الفهرس
1-2011..عام الحقيقة والربيع العربي
2- هل بدأت تنهار 8 آذار؟
3- عدالة السماء ولو بعد حين
4- المكابرة بداية النهاية
5- علّمتني الثورة السورية
6- ارحل الآن فربيع الدار حان
7- اعتذار من القراء الكرام
8- لكَ الزهرة ولهم الرصاصتان
9- نسي إسرائيل أم خجل من اتهامها؟!
10- الكذب الطاهر!
11- طرابلس..طلقة بشار الأخيرة
12- الشجاعة تبحث عن مفتٍ
13- هكذا نحرق ورقة بشار الأخيرة
14- إنها مدرسة رفيق الحريري
15- آفة الحوار...التقية
16- الاغتيال الانتخابي
17- وداعًا للمشروع الفارسي وأدواته
18- العالم منقسم على السابع والثوار في الأخير!
19- في الـ67..الصراحة خير هدية
20- هل تبدّد المحكمة العسكرية انجاز فرع المعلومات؟
21- بين أسير الحرية وأسير السلطوية
22- إرهابيون برخصة كذابون بفتوى!
23- هل يسيء الراعي الى رعيّته؟!
24- لا مبرر للإحباط والثورة مستمرة
25- هكذا سيجرّد الحزب من سلاحه
26- الواجب الإرهابي والفكر التكفيري
27- بالحبر والدمع والدم...فلتهنأ بالشهادة أيها العميد
28- غيرة من الطراز الرفيع!!
29- "ميقاتي لا يرفض لي طلبًا"
30- بشائر النصر الحزينة
31- لهذا غاب نصر الله عن الشاشة
32- هل خرجت حماس فعلاً من محور الشر؟!
1- 2011..عام الحقيقة والربيع العربي
في كل عام يحاول البعض اختيار أفضل رسالة إلكترونية (email) وصلت إليهم في خلاله؛ لم أجد في نفسي دافعًا للمشاركة في هذه "الهواية" سوى هذا العام (2011)، وتحديدًا في الأسبوع الأخير من آخر شهر في السنة، حيث تلقيت بريدًا إلكترونيًا عبر مجموعة (yahoo) عبارة عن عرض مصّور مدّعم بشرح باللغة الإنكليزية، حمل عنوان "كيف يُصنَع النموذج"، وفيما يلي تفاصيله.
قام فريق من العلماء بتجربة على خمسة قرود، حيث وضعوا القرود في غرفة نصبوا في وسطها سُلَّمًا يعلوه قرط موز، وكلما حاول أحد القرود صعود السُلَّم للحصول على الموز كان العلماء يقتحون خرطوم الماء البارد على بقيّة القرود. بعد حين، كلما حاول أحد القرود صعود السلّم للحصول على الموز، كان الأربعة الباقون ينهالون عليه بالضرب لمنعه من ارتكاب الفعل الذي يتسبب برشّهم بالماء البارد، وهكذا مرة بعد مرة لم يعد أيُّ من القردة يصعد السُلَّم.
أراد الباحثون الذهاب الى أبعد من ذلك في تجربتهم، فقرروا التوقّف عن استعمال الماء، واستبدلوا أحد القرود بقرد جديد لم يشارك في التجربة الماضية وأبقوا على الأربعة الباقين، وعندما حاول الجديد صعود السلّم انهال عليه زملاؤه بالضرب، وبعد فترة لم يعد يصعد السلّم كرفاقه دون أن يدري لماذا.
استبدلوا القرد الثاني ثم الثالث ثم الرابع، فتكرر الأمر نفسه (الضرب عند محاولة القرد الجديد صعود السلّم)، حتى بتنا أمام خمسة قرود لم تتعرض ولا تعلم بارتباط "عقاب" حمام الماء البارد بصعود السلّم، إلا أن ذلك لم يحل دون استمرار هذه القردة بضرب أي قرد جديد يضاف إلى مجموعتها إذا حاول صعود السلّم للحصول على الموز.
بعد مشاهدتي العرض الممتع لهذه الرسالة، لم أستطع حبسه في إطار البحث النفسي الذي أراده له مصمّمه غير العربي، ولم اجد في نفسي مفرًّا من إسقاطه على الواقع السياسي الذي تعيشه المنطقة منذ مطلع العام 2011؛ فـ"قرط الموز" هو الحرية والكرامة، و"السلّم الموصل إليه" هو الاعتراض على الأمر الواقع والثورة على الاستبداد والظلم، أما "حمام الماء البارد" فهي ألوان الاضطهاد التي يتعرّض لها الأحرار دفاعًا عن كرامتهم وحرية، وأنهار الدماء الزكية التي يسفكها الحكام المجرمون لقمع أي انتفاضة شعبية تهدد عروشهم. أما "القرود" (في آخر العرض) فهم الذين استسلموا لآلة الإجرام التي تعرّض لها آباؤهم وأجدادهم، ورضوا بتدجين طاغيتهم لهم على مذى عقود طويلة، وسمحوا له باستباحة عقولهم وأفكارهم بشعارات دعائية فارغة، فتخلوا عن حريتهم وكرامتهم وأصبحوا يمجدون العبودية والتبعية والخنوع والذل وتأليه الزعيم.
في رأيي المتواضع، هذا هو "إيميل" العام 2011، عام الربيع العربي الذي انتفضت فيه بعض الشعوب على طغاتها فاتنزع بعضها حريّته وكرامته بعد عقود من الذل والطغيان كما في تونس ومصر وليبيا وإلى حد ما اليمن، ولا يزال بعضها يخوض درب الجلجلة وهو قاب قوسين أو أدنى من عيد الحرية والكرامة كالشعب السوري البطل الذي سيحرر معه شقيقه الشعب اللبناني الأسير.
نعم، لبنان مهد الثورات العربية وموطن أمّها "ثورة الأرز"، ومن غير المقبول أن يعود الى خريفه في حين تحقق الشعوب المقهورة ربيعها، لكن هذا البلد خضع في مطلع العام 2011 لانقلاب أسود نفذه أصحاب القمصان السود، فأسقطوا حكومة الرئيس سعد الحريري أو ما سمّي بحكومة "الوحدة الوطنية" بإفقادها نصابها الدستوري بعد استقالة وزراء 8 آذار بمن فيهم الوزير الوديعة أو "الخديعة" المحسوب زورًا على رئيس الجمهورية، وبعد بضعة أيام نصّب المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية حسن نصر الله الرئيس نجيب ميقاتي رئيسًا لحكومة "ربع الساعة الأخير".
كانت الضارة نافعة، فانتفض ثوّار الأرز وأفاقوا من غفوتهم، أدركوا أنه في وجه وصاية السلاح الساحة أقوى سلاح، فقالوها مدوية مليونية في ساحة الحرية في 14 آذار 2011: "الشعب يريد إسقاط السلاح".
سقطت هيبة السلاح الميليشيوي في نفوس الأحرار وامتدت عدوى الحرية الى سوريا، فانتفض الشعب السوري البطل وأعلن بداية ثورته في 15 آذار 2011 لإسقاط نظام من نصّب نفسه بالحديد والنار أسدًا على شعبه حَمَلاً وديعًا مسالمًا مستسلمًا مع عدوّه.
شُكَّلت حكومة الإنقلابيين في لبنان في 13/6/2011، وعلى الفور تلقت عدة كرات من اللهب، أبرزها اقتراب صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، واستحقاق تمويل المحكمة الدولية، فضلا عن معارضة شرسة تقف بالمرصاد وإن كان ينقصها مزيد من الفاعلية.
صدر القرار الاتهامي في 30/6/2011 مبيِّنًا تورط عناصر من "حزب ولاية الفقيه" بأدلة قوية بارتكاب "جريمة العصر"، فتكشفت خيوط الحقيقة ودخل لبنان في ربيع العدالة بعد نحو ثلاثة عقود من الجرائم والاغتيالات السياسية دون حسيب أو رقيب، وتهرّبت الحكومة بطرق مكشوفة من إلقاء القبض على من صدرت بحقهم مذكرات التوقيف، ولا عجب فالمجرم لا يقبض على نفسه، ولا يسلّم نفسه إلا عندما يستيقظ فيه الضمير.
جاء أوان استحقاق تسديد لبنان حصته من تمويل المحكمة الدولية؛ لبنان مهدد بعقوبات دولية قاسية إن لم يسدد، والنظام السوري المتهالك غارق في ورطة الثورة ومنغمس في دماء أحرار شعبه، و"حزب ولاية الفقيه" لا يريد فرط عقد حكومته بعدما تبيّن أن النائب وليد جنبلاط بدأ استدارة جديدة نحو 14 آذار وأن وزراءه يؤيّدون التمويل وإلا فربما الاستقالة.
موّل الحزب المحكمة في 30/11/2011 بتمثيلية كان بطلها الرئيس نجيب ميقاتي، إلا أنها كانت ضعيفة الإخراج فلم تنطلِ إلا على البسطاء، وبذلك يكون "حزب السلاح" قد اعترف بنزاهة المحكمة وشرعيتها، وبرّأها من تهم العمالة والخيانة والتسييس التي لطالما كالها إليها لأغراض تحريضية شعبوية تجارية دعائية، لإبعاد التهمة عن نفسه وتضليل شعبه.
ها هو العام 2011 قد أسدل ستاره على منطقة يتبدل مناخها السياسي من الخريف الى الربيع، ففي لبنان خريف السلاح ربيع الاستقلال والعدالة، وفي سوريا خريف النظام البائد ربيع الحرية والكرامة الذي سيزهر في البلدين الشقيقين مع بزوغ فجر اليوم المنتظر الذي سنشهد فيه انهيار النظام الأسدي عما قريب في العام 2012 بإذنه تعالى.
عبدو شامي
30/12/2011
(موقع سياسة.كوم)
2- هل بدأت تنهار 8 آذار؟
يستطيع المواطن التونسي أن يتحدّث بطلاقة عن وضع بلاده السياسي بعد "ثورة الياسمين" دون ربط مصيره بوضع أي بلد آخر. وكذلك الأمر بالنسبة للمواطن المصري بعد "ثورة 25 يناير"، ومثلهما الليبي بعد "ثورة 17 فبراير"، وحتى المواطن اليمني بعد توقيع "المبادرة الخليجية" التي حوّلت "علي صالح" الى رئيس سابق. لكن ماذا عن المواطن اللبناني؟!
في لبنان، لا نستطيع الخوض في أبسط أمورنا السياسية فضلاً عن التعقيدات الكبرى، دون التطرّق الى الشأن السوري، ما يؤكّد أن اكتمال ربيع لبنان متوقّف على وصول الربيع الى سوريا، ولعل الأزمة الحكومية اليوم إحدى الأمثلة والأدلة على مدى الترابط العضوي والمصيري بين الحزب الحاكم في لبنان والحركات الملحقة به، وبين النظام الدموي الذي يشرف على إرهاب آلة القتل في سوريا.
يفضّل بعض السياسيين تفسير تعليق جلسات مجلس الوزراء بسبب الخلافات بين "ميقاتي" و"عون" على أنه مسرحية يمكن أن تمتد فصولها نحو ثلاثة أسابيع للتهرّب من استحقاق تجديد بروتوكول التعاون مع المحكمة الدولية، كما من أي استحقاق عربي أو دولي قد يطرأ حيال المذبحة المستمرة في سوريا.
بالنسبة الى "حكومة رعاية الإرهاب" في لبنان وسوريا، التفسير المتقدّم غير مستبعد، فقد سبق لهم أن أتحفونا بمسرحية تمويل المحكمة الدولية. لكن ثمّة تحليل آخر لما يحدث، يربط التعثّر الحكومي بضعف ضابط الإيقاع السوري الذي لم يعد قادرًا على ضبط "ضواحي دمشق" التي بدأت تتحرّر من سلطته، فكيف له أن يضبط لبنان أو حتى فريق أكلة الجبنة وأصحاب الشبق السلطوي والنفوس المتناحرة فيما بينها والحاقدة على بعضها بعضًا، والذين استطاع جمعهم في حكومة واحدة يوم كان في عزّ نشاطه وتسلّطه؟!
ويمكن تدعيم هذا التحليل بالوقائع التالية:
ظهور جنرال الرابية في حالة هستيريا سياسية، في المؤتمر الصحافي الذي عقده في 27/1/2012، والذي يستحق أن تمنعه الرقابة لكثرة ما تخلّله من إهانات وشتائم وتعرّض الى كرامات الأموات والشهداء الأحياء، ولعل آخر حالة مشابهة انتبات الجنرال تعود الى العام 2007 وبداية 2008، يوم كانت الحكومة في يد قوى 14 آذار. ما يعني أن "شبح" 14 آذار وعودتها الى الحكم عاد ليشغل بال الجنرال بقوّة.
أضف الى ذلك أن الجنرال في ذلك المؤتمر الصحافي نفسه، حاول التهديد بفتح ملفات كثيرة يمينًا ويسارًا دفاعًا عن "صهره" في معركة "فضيحة المازوت"، حتى تعرّض لرئيس "حركة أمل" نبيه برّي ملوَّحًا بفتح ملفات من كانوا في الحكم منذ سنة 1984. هذا فضلا عن خلافات الجنرال الجذرية مع كل من الرئيس ميشال سليمان والرئيس نجيب ميقاتي.
وبالنسبة لـ"حزب ولاية الفقيه"، فقد بدأت تكسر طوق "الثنائي الشيعي"، أصوات شيعية جريئة، ولعل من استمع الى مواقف السيد هاني فحص مع الإعلامية وردة الزامل في "المجالس بالأمانات" الأحد ما قبل الماضي، والى مواقف الشيخ صبحي الطفيلي مع الإعلامي وليد عبود في "بموضوعية" الإثنين الذي تبعه، يدرك مدى غنى هذه الطائفة بأصحاب المواقف الوطنية المستقلة، والبعيدة عن الاصطفافات الخارجية والارتهان والتبعية المطلقة.
أما بالنسبة للنائب "وليد جنبلاط"، فقد حسم موقفه وتموضعه مع الثورة السورية في وجه النظام القاتل، وبات أقرب الى 14 آذار وثورة الأرز أكثر من أي وقت مضى.
بناء على ماتقدّم، فإني أميل شخصيًا الى التحليل الثاني، الذي يعني أننا يمكن أن نكون دخلنا مع هذه الأزمة الحكومية في الفصل الأول العملي لانهيار "حكومة ربع الساعة الأخير"، والذي يخفي في طيّاته انهيار قوى 8 آذار بشكل عام. ومن هنا ندرك أسباب طرح بعض القيادات الاستقلالية، مثل "حكيم ثورة الأرز" الدكتور سمير جعجع، اقتراح تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن السياسة تهيّئ البلاد لانتخابات العام 2013، والتي ستفرز هذه المرة وبفضل انهيار منظومة "محور الشر" وانتشار الديموقراطية في العالم العربي، أكثرية تحكم قولاً وفعلاً، وأقلية تراقب وتسائل وتعارض، للمرة الأولى في تاريخ لبنان الحديث.
ويبقى السؤال: صحيح أن بقاء "حكومة رعاية الإرهاب في لبنان وسوريا" على قيد الحياة مهما كان الثمن، واجب، لا بل مسألة حياة أو موت بالنسبة للانقلابيين، لكن الى متى ستبقى تلك الحكومة البائسة تنجو من غرفة الإنعاش؟ الجواب عند ثوار الحرية والكرامة في سوريا بالتأكيد.
عبدو شامي
7/2/2012
(موقع سياسة.كوم، و ليبانون ديبايت)
3- عدالة السماء ولو بعد حين
قالها "الحكيم" في الذكرى السابعة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه: "أزعجتهم أبا بهاء فاغتالوك ليرتاحوا، لكنّهم ما استطاعوا نومًا، ولا ذاقوا طعم الهناء. فما نامت أعين الجبناء. انتظرناها عدالةً من المحكمة الدولية، فجاءت من السماء قاطعةً ناصعةً بيضاء".
كلام "الحكيم" الحكيم، أعادني فورًا بالذاكرة عامًا كاملاً الى الوراء. أخذتني ذاكرتي الى العشرين من كانون الثاني 2011، يوم أكّد الرئيس الواعد، زعيم "تيار المستقبل" والمستقبل، سعد الحريري، ترشيحه لرئاسة الحكومة بعد انقلاب القمصان السود وإرجاء الاستشارات النيابية لضمان فوز مرشّح سوريا وإيران نجيب ميقاتي، بعد تطويع النائب وليد جنبلاط، وهكذا كان.
في ذلك اليوم، اتخذ "الحريري" موقفًا جازمًا من مضيّه في ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة على رغم "الضغوط"، خاتِمًا خطاب ترشيحه بكلمات قمّة في الدقة والإيمان والتعبير: "إن الظلم لن يمنعني عن مواصلة المسيرة، طالما أراد الله سبحانه وتعالى لي أن أواصل العمل بها"، مستشهدًا بالآية القرآنية: "ولا تحسبنَّ اللهَ غافلاً عمّا يَعملُ الظالمون، إنَّما يُؤخِّرُهم ليومٍ تشخَصُ فيه الأبصار"(إبراهيم:42).
بعد خمسة وخمسين يومًا على كلام الحريري النابع عن شعور مرير بالظلم والغدر والخيانة، بدأت تتحقق عدالة السماء. اندلعت ثورة الحرية والكرامة في سوريا، سوريا الحرّة التي أبت أن تكون "سوريا الأسد". شخصت أبصار الظالمين في لبنان وسوريا وإيران في الدنيا قبل الآخرة. ظلّت أبصارهم مفتوحة مبهوتة، أجفانهم لا تتحرّك من الفزع والهلع، وأعينهم لا تطرف من هول ماترى، ولا تزال على حالها الى اليوم... ما ترونه حقيقة قاطعة بيضاء ناصعة، هو الشعب البطل ثار لحريّته وكرامته بعدما ظننتم أنه لا يثور ولن يثور.
أبصارنا أيضًا شخصت، نحن المظلومين، نحن المغدورين، نحن المطعونين في الظهر، نحن أصحاب الحق والحقوق، نحن أهالي الشهداء وعوائلهم، بيد أنها لم تشخص من الفزع والهلع مثل أعين الظالمين، بل من مراقبة عظمة العدالة الإلهية في هذا الكون، أمهل الله الظالم الذي تمادى في ظلمه، قتل اغتال عذّب سجن اعتقل سرق نهب حرق، انتهك الأعراض، سفك دماء الأبرياء، وقتل الأطفال، رمّل النساء، فجَّر الكنائس والمساجد، هدم المنازل، ذوّب الأيدي الحرة بالأسيد، اقتلع الحناجر الصدّاحة بما هو أشد عليه من الحديد، أذاق الناس صنوف العذاب والقهر والظلم، حتى إذا ما ظنّ أن الأمر له وحده أخذته العدالة الإلهية على أيدي شعبه المظلوم الأوّل ولم تفلته. وحبّذا لو يعتبر حلفاؤه في لبنان قبل فوات الأوان.
قالها "الحكيم": "إنّي أرى عهدًا قديمًا يتهاوى، وربيعًا عربيًا عظيمًا آتيًا. أبا بهاء، شهداء ثورة الأرز... اغتيالكم أخرجهم من التاريخ، وقريبًا يخرجون من الجغرافيا. نم قرير العين أبا بهاء، إنّهم على أيدي شعوبهم بالذات يحاسبون، وإلى غياهب التاريخ ذاهبون". ألهبت المشاعر بهذه الكلمات يا "حكيم" وأدمعت المُقل، لكنها دموع الفرح، النابعة من حلاوة الثبات على المواقف الصلبة والخيارات الصائبة، وعدم الرضوخ للظالم ولو من تحت ثالث أرض، ورؤية كل ذلك يتحقّق.
شتّان، شتان ما بين 14 شباط 2011، و14 شباط 2012! العام الماضي خيّمت علينا الذكرى وقد أصيبت "ثورة الأرز" بانتكاسة كبرى، تمثلّت بنجاح الانقلاب الأسود الذي حوّل بأساليبه الميليشيوية الأكثرية أقلية، فأسقط الحكومة وأوصل مرشح سوريا وإيران الى سدّة الرئاسة الثالثة. أما هذا العام، فأطلّت علينا الذكرى في فصل الربيع، فالتغيُّر المناخي في المنطقة ورياح العدل الإلهي جعلت 14 شباط 2012 يتحوّل من عز الشتاء الى عز الربيع، إنه المجلس الوطني السوري يلقي كلمته السياسية في الذكرى السابعة لاستشهاد الريس رفيق الحريري ورفاقه، مشدِّدًا ومتعهّدًا احترام حرية وسيادة واستقلال لبنان.
في العام الماضي، حذّر خطباء الذكرى من العودة بالبلاد تدريجًا الى زمن ما قبل 2005 وممارسات نظام الوصاية بكل أشكاله ومكوناته، أما اليوم، فها هم يلقون خطاب المنتصر الواعي والموزون، ويتوجهون الى الإنقلابيين المذعورين بالقول: "كفانا قمصانًا سود. دقّت ساعة الحرية والديموقراطية والدولة السويّة في المنطقة، فلا تخطئوا الحساب. أنتم شركاء أعزّاء، فلماذا تصرّون على إقصاء أنفسكم بأنفسكم عن بقية اللبنانيين؟ لا مستقبل لأي سلاحٍ غير شرعي. لا مستقبل لأي دويلة".
في العام الماضي أعلن النائب وليد جنبلاط انحيازه الى "سوريا والمقاومة"، وقاطع الذكرى، وانتقد كلمات الخطباء، أما اليوم فهو يطالب بإسقاط نظام حزب البعث، وقد تمثّل حزبه في احتفال "البيال" بأمينه العام. لقد عادت الأكثرية أكثرية.
عام 2011، كان قاتل الأطفال "بشار الأسد" مزهوًا "بنصره" في لبنان، ويبدي "ارتياحه" الى كون "الانتقال بين الحكومتَين حصل بسلاسة". اليوم نحن مزهوّون بنصر الشعب السوري القريب، والعالم يطالب الأسد بانتقال سلس للسلطة في سوريا.
ليس في العام الماضي فقط، بل على مدى ثلاثة عقود آفلة، ظلّ النظام الأسدي يتلاعب بالأوراق اللبنانية والفلسطينية وأحيانًا العراقية، لانتزاع مكاسب من القوى العظمى مستقويًا بحلفه غير المعلن مع إسرائيل، أما اليوم فبات النظام الدموي في سوريا هو نفسه ورقة في يد روسيا، تلعب بها الأخيرة لتنال مكاسب مقابل موطئ قدمها الأخير في الشرق الأوسط.
وأخيرًا، في العام الماضي، انتظرت قيادة "حزب ولاية الفقيه" نحو أسبوعين لتُفصِح عن دعمها المطلق لـ"الثورة المصرية"، يومها عدّ "نصر الله" اتهام الثورات بأنها "صنيعة الإدارة الأميركية، وأنها هي التي حركت هؤلاء الشباب وحرضتهم(...)ظلم كبير"، قائلاً: "أي إنسان عربي أو مسلم أو حر يفكر بهذا تجاه شباب تونس أو مصر، يوجه إهانة لعقول وإرادات هذه الشعوب". عندها تساءلنا: ماذا لو قامت ثورة شعبية في سوريا أو إيران، هل سيهين "نصر الله" إرادات وعقول هذين الشعبين فيعتبرها مؤامرة؟!
لقد أهان "حزب ربع الساعة الأخير" هذين الشعبين وساهم في قتلهما، وجاءه الرد اليوم من "الحكيم" مدويًا: إن "كمال جنبلاط، وبشير الجميّل، ورفيق الحريري، وسمير قصير، وجورج حاوي الى محمد البوعزيزي، وخالد قاسم، والطفل حمزة الخطيب وابراهيم القاشوش، إنسانٌ واحد، قضيّة واحدة، في كل زمان ومكان، وكما انتصرت في نهاية المطاف الأشرفية، وطرابلس، وعاليه، وزحلة، وتونس، والقاهرة، وبنغازي، هكذا ستنتصر حمص، وحماه، وإدلب، ودير الزور ودرعا".
عبدو شامي
16/شباط/2012
(موقع سياسة.كزم، وجريدة المستقبل)
4- المكابرة بداية النهاية
شهادة الإنسان لنفسه أو لفريقه السياسية دائمًا مجروحة، حتى ولو كان يتمتّع بقدر كافٍ من الموضوعية، لكن عندما تأتي الشهادة له ممن لا يشاركه في انتمائه، أو من خصمه في السياسة، فتلك أعلى درجات الشهادة التي يُعتَدُّ بها.
مهرجان قوى 14 آذار الذي أقيم في الذكرى السابعة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، نجح نجاحًا باهرًا وبعلامة كاملة فنال درجة الامتياز. هذا الحكم أو التقدير ليس صادرًا عن أحد "ثوّار الأرز"، بل من قائد قوى 8 آذار ومن نصّب نفسه مرشدًا أعلى للجمهورية اللبنانية "حسن نصر الله".
بالتأكيد لم يقل أمين عام "حزب ولاية الفقيه" هذا الكلام حرفيًا، لكنه قاله شكلاً ومضمونًا في 16 شباط2012. فأنْ يستدعي كلام خطباء 14 آذار أقوى هجوم يشنّه الحزب على تلك الحركة الاستقلالية منذ تأسيسها عام 2005، وأن يضطر نصر الله الى الرد على الخطباء واحدًا واحدًا مع تسميتهم بأسمائهم، وأن يستخدم أسلوب التهكّم والسخرية والتطاول على الكرامات، فضلا عن معزوفة العمالة البالية ذات الحضور الدائم في أدبياته...كل ذلك شهادة صريحة من الولي الفقيه في لبنان بأن القوى الاستقلالية نجحت في استعادة زمام الأمور والمبادرة، وعدّلت ميزان القوى، الى درجة أربكت قيادة الفريق الآخر فجعلته يخرج عن طوره.
وللأمانة والموضوعية، ما أربك قيادة الحزب الإيراني الذي يمارس "أسمى" معاني "الممانعة والمقاومة" في سوريا حيث أرسل "أشرف ناسه" لقنص الأبرياء، ليس خطاب "البيال" وحده، فالرجل على ما يبدو لم يستطع بعد الخروج من وقع المقابلة التلفزيونية الأخيرة للشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لحزب "نصرالله" التي أحرجت الحزب تجاه قاعدته الشعبية وبيئته الحاضنة.
ففي 30/1/2012، وصف "الشيخ صبحي" ولاية الفقيه بأنها "بدعة صفوية لا أساس شرعيًا لها"، مؤكدًا على أن 90% من علماء الشيعة يعرفون ذلك، داعيًا كل المسلمين لنزع البدع من الجسم والشرع الإسلامي. ولم يقف "الطفيلي" عند هذا الحد، بل فجّر قنبلة من العيار الثقيل، عندما كشف أنّ "انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في العام 2000، تم بالاتفاق بين إيران وإسرائيل"، لافتًا إلى "أننا نتحدث عن واقع وقع، ومقاومة انتهت بالاتفاق بين الإسرائيليين والقيّمين على هذه المقاومة من خلال انكفاء سلاحها إلى قضايا أخرى كالفتنة السنيّة – الشيعيّة التي نعيشها اليوم". كما اعتبر أنّ "أسوأ أنواع الديكتاتوريات هي تلك التي تمارس في طهران عبر كمّ الأفواه والاعتداء على الناس، وهذه التصرّفات مخالفة لشرع الله، وواجب الناس الانقلاب على النظام هناك لأنّ الله أمرنا بالزود عن المنكر".
