مجموعة مقالات عبدو شامي لعام 2013
* * *
تتهموننا أننا نضع أقنعة على وجوهنا لنخفي حقيقة هويتنا، وتقولون إن تحت القناع أقنعة وأقنعة وما خفي كان أعظم، اليوم سنريحكم مسقطين جميع الأقنعة، فالأمر لا علاقة له من قريب أو بعيد بلبنانيين مقيمين في قرى شيعية في الداخل السوري نقوم بالقتال دفاعًا عنهم، كما أن وجودنا العسكري في سوريا غير مرتبط بحماية مرقد من هنا أو حسينية من هناك، حقيقة الأمر أنه إذا كان البعض "يحلم بإسقاط النظام عسكريًا، فلسوريا في المنطقة أصدقاء حقيقيين لن يسمحوا لسوريا أن تسقط في يد أميركا أو إسرائيل أو يد الجماعات التكفيرية"، "الرد الاستراتيجي هو فتح جبهة الجولان أمام المقاومين"، "حافظوا على أسس القوة في محوركم، لذلك فإن كل سعي جاد هو لمنع سقوط سوريا، فهذه هي معركة القدس والمسجد الأقصى وفلسطين".
هذا ما قاله أمين عام حزب الإرهاب المنظم العابر للحدود في 30 نيسان و9أيار، في خطابين هما على ما حوياه من كذب وتضليل يعتبران من أصدق ما تفوّه به منذ عام 1982.
أدرَك أن حجتي القرى الشيعية والمراقد لم تنطليا على أحد -باستثناء شعبه- لتسويغ انغماسه في إراقة دماء السوريين، فقال خذوا هاتين الحجتين علّهما تنطليان عليكم، قتالنا في سوريا هو منعًا لسقوطها في يد المحور الأميركي-الإسرائيلي، ولأن طريق القدس تمر في حمص وريف دمشق!
صدق عندما تخلّى عن الحجتين الأوليين، غير أنه وضع مكانهما حجتين أعظم كذبًا وبهتانًا، هي استراتيجية التقيّة الخبيثة ذاتها، قرّر التخلي عن أقنعة ليستبدلها بأخرى.
لن نستفيض في الرد على افتراءات الإرهابيين، فقد باتت الردود التي نسمعها وسمعناها من الإستقلاليين -ولا أقول قوى 14 آذار، لأنها انتقلت الى رحمته تعالى منذ نحو ثلاثة أشهر، وللحديث تتمة- تلك الردود باتت على قدر مهم من الاقناع كافٍ لإقامة الحجة على الإرهابيين وكشف ترّهاتهم وتعريتهم من أقنعتهم.
وكالعادة، من سوى "حكيم ثورة الأرز" ليأتي بالرد المفحم المستند الى أسس المنطق وحقائق التاريخ، فقد علّق الدكتور سمير جعجع على تلك الترهات سائلاً ومجيبًا ومستنتجًا في آن معًا: "طالما أنتم مدركون أن المقاومة الشعبية في الجولان ممكن أن تؤدي الى تحريره، فلماذا انتظرتم أربعين عامًا للبدء بها؟ لأنكم تعلمون أكثر من غيركم أن هذه المقاومة الشعبية لن تؤدي الى أي مكان، ولكن اذا كنتم تعرفون أنها كانت ستُعطي نتيجة ولم تسمحوا بها، اذاً أنتم خونة".
وإذا كان صدور هذا الرد عن "حكيم ثورة الأرز" متوقعًا، وكذلك سيل الردود الجارف الذي تدفّق عبر الساسة الذين جمعتهم -المغفور لها بإذنه تعالى- قوى 14آذار، فما كان غير متوقع هو أن ينبري الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" للرد شخصيًا عبر وسائل الإعلام على أمين عام "حزب ولاية الفقيه" في لبنان، قائلاً لنصر الله في 12/5/2013: "نحن المحور الأميركي-الإسرائيلي"، في أوّل وأقوى رد من نوعه يصدر عن الرئاسة الإيرانية التي ربما لم تعد تحتمل أضاليل قائد فيلقها في لبنان وبلاد الشام!
لا ترهق نفسك عزيزي القارئ بالبحث عما إذا كان هذا الاعتراف أو الرد صدر حرفيًا على لسان الرئيس الإيراني، لأنك لن تجده، فقد فضّل التعبير عنه بطريقة أكثر بلاغة وصراحة، قولاً وعملاً، لكن دون أن يستخدم أيًا من تلك الكلمات، وذلك من خلال إعلانه عن دعمه ترشيح نائبه الأول ومدير مكتبه وحمو ابنته "إسفنديار رحيم مشائي" للإنتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة؛ نعم هو "اسفنديار رحيم مشائي" نفسه الذي صرّح في 20/7/2008: "إن إيران اليوم هي صديقة الشعب الأميركي والشعب الإسرائيلي. ما من أمة في العالم هي عدوتنا وهذا فخر لنا". وأوضح : "إننا نعتبر الشعب الأميركي من أفضل شعوب العالم". وهو "مشائي" نفسه الذي أكّد في 23/7/2009 أن تصريحاته السابقة حول صداقة الشعب الإسرائيلي عبّرت عن موقف حكومة الرئيس "محمود أحمدي نجاد".
في السابق قالها "محمد علي أبطحي" نائب الرئيس الإيراني في 13/1/2004 إن إيران "قدمت الكثير من العون للأمريكيين فى حربَيهم ضد أفغانستان والعراق"، مؤكدًا أنه " لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة". ثم عاد وكرّرها "مشائي" بعبارات أكثر بلاغة، واليوم يؤكّدها الرئيس الإيراني "نجاد" قولا وعملا: "نحن المحورالأميركي-الإسرائيلي"، فهل يُطلَب منّا بعد ذلك أن نصدّق القائم بالأعمال الإرهابية الفارسية في لبنان وبلاد الشام ونكذّب قادته في إيران؟!
* * *
* * *
لم تكن الرؤية يومًا بالوضوح الذي هي عليه اليوم. فبعد الاعلان المدوي للرئيس الإيراني "نجاد": "نحن المحور الأميركي-الإسرائيلي"، والذي ترجمه من خلال دعمه ترشيح "صديق الشعب الإسرائيلي" "مشائي" للرئاسة الإيرانية...ها هي إسرائيل تتدخل مجدّدًا لتضع النقاط على ما تبقى من حروف.
إذًا، لم يتوقف سيل الردود على كذبة القائم بالأعمال الإرهابية في لبنان وبلاد الشام على الأعداء والخصوم، بل تعاداهما ليشمل الحلفاء والمؤيدين، وآخر هؤلاء العدو الإسرائيلي الذي خرج عن صمته مرتين في الأسبوع المنصرم ليقول لـ"نصر الله": "كفى دجلاً على الشعوب، نحن والأسد وحزبك وإيران في خندق واحد"، وكأنها دعوة للتخلي عن "التقية" وانتهاج أسلوب الصدق والصراحة على ما فيه من وقاحة وفجور في مقاربة الوضع السوري، بحيث يكون الخطاب في العلن مطابقًا لما هو عليه في الخفاء منذ إنجاح أميركا وإسرائيل وأوروبا الثورة الخمينية في إيران عام 1979.
الرد الإسرائيلي الأول جاء على لسان الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي "أفرايم هاليفي"، الذي صرح لمجلة "فورين أفيرز" الأميركية في عددها المنشور في 12/5/2013: "إن بشار الأسد هو رجل تل أبيب في دمشق، وإن إسرائيل تضع في اعتبارها منذ بدأت أحداث الثورة السورية أن هذا الرجل ووالده تمكّنا من الحفاظ على الهدوء على جبهة الجولان طيلة 40 سنة، منذ تم توقيع اتفاقية فكّ الاشتباك بين الطرفين في عام 1974".
أما الرد الصهيوني الثاني فجاء عن طريق صحيفة "التايمز" البريطانية وعلى لسان كبار مسؤولي الاستخبارات الاسرائيلية، مكرِّرًا الرد الأول لكن بعبارات أكثر صراحة ووضوحًا قطعًا للطريق أمام أي تأويل أو تحريف، فعنونت "التايمز"في 18/5/2013:"إسرائيل تقول: الأسد يجب أن يبقى". وفي تقريرها تقول الصحيفة نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين إنّ "إسرائيل تفضّل بقاء بشار الأسد إذا كان البديل هو وصول المعارضة الإسلامية المسلّحة إلى السلطة. ثم تنقل عن مصادر استخباراتية إسرائيلية: "إنّ بقاء نظام الأسد، وإنّ بصورة أضعف، هو أفضل خيار لإسرائيل وللمنطقة المضطربة".
هذه "الانتفاضة" الصهيونية المفاجأة في كشف المستور لقلة من الناس، وتأكيد المفضوح لكثرة منهم، تعيدنا بالذاكرة القريبة الى ما قاله العارف بخبايا وكواليس "حزب الإرهاب المنظم"- والذي سبق له أن صرّح أن سبب انسحابه أو إبعاده من "الحزب" إنما كان لرفضه المضي بما وافق على المضي به الأمين العام الحالي للحزب- فقد قال الشيخ "صبحي الطفيلي" في 25/2/2013: "حزب الله يورط الشيعة، ودخوله في الحرب الدائرة في سوريا يخدم العدو الاسرائيلي". وحول ما اذا كانت اسرائيل تتحضر لتوجيه ضربة الى الحزب، ابتسم "الطفيلي" قائلا: "إن اسرائيل حريصة في هذه الأيام أشد الحرص على حزب الله، لانه يقدم لها خدمات جليلة بقتاله في سوريا الى جانب النظام السوري".
أما عن أسباب والدوافع وراء قرار العدو الصهيوني اللجوء الى هذا القدر من الصدق والصراحة في موقفه المعلن من "ثورة الشعب السوري" على رجل إسرائيل الأول في المنطقة، فلا يمكن فصله عن أمرين لم يبقيا للستر غطاء:
الأول: افتضاح كذبة "الخط الأحمر" التي أطلقها الرئيس الأميركي أمام العالم؛ فبعدما أعطى الضوء الأخضر ل"الأسد" لإبادة شعبه بكافة أنواع الأسلحة باستثناء الكيميائي منها، قائلاً في 20/8/2012:"سنتدخل عسكريًا إذا حرّكت دمشق الكيميائي(...)، المسألة خط أحمر بالنسبة إلينا ستغير قواعد اللعبة وستكون لها عواقب هائلة"، سارع "أوباما" بعدما ثبت لديه استخدام "الأسد" ذلك السلاح ضد شعبه، سارع الى محو هذا الخط فنفى في 4/5/2013"التحضير لسيناريو يشمل إرسال جنود أمريكيين إلى الأراضي السورية"، معتبرًا أنها "خطوة ليست جيدة للطرفين: الأمريكي والسوري".
أما الأمر الثاني وراء الصراحة الإسرائيلية، فهو بلا شك الإرباك، بل الرعب الذي يسببه لإسرائيل التقدّم الكبير الذي يحرزه ثوار الحرية والكرامة الأبطال على الأرض في ميادين القتال، تحريرًا لسوريا من المحور الأميركي-الإسرائيلي وحلفائه، هذا الذعر الذي دفعها للتدخل عسكريًا من خلال قصفها عدة مخازن لأسلحة كيميائية وأخرى ذات أهمية استراتيجية في دمشق وسواها من المدن السورية، لا لأنها يتم نقلها الى "الحزب" في لبنان" كما روّج الإعلام الصهيوني رفعًا لأسهم الحزب الإيراني المفلس، إنما تفاديًا لـ"كارثة" انتقالها من "الأيدي الأمينة" (وهو التعبير المعتمد من الإدارتين الأميركية والصهيونية لدى الحديث عن الجهة المسيطرة على الكيميائي، أي النظام الأسدي)، ووقوعها في "الأيدي غير الأمينة" أو "الخطأ" (بحسب أدبيات إسرائيل وأميركا أيضًا)، أي أيادي "الجيش الحر" بعدما أدركت إسرائيل أن كتائب الأسد لم تعد قادرة على حماية المواقع التي أقدمت على تدميرها.
بناء على ما تقدّم، فإننا سنشهد في الأيام القادمة تدخلات إسرائيلية "بالجملة والمفرّق" لتدمير مخازن ومواقع الأسلحة الكيميائية والاستراتيجية في سوريا (بما فيها شحنة الصواريخ الروسية المتطورة الأخيرة، وهو ما أبلغه نتنياهو بالتأكيد للروس في لقائه الأخير معهم)، وذلك كلما تيقنّت إسرائيل من قرب سقوط أي من تلك الأسلحة الخطيرة في أيدي الثوار، تحت ذريعة منع "نقلها الى الحزب"، وهي الذريعة التي آن لاسرائيل أن تصارحنا بحقيقتها بعدما كشف حقيقتها أهل البيت أنفسهم.
* * *
* * *
تذكرني خطابات أمين عام "حزب الإرهاب المنظم" أو "دجال المقاومة" كما أسماه ثوار الحرية والكرامة في تظاهراتهم الجمعة الماضية، تذكرني بتمرين (True or False)التقليدي الذي تعتمده كتب تعليم اللغة الانكليزية، حيث يورد الكتاب نصًا معيّنًا متبوعًا بسلسلة جمل ذات صلة مباشرة بموضوع النص، غير أن منها الصحيح، ومنها ما تم التلاعب فيه بتاريخ أو عدد أو معلومة ما، وعلى الطالب أن يكتب الى جانب كل جملة: صح (T) أو خطأ(F)، للتأكد ما إذا كان فهم بشكل صحيح ودقيق ما قرأه آنفًا.
وتفاديًا لتضييع الوقت وإراقة الحبر في إيراد جمل كاذبة فرعية وردت في خطاب 25أيار2013والاجابة عليها بـ (صح( أو (خطأ)، نكتفي بعرض الجملة الرئيسة (the topic sentence) التي إذا ما نُسفت انهار معها محتوى الخطاب بكامله.
"إنهم (ثوار سوريا) يقدمون أوراق اعتماد عند الاميركي والاسرائيلي، أننا نحن جاهزون لننتقم من المقاومة التي صنعت الانتصار في الـ2000، والتي أسقطت مشروع الشرق الاوسط الجديد في الـ2006". الجواب: (F)خطأ، بل كذب وبهتان.
لن نستفيض في تفنيد الشق الأول من هذا التضليل مثلّث الأضلع، فثوار الحرية والكرامة إنما تخلى عنهم وشارك في ذبحهم كل العالم من "عرب وعجم" بسبب رفضهم تقديم أوراق اعتماد لدى الأميركي والإسرائيلي، أي التعهّد بأن حكمهم سيكون امتدادًا لعمالة "رجل تل أبيب في دمشق"، على حد وصف رئيس الموساد السابق "أفرايم هاليفي" في 12/5/2013.
أما بالنسبة لما وصفه بـ"الانتصار في الـ2000"، فقد فضح زيفه الأمين العام الأسبق للحزب الإيراني الشيخ "صبحي الطفيلي" في 30/12/2012، كاشفًا أن "انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في العام 2000، تمّ بالاتفاق بين إيران وإسرائيل"، لافتًا إلى "أننا نتحدث عن واقع وقع، ومقاومة انتهت بالاتفاق بين الإسرائيليين والقيّمين على هذه المقاومة من خلال انكفاء سلاحها إلى قضايا أخرى كالفتنة السنيّة-الشيعيّة التي نعيشها اليوم". على ذلك، فإن ما يسمى "عيد المقاومة والتحرير" ليس أكثر من تسمية دعائية تضليلية لانسحاب تكتيكي إسرائيلي من جنوب لبنان بشكل مدروس ومخطط له بعناية، استثنى مزارع شبعا كذريعة لضمان احتفاظ الحزب الإيراني بسلاحه استكمالاً لبنود الخطة الصهيو-إيرانية.
أما الضلع الثالث من مثلّث الأضاليل، وهو زعمه أن "مقاومته" "أسقطت مشروع الشرق الأوسط الجديد عام 2006"، فما حدث في ذلك العام كان مسرحية أتقنها بطلاها بامتياز، أما الحرب الحقيقية فكانت لتخوين وإسقاط "حكومة الاستقلال الثاني" التي أضعفت نفوذ المحور السوري-الإيراني المدعوم صهيو-أميركيًا، فكان أن طالت الحرب الدولة اللبنانية وحدها: بشعبها وجيشها وجسورها وطرقاتها ومطارها ومرفئها وبناها التحتية وسياحتها واقتصادها. هذا في لبنان، أما في العراق فاستغلت مسرحية تموز على مدى 33يومًا لصرف الأنظار عن عمليات التطهير المذهبي التي بلغت أوجها في ذلك التاريخ بواسطة ميليشيات الإرهاب الإيراني، لتقسيم العراق الى ثلاث دول وفقًا لمشروع الشرق الأوسط الجديد.
أما الشق السوري-اللبناني من مشروع الشرق الأوسط الجديد، فينص بحسب الخرائط المنشورة له الى ربط البقاع اللبناني (حيث نفوذ الحزب) بحمص باتجاه الساحل السوري حيث الكثافة العلوية، ومن ثم إقامة دولة علوية-شيعية على تلك الرقعة، وهذا الشق هو الذي يسخّر لتطبيقه اليوم الحزب الإرهابي كافة إمكاناته العسكرية بدعم صهيوني-دولي، ومفتاحه اسقاط مدينة القُصير السورية بريفها وقراها، ما يعني فتح الممر الاستراتيجي على الساحل العلوي حيث يقوم النظام الأسدي توازيًا مع ذلك بعمليات تطهير مذهبي لافراغه من قراه السنية إبادة أو تهجيرًا. ولا شك أن التركيز اليوم على منطقة "القصير" إنما يأتي تنفيذًا للخطة (ب)، بعدما فشلت إيران ومَن وراءها في تطبيق الخطة (أ) الرامية الى القضاء على الثورة السورية وإبقاء كامل سوريا في قبضة الأسد.
من هنا، فإن "ثوار سوريا الأبطال" وفي "القصير" تحديدًا، لا يقومون بتحرير بلدهم من المحور الأميركي-الإسرائيلي فحسب، إنما يخوضون معركة إسقاط مشروع الشرق الأوسط الجديد في سوريا، وهدم ما تحقق منه في لبنان والعراق وفلسطين.
تبقى الاشارة أنه على الرغم من كمّ الاضاليل التي حواها الخطاب الأخير بقي للصدق مكان في قول "مقاول" مشروع الشرق الأوسط الجديد في لبنان وسوريا: "ثمة فيتوأمريكي، فممنوع أن يتسلح أي جيش عربي إذا كان هذا السلاح ضد إسرائيل"، لكن هذا الجملة التي نضع الى جانبها حرف (T) بالخط العريض، إنما تفتح علينا بابًا لأسئلة كثيرة، منها: ألا ينسحب هذا "الفيتو" على مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة وخصوصًا الصواريخ التي تصل إلى الحزب أساسًا تحت إشراف وموافقة طائرات العدو الاستطلاعية التي لا تفارق الاجواء اللبنانية، فضلا عن الأقمار الصناعية التجسسية التي تستطيع رصد أدق الاشياء والتضاريس والتفاصيل في الجنوب اللبناني؟! وألا يعتبر صاروخ "سكود" الذي يمتلكه النظام السوري فضلا عن السلاح الكيميائي الذي يصنّعه، داخلاً في "الفيتو" الصهيوني المذكور؟! أم أن هناك ضمانات بعدم استخدام تلك الأسلحة إلا في الداخل اللبناني والسوري، وفي تلال ووديان وأحراج الجليل المحتل، وضد أحياء العرب في حيفا؟!
* * *
* * *
بعد صراع مع المرض دام 23 سنة وستة أشهر، سقط صريعًا في عشر دقائق استغرقتها عملية التوافق الإجرامي على تركيبة المادة السامة التي جرى حقنه بها، ليتم عقب ذلك الإعلان عن الجريمة البشعة على أنها عملية "قتل رحيم" فرضتها "ظروف استثنائية" وكان لا بد منها تجنبًا للأسوأ!
لا أتحدث عن النظام الديمقراطي في لبنان بقدر ما أعني "اتفاق الطائف" الذي قُضي عليه عمليًا بتمديد مجلس النواب لنفسه سنة وخمسة أشهر في جلسة خاطفة وبأكثرية بلغت 97 نائبًا ،قاطعها دعائيًا أو جسديًا 20 نائبًا من "التيار العوني"، لتطوى معها صفحة الجمهورية الثانية لمصلحة الجمهورية الثالثة أو "الجمهوريات" الثلاث.
منذ اندلاع ثورة الحرية والكرامة في سوريا في 15/3/2011، و"حزب الإرهاب المنظم" يعمل توازيًا على خطين ذهابًا وإيابًا:
الخط الأول، وضع الحزب فيه كافة إمكاناته الإرهابية في تصرف "الأسد"، منعًا لانفراط عقد الهلال الفارسي المدعوم صهيو-أميركيًا.
أما الخط الثاني، وهو طريق الرجعة، فقد عمل الحزب فيه على إبقاء لبنان مستقرًا في قبضته، بحيث إذا خسر سوريا بقي قادرًا على التعويض عن جزء من خسارته بمكسب استراتيجي يفرضه على مكونات الشعب اللبناني. وقد عبّر الحزب عن مخططه هذا بوضوح في 1/6/2012، عندما دعا أمينه العام الى: "عقد مؤتمر حوار وطني وليس فقط طاولة حوار وطني، بل تطويرها إلى مؤتمر تأسيسي أو إلى مجلس خبراء جديد". وتساءل "ألا نستأهل نحن كلبنانيين ذلك قبل أن نصل إلى المدافع؟".
مع اشتداد وطأة المعارك في سوريا، بدأ الحزب يقتنع أن سقوط "الأسد" أمر وارد إن لم يكن حتميًا، وبالتالي لا بد من إعداد العدة تأمينًا لطريق العودة؛ اتخذ القرار في 22/3/2013 بوضع مخططه في لبنان على صفيح ساخن، حيث أطلق شرارة الإفراغ المنهجي لمؤسسات الدولة اللبنانية من خلال أمره الموظف الذي عيّنه ليرأس حكومته بالاستقالة في توقيت حساس جدًا، كان مطلوبًا فيه من الحكومة إقرار هيئة الإشراف على الانتخابات النيابية انقاذًا للاستحقاق الانتخابي من فخ التأجيل، وللاستحقاق الرئاسي المرتبط بالنيابي والمقرر بعد عام من شبح الفراغ، والحؤول دون شغور مركز المدير العام لقوى الأمن الداخلي، سواء من خلال التمديد للواء "أشرف ريفي" الذي دخل سن التقاعد أو تعيين خلف له، وفيما بعد تعيين خلف لقائد الجيش الذي ناهز سن التقاعد أيضًا.
أما بالنسبة لمهمة جنرال الرابية، فقد أنجزها بنجاح بمعاونة من رئيس حركة أمل "المتسلبط" على رئاسة مجلس النواب بقوة السلاح الميليشوي منذ عام 1992، وقد نصت هذه المهمة على استنفاذ جميع المهل تمهيدًا للوصول الى تأجيل الاستحقاق النيابي، وكان مفتاح الخطة إعادة نبش قانون الانتخاب الارثوذكسي من الجوارير التي وضع فيها عام 2011 بعدما طرحه "حزب القوات اللبنانية" ولاقى رفضًا من الجميع بمن فيهم "جنرال الرابية" نفسه.
لعب الجنرال بإيحاء حزبي على الوتر الطائفي، وبدأ يزايد على خصومه المسيحيين شعبويًا وشعبيًا، واضعًا إياهم أمام معادلة إما أن تمضوا معي في هذا القانون الذي ينتج 64 نائبًا مسيحيًا بأصوات المسيحيين، وإما أن تكونوا المفرطين بحقوق المسيحيين. نجح في احراجهم، وبالتالي استدرجهم الى إعادة اعتماد القانون الأرثوذكسي بمساندة من بطريرك المحور السوري-الإيراني بشارة الراعي. وقد كانت هذه المهمة كفيلة بتسرّب خبر وفاة قوى 14آذار الى العلن، بعد موت سريري دخلت دوامته بشكل جدي منذ عام 2009، فكانت تلك القوى المفكّكة أعجز من أن تتوافق فيما بينها على قانون انتخاب موحّد.
توازيًا مع ذلك، كان خاطف مجلس النواب ينفذ مهمته بإحكام، من خلال إعلانه أنه لن يدعو الى جلسة لإقرار مشروع انتخابي يغيب عنها مكونان لبنانيان أساسيان هما الطائفتان السنية والدرزية، وذلك عقب تعبير "المستقبل" و"الاشتراكي" عن رفضهما لهذا القانون الذي من شأنه أن يؤدي الى فرز طائفي حاد يطيح بالصيغة التي قام عليها لبنان.
خلف هذا المشهد التدميري والمخطط له بعناية، كان قائد العمليات الحقيقي يُظهر نفسه على أنه مجرّد مشاهد ومستمع، لا يبتغي أكثر من تأييد أي قانون انتخابي يتوافق عليه المسيحيون فيما بينهم!
استنفذت المهل الدستورية، فما كان من المجلس النيابي إلا أن قرر التمديد لنفسه بذريعة انقاذ المجلس من الفراغ، وتعذّر إجراء الانتخابات وفقًا لقانون الستين القائم بسبب الأوضاع الأمنية المتوترة لا سيما في طرابلس، فضرب الاستحقاق الانتخابي الديمقراطي الوحيد المتبقي في دستور الطائف، ومنع اللبنانيون من ممارسة أبسط حقوقهم الدستورية.
هذا، وقد وزّع "حزب الإرهاب المنظّم" جوائزه على فريق عملياته بعد إنجازه المهمة بنجاح على النحو التالي:
الرئيس "نجيب ميقاتي": كانت مكافأة نهاية خدمته أن أتاح له الحزب فرصة الادعاء بأنه قدّما ستقالته ردًا على رفض الحزب وملحقاته التمديد للواء ريفي، ليظهر بمظهر الغيور على مصالح طائفته إنقاذًا لشعبيته في مدينته طرابلس. كما سيوفر له فرصة البقاء على رأس حكومة تصريف أعمال الى أجل غير مسمى بفعل عرقلة مهمة الرئيس المكلف "تمام سلام".
