراض؟ ألا تخجلون أن يكون ذاك الجمهور أكثر وفاء وتقديرًا للحزب منكم؟!
عن أي "مجاهدين" و"شهداء" يتحدّث؟ وأين الأمن الذي يدعي وجوده في هذه المرحلة وقد استدرج المعارك من الداخل السوري الى الداخل اللبناني ولن تكون آخرها بريتال؟ وأي عقل يصدّق أن يكون جمهور 14آذار مَدينًا للحزب وإرهابييه؟ وهل يُتصوَّر من حزب أفلَس من المنطق والحُجة فلجأ الى الكذب والافتراء أن يكون دائنًا؟!
جمهور "ثورة الأرز" يَلعنكم كلما تذكّر قافلة شهداء ثورته الذين صفيّتموهم بدم بارد الواحد تلو الآخر. يلعنكم عند كل جلسة للمحكمة الدولية تَكشِف معها مخفيًا جديدًا من خبث إرهابكم في تنفيذ جريمة العصر. يلعنكم صبيحة كل يوم تشرق فيه الشمس على قصر بعبدا الشاغر من رئيس للجمهورية. يلعنكم كلما طيّر إرهابكم موسمًا سياحيا أو تجاريًا كان من شأنه أن ينعش الاقتصاد المسروق من تهريب إرهابكم في المطار والمرفأ. يلعنكم كلما جرى التشديد عليه في المطارات الدولية ومعاملته معاملة المشتبه فيهم لمجرّد أنه يحمل جواز سفر بلد تحتلّونه وتمارسون فيه إرهابكم وتصدّرونه الى الخارج. يلعنكم كلما أحرق شاب قلب والدَيه بإعلانه قرار الجهرة لأن "بلدنا ما بقا ينعاش في والى خراب". يلعنكم كلما أطلّت الفتنة السنية-الشيعية برأسها على خلفية استفزازكم وتحريضكم ومشروعكم الطائفي. يلعنكم كلما وَجَد جرثومة الفئوية والمذهبية تتسلّل الى صفوف الجيش اللبناني. يلعنكم مع خبر انشقاق كل جندي. يلعنكم في ذكرى تموز2006 ونهر البارد2007 وأيار2008 وعائشة بكار2009 وبرج أبي حيدر2010 وعبرا2013 وعرسال2014. يلعنكم عند انقطاع التيار الكهربائي وكان 24/24 في بيروت قبل حربكم على لبنان في تموز2006. يلعنكم عند كل صورة استفزازية ترفعونها في مناطق لا تمثلّكم مُستقوين بغلبة سلاحكم. يلعنكم مع كل دواء فاسد هرّبته كوادركم. يلعنكم مع كل حالة ادمان وصلتها الحبوب المخدرة من مصانعكم. يلعنكم كلما حُرِم في صالات السينما من مشاهدة فيلم منعته الرقابة لمقاربته شأنكم أو شأن دولتكم إيران. يلعنكم كلما هرَع الى المدرسة لإرجاع ابنائه عند كل تفجير نفذتموه في لبنان أو تسبَّب به "واجبكم الإرهابي" في سوريا. يلعنكم كلما مرّ بطفل سوري يتسوّل في الشارع، وكلما طرقت بابه عائلة سورية مشرّدة. يلعنكم عند كل مخيم بائس يغص باللاجئين الفارين من إرهابكم وإرهاب أسدكم في سوريا. يلعنكم مع كل شهيد يسقط في سوريا.
لم نكن نرغب في جرح مشاعر "الموسوي" لكن بما أنه تكلّم عن "ما تشعر به القاعدة الشعبية لـ 14آّذار في قرارة نفسها" فكذب وافترى ونسب إليها ما ليس من مشاعرها، وجدتُ نفسي معنيًا كأحد أبناء "ثورة الأرز" الحقيقية في إيضاح حقيقة مشاعر هذا الجمهور النخبوي أو على الأقل الغالبية التي أنتمي إليها.
* * *
* * *
"نرفض تحويلنا الى صحوات لبنانية على غرار الصحوات العراقية متخصصين في فرض الأمن على قسم من اللبنانيين فيما القسم الآخر ينعم بالحصانة الحزبية... إن تعثّر الخطة الأمنية يعود لأسباب سياسية... ماذا لو وضع حزب الله امكاناته بتصرف الدولة بدل التفرّد بالقرار، فهل كان وضعنا أفضل أم أسوأ؟". التوقيع: وزير الداخلية نهاد المشنوق 18/10/2014.
هجوم مفاجئ وغير مسبوق من الوزير الذي لطالما داهن "حزب الإرهاب المنظم" وجامله الى حد الانبطاح منذ أول يوم تولى فيه زمام وزارته؛ فمَن تعامل مع هذا الكلام بشعبوية وسطحية وسذاجة ربما اعتبر أن "تيار المستقبل" عبْر هذا الوزير "القبضاي" انتفض في وجه "حزب الإرهاب المنظم" فعبّر عن عن الأزمة الحقيقية التي يعانيها المجتمع السني اللبناني جرّاء الاستكبار والاضطهاد الذي يمارسه ضده الحزب الإرهابي بالتواطؤ مع بعض الأجهزة الأمنية. ومَن كان أكثر وعيًا وتعمُّقًا، ربما وضع هذا الكلام في خانة تأنيب الضمير وعُقدة الذنب خصوصًا أن المشنوق ألقى خطابه في الذكرى الثانية لاغتيال اللواء"وسام الحسن"، فكأنه بشكل أو بآخر ومن خلال رفع النبرة يعتذر من اللواء الحسن على تكريمه قاتليه من خلال إجلاسهم مكانه في اجتماع أمني رسمي آخى فيه "المستقبل" بين الشرعية والإرهاب واغتال الشهيد مرتَين.
بالنسبة إلينا فإننا لا نوافق التحليل الأول لأن الهوّة بين "المستقبل" وبين ما يشعر به ويعاني منه مجتمعه السني بعيدة وعميقة جدًا والتيار لن يجرؤ على التعبير عن وجع بيئته لأنه يخجل من ذكر طائفته حفاظًا على علمانيته؛ كما لا نوافق التحليل الثاني (وإن كنّا مُفترضيه) فالسياسة في لبنان في الغالب لا تعترف بالآداب ولا الأخلاقيات ولا مكان فيها لتأنيب الضمير، ولو كان "المستقبل" يشعر بعقدة الذنب فعلا لكان اعتذاره من الشهيد "رفيق الحريري" أولى من اعتذاره من الشهيد "وسام الحسن" ولن نهدر حبرنا على التذكير بوقائع زيارة "سعد الحريري" دمشق عام2009- 2010 وعزائم "السحور" والنزهات الثنائية الودية التي قام بها بسيارة المجرم "بشار الأسد"، والاعتراف بوجود "شهود زور أساؤوا الى العلاقة مع سوريا".