قد نتفهّم انفعال "نصر الله" في ردّه العنيف على مهرجان "البيال" فالرجل الذي أوهم نفسه لا بل شعبه بانتصارات "إلهية" كثيرة مزعومة، سطا في كثير منها على انتصارات الآخرين بغلبة سلاحه الميليشيوي، هذا الرجل لم يعتد ولم يتخيَّل يومًا أن يخاطبه الفريق الاستقلالي ولا غيره بلهجة المنتصر الواعي والموزون، وبهذا القدر من ضبط النفس وعلو الأخلاق.
لم يخطر بباله يومًا أن تشتعل "ثورة الحرية والكرامة" في سوريا، فتكشف على لسان رجل النظام البارز "رامي مخلوف" زيف قناع "المقاومة والممانعة" الذي لطالما تلطى خلفه وتنكر به وانتحل صفته النظام "البعثي" البائد وملحقاته في الداخل والخارج.
لم يتصوّر يومًا أن زلزالاً عنيفًا مدمِّرًا قاسمًا سيضرب أرخبيل الهلال الفارسي الممتد من طهران الى بيروت مرورًا ببغداد ودمشق وغزة، مخلّفًا وراءه تشققات جيو-سياسية عميقة من المرجح أن تؤدي الى تغيير جذري في معالم المنطقة، ما سيغيّر (وقد بدأ فعلاً) خارطة التوازنات السياسية والقوى الإقليمية الفاعلة والمؤثرة فيها.
غير أن ما يستدعي الانتباه في ذلك الخطاب، هو أسلوب المكابرة الذي انتهجه مقابل مبادرات قوى "14 آذار" التي تهدف الى فتح صفحة جديدة تبعد المخاطر عن الوطن، ولا سيّما تلك التي طرحها الرئيس سعد الحريري لإبعاد شبح الفتنة عن لبنان والذي لاقى تجاوبًا من مرجعيات شيعية عدّة وخصوصًا من مكتب السيد "علي فضل الله".
بكل بساطة كان رد نصر الله الاستخفاف بالقوى الاستقلالية والسخرية منها والادعاء أنها ليست في موقع مَن يعطي ضمانات، وكأنه يقول: "أنا مش قاريكم روحوا بلطوا البحر"!
وإننا إذا حاولنا تفهّم الانهيار العصبي الذي جعل "نصر الله" يحدّثنا بتلك اللجهة الدونية، على أنه ناتج عن تلك الضربة القاسمة التي يتلقّاها "محور الشر" في المنطقة، مضافًا إليه وقْع كلام "الطفيلي"، فإن هذه المكابرة لا يمكن أن نفهمها إلا على أنها بداية النهاية.
نعم، لقد علّمنا التاريخ أن المكابرة هي بداية نهاية، ولن نعود كثيرًا الى الوراء؛ ففي عام 2000 عندما صدر بيان البطاركة الموارنة الداعي لخروج الجيش السوري من لبنان، كابر "الأسد" فاعتبره صادرًا عن مجموعة محدودة من اللبنانيين، وأنها تمثّل فئة قليلة ضمن طائفتها، فكان أن أسّس هذا البيان لـ"ثورة الأرز" التي دحرت قوّات الاحتلال السوري من لبنان عام 2005. وفي بداية "ثورة الياسمين" في تونس كابر "بن علي" فلم يصغ الى مطالب شعبه فانتهى به الأمر رئيسًا مخلوعًا منفيًا في جدّة. وكذلك "مبارك" كابر قائلا إن مصر ليست تونس، فانتهى به الأمر في السجن، وكذلك "القذافي" كابر معتبرًا أن لبيبا ليست تونس ولا مصر، فانتهى به الأمر في القبر. وكذلك "علي عبد الله صالح" كرّر الجملة نفسها ثم اضطر الى توقيع مباردة جعلته رئيسًا سابقًا لليمن. أما قاتل الأطفال وسفّاح الشام، فقد كابر هو الآخر في بداية الربيع العربي معتبرًا أن الشرق الأوسط مريض لكن سوريا بخير، لأنه "قريب جدًا" من شعبه وتطلّعاته ومواقفه العقائدية، وها هو اليوم يتحضّر للخروج من التاريخ والجغرافيا بعدما بات بإمكانه مشاهدة التظاهرات من نافذة قصره في دمشق.
التواضع، والعودة الى الدولة بشروط الدولة هو الحل الوحيد.
عبدو شامي
19/شباط/2012
(موقع سياسة.كوم)
5- علّمتني الثورة السورية
انطلقت شرارتها في الخامس عشر من آذار عام 2011، وها هي اليوم تضيء-ولا أقول تطِفئ- شمعتها، بل شعلتها الأولى، ولا تزال مستمرة.
رغم سقوط نحو 10آلاف شهيد، وما يفوق عددهم من الجرحى والمعتقلين والمفقودين...لا تزال مستمرة.
هي الثورة الأعظم بين ثورات الربيع العربي، ليس انتقاصًا من قدْر أخواتها بالتأكيد، وإنما لكون شعبها انتفض متحدّيًا أكثر أنظمة المنطقة -بل العالم- إجرامًا وإرهابًا وكذبًا ونفاقًا وفسادًا على الإطلاق. من أجل ذلك كله ستبقى مستمرة، لتخليص الإنسانية من وحش بلاد الشام الكاسر ستبقى مستمرة، وحتى تحقيق الحرية والكرامة ستبقى مستمرة.
كثيرة هي الدروس التي تعلّمتُها من الثورة السورية، وعديدة هي العِبر التي استقيتها من مَعين عظَمتها.
علّمتني الثورة السورية أن لا أغترّ بحَمَلة الشهادات والتخصّصات ولو كانت ممنوحة من أرقى جامعات أوربّا، فطبيب العيون قد يكون أعمى البصر والبصيرة، ومن درس مهنة الطب -مع تقديري لها- ليس بالضرورة إنسانًا، بل قد يكون وحشًا ساديًا على صورة إنسان مجرّد من أدنى مشاعر الإنسانية، أو حتى من بعض الغرائز والصفات الحميدة الموجودة لدى الحيوان.
علّمتني أن إسرائيل ليست الكيان الأكثر إرهابًا ووحشية في المنطقة، بل ثمّة نظام فاقها وحشية وبربرية، ومارس من صنوف الإجرام وأنواع التعذيب ما يترفّع العدو الصهيوني عن ارتكابه، بل ويشمئز من رؤيته، ولذلك علّمتني أن تحرير سوريا قبل تحرير فلسطين.
علّمتني الثورة السورية أن لا أنبهر بالشعارات البرّاقة، والمصطلحات اللمّاعة، والتعابير الطنّانة والرنّانة؛ فمن يدّعي "المقاومة" قد يكون العميل الأخطر، ومن يزعم "الممانعة" قد يكون الخانع والمتذلّل والمنبطح الأكبر، ومن يرفع شعار "العروبة" قد يكون المُتصَهين والـ"مُتفرسِن" الأول، ومن يرتدي زي "العلمانية" قد يكون الطائفي والعنصري الأحقر.
علّمتني أن مَن درج الناس على الاستهزاء به في النكات ولو من باب المزاح والدعابة، قد يكون من أكثر شعوب الأرض شجاعة وبطولة وإقدامًا وكرامة.
علّمتني الثورة السورية أن الأطفال قد يصنعون ثورة لا ولم يجرؤ عليها الكبار، وأنها محكومة بالنصر الأكيد لأنها تأسّست على الصدق والبراءة من أول يوم كتبت فيه أناملهم الناعمة على الجدران الخشنة "الشعب يريد إسقاط النظام".
علّمتني أن أحلم وأحلم وأتمادى في الأحلام، فمن كان يقول أن حلم اندلاع ثورة في سوريا ممكن التحقّق، بل مَن كان يجرؤ على تصوّر ذلك الحلم، ومن لا يزال بعد 15 آذار 2011 يدّعي أن الأحلام مستحيلة التحقّق؟!
علّمتني أن أبقى متفائلاً، أن أتفاءل عندما أرى مَن حولي متشائمًا، وأن أراهن على أن نقطة نور قد تضيء بحرًا من الظلام، وأن أؤمن أن غدًا أفضل من اليوم.
علّمتني أن أثق بنفسي ولا أعتمد على الآخرين، ولا أغتر بصداقات الرّخاء، بعدما تبيّن أن دعم نظام في إبادة شعبه أمر وارد وبدم بارد، لأن العلاقات بين الدول -وكثير من البشر- مبنية على المصالح المجرّدة من أي حسٍّ إنساني أو وازع ديني...فليس معي إلا الله وكفى به ناصرًا ومعينًا. (يا الله ما لنا غيرك يا الله).
علّمتني أن حياة الإنسان وإن مات تكون بالثبات على المواقف المشرّفة والمبادئ المحقّة، وموته وإن بقي على قيد الحياة يكون بالتبديل والاستدارة والخنوع والتذلّل التزلّف والاستسلام للطغاة. فعدالة السماء آتية ولو بعد حين، والحق عائد لأهله مهما تخاذل المتخاذلون وتواطأ المتواطئون. (الموت ولا المذلّة).
علّمتني أن النصر قد يتأخّر ليفسح المجال أمام سقوط مزيد من الأقنعة الخدّاعة، و"ليَمِيز الله الخبيث من الطيّب"، فنعلم العدو من الصديق، والقريب من البعيد، وأشرف الناس من أرذلهم.
علّمتني أن المرجعيات الروحية ليست دائمًا في مواقفها السياسية على حق، فقد يُخطئ الراعي وتصيب الرعيّة.
علّمتني أن تخلّي العالم عن نصرة شعب يتعرّض للإبادة مع أن مصيره هو النصر الأكيد، قد يكون كرامة من الله لذلك الشعب لئلا يكون لأحد منّة ولا فضل عليه عند انتصاره سوى الله وحده، ثم تضحيات الأحرار.
علّمتني أن من اختار النأي بنفسه عن شعب يُباد هو شريك أساسي في جريمة الإبادة.
علّمتني أنه من "سمير قصير، وجورج حاوي الى محمد البوعزيزي، وخالد قاسم، والطفل حمزة الخطيب وابراهيم القاشوش، إنسانٌ واحد، قضيّة واحدة، في كل زمان ومكان، وكما انتصرت في نهاية المطاف الأشرفية، وطرابلس، وعاليه، وزحلة، وتونس، والقاهرة، وبنغازي، هكذا ستنتصر حمص، وحماه، وإدلب، ودير الزور ودرعا". (حكيم ثورة الأرز الدكتور سمير جعجع).
علّمتني أن لا قدرة لـ"أيّ سلاحٍ غير شرعي على تغيير التوازنات، وصارت الخيارات الأساسية في يد الناس وليست في يد فرد أو فئة أيًّا كان العنوان الذي يتمّ في ظلّه حملُ السلاح أو استعماله".(وثيقة تيار المستقبل وآفاق الربيع العربي).
علّمتني أنه "بإرادة الناس الحرة يحدث التغيير ويحدث النهوض(...) والسير نحو المستقبل الأفضل: "لتكونَ لهم حياةٌ، وتكونَ حياةً أفضل" (إنجيل يوحنا 10:10) (...)،"فأمّا الزبدُ فيذهبُ جُفاءً، وأمّا ما ينفعُ الناسَ فيمكثُ في الأرض" (سورة الرعد: 16)". (وثيقة تيار المستقبل وآفاق الربيع العربي).
علّمتني أن "مَن يؤسّس حكمه على الدم سيذهب بالدم". (رجب طيب أردوغان).
علّمتني أن زوال الطاغية بوحدة الطوائف، وبقاءه بتحالف الأقليّات.
علّمتني أن التاريخ يتكرّر إن لم نعتبر ونضرب على يد الظالم من المرة الأولى، فبالأمس أمر حافظ ونفّذ أخوه رفعت، واليوم أمر الولد بشار ونفّذ أخوه ماهر.
علّمتني أن كل يوم نتأخر فيه عن ردع الظالم قد يكلّفنا مئة شهيد، وكل يوم نسارع فيه لإسقاط طاغية نغرس فيه ألف حياة.
علّمتني الثورة السورية أن التابع تابع، فإذا اهتز الأصل اهتز معه الفرع، وإذا سقط الأصل سيتبعه الفرع لا محالة.
علّمتني أنه كما كان لي اليوم شرف كتابة مقالة بعنوان "علّمتني الثورة السورية"، قد يكون لي غدًا شرف كتابة مقالة بعنوان "علّمتني ثورة الضاحية الجنوبية".
عبدو شامي
12/آذار/2012
(موقع سياسة.كوم)
6- ارحل الآن فربيع الدار حان
قال لهم لا، جاء الرد فورًا، اغتالوا قائدًا جامعًا لوطن نهشته الحرب الأهليّة
سبع سنوات قائم مقام، فلمّا زرت القاتل نصَّبَك مفتيًا أصيلاً للجمهورية
تنكّرت لدماء سلفك، جعلت "وحدة المسار والمصير" عماد خطبك اليومية
"الشقيقة سوريا" لازمة أخرى، جعلتها من أركان خطبة الجمعة الأسبوعية
مات المجرم، هرعت الى "الشقيقة"، أبيت إلا أن تكون لك كلمة تأبينية
انتفضت الكنيسة، لم تجرؤ على مجاراتها، أبقيتَ المسجد يُمجّد الوصاية البعثية
الشهيد بكى، أهكذا تكافئ من استأمَنَك على الفتوى يوم كان مفتيًا للجمهورية
أين الدور الرائد؟ أين الموقف الثابت؟ أين الأوقاف؟ أين القمم الوطنية؟
بطريرك التاريخ سلْه، هل خضع يومًا أو وطأت قدماه سوريا الأسديّة؟
جعلت رعيّتك تقول: مرجعيّتنا الوطنية بكركي، لا نرى في دارنا مرجعيّة
هي دار المسلمين، دار اللبنانيين، لا دار عائلتك والبطانة الاستخباراتية
جاء يوم اغتيال الرفيق، فمددت يدك أخيرًا لتلتقط يد الكنيسة المارونية
قلنا عاد الى صوابه، بدأ يأخذ المواقف المشرّفة المؤيّدة لثورة الحريّة
لم نؤيّد شخصك يومًا، تاريخك أفقدنا الثقة، أيّدْنا فقط مواقفك الوطنية
دعوت الى التظاهر ثم تبرّأت من المتظاهرين أمام القنصلية الدانمركية
خيّبت الآمال، ثم أعلنت معادلة الخط الأحمر، قلنا مجددًا عاد للجادة السويّة
دارت الأيام، ظهر على الإعلام ملف فساد يتهمك باختلاسات ماليّة
قلنا لن نعلّق قبل نتيجة التحقيق، الوضع حسّاس نحن في غنى عن معركة داخلية
ربما هي مؤامرة من حزب السلاح تستهدفك ردًا على مواقفك الاستقلالية
دارت الأيام مجدّدًا، أسقطوا حكومة سعد، عادت لتحكمنا الوصاية السورية
عدّت معها الى أصلك، طعنتنا في الظهر، خذلتنا، بدّلت فورًا اتجاه البندقية
الشام عادت قِبلتك، لم تكتف بذلك، تماديت، أضفت إليها الضاحية الجنوبية
اندلعت ثورة الكرامة في سوريا، لم تجرؤ على تأييدها علنًا ولو بالتقيّة
ديكتاتورية ظالمة لا يقبل بها حر مارستَها، حكمتَ بها المؤسّسة الدينية
عزلت بعض العلماء، وبّخت آخرين، لمّا جهروا بدعمهم للثورة الأبيّة
قمتَ بتعيينات مخزيّة، سلّمت رجال سوريا وإيران المؤسسات الإسلامية
خذلت المعتقليين، نصبت خيمتهم على باب الدار، لم تجرؤ على نصبها أمام العدلية
في رمضان، يوم إبادة حماه، نجّست الدار باستقبال سفير آلة القتل الإرهابية
ليتك توقّفت هنا، استقبلت أيضًا حزب القتلة يوم صدور القرارات الاتهاميّة
خمسة آلاف شهيد لم تردعك عن استقبال السفير مرّة ثانية، فضيحة تاريخية
منعت التجديد لمفتي عكّار، عاقبته على سياسته ومواقفه الشجاعة القوية
لم تترك شخصية بائدة مستفزّة إلا واستقبلتها، وكأننا في لعبة مراهقة كيديّة
نتائج التحقيق ظهرت، وصمة عار كبير دوّنتها في سجل الطائفة السنيّة
تدارك الرؤساء الأمر، لئلا يكتب التاريخ: سُجِن يومًا مفتٍ للجمهورية
لم تكن لك الجرأة على الاستقالة، بل طالبتَ بالإفتاء مدى الحياة أتظنّها أبديّة
سقطْتَ عشية ذكرى ثورة الأرز، وقبل يومين من ذكرى الثورة السورية
استقبلت سفير الإرهاب ثالثة، صافحت يده المخضّبة بدماء 10آلاف ضحية
هذه المرّة لن نسكت، لم تعد تمثّلنا، هنيئًا لك بصحبة طغمة الإجرام الأسدية
ربيع الدار حان، عار علينا أن تبقى في منصبك إن كان في العمر بقيّة
ارحل الآن، يداك حمراوان تقطران دمًا من دماء أطفال الثورة السورية
عبدو شامي
16/آذار/2012
(موقع سياسة.كوم)
7- اعتذار من القراء الكرام
منذ عام على التمام، احتفل لبنان الرسمي والشعبي في 25 آذار2011، بتنصيب البطريرك السابع والسبعين للكنيسة المارونية بشارة بطرس الراعي، خلفًا للبطريرك صفير الذي قدّم استقالته للفاتيكان وهو في عز مجده وذروة عطائه.
في تلك الفترة سادت موجة تفاؤل عارم الأوساط اللبنانية والمسيحية تحديدًا، التي أشادت بالبطريرك الجديد وشعرت بنوع من الاطمئنان على بكركي بعد جو من القلق ساد فترة البحث عن الخلف المنتظر لبطريرك التاريخ. لقد وصل منسوب التفاؤل يومها الى حد قول الدكتور سمير جعجع غامزًا من جهة قوى 8آذار: "ما سمعناه في احتفال بكركي سيجعلهم يترحّمون على البطريرك صفير".
في تلك الأيام، كانت لي مساهمة في هذا الجو التفاؤلي، حيث كتبتُ مقالاً بعنوان: "لبنان الشركة والمحبة" عرضت فيه آراء اللبنانيين على مختلف انتماءاتهم من انتخاب البطريرك الجديد، وأسهبت في شرح شعار "الشركة والمحبة" كما أفهمه، بيد أني تورّطت -ويا للأسف- بحكم شخصي قلت فيه: "ان شعار "الشركة والمحبة" الذي اختاره البطريرك الجديد لكي يسير بنوره طوال فترة ولايته، إنما يعكس مدى وعيه وحنكته وبُعد نظره الذي سيتأكّد مع مرور الأيام"؛ وليتني لم أتفوّه بهذه الجملة لأنني اليوم نادم عليها، وأشعر أن الواجب الأخلاقي يلزمني بتقديم اعتذار من القرّاء الكرام على إيرادي معلومة خاطئة في أثناء مقالي، لكن عذري أني لم أبحث عن غير الصدق في القول لأني كنت مقتنعًا بما أكتب، وعذري أيضًا -وهو الأهم- أن حكيم ثورة الأرز وقع في "الخطأ" نفسه، وذلك بالتأكيد من فرط التفاؤل وحُسن الظن وصفاء النيّة.
فبعد خمسة أشهر من توليته بطريركًا على إنطاكيا وسائر المشرق، وتحديدًا في شهر أيلول من العام الماضي، إذ بالبطريرك الراعي يصدم الجو العام المبتهج بتوليته، موجّهًا صفعة موجعة الى ثوابت بكركي الوطنية والتاريخية، بتسجيله سلسلة مواقف أطلقها من "باريس"، دافع فيها عن قاتل الأطفال "بشار الأسد" وتبنى النظريات التضليلية التي يبثها النظام السوري وإعلامه حول ما ينتظر الأقليات في سوريا حال سقوطه، كما كرّر الحجج الواهية التي يتذرع بها "حزب ولاية الفقيه" للاحتفاظ بسلاحه الميليشيوي المكدّس لوضع اليد على الدولة وتطويع كل من خالفه في السياسة.
انتقد الاستقلاليون البطريرك على مواقفه المفاجئة، وادعى الأخير أن مواقفه أسيء فهمها وانتقد الإعلام متهمًا إياه باجتزائها، مع أنها واضحة بما لا يحتمل التأويل! حاولنا أن نفهم من كلامه ذاك أنه يحاول التراجع عن كلامه الباريسي أو تلطيفه، إلا أن الصدمة الثانية والتي أكّدت أن البطريرك الراعي مصرّ على مواقفه، كانت تكراره مضمون كلامه الباريسي في الجلسة المغلقة للقمة الروحية التي انعقدت في دار الفتوى والتي نُقلت مجرياتها مباشرة على الهواء بخطأ تقني من "إذاعة القرآن الكريم".
لم نكد نستقيظ من آثار تلك الصدمة، حتى استفزّنا البطريرك من جديد في الأسبوع الأول من آذار الحالي بمواقف لا تقل خطورة عن سابقاتها، زعم فيها أن النظام السوري أقرب أنظمة المنطقة الى الديموقراطية، معطيًا انطباعًا غير مشرف على الصعيد الإنساني قبل الديني، مفاده أنه يقف الى جانب ذلك النظام القاتل بعد سقوط نحو 10آلاف قتيل وعشرات آلاف الجرحى والمعتقلين والمفقودين، فضلاعن حالات الاغتصاب والتعذيب والتنكيل! وردًا على موجة الانتقادات التي طالته ولا سيّما من حكيم ثورة الأرز، ردّ البطريرك مدّعيًا كالعادة أن الذين انتقدوه لم يقرأوا كلامه جيدًا، مع أن كلامه هذا كسابقه أوضح من الشمس في رابعة النهار!
اليوم مصاب الاستقلاليين واحد، سواء بالنسبة لبكركي أو دار الفتوى، والمفارقة أنه في الوقت الذي يتحدّث فيه السياسيون عن مجازر سفّاح الشام بلغة الدين والقيم الإنسانية والمعايير الخُلقية، لا تزال تلك المرجعيّتان الروحيّتان مصمّمتَين على الغوص في وحول السياسة، متناسيتَين أبسط المفاهيم الدينية الداعية الى التحرّر من الاستعباد وصَون حرية الإنسان وكرامته!
أكرّر لكم اعتذاري مجدّدًا قرّائي الكرام، فكما لم أتنبّه يومًا الى أن النظام السوري هو الأقرب الى الديموقراطية في المنطقة، لم يكن ليخطر في بالي بفهمي السقيم والقاصر أن أحد معاني "الشركة والمحبة" يمكن أن يتجلّى بالوقوف الى جانب النظام الأكثر إجرامًا في العالم. أما البطريرك فأقول له: حدّثنا على قدر عقولنا، فلا يُعقل أن تكون مواقفك دائمًا "صح" ونحن مَن يفهمها دائمًا "غلط".
عبدو شامي
22/آذار/2012
(موقع سياسة.كوم)
8- لكَ الزهرة ولهم الرصاصتان
انتهى زمن التعريض والتلميح والغمز واللمز ومختلف أشكال التلميحات والتوريات، خصوصًا عندما يُستهدف مارد وطني عروبي عابر للطوائف وركن من أركان ثورة الأرز...
نقولها بصراحة: لنظام الإرهاب الأسدي المحتل للأراضي السورية، كما لحليفه "حزب ولاية الفقيه" في لبنان، مصلحة في اغتيال حكيم ثورة الأرز الدكتور سمير جعجع حفظه الله وسلّمه من كل مكروه.
الحكيم قائد يزعجهم، قائد يرعبهم، حقيقة لا تتطلّب كثير بحث وتنقيب، وخير شاهد على ذلك منسوب السم الممزوج بمشاعر الحقد والكراهية والتحريض الذي ينفثه إعلام النظام الأسدي وحلفائه في لبنان كلما أرادوا تناول الدكتور سمير جعجع في نشرات أخبارهم، وعلى صفحات جرائدهم، وفي تصاريحهم.
هم المفلسون الحقيقيون، لا مكان في قاموسهم للغة العقل والحوار والمنطق والحجة والدليل والبرهان التي يتقنها الحكيم، هم لا يجرؤون على مواجهته ولا مقارعته بهذا كله، يعلمون يقينًا أن معركتهم بتلك الأسلحة الشريفة محكومة بالخسران، لأن وجودهم تأسّس من أول يوم على الباطل، ولذا فهم لا يتكلمون معنا إلا بلغة التهديد والوعيد والصراخ والدم والقتل والاغتيال والقنص والتفجير.
كلما حشرناهم بمنطقنا السيادي الحارق في الزواية، وعرّيناهم أمام الرأي العام مظهرين باطلهم، ردّوا علينا بأن السلاح باق وما من قوّة في العالم قادرة على نزعه...نجيبهم بكل يقين الله تعالى كما نجّى الحكيم من إجرامكم قادر على نزع سلاح غدركم أيها الجبناء.
الطائف أنهى الحرب وأعلن زمن السلم بالنسبة للبنانيين، إلا هم، فالحرب عندهم لا تزال مستمرة، وستبقى في نفوسهم الحاقدة والمريضة مستمرة، حتى يقضوا على آخر قائد حر استقلالي عابر للطوائف يريد لهذا البلد أن يقوم على رجليه سيدًا حرًا مستقلا بسلاح واحد هو سلاح الشرعية اللبنانية...وهيهات لهم ذلك.
في زمن السلم والربيع العربي، الأحزاب السياسية منهمكة في إعداد وثائق العيش المشترك وتعميم ثقافة التنوّع والتعددّية واحترام الآخر وتقبّله، أما هم فمنهمكون في حصد الأرواح البريئة وإراقة أكبر قدر من الدماء في سوريا المحتلة وفي لبنان إذا اقتضى الأمر، وما ذلك إلا سعيًا وراء إنقاذ مشروعهم الفئوي والشمولي والطائفي القائم على بدع دينية والمسيّر بمشاعر الحقد والكره والثأرية...نطمئنكم: مشروكم انتهى، أنهاه أبطال حمص وسوريا الحرّة الأبية.
يا لكِ من زهرة ربيعية عربية حرة استقلالية قوّاتية أصيلة، أغريتِ الحكيم بجمالكِ، ناديتِه، فلما انحنى لقطفكِ أخطأته رصاصتا الغدر، وكأنكِ تبعثين رسالة لم يهمه الأمر في الداخل والخارج: في زمن السلم الزهور لغتنا وبها سننتصر، أما أهل الغدر فالرصاص لغتهم وبسببه سيهزمون.
أيها القائد الحكيم حمدًا لله على سلامتك، لك الزهرة ولهم الرصاصتان.
عبدو شامي
4/نيسان/2012
(موقع سياسة.كوم)
9- نسي إسرائيل أم خجل من اتهامها؟!
في وقت تفاعلت فيه الدولة اللبنانية برئاستَيها الأولى والثالثة ومختلف أجهزتها الأمنية والقضائية مع محاولة اغتيال الدكتور سمير جعجع، مؤكدّة أنها "محاولة اغتيال جدية وفقًا لكل المعطيات والتحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية وأنه نجا منها بأعجوبة"، وذلك على حد تعبير وزير الداخلية مروان شربل، كان فريق 8 آذار بإعلامه الأصفر وسياسييه يسخّف تلك العملية ويتعاطى معها باستهزاء وسخرية، واضعًا إياها في خانة الفبركات والأفلام البوليسية!!