الجنرال ميشال عون: أتاح له الحزب فرصة مقاطعة جلسة التمديد، ثم الطعن به أمام المجلس الدستوري، ليظهر على أنه المؤتمن على حقوق المسيحيين وعلى الدستور، ولذلك بقي متمسكًا بإجراء الانتخابات على قانون يناسبهم في الوقت الذي وقّع فيه الجميع على التمديد.
رئيس "حركة أمل"، ضمن له الحزب البقاء في منصبه سنة وخمسة أشهر على أقل تقدير، وأبعد عنه شبح خسارته، ولا سيما أنه ثمن بيعه مبادئ سلفه والمضي رغبًا أو رهبًا في مشروع الحزب الإيراني.
أما مكافأة الحزب الحقيقية، فهي أقرب الى جائزة ترضية يدخرها لنفسه الى حين سقوط نظام الأسد، فعندها لن يجد أمامه خيارًا سوى نقل جبهته العسكرية الى الداخل اللبناني، حيث سيجر الجميع في ظل الفراغ الدستوري والمؤسساتي والأمني الذي أحدثه الى مؤتمر تأسيسي تدميري على وقع أصوات المدافع، يتنزع من خلاله مطلبه المزمن بالمثالثة مع امتيازات للطائفة التي يحتكر قرارها بدعم دولي.
* * *
* * *
هي مناظرة بين منطق السلاح الشرعي و"منطق" السلاح الميليشيوي؛ هكذا كانت حلقة 3/6/2013 من برنامج الإعلامي "وليد عبود" "بموضوعية"، والتي استضاف فيها العميد في الجيش اللبناني "جورج الصغير" والعميد في "حزب الإرهاب المنظم" الإيراني "أمين حطيط".
ففي معرض محاولته إيجاد "فلسفة" ما لتشريع ميليشيا حزبه، قال "حطيط": "إن المقاومة استعادت من الدولة هذه الوظيفة لأن الدولة لم تقم بما عليها".
استفز هذا الادعاء المناقبية العسكرية والقيم الوطنية التي يحملها الجنرال "جورج الصغير"، ما دفعه الى الانتفاض لكرامة الجيش اللبناني قائلاً: "اذا أزلنا الجيش من بلد لا يبقى سوى رقص السعادين، هكذا يقول "بيسمارك"، والسعادين لا تزال ترقص منذ ال 75 الى الآن،(...) وكلهم يربّحوننا جميلة(...)، ويعطون الحق لأنفسهم بالاستقواء علينا وبإلغائنا،(...). رقص السعادين يجب أن يتوقف، والأجندات الخارجية يجب أن تقف، ونكون نحن كجيش لبناني الأمة، فالجيش هو الأمة كما يقول نبوليون".
هنا، يقاطعه الاستاذ "وليد عبود" قائلاً: "لكن، يقول لك العميد حطيط إن الجيش لا يملك القدرات".
فيرد ابن المؤسسة العسكرية قائلاً: "حسنًا، سأحدِّثك عن القدرات؛ سوريا لديها كل القدرات، وهي منذ 40 سنة تحتل شعبها داخليًا تحت ستار أننا نحارب إسرائيل، لا يحق لكم أن تمسّوا نظامنا، وعملوا الثروات وكل ما يخطر في بالك، ثم عندما تأتي إسرائيل الآن وتضرب سوريا أوّل مرة وثاني مرة لا تفتح سوريا فمها". ويتابع مبيَّنًا أن المسألة ليست مسألة توافر قدرات من عدمه، إنما مسألة حلف بين إسرائيل وإيران، وأن "قتال" الحزب في الجنوب إنما يندرج في "أجندا بين إيران إسرائيل على قاعدة: اضربني لكي اضربك لأبقى أنا موجودًا وأنت موجودة".
ويكمل العميد شارحًا: "الشعب الفارسي يلتقي مع الشعب اليهودي، وهذه عمرها 2500 سنة، فعندما جاء نبوخذ نصّر سبى اليهود من أورشليم، وأخذهم الى بابل، جاء بعد ذلك قورش، كسر الأشوريين ورد اليهود الى إسرائيل، ومنذ ذلك الحين نشأ حلف مقدّس ما بين الفرس واليهود ما زال قائمًا حتى الآن، وقد تجلّى بقصف المفاعل النووي لـ"صدّام حسين"، لأن "صدام حسين" لو عنده القنبلة النووية كان أسقطها على إيران؛ وتجلّى هذا الحلف أيضًا بأنه سارعت إسرائيل سنة 1986 بما يعرف -بإيران غيت- الى إيصال قطع الغيار العسكرية الأميركية الى إيران لكي تقف في وجه صدام، رغم أن الكونغرس الأميركي كان مانع هذا الأمر. أكثر من ذلك، عندما كان ينشب خلافًا بين الرئيس حافظ الأسد والإمام الخميني، كانت تترجم هنا في لبنان حربًا بين أمل وحزب الله،(...) كانت سوريا تسلّح حركة أمل، وإيران تسلّح حزب الله،، لكن بما أن إيران بعيدة كانت إسرائيل أحيانًا هي من تقوم بهذه المهمّة، ولدي (preuves) إثباتات على ذلك:
في عين بسوار سنة 1982، عندما كانت أمل تحاصر حزب الله في هذه القرية التي خلْفها ميليشيا لحد والإسرائيليون، في ليلية ليس فيها ضوء قمر، فتحت إسرائيل ولحد الطريق لحزب الله ، ودخلوا وكبّوا حركة أمل في البحر، ومن كانوا في عين بسوار يعلمون جيدًا ما أتحدّث عنه. أهم من ذلك، في كفرحونا سنة 1989، مرّ حزب الله بمواكبة إسرائيلية أمام ضيعة كاملة -ودَع أهالي كفرحونا يرْوون لك هذه الحادثة- لكي يمكِّنوا الحزب من مواجهة حركة أمل وينشب القتال بينهما".
ويرجع العميد "الصغير" الى الجذور التاريخية التوراتية لهذا الحلف لتدعيم نظريته، فيقول:"هذا الحلف المقدّس الفارسي-اليهودي، جاء في إصحاح اشعيا، الإصحاح 45 الآية 1، يقول: (هذا ما يقوله الرب لقورش مختاره[مع انهم كانوا زردشتيين!!] الذي أخذْتُ بيمينه حتى أُخضِع أمامه أُمَمًا وأكسِرَ شوكة ملوك لأفتح أمامه أبوابًا لا توصد في وجهه)، ولا تزال هذه الأبواب مفتوحة اليوم، والحلف الفارسي-اليهودي موجودًا، وهم يضحكون [بعدائهم]على العالم، وإسرائيل تتمنى أن تمتلك إيران القنبلة النووية، لأنها بذلك تخلق التوازن ما بين إيران النووية وإسرائيل النووية، على نحو ما كان الأمر عليه أيام الاتحاد السوفياتي، لا أحد يهجم على أحد، وهكذا يكون أمام إسرائيل الوقت لتنشئ دولتها اليهودية".
المرتكزات القوية للعميد "الصغير" من وقائع وأبعاد تاريخية، ألجأت العميد "حطيط" الى الاعتراف الضمني بأن خصمه قد أحرجه وأقام عليه الحجة، وهو ما تجلّى في استناد "حطيط" في ردّه الى نقطتين واهيتَين جعلتا من الدكتوراه التي يحملها موضع تساؤل!
فقد عمد "حطيط" أولاً الى الاستخفاف بعقول المشاهدين من خلال إيهامهم أن كلام "الصغير" لا ينطبق على المعايير العلمية في البحث، هكذا استنسابًا وبلا أدلة؛ حيث قال: "في المجال البحثي والنقدي تصنّف الأفكار المطروحة دائمًا الى ثلاث فئات: فئة الوضوح الظاهر، وهذا لا يستوجب كثير نقاش، وفئة الالتباس والشبهة، وهذا يلزم البحث والتعليل والتحليل، والفئة الثالثة هي المواضيع التي لا تستحق النقاش، عندما تكون آثارها ونتائجها ومفاعيلها قاطعة، والموضوع الذي طرحة الجنرال الصغير يصنّف في هذه الفئة الثالثة".
ثانيًا، لجأ "حطيط" الى تسفيه نظرية خصمه من خلال محاولته الحط من مكانة الخصم العلمية، أي الانتقال الى التهجّم الشخصي هروبًا من مناقشة الفكرة القوية الصادرة عن ذلك الشخص، حيث قال: "طبعًا جورج ضابط في الجيش اللبناني طالع جديد، وعنده ثقافته، صحيح مش عامل أركان ولا عامل دراسات جامعية، لكنه شاغل على نفسه، إنما وفقًا للمعايير التي نلتزمها في مجال البحث والنقاش، هذا الموضوع وفقًا لوضعه في الخارطة الدولية والاستراتيجية، لا يستحق النقاش".
بعد أقل من 48 ساعة على هذه المناظرة، جاءت الأحداث لتكذّب "حطيط" وتؤكّد نظرية الحلف الأبدي الإسرائيلي-الفارسي التي أيّدها "الصغير" مضيفة شاهدًا جديدًا على صحّتها؛ ففي 5 حزيران -تاريخ تسليم الأسد الأب الجولان الى العدو الصهيوني-، انفرد الإعلام الإسرائيلي منذ ساعات الصباح الباكر، بالحديث عن سيطرة الجيش الأسدي على مدينة القصير السورية البطلة، حتى إنه فاق بتغطيته تغطية القناة الرسمية الأسدية وقناة الحزب في لبنان، اللتَين بدأتا تنقلان بكل وقاحة الأخبار العاجلة نقلاً عن القناتين الإسرائيلتين الأولى والثانية! ومما تمّ نقله قول محلّل الشؤون الاستراتيجية والعسكرية للقناة الاسرائيلية الأولى إن "اسرائيل تعتبر هزيمة قوات المعارضة في القصير من انجازات الجيش العربي السوري، وهي تثبت أن الأسد لا يزال قادرًا على فرض السيطرة على جميع المدن التي احتلها مسلحو المعارضة، وانه بعد مرور أكثر من عامين على الثورة السورية فإن النظام يستعيد عافيته، ومصمم على دحر جميع المنظمات الإرهابية في البلاد، والتي تتلقى دعمًا عسكريًا وماليًا من دول مجاورة". ما ترك انطباعًا قويًا بأن الفرحة والبهجة في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي إيران لم يكن يضاهيها إلا فرحة تل أبيب!
أما سبب هذه الفرحة فهو أنه بسقوط القصير بعد 22يومًا من أفظع أنواع الإرهاب الأسدي-الإيراني المشترك، فُتح الممر الاستراتيجي على الساحل العلوي، حيث يخطط الأسد الى الانكفاء وإعلان الدولة العلوية، لنكون أمام فصل مهم من فصول مشروع الشرق الأوسط الجديد، الرامي الى إعادة تفتيت المنطقة إلى دويلات إثنية ودينية، بحيث تصبح اسرائيل دولة طبيعية منسجمة مع تركيبة محيطها ومحصنة أمنيًا، بصفتها دولة عبرية يهودية ذات قوة عسكرية ضاربة ومهيمنة في محيطها المؤلَّف من دويلات طائفية وإثنية ضعيفة.
يبقى السؤال: بعدما تبيّن أن سلاح الإشارة لدى الغزاة في ضياع وتخبُّط تامَّين، هل كان تحليق الطائرات الحربية الإسرائيلية الكثيف وغير المسبوق منذ عام 2006 في الأجواء اللبنانية والسورية، ولا سيما في الأسبوع الأخير من معركة القصير، يهدف الى تزويد الغزاة بإحداثيات أماكن تواجد الجيش الحر؟!
* * *
* * *
هي سياسة الأرض المحروقة، القضاء على الأخضر واليابس، أنا وبعدي الطوفان، أنا أو لا أحد...لم يخطئ من وضع هذا التوصيف في خانة ما يفعله المجرم "بشار الأسد" في سوريا، لكن أخطأ من ظن أن هذا التوصيف بعيد عما يفعله القابع على كرسي الإفتاء -على كره من أبناء طائفته- بمؤسسات الطائفة السنية في لبنان.
مع اندلاع "ثورة الحرية والكرامة" في سوريا، بدأت التحذيرات من امكانية افتعال النظام الأسدي وحلفائه المشاكل مع الطائفة السنية في لبنان بسبب موقفها الداعم لتلك الثورة المجيدة؛ مرّت الأيام، وها هي التوترات الأمنية تضرب أهم المدن والقرى السنية لتدفيعها ثمن انحيازها الى الحق، من عكار الى طرابلس الى صيدا الى عرسال، أما بيروت فقد سقطت في 7أيار 2008 ولا تزال رازحة تحت احتلال "حزب الارهاب المنظم" الى اليوم.
لكنْ في موازاة هذا "الإرهاب الميليشيوي" الممارَس من الخارج، ثمة "إرهاب فتنوي" ممنهج يمارس من الداخل، وهو يسير على قدم وساق باتجاه شق صف الطائفة السنية، وقسم ظهرها، وتشتيت شملها، وتفريق جمعها، وكشفها أمام المتربصين بها، وتدمير ما بقي صامدًا من مؤسساتها بعد 24 عامًا مريرًا من الادارة الديكتاتورية الفاشلة الممزوجة بلوثات التبعية وروائح الفساد.
مشهدًا مأسويا سوداويًا قاتمًا رسمه لطائفته مَن أحاط نفسه ببطانة وصولية استخباراتية بعثية-إيرانية، وصادق سفير الإجرام الأسدي، وفتح له أبواب دار الفتوى متحديًا مشاعر أهل السنة والجماعة في لبنان وسوريا:
مجلسان "شرعيّان" في بيروت يتنازعان الهيمنة على قرار الطائفة السنية؛ مفتيان في صيدا احتلّ أحدهما كرسي الآخر بقوة السلاح والعصابات الميليشوية؛ إفتاء زحلة والبقاع على وشك الاستقلال والانفصال عن المؤسسة الأم بعد إقالة مفتيهما بسبب جرأته في قول الحق ومواقفه الوطنية؛ إقالة مفتي عكار ومفتي بعلبك لرفضهما الإذعان للخط الأسدي والمشروع الفارسي وتعيين مقرّبين من ذلك الخط مكانهما لإحكام القبضة وتكريس التبعية؛ طرابلس والشمال بلا مفت بعد نفيه الى الخارج وتخلي من يشغل منصب مفتي الجمهورية عنه وعن عاصمة الشمال الأبية...كل ذلك وسط صمت علمائي آثم، وعجز معيب من رؤساء الحكومات السابقين عن اتخاذ أي إجراء مسلكي تأديبي يردع المفتن، فضلاً عن قرار الإقالة التي باتت إلزامية.
الخطير اليوم، أن تبعات سياسة التدمير المنهجي التي تطال مؤسسات "دار الفتوى"، لم تعد تقتصر على مصالح الطائفة السنية داخل الدولة اللبنانية، بل تعدتها -على ما يبدو- لتهدّد أمن دول مجلس التعاون الخليجي!
تفيد مصادر موثوقة من داخل "دار الفتوى"، أن المهيمن على هذه الدار، و"منذ العام 2010 على أقل تقدير، يتساهل تساهلاً مريبًا يصل الى حد التسيُّب والاستهتار في منح افادة تغيير المذهب الى طالبيها من أتباع المذهب الشيعي". وتتابع هذه المصادر موضّحة أن "خطورة الأمر تكمن في أن بعض مقدّمي الطلبات، ولدى سؤالهم من قبل علماء الدار عن سبب رغبتهم في تبديل مذهبهم، يجيبون بكل صراحة أنهم يريدون العمل في دول الخليج، ومن شأن انتمائهم على الهوية الى الطائفة السنيّة أن يسهّل أمور سفرهم وعملهم هناك، ولا سيما بعد أن أصبحت تلك الدول تتشدّد في منح تأشيرة الدخول والإقامة للشيعة". وتكمل المصادر كاشفة أن "لا آليّة متبعة للتحرّي والسؤال اجتماعيًا عن مقدّمي الطلبات، وأن التعليمات داخل الدار تنص على منح الإفادة لأولئك الأشخاص وتنفيذها في الدوائر الرسمية، رغم اعترافهم الصريح بأن الأمر لا يتعدى الشكل، وأنه بداعي السفر، وأنهم مستمرون في ممارسة شعائرهم الدينية وفقًا لمذهبهم الشيعي".
هذا، وتتقاطع آراء مشايخ على دراية بما يحدث، عند "ضرورة إبلاغ سفراء دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما سفير المملكة العربية السعودية، بالتسيّب الحاصل في منح إفادة تغيير المذهب داخل الدار، وتزويدهم بلوائح موثّقة بأسماء المشكوك في أمرهم، فالله وحده يعلم طبيعة العمل الذي سيقوم به المتسلحون بهذه الإفادة في الخليج".
هذه المعلومات الخطيرة، إنما تحمل -من جهة أولى- جزءًا بسيطًا من الإجابة على سؤال أمين عام "حزب السلاح" في 14/6/2013:"هل تصدّقون أن منتسبًا لحزب الله يمكن أن يُعطى إقامة في دول الخليج؟ لا يوجد هكذا شيء"، خصوصًا إذا عاملناه بمقتضى النظرية التي تبنّاها في معرض كلامه:"هذا زمن سوء الظن، يصح فيه سوء الظن". ومن جهة ثانية، فإن تلك المعلومات تعيدنا بالذاكرة الى أواخر العام 2008، عندما اكتشفت أجهزة الأمن المصرية "خلية سرية إرهابية" جنّدها "حزب ولاية الفقيه" للقيام بعمليات تخريبية عدائية تمس بالأمن القومي المصري، والسعي الى "نشر الفكر الشيعي" في مصر؛ وقد عرفت هذه الخلية باسم "خلية سامي شهاب"، أو "محمد يوسف منصور" الذي دخل الأراضي المصرية باسم "سامي شهاب" (لإخفاء شهرته الشيعية "منصور" باستعمال شهرة سنية ومسيحية "شهاب")، وذلك من خلال جواز سفر مزوّر رسميًا، أي صادر عن جهاز الأمن العام اللبناني، حسب ما تسرّب عن تحقيقات أجهزة الأمن المصرية!
واليوم، مع إعلان دول مجلس التعاون الخليجي عن اتخاذ إجراءات ضد المنتسبين إلى "حزب الإرهاب المنظم" وحلفائه في دول المجلس، سواءً في إقاماتهم أو معاملاتهم المالية و التجارية، بعدما كشَف تمادي ذلك الحزب في سفك دماء الشعب السوري طبيعته وأهدافه الحقيقية التي تتعدى حدود لبنان والوطن العربي، حريّ بدول مجلس التعاون أن "تُسيء الظن" وتتساءل: كم من "سامي شهاب" يسرح ويمرح في الخليج، ويقود خلايا إرهابية أو تجسسية تهدَّد الأمن القومي الخليجي، متستّرًا بإفادة تغيير مذهب منحه إياها تسيّب واستهتار من يُفترض أنه مؤتمن على شؤون الطائفة السنية ومصالحها في لبنان؟!
* * *
* * *
شهد العام 2010 ظهور حالة اسمها "أحمد الأسير" على الساحة السياسية في لبنان، شيخ استطاع في فترة وجيزة حصد شعبية داخل الطائفة السنية، ما لبثت أن اجتازت حدود الطوائف لتشمل مؤيدين ومعجبين من طوائف أخرى ولاسيما المسيحية منها.
سياسيًا-دينيًا مشتركًا، كان سبب شعبية إمام مسجد "بلال بن رباح" داخل طائفته السنية؛ أما السياسي، فصحيح أن الأسير أفاد من الفراغ الذي أحدثه نفي الرئيس سعد الحريري الى الخارج، لكن العامل الأساس في شعبيته كان ما وجده أهل السنة في خطابه وأدبياته من "فشة خلق" وصرخة حق جريئة صريحة في وجه استهداف مزمن وضَيم شديد يمارسان ضدهم من قبل الحزب الإرهابي الحاكم والأجهزة الأمنية، وهو خطاب "يستحيي" "تيار المستقبل" ذو الصبغة والجذور العلمانية من التفوّه به؛ وفي الشأن السوري، كان الأسير أول من تجرّأ على تنظيم تظاهرة دعمًا للثورة السورية. دينيًا، استمد الأسير شعبيته من خلال عدم سكوته عن المساس بعقيدة ومقدّسات دينه، فكان الوحيد مثلاً الذي تجرّأ على رفع الصوت مستنكرًا وطالبًا الاعتذار، عندما تجرّأ عضو مجلس شورى "حزب ولاية الفقيه" "محمد يزبك" على وصف أم المؤمنين السيدة عائشة بالـ"معسكر الأميركي-الإسرائيلي" عام 2011، في ظل صمت آثم من القابع على كرسي الافتاء الذي كان منشغلاً يومها بترتيب لقاءات الصداقة مع سفير الاجرام الأسدي قاتِل سلفه.
أما شعبية الأسير خارج الطائفة السنية، فتنامت من خلال خطاب وطني بامتياز، زايد فيه على قوى "14 آذار" المنهارة، بل ذكّر جمهور "ثورة الأرز" بنبض ثورتهم السيادي. وقد ظهرت تلك الشعبية بوضوح لدى بعض المسيحيين، وربما بلغت أوجها عندما نفّذ اعتصامه عند مدخل صيدا الشمالي مطالبًا بنزع السلاح غير الشرعي وانهاء هيمنته؛ وقد برز تأييد الأسير مسيحيًا من خلال تعليقات بعض المسيحيين المؤيدة والداعمة له على صفحته الالكترونية، كما من خلال مداخلات عفوية عبر البرامج السياسية التلفزيونية.
خاض الأسير تجارب ومواجهات سلمية عدة، رفع فيها سقف مطالبه الوطنية المحقة عاليًا، أحرج كثيرين، وخلق المتاعب للجميع من "حزب الإرهاب المنظم" الى الدولة اللبنانية المخطوفة الى "دار الفتوى" المستقيلة من مهامها الدينية والوطنية؛ غير أن الشيخ ما لبث أن تعرّض للانتكاسة تلو الأخرى، سواء في فشل اعتصامه لنزع السلاح غير الشرعي عام 2012، أو في تحرّكه لإزالة الصور والرايات الميليشيوية والارهابية من شوارع صيدا -السنية- في11/11/2012، حيث وجّه له "حزب الإرهاب المنظم" رسالة شديدة اللهجة "بأن يحلّ عنه وإلا..." وذلك بقتل إرهابيي الحزب مرافقََين للأسير أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله دون إصابة الشيخ؛ وكالعادة، أثبتت الدولة عجزها والأجهزة الأمنية فشلها أو ربما خضوعها أو تواطؤها -على اختلاف التحليلات- فلم ينل المجرم عقابه، بل ضاعف إرهابه متخذًا هذه المرة من شقق سكنية في محيط مسجد "بلال بن رباح" حيث الأسير وجماعته، مراكز مراقبة واستفزاز وتخزين للأسلحة.
شكلت خيبات الأمل، وخصوصًا هذه الحادثة الأخيرة نقطة تحوّل في استراتيجية الأسير، حيث قرّر الانتقال من السلميّة الى العسكرة، وبدأ بتسليح شبابه وتدريبهم، مناقضًا خطاباته وتحركاته السابقة في رفض السلاح الميليشيوي وهيمنته، ما أثر على شعبيته داخل الطوائف الأخرى بشكل خاص، وكان المنطق أن السلاح يبرّر السلاح، وكما يتستّرون هم بالمقاومة المزيفة لما لا نكون نحن المقاومة الحقيقية، ولما نبقى عاجزين عن الدفاع عن أنفسنا، خصوصًا في ظل وجود دولة منحازة لا تردع الظالم عن ظلمه.
مضى الأسير في تسلّحه وسط مراقبة حثيثة وثيقة من الأجهزة الأمنية و"حزب الإرهاب المنظم"، أعلن التعبئة في صفوف مناصريه لنصرة الشعب السوري وشارك في معركة القُصير، بيد أن أول تجربة حقيقية لجماعة الأسير كانت في 18/6/2013، حيث أدّى الاستفزاز الذي يمارسه عناصر ميليشيا "سرايا المقاومة" التابعين لـ "حزب السلاح" إلى وقوع إشكال سرعان ما تطوّر إلى اشتباكات عنيفة هي الأولى من نوعها وحجمها بين مسلحي الحزب ومسلحي الأسير، وقد أبلى مسلحو الأسير في تلك الاشتباكات بلاء حسنًا نجحوا فيه بالتصدي لمسلحي الحزب، وتوقف الاشتباك بعد وساطات توعّد على أثرها الأسير بإنهاء ظاهرة الشقق الارهابية الدخيلة حول مسجده بالقوة إن لم تقم القوى الأمنية بإخلائها قبل الإثنين 24/6/2013، ثم ما لبث أن مدّد تلك المهلة أسبوعَين إضافيَين، ريثما يُنهي الطلاب امتحاناتهم الرسمية.
كشفت الاشتباكات التي استمرت أكثر من ثلاث ساعات، واستُخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية، مدى الجهوزية القتالية ونوعية الأسلحة لدى الأسير، وكان ذلك كافيًا لاتخاذ القرار بإنهاء ظاهرته بأسرع وقت ممكن، وهو القرار الذي تقاطعت فيه مصالح الحزب الإرهابي والجيش اللبناني، وربما فعاليات أخرى من داخل صيدا وخارجها؛ وكان "حزب الشقق الإرهابية" أمام خيارين:
فإما أن يقوم بمفرده بإنهاء حالة الأسير عسكريًا، وهو قادر على ذلك، لكن في هذه الحالة سيفجّر الفتنة السنية-الشيعية في لبنان، بعدما أشعل الحزب فتيلها حقيقة من خلال مشاركته في إبادة الشعب السوري ذي الغالبية السنية.
وإما أن يترك الأمر للجيش اللبناني فيضعه في الواجهة ويعمل من خلفه والى جانبه وأمامه، فيتخلّص من الأسير بسلاح الشرعية اللبنانية، مبعدًا أي تفجير طائفي عن لبنان-لم يحن أوانه بعد- من شأنه لو حدث أن يعكّر عليه إرهابه في سوريا.