الموضوع بصراحة وببساطة هو انعكاس "لبناني" لصدى التوتر السعودي-الإيراني الذي طرأ في 13/10/2014 مع انتقاد وزير الخارجية "سعود الفيصل" إيران بشدّة ودعوته إياها الى "سحب قواتها المحتلة من سوريا وكذلك في العراق واليمن" معتبرًا انه في كثير من النزاعات إيران جزء من المشكلة وليست جزءًا من الحل"، وقد تضاعفت حدّة التوتر بين البلدين في 15/10/2014 على خلفية حكم القضاء السعودي بالإعدام على الشيخ السعودي الشيعي "نمر النمر"، هذا المفتِن الذي حاول إثارة الفتنة في المملكة على غرار ما يفعله كل يوم "نصر الله" وجوقته ومرتزقته في لبنان و"الحوثي" في اليمن غيرَ أن لا دول هنا تحاسِب! وإذا عرفنا دوافع "عاصفة" المشنوق وأنها لا تتعدى "فنجان السعودية" ماذا تصبح مدلولات كلامه؟
باختصار لقد أقرّ "المشنوق" أوّلاً بتصريحه هذا شاء أم أبى أنه مارس فعلاً وحقيقة دور "الصحوات" لصالح "حزب الإرهاب المنظم" لأن كلامه لا يتناول حادثة بعينها إنما هو بمثابة تقييم لعمله في وزارته منذ توليه حقيبتها، وكفى بذلك عارًا عليه وعلى تياره. واعترف المشنوق ثانيًا أن "تيار المستقبل" لا يملك قراره بل هو خاضع للإملاءات السعودية بالكامل لا يحيد عنها قيد أنملة، فعندما تأتيه الأوامر "الملكية" بالانبطاح ينقلب على تعهداته ووعوده فورًا وفجأة كيوم إعلان "الحريري" ومن "لاهاي" عقب الجلسة الافتتاحية المدوية للمحكمة الدولية بما ترمز وتمثل عن موافقته على الجلوس مع الحزب في حكومة ائتلافية... واليوم في سياق تلك "الفجائية" الحريرية ذاتها، ها قد وصلت أوامر التصعيد الكلامي فبادر المشنوق بمهاجمة الحزب الإرهابي الذي قدّم له الخدمات "الصحوية" الجليلة بكل إخلاص طيلة الفترة الماضية ولا يزال.
قلنا ذلك في السابق ونكرره اليوم، لا قيامة لقوى 14آذار ولا عودة لروحية واندفاعة وصفاء "ثورة الأرز" إلا بتقوية خاصرتها الرخوة ونقطة ضعفها، أي بتبني "الحريري" شعار "لبنان أولاً" قولا وفعلا وتخليه بالتالي عن شعاره المضمَر "السعودية أولاً" المثبت والموثق بعشرات الوقائع منذ عام 2005، فبالتبعية وتسليم القرار للخارج أيًا كان هذا الخارج لن نستطيع أن نبني بلد الـ 10452 كلم2 الذي نحلم به، وإلا فليتَ "الحريري" يستطيع الالتزام بتصريحه الأخير "لو حصلت الانتخابات النيابية قبل الرئاسية فلن يشارك فيها تيار المستقبل" على الأقل يكون بذلك أسدى خدمة عظيمة لـ14آذار عبر تحرير قرارها بإتاحته الفرصة لنواب غير مُستزلمين للخارج أن يمثلوا الشارع السني ويعبّروا عن بيئتهم بكل فخر واعتزاز وبوطنية عالية دائمة شاءت السعودية أم أبت اختفلت مع إيران أم اتفقت.
* * *
* * *
منذ اندلاع ثورة الحرية والكرامة في سوريا ومدن الثقل السني اللبنانية في دائرة الاستهداف عقابًا لها على تأييدها المظلوم ولعنِها الظالم؛ طبعًا كل مدن الثقل السني باستثناء بيروت العاصمة المحتلة والساقطة في يد "حزب الإرهاب المنظم" منذ 7أيار2008. هذا هو الواقع بصراحة إذا أردنا تسمية الأشياء بأسمائها.
أُخضِعت "صيدا" عاصمة الجنوب بالكامل في معركة "عبرا" 2013، وأُخضعت "عرسال" الشوكة البقاعية في الحلق الأسدي-الإيراني بشكل شبه كامل مع معركة "عبرا2"2014؛ أما عاصمة الشمال "طرابلس" وحاضنة الثورة السورية في لبنان التي سخّرت كافة امكاناتها لخدمة النازحين فظلت عصية على الظالم وواجهت أشرس عمليات الإخضاع برأس مرفوع، 20 جولة من الاقتتال بين "جبل محسن" و "التبانة"2008-2014، تفجير مسجدي "التقوى" و"السلام"2013، خطة أمنية عوراء كالت بمكيالَين وفاقمت الاحتقان على مدى الأشهر العشرة الماضية... كل ذلك والمدينة صامدة... أيقن إرهابيو الأسد وإيران أن النيل من طرابلس لن يتم إلا عبر تفجيرها من الداخل أي بأيدي المغرّر بهم من أبنائها أنفسهم وتحديدًا عبر الإيقاع بينهم وبين الجيش اللبناني وهذا ما نشهده منذ مساء الجمعة 24/10/2104.
ما من شك أن مَن يريد إخضاع وإذلال هذه المدن السنية هو الحزب الإرهابي التكفيري الذي يحتل لبنان منذ عام 2005 عقب تسلّمه راية الاحتلال من المجرم الأسدي في 26/4/2005؛ لكن رغم قناعتنا التامة بهذه الحقيقة يحق للمرء أن يُذهَل لشدة مكر وخبث الإرهابيين الذين عرفوا كيف يُقحمون الجيش في كافة معاركهم ووضعوه في الواجهة وافتعلوا له القلاقل وضحوا به لنصل الى ما وصلنا إليه اليوم من فتنة بين الجيش وبعض أبناء الطائفة السنية، وهي فتنة توافرت لإشعالها كل الأسباب اللازمة وهي الآتية:
أولاً: استفزاز الحزب الإرهابي مشاعر المكوِّن السني اللبناني من خلال تدخله الدموي في سوريا وتحريضه اليومي على طرابلس الذي تضاعفت وتيرته بشكل ملفت هذا الشهر وكأن شيئًا ما يدبّر للمدينة، أما رأس الحربة التحريضية فكان الشيخ "نبيل قاووق" الذي صرّح في 12/10/2014: "لبنان الآن في وسط المعركة قبِل فريق 14آذار أم لم يقبل، داعش باتت على الحدود في عرسال وباتت داخل الحدود في طرابلس وعكار، والمعركة في أوجها".
ثانيًا: دخول "تيار المستقبل" الى جانب "الحزب الإرهابي" في حكومة ائتلافية وبالتالي تغطية احتلاله لبنان ونشاطه الإرهابي في سوريا، ثم تولّي التيار وزارة الداخلية حيث لعب دور الصحوات بتطبيق خطة أمنية عوراء لا تحاسَب فيها إلا طائفته. بذلك جنى "المستقبل" على مجتمعه وعلى لبنان مُحدِثًا هوّة بينه وبين بيئته السنية تعمّقت أكثر مع إحجامه عن التعاطي بجدية مع معانتها وما تشعر به من اضطهاد واستهداف ممنهج يمارسه الحزب في حقها. هنا بدأ الشباب المتحمّس في البحث عن بديل من الاعتدال الحريري المزعوم الذي تحوّل بحد ذاته سببًا للتطرف.
ثالثًا: وقوع الجيش في فخ الحزب الإرهابي الذي نجح بإظهاره أمام الرأي العام اللبناني والسني تحديدًا كأداة فئوية منحازة الى الحزب، سواء عبر شلّه وتخديره في غزوة بيروت 2008، أو عبر إقحامه في معركتَي "عبرا" و"عرسال" ومشاركة الحزب الى جانبه في القتال، وما بين تلك التواريخ من حوادث صبّت في خانة الفئوية نفسها ما جعلنا بحاجة ماسة الى "مصالحة الجيش مع السنة" على حد تعبير النائب السابق "مصباح الأحدب".
رابعًا: انسياق بعض الشباب السني الطرابلسي وراء عواطفه التي عطّلت العقول وشرّعت الأبواب أمام اختراقها بشتى أنواع الأفكار الدخيلة على المدينة، فمِن تهوّر مجموعة المراهق "شادي المولوي" وأصدقائه الى خطبة المُتَمَشيخ -المجهول من غالبية علماء طرابلس أنفسهم!- المدعو "خالد حبلص" الذي يملك أيضًا مجموعة مسلحة على حسابه والذي أعلنها في خطبة الجمعة "ثورة سنية في الداخل اللبناني"، مرورًا بالطوابير الخامسة والسادسة والسابعة المأجورة التي تدخلت لمفاقمة الوضع ومضاعفة الخسائر المادية والبشرية... لتكون النتيجة في النهاية هدية جديدة يقدمها هؤلاء للحزب الإرهابي على طبق من فضة وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعًا!