ما يستحق التوقف عنده، ليس تلك المواقف المعيبة الصادرة عن زمرة من مرتزقة يعتاشون على مكاسب محرّمة وضعوا يدهم عليها بغلبة سلاح سيّدهم، بل ما أعلنته قيادة 8 آذار الحقيقية التي صمتت دهرًا لتنطق "كفرًا"، مع اعتبار رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد أنّ "البعض يعمد الى تكبير بعض المسائل أو افتعال بعض الأحداث، من أجل أن يثير أو يوجه الانتباه بعيدًا عن المصلحة العليا للوطن"!!
هذه الفبركة التي طالعنا بها رعد فضلا عن افتقارها الى "الحد الأدنى من القيم والأخلاق والرجولة والفروسية" كما جاء في رد القائدة القواتية ومثال الزوجة الوفية السيدة ستريدا جعجع، كان لافتًا أنها أتت خارجة عن سياسة الحزب الأصفر في تعامله مع الجرائم المرتكبة في لبنان منذ العام 2005.
ربما كان الحد الأدنى من "العيب" والاستخفاف بعقول الأتباع قبل الخصوم، أن ينبري "حزب ولاية الفقيه" كعادته الى إلصاق تلك المحاولة الآثمة لاغتيال لبنان وضرب سلمه الأهلي وأمنه القومي بإسرائيل، جريًا على عادته في كل جريمة اغتيال أو محاولة اغتيال تشهدها الساحة اللبنانية؛ لكن هل نسي رعد تلك المعزوفة البالية التي لم تنطل على الناس يومًا، أم بات يخجل من التذرّع بها؟
لعل الاحتمال الثاني هو الأقرب الى المنطق، فشهادة الحزب على إسرائيل أو لها باتت مجروحة ومردودة في المطلق، سواء بعد تمويله محكمتها الدولية -كما يزعم-، أو بعد تشجيعه أصحاب الضمائر الميتة على الانخراط في شبكات التجسس والعمالة لإسرائيل، من خلال تسييسه محاكمة العميد المتقاعد المدان بالعمالة للعدو الإسرائيلي فايز كرم، وإطلاق سراحه مع اعادة حقوقه المدنية، بعد "عقوبة" رمزية تشجيعية مخفّفة جدًا لا تتجاوز 19 شهرًا قضاها في السجن، وهي "عقوبة" يحلم بها أصحاب الجنح الصغيرة، فكيف بمرتكبي الجرائم الكبيرة الكبيرة؟!!
علامة استفهام ثانية تستحق التوقف عندها، وهي: لماذا بدا رعد أثناء نفثه سم تصريحه ذاك "مفقوسًا" ومقهورًا وحانقًا، هل لأن الله خذل الإرهابيين مِن آمرين ومموّلين ومخططين ومحرّضين ومنفّذين، وردّ كيدهم في نحورهم، وأماتهم بغيظهم؟! أم لأن العملية الفاشلة استُعملت فيها أسلحة لا تباع إلا الى الدول، وقد تبيّن أن لإيران صفقة منها مع النمسا؟! أم ربما لأن الزهرة التي كانت سببًا في إنقاذ الحكيم صفراء اللون؟!
أما حديث رعد عن "المصلحة العليا للوطن" وحرص حزبه عليها، فقد أتى متأخرًا سبعة أيام، لأن محلّه في الأول من نيسان وليس اليوم!
إذ بعد فضيحة التشجيع على العمالة ومكافأة العملاء بعقوبات مخفّفة شرط أن يكونوا من صفوف 8آذار، مع أفضليّة للمنتمين الى التيار البرتقالي بالتأكيد...
وبعد محاولة القضاء البطيءعلى الشباب اللبناني بالتستر على مروّجي المخدرات ومصنّعي حبوب "الكابتاغون"، وتهريبهم من قبضة العدالة عبر المطار الدولي...
وبعد تحويل الضاحية الجنوبية الى مأوى آمن للمجرمين والحشاشين والمارقين والسارقين والفارين من وجه العدالة...
وبعد الإمعان في تطبيق عملية ممنهجهة لتقويض ركائز الدولة اللبنانية، من خلال ضرب سلطتها والمؤسسة العسكرية بغلبة السلاح الميليشوي الذي يعتدي يوميًا على قوى الأمن الداخلي في الضاحية الجنوبية وفي قرى جرود جبيل وفي كل مكان، يصادر الأوقاف الكنسية والأملاك الشخصية، ويسلخ طائفة بأكملها عن نسيجها الوطني، ويعبث بخارطة التركيبة الديموغرافية للبلاد...
وبعد تطويب المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قديسين، والمفاخرة بحمايتهم وتحدي الأجهزة الأمنية أن تقبض عليهم ولو بـ300 سنة...
وبعد التدخل في شؤون الدول العربية، وزج لبنان في مشاكل مع مصر والبحرين وغيرهما من الأشقاء العرب، بسبب الإصرار على نقل الأجندة الإيرانية الفتنوية الى الداخل، والانطلاق من الداخل لتنفيذ المصالح الإيرانية في الخارج...
وبعد التورّط في عملية إبادة الشعب السوري واتنهاك حرماته، وقبلها سفك دماء اللبنانيين في غزوات "مجيدة" حاقدة متنقلة بين المدن والأحياء لفرض إرادة أجنبية ومشروع فئوي رفضه معظم اللبنانيين في صناديق الاقتراع...
وبعد السكوت على استباحة كتائب الأسد الحدود اللبنانية والاعتداء على اللبنانيين في القرى الحدودية، والنأي بالنفس عن نصرة المظلوم بواسطة الحكومة الأكثر فسادًا في تاريخ الجمهورية...
وبعد عدم التجاوب مع سياسة اليد الممدودة، والرد على مبادرات ودعوات 14 آذار الوطنية بالتخوين والسخرية والاستقواء بالسلاح الغادر...
وبعد زرع بذور الفتن الطائفية بإقصاء الزعيم الأول في الطائفة السنية عن منصب رئاسة الحكومة، واليوم محاولة التغطية والتسخيف لمحاولة اغتيال الزعيم المسيحي الأبرز على الساحة اللبنانية والعربية...
بعد ذلك كله، خطأ وحيدًا ارتكبه رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة"، وهو أنه تكلّم!
فليتك لم تصرّح، وليتك لم تتكلم، وليتك لم تظهر، وليتك كتمت غيظك في قلبك.
عبدو شامي
9نيسان2012
(موقع سياسة.كوم)
10- الكذب الطاهر!
أسماء الأحزاب كما الأشخاص لا تنطبق دائمًا على مضمون مسمّياتها؛ فكما قد نجد رجلا اسمه "نجيب" فيما سلوكه لا يمت الى النجابة بصلة، كذلك قد نجد حزبًا نسب نفسه الى الله تعالى، فيما هو بسلوكه وممارساته الشيطانية يسيء الى الذات الإلهية أيما إساءة.
فكم من الجرائم ترتكب يوميًا باسمك يا الله. اغتيالات باسم الله، عمليات تبييض للأموال باسم الله، تجارة بالمخدرات باسم الله، وتصنيع للحبوب القاتلة باسم الله، عملية ممنهجة ومنظمة للسطو على بلد بكامله والعبث بسلمه الأهلي وخارطته الديموغرافية... باسم الله!
جديدهم -على قِدَمه- اليوم، الكذب باسم الله، فكل الأسلحة المحرمة والشريرة والمدمرة تصبح نظيفة وطاهرة وشريفة ومحلّلة، طالما أنها مسخّرة لخدمة مآرب حزب يوهمنا أنه ينفذ مشروع الله على الأرض لمجرد أنه سمّى نفسه "حزب الله"!
منذ يومين، رفع نائب الأمين العام لهذا الحزب الشيخ نعيم قاسم صوته في وجه اللبنانيين قائلاً: "أتحدّى أن يأتي واحد من اللبنانيين أو من كل العالم ليعطيني مثلاً واحداً حصلت من خلاله ايران على مكسب لها في لبنان، في الوقت الذي نرى كل المكاسب هي للبنانيين"!
عجيب غريب كلام الشيخ نعيم الذي لجأ بتحدّيه ذاك الى الاستخفاف بعقول الناس كعادة حزبه، تمامًا كمن يطلب دليلا على أنه ليس بأخرس فيما كلامه بذاته هو الدليل الأكبر! أنت وحزبك وما فعله في لبنان وبلبنان أكبر دليل على مكاسب إيران في لبنان، ولن نعود كثيرًا الى الوراء، ألم يقل أمين عام الحزب نفسه حسن نصر الله في 26/5/2008 يوم احتفاله بغزوات 7و11أيار الإرهابية "المجيدة": "أفتخر أن أكون فردًا في حزب ولاية الفقيه"؟! ثم عاد وفصّل في خطاب طويل مدى ارتباطه العضوي بإيران وفضلها عليه تأسيسًا وتمويلا وتسليحًا ورعاية، مؤكّدًا أنه ينفّذ الأجندة الإيرانية في لبنان بقوله في 16/2/2012: "أنا لا أتكلم عن لبنان أولاً ولا أكذب، ليس لدينا لبنان أولاً ونقطة على السطر"! فهل من مكسب لإيران أكبر من قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تدوس بجزمتها "البسدرانية" وشبيحتها "الباسيجية" على رقاب اللبنانيين ودولتهم، وتأتمر بأوامر الولي الفقيه؟!
الكذب النظيف والطاهر لم يقف في ذلك الخطاب عند هذا التحدي المعيب، بل تجاوزه الى السخرية من قوى 14 آذار وتصويرها على أنها تعاني من معنويات "فارطة" بسبب اقتراب الاستحقاق الانتخابي، حيث اعتبر الشيخ نعيم أنّ أميركا "أرسلت جيفري فيلتمان ليعطي 14 آذار بعض المعنويات الفارطة من أجل أن يهيئوا أنفسهم لانتخابات 2013". فهل المعنويات الفارطة هي عند 14آذار، أم عند الشيخ نعيم الذي لجأ الى أسلوب التجني وقلب الحقائق محاولا رفع معنويات شعبه؟
إذا كان المشهد سوداويًا بالنسبة لهواة حمل السلاح وجمعه لاستخدامه في الداخل اللبناني خدمة لمشروع ولاية الفقيه الفتنوي والمدمر للصيغة اللبنانية الفريدة، فالمشهد في عيون القوى السيادية أبيض مشرق مضيء.
العالم العربي يتغيّر من "أنا وحدي أريد" الى "الشعب يريد"، ربيع الحرية والديمقراطية بدأ يتفتّح، لم نعد وحدنا في هذا العالم.
سوريا تتحرّر من استبداد طاغيتها وستحرر معها لبنان. النظام السوري الذي لطالما عرقل استقلال لبنان وحريته وسيادته، والذي يشكّل صلة الوصل الاستراتيجية والعمق الجيو-سياسي بين الحزب الإيراني والامبراطورية الفارسية النووية، بات جثة هامدة تفوح رائحتها النتنة وتنتظر قرار دفنها، والى جانبها سيدفن المشروع الفارسي الذي انطلق منذ عام 1979 مع الثورة الخمينية.
الخلافات بين مكونات الأكثرية المؤقتة الحالية على أشدها؛ وزراء متناحرون ومتهافتون على تناتش الحصص من قالب الحلوى المسروق أصلا. الجنرال الذي فقد أعصابه يقصف عشوائيًا على رئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط، بقذائف التعابير الهابطة والشتائم المعيبة، في خطاب يشكل خطرًا وجوديًا على الأمن القومي الأخلاقي في لبنان.
الأكثرية اليوم على كف الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، فهو قادر على فرط عقدها متى شاء، وقد قالها بصراحة في 5/5/2012: "لست في 14 آذار ولكنّ ذلك قد يلغى في انتخابات العام 2013".
تيار المستقبل -كما الطائفة السنية- سيتنفس بارتياح عندما تنفتح أمامه الرئة السورية المطلة على العالم العربي المتحرر بعد نحو نصف قرن من الانسداد والاختناق.
الطائفة الشيعية ستفيد أيضًا من تخلّص الرئة السورية من سموم الاستبداد، لأنها ستتخلّص بدورها من وصاية واحتكار الثنائي الشيعي في لبنان، وستنطلق بحرية واستقلالية لتأسيس أحزاب أخرى لبنانية 100%، تعيد رتق ما أفسده ومزّقه المشروع الإيراني من النسيج الوطني اللبناني.
الأحزاب المسيحية منفتحة على أجواء الربيع العربي، بل باتت في صميمه تعتبر حريّتها من حريّته، بعدما نجح حكيم ثورة الأرز الدكتور سمير جعجع في تبديد مخاوف طائفته ورفع معنوياتها، خلافًا لبعض قادتها السياسيين والروحيين الذين ارتضوا لأنفسهم الرضوخ والتمسّك بحكم طاغية يوهمهم أنه يحفظ وجودهم وحقوقهم، فيما هو يسخرها حقيقة لخدمة مآربه واستمرارية طغيانه.
في 4 نيسان 2012، أطلق المتضرّرون من وقوف أغلبية المسيحيين في وجه ما يُروَّج له من أضاليل تحت مسمّى "تحالف الأقلّيات"، حملتهم الانتخابية "رسميًا" مع محاولة إفراغ الساحة المسيحية وساحة 14 آذار والساحة اللبنانية من الرجل الحكيم الذي عوّد اللبنانيين على اتخاذ المواقف الجريئة دائمًا ومواجه الخصوم بقوة وبلا تردد مهما كانت التحديات وكبرت التضحيات. بيد أنه كما قال الحكيم نفسه: "الفريق الآخر يحاول خطف الانتخابات، والسيطرة على السلطة في لبنان كتعويض عما يجري في سوريا، ولكنه لن يخسر السلطة في سوريا فحسب، بل سيخسرها في لبنان أيضًا".
عبدو شامي
7 أيار 2012
(موقع سياسة.كوم)
11- طرابلس..طلقة بشار الأخيرة
بشرى سارة طال انتظارها من أحرار العالم، نحن قابَ قوسَين أو أدنى من الإعلان الرسمي عن سقوط النظام الأسدي وطي صفحة إرهابه المنظم الى الأبد.
قد تدعو هذه المقدمة التفاؤلية للتعجب، ولا سيما أنها تأتي وسط المشهد المأسوي الدموي المتمثل بسقوط- حتى ساعة كتابة هذه الطور- 13عشر قتيلا وعشرات الجرحى في قلعة نُصرة الثورة السورية في لبنان، طرابلس الفيحاء، لكن إذا عُرفَ السبب بطل العجب.
منذ تسعة أيام، وتحديدا في 8/5/2012، فاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الوسط السياسي في اسرائيل بإعلان اتفاق مفاجئ على تشكيل حكومة "وحدة وطنية" بانضمام حزب "كاديما" المعارض بزعامة شاؤول موفاز الى الائتلاف الحكومي، عوض إجراء انتخابات نيابية مبكرة في أيلول المقبل، وبالتالي تأجيل الانتخابات الى تشرين الأول 2013. وقد سمح الاتفاق لنتنياهو بالاستناد الى قاعدة متينة من 94 نائبًا من أصل 120 في الكنيست، وهو أكبر ائتلاف في تاريخ الحكومات الاسرائيلية يوفر لرئيسه أكثر من الثلثين ما يمكنه من تمرير ما يشاء من قوانين، حتى وصفه البعض بـ"ائتلاف ديكتاتوري".
أطلقت هذه المفاجأة العنان لشتى التحليلات والتوقعات. كثيرون توجّهت أنظارهم الى إيران، فاستنتجوا من الاتفاق أن اسرائيل قد تكون مقبلة على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن الملف النووي الايراني، أو إشعال جبهات أخرى كلبنان أو غزة، باعتبار أن حكومات الوحدة الوطنية تُشكَّل جريًا على السوابق الاسرائيلية في أوقات الحرب. وقد دعموا استنتاجهم هذا، بما كشفته إذاعة الجيش الإسرائيلي، في اليوم التالي، من أن "السبب الرئيسي لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية هو مواجهة التحديات الأمنية والسياسية المقبلة التي تتطلب توحد المجتمع الاسرائيلي خلف حكومته في مواجهة مستقبل مليء بالمفاجآت".
لست من معارضي ذلك الاستنتاج، لكني أعتبره ناقصًا، فالسبب الرئيس للاتفاق الإسرائيلي المفاجئ في نظري هو سوريا وليس إيران.
فالاتفاق جاء بعدما أيقنت إسرائيل أن النظام الأسدي المتهالك والذي استمد وجوده واستمراريته في الحكم من التحالف الذي نسجه معها وتطبيقه أجندتها في الجولان ولبنان وفلسطين، لم يعد يقوى على الصمود في وجه إصرار الشعب السوري البطل على سحقه، وأن أيام إرهابه وإجرامه باتت معدودة، ثلاثة أشهر أو أربعة، وهو في أفضل حالاته لن يقوى على الصمود الى نهاية سنة 2012.
لا نورد ذلك من قبيل المبالغة. نعم، سقوط النظام السوري يستدعي تشكيل العدو الصهيوني حكومة "وحدة وطنية" تحظى بأكثرية نيابية لا سابق لها في تاريخ الكيان الغاصب، لسببين أساسيَين:
فمن ناحية أولى، شكّل بقاء النظام السوري خطًا أحمر بالنسبة لإسرائيل كونه جزءًا من الأمن القومي والاستراتيجي الإسرئيلي، كما دأب أبرز الساسة الصهاينة على التذكير به بين الحين والآخر، وهو ما جاء ليؤكّده منذ عام تمامًا ابن خال الرئيس السوري وحليفه رامي مخلوف، في تصريحه الشهير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 10/5/2011.
ومن ناحية ثانية، وهي الأهم، أن البديل الذي تتمناه إسرائيل وترتاح إليه، وإن كانت تعلم أنها لن تجد مثل كفاءة عائلة الأسد، ليس متوافرًا بعد بفضل نزاهة وإخلاص الثورة الوحيدة التي لم يكن مرغوبًا صهيونيًا باندلاعها في المنطقة. وبناء على هذه المعطيات تم توقيع الاتفاق المفاجئ.
أدرك سفّاح الشام مغزى الخطوة الإسرائيلية، فقرأ الاتفاق الصهيوني على أنه ورقة نعيه، وقرر أن يلعب اليوم ورقته الأخيرة في الخارج، طرابلس، بعدما نجح الشعب السوري الثائر في إحراق جميع أوراق النظام التي استنفذها في الداخل.
طرابلس هي الطلقة الأخيرة الأخيرة في سلاح النظام الإرهابي، بعدما اختلفت حساباته مع "حزب ولاية الفقيه" الذي لا همَّ له اليوم سوى البقاء ممسكًا بزمام السلطة التي سرقها في لبنان، وبالتالي فهو رغم تحريكه جحافله الإرهابية للدفاع عن النظام داخل الأراضي السورية، لا يريد تحميل حكومته المتضعضعة خطر فتح حروب متنقلة في المدن اللبنانية كرمى لعيون نظام يدرك أكثر من سواه أنه دخل مرحلة اللاعودة، خصوصًا أن لا شيء يضمن انحصار ألسنة اللهب في منطقة واحدة... الأمر الذي دفع النظام المتهاوي الى تجاوز الحزب محرِّكًا ميليشياته الخاصة في جبل محسن بعد أربعة أيام على إعلان الاتفاق الاسرائيلي، حيث استغل شبيحته في12/5/2012 اعتصام الشباب الغاضبين في ساحة عبد الحميد كرامي للمطالبة بالإفراج عن المواطن شادي المولوي الذي أوقفه جهاز الأمن العام بأسلوب مافيوي مريب، فأطلقوا النار باتجاه المعتصمين، ما أدى إلى إصابة شخصين وإشعال عاصمة الشمال انتقامًا من دورها الجوهري الإنساني والإغاثي والأخلاقي والديني في دعم الثورة السورية بكافة ما يتوافر لديها من إمكانات...في محاولة أخيرة لتنفيس الضغط الدولي وصرف التركيز الإعلامي عن ساحته الداخلية.
كان الأسد صريحًا البارحة، حيث حذّر وتوعّد قائلاً أن "الدول التي تبث الفوضى في سوريا ستعانيها". وصلت الرسالة قولاً وعملاً، لكن لأهل طرابلس وأكثرية اللبنانيين منطق مغاير تمامًا مفاده أن: المدن الأكثر معناة من إجرام آلة القتل الأسدية على مر العقود الماضية سيكون لها شرف الإجهاز على نظام جلاّدها، فبعد حمص وحماه، ها هو الأسد يعطي طرابلس شرف وأد فتنته وتصدّر المدن اللبنانية في مساندة الثورة السورية.
أما مطالبة أحدهم بعودة جيش النظام السوري الى لبنان، فهي من قبيل هلوسات المحشّشين التي تُذكَر دون أن تستحق إهدار قطرة حبر للتعليق عليها.
عبدو شامي
17/أيار/2012
(موقع سياسة.كوم)
12- الشجاعة تبحث عن مفتٍ
كم كانت "وقحة" منذ يومين، دعوة مَن يشغل منصب مفتي الجمهورية اللبنانية حاليًا إلى اعتصام مفتوح في ساحة رياض الصلح، إذا لم تتمّ محاكمة الموقوفين الإسلاميين قبل بدء العطلة الصيفية للقضاء، مطالبًا بإطلاق غير المتهمين المحتجزين ظلمًا وعدوانًا ومحاكمة الباقين.
أأسف لأقول: إن آخر من يحق له الدفاع عن المعتقلين الإسلاميين هو المفتي قباني، الذي لم تتحرّك في نفسه نخوة التصعيد-الذي يبقى كلاميًا- دفاعًا عن قضيتهم، إلا بعدما أخذ أهل طرابلس والشمال الشجعان على عاتقهم مسؤولية القيام بمفردهم بهذا الواجب الأخلاقي والإنساني والديني، فكسروا حاجز صمت وتخاذل وجبن من يفترض أنه مرجعيتهم، ووقوفوا في "بوز المدفع" معتصمين في ساحات طرابلس ومطالبين ببت مصير إخوانهم المحتجزين منذ ما يقارب الخمس سنوات بلا محاكمات، في فضيحة من العيار الثقيل تضرب نزاهة القضاء اللبناني، وتضاف الى فضيحة تسييس محاكمة العميد المتقاعد المدان بالعمالة للعدو الإسرائيلي فايز كرم، وإطلاق سراحه مع اعادة حقوقه المدنية، بعد "عقوبة" رمزية تشجيعية مخفّفة جدًا لا تتجاوز 19 شهرًا قضاها في السجن!
تابع قباني في محاولته المكشوفة لتغطية تقصيره في تحمّل مسؤولياته، ساعيًا الى الإفادة من تحرّك المعتصمين، فنفض يده من مأساة المعتقلين، محاولاً إلقاء تبعة تأخّر المحاكمات على غيره، فحمّل "السياسيين المسلمين السابقين والحاليين خاصة المسؤولية عن ظلامات المعتقلين الإسلاميين"، متناسيًا أنه نفسه يتحمّل المسؤولية الأكبر في معاناتهم قبل السياسيين الذين عناهم.
ففي آخر نيسان من العام الماضي قام وفد من أهالي المعتقلين الإسلامين بزيارة قباني الذي استقبلهم في دار الفتوى مستمعًا الى مطالبهم.
انتظر الأهالي أن يضرب المفتي على صدره متعهدًا أمامهم ببت مصير أبنائهم- أبناء رعيّته- فيدعو الى اعتصام مفتوح ونصب للخيم أمام قصر العدل، أو أن يضرب برجله أبواب بعبدا وعين التينة والسرايا مصرّحًا بأعلى درجات الحزم والجدية من هناك: ثمة ظلم غير مقبول بشتى المعايير الدينية والقانونية والإنسانية يتعرّض له أبناء طائفتي، يجب أن تضع له الدولة حدًا في أسرع وقت ممكن...
غير أن المفاجأة لا بل الصدمة والكارثة، كانت أن المفتي استخفّ بزائريه المظلومين، واستخفّ بمكانة المنصب الذي يتبوّأه، فخاطب الأهالي ليعلمهم بإعداده خطة تصاعدية من عدة بنود، ألف وباء وجيم...يجب أن يتعاونوا معه في تنفيذها لبت مصير أبنائهم. الخطة ألف، تنص على الاعتصام في بهو دار الفتوى-نعم في بهو دار الفتوى لا في ساحة رياض الصلح أو في باحة العدلية- متعهّدًا أن يأتي لهم بالإعلام لتسليط الضوء على قضيتهم! عندها تدخل أحد الموجودين لتذكير المفتي بأن البهو يخضع حاليًا لأعمال إعادة تأهيل، فاستدرك قباني مقرِّرًا الانتقال الى الخطة باء التي أعلم الأهالي أيضًا أنه لم يكن يريد اللجوء اليها إلا بعد فشل الأولى أو تعذّر تطبيقها، فطلب منهم نصب خيمة على باب دار الفتوى والإعداد لتظاهرة غدًا أمام الدار...ما جعل الحاضرين يتساءلون في أنفسهم مستغربين المنطق بل اللا منطق الذي يتحدّث به المفتي: هل المشكلة هي مع دار الفتوى لكي ننصب خيمتنا على بابها أو نتظاهر أمامها، أم مع الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية والقضاء اللبناني؟!
شعر الأهالي بأن تفاعل المفتي مع مطالبهم كان دون المقبول ولا يليق إطلاقًا بمن يُفترض أنه يرعى شؤون الطائفة الأكبر في لبنان، فلم يتجاوبوا مع الدعوة الى التظاهر في اليوم التالي، وظلّت القوى الأمنية تحضر لمدة ثلاثة أيام لتأمين التظاهرة دون أن يحضر المتظاهرون، الى أن قامت لجنة شؤون السجناء في دار الفتوى بالتواصل معهم وتنظيم مجيئهم وربما محاولة رأب الصدع الذي سببه تخاذل المفتي، فتمت التظاهرة اليتيمة في 3/5/2011.
وبذلك يتحمّل المفتي منذ تخاذله ذاك الى تاريخ اليوم -على أقل تقدير-مسؤولية سنة كاملة من المماطلة في محاكمة أو بت مصير هؤلاء الموقوفين.
نعم، نحن نؤيّد قباني في دعوته الى اعتصام مفتوح، لكننا نخالفه في موقع الاعتصام وتوقيته وأهدافه، فالموقع هو دار الفتوى، والتوقيت هو اليوم قبل الغد، والهدف هو البحث للشجاعة عن مفتٍ مناسب، وإسقاط من أثبت فشله في تحمّل أبسط مسؤوليات منصب مفتي الجمهورية اللبنانية.
عبدو شامي
20/5/2012
(موقع سياسة.كوم)
13- هكذا نحرق ورقة بشار الأخيرة
ربما هي سنة من سنن الله في الأرض أن يقابل كل إنجاز عظيم نحقّقه ثمنًا غاليًا يضاهيه عَظَمَة ندفعه.
فإنجازا تحرير لبنان من رجس الجيش السوري بعد 30 عامًا من الاحتلال، وتحقيق الوحدة الوطنية بتعانق الهلال والصليب في هذا البلد بعد 30 عامًا من التفرقة برعاية نظام الوصاية...كان ثمنهما دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري بما يرمز ويمثّل لبنانيًا وعربيًا وعالميًا، فكانت ثورة الأرز المجيدة في 14آذار 2005 وشهداؤها الأبرار، والتي مهّدت لثورات الربيع العربي فيما بعد.