في 23/6/2013، سواء أخذنا برواية الجيش الذي اعتبر أن عناصره تعرضت لهجوم مفاجئ وقتلت بدم بارد، أو برواية الأسير عن تعرّض مناصريه الى استفزاز على حاجز للجيش، تطوّر الى اطلاق نار مباشر عليهم من الجيش تزامن ذلك بشكل فوري مع إطلاق النار وتساقط االقذائف على مجمع الأسير ومحيطه من شقق الحزب في محيط المسجد، فالقاسم المشترك بينهما أن فخًا نُصب له بعناية وإحكام، واستدرج الى كمين سقط في كيفية التعامل معه رغم حنكته في إدارة أموره، فكان أن ارتكب خطأ مميتًا -كافيًا لأن يجنّد الرأي العام ضده- بتوجيه سلاحه الى الجيش اللبناني ودعوة أهل السنة الى الانشقاق عنه؛ وقد سارعت قيادة الجيش الى إحراج الجميع من خلال وضع الجميع أمام مسؤلياتهم، فإما "أن يكونوا الى جانب الجيش لحماية المدينة وأهلها وسحب فتيل التفجير، أو الى جانب مروّجي الفتنة وقاتلي العسكريين". وبذلك تحوّل فتيل التفجير بحنكة الحزب ودهائه من الشقق الميليشيوية واستفزازها، الى سلاح الأسير الميليشيوي واعتدائه على الجيش.
استمرت المعارك يومين متواليَين، وشارك "حزب الإرهاب المنظم" مباشرة الى جانب الجيش سواء على الأرض بمطاردة مسلحي الأسير في الأزقة، أو من خلال انتشاره المسلح على التلال المحيطة بساحة القتال، وسقط له قتلى وجرحى، لينجلي غبار المعركة بسيطرة الجيش على مجمع الأسير وفرار الأخير الى جهة مجهولة بعدما أصبح مطلوبًا الى "العدالة".
انتهت معركة صيدا، وشطب الأسير من المعادلة السياسية والطائفية في لبنان، لكن التدخل السافر للحزب الإيراني الى جانب الجيش في المعركة وسماح الجيش له بذلك، فتح الباب على مصراعيه أمام أسئلة كثيرة غاية في الخطورة، منها:
إذا كان "الجيش لا يفاوض قاتليه"، كما كان رده على مبادرة لوقف القتال وتسليم القتلة، فكيف يتحالف معهم ويسمح لهم بمؤازرته؟! أليس كلاهما ممن خاضوا في دمائه؟!
الى متى سيبقى الجيش اللبناني يمارس الاستنسابية في تطبيق الأمن، بحيث يكون اختياره بين اعتماد سياسة "الضرب بيد من حديد" أو سياسة "إدارة الخد الأيسر" متوقفًا على انتماء المعتدي عليه حزبيًا أو طائفيًا، حتى لو كان الجرم إسقاط مروحية عسكرية وتركيع طيّارها الضابط وإعدامه ميدانيًا؟!
كيف سيقنع الجيش الطائفة السنية بأنها غير مستهدفة في لبنان وأنه غير منحاز للحزب الإرهابي، ولا سيما مع تراكم التجارب المريرة قبل معركة صيدا، في معارك طرابلس ومحاصرة عرسال، ومع غضه الطرف عن إرهاب الحزب في لبنان واستباحته الحدود بإرسال إرهابييه الى سوريا، وبعد اغتيال الشيخين على حاجزه في عكار، وعندما وقف متفرجًا على الحزب الارهابي وهو ينتهك حرمات بيروت والجبل في أيار2008، دون أن يبادر الى الدفاع عن مواطنيه وتلبية نداءات الاستغاثة؟!
ما الضامن أن لا يتكرر مشهد العام 1975 عندما اعتبر "حزب الكتائب" أن الجيش لا يدافع عنهم وشكّلوا جيشهم لاسترداد كرامتهم، ثم حين اعتبر السنّة أن الجيش منحاز مارونيًا وأعلنوا أن الفلسطينيين أو "منظمة التحرير" هي جيشهم، لكن هذه المرة مع انقلاب في الأدوار، من حيث اعتبار الجيش منحاز شيعيًا، ولجوء السنة الى اعتبار "الجيش السوري الحر" جيشهم؟!
الشارع السني اليوم في حالة غليان، هو يشعر بالضيم والظلم والاستهداف، وهذه الأسئلة إنما تنقل ما يَتداوله ناسه فيما بينهم، وعلينا أن لا نغتر بما يتفوّه به نوّابهم الذين ذبحوا الديمقراطية ومدّدوا لأنفسهم فهو كلام إعلامي لا يعبّر عن نبض هذا الشارع الحقيقي، خصوصًا بعد انتهاء ولاية هؤلاء في 20/6/2012 حيث لم يعودوا يمثلون إلا أنفسهم ورأيهم الشخصي.
ابتداء من 24حزيران 2013، الطلاء الأصفر سيعم شوارع صيدا، وصور الإرهابين الهالكين في معارك إبادة الشعب السوري ستكسو جدرانها، والشقق "المقاومة" ستزداد تحت أعين الجيش والقوى الأمنية...ومن كان رجلاً فليعترض أو ليتفوّه ببنت شفة ليلاحق على أنه من فلول الأسير الذي استباح دم الجيش اللبناني.
يبقى علينا في الختام أن "نهنّئ" العماد "جان قهوجي" بمنصب رئاسة الجمهورية اللبنانية في العام 2014، هذا إن بقي ثمة جمهورية، أو بقي رئيسها مارونيًا.
* * *
* * *
هي "حرب البندقية الموحَّدة". كلا، لم يلتبس عليَّ ولا أقصد ما سُمِّي بـ"حرب توحيد البندقية" التي خاضها جنرال الهزائم مطلع العام 1990، ولم تكن في حقيقتها إلا "حرب إلغاء القوات اللبنانية" فقسمت ظهر المسيحيين ولم تنته إلا بالهيمنة السورية الكاملة على لبنان... إنما أتحدّث عن عنوان جديد لحرب جديدة بات علينا أن نضيفه الى قاموس ذاكرتنا اللبنانية الحافل بأسماء الحروب والاجتياحات والمعارك: 23حزيران 2013 "حرب البندقية الموحَّدة"!
منذ البداية، ومنعًا لأي التباس، وتفاديًا لأدنى سوء فهم يمكن أن يُحمل عليه الكلام السابق واللاحق، لا بد من التشديد على أن موضوع النقاش ليس ما تعرّض له الجيش من اعتداء، فالاعتداء على الجيش مرفوض ودفاعه عن نفسه واجب لا جدال فيه. كما أن المسألة ليست مسألة تشهير، فالتشهير بالجيش بمثابة الاعتداء عليه؛ إنما المسألة مسألة مصارحة مِن موقع حِرص على الجيش وغيرة على الوطن، وقديمًا قيل: "صديقك من صَدَقَك لا من صدَّقك".
وبناء على ما تقدّم نقول بأسف شديد، إن ما حدث في يومَي 23 و24 حزيران 2013، اللذَين سيضيفهما "حزب ولاية الفقيه" الى رزنامة "أيامه المجيدة" في لبنان، يوم توحّدت واتحدت بندقية الشرعية اللبنانية مع بندقية الإرهاب المنظم، لهو مشهد معيب ومخزٍ أحزن كثيرين من أبناء هذا الوطن وأغضبهم، لأنه لا يليق بمناقبية المؤسسة العسكرية ولا بشعارها.
لا شك في أن العسكريين الثلاثة الذين سقطوا برصاص الغدر قبل بداية المعركة، إنما تتحمّل مسؤوليتهم الجهة التي أطلقت النار عليهم، وهي جهة لا يزال الغموض يلف هويتها خصوصًا مع تضارب الروايات، ومع وجود طرف مشارك على الأرض شهير بسوابقه الدامية ضد المؤسسة العسكرية... لكن، وبأسف شديد للمرة الثانية، إن من يتحمّل مسؤولية كل قطرة دم مدنية أو عسكرية سقطت بعد بداية "حرب البندقية الموحّدة"، إنما هو بالدرجة الأولى مَن اتخذ القرار بتنفيذ تلك العملية المشتركة، التي تلاحم فيها الشرعي الوطني بالميليشيوي الإرهابي، وتماهى اللبناني بالإيراني، وذاب الأخضر بالأصفر، واختلط الحابل بالنابل...مع عدم إغفال قول اللواء أشرف ريفي في 26/6/2013 إن "الإصابات التي تعرّض لها الجيش أكبر من قدرات الأسير العسكرية".
ومهما يكم من أمر، فقد انجلي غبار المعركة بعد 36 ساعة استغرقتها عن خسارة مدوية للجيش اللبناني وهي خسارة للوطن، وعن انتصار للشيخ أحمد الأسير و"حزب السلاح" معًا وإن بنسب شديدة التفاوت!
نعم؛ لقد خسر الجيش اللبناني أولاً، لأنه ارتضى لنفسه أن يتحالف في القتال مع ميليشيا إرهابية تخوض معركة طائفية حاقدة بامتياز، خدمة لأهدافها الخاصة العابرة للحدود اللبنانية.
وخسر الجيش ثانيًا، لأنه سمح لتلك الميليشيا الإرهابية التي خاضت في دمائه أن تشاركه في لباسه العسكري، ووافق عمليًا أن يشكّل غطاء شرعيًا لها، ولشتى صنوف الإرهاب والإجرام التي مارستها في حق المواطنين قاطني منطقة عبرا، ابتداء من دكّ الحزب المنطقة المأهولة بسكانها بالمدفعية الثقيلة من التلال المجاورة، وصولا الى ما مارسه من مداهمات واعتقالات وإهانات وأعمال تعذيب وإعدامات ميدانية، واحتلال للمنازل ونهب لأملاكها وحرقها، أوطرد أهلها منها واستخدامها في عمليات القصف والقنص...في مشهد لم تعرفه صيدا حتى إبان الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.
وخسر الجيش ثالثًا، لأنه حاول الاستخفاف بعقول مواطنيه، عندما أكّدت مديرية التوجيه في بيان أنه "قاتل وحيدًا في صيدا"، في حين أثبت شهادات مئات المواطنين وبعض التسجيلات بالصوت والصورة نقيض ذلك تمامًا، فضلاً عن نعي الجهة الإرهابية المشاركة إرهابيين لها سقطوا في المعركة.
لقد خسر الجيش، لأنه أثبت أن "حزب الإرهاب المنظم" قد أمسك بجميع مفاصل الدولة ومؤسساتها، بما فيها المؤسسة العسكرية.
خسر الجيش، لأنه بموافقته على إشراك الحزب الإرهابي في المعركة سمح للفتنة السنية-الشيعية أن تخطو خطوة إضافية الى الأمام، بدلاً من أن تكون مهمته قطع دابر تلك الفتنة وصيانة السلم الأهلي.
خسر الجيش، لأنه سمح للحزب الإرهابي أن يدق إسفينًا بينه وبين قسم لا يستهان به من الطائفة السنية، وأتاح له فرصة زيادة فتنة إضافية الى الفتنة السنية-الشيعة، بأن يُلهي السنة بفتنة مرفوضة مع الجيش، وأن يظهرهم بمظهر المعادي للدولة والخارج على القانون، ومن ثمّ يتفرّغ هو لإرهابه في سوريا بعد جولة ناجحة في صيدا "حرّر" خلالها عاصمة الجنوب.
خسر الجيش لأنه بدلاً من أن يُنهي ظاهرة الأسير، كانت نتيجة تورّط بعض عناصره بممارسات دنيئة تتعارض والمناقبية العسكرية، فضلا عن اشتراك الحزب في القتال، أن تمدّدت "الحالة الأسيرية"، فقد ظهر الأسير بذلك مظلومًا متعرّضًا لمؤامرة وفخ من الحزب والجيش معًا، ما أكّد ما كان يقوله في أدبياته عن استهداف ممنهج لطائفته، وأكسبه تعاطفًا جديدًا حتى في نفوس من لم يؤيدوه يومًا.
وقد خسر الجيش أخيرًا وليس آخرًا، لأنه بدلاً من أن يخرج من المعركة بعرس شعبي وطني جامع، واستعراض عسكري على وقع الأغاني الوطنية والاهازيج الشعبية ونثر الورد والأرز كما حدث بعد معركة نهر البارد عام 2007، خرج في 24/6/ 2013 بنقمة واضحة ومطالبات بتحقيق محايد مستقل، وباهتزاز عنيف في ثقة قسم من شعبه به، لامس حدّ الانهيار.
في المحصّلة، كشفت معركة صيدا وما تبعها من ردود فعل، عن وجود مشكلة بين قسم لا يستهان به من الرأي العام السني والجيش، مشكلة لم تكن بالتأكيد وليدة "حرب البندقية الموحّدة" إنما ترجع الى ما حصل قبلها من تجاوزات وتراكمات في مناطق أخرى، أوحت أن الجيش يمارس دورًا فئويًا منحازًا لتغليب فئة على فئة، ولعل أكثر تلك المحطات وضوحًا خذلان الجيش لشعبه أثناء غزوة بيروت الإرهابية عام 2008، وسماحه للجيش الأسدي باستباحة المناطق اللبنانية السنية بالقصف منذ عام 2011 دون رد على مصادر النيران...وإذا لم يبادر الجيش الى معالجة هذه المشكلة بالعمق من خلال إعطائه التفسيرات الحقيقية لما حدث، ومحاسبة المسؤولين عن التجاوزات، وبسط شرعيته على الجميع دون استثناء، فسنكون أمام كارثة بدأت فعلاً تضرب ما تبقى من التركيبة اللبنانية وتهدّد الكيان.
* * *
* * *
فيما أنظار العالم متجهة نحو أحداث وتطورات الثورة المصرية الجديدة، يمضي المجرم "بشار الأسد" قدمًا مدعومًا بمليشيات "حزب الإرهاب المنظم" وأخرى عراقية وإيرانية في رسم حدود الدولة العلوية، ووضع اللمسات الإرهابية والديموغرافية الأخيرة عليها بضم مدينة حمص وأريافها الى رقعتها، بحيث تكون تلك المدينة السنية العريقة نقطة تواصل بين مناطق العلويين في الساحل السوري ومناطق الشيعة في البقاع اللبناني.
في 5/6/2013، سقطت مدينة القُصير الاستراتيجية بيد كتائب الأسد، بعد هجوم إرهابي طائفي قذر مارسه بحقها "حزب الإرهاب المنظم" بشكل علني مفضوح على مرأى ومسمع من العالم أجمع، الأمر الذي ضاعف الغضب الشعبي في الدول العربية التي تابعت شعوبها هذه المعركة على مدى 27 يومًا ساعة بساعة.
وفي ظل احتفالات النصر التي عمّت الأوساط الأسدية والإسرائيلية والفارسية في لبنان والعراق وإيران، واستباقًا لأي تنفيس "مضر" قد يحدثه ارتفاع منسوب الاحتقان لدى الشعوب الغاضبة على خذلان حكامها قبل المجتمع الدولي للشعب السوري أثناء معركة القُصير...سارعت الأنظمة العربية -بتغطية دولية- الى امتصاص غضب شعوبها عبر حقنه فورًا بمَصل من مادة "المورفين" التخديرية المدعّمة بجرعات مكثّفة ومدروسة من المهدّئات والمنوّمات الشعبوية.
هذا، ويمكن استعراض عملية الحقن التخديرية وجرعاتها المكثفة خلال شهر حزيران الماضي بشكل مختصر على النحو التالي:
6/6/2013مفتي السعودية: "حزب الله طائفي وعميل وانكشفت نواياه". 8/6/2013، الائتلاف الوطني السوري: "سوريا تتعرض لغزو طائفي من إيران وحزب الله". 9/6، الأردن: "انطلاق تدريبات "الأسد المتأهب" المتعددة الجنسية بمشاركة ثمانية آلاف عسكري من 19 دولة". 11/6، فابيوس بعد اجتماعه مع الفيصل: "لن نترك المعارضة كما هي بعد سقوط القصير". 12/6، كيري-هيغ: "مصمّمون على مساعدة المعارضة لإنقاذ سوريا". 12/6، الكويت: حملة تبرعات ومقاطعة للبضائع الإيرانية ومتظاهرون يحرقون صور نصرالله. 13/6، كلينتون لأوباما: "علينا تسليح الثوار". 13/6 مؤتمر "علماء الأمة" في القاهرة: "ما يجري في سوريا حربا على الاسلام من النظام السوري الطائفي، والجهاد واجب".
وقد بلغت نسبة المورفين ذروتها في 15/6/2013، مع خبرين:
الأول، مهاجمة الرئيس المصري محمد مرسي بشدة "عدوان حزب الله الذي لا مكان ولا مجال له في سوريا"، مطالباً المجتمع الدولي بحظر الطيران فى سوريا، والدول عربية والإسلامية بعقد "قمة طارئة لنصرة سورية، ومعلنًا قطع العلاقات الديبلوماسية تمامًا بنظام دمشق، في اعتراف ضمني للإخوان بخيانة الثورة السورية مدة سنة من حكمهم بالإبقاء على العلاقات مع النظام الأسدي.
وكان الخبر الثاني، إعلان السعودية عن "قطع الملك السعودي إجازته الخاصة وفترة النقاهة التي كان يقضيها في المملكة المغربية بسبب تداعيات الأحداث التي تشهدها المنطقة حاليًا وخاصة الوضع في سورية". وقد أرفق هذا الخبر بتلميح الى إمكانية عمل عسكري في سوريا، مع بث معلومات عن تقديم الأميرين "الفيصل" و"بندر" الى الملك "تقريرًا استراتجيًا أمنيًا عن نتائج محادثاتهما قبل أيام مع المسؤولين الفرنسيين"، وأن هذا ما دفعه إلى قطع إجازته.
وقد استكملت تلك العملية التخديرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع بث شائعات مفادها أن الملك السعودي عاد ليشرف على عمل عسكري تكفلت المملكة بنفقاته وإدارته عبر قاعدة عسكرية في تبوك، وأن جيشًا أندونيسيًا مكونًا من مليون مقاتل سينضم الى المعركة لإنهاء نظام بشار الأسد!!
بالتأكيد لم يحصل شيء من هذا الهراء، وتابعت الأنظمة في تخدير شعوبها؛ 17/6/2013، حماس: "على حزب الله الانسحاب من سوريا". 21/6، المنسق السياسي والإعلامي للجيش السوري الحر لؤي مقداد:" تلقينا دفعات من الأسلحة الحديثة التي من شأنها أن تغير شكل المعركة مع قوات النظام(...)، وهناك ضمانات من واشنطن ودول أوروبية وعربية أنه سوف يتم تسليم أسلحة للمعارضة طبقاً لجدول زمني يبدأ خلال أيام". 21/6،أوباما: "قوات أميركية قتالية وصواريخ باتريوت ومعها طائرات مقاتلة سوف تبقى في الأردن بعد المناورات". 22/6: "أصدقاء سوريا" من قطر: "مقررات سرّية لتغيير التوازن على الأرض، كامل الدعم العسكري إلى الجيش الحر واستهجان تدخل "حزب الله" ومقاتلين من إيران والعراق". 25/6: السعودية: "سوريا محتلّة ولا يمكن السكوت عن تدخل إيران وحزب الله".30/6: السعودية: "ندعو أوروبا إلى تسليح الثوار فورًا".
أثناء فترة التخدير تلك، لم يكن قراصنة النظام الأسدي والـ"حزب الإرهابي" يرتجفون خوفًا من "البحر العربي والإسلامي السني" الهائج، لأنه عاد الى سكونه ونومه من جديد، بل على العكس، كانوا يستولون على السفن والمراكب ويستفردون بها الواحدة تلو الأخرى؛ فسقطت القرى المحيطة بالقُصير، وكذلك "تلكلخ" التي تأتي أهميتها بالدرجة الأولى من حيث موقعها، لأنها تقع وسط أوتوستراد حمص طرطوس الذي يُعد الشريان الحيوي لنظام الأسد، كما عزّزوا تمركزهم على تخوم حلب، وضاعفوا إرهابهم لاسترداد أراض كانوا خسروها أهمها على الإطلاق مدينة حمص.
ففي 29/6/2013، بدأت كتائب الأسد مدعومة بميلشيات الحزب الإيراني قصفًا تدميريًا ممنهجًا غير مسبوق لإسقاط "حمص"، استعملت فيه الأسلحة الكيميائية بكثافة؛ وكانت الكارثة في الأول من تموز بقصف دائرة السجل العقاري في المدينة وإحراق كافة الوثائق والمستندات العقارية غير "المؤتمتة"، بهدف تضييع الحقوق والأملاك وصولاً لتهجير السكان الأصليين من السنة، و ملء الشواغر بالشيعة والعلويين، ومحو تاريخ هذه المدينة وطمس هويتها الديموغرافية التي عرفتها منذ آلاف السنين؛ وقد أتى ذلك تتويجًا لسعي النظام منذ شهور إلى إحداث تغيير ديموغرافي في المدينة، من خلال قتل أهلها أو تهجيرهم أو حصارهم بغرض إجبارهم على الرحيل.
حمص اليوم على طريق السقوط ليتم إلحاقها بالدولة العلوية، وسوريا تقسّم بموافقة مصنّعي إبر المورفين وحاقنيها، أما الأسلحة المتطورة التي زُعِمَ أن الجيش الحر تلقاها فواضح أنها غيرّت مسار المعركة، لكن لمصلحة النظام!
* * *
* * *
"لا طائفية،لا شرذمة، لا تفرقة بين شخص وشخص أو جماعة وجماعة. ولي أمر المسلمين ولي أمر الجميع بلا إقصاء... أقول له: هذا وطن الجميع". بهذه الكلمات البليغة التي تنم عن بعد نظر وإدراك تام لطبيعة الجهة المخاطَبة وأهدافها، توجّه وزير الأوقاف المصري السابق "عبد الفضيل القوصي" الى الرئيس المصري "محمد مرسي" في خطبة الجمعة الأولى التي حضرها عقب انتخابه رئيسًا للجمهورية....وكانت النصيحة بجمَل.
في 25يناير2011، أشعل الشعب المصري فتيل ثورته لإسقاط الدولة البوليسية والفساد والاستبداد...يومها لم نجد أثرًا لجماعة "الإخوان المسلمين"، كما لم نجد لهم مشاركة مع الحركات الشبابية التي مهّدت طريق الثورة قبل اندلاعها، فقد كان "الإخوان" شركاء نظام "مبارك"، عقدوا معه زواجًا عرفيًا، وأبرموا معه العديد من الصفقات، ولاسيما بشأن حصصهم الانتخابية...غير أن "الاخوان" عندما أدركوا قوّة الثورة وأنها ماضية الى تحقيق هدفها، قرّروا ركوب موجتها والالتحاق بركبها بعد أيام من بدايتها، ليس بقصد إنجاحها، إنما بقصد خطفها وسرقتها وتسخيرها لمصلحة طموحات الجماعة الخاصة على حساب مصلحة المصريين العامة.
نجحت "ثورة 25 يناير" في خلع الرئيس "حسني مبارك" والتخلص من فساد حزبه الحاكم، لكنها ما لبثت أن وجدت نفسها أمام ثورة مضادة، ثورة مزيّفة بلغت درجة وقاحتها أنها ادعت حمل الاسم نفسه والتاريخ عينه والسعي الى تحقيق الغايات ذاتها! ثورة مضادة تحالفت مع حكم العسكر وسكتت على تجاوزاته في الفترة الانتقالية، وأوجدت بيئة مليونية تحضنها بعدما اخترقت العقول واستولت على المشاعر ودغدغت العواطف والأحاسيس مستخدمة سلاح الدين مع شعب متديّن يحب الدين، فرفعت شعار "الإسلام هو الحل"، وأشاعت في الأرياف والقرى أن مَن لا ينتخب الإخوان ويتبنى طروحاتهم كافر، حتى رسخ في عقول البسطاء أن الإسلام هو الإخوان، ومن يعارض الإخوان يعارض الإسلام! أما المنخرطون في التنظيم فأمر ولائهم محسوم في جماعة يحكمها الخضوع لديكتاتورية المرشد، ويسوسها نظام عسكري حديدي تندر فيه الشورى والعدالة والحرية، وتُحدَّد فيه قيمة الفرد بقدرته على السمع والطاعة دون نقاش، بحيث لا يرى إلا ما يراه مرشده!
هذا، وقد ساهم الإعلام عن حسن أو سوء نية في "أخوَنة" الشعب المصري من خلال فرز المصريين الى فريقين، فهم إما إسلاميون (الإخوان والسلفيون) وإما علمانيون ليبراليون يساريون، الأمر الذي ألهب الوتر الديني الذي لعب عليه الإخوان، فلم يجد البسطاء من المتديّنين بدًا من الانحياز والتسليم الكامل الى الفريق الأول لكيلا يُحسَبواعلى الفريق الثاني اللاديني، في حين أن ثمة "إسلاميون" يعارضون سياسة الإخوان بشراسة ومن منطلق إسلامي ديني وسياسي ووطني.
أخذت جماعة الإخوان في حصد غنائم السلطة وتكديسها المكاسب الخاصة على حساب الثورة الأصيلة، متحنصة بتلك الشعبية المضلَّلة ومستعينة بأساليب لا تمت الى الدين ولا الأخلاق بصلة، لدرجة جعلتنا نجزم باستحالة استمداد هؤلاء سياستهم من القرآن الكريم والهدي النبوي الشريف اللذين يأمران بالصدق والالتزام بالعقود واحترام العهود حتى مع المخالفين في الدين، فهم ربما يقرأون في كتاب "الأمير" لميكافيللي، أو كتاب "علم نفس الجماهير" لغوستاف لوبون. فالحرام يصبح حلالاً إذا كان مطية للوصول الى "الحلال"، والغاية تبرّر الوسيلة.
أعلنوا أمام الشعب أنهم لن يترشحوا لأكثر من ثلث مقاعد مجلس الشعب، وإذ بهم يترشحون عن كل المقاعد ويحصدون وحدهم 47% منها و70% بالتحالف مع حزب النور السلفي، فنكثوا بوعدهم وكانت كذبتهم الأولى.