طرابلس اليوم ساحة حرب حقيقية، ساحة كرب وبلاء في أيام عاشوراء، البعض شبّهها بـ"كوباني" الكردية و"بعبرا" الصيداوية ومنهم من تخوّف من مأساة "نهر بارد" ثانية خصوصًا مع النزوح الكثيف لأهالي "التبانة" وفتح المدارس لإيوائهم؛ عصابات مسلحة تطلق النار على الجيش في الأسواق والمناطق المأهولة والجيش يرد برًا وجوًا بالأسلحة الثقيلة وضحايا من المدنيين يسقطون "فرق عملة"، معارك بلا أفق زماني ولا مكاني... طرابلس لكِ الله وعلى مَن تآمر عليك لعنته.
* * *
* * *
نقولها بكل حسرة وألَم: لا يزال ما يسمى "تحالف" قوى 14آذار في حالة شرذمة وضياع، لايزال عاجزًا عن الخروج برأي موحّد عند كل استحقاق مفصلي تمُر به البلاد، وبالتالي لا يزال عاجزًا عن مواجهة مؤامرات الحزب الإرهابي على الدولة التي يحتلّها ويخطف قرارها.
فبعد اتفاق القوى الاستقلالية على أن مجلس النواب هيئة انتخابية فقط لا تشريعية مهمته حصرًا انتخاب رئيس للجمهورية، اختلف "الشباب" فيما بينهم، فوافق "المستقبل" و"القوات" على ما سمّي بـ"تشريع الضرورة" في تنازل مجاني جديد للقوى الانقلابية، فيما بقيت "الكتائب" متمسكة بقرارها "انتخاب الرئيس أولاً". جديد تشرذم القوى الاستقلالية اليوم هو اختلافها فيما بينها على التمديد لمجلس النواب الحالي الذي مدَّد لنفسه أصلاً عام 2013؛ أي في ظل الفراغ الرئاسي وزمن النحر وقطع الرؤوس هل ننحر الديمقراطية مرة ثانية بعد أن نحرناها بالتمديد الأول مع العلم أن التمثيل بالميت محرّم وممنوع؟! ففي حين سارع "تيار المستقبل" الى إعلان نفسه رأس حربة الداعمين لمشروع التمديد طالما أن رئيس الجمهورية المسيحي لم يُنتخب بعد، كان موقف القوى المسيحية الاستقلالية (القوات والكتائب اللبنانية تحديدًا) إجراء الانتخابات النيابية ورفض التمديد انتُخب الرئيس أم لم يُنتخَب... ما أظهر الرئيس "سعد الحريري" وكأنه يزايد على القوى المسيحية نفسها المعنيّة الأولى بانتخاب الرئيس المسيحي قبل سواها.
لن ندخل في دهاليز الأسباب التي يُقال عنها إنها موجبة للتمديد، وهل هي مقنعة أم لا، وهل الأوضاع الأمنية تسمح بالانتخابات أم لا، وهل الفراغ الرئاسي يفرض التمديد أم لا، وسواها مما يمكن وصفه بـ"أذُن الجرّة" التي يضعها "الفاخوري" حيث يشاء، بل نكتفي بالقول انه من حيث المبدأ والحق الديمقراطي -وهو الأساس- ما بني على باطل فهو باطل، وتمديد اليوم -المحسوم- مبني على تمديد الأمس غير الدستوري، وهو غير دستوري فعلاً بدليل أن الحزب الإرهابي منع قضاته وقضاة النائب "جنبلاط" من تأمين نصاب المجلس الدستوري للنظر في الطعنَين بالتمديد الأول والمقدّمَين من كتلة "الجنرال عون"(وإن كان طعنه دعائيًا) ومن الرئيس السابق "ميشال سليمان". فنواب تمديد 2014 كنواب تمديد 2013 تمامًا منتحلو صفة أو على الأقل لا يمثلون المتمسّكين بالديمقراطية من الشعب اللبناني لأن وكالتهم انتهت في حزيران 2013 ولا يحق للوكيل أن يجدِّد لنفسه.
في هذا السياق استوقفتنا محاولة جديدة من الرئيس "نبيه بري" في التذاكي على قوى 14 آذار على نحو نجاحه سابقا في جعلها تتبنى تحديد نصاب الثلثين لافتتاح جميع جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ثم انتزاعه منها تنازل "تشريع الضرورة" بعد إعلانه معارضة التمديد لمجلس "غير منتج" مع العلم أن قرار "بري" ليس في يده ولذلك عاد عن معارضته المسرحيّة ودعم التمديد لأن "حزب الإرهاب المنظم" ببساطة منشغل في إرهابه في الداخل والخارج ويريد الإمعان في ضرب الدستور والديمقراطية وبالتالي لا يرى الوقت ملائمًا لانتخابات نيابية ولا حتى رئاسية.
جديد تذاكي "بري" اليوم هو قوله: "إذا أرادت القوات اللبنانية سلوك طريق عون في رفض التصويت على التمديد فإن ميثاقية التمديد وجلسته في خطر"! هنا يحق لنا التساؤل: أين كان حرص "بري" على الميثاقية في حكومة "نجيب ميقاتي" التي غيّب عنها المكوِّن السني الوازن؟ أين الميثاقية في "تسَلْبط" الحزب الإرهابي على مناصب عديدة ليست للطائفة التي يخطف قرارها ولا سيما منها منصب مدير عام الأمن العام الذي انتزعه عنوة من المسيحيين؟ بل أين الميثاقية في منع المسيحيين من تبوّؤ أعلى منصب منحهم إياه العرف الدستوري؟ كل الأجوبة تصب في خانة واحدة هي أننا أمام محاولة مكشوفة من "الاستيذ" لانتزاع توقيع "القوات اللبنانية" على جريمة التمديد، وإلا فلماذا لا يحث "بري" حليف حليفه "ميشال عون" على التصويت لصالح التمديد؟ أليس ذلك أولى وأقرب وأسهل من مطالبته خصمه السياسي "القوات اللبنانية" بالبصم على الجريمة؟ أم إن الحزب الإرهابي يريد انتزاع توقيع "القوات" كي يتم تظهير الجنرال عون مجدّدًا -أمام البسطاء طبعًا- كما حصل عام 2013 على أنه هو صاحب المبدأ والحريص على الدستور والحياة الديمقراطية، وإن كان المعطِّل لانتخابات الرئاسة بأمر من الحزب الإرهابي نفسه؟
التمديد سيَمر وافقت القوى المسيحية أم عارضت، والمهم أن لا ترضخ القوى المسيحية الاستقلالية لابتزاز "بري" وتذاكيه بفرية "الميثاقية" ومعادلة "التمديد أو الفراغ"؛ أما ما يسمى "تحالف قوى 14آذار" فسيبقى في حالة موت سريري ما لم تعاد هيكلته ويتخلّص من هيمنة "تيار المستقبل" حيث ليست المرة الأولى التي تسير فيها تلك القوى بقراره، والأهم من ذلك كله العودة الى "لبنان أولاً" قولاً وعملاً.
* * *
* * *
كثيرة هي الأيام السود في تاريخ لبنان، واليوم ينضم إليها الأربعاء 5/11/2014 تاريخ تمديد النواب لأنفسهم سنتين وسبعة أشهر أي حتى 20/6/2017، وذلك بمجموع 95 صوتًا ومعارضة كُتَل الجنرال عون والكتائب والطاشناق. التمديد الثاني كالتمديد الأول له سيناريو وحبكة وتوزيع أدوار سبق أن فصّلناها بالنسبة للأول في حينه واليوم نذكر حيثيات الثاني في قراءة نراها صائبة وهي بالتأكيد تحتمل الخطأ.