أما تحرير سوريا من 42 سنة أمضتها في قبضة عائلة الأسد الإرهابية المجرمة، وما سيترتّب على ذلك من إسقاط للمشروع الفارسي في المنطقة، واستعادة الشعب السوري حريته وكرامته ووطنه وثرواته، كلها إنجازات بات تحقّقها قربيًا جدًا جدًا، غير أن ثمنها كان حتى الآن ما يزيد على 12ألف شهيد وما يفوق عددهم بأضعاف مضاعفة من الجرحى والمعتقلين والمفقودين والمهجرين واللاجئين.
إسقاط الأقنعة عن حكام ورؤساء ووزراء ونواب ومسؤولين، ومعرفة أشرف الناس من أرذلهم ممَن كان لا يزال يجهلهم، ومعرفة المدافعين الحقيقيين عن حقوق المسيحيين من بائعيها بثلاثين من الفضة مقابل وعود ومكاسب شخصانية ضيّقة، وفضح حقيقة بعض المرجعيات الدينية الإسلامية والمسيحية التي لا تجد حرجًا من الدفاع عن قتلة الأطفال مقابل مكاسب آنية دنيوية دنيئة...هذه الانجازات الكبيرة هي الأخرى كان ثمنها الى حصيلة شهداء الثورة السورية، إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري مطلع العام 2011، ثم حرمان جمهوره وقوى 14 آذار ومشروع الدولة من ثقل حضوره الشخصي بـ"نفيه" الى الخارج بعد معلومات أكيدة عن إعداد المجرمين عملية لاغتياله، وكاد أن يكون ثمنها أيضًا اغتيال حكيم ثورة الأرز الدكتور سمير جعجع لولا أن الله سلّمه.
اليوم ها هم اللبنانييون ممثّلين بالطائفة السنية، يدفعون مجدّدًا ثمنًا باهظًا جديدًا مقابل كشف تواطؤ بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية مع النظام المجرم في سوريا وحلفائه وأدواته في لبنان، وذلك بدءًا باعتقال وملاحقة الأجهزة الأمنية للناشطين الإسلاميين في مناصرة ومساندة الثورة السورية وإغاثة اللاجئين السوريين، وصولاً الى سلسلة تصفيات في الآونة الأخيرة في الشمال، تُوجّت باغتيال الشيخ أحمد عبد الواحد ومرافقه في عكار، على يد عناصر من الجيش اللبناني، علمًا أن الشيخ من أبرز داعمي الثورة السورية واللاجئين السوريين في عكار والشمال على الإطلاق، وهو المطلوب بالتأكيد من أجهزة الاستخبارات الأسدية.
هذه التضحيات الغالية التي فجع بها الشارع اللبناني والسني خصوصًا، من غير المقبول أن تذهب هدرًا، ومن غير المقبول أن يقابلها فضلا عن معاقبة الجناة أولاً، أقلّ من بت مصير المعتقلين الإسلاميين في أقرب وقت ممكن، وقيام الدولة بتطهير الأجهزة الأمنية اللبنانية بما فيها مؤسسة الجيش اللبناني من العناصر المندسّة التي تخترقها متنكّرة بالبزة العسكرية اللبنانية الوطنية الرسمية، فيما هي حقيقة تدين بالولاء والتبعية الى غير المؤسسة الوطنية من أحزاب داخلية أو جهات خارجية مثل النظام الأسدي المتهاوي.
يبقى التذكير أن الأسد يلعب اليوم ورقته الأخيرة يتوتير الساحة اللبنانية والشمال تحديدًا، بعد فقده السيطرة على الداخل السوري وسقوط الورقة الفلسطينية من قبضته. وهو بالتأكيد سيكمل مخططه الى أبعد الحدود وعلى مختلف الصعد التي كان آخرها بعد محاولة إشعال طرابلس بتسعير النار بين التبانة وجبل محسن، محاولة زرع الفتنة بين أهل عكار والجيش اللبناني باغتيال الشيخ أحمد عبد الواحد على يد عناصر مندسة في الجيش، وتوتير منطقة طريق الجديدة في الليلة ذاتها بواسطة شاكر البرجاوي وجماعته.
اللحظة التي نعيشها اليوم هي أقرب ما تكون الى تاريخ 25/1/2011؛ ففي ذلك اليوم الأسود المفصلي من تاريخ لبنان أمّن "حزب ولاية الفقيه" فوز مرشحه لرئاسة مجلس الوزراء بأكثرية نيابية مسروقة، نجح بموجبها في إحكام قبضته على لبنان برئاساته الثلاث، ما استتبع "يوم غضب" طويل وعارم لجمهور الرئيس سعد الحريري، ما لبث أن انحرف عن مساره السلمي الى أعمال شغب غير مقبولة، في بيروت وطرابلس والبقاع الأوسط. في ذلك اليوم عمّم "حزب ولاية الفقيه" وملحقاته تكليفًا شرعيًا على مناصريهم بعدم الرد على أي استفزاز قد يتعرّضون له من أنصار الحريري خلال "يوم الغضب"، والتزام أعلى درجات ضبط النفس، لأن النصر بات في الجيب، والسلطة أصبحت في القبضة الإيرانية-السورية. وهكذا كان.
اليوم نحن نعيش اللحظة نفسها لكن بشكل معاكس، فسوريا تتحرّر، وخلاص لبنان على الأبواب، والمشروع الفارسي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وبما أن كل احتمالات التوتير وزرع الفتن في الداخل اللبناني مطروحة، والنظام الأسدي لن يفوّت أيًا منها عندما تسنح له الفرصة، لا سبيل لنيل اللبنانيين شرف حرق ورقة بشار الأخيرة والإجهاز عليه سوى اتباع الخطة نفسها التي عمّمها الحزب الإيراني في ذلك اليوم على محازبيه، ألا وهي تفويت الفرصة على المتربّصين بالأمن بامتصاص الفتنة وتجفيف تربة بذورها، وعدم الانسياق الى ردود فعل متهورة أو غير مدروسة من شأنها أن تشعل لبنان وتجعل النظام السوري ينجح في تصدير أزمته إلينا محاولا الانتقام والمقايضة مجدّدًا على الورقة اللبنانية.
يبقى السؤال عما إذا كان "حزب ولاية الفقيه" بعدما اختلفت حساباته لبنانيًا مع الأسد سينغمس في مجاراة المخطط السوري، أو ما إذا كان سينأى بنفسه عن الانجرار الى ذلك؟ لعل الاحتمال الثاني هو الراجح، الى الآن على الأقل.
عبدو شامي
21/أيار/2012
(موقع سياسة.كوم)
14- إنها مدرسة رفيق الحريري
مشروعه مشروع الدولة. خطوطه الحمر: الوحدة الوطنية، والعيش المشترك، والسلم الأهلي. شعاره: لبنان أولاً. مبدؤه: ما من أحد أكبر من بلده. هدفه لبنان الحر والسيّد والمستقل. هو الرئيس سعد الحريري، ابن الشهيد رفيق الحريري والأمين على مدرسته.
فور تأكّد خبر اختطاف اللبنانيين في حلب أثناء عودتهم من ممارسة شعائرهم الدينية من العراق، انتفض الشيخ سعد، علم أنه فتيل فتنة لا تُبقي ولا تذر في لبنان، باشر جميع اتصالاته في سبيل تحرير المختطفين وإعادتهم سالمين آمنين مطمئنين الى ذويهم.
شيخ سعد، هؤلاء من الطائفة الشيعية! فيجيب: ومَن قال إن لدينا مشكلة مع الطائفة الشيعية أو مع سواها من الطوائف؟! هم لبنانيون وإذا كان من إشكال فهو مع مَن احتكروا تمثيلهم في السياسة.
شيخ سعد، هؤلاء من محازبي حركة أمل وحزب السلاح. فيجيب: وهل يتحوّل الخصم في السياسة الى عدو؟! أليسوا من أبناء وطني وقد اختُطفوا ظلمًا وعدوانًا.
شيخ سعد، هل نسيت اتهامات التخوين والعمالة ومختلف صنوف الافتراءات والأضاليل والأكاذيب التي ترميك بها مرجعياتهم السياسية؟! فيجيب: لست مَن يحقد وينتظر ساعات قوّته وضعف خصمه ليغدر به وينتقم بالإرهاب الجسدي ردًا على الإرهاب الفكري.
شيخ سعد، هل نسيت 7 أيار وما تلاه من محطات سوداء استُعمِلَ فيها السلاح في الداخل ووُجِّه الى صدور اللبنانيين؟ هل نسيت نقضهم العهود وإسقاطهم حكومتك بالقمصان السود؟! هل غاب عنك أنك الآن منفي قسرًا؟! فيجيب: نحن ضمانة العيش المشترك في هذا الوطن، أما قاعدة "التطرف يولد التطرف" فنحن استثناؤها، الديمقراطية سلاحنا، والحوار سبيلنا الوحيد للتفاهم، ويبقى للإنسانية المكانة الكبرى في نفوسنا، فالمسائل الإنسانية الخالصة كهذه، ممنوع أن يتحكّم فيها ذلك السجل الدموي.
شيخ سعد، هل نسيت القرار الاتهامي في جريمة اغتيال والدك الذي أشار الى ضلوع عناصر من حزب السلاح في جريمة العصر؟ فيجيب: قلت مرارًا وتكرارًا لا ولن أحمّل طائفة ما جريرة ما ارتكبه أفرادًا ينتمون إليها. وحقّنا نأخذه بالعدالة الدولية والعدالة الإلهية.
شيخ سعد، هل غاب عنك أن حزبهم يساند النظام الأسدي سياسيًا وعسكريًا في محاولة وأده ثورة الحرية والكرامة في سوريا؟! فيجيب: وهل تمّ اختطافهم مدجّجين بالسلاح أثناء مشاركتهم في المعارك، أم كانوا مجرّد عابري سبيل؟!
بعد أربعة أيام على اختطافهم تكلّلت جهود الشيخ سعد بالنجاح، وها هم المخطوفون يعودون من تركيا الى لبنان عودة كريمة أبى الشيخ سعد إلا أن تكون على متن طائرته الخاصة وفي يوم احتفال حزبَيهم بما يسمّى عيد "المقاومة والتحرير"، تلك المناسبة التي اتهم سياسيّوهم الخاطفين بأنهم أردوا أن ينغّصوا عليهم احتفالهم بها.
شيخ سعد، هل تنتظر أن يقدّروا لك هذه الجهود التي نزعت من خلالها فتيل الفتنة من لبنان، كأن يشكروك عليها أو يتواضعوا قليلاً فيذهبوا الى الحوار لمناقشة سلاحهم غير الشرعي؟! فيجيب: في هذه المسائل الإنسانية نحن نتعامل مع الله لا مع الناس، نقوم بواجبنا تجاه بلدنا وأبنائه، ونمارس قناعتنا بأن لبنان أولاً، وفي النهاية كل إنسان يتصرَّف بحسب ما يمليه عليه دينه وأخلاقه وقيَمه. ونحن من جهتنا نقدّرالطريقة التي تعامل بها الطرف المعني لدى شيوع نبأ الاختطاف بتحريم الخطف المتبادل وردود الفعل التوتيرية، ونأمل أن يتابع تعقّله هذا بأن لا ينجر الى مجاراة المخطط الأسدي في تصدير أزمته الى لبنان.
شيخ سعد، هنيئًا لك بهذه الأخلاقيات العالية التي تستحق عليها من المنصفين كل احترام وتقدير، لكن سؤال أخير: هل يستحق خصومك في السياسة أن يعاملوا بهذه الطريقة المثالية رغم أساليب التعالي والتكبّر والكيدية والحقد، والإرهاب أحيانًا، التي باتت أبرز معالم ممارساتهم اليومية؟! فيجيب: "ما حدا أكبر من بلده"، هذه هي مدرسة الشهيد رفيق الحريري التي لن نحيد عنها مهما كانت الظروف، وهل سيبقى لنا بلد لو انحدرنا الى أساليبهم في التعاطي. أثبتت الأيام أن رهاننا على الدولة هو الصواب، سوريا تتحرّّر، والمحكمة مستمرة في عملها، والانتخابات آتية، وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح كما يقول دائمًا صديقي وحليفي الحكيم.
عبدو شامي
25/أيار/2012
(موقع سياسة.كوم)
15- آفة الحوار...التقية
بعد اندلاع انتفاضة الاستقلال عام 2005 عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتوالي نجاحات وإنجازات ثورة الأرز بسرعة لافتة، وفي طليعتها تحقيق الوحدة الوطنية الاسلامية المسيحية المحرّمة سوريًا، واندحار جيش الاحتلال السوري الأسدي من الأراضي اللبنانية، كان لا بد بالنسبة لقوى 8 آذار أدوات المحور السوري-الإيراني -المتهالك اليوم- من إيجاد طريقة ما تحول دون متابعة تلك القوى الاستقلالية السيادية في تحقيق انجازاتها التي من شأنها أن تعيد للبنان حرية وسيادته واستقلاله...
بعد فشل الاغتيالات ومحاولات الاغتيال والتفجيرات في إيقاف مسيرة ثورة الأرز رغم حرمان لبنان ومشروع الدولة من قادة رأي وفكر وسياسة استطاعت يد الإجرام الأسود تصفيتهم، وجدت قوى 8 آذار ضالّتها في عرقلة المسيرة الاستقلالية بما يسمى "الحوار"، الذي نصبت له طاولة بواسطة "النجار" رئيس حركة أمل نبيه بري، وبذلك عثرت على الفكرة المناسبة لإخراج المواضيع المصيرية في لبنان من المؤسسات الدستورية، وتمرير الوقت وتضييعه على قوى 14 آذار، لثنيها عن استغلال ولايتها الدستورية واندفاعتها وحماستها الثورية في تحقيق مطالبها وأهدافها السيادية...وقعت 14 آذار في الفخ، ثم وقعت فيه ثانية وثالثة، وها هي تقع فيه اليوم مجددًا.
سؤال في محلّه: كيف تتحدّث عن الحوار الذي هو أرقى سبيل للتواصل الإنساني، ثم لا تلبث أن تصفه بالفخ الذي يخفي معاني سلبية عدوانية؟!
الجواب يختصر بكلمة واحدة إنها: التقيّة. نعم، التقية التي تمثّل العمود الفقري في سياسة ولاية الفقيه سواء لدى طهران أو لدى أدواتها في لبنان، والتي تعني أن يبطن الشخص عكس ما يعلنه من مواقف، أو أن يعلن عكس ما يبطنه من آراء ومعتقدات، إذا كان ذلك سيعينه على تحقيق أهدافه الحقيقية معلنة كانت أم غير معلنة.
لا شك أن ذاكرة القارئ بعد قراءته ذاك التعريف بدأت تستحضر كمًّا هائلا من الشواهد، من المفيد أن نذكّر ببعض منها: إيران تدّعي أنها العدو الأول لأميركا، ثم نجدها تعترف بتقديم المساعدة العسكرية للشيطان الأكبر لاحتلال العراق وقبله أفغانستان، بل نجد ممثل الولي الفقيه في العراق عبد العزيز الحكيم يسارع الى زيارة بوش طالبا منه عدم الانسحاب من العراق عندما جرى الحديث عن أن لجنة بيكر-هملتون سوف توصي بذلك. أنها التقيّة.
لبنانيًا، حدّث ولا حرج، بدأ ما يسمى خداعًا بالحوار في الثاني من آذار 2006، وتوالت جلساته ليتبيَّن أن موضوعي رئاسة إميل لحود والسلاح هما العنصران الكبيران للخلاف، صحيح أنه جرى الاتفاق بل الاجماع على مواضيع مهمة مثل نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وموضوع المحكمة الدولية، غير أنه بما أن أحد أطراف الإجماع ماهر بفن التقية، فإنه لم يُبدِ تجاوباً في سبيل تحقيق أيٍ من تلك البنود المتوافق عليها، وعلى رأسها المحكمة الدولية التي شن عليها حربًا شعواء لا أخلاقية. نجحت التقيّة في تحقيق أهدافها، لحود أكمل ولايته الممددّة قسرًا حتى آخر ثانية منها، والسلاح الميليشيوي لا يزال حيًّا متناميًا متكاثرًا مفرِّخا الى اليوم، يحقّق يوميًا أسمى ملاحم الشرف ويسطّر بطولات الأيام المجيدة. إنها التقيّة.
في الدوحة لم يختلف شيئ، التقية أقوى من وجود شهود غير لبنانيين على ما يتم الاتفاق والتوقيع عليه، أمر طبيعي بديهي، فإذا كان شهادة الله تعالى على تعهّداتهم لا تثنيهم عن نقضها، هل ستلزمهم شهادة البشر؟! تعهّدوا عدم الاستقالة من الحكومة أو إقالتها بإفقادها نصابها الدستوري، ثم ما لبثوا أن فعلوا عندما وجدوا اللحظة الدولية تخدم مشروعم...إنها التقية.
فهمت القوات اللبنانية اللعبة، فاعتبرت الحوار ملهاة ومضيعة للوقت، فاتخذ الحكيم القرار الحكيم، ورفض المشاركة في مهزلة التقية. نعم، لا بد من لحظة صدق وصراحة مع الشعب، ليس لدينا وقت نضيّعه في مسرحية الحوار بين ممثلي التقيّة، خصوصًا أن لا ضمانات لتنفيذ أي أمر يتم التوافق عليه، لأنها ببساطة: التقيّة.
تبقى في القلب غصة من فريق 14 آذار، واللوم والعتاب على قدر المحبة كما يقال. ففي 18/4/2012، نقل النائب نهاد المشنوق عن النائب سعد الحريري إشارته إلى "ألا حوار قبل الإعتذار عن 7 أيار وتسليم المتهمين في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى المحكمة الدوليّة"، وفي 24 أيار دعت قيادات 14آذار إلى "تشكيل حكومة انقاذية حيادية بصفتها الخطوة الأولى الإلزامية لإطلاق حوار من خلال مؤتمر وطني يجنّب لبنان خطر التفكّك والانهيار"...لم يتحقق أي من هذه الأمور، ومع ذلك ذهبتم -باستثناء الحكيمة القوات-الى الحوار محرجين، مع علمكم المسبق بعدم جدواه. فأين الصدق في العهود والثبات على المواقف؟! هل علينا تنفيذ طلبات الملك السعودي؟!أم وقعنا نحن أيضًا في آفة التقيّة؟!
لقد جلستم مع الرئيس -المخلوع قريبًا- بشار الأسد الى طاولة الحوار، وهو ممثّل بحكومة يديرها وترعى مصالحه على حساب المصلحة الوطنية...لقد عوّمتم الحكومة التي تطالبون بإسقاطها، وأعطيتم حزب ولاية الفقيه فرصة ثمينة جدًا تخوّله الاستتار بفرية الحوار ليتّقي قدر الإمكان عاصفة انهيار محوره وانكشافه تمامًا مع سقوط نظام الأسد.
بعد هذا الانقسام داخل فريق 14 آذار، وتلك الأخطاء والتخبّطات، لعلنا اليوم، ووسط التغيّر الجذري في التوازنات الذي سيحدثه انهيار نظام الأسد ومحور الشر المسمى زورًا وتقيّة بالممانعة والمقاومة، لعلنا بأمس الحاجة الى الخطوة الانقاذية التصحيحية التي دعت إليها الكتائب اللبنانية أواخر عام 2009، ألا وهي تشكيل قيادة عليا مصغرة لـ14 آذار، وحصر القرارات السياسية بهذه القيادة. بغير ذلك لا أظن أن بإمكاننا التعويل على 14 بصورتها الحالية في العبور الى الدولة، ولا سيما أننا قادمون على انتخابات مصيرية. هذا أقل ما يمكن تقديمه تجاه ثورة الأرز والشهداء الذين ضحوا بأنفسهم لبقاء لبنان.
عبدو شامي
24/حزيران/2012
(موقع سياسة.كوم)
16- الاغتيال الانتخابي
للبنان خصوصية تميّزه عن سواه من الدول التي تعتمد النظام الديمقراطي في الحكم. للأسف هذا التميّز ليس بالمعني الإيجابي للكلمة، بل بالمعني الأكثر سلبية على الإطلاق الذي ينسف أسس الديمقراطية ويقتلعها من جذورها.
ثمة بدعة ما يسمى بـ"الديمقراطية التوافقية"، التي تتألف من كلمتين متناقضتين تنسخ الثانية منهما مفعول الأولى وتفرغها من مضمونها فلا يعود هناك معنى لانتخابات ولا لأكثرية أو أقلية، فكلها تسميات وإجراءات فولوكلورية شكلية، لأن الأمر سيخضع في نهاية المطاف الى "التوافق".
أضف الى الخصوصية اللبنانية، أن هذا "التوافق" نفسه الذي ألغى مفاعيل الديمقراطية، هو الآخر مفرّغ من مضمونه لأنه محكوم بإرادة السلاح المليشيوي الإرهابي، الذي يتحكّم بكافة مفاصل الدولة، ما يجعل التوافق المزعوم وصفًا تجميليًا لكلمة "الخضوع"، الخضوع الى غلبة السلاح التي لا تساوي الأقلية بالأكثرية فحسب، بل باستطاعتها تحويل الأقلية المسلحة الى أكثرية مسروقة حاكمة!
الخصوصية اللبنانية لا تقف عند هذا الحد في ضرب الديمقراطية، فهي تتجاوزه الى معاني أكثر إرهابًا على الصعيدين الفكري والجسدي، فكما يمكن اللجوء الى المال "النظيف" الانتخابي و"التكليف الشرعي" الانتخابي للتأثير على إرادة الناخبين، لا يتورّع الإرهابيون من استخدام الاغتيال الانتخابي، وهو أسلوب دموي مخصّص للمجتمعات الخارجة عن السيطرة، أي التي لا تقع ضمن دائرة تأثير المال النظيف، ولا تؤمن بالتكليف غير الشرعي، ولعل أول الشواهد التي تتبادر الى الأذهان عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبيل انتخابات 2005، بعدما تأكّد الإرهابيون أنه "ماض بقوة للفوز بها ولو قسّموا بيروت بيتًا بيتًا" على حد قول الرئيس الشهيد.
كان لا بد من هذا الاستطراد للدخول في صلب الموضوع، إذ يمكن توصيف الوضع الانتخابي في لبنان بالنسبة للفريق الإرهابي على النحو التالي:
عام 2005 استطاع "حزب ولاية الفقيه" الحصول على "شيك انتخابي مسيحي" لم يتم الاعلان عنه تكتيكيًا إلا بعدما استطاع جمع رصيد كبير في انتخابات ذلك العام بفعل كتاب برتقالي دغدغ مشاعر الحرية والسيادة والاستقلال لدى المسيحين، فكان أن أعلن عن قبض الشيك ذي الرصيد الخيالي في صالون كنيسة مار مخايل في 6شباط 2006، والذي منح الحزب الإيراني غطاء مسيحيا وطنيا لبنانيا للمضي في مشروعه العقائدي الفئوي، مقابل وعود رئاسية بـ"لسان التقية"، قدمها "خميني لبنان" الى "نابليون الرابية".
بالفعل أخذ الحزب الإيراني يصرف من ذلك الشيك الانتخابي في عدّة مواضع خدمة لمشروعه...لكن مع مرور الزمن وتوالي الحوادث المصيرية، بدأ الطلاء يزول عن الكتاب البرتقالي ليتبيّن للجمهور المسيحي أنه ما كان في الحقيقة إلا كتابًا أصفر صيغ بـ"حبر التقيّة"، وبالتالي أخذ الرصيد الجماهيري للشيك المقبوض يتضاءل شيئًا فشيئًا وبدأ معه الحزب يشعر بالبرد مع انكشاف الغطاء المسيحي الذي يلتحف به، وهو ما أكدّته انتخابات 2009، غير أن الخطير في الموضوع أن الشيك المقبوض بات اليوم أشبه بشيك مؤجّل بلا رصيد، ونحن على مشارف موعد استحقاق صرفه في انتخابات 2013 النيابية، التي ستفرز مجلس نواب ينتخب رئيسا للجمهورية.
إعادة ضخ رصيد جماهيري جديد بغية تغطية الشيك الانتخابي المفلس أصبحت مستحيلة بفعل وعي الجمهور المسيحي الذي صارت أكثريته الوازنة مع قوى 14 آذار، ما حتّم على الارهابيين اللجوء الى الاغتيال الانتخابي من جديد، ليس بهدف تغطية الشيك المفلس المستحيلة، بل بهدف إنقاص رصيد الفريق الاستقلالي المنافس، في محاولة دموية لتعديل موازين القوى، وهو ما انعكس على كيفية اختيار الشخصيات المستهدفة.
بدأ الفريق الارهابي حملته الانتخابية في نيسان 2012، مركّزا على هدفين استراتيجيين: أولهما، حذف الشخصيات المسيحية الوازنة والمؤثرة في المجتمع المسيحي بغية إفراغ الساحة بما يخدم مصالح "التيار العوني" الانتخابية؛ والهدف الثاني، حذف الشخصيات المسيحية المارونية المؤهلة والمطروحة بقوة للوصول الى كرسي رئاسة الجمهورية عام 2014 فيما لو نجحت القوى الاستقلالية بحصد غالبية مقاعد المجلس النيابي.
بناء على تلك الاستراتيجية في انتقاء الأهداف، كانت محاولة اغتيال الزعيم المسيحي-الإسلامي الأول في لبنان بشهادة المسلمين قبل المسيحيين، والزعيم المسيحي الأول في الشرق ليس بتطويب سفّاح الشام في براد الحلبية، بل بإرادة حرة من أكثرية المسيحيين أنفسهم، الذي افتتحوا بمحاولة اغتياله حملتهم الانتخابية الدموية في 4نيسان الماضي، وأرادوا منها وضع اليد على المجتمع المسيحي بحذف الحكيم وإخراجه من المعادلة السياسية والانتخابية، وتوجية ضربة قاسمة الى قوى 14 آذار وثورة الأرز بتجريدهما من حامل البوصلة الصحيحة في إدارة الأمور؛ وأبعد من ذلك كله: التخلّص من رئيس محتمل للجمهورية اللبنانية.
وفي السياق نفسه، جاءت محاولة اغتيال النائب بطرس حرب في 5تموز، لتصب في الخانة المجرمة ذاتها: إفراغ منطقة تنورين من صاحب الشعبية الوازنة فيها، وحذف رئيس محتمل للجمهورية اللبنانية، والتخلص من أحد رموز اتفاق الطائف، وصاحب الجرأة الاستثنائية في مقاربة المواضيع السياسية.
سير الأحداث يؤكّد أن الإرهابيين لم يتقبّلوا بعد حقيقة أن زمن سيطرتهم على المنقطقة مضى وانقضى، وأننا دخلنا في زمن "الشعب يريد" لا "السلاح يريد"، ولا يزالون يأملون في إبقاء يدهم موضوعة على لبنان، لذلك ستبقى الاستراتيجية الانتخابية وغير الانتخابية الدموية مستمرة، على الأقل حتى دخول لبنان مرحلة الدولة الحرة السيدة والمستقلة مع تشكيل حكومة 14 آذار الخالصة -لا حكومة الوحدة الوطنية- صيف العام 2013.
عبدو شامي
8/تموز/2012
(موقع سياسة.كوم)
17- وداعًا للمشروع الفارسي وأدواته
من منطقة أبو حبل والزاهرة القديمة في حي الميدان، من حيّي التضامن والحجر الأسود جنوب العاصمة دمشق، من حي نهر عيشة، من حي القدم، من حي العسالي وشارع خالد بن الوليد وأحياء جوبر والقابون وبرزة وسيدي قداد وقداد، من حي كفرسوسة غرب العاصمة، من وسط العاصمة دمشق...وداعًا.