أعلنوا أنهم لن يرشّحوا أحدًا من جماعتهم لرئاسة الجمهورية، وإذ بهم يزجون بمرشحَين، واحد أصلي (خيرت الشاطر) وواحد احتياط (محمد مرسي)، فأكدوا سعيهم لاحتكار السلطة؛ وكانت الكذبة الثانية.
أعلنوا أنهم لن يأتوا برئيس وزراء من جماعتهم، وإذ بهم يأتون بشخصية وإن كانت لا تنتمي الى أي تيار سياسي تنظيميًا، إلا أنها في خط الإخوان المسلمين؛ وكانت الكذبة الثالثة.
أدى الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي اليمين مرتين، مرة رمزيًا أمام المحتشدين في ميدان التحرير، ومرة رسميًا أمام المحكمة الدستورية العليا، فأقسم على احترام النظام الجمهوري والدستور والقانون وتعهد تحقيق أهداف الثورة، وإذ به بعد ستة أشهر يعلن نفسه ديكتاتورا جديدًا للبلاد، فيستغل العلاقات المريبة التي نسجتها جماعته مع الأميركيين إضافة الى حل المحكمة الدستورية لمجلس الشعب، ليصبح ممسكًا بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في البلاد، بإعلان دستوري فوض الى نفسه بموجبه صلاحيات مطلقة، ووضع نفسه فوق أية رقابة أو مساءلة، وجرد السلطة القضائية من صلاحياتها، ومنح نفسه الحق في إعلان حال الطوارئ في البلاد، وفي سابقة في تاريخ الحكم في مصر حصّن "مرسي" قراراته ضد الطعن فيها أمام أي محكمة، وهو ما لم يجرؤ عليه سلفه "حسني مبارك"...وبذلك حنث "مرسي" بقسمه وفقد شرعيته وانقلب علنًا على الثورة؛ وكانت تلك الكذبة الرابعة.
وفي خضم الأزمة السياسية العنيفة التي أدخل "مرسي" فيها مصر بعد الإعلان الدستوري الدكتاتوري الذي أصدره، أعلن طرح مسودة الدستور التي أعدتها جماعته وحلفاؤها على التصويت، وذلك بعدما كان سبق وتعهّد أثناء حملته الانتخابية أنه لن يطرح الدستور على الاستفتاء ما لم يكن عليه توافق من القوى السياسية، فإذ به يطرحه في عز الأزمة وبلا توافق، ناقضًا عهدًا جديدًا كالعادة! وكانت الكذبة الخامسة.
شعر الشعب المصري أن ثورته أجهضت، لم يقتنع بأن الثورة على "مبارك" حلال لأنه لا يحفظ سوى الفاتحة وما تيّسر من قصار السور، فيما الثورة على "مرسي" حرام لأنه يحفظ القرآن كاملاً، فالشعب لم يثر على استبداد "مبارك" وحزبه لكي يستبدلهم باستبداد الإخوان وجماعتهم؛ صحيح أنه بعدما وُضع الشعب أمام معادلة إما مرشح الإخوان وإما مرشّح الفلول اختار تفويض الأول بأكثرية خجولة بلغت 51,7 % من إجمالي المصوّتين، أي نحو13مليون فقط نصفهم من غير الإخوان والحركات الإسلامية انتخبوه على أنه أهون الشرَّين ليتولى زمام الرئاسة مدة 4 سنوات... غير أن تفويضهم ذاك كان مقرونًا بضمانة قسَمه على احترام النظام الجمهوري والدستور والقانون، وتعهده تحقيق أهداف الثورة، أما وقد حنث جهارًا نهارًا بقسَمه، وانقلب على الثورة، وعمل على أخونة الدولة من أصغر المناصب الى أرفعها مبعِدًا عنها بقية مكوّنات الشعب المصري بمن فيهم حلفاؤه السلفيون، وتجرّأ على ديكتاتورية لم يحلم بها سلَفه، فلم يعد لشرعيته مكان، وحق عليه قرار العزل.
في 30يونيو2013، الموافق للذكرى السنوية الأولى لكابوس وصول الإخوان الى الرئاسة، كالطوفان الجارف، نزل ربع الشعب المصري (33مليونًا) ليملأ الميادين مطالبًا برحيل سلطة الإخوان ورئيسهم وبانتخابات رئاسية مبكرة؛ إرادة شعبية حقيقية غير مسبوقة في تاريخ مصر أبهرت العالم أجمع ما عدا الرئيس أوباما وسفيرته، وإيران الرابح الأكبر من حكم الإخوان، وتركيا حليفة إسرائيل والطامعة في مد نفوذها، والصحف الإسرائيلية التي أخذت تعدّد ما خسرته إسرائيل بسقوط حكم الإخوان...
أدرك الجيش المصري أن الوقوف في وجه إرادة أكثرية الشعب المصري خيانة عظمى، فما كان منه إلا أن التحق بقطار الثورة ونال تفويضًا من الشعب للحسم بعد تعنّت الإخوان ومكابرتهم وإصرارهم على البقاء في السلطة، فعزل "مرسي" عسكريًا بعدما عزلته أكثرية شعبه ديمقراطيًا (تمامًا كما حدث مع مبارك)، وعلّق الدستور، ووضع خطة لفترة انتقالية بالتعاون مع ممثلي الطوائف والأحزاب بمن فيهم حزب النور السلفي، وسلّم السلطة المؤقتة فورًا الى المدنيين متفاديًا الوقوع في أخطاء المجلس العسكري عقب الثورة السابقة.
أبدًا، ليس الحكم الإسلامي الذي فشل، وليس المشروع الإسلامي الذي سقط، وليس الإسلام السياسي الذي عُزل، إنما مَن فشل وسقط وعُزل هو جماعة حاولت الاستيلاء على السلطة واحتكارها باسم الإسلام، ولم تلتزم في سياستها بهدي الإسلام ولا بأحكامه ولا بآدابه، فأساءت إليه وانزلقت الى دوامة العنف من جديد!
* * *
* * *
"بيقولوا ما بيِسْوَا نقعد بالشمس، بس في أحلى من الشمس؟ بيقولوا كترة الأكل بتضر، بس في أحلى من الأكل؟ بيقولوا ما لازم نتأخر بالليل، بس في أحلى من السهر؟ بيقولوا بعِدوا عن الخلافات، بس في أحلى من الديمقراطية؟ بيقولوا تجنّبوا لبنان، ليش في أحلى من لبنان؟".
من منا لم يشاهد إعلان "ما في أحلى من لبنان"، تلك الدعاية الترويجية للسياحة التي أنتجتها الوزارة المعنيّة، والتي تعرض عبر شاشات التلفزة عشرات المرات كل يوم؟
ففي هذا الإعلان الذي لا تتجاوز مدته الدقيقة و3 ثواني، تتناوب الفنانة يارا والفنان عاصي الحلاني على طرح "إشكاليات لبنانية" ثم الرد عليها بما يبرِّرها في قالب جميل مبهر بما تضمنّه من مشاهد تظهر روعة طبيعة لبنان ببحره ونهره وجبله وكرَمه وخيراته ومأكولاته...أما الرسالة الرئيسة من هذا الإعلان، فلا شك أنها تكمن في الجملة الأخيرة منه: "بيقولوا تجنّبوا لبنان، ليش في أحلى من لبنان؟"، وذلك في "ردّ" من الوزارة على دعوات الدول الخليجية وسواها التي نصحت رعايها بمغادرة لبنان أو عدم السفر إليه نتيجة الأوضاع الأمنية غير المستقرة التي يمر بها.
غير أن هذا الإعلان على جمال إخراجه قد دسَّت فيه وزارة الساحة السمّ بالعسل، فقلبت الحقائق وغيرّت المفاهيم، مع العلم أن الوزير "فادي عبود" من كبار الصناعيين في هذا البلد، ويدرك تمامًا أن أي "لعبة" أو أي عملية غش تمارس على المستهلك في الإعلان ناسبة الى المنتج ما ليس فيه، كفيلة فور اكتشافها بالقضاء على مستقبل ذلك المنتَج ونزع الثقة من المنتِج الذي انتهج أسلوبًا غير أخلاقي في تسويق سلعته يستحق أن يُقاضى عليه.
"بيقولوا بعِدوا عن الخلافات، بس في أحلى من الديمقراطية؟". يا لها من عبارة مسمومة تضليلية، لا يستطيع المتابع لتفاصيل الوضع السياسي في لبنان إلا أن يُستفَز ويغضب عند سماعها، لكثرة ما حوته من تحريف للوقائع ومن الكذب على اللبنانيين قبل السوّاح "المنشودين"، من خلال تصوير الخلافات السياسية في لبنان، على أنها الديمقراطية أو على الأقل شكل طبيعي من أشكالها، في حين أن السبب الرئيس للصراع السياسي القائم في لبنان منذ عام 2005 على أقل تقدير، إنما هو رفض الفريق الانقلابي الاحتكام الى الديموقراطية، مفضلاً إخضاع الحياة السياسية وتسييرها بسلاحه الغادر....فأين رأى الوزير الديمقراطية أو شم رائحتها في الخلافات اللبنانية؟!
منذ بداية إرهاصات الانتفاضة على الاحتلال السوري جرت محاولة اغتيال النائب مروان حمادة أواخر عام 2004، ثم أُتبعت عام 2005 باغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي كان يتحضّر لفوز كاسح في الانتخابات، تلته سلسلة اغتيالات طالت قادة رأي وفكر وسياسين ونواب من الفريق الاستقلالي، فضلاً عن تفجيرات متنقلة لترهيب الناس وتغيير المعادلة وإخضاع "ثورة الأرز"..."بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
جرُّ لبنان الى "حرب" جلبت عليه وحده الويلات، فيما لطرفيها مصالحهما المشتركة الخاصة كما حصل في تموز2006، دون أي استشارة للمؤسسات الدستورية أو حتى إبلاغ... "بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
فرْضُ رئيس لمجلس النواب بقوة السلاح على أكثرية نيابية لا تريده، ثم اغلاق أبواب مجلس النواب نحو عامين وتعطيل الحياة البرلمانية في سابقة وفضيحة عالمية، لمنع الأكثرية النيابية من ممارسة حقها في التشريع وسن القوانين وانتخاب رئيس للبلاد... "بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
انقلاب إرهابي مسلّح في بيروت والجبل في أيار 2008 لإسقاط "حكومة الاستقلال الثاني"، بعدما عجزوا عن الإطاحة بها بالوسائل الديمقراطية والسلمية، ثم جلب القوى السياسية الى الدوحة ولانتزاع المكاسب وإجراء تعديل جزئي على الطائف بفرض الثلث المعطل في الحكومات، كل ذلك والمسدّس على الطاولة وفي الرؤوس..."بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
2009، فرضُ معادلة في البيان الوزاري تخالف دستور الطائف تحت عنوان "الجيش والشعب والمقاومة"، لمحاولة تغطية وتشريع سلاح أجنبي إرهابي غادر، وإفساح المجال أمامه للسيطرة الكاملة على الدولة اللبنانية ومصادرة قرارها..."بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
استخدام مدينة طرابلس كصندوق بريد لنقل الرسائل السياسية على شكل معارك متقطعة تستنزف المدينة وتحصد الإبرياء، وذلك كلما قوبلت أوامر الفريق الانقلابي برفض من "الفريق الاستقلالي"..."بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
2011، انتشار "القمصان السود"، والضغط على رئيس الجمهورية لتأجيل الاستشارات النيابية المحسومة لصالح الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة بعد إسقاط حكومته الأولى فينصاع ويُؤجلّها، ثم انتشار مسلّح على محور القماطية-عاليه لجعل النائب "وليد جنبلاط" يغيّر رأيه من التصويت للحريري لإخلاء الطريق أمام مرشح الأسد وإيران نجيب ميقاتي الذي نال الأكثرية المسروقة..."بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
2012، محاولتان فاشلتان لاغتيال قيادات سياسية معارضة (الدكتور جعجع والنائب حرب)، ثم استنفاد جميع الوسائل القانونية دون التمكن من إزاحة رئيس فرع المعلومات "وسام الحسن" من منصبه وإخضاع مؤسسته، فتتم تصفيته جسديًا..."بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
2013، يتوجه الحزب المسلّح علنًا بجحافله الإرهابية الى سوريا للمشاركة في ذبح الشعب الثائر لحريته وكرامته، ضاربًا عرض الحائط بإعلان بعبدا وبإرادة أكثرية الشعب اللبناني الرافضة هذا التدخّل، ودون عرض الأمر على المؤسسات الدستورية...فيكشف أمن البلاد ويدخلها أتون حرب جديدة..."بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
وزير خارجية يرفض الانصياع الى أوامر رئيس الجمهورية، ويدلي بتصاريح منحازة لإرهاب الحزب الذي عيّنه تخالف سياسة الدولة ويتبرّأ منها رئيس الحكومة... "بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
إشعال معارك طاحنة في طرابلس، واستثمارها لمنع إجراء الانتخابات النيابية عام 2013 فتؤجل بعذر واهٍ 17 شهرًا، لأن نتائجها بالنسبة للفريق الانقلابي غير مضمونة وهو مشغول في ذبح الشعب السوري، ولأن مشروعه الفراغ الممنهج لكل مؤسسات الدولة وصولا الى فرض دستور جديد..."بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
الضغط على الأعضاء الشيعة والعضو الدرزي في المجلس الدستوري للتغيّب عن جلساته وإفقاده نصابه القانوني، وبالتالي منعه من الانعقاد للنظر في الطعن المقدّم في التمديد غير الدستوري لمجلس النواب، فتمرّر المدة القانونية للنظر في الطعن ويصبح قرار التمديد اللا دستوري نافذًا..."بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
منع رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية من ممارسة حقهما الدستوري في تشكيل الحكومة دون إملاءات من أية جهة كانت، والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور إن شُكّلت حكومة لا تلبى فيها أوامر الفريق الإرهابي المسلح وحلفائه..."بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
نائب عن الحزب المسلّح يطلب الى وزير الدفاع وممثلي قيادة الجيش التوقف عن الإجابة على أسئلة النواب في جلسة استيضاح حول دور عناصر حزبه في معركة "البندقية الموحدّة" في عبرا، ، فتتم الاستجابة لأمره ويمتنع الوزير وممثلي الجيش عن حضور الجلسة التالية..."بس في أحلى من الديمقراطية"؟!
استيقظ أيها الوزير...فالديمقراطية هربت من لبنان بهجود وهمّة الفريق الذي تمثلّه تحت تهديد السلاح ووَهْجه وغلَبته، واستقرت في الدول العربية المحيطة التي لطالما كانت تحسد لبنان على حريته وديمقراطيته...تلك الديمقراطية التي لم تعد تمثّل اليوم أكثر من أكذوبة يتم التغنّي في دعاية تضليلية تجميلية لوزارة السياحة.
* * *
* * *
الأول من آب وطنيًا، هو يوم "الشرف والتضحية والوفاء"، عيد الجيش اللبناني الذي باتخاذه هذه الثلاثية شعارًا له جعلها معيارًا لتقييمه. أما الأول من آب سوريًا، فقد جعله المجرم "بشار الأسد" يوم الخيانة والغدر والعار، يكرِّم فيه جيشه "الإرهابي" على جهوده "الوطنية" في إبادة الشعب وتدمير الوطن. فماذا عن الأول من آب في "دار الفتوى"؟
منذ سنة 2011 وثمة من أراد للأول من آب في "دار الفتوى" أن يحاكي المناسبة نفسها لدى المجرم بشار، وأن يشكل امتدادًا طبيعيًا لها، ليصبح يومًا للخزي والعار والاستهانة بمشاعر المسلمين وانتهاك حرمة الشهر الكريم.
ففي 1/8/2011 الموافق عامئذٍ للأول من رمضان، فتح المفتي قباني -عجّل الله عزْله الشريف- أبواب "دار الفتوى" لسفير النظام الإرهابي "علي عبد الكريم علي" زائرًا لأول مرة، في وقت كانت تنهال فيه على روؤس الشعب السوري والمسلمين في "حماه" حمم الحديد والنار! وقد اتخذ سفير الإجرام من "دار الفتوى" يومها منبرًا "بعثيًا" تضليليًا حاول من خلاله تغطية "مجزرة حماه" والدفاع عن إرهاب نظامه.
وفي 1/8/2013 الموافق أيضًا لأحد أيام شهر رمضان، أبى القابع على كرسي الإفتاء (عج) إلا أن يشارك المجرم بشار في تكريس هذا اليوم يومًا لـ "الخيانة والغدر والعار"، فأغرق مجددًا بهْوَ "دار الفتوى" بدماء الشعب السوري الزكية وخاض فيها، مستقبلاً هذه المرة وفدًا من "حزب الإرهاب المنظم" الذي أعلنها حربًا ضارية على كل سوري قرّر أن يثور على الظالم منتفضًا لحريّته وكرامته.
لقد حوّل المفتي (عج) بسياسته الهدّامة "دار الفتوى" الى داره الخاصة، فنسف قيمها ومبادءها وما ترمز إليه وتمثّله، وجعلها مستباحة من رموز الإرهاب، وسخّرها لمصالحه الشخصية ومصالح المحور السوري-الإيراني المتهالك؛ فهو لم يملك الشجاعة ولا الغيرة الكافية لرفض استقبال سفير الإجرام ثلاث مرات علنية، ولا "الحزب الإرهابي" قاتل رفيق الحريري بنص القرار الاتهامي للمحكمة الدولية، كما لم يجرؤ حتى على مطالبته بالاعتذار عن 7أيار ولا بسحب جحافله الإرهابية من سوريا.
هو التاريخ الدموي الأسود يعيد نفسه؛ ففي 17/8/2011 (سنة انحيازه العلني الى محور الشر)، استقبل "قباني" وفدًا من "حزب ولاية الفقيه" بعد انقطاع دام ستة أعوام، وذلك بالتزامن مع الإعلان عن تفاصيل القرار الاتهامي الذي أشار الى ضلوع عناصر من الحزب بأدلة قوية في جريمة العصر! وها هو اليوم يكرر فعلته الشنيعة، فيستقبل الحزب وهو في ذروة عدوانه على الشعب السوري واحتلاله أراضيه، وبُعيد تصنيفه من أوروبا ـبعد الشعب اللبناني بمن فيه المفتي- إرهابيًا!
نعم، لقد تفوّق المفتي (عج) على قرار الاتحاد الأوروبي (الهميوني)، فكان سبّاقًا في تصنيف الحزب الذي فتح له أبواب "داره" إرهابيًا؛ أليس هو القائل ومن على منبر القصر الجمهوري في 17/6/2008: "إن الأحداث التي وقعت في البقاع، وقبلها ما حدث في اجتياح بيروت والمناطق اللبنانية وفي الجبل، هي أعمال إرهابية بكل ما في هذه الكلمة من معنى. لقد قرأنا عن الإرهاب كثيراً في الصحف في بلدان أخرى، ولكننا عشنا وشاهدنا هذا الإرهاب"؟ الأمر الذي استدعى ردًا مباشرًا من "نواف الموسوي" الذي خوَّن المفتي قائلاً: "إن الذي سمَّى المقاومة إرهابًا هو العدو الإسرائيلي والإرهاب الأميركي، وإن من يطلق على المقاومة هذه التسمية يضع نفسه في الموقع الإسرائيلي-الأميركي".
فهل جاءه "أشرف الناس" اليوم و"إرهابيو الأمس" زائرين ليطمئنوه الى أنهم داعموه في شق صف طائفته، وفي مشروع الفتنة الكبرى الذي يدبِّره لها بعزمه ارتكاب جرم اغتصاب السلطة وانتحال الصفة من خلال التمرّد على قرار عزله المرتقب والمعدّ بعناية وفقًا للأصول القانونية والإجراءات المرعية؟! أم أنهم أتوا لتهنئته بشطبهم الشيخ "أحمد الأسير" من المعادلة السياسية في حرب "البندقية الموحّدة"؟ أم أتوا ليطلعوه على جهودهم في إبادة الشعب السوري، وكيف دَمّر الحقد التاريخي الدفين مقام الصحابي الجليل "خالد بن الوليد" وصحابة آخرين في مختلف أنحاء سوريا؟ أم أتوا ليؤكدوا له عزمهم إبقاء الرئيس سعد الحريري مهددًا في المنفى وكذلك المفتي مالك الشعار، ولوضعه في صورة مخطط الفراغ الممنهج في المؤسسات تمهيدا لفرض مؤتمر تأسيسي على الجميع تكون لهم فيه حصة الأسد؟
لقد استبق رئيس المجلس السياسي للحزب كل ما تقدّم من أسئلة فاتخذ من منبر "الدار" منصّة تضليلية ليصرّح: "تداولنا خلال اللقاء مع سماحة المفتي ما يجري اليوم في المنطقة وخصوصًا في موضوع فلسطين"!
إذًا هو "موضوع فلسطين" الذي حاز على تركيز القابع على كرسي الافتاء أثناء ذاك اللقاء المعيب؛ هي فلسطين المحتلة ذاتها التي يحمد شعبها الله تعالى صباح مساء منذ 15/3/2011 على نعمة ابتلائهم بإسرائيل عدوًا ومحتلاً وجلادًا لا نظام بشار الأسد الإرهابي الذي تفوّق على العدو الصهيوني بأشواط هائلة في صنوف الإجرام وفنون الإرهاب وأساليب التعذيب وحجم الدمار. فلسطين المحتلة التي يمر فيها الشهر والشهران والثلاثة دون سقوط شهيد واحد من الشعب الفلسطيني، فيما سوريا المحتلة معدّلها الشهري منذ نحو سنتين خمسة آلاف شهيد، فضلاً عن قرى ومدنًا حوّلتها آلة النظام الإرهابية أثرًا بعد عين.
فلسطين المحتلة التي اتخذ منها الحزب الإرهابي منذ تأسيسه سلعة تجارية يدغدغ بقضيتها المحقة عواطف العرب والمسلمين ويتغطى بقناعها ليخفي وجهه الطائفي الفارسي البغيض، والدور الذي يلعبه برعاية تحالف "مقدّس" فارسي-إسرائيلي قديم في شق الصف العربي والإسلامي وإشاعة الفوضى وتقسيم المنطقة وفق مشروع "الشرق الأوسط الجديد".
فلكِ المجدُ مِن ثورةٍ كشفت أدوار الإرهابيين الحاقدين ومن حالفهم، وأسقطت أقنعتهم وستُسقط مشاريعهم الى غير رجعة.
* * *
* * *
الزمان: 9/8/2013 الساعة الثالثة فجرًا. المكان: جسر "الكوكودي" القريب من المطار ومن ضاحية بيروت الجنوبية والواقع ضمن منطقة نفوذ وسيطرة "حزب الإرهاب المنظّم". الحدَث: مسلّحون يستقلّون سيارتين يُقومون بعملية خطف مدروسة بعناية ومنفذة بإتقان حصيلتها طيّار تركي ومساعده.
صدِّق أو لا تصدِّق، المسلحون "مجهولو الهوية"، أقاموا في تلك المنطقة الأمنية والحزبية بامتياز حاجزًا وحوّلوا وجهة سير السيارات العابرة من المطار الى اوتوستراد المدينة الرياضية نحو بيروت، ليَخلو لهم مسرح الجريمة من أيّة منغِّصات أو شهود، فاعترضوا "فانا" تابعًا لأحد فنادق العاصمة، أنزلوا منه قائد الطائرة ومساعده، وتركوا سائر الطاقم المؤلف من 7 مضيفات ومضيفين، ثم فرّوا بالمخطُوفَيْن الى جهة "مجهولة" أيضًا...كل ذلك برباطة جأش وبرودة أعصاب ودون أي خشية.
صدِّق أو لا تصدِّق، الخاطفون "مجهولو الهوية" عرفوا بكل الدقائق والتفاصيل المتعلقة بساعة وصول الطائرة التركية، والمدى الزمني الذي استلزمه هبوط طاقمها ومغادرته حرم المطار حتى بلوغ جسر "الكوكودي"، ومع ذلك ظلّوا "مجولي الهوية".
يا لها من "هوية" غريبة عجيبة ضبابية سوداء، يصاب كل رام معرفة حقيقتها بالحيرة جرّاء كونها مُوغِلة في الجهالة وعصيّة على الانكشاف!
لا شك أن موقف وزير الداخلية "مروان شربل" كان حرجًا جدًا ومن السخرية بمكان أمام وفد الاستخبارات التركية الذي زاره للوقوف على آخر مستجدات التحقيق لمعرفة هوية الخاطفين وتحرير المخطوفين؛ فبماذا عساه يجيبهم؟!
هل يجرؤ الوزير على الاعتراف بالحقيقة المرة ومصارحة الأتراك بأن لبنان كله بجيشه وشعبه وكافة مؤسساته مثله مثل الطيّارَين التركيَين مخطوف من قِبل ميليشيا إرهابية مسلّحة، تنفذ منذ عام 1982 بهويات لبنانية أجندة دولة أجنبية فتنوية توسّعية، وقد نجحت عام 2011 في وضع يدها على كامل الدولة وإحكام قبضتها عليها؟!
هل يستطيع الوزير إخبار الوفد التركي بأن الدولة المخطوفة بكافة أجهزتها الأمنية، لا تستطيع أن تفيد الأتراك في شيء لسبب جوهري بسيط لكن كارثي أيضًا، وهو أن المخطوف لا يستطيع تحرير مخطوف مثله أو إعادته الى الحرية، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، خصوصًا عندما تكون هوية الخاطفين "مجهولة" بل شديدة "الجهالة" لهذه الدرجة؟!
لقد أبدى أهالي المخطوفين اللبنانيين في "إعزاز" فرحتهم بالعملية التي تبنّتها بشكل "تمويهي" مكشوف جهة تطلق على نفسها اسم "مجموعة زوار الإمام الرضا"، وهذا ظنًا من الأهالي أن العملية ستساعدهم في الإفراج عن أقربائهم المخطوفين، وفيما أكدوا أن لا علاقة لهم بها، لوّحوا مجدّدًا بخطوات تصعيدية ضد المصالح التركية في لبنان...لكن هل يعلم هؤلاء أنهم ضلّوا الطريق، وشطحوا كثيرًا في المسافات؟!