ما من شك أن "حزب الإرهاب المنظم" لا يريد الانتخابات النيابية ويريد التمديد ليس خوفًا من شعبيته إنما إمعانًا منه في ضرب النظام الديمقراطي اللبناني؛ صحيح أن الحزب لم يصرّح عن رغبته في التمديد حتى اللحظة الأخيرة، غير أن مضي رئيس المجلس "نبيه بري" بقوة في مشروع التمديد وعدوله عن رأيه المعارِض له سابقًا دليل ساطع على أنها رغبة الحزب ولا يجادل في ذلك إلا واهم يظن أن لـ"بري" القدرة على معارضة الحزب، هو لا يجرؤ على مخالفته في تعيين وزير (محمد جواد خليفة) فكيف بالأمور المصيرية؟! مناورة "بري" في "رفض التمديد لمجلس غير منتج" آتت أُكُلها في انتزاع "تشريع الضرورة" من 14آذار، أما مناورته في أن "لا ميثاقية لتمديد يغيب عنه الثقل المسيحي" فقد نجحت في سَوق "القوات اللبنانية" الى التصويت لصالح التمديد. أما بالنسبة للجنرال "ميشال عون" فتوزيع الأدوار كما هي العادة في مسرحيات الحزب الإرهابي يقضي بأن يَظهر دائمًا بصورة المدافع عن الدستور والديمقراطية للمزايدة على خصومه المسيحيين الاستقلاليين والتذاكي على الشارع المسيحي في أدوار لا تنطلي إلا على البسطاء... هكذا جرى في التمديد الأول وكرّر التاريخ نفسه في التمديد الثاني.
حيال هذا السيناريو "الإرهابي" المكشوف بالنسبة لكل من يتابع الوضع اللبناني، كان على ما يُسمّى "تحالف" (والأولى تسميته "تخالف") 14آذار أن يتصرّف كفريق واحد فيعلن تأييده للانتخابات، بذلك يكون أحرج "الجنرال" فكشَف دوره كما كشَف مؤامرة الحزب وحال دون التمديد أو على الأول حاول الحؤول دون حصوله؛ لكن كالعادة حصل خلاف بين الجناحَين المسلم والمسيحي وكان رأس حربة الخلاف الخاصرة الرخوة لـ"التخالف" -تيار المستقبل- الذي أعلن قبل نحو شهرين من موعد نفاد مهلة الاستحقاق الانتخابي أنه ضد الانتخابات، يومها كان "بري" على موقفه المسرحي بمعارضة التمديد، بيد أنه وجد في موقف "الحريري" ضالته فأعلن أن لا ميثاقية لانتخابات يغيب عنها المكوِّن السني الذي يمثله نظريًا الحريري. تقاطعت مصالح الحزب والإرهابي والمستقبل كلٌّ لاعتباراته الخاصة في فرض التمديد فتم إحراج "القوات" بمعادلة "الفراغ أو التمديد" وكذبة "الميثاقية" التي يُخرجها برّي "غب الطلب"، فصوتت "القوات" ومستقلو 14آذار لصالح التمديد بعد أن كانوا من معارضيه، أما "الكتائب" فبقيت على موقفها "الرئيس أولاً" فقاطعت الجلسة.
بالمنطق، من الطبيعي أن يكون "تيار المستقبل" مع التمديد لأنه ببساطة شريك الحزب الإرهابي في الحكومة، وبالتالي هو مِن فريق الموالاة شاء أم أبى لأن الادعاء بوجود موالاة ومعارضة في حكومة واحدة هرطقة الهرطقات. وقرار "المستقبل" هذا ينسجم مع سياسة الحكومة التي تعاملت مع الانتخابات من يوم تسلُّمها وكأنها غير حاصلة ولم تبذل أي جهد جدي لإجرائها. وبالمنطق أيضًا، موقف "الكتائب" (المشارِكة في الحكومة) في رفض التمديد يفتقر الى الصدقية لأنها لم تُتبعه باستقالة نوابها رغم إقرارها بأن الحكومة أخطأت في إدارة الملف الانتخابي.
في المقابل، فريق واحد كان سُقبَل منه قرار رفض التمديد دون أن يجرؤ أحد على انتقاده ألا وهو "القوات اللبنانية" فهي من جهة أولى خارج الحكومة أي في المعارضة، ومن جهة ثانية الأكثر ثباتًا على المواقف المبدئية الصادقة؛ كان الأجدى بالقوات أن تعارض التمديد وتقدّم استقالة نوابها وأن تذهب لانتخابات فرعية يكون فيها نوابها المنتخبون الوحيدون أصحاب الصفة التمثيلة الشرعية في المجلس؛ لكن هذه المرة فضّلت التمديد لدواع عديدة تراها مقنعة بعد تمكُّن "الحكيم" وبحرفيّة عالية من ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد من خلال مبادرة الساعة الأخيرة التي طرحها والقاضية بانتخاب الرئيس أولاً ثم النواب طالما أن النصاب مؤمَّن وأن "نصرالله" أعلن أن مرشحه هو الجنرال، فحُشِرَ "عون" في الزاوية وأثبت برفضه المبادرة أن معارضته التمديد دعائية وأنه المعطّل الثاني بعد الحزب وأنه يدرك تمامًا أن الحزب يريد سواه رئيسًا وإلا لكان أمّن له الأصوات المطلوبة وهو قادر على تأمينها.
في النتيجة، خطئية جديدة تضاف الى خطايا 14آذار، ونجاح جديد للحزب في ضرب النظام اللبناني، والكل شريك في ذبح الديمقراطية وإن بنِسَب متفاوتة. أما "الواقعية السياسية" التي يبرّر بها البعض مواقفه فقد تؤدي بنا في النهاية الى المضي مع الحزب الإرهابي الى حيث يريد أخذّنا، هو يحقّق مرادَه ونحن نشاركه فيه لاحِسين المِبرَد مُتلذّذين بدمنا ومُقنِعين أنفسَنا بأننا تصرَّفنا بما تقتضيه الواقعية السياسية.
* * *
* * *
ماذا بقي من مظاهر الحياة السياسية الديمقراطية في لبنان؟ سؤال مشروع يدور في فكر كل من يتابع بألَم وأسَف موجة "الداعشية" السياسية التي تضرب مؤسسات الدولة فتقطع رؤوسها الواحدة تلو الأخرى وتقطع معها أمامنا كل سُبُل الهروب من الجواب الكارثي: لم يبق من الديمقراطية شيء!
الحكومة الحالية تختزل في تركيبتها هرطقة الهرطقات، فلا هي حكومة ما يسمى "وحدة وطنية" (كون القوات اللبنانية خارجها)، ولا هي حكومة أكثرية تحكم وأقلية تعارض، إنما فريقان مختلفان كليًا في المشروع والولاء يتشاركان السلطة التنفيذية تحت ستار "ربط النزاع". في مفهومنا للديمقراطية لا نستطيع تصنيف الأحزاب المنضوية في الحكومة إلا بأنها "الموالاة"، ومَن هي خارجها "المعارضة"، أما الهرطقة الحالية غير الطبيعية فلا يمكن لها أن تجتمع ولا أن تستمر إلا بإيعاز خارجي للأطراف التي ارتضت أن يكون لها تبعيّة للخارج، ونعني تحديدًا "تيار المستقبل" السعودي و"حزب الإرهاب المنظم" الإيراني، مع اقرارنا بالفارق الكبير بين مشروعَي الفريقَين. فمتى بلغ الخلاف السعودي-الإيراني ذروته انفرط عقد الحكومة وطالما أنهما على تنظيم خلافهما فالحكومة مستمرّة.