وداعًا أيتها الإمبراطورية الفارسية الحاقدة، وداعًا لمشروعك الفتنوي التقسيمي الساقط وأدواته التنفيذية الخبيثة، وداعًا محور الشر المتغطرس، وداعًا معسكر الممانعة والمقاومة والعروبة المتصهين والمتفرسن الكاذب...
منذ لحظة اندلاعها، نشأت معها الميزة "المشكلة"! الميزة أنها ثورة مخلصة صادقة واعية، قائدها الوحيد هو الشعب المنتفض لحريته وكرامته، لا من يدّعي تمثيلها من شخصيات معارضة أثبتت أنها أعجز من أن تتوحّد تحت برنامج واحد.
وأما "المشكلة"، فهي تلك الميزة ذاتها، لكن من منظار الروس والأميركيين والإسرائيليين الخائفين على نفوذهم في المنطقة وعلى أمن الكيان الغاصب بعد هلاك شرطي الجولان المحتل وبائعه، وراعي المشروع الفارسي والمصالح الأميركية، وناشر الإرهاب ومصدِّره الى أرجاء الدول العربية...إذ بعد مرور 17 شهرًا على انطلاق الثورة السورية، لم تجد هذه الأطراف شخصية سورية معارضة تملك القدرة على عقد صفقة ما معها تضمن أمن إسرائيل وترسم معالم المنطقة السياسية بعد زوال الحكم الدموي للعائلة الأسدية بما يتناسب والمطامع الدولية.
مبادرات ومهل جامعة الدول العربية، بروتوكول المراقبين العربيين، اجتماعات مجلس الأمن وجلسات الأمم المتحدة، "عقوبات" الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأميركية، صيحات وعنجهيات تركيا وقطر، طرد السفراء السوريين وسحبهم من دول عدة، اجتماعات المعارضة الخارجية، بعثة المراقبين الدوليين، مبادرة كوفي أنان... كلها إجراءات وحوادث هامشية لا قيمة لها ولا جدوى ترجى منها بالنسبة للشعب الواعي، الذي علم منذ ما قبل 15 آذار 2011 أن ثورته غير مرغوب بها عالميًا، نعم عالميًا، لا من أميركا ولا من إسرائيل ولا من روسيا ولا من إيران... وهو لم يخف وعيه السياسي والديني فرفع منذ بداية ثورته شعار :"يا الله ما لنا غيرك يا الله".
يوم الأحد 15 تموز2012، دقّت ساعة الحسم، ساعة الحرية، الأزمة السورية في ساعاتها الأخيرة، فالثوار سبقوا العالم العاجز بل الرافض اتخاذ أية إجراء جدي من شأنه أن يساعدهم على التخلص من طاغيتهم، لقد بلغت معارك التحرير العاصمة دمشق، والمواجهات اجتاحت أحياءها بحدة لم تعهدها منذ بدء الثورة قبل 17 شهرًا.
النظام الدموي اليوم دخل في منعطف مصيري وجودي خطير، فقد سيطرته على بعض أحياء العاصمة في معقله الأخير دمشق، حتى أجواء الشام لم تعد آمنة بالنسبة لمروحياته القاتلة بعد إسقاط الثوار إحداها، وما الإطلالات المتكررة لـ"جهاد مقدسي" المتحدّث باسم الخارجية الأسدية وبيانات التلفزيون الأسدي والمخلوفي المتحدّثة عن سيطرة الجيش الأسدي على الأرض، وإنزاله الخسائر في صفوف "الإرهابيين" و"المخرّبين" واستسلامهم أو هروبهم، إلا أكاذيب وأضاليل تشبه خطابات وزير الإعلام العراقي السابق "محمد سعيد الصحّاف" قبل دقائق معدودة من سقوط بغداد في يد الاحتلالين الإيراني والأميركي، لكن مع فارق جوهري كبير هو أنه بسقوط بغداد اكتمل عقد الهلال الفارسي ووضعت إيران يدها على المنطقة بالكامل، بينما بتحرير دمشق سينقطع هذا العقد ومعه يد إيران، وستُسترجع حرية وكرامة وعروبة المنطقة، ليكون لأبطال الشعب السوري شرف إنهاء مشروع فئوي توسعي إرهابي حاقد، بدأه "حافظ الأسد" في سوريا عام 1970، قبل أن يتسلّم قيادته "الخميني" عام 1979.
لم يَفُتنا في المقدّمة أن نقول وداعًا "بشار الأسد" ،لأن وداعه موكول الى ثوار سوريا الذين سينظمون له وداعًا يليق به، لكن ما نقوله بثقة أنه من الآن فصاعدًا علينا أن نتوقّع سماع أصداء السقوط المدوي للنظام الأكثر إرهابًا في المنطقة في أيّة لحظة، فمعركة تحرير دمشق بدأت، وبركان الثورة لن يهدأ إلا بإعدام الطاغية.
عبدو شامي
17/تموز/2012
(موقع سياسة.كوم)
18- العالم منقسم على السابع والثوار في الأخير!
نبدأ من حيث انتهينا في المقال السابق: "...ما نقوله بثقة أنه من الآن فصاعدًا علينا أن نتوقّع سماع أصداء السقوط المدوي للنظام الأكثر إرهابًا في المنطقة في أيّة لحظة، فمعركة تحرير دمشق بدأت، وبركان الثورة لن يهدأ إلا بإعدام الطاغية"، وها هي بشائر النصر تنهال علينا من كل جانب.
يا لها من مفارقة مضحكة على كثرة ما تحمله من اشمئزاز وسخرية؛ فالعالم اليوم منقسم حول استصدار قرار عن مجلس الأمن يفرض عقوبات على "النظام السوري السابق" تحت الفصل السابع، فيما ثوار الحرية والكرامة قد شرعوا في الفصل الأخير من معركتهم الكونية، لا بل دخلوا في نهايته!
ثلاثة وعشرون مليونًا مقابل سبعة مليارات! معادلة تستحق أن توصف بأنها معركة كونية بحق، وليعذرنا جنرال الرابية الذي يروق له استخدام هذا التعبير -استغباء للرأي العام- في معاركه الدونكيشوتية لـ"استرجاع حقوق المسيحيين".
فأن يُترك ما يقارب 23 مليون سوري بطل شريف حر، من قبل نحو سبعة مليارات من "البشر" متعددي الجنسيات وممثلين بهيئة الأمم المتحدة، وحيدين لمواجهة مصيرهم وقلع شوكهم بأيديهم، في مواجهة النظام الأكثر وحشية وإرهابًا في العالم، لا يمكن أن يسمى إلا بالمعركة الكونية.
بعد 17 شهرًا على انطلاق "الثورة العصامية"، وتحديدًا في 18 تموز 2012، بات بإمكان الأحرار أن يضيفوا بعد عبارة "النظام السوري الأسدي" كلمة "السابق" أو "الهالك"، بفعل الضربة الأمنية القاصمة التي وجهتها الثورة لنظام بشار الأسد قالبة ميزان القوى، وذلك بتفجير محكم استهدف مقر الأمن القومي، العمود الفقري للهيكل الاسدي، مرديًا طغمة من قيادات الصف الأول التي تحيط رأس النظام.
تعرُّض قلب النظام السابق لأقصى ضربة في تاريخه، جعلت الوجع يطال بقية أعضاء الجسد المهترئ العفِن الذي أذاق الشعبين السوري واللبناني مرّ الدم وشر العذاب طوال عقود، التي شعرت بعظم المصاب الأليم الذي سيلحق بها، فالتابع تابع، وعندما يتوقف القلب تلحق به سائر الأعضاء، حتميّة طبيّة، وحتمية تاريخية تضرب بها الأمثال.
أوّل المتألمين كان المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية، الذي تفرد بإعلان موقف حزبه من هذا التطور، ولو اكتفى المتابع لخطابه بالصورة فقط مخفيًا صوت التلفاز، لعلم أن المصاب جلل والصدمة كبيرة والمعنويات منهارة، فمشروع الأعوام الـ33 بات في مهب الرياح الدمشقية، التي بدأت تستبدل رائحة الزعفران والأفيون الإيرانيَين، بنسيم الياسمين وطعم التوت الشاميَين.
وجاء الصوت ليؤكّد الصورة، دعوة الجمهور المصدوم الى حد الذهول الى "الصبر والتحمّل"، وحضّ له "على التهدئة والصبر والانضباط". وكانت الصراحة حلوة رغم مضومنها السلبي في وصف المسؤولين المجرمين الثلاثة الذين قتلوا بأنهم "شهداء" و"رفاق سلاح"، فهم "شهداء" حقًا لكن على أدق تفاصيل وأسرار وخطط وفنون الإرهاب الذي يطال الشعب السوري منذ أربعة عقود، وهم "رفاق سلاح" للحزب حقًا لكن ليس "في الحرب مع إسرائل"، بل في الحرب على إرادة الشعوب الحرة، وفي معارك حمص وحماه وسواها من المدن السورية المنكوبة، وقبل ذلك كله إنهم "رفاق سلاح" في دوس كرامة الشعب اللبناني على مر عقود، وشركاء الأيام "المجيدة" التي تخلّلتها.
المنطق المبني على المعطى السياسي الاستراتيجي يقول اليوم إن الهروب من الواقع برفض تفهّم حقيقة المرحلة الجديدة التي دخلتها المنطقة ضرب من الجنون، وبداية المقاربة الصحيحة للأمور تنطلق من التواضع والتخلّي عن المكابرة والتكبر، التكبر الذي وإن كان مذمومًا ولا يزال إلا أنه كان يستند الى معطيات جيو-سياسية واضحة تقول:" نحن أسياد المنطقة من أفغانستان مرورًا بطهران وبغداد ودمشق وغزة ولبنان"، أما اليوم فالواقع يقول: "كان يا ما كان في قديم الزمان".
عبدو شامي
19/تموز/2012
(موقع سياسة.كوم)
19- في الـ67..الصراحة خير هدية
لم أجد أفضل من الصراحة هديّة أهديها للجيش اللبناني في عيده ال67. فالصراحة شرط أساسي لمقاربة أي أمر شائك مقاربة صحيحة دقيقة، بحيث تعكس صورته بواقعية بعيدًا عن الخطابات الإنشائية والتعابير التجميلية، التي تعبّر في حقيقتها عن المأمول والمرتجى لا عن الواقع المعيوش.
لا خلاف في أن الجيش درع الوطن، وهكذا يجب أن يكون، كما تُرفع له القبعة على ثلاثيّة "شرف تضحية وفاء" التي اختارها كخلاصة لمبادئه...هذا هو الجيش اللبناني، جيش وطني من الشعب والى الشعب وفداء للشعب...
من نعم الله على هذا الوطن أن الجيش اللبناني يبقى من أنظف مؤسسات الدولة اللبنانية، مهما طالته سهام الانتقادات الصحيحة البنّاءة أو الخاطئة الهدّامة، فهو ليس جيش شخص أو حزب على الاطلاق كما هو الحال في سوريا، حيث تبيّن أن الجيش العربي السوري اسم ممّوه لآلة قتل إرهابية وحشية منظّمة، مؤلّفة من كتائب حزب البعث الأسدي وشبّيحته، مهمتها حفظ مصالح الحزب على حساب الشعب والدولة، وبقاء النظام ورأسه في السلطة حتى ولو استلزم الأمر إبادة الشعب السوري بأكمله وسحق مدنه على رؤوس قاطنيها.
وللموضوعية، لا يمكن أن نذكر النعم دون التطرّق الى النقم، فمن الصعوبة بمكان أن نتصوّر أن الإساءة الى الجيش اللبناني باتت تتحصّن في البيانات الوزارية منذ العام 2008، مع تكريس معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، ذلك الثالوث الأخبث الذي سلخ الجيش عن الشعب، وجعل للمؤسسة العسكرية ندًا وضرّة شريرة خبيثة، فاقت الجيش عدة وعتادًا وتدريبًا وتمويلاً وتسليحًا، يحق لها ما لا يحق له، المحظور عليه مباح لها والمباح له يتوقّف أحيانًا كثيرة على إذن منها! تلك الضرّة الخبيثة عنيت بها الميليشيا أو المافيا المسلّحة المخالفة للدستور اللبناني وقوانينه، والمسماة "المقاومة"!
قرأت خطاب قائد الجيش بمناسبة عيد الجيش اللبناني، كان خطابًا مفعمًا بالمعنويات وبمعاني العزّة والعنفوان والقوّة، لكن -وللصراحة التي نشدّد عليها- دائمًا ما تتغافل قيادة الجيش عن مقاربة واقعها بصراحة.
أفضل هنا التحدث باسمي الشخصي وإن كان كلامي يعبّر عن رأي كثيرين؛ فمنذ اجتياح بيروت والجبل في 7 و11 أيار 2008، لم أعد أشعر بالاطمئنان ولا بالأمان عندما أقف عند حاجز للجيش اللبناني، أو أتواجد في منطقة ضرب فيها الجيش طوقًا أمنيًا لسبب ما، وهي بطبيعة حال غير مناطقة حزب السلاح التي يحق له وحده ضرب طوق أمني فيها بعد كل انفجار تتسبب به "قارورة غاز" أو مخزن "ألعاب نارية".
ففي ذلك التاريخ الأسود -السابع من أيار 2008-، (كما في حوادث 23و25/1/ 2007)، رفض الجيش التدخل لإنقاذ بيروت والجبل من الغزوات الإرهابية التي نفذّها "حزب ولاية الفقيه" وملحقاته، فتقاعس بذلك عن القيام بواجبه المهني والوطني والأخلاقي، بامتناعه عن فتح الطرقات ومواجه الإرهاب، وكان أن تُرِك الأهالي في مختلف المناطق اللبنانية تُستباح حرماتهم وأملاكهم وكراماتهم تحت إرهاب الحزب السوري-الايراني، وعلى مرأى من الجيش، لا بل أحيانًا عمد الإرهابيون الى استخدام بعض آليات الجيش اللبناني في استهداف المناطق الآمنة، كما شوهد بعض جنوده يطلقون رصاص الابتهاج كلما تمّ الاستيلاء على حي أو مركز لتيار المستقبل!
وكان قائد الجيش يومها العماد "ميشال سليمان"، وبعض سياسيي 8آذار يدَّعون أن "وقوف الجيش على الحياد هو ما يمنع انقسامه"!! مما يجعلنا نتساءل: هل الجيش يحمي المواطنين، أم المواطنون يحمون الجيش؟! وهل هلاك الشعب وضياع الدولة أهون من انقسام الجيش؟!
إضافة الى ذلك، هناك علامات استفهام كبيرة جدًا على المحكمة العسكرية التابعة للجيش وكيفية اصدارها الأحكام، بما هو كاف لجعل المتهم الماثل أمامها في حالة انعدام ثقة بأحكامها، تلك الأحكام التي تخضع بشكل أو بآخر لقوى الأمر الواقع، وقضيتي قاتل الطيار الشهيد سامر حنا، وعمالة العميد فايز كرم، إحدى الشهود على ذلك.
وفوق ذلك كله، ستبقى عملية إغتيال الشيخين الجليلين في الكويخات في عكار، نقطة سوداء في تاريخ المؤسسة العسكرية، فقد كشفت أن في الجيش اللبناني عناصر غير منضبطة، لا تأتمر بأوامر قيادتها، ويجب أن يتم تطهيره منها.
كثيرون تنتابهم نوبات الحميّة عندما يسمعون انتقادًا يوجّه للجيش اللبناني، وأجزم أن هؤلاء من أصحاب الغيرة المصطنعة المنافقة، لأنهم هم أنفسهم أكثر من يسيء الى المؤسسة العسكرية كل يوم، بينما أصحاب النقد البنّاء هم الغيورون حقيقة على المؤسسة.
ليس صحيحًا أن عناصر الجيش فوق أي انتقاد، هم ليسوا كائنات فضائية تعيش على المريخ، بل هم مواطنون عسكريون من الشعب اللبناني يعيشون بينه ومعه، ونحن بحكم علاقاتنا الاجتماعية من جيرة وقرابة وصداقات ومعارف، نعرف ضبّاطا وعناصر لا تخفي انتماءاتها السياسية سواء من خلال الجرائد التي تقرأها أو من خلال حديثها العلني في المجالس العائلية أو الصالونات، حيث تعرب عن تأييدها لذاك الحزب أو ذاك، وهو تأييد يتجاوز حدّه أحيانًا ليصل الى مرتبة الحقد على الخصم في السياسة، وهذا من شأنه أن يتضارب مع صفاء الانتماء والولاء الى المؤسسة العسكرية.
أما الطامة الكبرى الأكثر خطورة على وحدة الجيش، فتكمن في نظرية "ولاية الفقيه"، إذ يكفي أن يؤمن أحد عناصر الجيش بها لكي يصبح قائده الأعلى "علي خامنئي"، لا "جان قهوجي" أو "ميشال سليمان".
إن تأييدنا للجيش وحبّنا له، لا يجب أن يعمينا عن هذا الواقع، فالتعامي عن الخطأ من دواعي استشرائه تمهيدًا لوقوع الأعظم. وعلى أمل أن يتخلّص الجيش من ضرّته، وأن يتطهّر من العناصر التي لا تليق به، وأن تعود لي الثقة الكاملة به...كل عام ودرع الوطن بألف خير.
عبدو شامي
31/تموز/2012
(الوسط اللبنانية)
20- هل تبدّد المحكمة العسكرية انجاز فرع المعلومات؟
منذ 18 شهرًا الى هذه اللحظة، لا يمر علينا شهر ولا حتى يوم، إلا ونكتشف فيه الحكمة الربانية من تأخّر الثورة السورية في الوصول الى خواتيمها السعيدة؛ الحكمة هي أن ثمّة أقنعة يجب أن تسقط، وحقائق لا بد أن تتكشّف، ورؤوسًا أينعت وحان وقت قطافها.
أقنعة كثيرة وحقائق كبيرة خطيرة لن نستطرد طويلاً في سردها، كشفتها ثورة أطفال درعا الأبطال، فمن تواطؤ العالم على إفشال ثورة الحرية والكرامة بإعطائه المهل تلو المهل لبشار الأسد عسى أن يفلح بآلة القتل التي يديرها في القضاء عليها، الى اعتراف "رامي مخلوف" بأن أمن النظام السوري من أمن إسرائيل، الى الرعب والذعر الذي أصيب به الكيان الصهيوني عندما بدأ يهتز نظام الأسد وهو ما عكسته وعبرت عنه الصحافة الصهيونية بكل صراحة ووضوح، الى افتضاح شأن "أشرف الناس" الذين خاضوا في دماء الشعب السوري وهتكوا أعراضه وانتهكوا حرماته ولا يزالون، وكالوا بمكيالين، فكل الثورات صادقة شريفة يجب أن تدعم إلا الثورة السورية فهي "مؤامرة إسرائيلية"!
جديد الأقنعة الساقطة والحقائق المتكشّفة، إنجاز سوري-لبناني مشترك بين كل من الثورة السورية وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، أسفر عن سقوط زعيم الخلية الإرهابية الأسدية في لبنان والصديق الحميم لأمين عام حزب السلاح "حسن نصر الله"، الوزير السابق "ميشال سماحة" في قبضة الأمن الشرعي، واعترافاته التامة والموثّقة عن تكليفه من قبل النظام الأسدي بتنفيذ مخطط تفجير إرهابي فتنوي في الشمال.
للصراحة، كلما تسلّل إلينا الشعور بأن الدولة وقعت بالكامل في قبضة مشروع الدويلة، جاء فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ليُحيِيَ فينا الآمال بعملية نوعية جديدة، ويذكرنا أن البلاد لا تزال بخير، بوصفه تابع للمؤسسة الأمنية الوحيدة العصية على تدخلات النظام الدموي المنهار في سوريا، والوحيدة الخارجة عن سلطة قوى الأمر الواقع الميليشيوية المسلّحة في لبنان.
الدولة المخطوفة تقع اليوم في شر أفعالها ومفاهيمها المزدوجة، إذ لا يمكن أن يُعتبر من ينفّذ مصالح إسرائيل في لبنان عميلاً تجب محاكمته، ومن ينفّذ مصالح سوريا أو إيران ويتلقى منهما الأوامر والسلاح والمال بريئًا حرًا طليقًا تجب مكافأته، خصوصًا أن عملاء الأسد وإيران كانوا ولا يزالون يفاخرون بعمالتهم ويتحدّون سيادة الدولة اللبنانية وكرامة الشعب اللبناني كل يوم.
في البداية عندما أُعلِن عن توقيف "الممانع والمقاوم والعروبي" الكبير والعنيد "ميشال سماحة"، خطر في بالي أنه أوقف لتورطه بالعمالة لإسرائيل بما أنه كثيرًا ما يركّز في مقابلاته الإعلامية على تخوين القوى الاستقلالية وإطلاق تهم العمالة جزافًا، إضافة الى الإشادة بما يسمى "مقاومة"...ذلك أن العميل المحترف غالبًا ما ينتهج أسلوب المزايدة على الآخرين في الوطنية إمعانًا في ستر نفسه وإبعاد الشبهة عنها، لكن ما لبث أن تبيّن -وكل الطرق تؤدي الى الطاحون ذاته- أن "سماحة" متورط بتأليف جماعة إرهابية بأوامر من الأسد نفسه وإشراف اللواء على مملوك لإشعال فنتة طائفة سنية-مسيحية-علوية، وتصفية قيادات لبنانية داعمة للثورة السورية.
انطلاقا من مقولة: "قل لمن أحسن أحسنت"، حسنًا فعل "حزب ولاية الفقيه" عندما نأى بنفسه عن تصريح رئيس كتلته النيابية "محمد رعد" من أن قضية سماحة "فبركات أمنية(...) لن نسكت عنها"، وهذا عائد بالتأكيد -فضلا عن مكابرة "رعد" وتهوّره- الى متانة الأدلة التي امتلكها فرع المعلومات مما أدى الى اعتراف المتهم وتكوين ملف التوقيف.
وإذا كان تكوين خلية "سماحة-مملوك" الإرهابية يدل على شيء على صعيد العلاقة بين الحزب الإيراني والنظام الأسدي، فإنما يدل ويؤكد ما سبق أن ذكرناه من أن حسابات الحزب والأسد اختلفت لبنانيًا لا سوريًا، بمعنى أن الحزب مستعد لتقديم كافة أشكال الدعم الإرهابي للأسد في سوريا، وهو يفعل ذلك منذ بداية الثورة، غير أنه ومنذ بداية الثورة أيضًا غير مستعد لتوتير الساحة اللبنانية وإحداث فتن فيها خدمة لمصالح الأسد وتصديرًا لأزمته، وإلا لكان الأسد استعاض بقدرات الحزب الإيراني عن المخاطرة في تجنيد "سماحة" صاحب المهام السياسية الدعائية والتخوينية للقيام بمهام إرهابية أمنية بنقل متفجرات وأموال من سوريا، ذلك أن المتفجرات والأموال والعناصر الحاضرة للتنفيذ موجودة لدى حليف الأسد الإيراني في لبنان بوفرة وكثرة، غير أن الحزب لا يريد للسطلة أن تفلت من قبضته بفتن وحوادث أمنية تهدد حياة حكومته وتزيدها تشرذمًا وانقسامات...هذا، وإن كان لأصحاب مشروع الهيمنة على الدولة أجندة خاصة ذات أهداف منتقاة بدقة تحضيرًا لانتخابات 2013 النيابية و2014 الرئاسية.
اليوم، مع إحالة "ميشال سماحة" على المحكمة العسكرية والادعاء عليه واللواء "علي مملوك" وعقيد سوري آخر بتهمة تأليف عصابة مسلّحة لارتكاب جنايات، وبعد تضييع تلك المحكمة إنجاز فرع المعلومات عام 2010 بإنزالها تلك "العقوبة التشجيعية" المسيّسة التي لم تتجاوز 19شهرًا بحق العميد المتقاعد المدان بالعمالة للعدو الإسرائيلي "فايز كرم"، يحق لنا أن نسأل: هل ستخضع المحكمة العسكرية لتدخلات الأسد وقوى الأمر الواقع، فتُبدِّد إنجازات فرع المعلومات مجدّدًا كما بدّدته في قضية "كرم"، بإنزال عقوبة مخفّفة في حق من اضطلع في تنفيذ مخطط أمني إرهابي لو قُدر له النجاح لكان أدخل لبنان في أتون الفتنة الطائفية؟!
عبدو شامي
11/آب/2012
(الوسط اللبنانية)
21- بين أسير الحرية وأسير السلطوية
خبرًا مؤسفًا سمعناه الأسبوع الفائت، مفاده أن "دار الفتوى" شدّدت على خطيب "مسجد الإمام علي" في الطريق الجديدة، بعدم السماح للشيخ "أحمد الأسير" بإلقاء خطبة الجمعة 10/8/2012، حتى ولو طلب "الأسير" ذلك.
خبر مؤسف حقًا بيد أنه لا يدعو الى الاستغراب، فدار الفتوى ما بعد 1989 ليست دار الفتوى ما قبل 1989، التي كانت لا تخشى من قول كلمة الحق في أصعب الظروف التي مرّ بها لبنان ولا سيّما في أيام الحرب، حيث كان للمفتي الشهيد حسن خالد دوره الريادي القيادي المميّز، وقد دفع حياته ثمنًا لمواقفه السياسية والوطنية الشجاعة والمشرّفة، فتم اغتياله من قبل آلة الإرهاب الأسدية عام 1989. ومنذ ذلك التاريخ لا تكفّ الحوادث عن تذكيرنا بأن "دار الفتوى اغتِيلَت باغتيال مفتيها"!
المسألة بالنسبة لدار الفتوى ما بعد 1989، ليست مسألة الشيخ أحمد الأسير أو زيد أو عمرو من الناس، ولا مسألة هذا الفريق السياسي أو ذاك، ولا ذاك النظام الذي يلاقي حتفه تحت أقدام الأحرار أو سواه، المسألة أعمق من ذلك بكثير، هي باختصار مسألة الصراع بين الحرية والسلطوية، السلطوية التي تعني عدم القدرة على تحقيق الاستقلالية، أو بعبارة أخرى، العجز عن تحمّل الحرية!
لا شك أن ظاهرة الشيخ أحمد الأسير -الذي نتفق معه في طروحاته ومطالبه الوطنية ونثني على قول "حكيم ثورة الأرز" الدكتور "سمير جعجع" عندما وصفها بأنها "حق يراد به حق، وإن اختلفنا معه في الكيفية"- تلك الظاهرة أحرجت دار الفتوى كثيرًا لأنها ضربت بشكل مباشر على الوتر الحسّاس، وأصابت عمق الصراع بين الحرية والسلطوية، فكشفت أقنعة وأسقطت أخرى، الأمر الذي جعل من شخصية الأسير -وكذلك نماذجها على الدوام- عبئًا ثقيلاً على "الدار"، أو لنَقُل "غير مرحّب بها" تلطيفًا للعبارة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا فعل "الأسير" لكي يستحق "الحُرم الكَنَسي" أو ينال "غضب" الدار؟
أسير الحرية، كان الوحيد الذي تجرّأ على رفع الصوت مستنكرًا وطالبًا الاعتذار، عندما تجرّأ الوكيل الشرعي للإمام الخامنئي في لبنان وعضو مجلس شورى "حزب ولاية الفقيه" "محمد يزبك" على وصف أم المؤمنين السيدة عائشة بالـ"معسكر الأميركي-الإسرائيلي"، في إحدى ليالي نفخه في بوق الفتنة الطائفية في عاشوراء عام 2011. أسير الحرية أحرج بذلك أسير السلطوية الذي لم يجرؤ يومًا على رفع الصوت طالبًا إيقاف التحريض الطائفي الذي يتكرّر كل عام، فاضطرت "دار الفتوى" وعلى استحياء شديد الى تسجيل وقفة خجولة مع الأسير بعدما نجح بحنكته ودهائه في إقحامها في موضوع هو أساسًا من صميم مسؤولياتها.