منذ أيار 2012، تاريخ حصول عملية خطف اللبنانيين الشيعة في أعزاز السورية، و"حزب الإرهاب المنظم" يضرب كل يوم عرض الحائط بمصلحة المخطوفين اللبنانيين، وذلك برفضه التجاوب مع مطالب الخاطفين، أو حتى في عزوفه عن استخدام نفوذه ومَونته على النظام الأسدي المنهار لتلبية تلك المطالب وبالتالي تحرير من يُفترض أنهم من محازبيه ومؤيديه وقاطني دُويلته، فضلا عن أنهم من "أبناء طائفته" التي هب "لنصرتها" والذود عن "كرامتها" من خلال مشاركته النظام الإرهابي في إبادة الشعب السوري!!
ومنذ ذلك التاريخ أيضًا، والحزب الإيراني يحاول امتصاص غضب أهالي المخطوفين ودَوْزَنة منسوب احتقانهم في آن معًا، وذلك من خلال السماح لهم تحت إشرافه وتنظيمه بتحركات و"فشّات خِلق" مدروسة، سواء عبر قطع طريق المطار أو التظاهر أمام المصالح التركية في لبنان، أو الاعتصام أمام السفارات أو حتى أمام القصر الجمهوري...في تحرّكات لا تخدم قضية المخطوفين الإنسانية في شيء بقدر ما هي عملية مزدوجة الأهداف، فمن جهة أولى يسمح الحزب للأهالي بالتنفيس عن غضبهم، ومن جهة ثانية يستخدم الإهالي وقضيتهم الإنسانية كصندوقة بريد لإيصال رسائل سياسية -ذات أبعاد أمنية أحيانًا- متعددة الأوجه والعناوين، ومن جهة ثالثة يحوِّل نقمة الأهالي الى الجهة التركية لصرفها عن وجهتها الحقيقية المتمثلة بالضاحية الجنوبية، حيث قيادة الحزب الذي بخوضه في دماء الشعب السوري ورّط الطائفة التي يحتكر قرارها في مشاكل كانت في غنى عنها ذهب وسيذهب الصالح فيها بعزاء الطالح.
ألم يخطر في ذهن الإهالي أن حزبهم لن "يغصَّ" بقضية أهلهم الإنسانية، وأنهم لا يشكلون بالنسبة إليه أكثر من رقم في معادلة الموت على مذبح المشروع التوسّعي الفارسي، فالتضحية بتسعة مخطوفين لا تساوي شيئًا إذا ما قورنت بآلاف الإرهابيين الذين زجّ ويزج بهم في أتون النار السورية لقتل شعب ثار على طاغيته، وعاد منهم المئات بين قتيل وجريح وآخرين دفنوا في أرض المعارك؟!
اليوم، حريٌّ بأهالي المخطوفين اللبنانيين أن يصحِّحوا وجهة بوصلتهم، فيثوروا ويضغطوا على الجهة التي يمكنها حقيقة أن تخدم قضيتهم الإنسانية المحقة، بدلاً من أن يسمحوا لتلك الجهة باستخدامهم لمآربها السلطوية الخاصة في أعمال جرمية من شأنها أن تضرب مصالح اللبنانيين في الخارج والداخل، وتزيد سمعة لبنان سوءًا وتسيء الى علاقته الدولية.
* * *
* * *
لا بد من نقل الواقع كما هو، دون إضافات أو مواد تجميلية من شأنها أن تشوِّه الحقيقة أو حتى أن تلطّف من مرارتها.
"هؤلاء لا يستحقون سيارة واحدة بل عشر سيارات". هذا ما صدر كأول تعليق عن أحد مؤيدي الثورة السورية في لحظة غضب عارم انتابته على أثر مشاهدته الصور المروّعة للمجزرة الأسدية الجديدة والأكثر هولاً وإرهابًا من نوعها منذ بداية الثورة، حيث حصدت أكثر من 9 آلاف مصاب و1300 شهيد ربعهم من الأطفال، قضوا تحت تأثير السلاح الكيميائي الذي استهدف به الجيش الأسدي قراهم الثائرة في غوطة دمشق الشرقية.
إذا كان لتلك الإبادة الجماعية من دلالة، فهي بالتأكيد تعكس مدى الدعم العالمي الذي يتلقاه الإرهابي الأوّل "بشار الأسد" في حربه على شعبه، إذ لا نرى تفسيرًا لهذا القتل الوحشي بدم بارد غير ذاك التأييد أو التفويض العالمي الذي يجعل من النظام الإرهابي يمضي مطمئنًا في ممارسة إجرامه، خصوصًا أن مسرح الجريمة يقع على بُعد 10 دقائق من مقر إقامة بعثة المفتشين الدوليين التي وصلت قبل يوم واحد الى دمشق للوقوف على حقيقة استخدام السلاح الكيميائي في خلال الثورة التي حوّلها النظام وحلفاؤه الى حرب إبادة مسعورة لكل معارض انتفض مطالبًا بحريّته وكرامته.
أما مجلس الأمن "البشّاري"، فلم يملك حيال هذه الجريمة الكيميائية أكثر من الإعراب عن قلقه دون تحديد الطرف المسؤول عن الجريمة، واعتبارها "انتهاكًا للقانون الدولي" فيما لو ثبت فيها استخدام تلك الأسلحة. ولا داعي للعَجب، فالمجتمع الدولي الذي لم تُحرّكه لنصرة الشعب السوري أرواح أكثر من مئة ألف شهيد على أقل تقدير موثقين بالأسماء، هل سيتحرّك اليوم لأن عددهم زاد 1300 قضوا بالكيميائي وفي يوم واحد؟!
ربما استطردنا في الحديث عن تلك الإبادة الجماعية الجديدة التي أستفاق على هولها العالم في 21/8/2013، لكن ماذا عن دلالة تلك العبارة الخطيرة ("هؤلاء لا يستحقون سيارة واحدة بل عشر سيارات")، التي صدرت كأول ردة فعل عن أحد مشاهدي المناظر المروعة لأطفال قتلى وكأنهم نيام، فضلا عن أولئك الذين لفظوا أنفاسهم الأخيرة أمام عدسات الكاميرا والرغوة البيضاء تخرج من أفواهم فيما تنتفض أجسامهم الناعمة وتتلوّى بحالات رجفان وانقباض عصبي جرّاء استنشاقهم الغازات السامّة الممانِعة والمقاوِمة؟
لا شك أن قائل تلك العبارة الخطيرة كان يقصد انفجار السيارة المفخخة الأخير الذي ضرب منطقة الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية، والذي خلّف 30 قتيلاً وأكثر من 300 جريح في 15/8/2013. ولتلك العبارة دلالتان واضحتان ونتيجة:
أما الدلالة الأولى، فهي أن قسمًا من المواطنين اللبنانين أو حتى من الشعوب المتضامنة مع مأساة الشعب السوري، بات يُحمِّل "حزب الإرهاب المنظَّم" المسؤولية ليس فقط عن جرائمه الخاصة التي ينتهك بها حرمات الشعب السوري، إنما مسؤولية جرائم حليفه النظام الأسدي أيضًا، وأصبح لا يجد حرجًا في انتهاج أو تأييد أسلوب المعاملة بالمِثل.
وأما الثانية، فهي أن الحزب بانخراطه العلني في حرب الإبادة على الشعب السوري، قد هيّأ التربة اللبنانية لتقبُّّل بذور الفتنة وإنبات حقد وحنق ونقمة قد ينفجر في أي وقت حربًا مذهبية طائفية طاحنة.
وأما النتيجة، فهي أن تلك العبارة -التي لا تشكِّل أكثر من عيِّنة بسيطة لما يُقال في المجالس الخاصة- إضافة الى انفجار الرويس الأخير، ينسفان بشكل كامل الذرائع الواهية التي برّر بها الحزب الإرهابي تدخلّه العسكري في سوريا، كزعمه قطع الطريق على ما يسميه بـ"الجماعات التكفيرية" من التوجه الى لبنان، عملاً بنظرية "الحرب الوقائية" التي تبيّن أنها محرّمة على "جورج بوش" ومباحة لـ"لولي الفقيه".
الملاحظ اليوم أن "حزب الإرهاب المنظَّم" ينتهج أسلوب التلطي خلف ما يسمّيه بـ"الجماعات التكفيرية"، ليس فقط لكي يبرّر تدخله الآثم في سوريا وإظهار نفسه بمظهر الضحية أو المستهدف، بل ليُبعد عن إدراك الناس أنه هو والدولة الفتنوية التي يعمل لمشروعها التكفيريون الحقيقيون والأوائل في المنطقة؛ لن نعود الى أمهات كتبهم إنما سندينهم من أفواههم، فها هو رئيس الهيئة الشرعية في الحزب الشيخ "محمد يزبك" في كلمة له بتاريخ 8/10/2012 يكشف قناع حزبه التكفيري، فيُصرِّح بعد تشييع حزبه أحد العناصر الذين هلكوا أثناء قيامهم بواجبهم الإرهابي" في سوريا، معلنًا الإرهابي الهالك "شهيد الواجب والدفاع عن الأمّة، وقد استُشهد في معركة كان يُدافع فيها عن كرامة الإسلام والمسلمين"! ما يعني أن الحزب وبلسان رئيس هيئته الشرعية يُكفِّر الشعب السوري ذو الغالبية السنية، ويخوض على امتداد المنطقة حربًا دينية طائفية مذهبية حاقدة بكل ما للكلمة من معنى.
طبّاخ السم لا بد أن يذوقه يومًا ما، ومن قرع الباب عليه أن يسمع الجواب، أما الخاسر الأكبر فهو لبنان بكافة طوائفه وخصوصًا الطائفة المخطوفة التي جعلها إرهاب الحزب في دائرة الاستهداف. وها هو الحزب الإرهابي يحصد بعضًا من نتائج مشاركته سفّاح الشام في سفك الدم السوري، ويدفِّع الشعب اللبناني فاتورتها رغمًا عنه...لكن بما أن الحزب قد صرّح مرارًا وتكرارًا أنه مدرك تمامًا لكافة تبعات قراره بالتدخل عسكريًا في سوريا، فما سبب حنقه واحتداده وغضبه الزائد في خطابه الأخير، أم أنه اكتشف أن كلامه النظري كذّبه التطبيق؟!
ما نستطيع قوله الآن هو أن لبنان دخل في النفق المظلم، فأمين عام حزب السلاح سعى الى الفتنة منذ ارتكاب حزبه "جريمة العصر" في 14/2/2005، وها هو اليوم يتوِّج جهوده فيُعلن في 16/8/2013 لبنان عراقًا ثانيًا، موجّهًا رسالته التهديدية للمسلمين والمسيحيين على حدّ سواء:"مخطئ من يظن أن الجماعات التكفيرية إذا كانت وضعت السيارة المفخخة في الضاحية فلن تضعها بمكان آخر،(...) الفاعل وضعها بالضاحية وبتاريخ 9ـ7 وضعها في الضاحية، ولكن أين سيضعها في الغد؟ (...)هؤلاء التكفريون يقتلون السنة كما يقتلون الشيعة، ويقتلون المسلمين كما يقتلون المسيحيين، ويفجرون المساجد كما يفجرون الكنائس، (...) ويوجد أيضاً الكثير من الشواهد قادمة على الطريق".
* * *
* * *
فلْيحترق لبنان، إيران أولاً. فلْتشتعل المنطقة، ولاية الفقيه أولاً. فلْيُقتل الأبرياء أيًا تكن طائفتهم، الهلال الصهيو-إيراني أولاً. فلْتسل أنهار الدماء، المشروع الفارسي أولاً. فلْتُفتح أبواب الفتنة، مشروع الشرق الأوسط الجديد أولاً. فلتُبَد الشعوب، الأسد رجل إسرائيل وإيران أولاً. إنها باختصار خلاصة الاستراتيجية الفتنوية التي يسير عليها "حزب الإرهاب المنظّم" في لبنان والمنطقة من يوم تأسيسه.
23/8/2013، يوم أسود جديد يُضيف نفسه عنوة ويفرض وجوده قهرًا على رزنامة لبنان الحزينة المثقلة بحروب الآخَرين والملطخة بدماء الأبرياء. يد الإرهاب اختارت أن تضرب هذه المرة طرابلس، مدينة الثقل السنّي الأولى في لبنان، وحاضنة الثورة السورية المجيدة، والعصيّة على الخضوع لسيطرة النظام الأسدي المحسوب زورًا الى الإنسانية ولحلفائه الإرهابيين من حَمَلَة الهوية اللبنانية.
تفجيران إرهابيان بواسطة سيارتين مفخّختين أمام مسجدين سنّيَين يغصان بآلاف المصلين يوم الجمعة، ذاك كان المشهد الدموي العراقي بامتياز الذي شوّه الفيحاء حاصدًا 45 شهيدًا و500 جريح، وذلك في محصّلة أوليّة، لكنها كافية لتفوق حصيلة أي تفجير دموي مماثل منذ انتهاء الحرب في لبنان.
إشعال الفتنة السنية-الشيعية كان هدف المخطط الإرهابي للتفجيرين، وهو ما أجمع على ذكره الكلّ لأي طائفة أو حزب انتمَوا، وسواء كان إقرار بعضهم عن قناعة أو عن دراية أو عن تمويه، فالتفجيران اللذان استهدافا الثقل السني تليا تفجيرَين ضربا الثقل الشيعي الذي يقع تحت قبضة "الحزب الإيراني"؛ غير أن تقاطع الآراء حول هدف هذه التفجيرات قابله تباين واختلاف حول هوية الجهة المستفيدة أو المسؤولة عن مخطط إحراق لبنان، وكان أوّل من قطَع -عن غباء أو دهاء- بهويّة المرتكبين وأعطاهم الغطاء التمويهي والذريعة لتنفيذ جريمتهم الأمين العام لحزب السلاح، الذي حذّر في خطابه الأخير من تكفيريين عملاء لإسرائيل سيفجرون المساجد والحسينيات والكنائس.
بقراءة متأنية للمشهد السياسي في لبنان والمنطقة، يمكننا حصر من يُحتمل أن يكون وراء إشعال الفتنة بأربع جهات:
أولاً، ثمة إسرائيل، العدو الصهيوني الذي لا خلاف على إرهابه ودهائه في إشعال الفتن؛ غير أن احتمال وقوفه وراء المشهد الدموي الحالي في لبنان ضئيل جدًا، لأن مِن شأن أي فتنة طائفية أن تضعف "حزب الإرهاب المنظم" الذي يضبط الحدود في الجنوب اللبناني ويحرسها من جهة، ويقدِّم من جهة ثانية الخدمات الجليلة لإسرائيل بقتاله الى جانب النظام الأسدي الذي لا يزال الخيار الوحيد الذي لا بديل عنه حتى الآن بالنسبة لإسرائيل.
ثانيًا، "حزب الإرهاب المنظم"، وهذا احتمال وارد غير أن نسبة ترجيحه متوقفة على قراءة الحزب للمجريات الميدانية العسكرية في سوريا؛ فإذا كان لا يزال متوهمًا أن باستطاعته إنقاذ النظام الأسدي من العدالة الإلهية ومن ثورة شعبه، وبالتالي حماية الهلال الصهيو-إيراني من الإنكسار والانهيار، ففي هذه الحالة تورطه في تلك التفجيرات مستبعد، لأنه لا يزال حاكمًا للبنان ومتحكّمًا بجميع مفاصله، وبإحراقه البلد يهدّد استقرار حُكمه ويكون قد أجبر نفسه على الانسحاب من مستنقع الدماء السوري لحماية بيئته في الداخل.
أما في حال تيقُّن الحزب أن الأسد بات يلفظ أنفاسه الأخيرة وأن الثورة ماضية الى نصر أكيد، وأن جهوده الإرهابية في إبقائه على كرسي العمالة والإرهاب فاشلة لا محالة، ففي هذه الحالة يصبح للحزب في إحراق لبنان مصلحة، ألا وهي جرّ معارضيه تحت وطأة الدماء ورائحة الجثث المتفحمة أيًا تكن طائفتها نحو مؤتمر تأسيسي يفرض فيه شروطه كتعويض رمزي عن خسارته "بشار الأسد" وانهيار الامبراطورية الفارسية اللذَين لا يقدّران بثمن.
ثالثًا، النظام الأسدي المتهاوي، واحتمال وقوفه وراء إشعال الفتنة في لبنان قوي جدًا، فهو يريد تصدير أزمته الى الدول المحيطة به لإثبات جدارته بمهمة العمالة الأولى في المنطقة وبالتالي دفع المجتمع الدولي الصهيو-أميركي الى مزيد من التمسك ببقائه، وسبق له أن توعّد بحرق المنطقة إذا مُس نظامه، كما أنه يريد اليوم إثارة الغبار الكثيف لتعمية الأنظار وحرفها عن إبادته "الغوطة" بالأسلحة الكيميائية. أضف الى ذلك-وهو الأهم- أن هذا النظام اختلفت حساباته منذ اشتعال الثورة السورية مع حسابات الحزب الإيراني لبنانيًا وإن اتفقت تمامًا سوريًا، فالحزب لا يريد للسلطة أن تفلت من قبضته بفتن وحوادث أمنية تهدد استقرار الدولة التي يخطفها، الأمر الذي دفع الأسد الى تشكيل خلية "سماحة-مملوك" وأخواتها لتنفيذ مخططه، وإلا لكان استعاض بقدرات الحزب الإيراني عن المخاطرة في تكليف "ميشال سماحة" بمهام إرهابية أمنية ونقل متفجرات من سوريا، ذلك أن المتفجرات والأموال والعناصر الحاضرة للتنفيذ موجودة لدى حليفه الإيراني في لبنان بوفرة.
رابعًا، جماعات متعاطفة مع مأساة الشعب السوري، أيًا تكن جنسيتها أو تصنيفها السياسي أو العقائدي، غير أن احتمال مسؤوليتها عن التفجيرات كلها غير منطقي، لأنها لا تريد الفتنة المضرة بالثورة إنما الانتقام لشهدائها، وبالتالي لن تضرب الثقل السني الحاضن للثورة السورية، أما احتمال مسؤوليتها عن تفجيرَي الضاحية فلا يمكن استبعاده، خصوصًا أن الحزب بتورّطه وخوضه في دماء الشعب السوري شرّع أبواب بيئته الحاضنة على أية عمليات انتقامية ردًا على إرهابه في سوريا.
وإذا عرفنا الجهات الثلاث الأكثر رجاحة في الوقوف خلف مخطط إشعال لبنان، توضح أمامنا توقيت خروج لبنان من نفقه المظلم.
فإذا كان "حزب السلاح" هو المسؤول، فيكون التفجيران قد أتيا كترجمة فورية لخطاب سيّد السلاح الأخير الذي أعلن فيه لبنان عراقًا ثانيًا، وبالتالي سيبقى لبنان بقرار إيراني عالقًا في نفقه المظلم الى حين رضوخ الجميع لشروط الحزب في مؤتمر تأسيسي.
وإذا كان النظام الأسدي هو المسؤول، فيكون التفجيران وما سبقهما قد أتوا كترجمة متأخرة لمخطط "سماحة-مملوك"، وبالتالي لبنان باق في نفقه المظلم الى حين انتصار الثورة وسقوط ذلك النظام المجرم، وربما الى ما بعد سقوطه بفترة قليلة.
أما لو كان المسؤول جماعات متعاطفة مع الثورة السورية، فلبنان باق في نفقه المظلم الى حين سحب الحزب جحافله الإرهابية من سوريا على أقل تقدير.
وعلى جميع الأحوال، لا خروج للبنان من نفقه المظلم قبل سحب الحزب إرهابييه من سوريا، ولا قبل زوال النظام المجرم.
* * *
* * *
لم تكد تمضي سنة ونصف السنة على بداية انتفاضة الحرية والكرامة في سوريا، حتى أصبحت رسالة المجتمع الدولي واضحة أكثر من أي وقت مضى.
نحن المدعوّين المجتمع الدولي -بما فيه أميركا وروسيا وإسرائيل وإيران- نفيد التالي: أيّها الشعب السوري الثائر لقد تجرّأت على المسّ بالمعادلتَين التوأمَين الصهيو-أميركية والصهيو-إيرانية في المنطقة، وإننا في ظل غياب بديل مقنع قادر على إكمال عمالة "الأسد" ومشروعه الفارسي والصهيوني بقناع ديمقراطي، لن نسمح لكَ بقلب تلك المعادلة والعبور الى سوريا الحرية والكرامة إلا على جثث ثوّراك وأطفالك وعلى أنقاض كبرى مدنك وأعرقها تاريخًا وحضارة "حماه" و"حمص"و "حلب" و"الشام"؛ فبغير سوريا مدمَّرة بنيويًا وعسكريًا واقتصاديًا لا يمكن أن نعوِّض جزءًا يسيرًا من خسارتنا "الأسد"، ولا أن نأمن على إسرائيل وما تبقّى لنا من مصالح في المنطقة.
أما الشعب السوري البطل، فكان ردّه أكثر وضوحًا وتحديًا وصراحة على المتآمرين، وقد أعلنه بإيمان عظيم منذ أول يوم للثورة: "الموت ولا المذلة، ويا الله ما لنا غيرك يا الله".
21/8/2013، تاريخ لن ينساه العالم، الدكتور الإصلاحي خرّيج جامعات بريطانيا (كما وصفته أميركا في بداية الثورة والبطريرك بشارة الراعي)، والمقاوم والممانع والعروبي (كما يحلو لمحور الشر تسميته وحثالة من المعمّمين السنّة)، الإرهابي الأول "بشار الأسد" يُبيد غوطة دمشق الشرقية بالسلاح الكيميائي حاصدًا في ساعة واحدة أكثر من 1600 شهيد و9آلاف مصاب.
وصمة عار على جبين المتخاذلين عن نصرة الشعب السوري منذ أن قلع الوحش الأسدي أظفار أطفال "ّدرعا" الذين كتبوا على جدران حيّهم ببراءة بل بشجاعة عجز عنها بدايةً الكبار "الشعب يريد إسقاط النظام". بيد أن وصمة العار هذه شكّلت على ما يبدو نقطة تحوُّل في الأزمة السورية.
تشكيك باستخدام السلاح الكيميائي ومطالبة بتحقيق دولي، أو تلميح أن المعارضة هي من استخدمته، واستنكار عام للجريمة مع تجهيل المجرم! تلك كانت ردود الفعل الدولية يوم حصول الإبادة، قبل أن تنجلي الصورة وتُفهم الرسالة المزدوجة: بشار الأسد أعلن سقوطه بنفسه وأثبت لجميع المراهنين عليه عدم قدرته على إكمال رسالة العمالة التي ورثها عن أبيه وعن جده الأكبر، إذ لو كان قادرًا على وأد الثورة والتخلّص من معارضيه بالسلاح التقليدي ما كان ليستخدم الكيميائي محرجًا الضمير العالمي و"زلّة لسان" الخط الأحمر "الأوبامي"، أما الشعب السوري فلن يركع لجلاده وسيكمل مسيرة الحرية وإسقاط الأقنعة حتى آخر ثائر في أضيق حارة.
25/8/2013، يوم التحولات العالمية؛ لقد أضيئت بالأحمر الخطوط الهاتفية للمكالمات بين العواصم الكبرى. البيت الأبيض يعلن أن الرئيس الأميركي بحث مع نظيره الفرنسي في اتصال هاتفي إمكانية القيام بردّ دولي منسق بعد الهجمات الكيميائية؛ و"الإليزيه" يؤكد أن الرئيس الفرنسي شدد على أن "كل المعلومات تتقاطع لتأكيد أن نظام دمشق شن تلك الهجمات. أما العنوان العريض لمكالمة أوباما ورئيس الوزراء البريطاني فكان الاتفاق على "رد جدي".
وقبل تلك المكالمات كانت لافتة الزيارة الخاطفة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" الى إسرائيل، فيبدو أن فرنسا لم تقرّر تصعيد لهجتها والتورّط في وعود ممنوعة التطبيق قبل أخذ إذن إسرائيل وليّة أمر النظام الأسدي وراعية لعبة توزيع الأدوار بين الفيتو الروسي ومشاريع قرارات أميركا والأوروبيين. وبالفعل، ومن القدس المحتلة وعقب اجتماعه الى "نتنياهو" أعلن "فابيوس" في مؤتمر صحافي مشترك قرار موافقة إسرائيل على عمل عسكري ضد "الأسد"، وهو ما يُستشف تصريحه أن "الهجوم بالسلاح الكيميائي قرب دمشق هو أمر مؤكد وكذلك مسؤولية النظام السوري عن هذا الهجوم". لتتوالى بعد ذلك التحركات والاجتماعات العسكرية العربية والغربية، وتجعلنا نكاد نجزم -والعبرة في التنفيذ- بأن حلف شمال الاطلسي (ناتو) سيسدّد (من خارج مجلس الأمن) جزءًا من ديون الأسرة الدولية للإنسانية وللشعب السوري بتوجيه ضربة عسكرية مرتقبة الى مواقع محددة داخل الأراضي السورية.
هذا، ولم تعلن روسيا في اليوم التالي عن أنها "لن تتدخل ولن تنجر الى حرب حتى إذا هوجم النظام السوري" إلا بعد أخذها علمًا بالضوء الأخضر الإسرائيلي. كما أن إيران ستحذو حذو روسيا وستكتفي بالخطابات والتحذيرات والإدانات الكلامية المفرّغة من أي مضمون عملاني، لأنها تعلم جيدًا الحدود والمساحة المسموح لها بل المطلوب منها اللعب داخلها صهيو-أميركيًا؛ ولعل هذا ما سيوصله الديبلوماسي الأميركي "جيفري فيلتمان" الذي توجّه لزيارة إيران.