بالنظر الى مجلس النواب الذي يُفترض أن يكون المؤسسة الديمقراطية الأم بما أن أعضاءه منتخبون مباشرة من الشعب وتنبثق عنهم الرئاستَين الأولى والثالثة... فالكارثة ماثلة للعيان لا ينكرها إلا متعامٍ؛ مجلس اغتال الديمقراطية مرتَين بتمديدَين غير دستوريَين، الأول جرى فيه تعطيل نصاب المجلس الدستوري لعدم إصدار الحكم بالطعن المقدّم فيه والتاريخ يُعيد نفسه اليوم مع الطعن بالتمديد الثاني. وكما هو الحال بالنسبة لهرطقة الحكومة كذلك بالنسبة لهرطقة بل جريمة التمديد حيث تواطأ التيار السعودي مع الحزب الإيراني لتمرير التمديد بما يعكس ويترجم بلا ريب رغبة أسياد الخارج، وقد تمّ ذلك بلُعبة قذرة وُضِع فيها المسيحيون الإستقلاليون في "بوز المدفع" للبصم على تلك الجريمة بحجة "الميثاقية" (التي يستخدمها "بري" استنسابًا عندما تخدم مخطط الحزب الإرهابي ويتجاوزها إذا كان العكس)، جرى بالتالي تخيير المسيحيين الاستقلاليين حصرًا بين "الفراغ والتمديد" ليختاروا التمديد دفعًا للمؤتمر التأسيسي، وكأن لا بديل عنهما متمثِّل بالمعارضة والاستقالة والذهاب الى انتخابات فرعية! تشكّل حِلف التمديد السُداسي (خامِسه الجنرال المكشوف، وسادسته الكتائب ما لم تصدِّق معارضتها باستقالة نوابها). أما "القوات اللبنانية" فكما فعلت بمعارضتها الحكومة والحوار والـ س-س من قبل، كنا نربأ بها عن الدخول في ذلك الحلف وتلطيخ مسارها السياسي المشرِّف والممتاز بوحول السعودية وإيران فلا فراغ إذ التمديد كان سيتم وافقت القوات أم لا لأن قراره إقليمي-دولي، أما المؤتمر التأسيسي فلا شك أن الحزب الإرهابي يسعى إليه وقد صرّح بذلك علنًا عام 2012 لكن وقته برأينا ليس الآن إنما بعد انجلاء غبار المعركة في سوريا بانتصار الشعب عندها سيكون المؤتمر التأسيسي هدف الحزب تعويضًا عن خسارته الأسد.
بقيت رئاسة الجمهورية التي تمثّل منذ 25/5/2014 رأس الدولة اللبنانية المقطوع، حيث يعطل الحزب الإرهابي والتيار العوني انعقاد جلسات الانتخاب والتي تحضر إليها كتلة "أمل" بأمر من الحزب دفعًا لإعطاء التعطيل بعدًا طائفيًا؛ الديمقراطية هنا أيضًا مفقودة، فانتخاب الرئيس بإرادة لبنانية ممنوع وإذا وصل رئيس 10452كلم2م كـ"بشير الجميل" و"رينيه معوّض" فمصيره الموت، وما يجري منذ حقبة الاحتلال السوري للبنان الى اليوم هو عملية تعيين موصوفة تتمّ بكل وقاحة من الخارج ويبصم عليها نواب الداخل؛ هكذا عُيّن رئيسَا(2) حقبة الاحتلال السوري ومُدِّد لهما، وهكذا عُيّن رئيس حقبة الاحتلال الإيراني المستمرة، وهذا ما سيتكرر مع الرئيس المرتقب. وفي رأينا، لولا الإحراج الذي سبّبه الدكتور "سمير جعجع" لسائر أفرقاء التحالف الوهمي لـ14آذار بإعلانه ترشّحه ثم تمسّكه به بعقلانية ووطنية عالية حتى إيجاد البديل، لولا ذلك الإحراج لكان "تيار المستقبل" خضع وتوافق مع الحزب الإرهابي على تعيين رئيس لا يختلف عن سابقيه وفرَضه على المسيحيين واللبنانيين أجمعين كما فرَض التمديد لمجلس النواب وفرَض الحكومة وسار في تسمية الرئيس السابق.
لم يتحرّر لبنان من سلطة الاحتلال السوري حتى لاقت اليد المسلمة (السنية) اليد المسيحية الممدودة إليها منذ عقود، وفي زمن الاحتلال الإيراني والنفوذ السعودي يبدو أن المجتمع اللبناني السيادي والاستقلالي بحاجة مجدّدًا الى "لقاء قرنة شهوان" ثانٍ لاستعادة استقلاله، لكن ريثما يأتي بطريرك يرعى اللقاء من خامة البطريرك "صفير" يُسمّي الأشياء بأسمائها ولا يهرب من مسؤولياته بإطلاق مواقف عالية النبرة تناصر المحتل وتساوي بين القاتل والمقتول، ستبقى ديمقراطية الآخرين على أرضنا، ديمقراطية مغتالة مغيّبة منتحَلة كديمقراطية السعودية وإيران.
* * *
* * *
في حديثه الى جريدة "الجمهورية" المنشور بتاريخ 11/11/2014 اعتبر الدكتور سمير جعجع أن "الرئيس الحريري أثبت أنه لا يزال الزعيم السني الأول في لبنان والمنطقة(...)". وعن العلاقة بين القوات والمستقبل أضاف الحكيم: "علاقتنا سرمدية لا بل أقول أكثر من ذلك، نحن نعتبر أن تحالف القوات والمستقبل أساس في الحفاظ على الكيان اللبناني".
بكل احترام ومحبة، وبدون انتقاص من لياقة الحكيم الذي عوّدنا على اللباقة العالية في الكلام حتى في ردّه على الخصوم، لا نستطيع أن نضع حديثه أعلاه في غير سياق المجاملات والغزل المتبادل مع "المستقبل"، وهو بالنسبة إلينا أشبه بما يحصل بين الزوجَين حين يصف أحدهما الآخر بما ليس فيه على سبيل الغزل، كأن يقول الزوج لزوجته القبيحة أو حتى الجميلة: "أنتِ أجمل نساء الكون" فيما هو يدرك يقينًا أنها ليست كذلك أو أقلَّه ليست الأجمل؛ وإذا كان من مجاملة مطلوبة أو حتى مِن كذبة مستحبة يصح وصفها بالبيضاء فهي هذه لما لها من أثر بالغ في التودّد وتلطيف الأجواء والتعبير عن المحبّة والرغبة في دوام العشرة. هذا في الوجدانيات، أما في السياسة فلِوضعِنا حديث الحكيم في سياق المجاملات تحليل مدعّم بوقائع وأدلة.
فالبنسبة للشق الأول من الكلام، إذا سلّمنا بأن الرئيس "سعد الحريري" هو الزعيم السني الأول في لبنان -وهو كذلك فعلاً- وإن كانت شعبيته في بيئته السنيّة في تناقص مستمر نظرًا لسوء تعامله بل وتغافله عن كثير من معاناة أهله وقضاياهم الملحّة، فمما لا شك فيه أن الحريري ليس الزعيم السني الأول في المنطقة، نعم قد يكون قارب هذا الموقع في فترة ما عندما كان على مواقفه المشرّفة تجاه بيئته والثورة السورية وتحديدًا يوم كان رافضًا دخول الحكومة قبل انسحاب الحزب الإرهابي من سوريا، بيد أن شعبيته في لبنان وسوريا هبطت بعد تخلّيه عن وعوده وانقلابه على مواقفه بتغطيته الحزب في حكومة ائتلافية بل وقبوله لعب دور الصحوات باعتراف وزير داخليته "المشنوق". وبحسب معطياتنا فإن زعامة الحريري مهتزة في عرينه "طريق الجديدة" فكيف الحال بزعامته على صعيد المنطقة، وهنا لا نتحدث عن اهتزازها لدى القلّة القليلة التي جنحت نحو التطرّف بسبب تنازلات الحريري الانبطاحية، إنما نتحدث عن اهتزازها لدى الأكثرية السنية المعتدلة أساسًا قبل ولادة تيار الحريري وتسويقه لاعتداله المزعوم... أكثر من ذلك لسنا نبالغ إذا قلنا إن شعبية الدكتور "جعجع" تقارب شعبية الحريري في البيئة السنية أو حتى تفوقها.