أسير الحرية، وقف بقوة مطالبًا بالإفراج عن المعتقلين الإسلاميين وبت مصيرهم وهم محتجزون منذ ما يزيد على خمس سنوات في فضيحة مدوية للقضاء اللبناني وانتهاك صريح لحقوق الإنسان، مع أن المسؤول الأول عن هذا الظلم هو أسير السلطوية الذي لم يجرؤ على رفع لواء قضيّتهم طوال ذلك الوقت، وجل ما قدر عليه هو أن يركب موجة اعتصام أهالي المعتقلين في طرابلس، فدعا الى بت مصيرهم قبل العطلة القضائية وإلا فسينظم اعتصامًا مفتوحًا في "ساحة رياض الصلح"، ومع ذلك لم يوف بوعده، دخلت العطلة القضائية وذهب الكلام أدراج الرياح.
أسير الحرية وقف مع الثورة السورية منذ بدايتها، ونظّم تظاهرة مؤيدة لها في وسط بيروت، متحديًا وقوف أسير السلطوية الى جانب النظام الدموي ومصادقته سفير الإجرام الأسدي، وتوبيخه من تجرّأ من الخطباء على تسمية النظام السوري صراحة في خطب الجمعة.
أسير السلطوية هذا، وبعد عام تمامًا على فضيحة فتحه أبواب دار الفتوى لسفير النظام الأرهابي في 1رمضان/1آب 2011، وبعد زيارتين مخزيتين تلتا تلك الزيارة، أعلن انشقاقه عن النظام الأسدي، لكن متى؟ عندما أيقن أن النظام بات في حكم الساقط بالقوة عقب العملية النوعية المفصلية التي استهدفت مبنى الأمن القومي في 18 تموز2012 وقضي فيها على أربعة إرهابيين من أعمدة النظام هم في الوقت عينه "شهداء" "حزب ولاية الفقيه" و"رفاق سلاح" معه؛ فما كان من أسير السلطوية في 1رمضان/20تموز2012، إلا أن رفع الصوت قائلا: "نحن واعون لما يجري في سوريا ولما يقع على الشعب السوري من مظالم تنتهك فيها أعراضهم وتذل فيها رجالهم ونساؤهم ويقتل فيها ابناؤهم من الحكام الظلمة في سوريا "، ولم يكن ينقصه أثناء إعلان إنشقاقه ذاك سوى إظهار بطاقة الهوية أمام الكاميرا!
بقي لانتهاء تلك الولاية سنتان وشهر تمامًا -لا ذُكِرَت ولا أُعيدت- وإن كان صاحبها يبذل قصارى جهده ليجعلها مدى الحياة، أما نحن فنكرر طلبنا الذي لا رجعة عنه: ارحل الآن فربيع الدار حان.
عبدو شامي
14/آب/2012
(الوسط اللبنانية)
22- إرهابيون برخصة كذابون بفتوى!
توازيًا مع معزوفة "المقاومة والممانعة والعروبة" الزائفة والتي انتهت صلاحيتها مع انكشاف عمالة النظام الأسدي للعدو الصهيوني، ثمة أسطوانة "التخوين والعمالة" البالية، التي لا يزال "حزب السلاح" في لبنان يوجّهها الى القوى الحرية السيادة والاستقلال، على الرغم من أن العملاء الذين اكتُشفوا إنما ينتمون الى صفوفه ويحتمون ببيئته الحاضنة، وعميدهم تخرّج من الحلف البرتقالي، فنال عقوبة تشجيعية بالسجن 18شهرًا.
آخر غيث الأسطوانة البالية، كان في 2أيلول، حيث لم يخجل نائب رئيس المجلس التنفيذي في "حزب ولاية الفقيه" الشيخ نبيل قاووق، من القول انّه "من الخطايا الوطنية الكبرى أن اسرائيل تصفّق لمواقف 14 آذار التي تستهدف المقاومة وترتاح وتفرح لسياسات 14 آذار".
بداية، دعوة للجمهور الاستقلالي والسيادي بأن يفرح ويستبشر خيرًا كلما سمع أحد أفراد "حزب ولاية الفقيه" يستعمل الخطاب التخويني، وأن يزداد سروره كلما ضاعف هذا الحزب من جرعات اتهاماته التخوينية والتهديدية، ذلك أنه لو لم يكن "محشورًا" ومنهارًا معنويًا وسياسيًا، ومفلسًا على صعيد الحجة والبرهان، لما كان لجأ الى سلاح الجبن والافلاس، المتمثّل باتهامات العاملة والتخوين جزافًا من غير دليل.
هذا من حيث الشكل، أما من حيث المضمون، فلا بد من توضيح بعض المصطلحات والمفاهيم التي لم يعد مقبولا أن تبقى مبهمة أو مقلوبة أو مزدوجة المعايير، ولا سيما بعد اكتشاف شبكة "مملوك-سماحة" الإرهابية، التي تمثل "القاعدة والتيار التكفيري في لبنان" على حد توصيف حكيم ثورة الأرز في خطابه الأخير.
فالعمالة تنطبق على كل من يعمل لمصلحة دولة أخرى على حساب مصلحة بلاده، وبالتالي فبقدر ما يعتبر المتعامل مع العدو الصهيوني عميلا، كذلك يعتبر من يعمل لمصلحة النظام الأسدي المجرم والمشروع الإيراني المفتن عميلاً خائنًا لوطنه. وبالتالي على الشيخ قاووق أن يراجع حساباته، فهو يتهم قوى السيادة والاستقلال بالعمالة لإسرائيل بلا دليل، في الوقت عينه الذي يعترف فيه بعمالته وخيانته من خلال مفاخرته بتأييد النظام الأسدي الإرهابي والدفاع عنه، واعتزازه بتنفيذ أوامر الولي الفقيه والمشروع الإيراني في لبنان! وفي هذا السياق، تحضرني إجابة إحدى الراقصات عندما سُئلت عن سبب عدم احترافها الغناء واكتفائها بالرقص الشرقي فأجابت: "صوت المرأة عورة".
أما بالنسبة لمفهوم "المقاومة"، والتي تعني بالمطلق رفض الظلم والاحتلال وما يتفرع عنهما من مشاريع خبيثة، سواء بالسلاح أو بالسياسة، فإننا إذا تأملنا نشاط من يدّعون الـ"مقاومة"، سنلاحظ بوضوح أننا نعيش أكبر كذبة في تاريخ لبنان الحديث، فهم مقاومة حقًا وبكل ما للكلمة من معنى، لكن مقاومة لقيام لبنان حر سيد مستقل، مقاومة لكل من يواجه مخططات الغير والمشاريع الخبيثة في لبنان، مقاومة للدستور والقانون والعيش المشترك والوحدة الوطنية والسلم الأهلي والتنوع الديموغرافي...مقاومة توجه سلاحها الى صدور اللبنانيين، وأطنان متفجراتها لارتكاب جريمة العصر، وقناصيها لاغتيال كبار القادة الوطنيين، وعبواتها لحذف قادة الرأي من المعادلة السياسية، وقمصانها السود لإسقاط حكومات الوحدة الوطنية، وتهديداتها لنفي الزعماء الوطنيين أو حظر تجوالهم بسجنهم في مقراتهم، ونفوذها لمراعاة عملاء إسرائيل في الأحكام القضائية، وعملاء سوريا وإيران عندما يضبطون متلبسين بإحراق مؤسسة إعلامية، أو بتخزين حمولة شاحنتين من الأسلحة في الشقق السكنية لقتال العدو الإسرائيلي في طرابلس، وأشرف ناسها لمساعدة عصابات جيش العدو الأسدي في إبادة الشعب السوري!
شكرًا سوريا الجديدة، ثورة الحرية والكرامة، انتفاضة أطفال درعا، شكرًا لك لأنك أسقطتِ الأقنعة، كل الأقنعة البرتقالية والصفراء والخضراء والزوابع وأذنابها، فها هي صحيفة "هآرتس الإسرائيلية" تكتب بكل صراحة ووضوح في 26/آب/2012 تحت عنوان: "إيران وإسرائيل حلف أبدي"، وتقول "إن إيران محتاجة إلى إسرائيل بصورة يائسة"، إذ "لو لم توجد إسرائيل لاحتاجت إيران إلى إيجادها، لأن إسرائيل هي ترياق النظام الإيراني، الذي يجب أن يشترى، وهو باقٍ بفضلها منذ سنين طويلة". وتكمل الصحيفة مبيّنة: "أن في إيران وإسرائيل نظامين فاشلين مدينين بالبقاء بعضهما لبعض، ولولا إدراكهما لهذه الحاجة لسقطا منذ زمن". وتضيف: "إن الخطاب المعادي لإسرائيل مكّن نظام الملالي القاسي في إيران من صرف انتباه الشعب عن مشكلاته الحقيقية وعن أزمتها لاقتصادية وعن غلاء المعيشة الذي يرتفع إلى مستويات لا تحتمل، وعن القمع السياسي وقتل المتظاهرين، وعن غياب الحرية".
وإننا إذا أضفنا الى هذا الكلام، أن ثالث المهنّئين بتشكيل "حكومة القمصان السود"، بعد دمشق وطهران كان تل أبيب، ببيان صادر عن وزارة خارجيتها في 15/6/2011، وأخذنا في عين الاعتبار اعتراف "رامي مخلوف" في أيار 2011 أن "أمن النظام السوري من أمن إسرائيل"، معطوفًا عليه قول رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية "علاء الدين بروجردي" في 26/آب/2012 من أن "إيران تعتبر أمن سوريا من أمنها"، وأضفنا الى المجموع مفاخرة "قاووق" ومعلمّه بدعم عصابات النظام الإرهابي السابق وفلوله في سوريا المحرّرة، وتنفيذ مشاريع إيران في لبنان، وتجرّؤهم على الاعتراف بصريح عبارة "نصر الله" في 16 شباط 2012، أن "ليس لدينا لبنان أولاً ونقطة على السطر"... إذا ربطنا بين هذه التصريحات، أظن أن المعادلة النهائية تصبح واضحة جليّة.
مشكلتنا في لبنان أننا نعيش مع "إرهابيين برخصة"، هي معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، وكذّابون بفتوى هي التقية، ولولا أنهم استشعروا بقرب سحب تلك الرخصة المزوّرة من أيديهم لما لجأوا الى تصعيدهم التخويني ذاك.
تبقى ملاحظة للذين يجيدون الفارسية أكثر من العربية سواء في لبنان أو خارجه، أنه حيثما ورد اسم سوريا في هذا المقال، فالمراد بها تلك الدولة التي تقع الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، والتي لها حدود مشتركة مع كل من لبنان وفلسطين والعراق والأردن وتركيا، ولسيت أبدًا مملكة البحرين تلك الجزيرة في الخليج العربي. فاقتضى التوضيح.
عبدو شامي
3أيلول2012
(الوسط اللبنانية)
23- هل يسيء الراعي الى رعيّته؟!
تعلّمت من خلال متابعتي لمواقف البطريرك "بشارة الراعي" أن لا أعوّل على أي منها، ذلك أن كل موقف تقريبًا يُلحَق بموقف آخر يعارضه أو ينقضه أو يحوّره أو يخفف من وقعه! لكن هذا لا يعني أن لا نحاول فهم أو تحليل تلك المواقف على تعارضها.
ولعل أبرز المواضيع التي أثارت ضجة، بل صدمة كبيرة في الوسط اللبناني عمومًا والمسيحي خصوصًا، مواقف البطريرك "الباريسية" من نظام قاتل المسيحيين قبل سواهم في لبنان ثم الأطفال في سوريا "بشار الأسد"، وكذا موقفه من سلاح الغدر، وذلك خلال زيارته فرنسا العام الماضي، حيث وصف سفّاح الشام بالـ"منفتح" مطالبًا بإعطائه مهلة للإصلاح، كما تبنى الحجج الواهية التي يتذرع بها "حزب ولاية الفقيه" للاحتفاظ بسلاحه الميليشيوي، ثم ما لبث البطريرك أن حاول التنصّل من مما قاله متهمًا الإعلام باجتزاء كلامه وبإساءة فهمه، ليصل في أيار 2012 الى وصف نظام الأسد بالديكتاتوري، مع استمرار تذبذبه بين تأييد الربيع العربي ومعارضته، وهل هو ربيع أم شتاء؟!
لا شك أن التعامل صعب مع تصريحات البطريرك، ولست أدّعي أنني أجيد فن التحليل بمهارة، لكن ما أنا واثق منه هو أنني أفهم جيدًا اللغة العربية.
آخر مواقف البطريرك الماروني كان البارحة (في 6/9/2012)، حيث أكد أن المسيحيين في سوريا ليسوا مع "النظام" الحاكم في بلدهم بل مع "الاستقرار"، فقال بحرفية العبارة: إن "المسيحيين لا يهمهم النظام بل يهمهم الاستقرار في سوريا"!
جملة غريبة، أعدت قراءتها عدّة مرات لأزيل عنها المعنى الخطير الذي تحمله، غير أن محاولاتي الحثيثة باءت بالفشل أمام صراحة وفصاحة ووضوح تلك العبارة. فهل يعني ذلك أن المسيحيين يهمهم الاستقرار أيًّا كان النظام الذي يحكمهم، سواء أكان ديمقراطيًا أم ديكتاتوريًا، ظالمًا أم عادلا، مجرمًا أم مسالمًا، فاسدًا أم نزيهًا؟!! هل يعني أن المسيحيين كل ما يهمهم في الحياة هو أن يمارسوا شعائرهم الدينية في كنائسهم بكل حرية، ويحتفلوا بأعيادهم ومناسباتهم بكل أمان، وأن يأكلوا ويشربوا ويناموا في استقرار، حتى ولو كانت كرامتهم مهانة، وحقوقهم الوطنية والسياسية مسلوبة، وحق إبداء رأيهم وفكرهم مصادر؟!! هل الاستقرار أيًّا كان النظام الحاكم هو فعلا ما يهمّ المسيحيين؟! أليس في كلام الراعي إساءة للمسيحيين أنفسهم؟!
موقف "الراعي" ذاك أعادني فورًا ألفي سنة الى الوراء، فما هذا تاريخ المسيحيين، ولا هي تلك مبادؤهم، ولا هو ذاك منطقهم؛ يكفي أن السيد عيسى المسيح عليه السلام لم يكن ليستسلم ويخضع لظلم الرومان واليهود الذين تحالفوا معهم فأعطوا الولاء لروما مقابل أن أعطاهم الرومان حكمًا ذاتيًا محدودًا في مدينة القدس، فأمعنوا فيها فسادًا واستكبارًا، كلا، بل ساءه ما آلت إليه حالة قومه من ضلال وعمى، وما خضعوا له من ترهات وأكاذيب، فثار على واقعهم وأراد أن يوجههم وجهة روحية تردعهم عن انحرافهم، دخل الهيكل وكانت أفنيته الخارجية غاصة بمناضد الصيارف وبخوانات أولئك الذين يبيعون اليمام لكي يحرّره زوار المعبد الأتقياء!! وانبعث هو وأتباعه يطردون هؤلاء المتَّجرين على حساب الدين وقلبوا لهم مناضدهم. ولو كان السيد المسيح خضع للأمر الواقع مكتفيًا بالاستقرار، لما ثاروا عليه واضطهدوه وخانوه وتآمروا على قتله.
وهنا يحضرني قول الزعيم المسيحي الأول في الشرق للمسيحيين: "مسيحنا لم يكن يومًا متردِّدا خائفاً جبانًا، أو متخاذلاً متفرّجًا لامباليًا، بل كان دائمًا في نصرة الضعيف، والمقهور والمضطهد، لم يكن يومًا مع الظالم بل دائماً أبداً مع المظلوم، فلا ننكرنّه من جديد، ولا نصلبنّه مرة أخرى". (الدكتور سمير جعجع 1/9/2012).
أقدّم اعتذاري سلفًا للبطريرك الراعي إن كنت قد أسأت فهم كلامه مجدًدا وكما يزعم عادة، لكن عذري أن هذا ما تحويه ألفاظ اللغة العربية من دلالات ومعاني.
عبدو شامي
6/أيلول/2012
(الوسط اللبنانية)
24- لا مبرر للإحباط والثورة مستمرة
"سقوط النظام الأسدي مسألة وقت". "النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة". "الأسد يعيش آخر أيامه في السلطة". "النظام السوري يترنّح"."السقوط المدوي بات قريبا"...كلها عبارات سمعناها وقلناها ورددناها منذ 15آذار 2011، ولا نزال واثقين من صحتها نكررها بصدق ويقين متزايد الى اليوم، وحتى انتصار ثورة الحرية والكرامة في سوريا.
في المقابل، ثمة مِن أنصار الحرية والكرامة مَن لم يستوعب طول فترة الثورة، تأخّرها في الوصول الى خواتيمها السعيدة نال من معنوياته، ومشاهد القتل والدمار قضت على حماسه، فما كان منه إلا أن سمح لمشاعر اليأس والإحباط أن تتسلّل الى نفسه، وربما لم يعد يخصّص لأخبار الثورة إلا حيّزًا ضئيلا جدًا من وقته بعدما كان يتابعها بشغف واهتمام بالغ طوال نهاره.
مع دخول الثورة في شهرها التاسع عشر، وتجاوز عدد الشهداء-المخصّص للإعلام- الثلاثين ألفًا، وإزالة مدن عريقة وقرى مناضلة عن وجه الخارطة، أستطيع أن أتفهم واقع هؤلاء المحبطين، غير أني لا أستطيع القبول به ولا باستمراره.
وفي نقد ذاتي أقول: ربما أكون ومَن استخدموا في مقالاتهم تلك العبارات المذكورة أعلاه، ممَّن ساهموا في التهيئة لحالة الإحباط تلك دون أن يشعروا، فما كتبناه وقلناه وإن كان مستندًا الى دروس التاريخ ومصدّقًا بالمعطيات الظاهرة على الأرض، إلا أن ما كل الناس على إلمام بدروس التاريخ ولا بدقائق الوضع السوري ولا بخفايا الصراع الدائر هناك، ومعظمهم يقدّم العاطفة على العقل، وهو ما جعلهم مع مرور الوقت وتزايد الدماء المراقة يصنفون تلك التحاليل على أنها من قبيل التفاؤل المفرط أو التمنيات والنظريات، وبالتالي كان لا بد من إجراء تغيير جذري تبسيطي -لا تسطيحي- في الخطاب، يخرج المحبطين من حالتهم بأسلوب يمزج بين العقل والصراحة والسياسة.
1-"عقلاً" لا مبرّر للإحباط: تخيّل معي نبتة صغيرة جميلة وغير مضرة نبتت في حديقتكَ لكن في المكان الخطأ، أهملتَ اقتلاعها فلم تنقلها الى مكان ملائم. كبرت النبتة وأصبحت شتلة فشجيرة فشجرة متفرعة الأغصان، لم تحرّك ساكنًا في التعاطي معها رغم أن بوادر ضرر نبوتها في المكان غير المناسب بدأت تتظهّر، بطبيعة الحال بدأ جذعها يعرض أخذت جذورها تضرب وتزداد توغّلا وعمقًا في الأرض. لا شك أنك عندما ستشعر بضررها فعلاً وتقرر إزالتها لن يكون الأمر سهلا، فبعدما كان اقتلاعها لا يكلّفك أكثر من مجهود بسيط بإصبعَين فقط وذلك عندما كانت نبتة صغيرة، بات أمر ازالتها يتطلب الآن عدة فريق عمل متختصّص، مجهّز بمعدات متطورة من مناشير آلية ويدوية، إضافة الى سلالم ورافعات آلية، مع ما قد تتطلبّه إجراءات الإزالة من إخلاء للمحيط حفاظًا على السلامة العامة.
هذه الإجراءات المعقدّة كلها، هي لاقتلاع شجرة كانت في أصلها جميلة ومفيدة، كل ذنبها أو ذنبك أنت أنك تركتها تنمو في المكان الخطأ، فما بالك لو كانت شجرة خبيثة ومضرة كشجرة النظام البعثي-الأسدي، تُرِكَت تنمو على مدى 48 سنة، حتى أصبحت تشكّل قمتّها عشًّا لتفريخ وتوارث النسور الضارية التي تقتات من لحوم ودماء الشعوب الحرة في كل من لبنان وسوريا وفلسطين، ونسجت عناكب المشروع الفارسي السامة بيوتها بين أغصانها المتشابكة بدورها مع أغصان الشجرة الصهيو-أميركية، وعشّشت دبابير "المقاومة والمممانعة والعروبة" في جذعها، وجعلت خفافيش "وحدة المسار والمصير" منها مقرّها، واتخذت أسفلها أفاعي "محور الشر" جحرًا لها، مستغلة غلظ وعمق وامتداد جذورها الضاربة في عمق الأمن القومي الصهيوني!
2-"صراحة" لا مبرر للإحباط: الشعب السوري المنتفض اليوم لحريّته وكرامته يدفع منذ 15آذار2011 ثمن أخطاء قسم كبير منه، ولن نعود الى العام 1964، بل الى العام 1982، حيث لم تفلح إبادة جماعية راح ضحيتها 40 ألف سوري في حماه وحمص في جعله يثور على طاغيته، كان يجدر به أن يثور في ذلك الحين موفّرًا على نفسه ثلاثين عامًا إضافيًا من الإرهاب والكذب والقتل والنهب والدمار، غير أن المجريات سارت في عكس المنطق، نجحت عائلة الأسد الإرهابية رغبًا ورهبًا وكذبا ونفاقا... في جعل قسم كبير من الشعب السوري يسير في مشروعها، منهم من كان حقًا يجاهر بتأييده لها، منهم من عمل في استخباراتها، منهم انساق في مخططها وشاركها في إجرامها حفاظًا على مصالح تجارية أو صناعية أو وظيفية أو سواها، منهم من هتف وصفّق ورفع صور مجرميها في بيوته وألصقها في محاله وعلى سيارته بكل طيب نفس واعتزاز وافتخار، وما لبث أن ضم إليها صورة طاغية آخر من لبنان...ثم عندما جاء وقت التوبة المحمود بعد كل تلك التراكمات والتمادي في الأخطاء، لا يمكننا توقُّع خلاص الشعب من تلك الزمرة الوحشية الحاكمة بأثمان بخسة وأوقات قصيرة، وإن كان عزاؤنا دائمًا هو أن تصل متأخرًا خير من أن لا تصل أبدًا.
3-"سياسةً" لا مبرر للإحباط: لقد نجح الشعب السوري في فرض إرادته على العالم، بجعله حتمية زوال النظام الأسدي أمرًا واقعًا لا مفر منه؛ غير أنه في ظل غياب البديل،إضافة لما يمثله ذلك النظام من أهمية بعدما نسج بعمالته تحالفات كثيرة على مدى خمسة عقود، حتى بات يشكّل في آن معًا جزءًا استراتيجيًا من الأمن القومي الإسرائيلي، ونقطة ارتكاز المشروع الفارسي في المنطقة، ومركز استخبارات للبانتغون الأميركي، وموطأ القدم الوحيد لروسيا في الشرق ونافذتها على البحر الأبيض المتوسط... كان من غير الممكن لأطراف هذه الشبكة المربعة المتداخلة والمعقدة من التحالفات والتناقضات، أن تقبل بسوريا جديدة حرة متحررة من الأسد إلا إذا كانت ضعيفة ومهدمة ومدينة، لكي تلتهي بنفسها فلا تشكل مصدر إزعاج على الأقل في السنوات العشر الأولى على إبصارها الحرية، وذلك ريثما تتضح معالم نظامها الجديد وكيفية التعامل معه.
من هنا، كان تواطؤ هذا العالم وخذلانه الشعب السوري في عملية الإبادة المنظمة التي يتعرّض لها، هو بحد ذاته مدعاة للتفاؤل والارتياح والأمل، لأنه دليل صدق الثورة ووعي الثوار الذين أفشلوا جميع محاولات "تصنيع وتركيب" بديل مقنع أميركيًا وإسرائيليًا، ومرضي عنه إيرانيًا ومأمون روسيًا، بحيث يكمل سياسة الأسد لكن بوجه ديمقراطي.
الثورة السورية بخير، وهي تسلك منذ بدايتها مسارًا إنسانيا صعبا لكنه من منظور تاريخي وسياسي طبيعي منطقي وعقلي، سقوط ما تبقى من النظام الأسدي مسألة وقت، هو يلفظ أنفاسه الأخيرة، مزيد من الأقنعة يتكشف، والجيش الحر يوسع رقعة الأراضي المحررة كل يوم، فلنعد الى مواقعنا الأمامية في صفوف الثورة السورية ولا نسمحنّ لليأس ولا الإحباط أن يحرمنا لذة المساهمة في نصر قريب سيغيّر وجه المنطقة.
عبدو شامي
23/أيلول/2012
(الوسط اللبنانية)
25- هكذا سيجرّد الحزب من سلاحه
هل سيُنزع سلاح "حزب ولاية الفقيه"؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فكيف ومتى؟ ثلاثة أسئلة عليها مدار السياسة الداخلية اللبنانية منذ نحو اثني عشر سنة.
بدأت تطرح مسألة نزع سلاح الحزب بصوت خافت مع الانسحاب التكتيكي للعدو الإسرائيلي من الجنوب اللبناني عام 2000، وأخذ هذا الصوت السيادي والوطني يرتفع شيئا فشيئًا مطالبًا بوضع حد أو حل لهذا السلاح توازيًا مع حوادث عدّة، أبرزها: صدور القرار 1559 عام 2004، ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وما تلاه من انسحاب جيش الاحتلال الأسدي من لبنان، وأصبح الصوت عاليًا مدويًا مع اندلاع مسرحية حرب تموز2006، ليبلغ أشده مع غزوات بيروت والجبل الإرهابية عام 2008، وما تلاها من استعمالات إرهابية لذلك السلاح المليشيوي في الداخل اللبناني لا تزال مستمرة الى اليوم.
أجمعت الأطراف اللبنانية والإيرانية-السورية على أن نزع السلاح لا يتم إلا بالحوار فرّحب أهل التقيّة بالحوار، وانعقدت طاولات الحوار منذ ست سنوات ولا تزال تتوالى جلساتها الى اليوم محققة نتيجة واحدة لا جدال فيها، هي أن أصحاب السلاح يزدادون نفوذًا وعدة وعتادًا، واعتداء على الدولة ومصادرة لقرارها وانتهاكًا لسيادتها.
يدرك الحزب الإيراني جيدًا أن سلاحه شريان حياته، بنزعه تنزع روحه وباستمراره يبقى على قيد الحياة؛ ففي ظل إفلاس في الطرح السياسي الوطني، وارتهان خارجي معلن، وفي بلد يتمتع بحد أدنى من الديمقراطية وأكثرية شعبية معارضة للمشروع الإيراني الفتنوي والفئوي الذي تعهد الحزب تنفيذه في لبنان، لا مجال لحجز مكان على الساحة السياسية العامة والاجتماعية الخاصة، والمضي بالتالي في مشروع الفتنة الفارسي، إلا عبر فرضه بقوة السلاح الميليشيوي على الدولة بكافة أطيافها وطوائفها.