انطلاقًا من وصف أميركا وإسرائيل غير مرّة امتلاك نظام "الأسد" السلاح الكيميائي بـ"الأيادي الأمينة"، وذلك في معرض تطمينهما الشعب الإسرائيلي -لا السوري- بأن تلك الأسلحة لن تُستخدم ضده، وتحذيرهما المستمر من وقوع تلك الأسلحة في "الأيادي الخطأ" على حد تعبيرهما أيضًا، أي أيدي الثوار، نقول:
إن الضربة العسكرية المرتقبة -والعبرة في التنفيذ- إذا كانت لإضعاف "الأسد" فقط وتجريده من الكيميائي، فهي خطوة منتظرة وأقل الواجب من المجتمع الدولي تجاه حرب الإبادة والمأساة التي سببها المجرم "بشار الأسد" للشعب السوري، غير أنها تبقى خطوة منقوصة إذا لم تشمل ضرب الأهداف الكفيلة بإنهاء الحكم الأسدي، وبالتالي الغاية منها ليست حماية الشعب السوري بقدر ما هي حماية إسرائيل أولاً، أو بعبارة أخرى الحؤول دون اقتراب وقوع الترسانة الكيميائية في أيدي الثوار، وتجريد سوريا الجديدة المحرَّرة من هذا السلاح.
وسواء كان الهدف من الضربة -على فرض حدوثها- تجريد الأسد من الكيميائي (وهو الأرجح) أم القضاء على نظامه (وهو المستبعد)، تبقى الحقيقة المدوية والمشرّفة التي يجب أن لا يغفل عنها أحد، ألا وهي أن الشعب السوري فرَض إرادته على العالم، فقرار التدخل العسكري بحد ذاته ما كان ليُؤخذ لولا صمود ثورة الحرية والكرامة المجيدة وقافلة الشهداء والمصابين التي قدّمتها، ولولا إدراك المجتمع الدولي وإسرائيل تحديدًا أن الشعب السوري الأبي لم يُبقِ لرَجُل إسرائيل وإيران أية حظوظ أو آمال في استعادة السيطرة والعودة الى حكم سوريا من جديد.
* * *
* * *
"السلاح الكيميائي السوري يشكل تهديدًا للأمن القومي الأميركي ولبلدان أخرى في المنطقة" (باراك أوباما). "السلاح الكيميائي السوري يشكل تهديدًا للأمن القومي البريطاني" (دايفد كاميرون).
الكل حاول إيراد شيء من التلميح الى الحقيقة في سياق خطاب التضليل الدعائي الذي اعتمده الغرب للإيهام أن هدف الضربة العسكرية المزمعة هو "معاقبة الأسد" أو "تأديبه" أو "حماية الشعب السوري"... لكن وحدها السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة "سامنتا باور" امتلكت الجرأة الكافية على قول الصدق وكشف الحقيقة، فأعلنت في 6/9/2013: "أميركا لن تسمح بوقوع السلاح الكيميائي في أيدي الارهابيين"!
إعلان مدوٍ، وإقرار غير متوقع ربما تفلّتَ من فم تلك السفيرة عن زلّة لسان، ومع ذلك لم يتلقفه الإعلام المؤيد ولا المعارض للضربة بعمقِ تحليل وكثير اهتمام.
إجمالاً، كرّرت "باور" بألفاظها الخاصة، عبارة رجل النظام السوري النافذ "رامي مخلوف" ابن خال بشار الأسد، الذي صرّح في 10/5/2011 لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية: "إذا لم يكن هناك استقرار هنا (في سوريا) فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل. لا يوجد طريقة ولا يوجد أحد ليضمن ما الذي سيحصل بعد، إذا لا سمح الله حصل أي شيء لهذا النظام"!
أما تفصيلاً، فلو كانت "سامنتا باور" تقصد النظام الأسدي بتصريحها ذاك لقالت: "أميركا لن تسمح ببقاء (بدلاً من "وقوع") السلاح الكيميائي في أيدي الإرهابيين"، فالسلاح الكيميائي لا يزال في أيدي النظام الأسدي التي لطالما وصفتها أميركا بالأمينة، وهو لم يقع بعد في أيدي سواه، إذًا عصابة الأسد ليست مشمولة بصفة "الإرهابيين" وليست معنية بذلك التصريح؛ وبالتالي فإن "أيدي الإرهابيين" التي لن تسمح أميركا بوقوع الكيميائي فيها، هي بلا ريب أيدي المجموعات المسلّحة الثائرة والمعارضة للأسد.
المطلوب إذًا منْع وقوع السلاح الكيميائي في أيدي الثوار على اختلاف فرقهم وتشعب انتماءاتهم وتنوّع أيديولوجياتهم، خصوصًا أن لا شيء يضمن إذا ما حصل هذا "المحظور" أن لا يتم استخدام هذا السلاح ضد إسرائيل، أو حتى "هجرته" الى أميركا وأوروبا، حيث قد تستخدمه جماعات معيّنة في تركيبة عبوات متفجرة تستهدف أماكن عامة كمحطات القطارات في واشنطن أو لندن أو باريس مثلا...
ومن هنا نقول، نعم، لقد فرَض الشعب السوري إرادته على العالم بالتخلّص من نظام الإرهاب الأسدي، ولو جزئيًا.
فبعد اقتناعها بأنه زائل-زائل، ها هي إسرائيل ممثّلة بالمجتمع الدولي -بما فيه أميركا وروسيا وإيران- تبدأ جديًا وتدريجيًا بتفكيك الآلة العسكرية التي يقوم عليها نظامها الإرهابي في سوريا، وذلك عبر تجريد عصابة المجرم بشار الأسد من الترسانة الحربية التي استُئمِنَ عليها طوال أربعة عقود لاحتلال سوريا وحماية إسرائيل... وها هي تقرّر المضي بالمرحلة الأولى المقتصرة على التخلّص من الكيميائي بوصفه السلاح الأخطر، على أن تليها -كما هو مرجح قُبيل إعلان الثورة انتصارها- مرحلة ثانية تقضي بتدمير الصواريخ بعيدة المدى وكل سلاح استراتيجي قد يشكّل خطرًا على إسرائيل من سوريا الجديدة الحرة والخالية من العمالة الأسدية...فكما ذكرنا مرارًا، بغير سوريا مدمَّرة بنيويًا وعسكريًا واقتصاديًا لا يمكن للعدو الصهيوني أن يعوِّض جزءًا يسيرًا من خسارته "الأسد"، ولا أن يأمن على نفسه.
الأم لم تتبرّأ من ابنها البار ولم تتخلَّ عنه، كلا، كل ما في الأمر أنها تريد اليوم أن تنزع من يد ولدها تلك اللعبة الخطرة التي سمحت له باقتنائها يومًا ما واستأمنته عليها لسنوات طويلة، وهي لم تتخذ قرار النزع إلا بعدما شعرت أن أولئك الذين يلعب معهم ولدها باتوا يضاهونه في القوة لدرجة لم يعد بإمكانه معها المحافظة على ألعابه الخاصة، ومن شأن تلك اللعبة الخطرة إذا ما سقطت من يد ولدها الأمينة ووقعت في أيدي الآخرين المجهولة، أن تؤذي الابن والأم نفسها بل ربما بعض أقربائها...ولذلك باتت الأم مستعدّة لاستخدام العنف مع ولدها -على كُره منها- إذا ما رفض التخلّص من تلك اللعبة أو تسليمها لها بالحسنى، وذلك حرصًا على ولدها، لكن على نفسها وعائلتها قبل أي اعتبار آخر.
أدرك "بشار" جدية المجتمع الدولي في ضرب المخزون الكيميائي الذي يمتلكه، فالضوء الأخضر الإسرائيلي أعطي لإتمام العملية، ووزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" لم يؤكد مسؤولية النظام عن الهجوم الكيميائي في 25/8/2013 إلا من القدس المحتلة وعقب لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي، كما أن اللوبي الإسرائيلي بدأ بجولات مكوكية على أعضاء الكونغرس الأميركي لحثهم على التصويت لصالح الضربة.
هذا بالنسة للأم "إسرائيل"، أما الحليفة البعيدة "الصين" فغابت عن السمع، وكانت المفاجأة لدى الحليفة القريبة "روسيا"، التي رضخت للقرار الإسرائيلي من خلال تأكيدها في 26/8/2013 على لسان وزير خارجيتها، أن "لا نية لديها للدخول في صراع عسكري بسبب الحرب الأهلية في سوريا،(...) روسيا لن تتدخل ولن تنجر الى حرب حتى إذا هوجم النظام السوري"، لتُعلن فيما بعد أنها عدّلت أماكن بوارجها في المتوسط إفساحًا في المجال أمام الضربة!
أما رمز المقاومة والممانعة بلا منازع "إيران"، فقد تولى أمرها الدبلوماسي الأميركي "جيفري فيلتمان" الذي زارها واجتمع الى قياداتها في 26/8/2013، فذكرهم بقوانين اللعبة والمساحة المسموح لهم صهيو-أميركيًا باللعب داخل إيطارها، وبالفعل مارس الإيرانيون ومُلحقاتهم دورهم المقاوم والممانع "للشيطان الأكبر" و"الإمبريالية" و"الاستكبار العالمي" على أكمل وجه عبر المواقف التالية:
أولاً: غياب تام وسكوت مدوٍ لأمين عام "حزب الإرهاب المنظم" الإيراني في لبنان "حسن نصر الله"، فلا ظهور إعلاميًا، ولا تهديدات بإزالة إسرائيل من الخارطة، ولا عنجهيات كلامية برد صاروخي من لبنان، ولا حتى صرخات إعلامية لتخوين العرب، مع أن الاستعدادات الجارية للضربة توفّر مادة دسمة جدًا لتلك العروض الدعائية الكاذبة؛ كل ما استطاع تقديمه لحليفه الأسدي، أن الحزب اكتفى ببيان في 5/9/2013، أعلن فيه رفضه أي "عدوان" أميركي على سوريا، واصفا إياه بـ "الارهاب المنظم" الذي يشكل "تهديدا سافرًا للسلم والأمن الاقليمي والدولي".
ثانيًا: وفي اليوم نفسه، وجّه الرئيس الإيراني "حسن روحاني" تهنئة إيرانية غير مسبوقة لـ"جميع اليهود" بمناسبة "هوش راشناه" أو يوم رأس السنة العبرية، وقد سطّر أسمى معاني المقاومة وأعظم نماذج الممانعة، عندما نأى ببلاده عن أي رد فعل عسكري على أي ضربة توجه لنظام بشار الأسد، قائلاً:"إذا حدث شيء للشعب السوري، فإن الجمهورية الإسلامية في إيران سوف تقوم بواجباتها الدينية والإنسانية بإرسال الدواء والغذاء إليه"!! وكانت المكافأة فورية، بموقف "حسن نية" غربي باتجاهه تمثل في الامتناع عن استهداف طهران في اجتماع نووي للأمم المتحدة الأسبوع المقبل.
ثالثًا: أما وزير الخارجية الإيراني الجديد "محمد جواد ظريف"، فقد التقط لواء الممانعة والمقاومة من يد رئيسه، ليغازل إسرائيل مكررًا التهنئة بالعيد اليهودي، ومؤكدًا في 6/9/2013 أن إيران تدين "مجزرة النازيين ضد اليهود" خلال الحرب العالمية الثانية، معتبرًا أن "إيران لم تنكر يومًا الهولوكوست، والرجل الذي اعتبر أنه ينكر ذلك (محمود أحمدي نجاد) رحل الآن".
رابعًا: وبالنسبة للمجرم "بشار"، فقد أوعز في ذلك اليوم الى رئيس مجلس نوابه "جهاد اللحام" بتقديم طلب استرحام لدى أميركا، فناشد "اللحام" الكونغرس الأميركي عدم السماح بضربة عسكرية أميركية على سوريا. في المقابل، وفي رسالة موجهة حصرًا الى الجمهور الذي لا تزال تنطلي عليه أكاذيب وترّهات الممانعة والمقاومة والعروبة، حذّر"الأسد" الغرب من "أن حلفاء بلاده (أصحاب شعار"الموت لأميركا الموت لإسرائيل، الذين أوردنا مواقفهم المشرّفة أعلاه) لن يسكتوا إزاء تعرض بلاده لضربة عسكرية"، مهدِّدًا واشنطن بأنها "ستدفع الثمن" اذا ضربت سوريا.
في 9/9/2013، دون أن تطلق أميركا رصاصة واحدة، خضع بشار الأسد لإملاءات موسكو الذي جرى تنسيقها دوليًا ثم الترحيب بها على الفور، فأعلن النظام موافقته على "اقتراح" روسيا وضْع ترسانته من الأسلحة الكيميائية تحت إشراف دولي ريثما يُصار الى تدميرها بشكل آمن، مستسلمًا لضربة عسكرية صهيو-أميركية لم تبدأ بعد ويبدو أنها تأجلّت الى حين التأكد من صدق الأسد بتسليم مخزونه... ليتبيّن بوضوح أن المطلوب حماية السلاح الكيميائي من الوقوع في أيدي الثوار لا معاقبة الأسد، وأن الحرب العالمية الثالثة ستبقى مستمرة ضد الشعب السوري، الذي عليه أن يُكمل مسيرة تحرّره وحيدًا ضد وحش حر طليق يملك تفويضًا دوليًا لإبادة شعبه... لكن بغير الكيميائي.
* * *
* * *
"مقاومة ممانعة عروبة"... "حربًا حربًا حتى النصر..زحفًا زحفًا نحو القدس"... "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل"... "لا لمشاريع الإمبريالية والإستكبار العالمي"...قبضات مرفوعة ووجوه عابسة وحناجر آلية تهتف بباقة شعارات دعائية "مغنّاة" بنبرة استعلاء واستكبار وفوقية تعتريها إيحاءات تخوينية... تلك هي "عدّة الشغل" و"سر المهنة" منذ عام 1979 تاريخ إنجاح الثورة الخمينية بدعم دولي.
بيد أن "عدّة الشغل المقاوَمَتية" تلك لم يعد لها أي معنى بعد "الملاحم البطولية" التي سطّرها جهابذة محور الشر المتهالك في أيلول 2013؛ فإذا كان المثل اللبناني القائل "أيلول طرفه بالشتاء مبلول" قد صدق "بيئيًا" هذا العام، فقد صحّ سياسيًا لهذا الشهر مثل جديد "أيلول بدروس المقاومة والممانعة مطبول".
سوريًا، بعد سلسلة محاضرات ألقاها على مسامعنا النظام البعثي على مدى أربعة عقود، بدءًا من محاضرة "كيف تكون مقاومًا وممانعًا من خلال بيع الأرض وحراسة الاحتلال"، مرورًا بمحاضرة "إبادة الشعب السبيل الأنجع لبقاء النظام" المستمرة منذ سنتين ونصف السنة... كنا في 9/9/2013 مع محاضرة قيِّمة لدكتور الإرهاب البارودي-الكيميائي "بشار الأسد" بعنوان "أثر تسليم السلاح الاستراتيجي في استرضاء العدو وإطالة عمر النظام"!
فبعد إيعازه لرئيس مجلس نوابه "جهاد اللحام" بتقديم طلب استرحام لدى أميركا، من خلال مناشدة الكونغرس الأميركي عدم السماح بضربة عسكرية أميركية على سوريا، أعلن "الأسد" موافقته على تسليم أهم وأخطر سلاح استراتيجي يمتلكه على الإطلاق في مقاومته وممانعته المزعومتَين ضد إسرائيل، وخضوعه للإملاء الروسي-الأميركي-الإسرائيلي المشترك بوضْع ترسانته من الأسلحة الكيميائية تحت إشراف دولي ريثما يُصار الى تدميرها بشكل آمن، مستسلمًا لتهديدات جدية بضربة عسكرية تخلّى عن نصرته فيها جميع الحلفاء قبل أن تُطلَق رصاصة واحدة!
وكانت قمّة الإبداع التضليلي، مع مجموعة تحليلات "مقاوَمَتِية" تحت عنوان "ضَعِ العقل جانبًا واستمِع"، افتتحها الجنرال المقاوم "أمين حطيط" في 11/9/2013 في مقابلة تلفزيونية بدا فيها هزيلاً ومتخبِّطًا ومتفذلكًا ومربكًا في محاولته التخفيف عن جمهوره من ثقل فضيحة "الأسد" ومحوره، فحاول رفع المعنويات معتبرًا أن "الأسد صنع لعدوه هزيمة يستطيع أن يتقبّلها"، ليخلص الى التقليل من أهمية تخلي الأسد عن سلاحه الاستراتيجي معتبرًا:"أن السلاح الكيميائي يُملَك ولا يُستعمل ومن الحُمق استعماله مع مَن يملك النووي، (...)وبالتالي ليس السلاح الكيميائي السلاح الأخطر الذي يملكه النظام إنما الصواريخ بعيدة المدى"! وتابع: "إن سوريا التي خُيِّرت بين دفء غطاء الكيماوي الذي لا يشكِّل دفئا يُطمئَنُّ له، وبين دفء ضمانة روسيا التي تملك النووي، أعتقِد أنه من العقل أن تختار الدفء الثاني"!!
واستكمالاً لسلسلة تحليلات "ضَعِ العقل جانبًا واستمِع"، كان وزير الإرهاب الأسدي "علي حيدر" في 15/9/2013 يترجم شعوره بـ"الدِفء"، واصفًا الاتفاق الروسي-الأميركي بأنه يشكّل "انتصارًا لسوريا"! وذلك قبل أن يكون ختامها مع جرعة "دفء" زائدة من المحلِّل المقاوم "حسام مطر" الذي بلا شك أدهش العالم بقوله في 16/9/2013: "أوباما تخوَّفَ من الخط الأحمر الذي وضعه السيد حسن نصرالله سابقًا بقوله: لن نسمح بسقوط النظام في سوريا، فالتزَم به ولم يجرؤ على ضرب الأسد"!!
إيرانيًا، في خضم الحشد العسكري لضرب الكيميائي السوري، وتوازيًا مع سلسلة المحاضرات الأسدية، كنا مع درس ديني-أخلاقي للشيخ "حسن روحاني" الرئيس الإيراني، استوحاه من تعليمات زيارة "جفري فيلتمان" لإيران (27/8/2013) وحمل عنوان "كيف تقاوِم عبر النأي بالنفس"؛ فقد نأى ببلاده عن أي رد فعل عسكري على أي ضربة توجه لنظام بشار الأسد، قائلاً في 5/9/2013:"إذا حدث شيء للشعب السوري، فإن الجمهورية الإسلامية في إيران سوف تقوم بواجباتها الدينية والإنسانية بإرسال الدواء والغذاء إليه"!! وفي محاضرة ثانية في التاريخ ذاته، عنوانها "أثر مغازلة العدو في كسب ودّه: الغزل العذري نموذجًا"، وجّه "روحاني" تهنئة إيرانية غير مسبوقة لـ"جميع اليهود (أي بمَن فيهم الصهاينة الإسرائيليون) بمناسبة "هوش راشناه" أو يوم رأس السنة العبرية".
وإذا كان "روحاني" قد تناول الجانب "العذري" في محاضرته، فقد فضّل وزير خارجيته "محمد جواد ظريف" التركيز على الغزل الإباحي إكمالاً لجهود رئيسه، فألقى في 6/9/2013 محاضرة حملت عنوان "أثر مغازلة العدو في كسب ودّه: الغزل الإباحي نموذجًا"، أكّد فيها أن إيران تدين "مجزرة النازيين ضد اليهود" خلال الحرب العالمية الثانية، معتبرًا أن "إيران لم تنكر يومًا الهولوكوست، والرجل الذي اعتبر أنه ينكر ذلك (محمود أحمدي نجاد) رحل الآن".
سلسلة دروس المقاومة تابعها "روحاني"، فأعلن في 13/9/2013 عن ترحيبه بالاتفاق الروسي-الأميركي ودعمه انضمام دمشق الى معاهدة حظر انتشار السلاح الكيميائي، وواصل توجيه إشارات التزلُّف الإنبطاحية الى الغرب، فأكد في 19/9/2013 أن "إيران لا تريد الحرب مع أحد"، خلافاً للتصريحات التي كان يدلي بها سلفه، وذهب في 20 أيلول الى حد الكلام عن إمكانية عقد لقاء مع أوباما على هامش الأمم المتحدة! قبل أن يكشف المستور مسؤول كبير في البيت الأبيض، معلنًا في 24أيلول أن هذا اللقاء اقترحته الرئاسة الأميركية على الإيرانيين لكن هؤلاء رفضوه، معتبرين أن "تحقيقه سيكون معقدًا للغاية في الوقت الراهن بالنسبة الى الإيرانيين"، أي بمعنى أن اللقاء سيُتلِف أهم "مسحوق" في عملية غسيل الأدمغة التي يعتمدها "الولي الفقيه" في السيطرة على الشعب الإيراني.
بيد أن لقاء "الأبدان" المؤجّل لم يحل دون لقاء "القلوب" و"الأصوات"، فقد أجرى الرئيس الأميركي "باراك أوباما" مع الرئيس الايراني "حسن روحاني" مكالمة هاتفية شخصية مباشرة في 27/9/2013، هي الأولى من نوعها بين زعيم أميركي وآخر إيراني منذ أكثر من 34 سنة، وذلك بعد تصريح لروحاني أكد فيه أنه يريد "بناء الثقة مع الشعب والحكومة الأميركية" منهيا فرية "الشيطان الأكبر" بوصفه أميركا بأنها "أمة عظيمة". وأثناء هذه المكالمة، قال أوباما لروحاني إنه يرى أملاً في حل "شامل" مع طهران. وأوردت "رويترز" نقلاً عن مسؤول أميركي: "كنا على اتصال باسرائيل بخصوص اتصال أوباما".
وكانت إشارات الود وعبارت الغزل المتبادل استمرّت بين "الشيطان الأكبر" و"الولي الفقيه" طيلة فترة تواجد الوفد الإيراني في نويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فاعترف باراك أوباما في 24أيلول أمام الأمم المتحدة بما أسماه "أخطاء الماضي" التي اقترفتها الولايات المتحدة حيال طهران، وأن "الولايات المتحدة لا تسعى الى اسقاط النظام الإيراني"، فيما ندّد "روحاني" في اليوم التالي عبر الـ"سي أن أن" الأميركية بـ"الجرائم التي ارتكبها النازيون في حق اليهود" واصفًا إياها بـ "المنكرة والمدانة". وقد وجد هذا الغزل المتبادل ترجمته الفورية باجتماع ثنائي تاريخي عقده وزيرا الخارجية الأميركي "جون كيري" والإيراني "ظريف" في 26/9/2013 هو الأول من نوعه على هذا المستوى بين البلدين منذ الثورة الخمينية عام 1979، وذلك في إطار اجتماع وصف بالـ "ايجابي للغاية" بين إيران ومجموعة 5 + 1 للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن.
هذا، وكان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى الإيراني "علاء الدين بوروجردي"، قد مهّد لسلسلة الدروس والمحاضرات الإيرانية في فنون المقاومة والممانعة تلك، بتأكيده استمرار التعاون العسكري-الاستخباراتي بين إيران و"الشيطان الأكبر" منذ فضيحة إيران كونترا أو إيران جيت عام 1985، مرورًا بإقرار إيران (أبطحي) عام 2004 بتقديم مساعدة عسكرية مباشرة لأميركا لاحتلال كل من أفغانستان والعراق...فقد أكّد "بوروجردي" في 31/8/2013 أن إيران "كانت أبلغت رسميًا الولايات المتحدة" عام 2012 أن مقاتلي المعارضة السورية يملكون أسلحة كيميائية، و"لكن المؤسف أن الولايات المتحدة لم تلتفت الى هذا التحذير"؛ واضعًا بذلك حدًا لشائعة انقطاع العلاقات بين إيران وأميركا منذ الثورة الخمينية عام 1979. وفي هذا السياق نشرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور"الأميركية في 9/9/2013 نص وثيقة مترجمة من الفارسية مسرّبة من ضمن مراسلات دبلوماسية بين إيران وأميركا تتناول ذلك التحذير. أما الرئيس الأميركي، فرداً على سؤال عما إذا اتصل "بروحاني" مراسَلة، أجاب في 15/9/2013: "لقد فعلت. هو أيضًا اتصل بي. لقد تواصلنا مباشرة".
لبنانيًا، يبدو أن "سيد المقاومة" "حسن نصرالله" فضل دعم "الأسد" في مواجهة الأساطيل الأميركية و"المؤامرة الإسرائيلية"، من خلال تقديم فيلم صامت محاكاة لـ"تشارلي شابلن" بعنوان "فن المقاومة بالصمت أوصمت الشجعان"، فامتنع عن إلقاء أي خطاب تهديدي تخويني دعائي خلال فترة الحشد العسكري استعدادًا للضربة، وذلك التزامًا منه بتعليمات "فيلتمان" لإيران، وتفاديًا للوقوع في "وعد" بردّ صاروخي يدرك "نصرالله" تمامًا أنه سيكون وعدًا كاذبًا؛ وقد اكتفى "حزب الإرهاب المنظم" ببيان في 5/9/2013، أعلن فيه رفضه أي "عدوان" أميركي على سوريا، واصفا إياه بـ "الارهاب المنظم". أما وقد اختفى شبح الضربة باستسلام الأسد، فقد ظهر "الجندي في حزب ولاية الفقيه" على الشاشة في 23/9/2013 بحلّة "روحانية" جديدة أكثر فيها من القراءة وأقلَّ من الارتجال، وتحاشى التطرّق الى الضربة المعلّقة والى تسليم الأسد سلاحه الاستراتيجي، مكتفيًا بإشارة خجولة يتيمة اعتبر فيها أن "العدوان مؤجل، وقد خابت آمال المراهنين عليه".