أما بالنسبة للشق الثاني من غزل الحكيم، فالحكيم يعلم أن لا تحالفات أبدية في السياسة كما لا سرمدي إلا الله تعالى؛ لا ننكر أن "تحالف" القوات والمستقبل له دور مهم في الحفاظ على وحدة الكيان اللبناني غير أنه ليس الأساس فيها إذ الضمانة تبقى متجسّدة بالوحدة الإسلامية السنية-المسيحية التي تتجاوز القوات والمستقبل وإن كان محازبوهما من أبناء الطائفتَين غير أن معظم الشعب اللبناني غير متحزّب مع ذلك هو وطني بامتياز ومتمسك بتعاليم الإسلام والمسيحية في آداب التعامل وقيَم التسامح والاحترام والمحبة اتفق القوات والمستقبل أم اختلفا. ثم هل هما متحالفان فعلاً؟
بصراحة لا نستطيع وصف علاقة القوات والمستقبل بالـ"تحالف" بل هي صداقة ومحبة لا تصل الى حد الحلف السياسي، وإلا فمن شأن الحلفاء أن يكونوا على موقف واحد لا سيما في الأمور المفصلية والمصيرية وأن يديروا معركتهم على هذا الأساس؛ بالتأكيد لا نبحث عن تطابق يصل الى حد التَوأمة وإلا لكانت المستقبل قوات أو القوات مستقبل (بعيد الشر)، إنما نتحدث عن موقف موحّد على الأقل لدى الاستحقاقات المهمة وهذا ما افتقدناه في نحو عشر استحقاقات بالغة الأهمية اختلف فيها الطرفان حتى بات أحدهما موالاة والآخر معارضة! ففي حين رفض الحكيم وتحفَّظ وعارض بحكمة وشجاعة ومنطق، وافق الحريري وانحنى ومشى وذلك سواء في التحالف الرباعي واتفاق الدوحة وحكومة ما يسمى "وحدة وطنية" بعد انتخابات 2009 وبإعادة انتخاب "بري" رئيسًا للمجلس ثم بالـ س-س وما ترتب عليها من اعتراف بوجود شهود زور والاعتذار من سوريا، ثم جلسات حوار الدجل والتقية، وقانون انتخاب مبتدع عام2013، ومشاركة الحزب الإرهابي في حكومة لا يتضمن بيانها الوزاري انسحابه من سوريا ولا إعلان بعبدا. كل ذلك جاء نتيجة طبيعية لخضوع الحريري للإملاءات السعودية مقابل امتلاك القوات حرية قرارها.
مما تقدّم وعَوْد على بدء، طالما أن عَين أحد الزوجَين زائغة الى الخارج وأُذنه صاغية إلى هناك ستبقى الخلافات مستمرة ما يجعلنا لا نرى مستقبلاً لحياتهما الزوجية اللهم إلا إذا اختار المضحّي منهما أن يبقى صابرًا عاضًا على جرحه ليس من أجل الآخر إنما من أجل الأولاد، ولعل هذا ما عناه الحكيم بوصفه "التحالف" بأنه "أساس في وحدة الكيان اللبناني". مع ذلك للصبر حدود ويا لطول صبركِ يا قوات!
* * *
* * *
هل ينجح مسعى "نبيه بري" لعقد "الحوار" بين تيار المستقبل وحزب الإرهاب المنظم؟ سؤال شغَل وسائل الإعلام اللبنانية في الأيام الأخيرة وفي كل يوم كانت ترشح عن جوابه معلومة جديدة: بري واثق من نجاح مسعاه وإلا لما أعلن عنه. المستقبل يريد تقييد الحوار بجدول أعمال محدّد وخال من الشروط. وفد من سياسيي "المستقبل" يزور "الرياض" للتشاور مع "سعد الحريري" بشأن الحوار. الحوار يحتاج الى خارطة طريق سيعلنها الحريري في مقابلة متلفزة في 27/11/2014... تشويق وإثارة على مدار الساعة غير أن السفير السعودي "قتَلَ" كل ذلك الـ"suspense" الهزلي مع حسمه الموضوع مستبقًا كلمة رجُله في لبنان بيومَين فأعلن أنه أبلغ "بري" صراحة: "نحن مع هذا الحوار ونؤيده".
مقابل الهمروجة الإعلامية التي نظمها تيار المستقبل لتَلْقِيم جمهوره (أو ما تبقى منه) طبق "الحوار" المسموم بالملعقة وبالتقسيط المريح لقمة لقمة... كان واضحًا أن الحزب الإرهابي يتصرّف من موقع قوّة وغلَبة (وليس استجداءً للحوار كما يظهره الإعلام الأرزق)، اكتفى بإعلان أمينه العام عن رغبته في الحوار مع المستقبل مطلع تشرين الثاني دون الخوض في أية تفاصيل، وقد أتاه الجواب من السعودية صراحة، وبالتالي تُركت كرة النار في ملعب التيار الأزرق كي يحاول اقناع شعبه بأن "تجريب المجرَّب" دليل على كمال العقول، وأن اللدغ من الجحر الواحد عشرات المرات من صفات المؤمنين الفطِنين وله متعة ولذّة ما بعدها لذّة، وأن الحوار لن يتم وفق شروط وإملاءات الحزب الإرهابي وبما يخدم أهدافه في إحكام قبضة احتلاله لبنان، القبضة التي ما كان لها أن تبلغ هذا الحد لولا تنازلات الحريري المفاجئة والمخزية والتي وصمت سياسته الانبطاحية الذليلة منذ عام 2005 الى اليوم.
لكن مهلاً، لماذا يجد التيار الأزرق كل هذا الحرج والتردد في مصارحة جمهوره بقبوله دعوة الحزب الإرهابي للتحاور؟ الأمر لا يستدعي هذا اللف والدوران والتمهيد والتقسيط الممل والمريح في اعلان الخبر، فجلوس المستقبل مع الحزب الى طاولة حوار اليوم لا يساوي مثقال ذرّة من كارثية وخطورة موافقته المفاجئة على الجلوس معه في حكومة واحدة ما وفَّر للحزب الإرهابي برضى الحريري أو تمنّعه تغطية لإرهابه في سوريا بل ولبنان من خلال موافقة المستقبل على لعب دور الصحوات القذر تجاه بيئته ووطنه في آن معًا. بعد ذلك، هل يجد المنغمِس في بحيرة من الرمال المتحركة حرَجًا من الدوس في بقعة وحل صغيرة خشية أن تصيبه منها بعض اللوثات؟!