من خلال مواقفه اليومية، يحرص الحزب عند تحدّثه عن سلاحه على نبرة استكبارية فيها الكثير من التحدي والعنجهية لناحية زعمه قدسيّة سلاحه واستحالة نزعه من أي كان. بالطبع، هو لا يخاف على سلاحه من قوى 14آذار لأنها لا تملك إلا الحوار ولا تريد سواه، إنما يتوجّس من إسرائيل التي تستطيع تجريده منه بساعات معدودات، حيث لا تخفى على تطورها التكنلوجي العسكري كافة أماكن التخزين والمستودعات بأدق تفاصيلها؛ لكن بما أن الحزب -على ما يبدو- سار في علاقته مع إسرائيل منذ العام 2006 -على أقل تقدير- على المنهج ذاته الذي اتبعه النظام الأسدي المتهالك معها، أي أقام معادلة "بقاء سلاحه مقابل أمن إسرائيل" في حدودها الشمالية، فإنه بذلك لم يعد يخاف على سلاحه من أحد.
مخطئ حزب السلاح في اطمئنانه هذا، فالمعطيات التي بنى عليها تلك الثقة وذاك الاطمئنان وإن كانت صحيحة، إلا أنها ناقصة! نعم، ثمة معطى واحدًا غفل عنه قد يقلب المعادلة رأسًا على عقب فيعيد خلط الأوراق وتغيير الحسابات لأن نزع السلاح ممكن أن يتمّ على يده، ألا وهو الشعب، ليس الشعب اللبناني بأكمله، بل "جمهور" الحزب وبيئته الحاضنة تحديدًا، ولنا وله في حكاية النظام الأسدي وثورة الحرية والكرامة خير عبرة.
فالنظام البعثي أحكم سيطرته على شعبه رغبًا ورهبًا حتى استطاع أن يسيّر معظم شعبه في مشروعه الإرهابي وشعاراته الكاذبة...تراكمت الأحداث وازداد القمع والسرقة والفساد والإرهاب، وفي أول لحظة مؤاتية انتفض الشعب على طاغيته وهاهو قاب قوسين أو أدنى من انتزاع حريته وكرامته.
الواقع ذاته ينطبق على الحزب وجمهوره في لبنان، وسيناريو النهاية إن لم يعتبر الحزب من درس التاريخ السوري سيتكرر نفسه ذاته في لبنان. وما يقال في حق الحزب والنظام الأسدي ينسحب من باب أولى على النظام الإيراني حيث تعشعش أبشع أنواع الديكتاتوريات، فسياسة المستكبرين على شعوبهم والمستبدين بها واحدة كما هي نهايتهم، مهما كانت جنسيتهم أو جغرافيتهم.
لسان حال كثيرين من البيئة الحاضنة للحزب يتساءل اليوم بتذمّر وسخط شديدين: الى متى سنبقى مذعنين لولاية مبتدعة لا أساس لها شرعًا وهي مرفوضة أصلا من 95% من علماء ديننا؟ ما الذي يجبرنا على التصادم مع مختلف مكونات الشعب اللبناني المنادية بالوحدة الوطنية والعيش المشترك ونحن أبناء وطن واحد وشركاء مؤسّسون فيه؟
الى متى سيبقى التعاطي معنا على أننا مجرّد وقود بشري مهمته ملء الساحات وإطلاق الهتافات ورفع القبضات فور صدور تكليف شرعي، دعمًا لمشروع خارجي دخيل على المنطقة بدأ يلفظه أبناء شعبه أنفسهم، فضلا عن بقية دول المنطقة التي تؤكد غالبية شعوبها يوميًا رفضها له؟ وكيف لنا أن نعادي شعبا انتفض لحريته وكرامته في وجه الظلم والطغيان، وبأي منطق أخلاقي أو ديني يُطلب منا أن نقف مع القاتل ضد المقتول، ويتم استخدام أبناءنا في إبادة شعب ينادي بالحرية؟ ما الذي يجبرنا على أن نعيش في عزلة ما بعدها عزلة عند استباب الوضع في سوريا والمنطقة، بعدما تمّ اقحامنا في صدام وعداوات مع معظم دول المنطقة القريبة والبعيدة عنا، وها هم أبناؤنا العاملون في الخليج يدفعون اليوم ضريبة اقحامهم في سياسة لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟
سئمنا العيش بالإيديولوجيا البائدة، والشعارات الخادعة، والخطابات المستكبرة المتخمة باتهامات التخوين والعمالة. لم نعد نحتمل مصادرة قرارنا، وحرياتنا، وديموقراطيتنا، والاستيلاء على حقوقنا السياسية والمادية، وتحويل مناطقنا الى ملاذات آمنة لكل الخارجين على الدولة والقانون، كل ذلك تحت شعار المقاومة؟! متى سيمح لنا بالتفكير الحر وقول رأينا بدلاً من التفكير عنا وإرغامنا على ترديد التصريحات على أنها من المسلّمات، وإلا كنا خونة ومتآمرين؟
بيئة الحزب الإيراني تغلي اليوم والاحتجاجات الشعبية في إيران عادت الى الظهور، الناس هنا وهناك ينظرون الى اليوم الذي سينفضون فيه عنهم غبار التهويل والتخويف ويثأرون لكرامتهم؛ لقد بدأوا فعلا ينسّقون في ما بينهم، واللقاءات والتجمعات والشخصيات الشيعية المستقلة في لبنان آخذة في الظهور، هم يشكلون أكثر من نصف أبناء طائفتهم، ولم يعد أمام إيران وحزبها في لبنان قبل فوات الأوان سوى التعلّم من نموذج الثورة السورية فهو مليء بالدروس والعبر.
عبدو شامي
5/ت1/2012
(الوسط اللبنانية)
26- الواجب الإرهابي والفكر التكفيري
وجه جديد يتكشّف وقناع جديد يسقط كل يوم؛ هذا هو حال "حزب ولاية الفقيه" مع الثورة السورية، وهو بحد ذاته أحد إنجازاتها العظيمة.
فبعد كشفها قناع الكيل بمكيالين في تأييده للثورات العربية التي اعتبرها ثورات شريفة إلا الثورة السورية فهي مؤامرة إسرائيلية، وبعد كشفها أن أمن إسرائيل من أمن محور "الممانعة والمقاومة" المحتضر والممتد من إيران الى لبنان، وبعد إسقاطها قناعًا جديدًا عن السلاح الميليشيوي الذي تبيّن أنه غير معدّ فقط لممارسة الإرهاب في الداخل اللبناني بل يتعدّاه الى الداخل السوري من خلال مشاركة "أشرف الناس" في القتال الى جانب جيش النظام الأسدي المجرم، ها هي ثورة الحرية والكرامة تكشف عن وجه الحزب أخطر الأقنعة على الإطلاق.
لقد ظهر الوجه التكفيري والفكر الأصولي الدموي المتطرف للحزب الذي دأب على محاولة إظهار نفسه كممّثل للاعتدال الشيعي انطلاقًا من صالون كنيسة "مار مخايل"، عبر "ورقة التفاهم" (التفاهم على إلحاق لبنان بالمشروع الفارسي) التي وقّعها مع التيار العوني المسيحي، وذلك في مواجهة اعتدال "تيار المستقبل" المتحالف مع ما يسمى بالتطرف السني و"حزب القوات اللبناية"، وهو ما لا يفتأ يذكّرنا به الإعلام الأصفر والبرتقالي كل يوم.
نعم، لقد قالها رئيس الهيئة الشرعية في حزب السلاح الشيخ "محمد يزبك" في كلمة له يوم الأثنين 8/10/2012 بعد تشييع حزبه أحد عناصره الذي هلك "أثناء قيامه بواجبه الجهادي" حسب تعبير بيان حزبه، أي أثناء قتله الشعب السوري، فقد أعلنه "يزبك" "شهيد الواجب والدفاع عن الأمّة، وقد استُشهد في معركة كان يُدافع فيها عن كرامة الإسلام والمسلمين"!!
كلام فتنوي تكفيري خطير الى أبعد الدرجات أطلقه الشيخ "يزبك" الذي من المفترض أنه يعي جيدًا معنى ما يقول، وإلا لما أقمنا له وزنًا ولا التفتنا إليه؛ فعن أي "واجب جهادي" يتحدّث، وأي "شهادة" يعني، وما المقصود بالـ"أمّة" التي يُدافَع عنها، وما هو "الإسلام" المقصود، ومن هم "المسلمون" الذين هلك ذلك الإرهابي مدافعًا عن كرامتهم؟!
تعدّدت الأسئلة والجواب واحد، ألا وهو الفكر التكفيري الدموي المتطرف لدى "حزب السلاح"، الذي يريد احتكار الإسلام بعدما احتكر ما يسمى "مقاومة"، فقد صنّف الشعب السوري المنتفض بكافة طوائفه وفي مقدمتها الطائفة السنية التي تمثّل غالبيته المطلقة، صنّفه على أنه شعب كافر معادٍ يحل قتاله وقتله، وهذا القتال يسمى بمفهوم الحزب "الشرعي" "جهادًا"، والمقتول فيه من "المجاهدين" يُدعى "شهيدًا"، ووبالتالي تصنّف المعركة التي "استشهد" فيها على أنها "معركة يُدافع فيها عن كرامة الإسلام والمسلمين"!!
والاستدلال على ما تقدّم بسيط لا يحتاج الى كثير إعمال فكر، إذ ليس من المعقول أن يُدافع عن كرامة الإسلام والمسلمين كما زعم "يزبك" من خلال قتل وإبادة شعب مسلم بأكثريته، بالطبع لا، فلا بد إذن أن يكون أحد طرفي القتال كافرًا ليستقيم كلام "رئيس الهيئة الشرعية في حزب السلاح" بكافة مصطلحاته، والطرف الكافر هو الشعب السوري بلا شك ولا ريب بما أن "الشيخ" اعتبر عنصره المقتول شهيدًا مدافعًا عن كرامة الإسلام والمسلمين.
ولمزيد من التأكيد على صحة هذا الاستدلال، وأن لدى الحزب وجهًا تكفيريًا دمويًا خطيرًا كشفت عنه القناع الثورة السورية اليوم، حسبنا أن نتذكّر خطاب أمين عام الحزب نفسه في 25/5/2008؛ ففي سياق حديثه عن حصيلة قتلى غزوة أيار الإرهابية، فرّق "نصر الله" بين من أسماهم "شهداء" ومن وصفهم بالـ"ضحايا"، مسميًا إرهابييه الذين قضوا في اجتياح بيروت والجبل "بالشهداء الذين نعتزَّ بهم"، أما الأشخاص الآمنون الذين تم انتهاك حرماتهم والاعتداء عليهم وقتلهم، فوصفهم بـ "الضحايا" قائلا بلسان التقية: "طبعًا نأسف ونحزن ونتألَّم لكل الضحايا من الفريق الآخر"، مما يدل فعلاً أن ما حدث في أيار من استحلال دم الشعب اللبناني كان بجانب من جوانبه على خلفيات تكفيرية تمامًا مثل الدور الذي يمارسه الحزب اليوم في سوريا.
فإلى من يهمه الأمر نقول: الثورة السورية ماضية نحو نصر أكيد يلوح في الأفق، هي ثورة حرية وكرامة لشعب مظلوم عانى الويلات من النظام الأكثر دموية واستبدادًا على الإطلاق من بين الأنظمة العربية، النظام الذي فاق إرهابه إرهاب العدو الصهيوني وتجاوزه بأشواط كبيرة، من استحل دم هذا الشعب بكافة طوائفه إرهابي مجرم، لا يمكن أن ينال شرف الشهادة بحال، وما هو إلا مجرم قام بواجبه الإرهابي في معركة الدفاع عن الاستبداد والمستبدين.
عبدو شامي
9/10/2012
(الوسط اللبنانية)
لست أدري هل أكتب بالحبر أو بالدمع أو بالدم أو بهم جميعًا، لكني أكتب. قلمي لا يقوى على الكتابة ولكني أطوّعه وأكتب؛ فكري مبعثرة فيه التعابير والأفكار ولكني أكتب. مصاب جلل ولكني أكتب؛ صفعة موجعة لكني أكتب؛ ضربة مؤلمة لكني أكتب؛ ولذلك كله سنكمل المسيرة كل من موقعه وفي مجاله وسأبقى أكتب وأكتب.
شهيد جديد ينضم الى قافلة شهداء ثورة الأرز وانتفاضة الاستقلال، إنه العميد الشهيد "وسام الحسن" رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، والرجل الأمني الأوّل في لبنان، والشهيد المغتال الثاني لتلك المؤسسة الشريفة بعد الرائد "وسام عيد".
الإرهابيون في غنى عن التعريف، فالرجل الذي كانت له اليد الطولى في جميع إنجازات فرع المعلومات، ابتداء من اكتشاف قتلة الرئيس الشهيد "رفيق الحريري"، مرورًا باكتشاف شبكات عملاء إسرائيل وعميدهم العميل "فايز كرم"، وصولا الى كشف شبكة سماحة-مملوك-شعبان وإفشال مخططتها الأسدي الإرهابي المدبر لإشعال نيران الفتنة في لبنان، وما تخلل تلك المحطات المشرفة من إنجازات وإنجازات وإنجازات... بعد ذلك كله، أظن أنه من السذاجة بمكان التساؤل عن الجهة المسؤولة عن اغتيال هذا الرقم الصعب في المعادلة الأمنية اللبنانية.
فعلها المجرم "بشار الأسد" على يد حلفائه الإرهابيين التكفيريين السوداويين في لبنان، قاموا بواجبهم الإرهابي على أكمل وجه كما في سوريا كذلك في لبنان، وزعوا الحلويات والبقلاوة من جديد ابتهاجًا باغتيالهم العميد، تماما كما فعلوا يوم اغتيالهم الشهيدين "جبران تويني" و"بيار الجميل".
كم أنت خطير أيها الشهيد، وكم هم جبناء! كم أنت مارد وكم هم سفهاء! كم أنت كبير وكم هم خبثاء! فقد تبيّن أن أعداء الحرية والسيادة والاستقلال الذين دأبوا على اغتيالك معنويًا بتصاريحهم كل يوم، مستعدون لتسوية حي مكتظ بالسكان بكامله بالأرض وعلى رؤوس من فيه من عجّز ونساء وأطفال، لا مشكلة لديهم إطلاقًا في ذلك، طالما أن هذا الانفجار سيودي بحياتك أنت معهم، بل قبلهم، وسيريحهم من اكتشافك الدائم لجرائمهم، وفضحك المستمر لمؤامراتهم، وكشفك أقنعة الخداع عن وجوههم. وهل سيغص بحيّ أو بثمانية قتلى و100جريح من يُبيد شعبًا بكامله منذ 19 شهرًا الى اليوم، هو ومن انخرط الى جانبه في تلك الجريمة "دفاعًا عن كرامة الإسلام والمسلمين"؟!
لقد مُسَّت باغتيالك كرامة وطن بكامله، وكرامة طائفة كلما برز فيها رجل مارد بحجم الوطن -لا أكبر منه- سارعوا الى تصفيته، من المفتي الشهيد "حسن خالد"، الى "رفيق الحريري"، الى "وسام عيد"، الى الشيخ "أحمد عبد الواحد"، واليوم "وسام الحسن"، وكأنهم يريدون تجريد لبنان من أوسمته، لتخلو الساحة لمشروعهم الفتنوي الإرهابي يعيث فسادًا في البلد كيفما يريد.
أرادوا حل جهازك الأمني وحاولوا عرقلة ترقيتك في الدنيا، فجائت ترقيتك من الله الى رتبة شهيد، حزت على وسام الشرف لكن أين؟ في أرض الشرف والعزة والكرامة، في الأشرفية، أشرفية البشير، بشير القائل في عزّ القصف البربري الهمجي السوري: "شعب ما بدو يموت ما بموت، و شعب ما بدو يركع ما حدن بيقدر يركعو".
الرحمة لك أيها العميد الشهيد واللعنة على قاتليك، وأحر التعازي الى ذوي شهداء الأشرفية الذين قضوا معك في ذلك التفجير الإرهابي، التفجير الذي وقع في المكان ذاته الذي اغتيل فيه قبلك الرئيس الشهيد "بشير الجميل"، وكأن تراب الأشرفية ارتوى بدمائكما لنردّد معه من جديد قسم جبران الحبيب: "نقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحدين، الى أبد الآبدين، دفاعًا عن لبنان العظيم".
الأشرفية لن تركع، الأمانة العامة لقوى 14 آذار لن تركع، قوى الأمن الداخلي لن تركع، فرع المعلومات لن يركع، حزب "القوات اللبنانية" لن يركع، حزب "الكتائب اللبنانية" لن يركع، "حزب الوطنيين الأحرار" لن يركع، "تيار المستقبل" لن يركع، وكل أحزاب قوى 14 آذار لن تركع... كل لبنان لن يركع لكم أيها العبيد.
عبدو شامي
19/10/2012
(الوسط اللبنانية)
28- غيرة من الطراز الرفيع!!
كنت قد شرعت في كتابة مقال عن تشييع اللواء الشهيد "وسام الحسن"، وما تبع ذلك الحدث المهيب من توجه جماهيري الى السراي الحكومي تتطور الى محاولة اقتحام، مبيّنًا قراءتي البعيدة كل البعد عن التشاؤم واليأس للوضع الراهن وتطوراته...غير أنني عزفت عن ذلك الموضوع مفضلا كتابة مقالتي هذه بعدما اخترقت مسامعي كلمات جبانة معيبة أشد العيب، ومنكرة أشد النكران.
"إنَّ إسقاط الحكومات في الشارع أمر مرفوض من أساسه، والذي يسعى لإسقاط حكومة في الشارع هو واهمٌ وواهِنٌ.(...) رئاسة الحكومة ليست مكسر عصا، أو مكتسباً لهذا أو ذاك، (...) أدعو الى عدم تضييع البوصلة وعدم الاندفاع بعيدا عن الدولة ،(...) وإن الضغط على رئيس الحكومة بالشارع وغيره للإستقالة ممنوع"!!
قائل هذا الكلام ليس أمين عام "حزب ولاية الفقيه" "حسن نصر الله" كما تبادر بالتأكيد الى أذهان البعض، وقائله ليس سفير النظام المجرم في لبنان "علي علي" كما قد يكون تبادر الى فكر آخرين، لكن أسمح لنفسي أن أقول لأصحاب الظن الثاني أنكم كنتم الأقرب الى الصواب، فقائل هذا الكلام ليس السفير الأسدي إنما صديقه الذي يشغل منصب مفتي الجمهورية اللبنانية منذ العام 1989، إلا أن الغريب في الأمر أن هذا المنصب لا يزال شاغرًا منذ ذلك التاريخ!
أستطيع أن أقول بكل راحة نفس أن أكثر تصاريح أشعر بالسهولة في مناقشتها والرد عليها، إنما هي البيانات الصادرة عن هذا الرجل، لست أدري السبب بدقة، لذلك أفضل العزوف عن ذكره ريثما يتضح لي تمامًا بعد التشاور مع القراء والرفاق.
غريب كيف أننا عام 2005 لم نسمع منك هذا الدفاع عن رئاسة الحكومة يوم هبّ ثوار الحرية والسيادة والاستقلال الى إسقاط حكومة الرئيس "عمر كرامي" في الشارع، فما السبب يا ترى؟ هل لأنك "حر" كما تحرص على تكراره على مسامعنا منذ فترة؟
أمر ثان، كيف استقام لديك القول "إننا رفضنا بالأمس إسقاط حكومة فؤاد السنيورة من خلال الاعتصام وبالشارع، وكذلك اليوم إسقاط الحكومة بالشارع ممنوع"؟! بأي عقل وأي منطق وأي قياس استطعت أن تشبّه حكومة الاستقلال الثاني، تلك الحكومة الاستقلالية الشريفة التي كانت تشيّع الشهيد تلو الشهيد، ورئيسها وجميع وزرائها رهن الإقامة الجبرية يحملون دماءهم على أيديهم ومهددون في أي لحظة بالاغتيال، كيف استطعت تشبيهها بحكومة قتلة وإرهاب وفساد، نصبها المجرم الأسدي وحليفه الإيراني، بعدما طعنوا زعيم طائفتك في الظهر ونفوه الى الخارج ممرّغين كرامة ووجه من يُفترض أنك تمثلهم في التراب؟!
أنت غيور على الطائفة التي يفترض أنك تمثلها، هذا ما أفهمه من قولك: "رئاسة الحكومة ليست مكسر عصا، أو مكتسباً لهذا أو ذاك"، ولذلك أسألك: أين هي هذه الغيرة وكيف عبّرت عنها وترجمتها عندما يُنفى من لبنان الزعيم السياسي الأول بلا منازع لطائفتك دولة الرئيس الشيخ "سعد الحريري" مقهورًا مذلولاً مكسور الجناح ومطعونًا في الظهر من ذاك القابع الآن على رأس الحكومة والفريق الارهابي الذي عيّنه؟! أليس واجبًا عليك أن تنتفض لكرامة طائفتك فتذهب الى حيث نفي "السعد" فتأتي به الى بلده ممسكًا بيده ومعلنًا الى الملأ أن أمنه من أمنك ومن أمن طائفتك، أم الغيرة بالنسبة إليك هي بإضافة طعنة جديدة في ظهره من خلال التنقّص منه في المجالس الخاصة، والقول أمام وفد نقابة المحررين بعد ذكرك أنك "على خلاف مع تيار المستقبل و14آذار" أن "هناك بين هؤلاء غير جديرين بالمسؤولية الملقاة عليهم"؟!
هل غيرتك على طائفتك تكون بتبرُّئك من "الشيخ أحمد الأسير" ووصفك إياه بـ"المتفلّت" وإنزال "الحرم الكنسي" به، وهو الشيخ الذي لا يملأ بظهوره واستقطابه الشعبي العابر للطوائف ذلك الفراغ الذي أنتجه الغياب القسري للرئيس الحريري كما يزعم كثيرون، كلا، إنما هو حقيقة يعبّئ الفراغ الذي أنتجته أنت بتمنعك عن القيام بأقل ما يفرضه عليك واجبك الديني والوطني، وإملائك أوامرك وسياستك -"الحرة" بلا شك لكن بانحرافها- على أعضاء الجهاز الديني الذي تترأسه بديكتاتورية لا تضاهيها بمقتها وقسوتها إلا ديكتاتورية المجرم الأسدي؟!
هل الغيرة على الطائفة تكون بتدنيس دار الفتوى ومنزل الافتاء عبر استقبال سفير قتلة سلفك، وسفير قاتل الأطفال ومبيد الشعب السوري البطل ثلاثة مرات، سقط بين كل مرة ومرة منها خمسة آلاف شهيد، وأولاها في أول شهر رمضان وفي عز مجزرة حماه؟!
أعود الى الشيخ "الأسير"، بالله عليك ما الذي استفزك وأزعجك وحرّك حفيظتك لكي تنزل به "الحرم الكنسي"، أهو الخطاب الذي يعبّر به بشجاعة وألم وحسر قلب عن معاناة شعب بكامله مركّزًا في هجومه على سلاح الحزب وإيران؟! لنسلّم جدلا أن هذا ما يزعجك، فما رأيك بهذا الكلام: "هناك حزب تحول من مقاومة للاحتلال الإسرائيلي إلى قوة مسلحة لاحتلال بيروت وانتهاك حرماتها(...)، وإنني أدعو العالم العربي والإسلامي إلى وقف هذه الانتهاكات المفجعة(...)، فلبنان يتعرَّض اليوم لمحاولة هيمنة حزب سياسي بدعم خارجي وتحت غطاء المقاومة"."(...)إن هذا الحزب اختطف قلب العاصمة بيروت منذ أكثر من عام، وحوَّله إلى معسكر لمسلحيه، وها هو اليوم يختطف مطار الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ويحاول أن يبتر الدولة اللبنانية لتمرير مراقبة المطار، وشبكة الاتصالات التي يقيمها متجاوزاً الشبكة الرسمية(...)، فالمسلمون السنة، قد ضاقوا ذرعاً بالتجاوزات والانتهاكات، واللبنانيون جميعاً لم يعودوا قادرين على تحمل مزيد من المغامرات السياسية والأمنية. فلبنان وطننا جميعاً مسلمين ومسيحيين، ونحن له جميعاً، اللهم قد بلغت، اللهم فاشهد". ألست أنت أيها المفتي من قال هذا حرفيًا في 7 أيار2008؟! وهل من فارق بين هذا الخطاب وكلام "الأسير" اليوم؟! ألا يتطابق معه بنسبة مئة في المئة؟!
لن أطيل أكثر من ذلك، لكن يهمني إعلام من يظن أن الحكومة لن تسقط في الشارع هو الواهمٌ والواهِنٌ، وليتك أرحتنا من مؤتمرك الصحافي المعيب ذاك كما أرحتنا من حضورك تشييع الشهيد، وقد أصبت، فصديق السفير السوري غير مرحب به وطاعن الرئيس الحريري في الظهر غير مرحب به، بل ممنوع عليه أن يشارك في تشيييع البطل الذي قضى بأمر من نظام ذلك السفير وبأيدي عملائه في لبنان. أكررها للمرة الثالثة: "ارحل الآن فربيع الدار حان".
عبدو شامي
21/10/2012
(الوسط اللبنانية)
29- "ميقاتي لا يرفض لي طلبًا"
توجّه "الخليلان" الى دمشق حيث تبلّغا من طاغيتها الضوء الأخضر وأمر العمليات بإسقاط حكومة ما سُمّي بالـ"وحدة الوطنية" التي رئسها الزعيم الاستقلالي المنفي قسرًا وقهرًا دولة الرئيس "سعد الحريري"، وذلك بإفقادها نصابها الدستوري عبر استقالة ثلث وزرائها زائد الوزير الخديعة، وذلك في 11/1/2011.
بدأت المشاورات والاستشارات لتسمية رئيس جديد لتأليف حكومة جديدة، وسط إعلان الفريق الانقلابي صراحة أن "سعد الحريري لن يعود الى رئاسة الحكومة"!
في تلك الأيام الانقلابية السوداء، وتحديدًا في 17/1/2011، دخلت "دار الفتوى" على خط الاستشارات، فأطلّ مفتي الجمهورية "الحر دائمًا" و"الغيور على طائفته دائمًا"، في مؤتمر صحافي ليؤكد "أن تأليف الرئيس سعد الحريري للحكومة الجديدة فيه مصلحة لكل لبنان"، وحذّر من أن "الفراغ في سدة الرئاسة الثالثة لن يكون مقبولاً هذه المرة. فالرئاسة الثالثة ليست يدًا ضعيفة تلوى في كل حين".
عشية الاستشارات النيابية الملزمة مع رئيس الجمهورية، تبيّن للفريق الانقلابي أن "الحريري" عائد الى منصبه لأنه لا يزال يتمتّع بالأكثرية داخل المجلس، فتم الضغط على رئيس الجمهورية الذي أرجأ الاستشارات أسبوعًا كاملا متيحًا الفرصة أمام الفريق الإرهابي لتطويع النائب "وليد جنبلاط" بالقمصان السود كما بالانتشار المسلح على محورالقماطية-عاليه. وقد أمّن الفريق الإرهابي الأكثرية المطلوبة، خصوصًا أنه عثر على كنز ثمين عبارة عن شخصية متعطّشة للسلطة ومستعدة لبذل الغالي والنفيس كرمى لعيون الكرسي، حتى لو كان الثمن طعن حليفها الذي نجحت بأصواته في الانتخابات النيابية في الظهر.
كان للإنقلابيين ما أرادوا، فأعلن في 25/1/2011 ذاك الذي نصّب نفسه بالحديد والنار مرشدًا أعلى للجمهورية اللبنانية، "نجيب ميقاتي" رئيسًا لحكومة القمصان السود، سامحًا لنفسه أن يفرض على الدولة -فضلا عن رئيسَي الجمهورية ومجلس النواب- رئيسًا للحكومة مرفوضًا من أكثرية اللبنانيين، والأخطر من ذلك أنه ضرب بعرض الحائط خيار الأكثرية الساحقة من الطائفة التي ينتمي إليها شاغل منصب الرئاسة الثالثة، بما فيها المفتي ومجلس المفتين.