وإذا كان من خلاصة لدروس أيلول 2013، فهي الآتية: النظام السوري مِن لاعِب بأوراق المنطقة الى ورقة تلعب بها كل من روسيا وإيران، الأولى لقبض ثمن موطئ قدمها الوحيد على المتوسط، والثانية للمقايضة على إتمام برنامجها النووي. المقاومة والممانعة أكذوبتا العصر. محاكمة المجرم "بشار الأسد" غير واردة حاليًا لأنه يتمتع بحصانة صهيونية ويقتل بتفويض دولي. الشعب السوري الثائر لحريته وكرامته يتعرّض لحرب عالمية ثالثة يشنها ضده محور أميركي-إسرائلي-روسي-إيراني مشترك. جميع أدعياء المقاومة والممانعة يقدِّمون "واجب الطاعة" لدى صدور قرار صهيو-أميركي حازم، كذاك الذي فرَضه الصمود البطولي للشعب السوري، والذي ألجأ إسرائيل الى حسم قرارها بتفكيك آلة الأسد العسكرية بدءًا بنزع السلاح الكيميائي من يده رغم أمانته بعدما أصبح عاجزًا عن الحؤول دون وقوعه بيد مجموعات المعارضة المسلحة غير المأمونة صهيونيًا.
تبقى الإشارة الى أنه في حال تبيّن أن "الأسد" يناور أو يتلكَّأ في إتمام إجراءات تسليم الكيميائي وتدميره، أو تبيَّن أن المعارضة السورية على وشك الاستيلاء على أحد معامل أو مخازن الكيميائي، فإن إسرائيل لن تنتظر ولن تستجدي ضربة بالوكالة، بل ستقوم على الفور بتدمير تلك المواقع، على غرار ما فعلته في أيلول 2007، عندما دمّر سلاح الجو الإسرائيلي المفاعل النووي السوري السرّي في "الكُبَر"، بعدما رفضت الإدراة الاميركية طلب رئيس الوزراء "ايهود أولمرت" قصف المفاعل.
* * *
* * *
في سوريا حرب إبادة يقودها المجرم "بشار الأسد" بتفويض دولي تحت شعار "الأسد أو لا أحد"، مسموح له فيها استخدام جميع الأسلحة المتاحة باستثناء الكيميائي منها، لقتل كل مؤمن حر تجرّأ على الكفر جهارًا بحكم العائلة المتصهينة والإيمان بوطن الحرية والكرامة.
وفي سوريا أيضًا حرب طائفية قذرة، ومجازر تطهير مذهبي حاقدة، تقودها إيران بواسطة حرَسها الثوري وميليشياتها الشيعية العراقية (لواء أبو الفضل العباس) واللبنانية (حزب الإرهاب المنظم)، وذلك لابقاء الأمن القومي الإسرائيلي في حالة استقرار، وإنقاذًا للهلال الصهيو-فارسي من الانكسار، والامبراطورية الصهيو-إيرانية من الانهيار... حرب وقودها حقد طائفي دفين يُقتل فيه المواطن السوري السنّي دون تفرقة بين رضيع وطفل وامرأة وشاب وعجوز وجريح، ذبحًا بالسكاكين ورميًا بالرصاص، وسط هتافات: "في سبيل الله"، و"لبيك يا حسين"، و"يا قاتلي الحسين"، و"لبيك يا زينب"، و"لبيك يا نصر الله"، و"كرمال السيد"، و"لعنكم الله يا بني أميّة"!!
وفي سوريا كذلك، جيش حر محظّر عليه السلاح النوعي حفاظًا على ستاتيكو التدمير المنهجي والاستنزاف البشري والتفوّق الأسدي ومنعًا لسقوط النظام، وتنظيمات مسلّحة على هامش الجيش الحر تتكاثر يومًا بعد يوم، لكل منها أجندتها الخاصة وفهمها الخاص للإسلام، تعارض النظام بقتالها عصاباته، لكن تؤيّده في الوقت نفسه بتناحرها فيما بينها.
بيد أنه رغم ذلك كله، في سوريا ثورة شريفة صادقة آية في الشجاعة البطولة، تسير على طريق النصر، لن يقوى الإرهاب الأصفر والأسود على هزيمتها، أطلقتها أظفار الأطفال وحناجرهم وتُكمِلها سواعد الأبطال وأسلحتهم؛ ثورة تميَّز بها الخبيث من الطيب، فسقطت بسببها أقنعة كثيرة وكُشفت بواسطتها كذبات كبيرة، بدءًا بشعارات الـ42 سنة من المقاومة والممانعة والعروبة، وليس انتهاءً بأكاذيب الـ 34 سنة من "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" و"الشيطان الأكبر" التي يُعدُّ اعتراف أبطالها بزيفها طيلة أيام شهر أيلول 2013 ولا سيما خلال فترة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويوك، إنجازًا جديدًا عظيمًا يضاف الى سِجل "كشف الأقنعة" الذهبي للثورة السورية التي عرّت التحالف الصهيو-فارسي ثم الأميركي وهزّت أمنه، الى درجة لم يعد معها لهؤلاء من مهرب ولا سبب لعدم كشف حقيقة علاقتهم في أعلى المحافل الدولية، والاجتماع والتهاتف والتراسل لبحث كيفية الخروج من مأزقهم.
في لبنان، سياسة الحزب الإرهابي لا تختلف عن تلك التي يطبقها في سوريا من حيث الاستراتيجية والدافع والإيديولوجيا، وإن اختلفت في التكتيك...فلبنان في مخطط هذا الحزب يجب أن يلحق بولاية الفقيه، ولا سبيل لذلك إلا من خلال ضرب مقومات الدولة اللبنانية والسيطرة على مؤسساتها المدنية والأمنية، واغتيال كل شخصية معارضة سياسية أم أمنية تؤيِّد مشروع الدولة وتعمل لأجلها...فاغتيل الرئيس رفيق الحريري وقافلة شهداء "ثورة الأرز"، ومن بينها الوزير الشاب "بيار الجميل" موحّد "حزب الكتائب" والشخصية الواعدة لتبوُّؤ منصب الرئاسة الأولى استكمالاً لحلم "بشير"...وفي صميم هذا المخطط كانت محاولتهم تجريد لبنان من أرزته الشامخة الزعيم المسيحي الأول في الشرق الدكتور "سمير جعجع"، كما من جرأة وخبرة النائب "بطرس حرب"، ففشل مبتغاهم هنا ونجح بحذف رجل الأمن الأقوى في لبنان اللواء "وسام الحسن".
في لبنان أيضًا، وبعيدًا عن تلطيف العبارات و"شلبنتها"، بات من الواضح أن الحزب الإرهابي يخوض الحرب الطائفية ذاتها كما في سوريا، سياسيًا تارة وأمنيًا تارة أخرى. فمن اغتيال للمارد السني الوطني رفيق الحريري عام 2005، الى الغزو الإرهابي لبيروت في 7أيار 2008، الى إسقاط حكومة وريث الزعامة السنية الرئيس "سعد الحريري" ونفيه الى الخارج عام 2011، ثم بفرض رئيس وزراء ترفضه الأكثرية الساحقة من أبناء طائفته، ثم بحذف ظاهرة "الشيخ أحمد الأسير" من الساحة السنية في حرب "البندقية الموحّدة".
غير أن الأخطر من ذلك، أن الحزب ضاعف مستوى قهره للطائفة السنية بفرضه عليها منذ 1/8/2013 ممثلها الديني -كما السياسي- على كره منها؛ حيث قام "حزب الإرهاب المنظم" بزيارة علنية قبيل عيد الفطر للمفتن المكفوفة يده عن تولّي الأوقاف الإسلامية بحكم قضائي "بداعي السفه والخيانة"، وقدَّم له خلالها كل الدعم السياسي والعسكري ليبقى في منصبه منفذًا لسياسة الحزب، ففرز له عصابة ميليشيوية من "سرايا المقاومة" وتنظيم "البرجاوي" لتأمين حمياته ومرافقة موكبه، وذلك ردًا على توافق أكثر من ثلثي أعضاء الهيئة الناخبة على عزل "محمد رشيد قباني" من منصب مفتي الجمهورية عقب عيد الفطر، وتوقيعهم عريضة يصبح بموجبها معزولاً بحكم القانون... وقد حال هذا الدعم المليشيوي الإرهابي والفتنوي دون ذلك، وتمّ تأجيل العزل منعًا لفتنة كبيرة يخطط لها الحزب ومفتيه.
في لبنان اليوم حكومة مستقيلة منذ سبعة أشهر بأمر من "سيِّدها"، الذي وجد في استقالتها حيلةً أولاً لتنفيس الاحتقان الطائفي الذي سبَّبه فرض رئيسها على الطائفة السنية وفرضها مجتمعة على اللبنانيين، وثانيًا لإسكات الضجيج الإعلامي الذي تثيره القوى الاستقلالية مطالبة بإسقاطها، وثالثًا سبيلاً الى التفرُّغ لمزيد من الخوض في دماء السوريين واستباحة الدولة اللبنانية بذريعة أن لا حكومة موجودة تُساءَل كما لا سماح بحكومة لاحقة ما لم تكن استمرارًا للسابقة...في حين يُكمل رئيس الحكومة المستقيلة ظاهرًا ائتماره بـ"سيد السلاح" ويجتمع إليه بشكل منتظم، ويمارس وحكومته الفاسدة صلاحيات شبه كاملة دعمًا للأسد وإيران.
في لبنان معتقلات وزنازين تابعة للحزب و"حركة أمل"، تستخدم لخطف وأسر وتعذيب الشباب من السوريين اللاجئين، ثم إما الإفراج عنهم أو ترحيلهم وتسليمهم ليقتلوا بأيدي جلادهم.
في لبنان اليوم تكشُّفٌ لتوجّه عنصري لا إنساني -وربما بذور "نازية" جديدة- بقيادة "التيار العوني" الذي يمارس إرهابًا لا يقل فظاعة عن ذاك الذي يمارسه الحزب في سوريا، وذلك بتحريضه من خلال خطابه اليومي ضد اللاجئين السوريين رفضًا لتحسين أوضاعهم المأسوية المذرية، وإصرارًا على ترحيلهم وتسليمهم الى الوحش الأسدي...في انعكاس جلي للقيم الإنسانية السامية والأخلاق الراقية والتعاليم النبيلة التي يربّي عليها الجنرال البرتقالي تيّاره.
في لبنان بلد على فوّهة بركان، تتصارع فيه مصالح الحزب و"الأسد" على عكس تقاطعها في سوريا، فالأول لا يرى مصلحة له في امتداد الحريق السوري الى لبنان في الواقت الراهن، بنيما يسعى الثاني بواسطة أزلامه واستخباراته لإشعال الساحة اللبنانية بواسطة السيارات المفخخة والاعتداءات الإرهابية.
مقابل ذلك كله، في لبنان معارضة أقوال لا أفعال، مشلولة، كانت تسمى "قوى 14آذار" قبل أن تُعلِن وفاتها بنفسها بعجزها عن تجاوز خلافاتها والتوافق على قانون انتخاب موحّد؛ وهي قوى لطالما كانت تتغنّى بأنها ليست حزبًا واحدًا له هيكليته الخاصة بل مجموعة أحزاب تجمعها القيم الاستقلالية فيما لكل منها نظرته لما سوى ذلك، وبقيت تفاخر بذلك حتى وجدت عقدها قد انفرط!
في لبنان سيبقى الستاتيكو الحالي مستمرًا حتى زوال "الأسد"؛ عندها سيبحث الحزب عن "تدفيع" لبنان ثمن فاتورة ترضي أطماعه تعويضًا عن خسارته سوريا وانكسار الهلال الفارسي، ولا شك أن الثمن سيكون باهظًا جدًا ما لم تسارع القوى الاستقلالية الى إعادة إحياء تحالف "قوى 14 آذار"، والانضواء بالنصاب الكامل وفي مقدمته "الكتائب" و"الكتلة الوطنية" تحت لواء تحالف حديدي يُشار إليه بالأفعال لا بالأقوال، متجاوزة بذلك جميع خلافاتها التي تشكِّل كل يوم طعنة للبنان ولجمهور "ثورة الأرز" ولشهدائها الأبرار.
* * *
* * *
يبدو أن ثورة الحرية والكرامة الاستثنائية والفريدة من نوعها في سوريا، تأبى أن تتوّج مسلسل شجاعتها البطولي بكسر الهلال الصهيو-فارسي وإعدام سفاح الشام المكلف دوليًا بإبادة شعبه وتدمير بلده، قبل أن تَكشِف جميع خفايا ذلك التحالف الشيطاني وتفضح مشروعه الهدّام وتنهي شعاراته الزائفة.
ففي كل يوم يسقط فيه قناع كان يعتبره البعض وجهًا حقيقيًا، وفي كل يوم تنكشف فيه أكذوبة كان يظنها البعض مسلَّمة لا تحتمل النقاش، ومع كل يوم يتأكَّد فيه تحليل كان يلاقيه البعض بالاستهزاء والسخرية وينعته بالخرافة...تكرِّر الثورة السورية إثبات عظمتها ومجدها وسبب تآمر العالم عليها والتحالف الصهيو-فارسي ضدها.
لمعرفة جديد هذه الثورة المجيدة علينا أن نعود بالذاكرة عامين تقريبًا الى الوراء، وتحديدًا الى تاريخ 31/1/2012، يوم فجّر الشيخ "صبحي الطفيلي" مجموعة قنابل من العيار الثقيل عبر برنامج "بموضوعية" مع الاعلامي "وليد عبود"، مرّ عليها البعض مرور الكرام، فيما كتبها آخرون في مفكِّرتهم اليومية بالأحمر وبالخط العريض، أولاً لإيمانهم بصحتها منذ زمن بعيد، وثانيًا انتظارًا لإقرار المعنيِّين بها بصوابها، يوم سيجدون أنفسهم مضطرين بحُكم انقلاب الموازين وقلب الثورة السورية المجيدة الطاولة عليهم، الى الاعتراف بالأضاليل والأكاذيب والأوهام التي باعوها للشعوب على مدى أربعة عقود خالية.
في تلك المقابلة التلفزيونية، رجّح "الطفيلي" أنّه في "حال اندلعت حرب أهليّة في سوريا فإنّ الشوارع ستتخم بالسلاح خلال خمس دقائق، وعندها سيجد حزب الله نفسه أمام التحالف مع الإسرائيلي لا محالة". وأشار إلى أنّ "هناك أشخاصا قريبين من قيادات حزب الله تقول إنّها قد تتوجّه إلى التحالف مع اسرائيل لمواجهة هذا التدفّق من سوريا".
انتظر أمين عام الحزب الإرهابي 22 شهرًا ليعلن صحة ما أورده "الطفيلي"، فأقرّ في 13/11/2013 بانتقال حزبه من التحالف الخفي الى التحالف العلني مع إسرائيل، وذلك عبر دفاعه للمرة الأولى عن التقارب الرومنسي الأميركي-الإيراني في "نيويورك" والتفاهم الغربي-الإيراني، ووصوله الى حد التحذير من أن "البديل منه هو الحرب"! نعم، قالها صراحة مبشِّرًا شعبه ومحاولاً رفع معنوياته: "إذا حصل تفاهم نووي إيراني-دولي فسيكون فريقنا أقوى وأفضل حالاً محليًا وإقليميًا"...وذلك في ترجمة معدّلة و"سهلة الهضم" -باعتبارها مخصّصة للاستهلاك الحزبي المحلي- لتصريح وزير الخارجية الأميركية "جون كيري" الذي اعتبر في 11/11/2013 أن "الاتفاق مع إيران يساعد في حماية إسرائيل بطريقة أكثر فاعلية".
لست أدري أأقول: محظوظ هو "سيد السلاح الإرهابي" بزعامته أو ولايته على شعب يحفظ كلامه ويردّده ببغائيًا دون إعمال عقل وقليل تفكير، أم أقول: مبتلى هو ذلك الشعب بشخصية تتقن فن إثارة العصبيات والدجل والتضليل والتمثيل...؟َ!
ليلة وضحاها، بل كلمة واحدة تكفي لكي يستبدل الشعب بإشارة من سيده في الداخل الذي تلقى بدوره إشارة من وليه في الخارج، شعار "الشيطان الأكبر" بـ"الصديق الأكبر"، وشعار "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" بشعار "المودّة لأمريكا المودّة لإسرائيل"!! وبعدما كانت المهرجانات "الدجليّة" تقتات في شعبويتها على قرع طبول الحرب مع "الغرب المتصهْين والمتأمرك" وتحدّي "الاستكبار العالمي والامبريالية" ورمي المعارضين بتهم التخوين والعمالة للغرب، إذ بها اليوم تُطلِق حمائم سلام ناصعة البياض تحمل غصن الزيتون، منشدة السلم والتفاهم مع ذاك الغرب نفسه الذي لطالما "شيطنته وأبلسَتْه وصهينتْه"، ولا تكتفي بذلك بل تعتبر تفاهمها معه مصدر قوّة وأفضلية لها محليًا وإقليميًا.
على هذا النمط، يتابع "سيد السلاح الميليشيوي" في إملاء أفكار وليّه على شعبه لكي يتلقفّها على أنها من "الحقائق والمسلّمات" وإن كان ذلك الحزب يروِّج لها بالأمس القريب على أنها من الأكاذيب والترّهات!!
فبعد 34 سنة من تنشئة الأجيال-دعائيًا- على مسلّمات مفادها أن أميركا خاضعة لـ "اللوبي الصهيوني"، وأن الغرب أولويته دائمًا حماية مصالح إسرائيل وتنفيذ أجندة الصهيونية العالمية...جديد "ولاية الفقيه" وجنديّها الصغير في لبنان اليوم، أن إسرائيل لم يعد لها تأثير يُذكَر كما لم تعد كلمتها مسموعة ولا مطاعة، فالغرب ومعه أميركا باتا يتجرّآن على مخالفتها والتفريط بمصالحها كرمى لعيون "الحلوة" إيران! أما إسرائيل ممثلة بـ"نتنياهو" فـتطرق رأسها بالحائط باكيًة، و"تطق وتموت" من قهرها!!
نعم، تلك هي "المسلّمة" أو الـ"update" الجديد لـ"برنامج الممانعة والمقاومة" الذي يجب على الشعب اعتماده، فقد عنى "رمز المقاومة" ذلك بقوله: "إسرائيل استخدمت كل نفوذها من أجل العدوان العسكري على سوريا لكنها فشلت، لكن هذا يعبِّر عن إرادتها، وكذلك، اليوم عندما تجد أن هناك مفاوضات بين إيران وما يسمى دول 5+1 وترى أن هناك فرصة للحل الدبلوماسي والتفاهم بين إيران ودول العالم يستشيط نتانياهو غضبًا".
بيد أن "سيد السلاح الإرهابي"، وفي معرض دفاعه عن التفاهم مع أميركا والغرب، أخذته النشوة الى درجة جعلته يدين محوره ويتهمه بالعمالة ويشيد بوطنية وسيادة القوى الاستقلالية المنفرط عقدها في لبنان، ظنًا منه أنه يهاجمها ويقيم الحجج الدامغة عليها! فقد ذكّر الفريق الآخر بأن "حلفاءه كانوا دائمًا يتخلّون عنه في الوقت الذي لم تتخل فيه إيران وسوريا عن فريقنا السياسي"...ناسيًا أن "الحلفاء" المزعومين هؤلاء -ويعني بهم أميركا ومن خلفها إسرائيل- هم مَن يخطب ودّهم علنًا اليوم، وغافلاً عن أن "تخليهم" عن الفريق الذي كان يسمّى يومًا ما "14آذار"، إنما هو دعم مباشر لحزبه لأنه يصب في مصلحة سوريا وإيران بترجيحه كفتهم على كفة الفريق الاستقلالي المعارض لمشروعهم. هذا، مع العلم أن التأييد الأميركي لقوى 14آذار وحكومة الاستقلال الثاني لم يكن سوى دعمًا كلاميًا خادعًا مفرَّغًا من أي مضمون عملي، وقد أقر النائب "وليد جنبلاط" بذلك في 28/8/2008 -أي بعد غزوات أيار الإرهابية- عندما قال: "الأميركيون خدعونا وتركونا، والآن يفاوضون الإيرانيين". وبالفعل توضحت الأمور اليوم لننتقل من تهمة "حكومة فيلتمان" التخوينية، الى حقيقة "ولاية فيلتمان" الزائر العزيز لإيران الفارسية.
وبما أن الختام لا يمكن أن يخلو من وعد "بانتصار إلهي" جديد، توجّه "سيد السلاح" الى مليار وثلاثمئة مليون مسلم سني في العالم يسفك منذ 30شهرًا دم إخوانهم في سوريا متحديًا وجازمًا: "إذا كان أحد ما في مكان ما في لبنان أو المنطقة ينتظر لتشكيل حكومة لبنانية أن ينتصر في سوريا، أقول له لن تنتصر في سوريا".
مسكين هو "دجال المقاومة" كما أطلق عليه ثوار الحرية والكرامة في إحدى جُمعهم البطولية، فهو يخوض اليوم حربه الحقيقية الأولى بعد سنوات طويلة من تمثيل المسرحيات العسكرية مع العدو الصهيوني، وبالتالي خبرته العسكرية الضحلة -والتي زاد في طينها بلّة نشوة التفاهم العلني مع الامبريالية- جعلته يعتبر ويجزم بأن تقدّم عصابات الأسد مدعومة بميليشياته الإرهابية في معركة أو معركتين إنما يعني كسبه الحرب برمّتها، متجاهلاً أن مجرّد اضطراره الى استجرار جحافله الإرهابية للقتال الى جانب عصابات الأسد في سوريا هو بداية النهاية والهزيمة النكراء بحدّ ذاتها.
* * *
* * *
مع كل عمل تفجيري جديد يطل برأسه على امتداد الرقعة اللبنانية ولاسيما في الضاحية الجنوبية، تُثبت لنا الوقائع بالصوت والصورة والدمار والدماء والأشلاء...صحة فرضية -ولا أقول نظرية- "سيد السلاح الإرهابي" الخرقاء، يوم استخف بعقول شعبه قبل عقول الآخرين بادعائه أن تدخله الإجرامي في سوريا إنما هو حماية للبنان من وصول الحريق السوري إليه، ومَن يصفهم بالـ"تكفيريين".
فبعد الصواريخ الجوّالة، والسيارات المفخّخة، ها هي "عبقرية" "حزب الإرهاب المنظم" تجلب للبنان وعليه السلاح الأكثر خطورة وفتكًا ورعبًا في التاريخ الحديث وإن اختلف البعض على تسميته بالاستشهادي أو الانتحاري، ليكون لبنان بإكراه من الحزب "قد داس في قلب العرْقَنة" -بحسب تعبير حكيم ثورة الأرز الدكتور سمير جعجع"-، عرْقنة لا خروج من مستنقعها إلا بانسحاب جحافل الإرهاب من سوريا وزوال الأسد.
19/11/2013، المستهدف هذه المرة كان وكر الإرهاب في لبنان، مركز الإشراف على عمليات التشييع وتصدير الثورة الخمينية وبدعة "ولاية الفقيه" الى هذا البلد، ومعقل الدولة التي تهيمن على القرار اللبناني وتنتهك سيادة الدولة اللبنانية وتخطف قرارها وتقضم أرضها وتحتلها احتلالاً مقنّعًا بواسطة حَمَلة هويات لبنانية وولاء خارجي ينفّذون أجندة خارجية جاعلين من لبنان قاعدة عسكرية إيرانية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.
والمستهدف أيضًا هذه المرة، هو الدولة التي تحتل سوريا احتلالاً سافرًا مكشوفًا، وتسخّر كافة مقدراتها البشرية والعسكرية الإرهابية للتنفيس عن أحقاد تاريخية طائفية و"التقرّب الى الله!!" بأعمال دنيئة قذرة تسفك فيها دماء الشعب الثائر لاسترجاع حريته وكرامته من وحش كاسر دخيل على الانسانية، دفعته نخوته "العروبية" لجعل بلده ولاية فارسية، وأمْلَت عليه "وطنيته ومقاومته وممانعته" أن يكون أداة في يد السياسة الصهيو-أميركية.
"قلوبنا تتعاطف مع الشعب الايراني بعد هذا الهجوم العنيف وغير المبرّر والذي أدى الى مقتل أحد ديبلوماسييهم على الأقل"!! عذرًا "جون كيري"، فإدانتك التفجير المزدوج وتعاطفك مع إيران وشعبها مفهومان تمامًا وغير مستغربان كونهما نابعَين من مشاعر صهيو-أميركية صادقة ضاربة جذورها في التاريخ، ولم يعد لإخفائها أي مبرر خصوصًا بعدما أسقطت الثورة السورية المجيدة عنها كل قناع، حتى خرجت الى العلن وكان شهر العسل الرومنسي في "نيويورك"... بيد أن المستغرب وغير المفهوم في بيان الإدانة الذي أصدره "كيري" باسم أميركا، هو وصف الهجوم على السفارة الإيرانية في لبنان بـ"غير المبرّر"...فهل هي الرومنسية ذاتها لا تزال تفعل فعلها حتى أطبقت على العقول، أم أن معاشرة قالِبِي الحقائق سرًّا لأكثر من 34 سنة جعلته واحدًا منهم؟!
منذ اللحظة التي قرّرت فيها الإمبراطورية الفارسية بالكشف عن وجهها الطائفي وفكرها التكفيري ورعايتها المصالح الصهيونية، بإرسال حرسها الثوري وميليشياتها الشيعية العراقية وحزبها الإرهابي في لبنان لمساندة المجرم "بشار الأسد" في حرب الإبادة التي يشنها على شعبه الثائر ذو الغالبية السنية، أوجدت -شاءت أم أبت- المبرِّر المنطقي والمقْنِع والذريعة القوية لاستهدافها واستهداف عصاباتها أينما حلّوا وحيثما وُجدوا؛ إذ لا يعقَل أن يتم الاعتداء على شعب واحتلال أرضه وسفك دمائه وانتهاك أعراضه وهدم مآذنه وقصف مساجده والتطاول على مقدّساته بشعارات وهتافات طائفية تنم عن حقد دفين، دون توقّع ردّة فعل دفاعية سواء من ذلك الشعب أو من المتعاطفين معه من إخوانه في الدين والعقيدة.