دون لف ودوران وبعيدًا عن سياسة "الاستغنام" و"الغنمية" التي يُعامل بها بعض ساسة 14آذار جمهورهم كما هو الحال الغالب في 8آذار على قاعدة "ما حدا أحسن من حدا"، لا بد من مصارحة الرأي العام العاقل والحر والواعي والذي لا تزال حاسة النقد لديه حيّة ومتوقدّة، أن هذا الحوار لا يُعوّل عليه في شيء نظرًا لهوية طرفَيه وتاريخهما، وقد أصاب تمامًا من وصفه بـ"طبخة بحص". فالمستقبل لا يملك قراره وهو بالكامل في السعودية، أما تاريخه فحافل بالخضوع والخنوع والانبطاح والركوع للأسد والحزب من خلال التنازلات المخزية والقاتلة في حق "ثورة الأرز". أما الحزب الإرهابي فقراره بالكامل في قبضة "الولي الفقيه" وتاريخه وثقافته يحفلان بتمجيد الخيانة للعهود ونقد المواثيق والانقلاب على التعهدات ولحس التواقيع والكذب والخداع والغدر والتقيّة، ابتداءً بمقررات جلسات حوار 2006 التي لم يُنفِّذ منها شيئًا مرورًا بنقض "اتفاق الدوحة" غير المأسوف عليه، وصولاً الى التنصل من توقيعه على "اعلان بعبدا" ووصفه بـ"الحبر على ورق"، وليس انتهاءً بأي اتفاق قد ينتج عن حوار الدجل والتقية الذي قبل به الحريري اليوم وحاول تبريره في مقابلته بتبريرات واهية كالعادة جديدها هذه المرة "تنفيس الاحتقان السني- الشعي".
للأمانة والموضوعية، إذا كان من بند واحد يمكن للطرفَين المتحاورَين أن يتوافقا عليه بحرية (بعد إذن أولياء أمورهما بالتأكيد) فهو بلا ريب ليس بند التوافق على رئيس للجمهورية لأن الأمر أكبر منهما بعد أن سلّما قرار لبنان للخارج، إنما بند التوافق على كيفية إيجاد الإخراج الملائم للإعلان عن ذلك الرئيس والذي نعني به المرشَّح الحقيقي والمضمَر والذي يرتاح إليه الطرفان "جان قهوجي" (الذي أقام له الحريري حفل تكريم عقب معركة عبرا مباشرة) الحائز على رضا إيران أولاً ثم السعودية وكذلك مباركة أميركا وفرنسا؛ بعبارة أخرى في أقصى الأحوال تفاؤلاً (وكفى بها شُؤمًا) لا نرى أمام المتحاورَين من جدول أعمال سوى مهمة إيجاد صياغة أو ديباجة لـ"الاعتذار اللائق" من مرشحَيهما الوهميَّين "الجنرال ميشال عون" والحكيم "سمير جعجع".
وسط هذه المهزلة يأبى السؤال المُحرِج إلا أن يطرح نفسه: ما هو موقع المسيحيين من الإعراب في اختيار رئيس جمهوريتهم الماروني؟
* * *
* * *
عند كل غطرسة ميليشوية تنال من هيبة الدولة (إن كان لتلك الهيبة المزعومة من بقيّة)، ومع كل عربدة إرهابية تحصد قائد رأي أو رجل أمن أو سياسة، يبدأ بعضنا بالتساؤل: كيف تواجهون السلاح بالكلمة؟ وهل تنتظرون أن تتغلّب الكلمة على الصاروخ؟ سؤالان يُعبّران بلا شك عن "طفَحَان الكَيل" من غلبة السلاح الميليشيوي الإرهابي التخويني والتكفيري، والجواب عليهما ليس بالسهل إذ يجب أن يحمل من العقل والمنطق ما يقنع السائلِين ويضبط حماستهم وعاطفتهم؛ وسنختصره بحقيقتَين:
الحقيقة الأولى: أنه لو لم يكن للكلمة الحرّة تأثير أمضى من الرصاص وأقوى من الصاروخ لما أخافت الإرهابيين من حمَلة أعتى أنواع الأسلحة وأشدها فتكًا على الإطلاق ولما ألجأتهم الى استخدام عقلهم الإجرامي الدموي لإسكات تلك الكلمة أو ترهيبها لإخضاعها، وحينئذ لا تعود الكلمة كلمة إنما صحافة صفراء ودجل وخداع وبروباغاندا. هذا هو دأب كل الطغاة على وجه الأرض حيث الكلمة الحرة والصادقة هي دائمًا عدوّهم الأول، ومن كان لديه أدنى شك في هذه الحقيقة فشهادة الصحافي الحر "جبران تويني" تُجيبهم وكفى بها إجابة. أما من أحب الاستطراد والتوسّع فشهادة الأحرار من أبناء الشعب السوري خير مثال يمكن التوسّع فيه، فمِن خَلْع أظفار أطفال درعا الذين كتبوا على الجدران ما أرعب طاغيتهم، الى استئصال حنجرة منشد الثورة الشهيد "ابراهيم القاشوش"، الى تكسير أصابع مَن رسم كلمة الحق كريكاتوريًا "علي فرزات"، الى أهالي الغوطتين الشرقية والغربية الذين أبيدوا بالكيماوي لإيمانهم أن قيمة الإنسان هي بما يتمتع به من حرية وكرامة.
لعلنا بما تقدّم قدمنا جزءًا من الإجابة، بيد أنها تبقى ناقصة ما لم نُتبعها بالحقيقة الثانية، فتسليمنا بحقيقة أن السلاح يهاب القلم لا يجب أن ينفي حقيقة أخرى هي أنه في الدفاع عن الحق السلاح والقلم يتكاملان (وفي النشيد الوطني اللبناني "ملء عين الزمن سيفنا والقلم")، فلا بد من سلاح يحمي الكلمة يضمن سلامتها ويصون لها حريّتها كي تؤدّي مهمتها على أكمل وجه بصدقية ومهنية ودون أي ضغط أو ترهيب؛ ومع قناعتنا التامّة بأن سلاح الشرعية الذي يحمي دولة القانون هو وحده المناطة به تلك المهمة، إلا أنه عندما يُثبت هذا السلاح عجزه عن حماية الكلمة أمام سطوة سلاح الإرهاب وعندما يتخطى الإرهاب الدولة بقوة سلاحه ليعتدي على الكلمة وعلى الدولة العاجزة عن حماية شعبها، عندها يصبح من الانهزامية والانبطاح بل من الانتحار والجنون أن يبقى القلم سلاحنا الوحيد في مواجهة آلة القتل الإرهابية داخلية كانت أم خارجية وهنا يأتي قول حكيم "ثورة الأرز" الدكتور سمير جعجع: "إذا دعا داعٍ أو داعش فنحن للمقاومة جاهزون ولن نموت إلا واقفين".
لقد قدّم بطلنا "جبران تويني" بشهادته الدليل الساطع على أن السلاح يخاف القلم، يخافه لأنه يدرك تمامًا أن الكلمة الحرّة هي المحرّك الأول للتخلّص من غلبة السلاح وسطوته وأنظمة استبداده، كيف لا و"الفرق بين الظُلمة والنور كلمة" كما قال شهيدنا في آخر كلماته، كلمات جعلت من الحرية والسيادة والاستقلال محورها، فصنعت انتفاضة الاستقلال و"ثورة الأرز" وساهمت في استيلاد ثورة الشعب السوري على النظام الأكثر إجرامًا في العالم.
المميّز هذا العام تزامُن الذكرى التاسعة لاغتيال "جبران" مع إدلاء الخال أولاً ثم النائب والشهيد الحي "مروان حمادة" بشهادته أمام المحكمة الدولية وسرده تفاصيل التآمر البعثي الأسدي على "جريدة النهار" لإسكاتها من طريق إجبار الرئيس الشهيد "رفيق الحريري" على بيع أسهمه في الصحيفة في محاولة لتفليسها، وهي محاولة من جملة محاولات أراد بها الأسد دفع الجريدة نحو خيارَين: إما دخول بيت الطاعة وإما الإقفال؛ محاولات تدرّجت وصولاً الى اغتيال سمير قصير، وبلغت أقصاها باغتيال رئيس مجلس إدارة "النهار" المدير العام جبران تويني؛ وجاء الرد الشجاع من الأب المفجوع ليتصدّر الصفحة الأولى "جبران تويني لم يمت والنهار مستمرة".