بعد ذلك كله، لا يخجل قادة الحزب وملحقاته من ساسة و"مضلِّلين سياسيين" -وحتى أولئك الذين يتاجرون باسم السيد المسيح للدفاع عن "الأسد"- لا يخجلون من استغلال التفجير الذي استهدف السفارة الإيرانية في لبنان، وما سبقه من تفجيرات متنقلة، لهروب الى الأمام وتبرير وتسويغ انخراطهم في الحرب على الشعب السوري وتصويرها على أنها تصب في تأكيد فرضية "سيّدهم" الشهيرة سالفة الذكر، وأنها لن تزيدهم إلا عزيمة وتمسّكًا بقرارهم الإرهابي، هاربين من سؤال واحد كفيل بهدم أضاليلهم وكشف زيفها، ألا وهو: لماذا التفجيرات اليوم؟
* * *
* * *
الإرهابي إرهابي وإن كان يحمل بطاقة جامعية، بل حتى لو كان منتسبًا الى أرقى الجامعات الواقعة في قلب الأشرفية.
والميليشيوي ميليشيوي وإن انتحل صفة طالب علم، بل حتى لو كان جالسًا على مقعده الدراسي يستمع الى محاضرة في العلوم الإنسانية.
و"الأزعر أزعر" وإن فرض سطوته على الجيش والقوى الأمنية، بل حتى لو هابته وسهّلت له أمور "زعرناته" على الجدران وخارج حرم المؤسسات الجامعية.
والرعاع رعاع مهما بلغت درجته العلمية، بل مهما ظن أنه بات قادرًا على التكبُّر والاستعلاء وانتهاج أسلوب الفوقية...وأين؟! في الأشرفية! عرين الصمود وقلعة المقاومة اللبنانية التي تكسّرت على أسوارها جحافل الإرهاب الأسدية.
فبعد إخضاعهم الجامعة التي يفترض أنها رسمية وطنية، وتحويلهم إيّاها من "لبنانية" الى "إيرانية"، أو حتى الى جامعة ما تبقى من ميليشيات مسلّحة إرهابية، وأضعفوا مستواها وجعلوا من امتحانات الدخول إليها مهزلة فساد وغش فضائحية، ورفعوا فيها راياتهم وصور زعاماتهم وألبسوها السواد وأحيوا في داخل حرمها مناسباتهم الدينية، وجعلوا من قاعاتها أسواقًا لترويج تجاراتهم و"أراجيلهم" وألعابهم الإلكترونية، ولم يكتفوا بذلك بل جعلوا الجامعة مكافأة بأن وضعوا على رأسها عميدًا غير كفءٍ خان رئيس الجمهورية، فكان وزير "الخديعة" ليس فقط "الوديعة" في "حكومة الدوحة الثانية" المفروضة بقوة سلاح الغدر وميليشياته الإرهابية... بعد إجرامهم هذا بحق "الجامعة اللبنانية" يبدو أن الوقت حان لغزو وإخضاع الجامعة اليسوعية، إحدى أهم رموز الأشرفية ومؤسسات الطائفة المسيحية.
كل خبراتهم في المكر والاحتيال والغش والخداع...وضعوها لغزو الجامعة اليسوعية؛ تكفّلوا بأقساط عناصر تنتحل صفة "طلاب" لاختراق الجسم الطلابي وتكثيف مناصريهم لفرض وجودهم والعبث في نتائج الانتخابات الجامعية؛ أوعزوا الى العناصر ذات الخبرات القيادية بالرسوب في موادهم سنوات وسنوات بغية إبقائهم في حرم الجامعة يقودون تصدير ثقافة الموت وسموم الثورة الخمينية...ولمّا تكلّلت جهودهم بالفشل الذريع وفقًا لنتائج الانتخابات الطالبية، التي أثبتت أن الجامعة لفظتهم وحلفاءهم لأنها وفية لرموزها ونهجها الاستقلالي ومنطقتها وتاريخها النضالي في محاربة الوصاية السورية والهيمنة الأجنبية، ما كان منهم إلا أن عادوا الى أصلهم الى إرهابهم وأعمالهم الميليشيوية، فضربوا حصارهم على الجامعة مستعينين برعاع مثلهم من أقرب الخنادق مسافة، فتطاولوا على الرموز وقلّلوا من أدبهم وتوعدوا وهدّدوا واستفزوا من خارج حرم اليسوعية تحت أعين وإشراف ورعاية الجيش والقوى الأمنية!
نعم، لقد أصبتم، فطريق إسقاط الدولة تمر حقًا في الأشرفية، معقل الحرية والسيادة الاستقلال ولبنان أولاً، لبنان ال 10452كلم2 المحرر من أي وصاية خارجية... لكن خسئتم وأخطأتم إن ظننتم يومًا أن اختراق قلعة السيادة وإسقاطها يمكن أن يتم لكم عبر بوابة الجامعة اليسوعية، وأظن أن الرسالة وصلت: اليسوعية كانت وستبقى جامعة لبنان، جامعة بشير والكتائب والقوات اللبنانية.
* * *
* * *
الزمان: يوم السبت الواقع في 5/11/2005
المكان: الأشرفية، مبنى إذاعة صوت لبنان (93.3)
المناسبة: المقابلة الإذاعية الأخيرة للشهيد جبران تويني مع الإعلامية "وردة الزامل" في برنامج "صالون السبت"، وكان "ضيف" المقابلة الى جبران النائب "المقاوم" نواف الموسوي.
تهديد ووعيد، نبرة استعلاء واستكبار وفوقية، صخب، ضجيج، مقاطعة مستمرة منعًا لوصول الفكرة الى المستمعين، تشويش على كلام جبران...
وردة تتدخل: سيد نواف، سيد نواف، سيد نواف، هل بإمكانك أن تجيبني؟ وجّهتَ لجبران بعض الكلام الذي لا أريده في هذا الصالون.
جبران:هم متعودون أن يهدِّدوا سيّدة وردة، نحن الصحافيين لا نهدِّد .
وردة: سيد نواف، سوريا قرّرت تأليف لجنة للتحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هل تصنِّفها أن تركَّبت عليها وصاية دولية، أم إنها تتجاوب مع تقرير "ميليس" والتحقيق الدولي؟ هل تقبلون ما يجري في سوريا لكن لا تقبلون بما يجري في لبنان؟
نواف متهرِّبًا من الإجابة: نحن في كل الأداء الذي عملناه كنّا حريصين على أن زجاجًا عند اللبنانيين لا ينخدش.
جبران: لا تمنِّنا، هذا واجب، ما هذا الكلام، "تربِّح جميلة" للبنانيين يعني، ما هذا الحكي، عيب هذا الكلام بقا، لستم أنتم الذين تعطون شهادات في اللبنانية، لست أنت من تقول للآخر متى يرجع لبنانيًا، هذا بلدي بقدر ما هو بلدك، بس انتهى الموضوع، لو سمحت دعني أسألك سؤالاً.
نواف مقاطعًا ومتهمًا جبران باتباع منهج نواف: أنت تمرِّر ما تريده وتمنع ما تريده، ولا تقصِّر في إيذاء اللبنانيين.
جبران يستعيد الكلام مصرًّا على طرح سؤاله: دعني أسألك سؤالاً واضحًا: غدًا صباحًا فَلَّت إسرائيل من شبعا، نعم فلّت، الله يعمل العجائب، كما فعل عجيبة وفلَّت سوريا من لبنان، هل يوجد بعد ذلك ضرورة للسلاح؟
نواف محاولاً الهروب مجددًا من السؤال الذي وقع عليه كالصاعقة: لا أريد أن أناقش بهذه الطريقة وفي ظل هذه المناخات حيث كل واحد يحدِّد الموضوع الذي يريده، لستَ أنتَ مَن يحدِّد لي الطرح الذي أقوله، وتقول لي ساعةً هذا تهديد وساعة ليس بتهديد.
جبران يعيد خصمه الى النقطة التي حاول الفرار منها ويحشره في الزاوية: يا حبيب أنا أسألك سؤالاً، الله يخليك روّق أعصابك، سألتك سؤالاً.
وردة تتسلّح بالسؤال الجبراني الحارق: سيد نواف ماذا لو انسحبت إسرائيل فجأة من مزارع شبعا ماذا سيحدث؟
نواف متخبِّطًا في الزاوية يفقد أعصابه: أنا طرحتُ قواعد حوار منذ البداية، وأنتَ طريقتكَ أن تبقى هاجمًا على العالم..أنتَ لا تحترم العالم.
وردة تُحكم الطوق الجبراني على نواف: فيما لو انسحبت إسرائيل فجأة لإرباك اللبنانيين والساحة اللبنانية، ماذا يفعل حزب الله؟
نواف يكشف جزءًا من المستور مضطرًا بعدما أيقن أن لا مجال للفرار: نريد أن نعمل ليل نهار لتحرير مزارع شبعا، وسيكون هناك عيد وطني، وسنعمل على استعادة ما تبقى مرتهَنا من الموقوفين والمحتجزين اللبنانيين هناك؛ ثم بعد ذلك إذا انتهى الاحتلال وتداعياته هناك شيء آخر اسمه العدوان الإسرائيلي على لبنان، علينا أن نبحث فيما بيننا كلبنانيين هذا العدوان على لبنان كيف نواجهه.
جبران يحاول استدراج خصمه: ما هذا الكلام؟ كيف يعني هذا؟
نواف:أنا سبق وعرضت ما هي مسارات هذا العدوان على لبنان.
وردة: يعني لبنان وحده دولة تحدٍّ ومقاومة وصمود وما يستتبع هذا من تبعات، وباقي الدول المحيطة بإسرائيل تتفرّج علينا هكذا عمليًا، ما رأيك سيد نواف؟
نواف يثير الصخب والضوضاء مجدّدًا: مش عاجبَك هالحكي ما تسمعه. جبران: بدك تروق إذا بتريد، معليشي بدك تروق، زمن الوصاية السورية انتهى، بد تروق إذا بتريد، بدنا نكون ديمقراطيين، بدك تروق.
نواف يستل سيف التخوين والعمالة: أنت يلي مش ديمقراطي، أنت من الوصاية الأميركية، منيح هيك؟
وردة: الآن دخلنا في التُهَم.
نواف: إذا هيدا ما بتسمي تحريض فما هو التحريض؟! مش معقولين أنتم؟!
وردة مجيبة على تهمة التحريض: أستاذ نواف عندما أحمد جبريل يحذِّر أنه لن يُلقي السلاح، وعندما نسمع حضرتك تقول هذا الكلام.
جبران : سيدة وردة هذا اسمه وفاق أما كلامنا فهو تحريض.
وردة تسأل جبران بعدما كشف بسؤال "الضربة القاضية" دجل وزيف "المقاومة" وشمّاعة الاحتلال الاسرائيلي التي يتلطى خلفها سلاح الغدر بغرض وضع اليد على لبنان: أستاذ جبران يؤخذ عليك مع تيارات أخرى من قوى 14 آذار الدخول الى الملف السوري، وأنتم انتقدتم سوريا على تدخلّها في شؤون لبنان، واليوم تتحدّثون عن تغيير الأداء الداخلي السوري، وتتبنّون المعارضة، وتتحدّثون عن سوريا الجديدة، وقد كتبتَ أكثر من مقالة في هذا السياق، ألا يعني ذلك الانسياق في حملة الضغط على النظام أبعد من التحقيق؟
نواف ضاحكًا ومتوجِّها الى جبران بهزءٍ وسخرية: الحمد لله أن عَلِقَ في آخر عشر دقائق.
وردة ترد: ليش خلَّيتنا نطرح سؤال، خلّيت المستمع يسمعنا عم نطرح سؤال يا سيد نواف، ظالم أنت اليوم ظالم.
جبران: يا سيدة وردة، لا أحد منا يحرِّض لإسقاط النظام في سوريا، واحد؛ اثنان، عندما نهاجم النظام الأمني اللبناني السوري نهاجمه على أدائه ليس داخل سوريا بل على أدائه داخل لبنان، لأن هذا النظام الأمني اللبناني السوري ارتكب أمورًا نعرفها واضحة ونعرف ماذا فعل وكيف نكّل باللبنانيين، وهناك أمور قيد التحقيق هي اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأصلاً هناك أناس في السجن اليوم هم رموز هذا النظام الأمني اللبناني السوري، إذًا نحن اليوم عندما نهاجم النظام الأمني السوري إنما نهاجم نظامًا أمنيًا جاء يريد أن يجرِّب تطبيق سياسته في لبنان، ونحن نعتبر أن المفروض بهذا البلد أن لا يكون لديه نظامًا أمنيًا بل نظام ديمقراطي، نظام يتمتع بالحرية والديمقراطية والحوار.(انتهى الجزء المقتطف من المقابلة).
باختصار هذا هو جبران تويني وتلك هي مدرسته: صحافي محنّك، ذو ذكاء حاد، خَلوق مهذَّب شجاع، يعرف كيف يُراعي أخلاقيات الحوار ويلتزم بلياقاته حتى في أشد مناظراته صدامية، صاحب مهارة عالية في استدراج الخصم لإجباره على كشف ما يحرص على ستره، يتقن أساليب الحوار وفنون المناظرة وكيفية استمالة الرأي العام بمنطق قوي وحجة دامغة.
مدرسة جبران لا تعرف المهادنة، خطوطها الحمر العريضة تتلّخص بحرية لبنان وسيادته واستقلاله، مدرسة لا تؤمن بالاستدارة والخنوع والمسايرة والمداهنة والمجاز والإيحاء، بل تُصرُ على وضع الإصبع على الجرح قائلة للأبيض أبيض وللأسود أسود، بأسلوب مفعم بالحرية والعنفوان والشجاعة من دون مواربة أو مسايرة.
ما تمكّن جبران من كشفه في تلك المقابلة الإذاعية عام 2005 وقبل 36 يومًا من اغتياله أصبح اليوم حقيقة لا يجادل فيها إلا مكابر ولا ينكرها إلا معاند، فقد أثبتت الثورة السورية المجيدة بالأدلة القاطعة حقيقة تلك الميليشيا المذهبية الطائفية الحاقدة ومشروعها الارهابي الدموي التكفيري العابر للحدود، وحقيقة محورها المتحالف مع "الشيطان الأكبر" و"الامبريالية" وقوى "الاستكبار".
12/12/2005، خافوا قلمه الخارق وأرعبهم منطقه الحارق فقتلوه، وها هم اليوم يكتوون بشرّ أفعالهم ويحترقون بلعنة جرائمهم في أتون ثورة الحرية والكرامة السورية.
بمدرستِكَ ملتزمون، وبقسَمِنا وراءك بارُّون...جبران، في الذكرى الثامنة لاستشهادك، لو لم يكن من إنجازات حياتك -على أهميّتها- إلا قسَمِكَ الشهير، لكفاك كي تكون بطلاً من بلادي.
* * *
* * *
تحية للثورة السورية، تحية لك يبرود، تحية لك قارة، تحية لك النبك ولسائر قرى القلمون. تهنئة الى طرابلس الصامدة، وتحية الى "إعلانها" الذي صدر عقب مؤتمر السيادة والعيش المشترك في 14/12/2013.
تلك التهاني والتحايا ليست بمناسبة الأعياد المجيدة واقتراب حلول العام الجديد، بل هي بمناسبة الكلام الصادق الذي لطالما كابر وتهرّب أمين عام "حزب الإرهاب المنظم" في لبنان من النطق به، ويبدو أنه ادّخر الإعلان عنه الى الأيام العشرة الأخيرة من العام 2013 ليشكّل هو بحد ذاته معايدة حقيقية للبنان واللبنانيين والسوريين، ولكل مظلوم حي أو ميّت عانى من طغيان ذلك الحزب وغطرسته وإرهابه المنظّم أو قضى بسببه.
نص المعايدة تميّز بصراحته وبالدقة في اختيار ألفاظه، وكان من غير المقبول أن يقِلَّ عن هذا المستوى نظرًا الى أمرين، الأول هو المدة الزمنية التي استغرقتها عملية إعداده والتي زادت على ألف يوم، والثاني الكلفة الدموية القاسية التي حتّمت الإعلان عنه والتي زادت على ألف إرهابي مقاتل بين قادة بارزين وعناصر مضلَّلة.
20/12/2013: "في نظرنا ما يجري في سوريا هو معركة وجود وليس شرط كمال، وهي معركة وجود لنا وللبنان وسوريا وفلسطين".
صحيح أن التزام الصدق وقول الحقيقة في بيانات الحزب وخطاباته في غاية الندرة، لكن ما "يشفع له" أن كلمة صدق واحدة ينطق بها عن قصد أو غير قصد كفيلة بهدم أطنان وأطنان من الأكاذيب ومَحو ساعات وساعات من الأضاليل.
فالحزب الذي عوّد شعبه على إعلان الانتصار "الإلهي!!" تلو الانتصار، وأوهمه بأنه لا يُهزم وأنه يقيم "توازن رعب" مع إسرائيل، والحزب الذي أصمّ آذان الشعب اللبناني بصراخ التهديد والوعيد الاستقواء والاستكبار والاستعلاء والفوقية خصوصًا بعد "مسرحية تموز 2006" التي ما عُرضت أساسًا إلا لتقويته وترجيح كفّة دويلته على حساب الدولة... والحزب الذي أكثر من الإعلان عن أنه يزداد قوة يومًا بعد يوم حتى باتت تلك العبارة لازمة يردّدها في جميع خطاباته وأحيانًا يدعِّمها بالكشف عن مدى جاهزيته وحجم ترسانته الصاروخية ومداها وسلاح الجو فيها...هذا الحزب انتقل اليوم من قمّة المفاخرة بالقوة وعنجهية الاستقواء بالسلاح الميليشيوي الى حضيض الإعلان عن أنه أصبح في موقع المهدَّد! وليس أيّ تهديد بل أخطر أصنافه على الإطلاق المُسمّى "تهديد الوجود"؛ أو بعبارة أكثر تبسيطًا مُستاقة من أدبياته، انتقل الحزب اليوم من مرحلة "الكوكتيل" الى مرحلة "الساونا" وليس العكس.
هذا ما أعلنه "سيد السلاح الإرهابي" نحن اليوم مهدّدون في وجودنا! بعد ذلك لا عجب من وصفه "إعلان طرابلس" على أن "صيغته إلغائية والمقصود به إعلان حرب"، فالمذعور والمرعوب من خطر يهدّد وجوده تنتابه حالة نفسية يشعر تحت تأثيرها أن كل ما يجري حوله موجّه ضده، حتى لو كان إعلانَ ثوابتَ وطنية ضمّ جميع الطوائف بما فيها العلوية والشيعية.
"ما يجري في سوريا هو معركة وجود وليس شرط كمال..."، كلام دقيق 100% فـ"الكمال" (وإن كان في الباطل) تحقّق للحزب قبل 15 آذار 2011 ونال جميع شروطه؛ إمبراطورية نووية تكفيرية ممتدة من إيران مرورًا بالعراق وسوريا وصولا ً الى غزة ولبنان، هلال متماسك قائم على قهر الشعوب الحرة والمتاجَرة بالقضية الفلسطينية وغسل الأدمغة بادعاء العداوة لإسرائيل وأميركا، كل ذلك تحقيقًا للأمن القومي الصهيوني وبدعم وغطاء من "الشيطان الأكبر"، وهو ما بدأت تتكشّف معالمه وأسراره منذ أيلول2013، سواء في "شهر العسل" الـ"نيويوركي" أو عبر مذكرات "دونالد رامسفيلد" وزير الدفاع الأميركي السابق.
إذَا، هي الثورة السورية مجدّدًا تنهي العام 2013 على وقع إنجاز جديد، إنجاز اعتراف محور الشر المتهالك أن ما قبل الثورة ليس كما بعدها، ما قبلها "الكمال" والقوة والاستكبار، وباندلاعها وفي خلالها الضعف والشعور بالتهديد الكياني والوجودي وخطر الانهيار، وبانتصارها سيكون زوال وصغار واندحار لا ينفع معه اتفاق علني مع "الشيطان الأكبر" سابقًا ولا مع قوى "الإمبريالية والاستكبار".
* * *
* * *
رائحة الجثث المتفحمة عطرهم... الدماء المسفوكة شرابهم... لحوم الأحرار قوت يومهم... جثث الأطفال زينتهم... السواد شعارهم... الظُلمة موطنهم... القذارة عنوانهم... الغدر شيمتهم... الدجل خطابهم... التهديد لغتهم... التخوين منطقهم... الحرية والسيادة الاستقلال أعداؤهم... الفتنة غايتهم... التكفير ثقافتهم... العيش المشترك شبحهم... الحقد باطنهم... التقية سياستهم... الإرهاب مهنتم...
20/12/2013: "سيد السلاح الإرهابي" يصف بيان 14 آذار في طرابلس بأنه "إعلان حرب"، ويهدّد: "لا نريد أن نعلن حرباً معكم (...) لكن ما حدا يلعب معنا". ثم يحذر من تشكيل حكومة حيادية أو "حكومة أمر واقع ونقطة على السطر". ويتابع مهاجمًا الرئيس ميشال سليمان من دون تسميته معتبراً "أن الشجاع هو مَن يشكل حكومة جامعة ويتحدّى الدول الإقليمية ويضع السعودية عند حدّها".
24/12/2013: "كتلة المستقبل" بعد اجتماعها الدوري في بيت الوسط برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة تصدر بيانًا لافتًا بعلو نبرته وبتسميته الأشياء بأسمائها دون مواربة، تؤكد فيه على أنه "بعد أن قرّر حزب الله منفرداً ومن دون العودة الى الشركاء في الوطن إعلان الحرب على الشعب السوري في العام 2012(...) أدخل لبنان في أتون صراع مع القسم الأكبر من الشعب السوري (...)، وبذلك أصبح حزب الله والمنظمات التكفيرية الارهابية المتطرفة وجهين لعملة واحدة خاصة وأنه مارس ويمارس أسلوبها ولعبتها على مختلف الأوجه".
25/12/2013: بدا الرئيس ميشال سليمان حازمًا في رده على سؤال حول رفض الأمين العام لـ "حزب الإرهاب المنظم" الحكومة الحيادية بشكل تهديدي، فقال: "صلاحيات رئيس الجمهورية مستمدة من الدستور وليس من الأطراف السياسية والزعامات. والإيضاحات التي وصلتني (اجتماعه مع رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد) أنه ليس تهديدًا بل تسهيل لرئيس الجمهورية". واستخدم سليمان التعبير نفسه الذي استخدمه "نصرالله" عند رفضه الحكومة الحيادية فختم رده بعبارة: "ونقطة على السطر".
27/12/2013: "محمد شطح" الوزير السابق، ومستشار الرئيسين "السنيورة" و"الحريري"، و"رجل الأخلاق والاعتدال والمبادئ" (كما نعاه الدكتور سمير جعجع)... يسقط شهيدًا جديدًا على درب الحرية والسيادة والاستقلال، وبأيدي النظامين الإرهابيين القابعين في دمشق وطهران وأداتهما الإجرامية في لبنان.
الرسالة أكثر من واضحة، وقد أتت ترجمة للوعد الصادق في خطاب الفتنة الأخير "ما تلعبوا معنا"... نعم، لا تلعبوا معنا فنحن إرهابيون لا نفهم إلا لغة الدماء والقتل، فإما أن تصمتوا عن جرائمنا في لبنان وسوريا وتتركوا لنا لبنان ساحة مستباحة خاضنة لولاية الفقيه الإرهابية ومصنعًا لتصدير الإرهابيين الى سوريا والخليج وإفريقيا... وإما أن تدفعوا ثمن تمسككم بالحرية والسيادة الاستقلال دمًا وشهداء.
فإلى رئيس الجمهورية نقول: أثبِت للشعب اللبناني (ولو لمرّة واحدة)، وبالأفعال لا بالأقوال، أن مقر رئاسة الجمهورية هو في "بعبدا" لا في "حارة حريك"؛ مارس صلاحياتك وقم بواجباتك، وكُن على قدر كلمتك بأن "25 آذار خط أحمر والحكومة يجب أن تكون تألفت (قبل هذا التاريخ)".
والى الرئيس "سعد الحريري"، لا مكان "للطوباوية" والتسامح في مواجهة الإرهابيين، التململ ضارب أطنابه حيال سياستك في بيئتك الحاضنة، وقسم لا يستهان به من الشارع السني الذي استطعت جمعه بعد استشهاد والدك تحت شعار "لبنان أولاً" يوم كانت 14 آذار في عزّها قد تفرّق وابتعد عنك بعد 7أيار 2008 نتيجة للجو الإنهزامي الذي أحدثَتْه في طائفتك سياسة الخضوع وتقديم التنازلات المخزية والمشينة تحت شعارات "اليد الممدودة" و"أم الصبي" و"الحفاظ على السلم الأهلي"، والتي أتت أحيانًا كثيرة خلافا لتوجهات حلفائك من القوى الاستقلالية ولا سيما المسيحية منها. خُذ من بيان كتلك الأخير نقطة انطلاق لفتح صفحة جديدة إنقاذًا للبنان ولشعبيتك، وإلا فلن يبقى يصفق لك غير الذين يؤلّهون زعمائهم أو يرفعونهم الى مرتبة العصمة والقداسة.
والى القوى الاستقلالية، كم من شهيد يجب أن يسقط لـ"لثورة الأرز" كي تقررّوا التوحد بكامل قواكم وأحزابكم وتياراتكم تحت لواء الأمانة العامة لقوى 14 آذار؟! وما هي كمية الدماء التي يجب على الشعب اللبناني أن يقدمها كي تعيدوا هيكلة الأمانة العامة بما يتوافق مع المشروع الذي قدّمه "حزب الكتائب" وأثنيتم جميعًا على دوافعه وتوجهاته؟!! إن لم تحققوا "لبنان أولاً" في أمانتكم العامة فلا تحلموا بتحققه على مساحة الجمهورية... جمهور "ثورة الأرز" يتوق الى "14آذار" سمير قصير جبران تويني وبيار الجميل...
خياران لا ثالث لهما، فإما أمانة عامة مكتملة الصفوف بهيكلية حديدية جديدة وقرارات حازمة فاعلة بعيدة عن البيانات العاطفية وسياسة ردّة الفعل، وإلا فالبديل عن ذلك مؤتمر تأسيسي نساق إليه بقوة السلاح الإرهابي لنعي لبنان ودفنه والتفريط بدماء الشهداء وتضحياتهم.
* * *
* * *
* * *
* * *
التعليقات (0)