كلمة الحق في وجه السلطان الجائر، الشهادة للحق والحقيقة، تسمية الأشياء بأسمائها دون تورية ولا استدارة ولا مداهنة ولا مسايرة ولا خنوع، رفض ثقافة الغنمية وسياسة القطعان واستغباء العقول، تنمية حس النقد الذاتي قبل انتقاد الآخرين، احترام عقل القارئ والتحدث بمنطق وحجة وبرهان ودليل... هذا ما تعلمناه من مدرسة "جبران تويني" وهو بحد ذاته من صميم تعاليم الإسلام والمسيحية، فالأبيض أبيض ولو ألبسوه السواد، والأسود أسود ولو صبغوه بالبياض، والشريف شريف ولو رموه بالخيانة والخائن خائن ولو ادعى المقاومة؛ أما عن قسَمه في ساحة الحرية والذي ردّده من قلبه مع مليون ونصف المليون من أبناء "ثورة الأرز" فأقول ختامًا لجبران: لو لم يكن من إنجازات حياتك إلا قسَمك الشهير لكفاك كي تكون بطلاً من بلادي.
* * *
* * *
ها هو العام 2014 يشارف على نهايته حاصدًا معه في لبنان كمًا كبيرًا من الحوادث تتراوح جميعها بين المأسوية والدراماتيكية والتراجيدية، كيف لا ولبنان لا يزال منذ العام 2005 يرزح تحت نير احتلال إيراني إرهابي تكفيري دموي مجرم بعد أن سلّمه النظام الأسدي راية الاحتلال والوصاية!
"ثورة الأرز" تتنقّل "واثقة الخطى" من نكسة الى نكبة ومن نكبة الى نكسة، كيف لا وقرار ما يُسمى زورًا (أو لنقُل تفاؤلاً) "تحالف 14آذار" مصادَر من نقطة ضعفه وخاصرته الرخوة "تيار المستقبل" الماضي بسياسته الانهزامية الانبطاحية حتى "الإتيان بأجَل" لبنان، وهو المؤتمِر أولاً وآخرًا بالمراسيم الملكية السعودية!
في المقابل، "الثورة الخمينية" الدموية تحقق النجاحات تلو النجاحات أمنيًا وسياسيًا؛ أمنيًا مستخدمة "صحوات المستقبل" وما تيسّر من جيش وأجهزة أمنية لتنفيذ مشروعها تارة عن طريق التنسيق (احتلال الطُفيل نموذجًا عقب إشراك الوزير القبضاي نهاد المشنوق القيادي الميليشيوي وفيق صفا في اجتماع رسمي لقادة الأجهزة الأمنية)، وتارة عن طريق التوريط (عرسال وطرابلس)؛ أما سياسيًا فمستثمرة في "تخالف (بالخاء) 14آذار" ومستعملة دهاء آخر الحكّام المنصَّبين "الى الأبد" "نبيه بري" (23سنة في رئاسة المجلس) للإجهاز على ما تبقى من ديمقراطية في لبنان بواسطة البرلمان نفسه ومن داخله، والحصيلة حكومة ائتلافية شكلاً وإيرانية مضمونًا، فراغ في الرئاسة الأولى وتمديد ثان منحه النواب لأنفسهم وحياة تشريعية منقرضة. وآخر العنقود جَلْب "المستقبل" الى حوار دجل وتقية تقطيعًا للوقت وتمهيدًا للاعتذار من "عون" و"جعجع" وإعلان اسم الموظف الذي سيُعيَّن بأمر فارسي وموافقة سعودية ليرعى الاحتلال الإيراني لكن برتبة "رئيس للجمهورية".
الصُعُد المعيشية والاجتماعية والتربوية لا تقل قذارة عن الأوضاع السياسية بحسب ما كشفه العام2014؛ الشهادة اللبنانية ضُربت في الصميم بعد أن حلّت الإفادات مكان الشهادات وراح الطلاب ضحية صراع على سلسلة الرتب الرواتب لا يخلو من فساد وشعبوية وسياسة. طعام الناس وشرابهم ومعظم غذائهم ملوَّث ضربه الفساد واندست فيه الأمراض وهو في أحسن أحواله غير مطابق للمواصفات. فضائح غذائية لا سابق لها، كيف لا ونحن في بلد محتل قلَّ فيه الإيمان ومات فيه الضمير حتى سمح البعض لأنفسهم إطعام الناس الموت البطيء بجرعات قاتلة لا بأس بها وبالتقسيط!
رائحة الفساد لم تكتفِ بالأمن الغذائي بل طاولت الجهاز الديني، فما إن أُقفلت قضائيًا ودون محاكمة ملفات الفساد المالي للمفتي السابق "محمد رشيد قباني" ونجله بتسوية فضائحية دعَمه فيها الحزب الإرهابي ونال بموجبها منزل الإفتاء التابع لدار الفتوى ليصبح فوق الفساد هدية! حتى فاحت رائحة الفساد من الأوقاف الكنسية، تقارير موثقة بالصور عن تشييد قصر لأحد المقربين من البطريرك الراعي على أراضٍ وقفية ومحمية طبيعية دون مقابل مالي، وكلام عن فساد إداري كنسي وصفقة في حرج حاريصا؛ كل ذلك وسط تساؤلات عن خلفية إبعاد البطريرك "صفير" السيادي عن سدة البطريركية والإتيان بآخر بعيد كل البعد عن ثوابت بكركي الوطنية.
جيو-سياسيًا كان عام إحكام القبضة الإيرانية على لبنان تعويضًا عن انكسار الهلال الفارسي في العراق وسوريا. أما محليًا فعام انقلاب تيار المستقبل على تعهداته وعودته الى السلطة برتبة صحوات. عام حيازة الاحتلال الإيراني على الغطاء السني-الحريري بعد الغطاءين المسيحي-العوني والدرزي-الجنبلاطي ليستكمل إرهابه في لبنان وسوريا بحصانة "ميثاقية". عام تنصيب الفراغ رئيسًا للجمهورية. عام استيراد الحزب الإرهابي المعركة السورية الى لبنان كنتيجة طبيعية لتصديره إرهابه الى سوريا. عام عودة الحريري الى لبنان بأمر سعودي ومهمة ملكية غامضة وبضمانات أمنية حزبية ثم عودته الى منفاه الاختياري عملاً بالأوامر الملكية. عام مأساة أسر العسكريين اللبنانيين بعد توريط الحزب الإرهابي الجيش اللبناني في معركة "القلمون2" على أرض عرسال البقاعية. عام الإجهاز على الديمقراطية بتمديد النواب لأنفسهم فترة ثانية. عام عرقلة الحزب عملية المقايضة لتحرير العسكريين اللبنانيين وفضيحة مقايضته أحد إرهابييه المأسور في سوريا بموقوف قيد المحاكمة تسلّمه عبر الأمن العام من المحكمة العسكرية. عام الانتقام من طرابلس بعد عرسال وتشديد القبضة الإيرانية على البيئة السنية. عام عودة حوار الدجل والتقية والحجة الاستغبائية الحريرية "تخفيف الاحتقان السني-الشيعي".
تعدّدت التسميات والمأساة واحدة، بيْد أنه لا يأس مع الإيمان بالله تعالى لذا يبقى الرجاء أن يحمل العام 2015 الحرية والتحرُّر للشعب اللبناني بانتقال قوى 14 آذار من استراتيجية تغطية الاحتلال الإيراني الى استراتيجية مواجهته؛ وعلى أمل أن نصبح على حرية ووطن ميلادًا مجيدًا ومولدًا شريفًا وكل عام وأحرار لبنان بخير.
* * *
* * *
* * *
* * *
التعليقات (0)