نحن هنا لا نكتب التاريخ، لكن كان لا بد من هذا السرد التاريخي لطرح الأسئلة التالية: لماذا سكت مفتي الجمهورية القائل أعلاه "فالرئاسة الثالثة ليست يدًا ضعيفة تلوى في كل حين"، عن تعرّض هيبة ورمزية منصب الرئاسة الثالثة للإهانة وليّ الذراع، بعدما تطاول عليها من احتكر عنوة تمثيل طائفة أخرى سامحًا لنفسه بكل عنجهية ووقاحة وغطرسة واستكبار أن يفرض فيها الشخص الذي يريده؟! وما سبب نقل المفتي بعد ذلك البندقية من كتف الى كتف مصادقًا سفير الإجرام الأسدي وفاتحًا أبواب "دار الفتوى" لكافة الشخصيات المحسوبة على المحور السوري-الإيراني الذي يحتضر اليوم، ومعلنًا حربًا كيدية شعواء على "تيار المستقبل" والرئيس "الحريري" شخصيًا، بعدما كان "يضرب بسيفه"، وبعد أن اعتبر تأليفه الحكومة الجديدة "فيه مصلحة لكل لبنان"؟!
حارت العقول في إيجاد تفسير لهذا الانقلاب المفاجئ أو جواب عنه، مع أن الجواب الشافي كان يُسمع مدوّيًا وبشكل يومي في أرجاء "دار الفتوى" كما في اجتماعاتها العلنية والخاصة: "ميقاتي لا يرفض لي طلبًا"، وإذا عُرف السبب بطل العجب، و"كرمى لعين تكرم مرجعيون".
وبناء على "بطلان العجب"، سنتوقف عن تحليل ونقاش العبارة الساقطة التي اغتالت عيد الأضحى للمرة الثالثة بعد مجزرة الأشرفية واغتيال اللواء "الحسن"، والقائلة "اننا لا يمكن أن نسمح بإسقاط حكومة بالشارع، ولن نسمح بالمس بمقام رئاسة الحكومة بالعنف، أو تحت ضغط الشارع أبدًا".
بيد أن عدم وجود شيء عجيب، لا يعني عدم وجود شيء غريب، ذلك أن تلك المرجعية منذ فتحها الجبهة مع "المستقبل" لم تكلّ ولم تملّ من الادعاء في تصاريحها للصحف أنها تحررت منهم "لقد حرّروني"(7/9/2011)، غافلة عن أمرين: الأول، أنها بتلك العبارة تعترف بخضوعها لفريق سياسي لزمن معيّن، والثاني، أنها تطعن في نفسها، لأن من يرتضي لنفسه الخضوع والارتهان لجهة ما ولو كانت على حق، لا يستحق أن يتبوّأ المنصب الذي هو فيه.
أضف الى الغرابة أيضًا، أن تلك الشخصية ذاتها والتي أصبحت الآن "حرة" بعدما بدّلت "بوصلتها" عدّة مرات، تأتي لتزايد علينا في الوطنية وفي الغيرة على الرئاسة الثالثة فترد على تحركاتنا لإسقاط الحكومة بالأساليب السلمية التي يكفلها الدستور داعية إيانا "الى عدم تضييع البوصلة وعدم الاندفاع بعيدا عن الدولة"! ولا تكتفي بذلك بل تتطاول علينا متهمة إيانا وقيادات 14 آذار -والمقصود "السعد" أولاً بلا شك- بأننا طائفيون وحُمْق قائلة: "ان الذي يحرك الغرائز باسم الطوائف ليحكم بالسياسة، هو أحمق وبالتحريض ينتحر" .هذا مع العلم أن مطلق هذا الكلام هو أول من استخدم الخطاب الطائفي لكن ضد من؟ ضد غالبية أبناء طائفته بما ينم عن "نجابة" عالية، وذلك عندما قابل تحركاتها لإسقاط حكومة القتلة والفاسدين بالقول: "إن رئاسة الحكومة ليست مكسر عصا لأحد" غامزًا لجهة أنها من "حصة" الطائفة السنية، وكأن الجمهور الاستقلالي يريد بتحرّكه اليوم نزعها من يد السنّة لتقديمها الى طائفة أخرى، لا أن يحرّرها من سلطة ومشروع "ولاية الفقيه" لتعود الى رحاب الوطن!
كان الأجدر بذلك الرجل بدلا من أن يعلمنا السياسة والوطنية والطائفية، أن يمارس واجبه الديني على أقل تقدير، من خلال نُصحه "نجيبه" بضرورة المبادرة الى التوبة بإعادة المظالم الى أهلها قبل أن يذهب لأداء مناسك الحج، لأن الله تعالى لا يتقبّل إلا من المتقين، فيعيد المنصب الذي سرقه الى من سرقه منه بغلبة سلاح الغدر، إذ لا توبة للسارق إلا بإعادة ما سرقه الى أصحابه.
إن أبناء "ثورة الأرز" لديهم بوصلة واحدة عنوانها "قسم جبران" وهي تشير دائمًا الى جهة "لبنان أولاً"، أما سواهم فبوصلاتهم متعدّدة، لأنهم يتسلّمونها ممن ارتضوا الخضوع إليهم، وهي تشير دائمًا الى اتجاه واحد "مصلحتي الشخصية أولاً".
عبدو شامي
26/10/2012
(الوسط اللبنانية)
30- بشائر النصر الحزينة
كلمة "البشرى" و"البشارة" تطلق في معجم اللغة العربية على خبر سّار ومفرح لا يعلمه المخبَر به؛ يُقال: "بشرى الربيع"، و"زفّ البشرى إلى فلان": أي ساق إليه خبرًا سارًّا. والبشرى إذا لم تكن تحمل خبرًا سارًا، فهي في أسوأ أحوالها تحمل خبرًا حسنًا.
كان ذلك قبل ثورة الحرية والكرامة في سوريا الحبيبة، أما بعد اندلاعها فقد عبثت آلة القتل الممنهج الأسدية بمظهر تلك الكلمة وشوّهته، فأصبحت "البشرى" تطلق على أخبار ظاهرها مثقل بمعاني الحزن والألم والأسى؛ بيد أن الشعب السوري البطل أبى أن يسمح لطاغيته بتغيير جوهر هذه الكلمة بعدما استطاع النيل من مظهرها، فبفضل إصراره على اكمال مسيرته التحرّرية حتى النهاية، حافظت "البشرى" على جوهرها السار والمفرح والحسن، وإن غيّرت آلة القتل الممنهج شكلها الخارجي الى أضداد تلك المعاني؛ ومن هنا كان عنوان المقال:"بشائر النصر الحزينة".
فعلى سبيل المثال، بقدر ما تستشرس آلة القتل الأسدية في دكّ المدن والقرى السورية برًا وبحرًا وجوًا، بقدر ما يدلّ ذلك على حراجة الوضع الذي يعيشه "الأسد"، ومدى عجزه عن النيل من عزيمة الثوار وإخماد الثورة، ومن هنا كانت تلك بشارة نصر، وإن كان عظم حجم المجازر والدمار والخراب ألبسها لباس الحزن.
وعندما دخلت بعد "درعا" و"حمص" و"حماه"، المدينة الثانية والعاصمة الاقتصادية لسوريا "حلب" على خط الثورة، كانت تلك أيضًا بشارة نصر، وإن كان النظام الدموي القاتل غلّف تلك البشارة بلباس الحزن بعدما حوّل جزءًا كبيرًا من "الشهباء" الى ركام بما في ذلك أسواق ومعالم أثرية أموية لا تقدّر بثمن.
أضف الى تلك البشائر الحزينة، لجوء النظام القاتل الى استخدام المروحيات العسكرية في قصف أحياء من العاصمة دمشق، وهو ما كان أحجم عن استخدامه في العاصمة منذ بداية الحراك الشعبي، حينما كان باص أو باصان من الشبيحة كفيلان بإعادة الأمور الى نصابها. فهذه بشارة نصر جديدة لما تحمله من دلالة على أن أزمة النظام المتهاوي تزداد عمقًا، وإن ألبسها سيل الدماء الزكية المتدفق في الشام وضواحيها لباس الحزن والأسى.
ومن بشائر النصر الحزينة أيضًا، إعلان "حزب ولاية الفقيه" الإرهابي في 8/10/2012 عن دخوله صراحة في عمليات الإبادة الجماعية الى جانب جيش النظام الأسدي، وذلك من خلال تشييعه بعض إرهابييه الذين هلكوا هناك أثناء تأديتهم واجبهم الإرهابي؛ فتلك بشارة نصر لما تحمله من استشعار الحزب الإرهابي بتضعضع وضع حليفه الاستراتيجي الذي هب لنجدته، غير أن صنوف الإرهاب التي يرتكبها ذلك الحزب في حق الشعب السوري، من قتل وتعذيب وانتهاك للأعراض والحرمات، لطّخت بشرى النصر تلك ببقع الحزن والأسى.
آخر بشائر النصر الحزينة، وأكثرها دلالة على اقترابه على الإطلاق، بدأت تتكشف على مرحلتين: الأولى في 29/10/2012، حين شنّت الطائرات الحربية الارهابية الأسدية ما يزيد عن 60 غارة جوية على مختلف أنحاء سوريا، هي الأعنف منذ بدء استخدام الطيران الحربي في نهاية تموز الماضي، وقد شملت على نحو مكثف مناطق في ريف دمشق وضواحيها.
أما المرحلة الثانية من بشارة النصر الحزينة الأخيرة، فأتت في اليوم التالي (30/10/2012)، حيث لأول مرة منذ بداية الثورة قصفت مقاتلات من سلاح الجو الأسدي أحياء داخل العاصمة السورية بصواريخ جو-أرض، ما يدل على أن أزمة النظام المتهاوي بلغت ذروتها، وأن نهاية الأسد باتت قريبة جدًا، غير أن النظام القاتل أبى كعادته الإجرامية إلا أن يثقل تلك البشرى بمعاني الحزن والألم والأسى نظرًا للأرواح البريئة التي أزهقها والدمار الكبير الذي ألحقه وسيلحقه بالعاصمة قبل أن يغادر السلطة.
في خضم الحرب العالمية الثالثة غير المتكافئة، لا تستطيع بشائر النصر إلا أن تكون حزينة نظرًا للأثمان الباظة التي يدفعها ثوار سوريا. نعم، هي حرب عالمية ثالثة ترك فيها العالم أجمع الشعب السوري لمواجهة مصيره وحيدًا بين فكّي آلة إجرام وحشية مدعومة بتأييد عالمي يعكسه كل يوم إحجام مجلس الأمن عن اتخاذ قرار حاسم بالتدخل العسكري الذي يعتبر الحل الوحيد والسريع لإنهاء نظام ذلك الطاغية ووضع حد للمأساة التي يفرضها انتقامًا من شعبه.
بعد 19 شهرًا على بداية انتفاضة الحرية والكرامة أصبحت رسالة المجتمع الدولي -بما فيه أميركا وروسيا وإسرائيل وإيران- واضحة أكثر من أي وقت مضى، ومفادها التالي: أيّها الشعب السوري الثائر لقد تجرّأت على المسّ بالمعادلتين التوأمَين الصهيو-أميركية والصهيو-إيرانية في المنطقة، وإننا في ظل غياب بديل مقنع قادر على إكمال عمالة "الأسد" ومشروعه الفارسي والصهيوني بقناع ديمقراطي، لن نسمح لك بقلب تلك المعادلة والعبور الى سوريا الحرية والكرامة إلا على جثث ثوراك وعلى أنقاض كبرى مدنك وأعرقها تاريخًا وحضارة "حماه" و"حمص"و "حلب" و"الشام"، فبغير سوريا مدمرة بنيويًا وعسكريًا واقتصاديًا لا يمكن أن نعوّض جزءا يسيرًا من خسارتنا "الأسد"، ولا أن نأمن على إسرائيل وما تبقى لنا من مصالح في المنطقة.
أما الشعب السوري البطل، فردّه على المتآمرين عليه صريح منذ أول يوم للثورة: "الموت ولا المذلة، ويا الله ما لنا غيرك يا الله".
عبدو شامي
1/11/2012
(الوسط اللبنانية)
31- لهذا غاب نصر الله عن الشاشة
سؤال واحد يطرح بإلحاح منذ حصول التفجير الإرهابي الذي استهدف منطقة الأشرفية وأودى بحياة اللواء الشهيد "وسام الحسن" ومرافقه وسيدة كريمة من أهل المنطقة: ما سر غياب أمين عام "حزب ولاية الفقيه" عن الشاشة، خصوصًا أنه عوّد اللبنانيين على الظهور عند أي حدث مهمّ تشهده البلاد؟!
كثرت التحليلات والتخمينات في محاولة لإيجاد جواب مقنع على هذا السؤال. وفي تحليل سريع بإمكاني القول: إن بعض المجرمين يعتمدون تكتيك التواري عن الأنظار بعد تنفيذهم عمليتهم الإرهابية؛ كما يمكنني القول أيضًا: إن الغياب ليس أكثر من إسهام في تبريد الأجواء وعدم مضاعفة مستوى الاستفزاز النفسي والإجرامي الذي يمارَس على الفريق الاستقلالي، وكأنه أخذ العبرة وتعلّم من دروس الماضي القريب، يوم تسبّبت تظاهرة "شكرًا سوريا" وعبارة "إن لبنان ليس أوكرانيا" التي تفوّه بها في 8 آذار2005، بتسعير وتيرة نضوج انتفاضة الاستقلال لتزهر تظاهرة مليونية في 14 آذار 2005 قلبت الموازين ودحرت الاحتلال السوري عن لبنان.
هذان احتمالان واردان، وفي رأيي منطقيّان، لكنني أفضّل القفز عنهما وتجاوزهما الى احتمال ثالث أتبنّاه بقوة، وهو أن الرؤساء والمسؤولين السياسيين وغير السياسيين، إنما يعيّنون نوابًا لهم أو وكلاء عنهم ليخفّفوا من عبئ العمل على أنفسهم، فما ينطق به الوكيل لا داعي لتكراره من قبل الأصيل. أضف الى ذلك أن الطبيعة الطائفية والمذهبية للحياة السياسية في لبنان، تفرض أحيانًا كثيرة على أي قائد من طائفة معيّنة عندما يتطاول عليه قائد آخر من طائفة أخرى، أن يوكل الرد الى نائب له ينتمي الى طائفة ذاك المتطاوِل نفسها، وذلك تفاديًا لتسعير أو توليد أي احتقانات طائفية.
بناء على ما تقدّم، لا أجد داعيًا ولا مبرّرًا لأي ظهور إعلامي لأمين عام "حزب سلاح الغدر"، وذلك طالما أن نائبه يؤدي عنه المهمة على أكمل وجه، ولست أقصد هنا نائبه الشيخ "نعيم قاسم"، إنما أعني نائبه الثاني الشيخ "محمد رشيد قباني".
بداهة، لو ظهر "نصر الله" فألقى خطابًا مطوّلاً كالعادة عقب تشييع اللواء الشهيد "وسام الحسن" الذي اتخذت القوى الاستقلالية معه قرار إسقاط الحكومة بالشارع، فماذا كان سيقول؟ بالطبع لن يتفوّه بداية الا بالجملة التالية: "إنَّ إسقاط الحكومات في الشارع أمر مرفوض من أساسه، والذي يسعى لإسقاط حكومة في الشارع هو واهمٌ وواهِنٌ.(...) رئاسة الحكومة ليست مكسر عصا، أو مكتسباً لهذا أو ذاك،(...) وإن الضغط على رئيس الحكومة بالشارع وغيره للإستقالة ممنوع"!! وقد قال هذا الكلام عنه المفتي قباني بعد التشييع مساء 21/10/2012.
أيضًا، قائد الفريق الانقلابي الإرهابي لن يتورّع بالتأكيد عن ممارسة أسلوب مناقضة الذات، ولن يتخلى عن نزعة حزبه الديماغوجية والبراغماتية، فسينصح القوى الاستقلالية بالتأكيد قائلا: "أدعو الى عدم تضييع البوصلة وعدم الاندفاع بعيدًا عن الدولة، فإن رئاسة الحكومة ليست مكسر عصا، أو مكتسبا لهذا أو ذاك"! وهو ما قاله عنه "قباني" في التاريخ المتقدَّم ذاته.
وفي هذا السياق، كيف لنا أن ننسى معاناتنا المستمرة مع الإصبع المرفوعة، وتحريكها والتهديد بها، وكيف لنا أن ننسى الصراخ والعصبية والعنجهية في نبرة الخطاب وأسلوبه، التي هي من الميزات الرئيسة في خطابات "سيد السلاح"؟! هذه "الحركات" أيضًا لا داعي لتكرارها من الأصيل، فقد تولى أمر تطبيقها بدقة متناهية المفتي "قباني" في خطبة عيد الأضحى في 26/10/2012، في معرض دفاعه عن حكومة سوريا وإيران في لبنان، ومشاهدتها متاحة لكل من يرغب عبر "اليوتيوب".
وفي خطابه، لن يفوّت "نصر الله" ما درج عليه من التجنّي على الآخرين ورميهم بعيوبه واتهامهم بأخطائه، فلا شك أنه كان سيتوجه الى الفريق الاستقلالي والى "تيار المستقبل" تحديدًا بالقول: "إن الذي يحرّك الغرائز باسم الطوائف، ليحكم بالسياسة، أحمق وبالتحريض ينتحر، وآن الأوان أن تقتلعوا جرثومة الطائفية التي تفتك بكم من جذورها". وهو ما لا مبرر كذلك لتكراره من الأصيل، طالما أن الوكيل تجرّأ على التفوّه به في خطبة العيد.
أما عن اتهام أصحاب القامات الوطنية والسيادية والاستقلالية العليا الحزب الإيراني بتنفيذ عملية اعتيال اللواء "وسام الحسن" الإرهابية، كأمثال حكيم "ثورة الأرز" الدكتور "سمير جعجع" الموجود دائمًا حيث لا ولن يجرؤ الآخرون، فبالتأكيد سينبري "نصر الله" الى استنكار ورفض هذا الاتهام المطنقي والصحيح الى أبعد الحدود، محذّرًا من خطورته، ومتّهما في المقابل "المنقذة الدائمة" إسرائيل، وداعيًا الى انتظار نتائج التحقيق. وهذا الكلام أيضًا لم يعد الأصيل مضطرًا الى قوله بعدما صرّح "قباني" لصحيفة "الأخبار" في 3/11/2012: "خطر كبير على لبنان واللبنانيين من جراء استفحال التأزم اللاوطني عند بعض الساسة اللبنانيين"، لذلك يرفض الاتهامات التي وجهت الى بعض الجهات السياسية بالوقوف وراء اغتيال اللواء الحسن، داعياً الى "انتظار انتهاء التحقيق"!
وكان لا بد لـ"نصر الله" أن يتطرّق الى قرار المقاطعة الذي اتخذته 14 آذار والتحركات المتعاظمة التي يقوم بها الفريق الاستقلالي لإسقاط الحكومة، ولن يجد في محاولته لتثبيط عزيمتهم بأسلوبه الاستكباري إلا أن يذكّرهم بأن جهودهم لن تجدي نفعًا، بدليل أن فريقه الانقلابي سبق له أن جرّب هذا الأمر أواخر عام 2006 ولمدة سنة ونصف تقريبًا من خلال اعتصام (احتلال) في ساحة "رياض الصلح"، لم يفلح في إسقاط حكومة الاستقلال الثاني (التي أسقطت حقيقة بانقلاب إرهابي مسلّح وانتُزع منها توقيع الاستقالة في الدوحة). كما سيبادر "سيد التقية" الى دعوة الاستقلاليين الى طاولة الحوار مجددًا لتقطيع الوقت واتزاع غطاء مرفق بصك براءة له عن جريمة اغتيال "الحسن" وما سبقها وما قد يعقبها. وقد وفّر عليه الوكيل كل ذلك العناء فقال في تصريحه الأخير لصحيفة "الأخبار": أرفض الدعوات الى مقاطعة الحكومة، لأن المقاطعة والاعتصامات حصلت سابقًا ولم تُجد نفعًا، ولم تسقط حكومات، وما غيّر المعادلة السياسية اللبنانية كان مؤتمر الدوحة، لذلك المطلوب حوار بين السياسيين".
"نصر الله" كان سيتّهم الفريق الاستقلالي بأنه في الحقيقة من "طلاب السلطة" ولا يسعى إلا الى استعادتها، وما يرفعه من شعارات ظاهرها وطني إنما هو لتغطية طمعه بالعودة الى الكرسي، مصوّبًا صواريخه على "السنيورة" أو على "الحريري". وقد كفاه "قباني" عناء قول هذا الكلام بما قد يحمله من بُعد طائفي فقال للـ"أخبار": السنيورة اتّبع يوم تشييع الحسن سياسة "قم لأجلس مكانك"، علمًا "أننا اعتدنا على الرئيس السنيورة رجلاً حكيمًا"، لكن في ذلك اليوم "كانت هناك حكمة من دون عقل".
لقد صدق "قباني" بقوله لصحيفة "الأخبار": "لست تلميذاً في تيار المستقبل كما بعض وزرائه ونوّابه"، بالتأكيد هو لا ينتمي الى هذه المدرسة العريقة لأن سلوكه منذ تعيين مرشّح سوريا وإيران في رئاسة الحكومة ينم على أنه طالب مجتهد في "جامعة ولاية الفقيه" أو "جامعة البعث الأسدية" .
وتبقى الصرخة التي تنطلق من الأعماق: آه يا بلادي كم هي كثيرة "أحصنة طروادة" في داخلك، وكم ستكون عبئًا على مزبلة التاريخ عندما تنتهي أدوارها!
عبدو شامي
3/11/2012
(الوسط اللبنانية)
32- هل خرجت حماس فعلاً من محور الشر؟!
في الرابع عشر من تشرين الثاني انفجر الوضع في غزة، أطلقت إسرائيل هجومًا واسعًا على القطاع سيمتد أيامًا تحت اسم عملية "أعمدة السحاب"، فيما ردّت الفصائل الفلسطينية وفي مقدمها حركة حماس بإطلاق صواريخها على العمق الإسرائيلي معلنة أن "تل أبيب" فتحت على نفسها "أبواب جهنم".
كالعادة عند أي حدث سياسي أو أمني كبير، تختلف الآراء وتتناقض أحيانًا كنتيجة طبيعية للزاوية التي تتم من خلالها مقاربة الموضوع وقراءته وتحليله. وبناء على ذلك يمكن ملاحظة ثلاث قراءات للحدث:
الأولى، تذهب الى أن حماس لا تزال تخدم مصالح محور الشر المتهالك في المنطقة، وهدفها هذه المرة محاولة جر العدو الصهيوني إلى حرب جديدة، من أجل حرف الأنظار عما يجري في سوريا، وبالتالي أتاحة فرصة أخيرة للأسد لتصعيد مجازره ضد أبناء شعبه بعيدًا عن أنظار الإعلام الذي كان مصروفًا بالكامل لمتابعة تطورات الشأن السوري. وهذه قراءة تتبنى نظرية "الممانعة والمقاومة" المزيّفة، من حيث زعمها أن محور الشر على عداوة حقيقية مع إسرائيل.
في المقابل ثمة قراءة ثانية تعتبر أن بعد ختم مكاتب حركة حماس بالشمع الأحمر في سوريا، قرّرت إسرائيل شن حرب علي قطاع غزه، ليس من أجل الصواريخ التي تسقط علي إسرائيل، بل عقابًا للحركة علي تركها للمحور السوري-الإيراني ووقوفها الي جانب الشعب السوري، وهذا ما يؤكّد تقاطع المصالح والحلف الخفي-العلني بين ايران وإسرائيل والنظام السوري.
أما القراءة الثالثة، فتعتبر أن لا عقاب لحماس مطلقًا بمعنى القضاء عليها، فما يهم الإسرائلي ليس خروج الحركة من محور الشر أو دخولها فيه بقدر ما يهمها بقاء وإبقاء حماس ممسكة بإمارتها في غزة لأنه يعني استمرار الانقسام الفلسطيني؛ وتعتبر هذه القراءة أن ما يجري الآن هو أن الحركة استُدرِجَت الى حرب إسرائيلية معدّة سلفًا، هدفها الأول انتخابي إسرائيلي محض، والثاني صرف الأنظار عن إبادة الشعب السوري وتدمير مقدّراته، لكن ليس خدمة للأسد بل خدمة لوضع إسرائيل ما بعد الأسد، وثالثًا إضعاف قدرة حماس العسكرية بعدما أصبحت صواريخها مؤذية لإسرائيل نظرًا لتحرّرها من إمرة محور الشر الصهيو-إيراني.
إن قراءة بنورامية سريعة للظروف التي أحاطت بعملية "الرصاص المصبوب" التي شنّها العدو الإسرائيلي على غزة في كانون الأول 2008 وكانون الثاني 2009، مقارنة مع الظروف المحيطة بعدوان اليوم، تبيّن أن التاريخ يعيد نفسه، وأن القراءة الثالثة هي الأقرب الى الصواب.
أواخر عام 2008، كان الوضع الإسرائيلي الداخلي مأزومًا بالعجز عن تشكيل حكومة بعد استقالة رئيسها "أولمرت"، والدعوة الى انتخابات مبكرة، وهذا ما جعل المتنافسين على السلطة بيحثون عن حرب على مشارف الانتخابات يوظفون نتائجها في حسابات انتخابية محضة؛"أولمرت" لا مشكلة لديه في الحرب لأنه خارج اللعبة، فهو يتأهب للخروج من الحكم، غير أنه يريد بأي وسيلة أن يخرج بصورة مشرفة تعوض له اهتزاز سمعته وتصاعد رائحة فساده؛ من جهتها "تسبي ليفني" مرشّحة قوية تريد أن تثبت نفسها في المعادلة السياسية، أما "إيهود براك" وزير الحرب الذي يعيش وحزب العمل معه لحظة انهيار سياسية، فلن يجد أفضل من هذا التوقيت لرفع رصيده أمام شعبه. في المقابل، هناك "نتنياهو" اليميني المتطرّف، فهو خارج السلطة ويريد العودة إليها بقوّة مسجلا النقاط على أداء حكومة "أولمرت"... لذا كانت الحرب لأسباب اتخابية محضة، غرض أطراف الحكومة الأساسي منها إلحاق الهزيمة بمرشح الليكود "بنيامين نتنياهو".
وعليه استغلت اسرائيل إطلاق حماس قرابة المئة صاروخ بُعيد إعلان الحركة عدم تجديد الهدنة، لتبرير شن الحرب المعد لها بدقة مسبقًا، فجاء قرار حماس إنهاء التهدئة بمثابة هدية مجانية لعدو أثبت على الدوام أنه لا يحتاج الى ذرائع لتأكيد عدوانيته، فكيف إذا أُعطيت له الذريعة الذهبية التي يستطيع تسويقها اعلاميًا ودوليًا لتبرير عدوانه.
اليوم، وعلى مشارف انتهاء العام 2012، ها هو التاريخ يعيد نفسه للأسباب التالية:
1- أن اليمين الاسرائيلي بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" يريد تصعيدًا عسكريًا كي ينتصر في معركة الانتخابات، لأن التوتر يخدم اليمين ولا يخدم قوى اليسار، وهو لا يرغب في أن يظهر في صورة ضعيفة قبل الانتخابات العامة التي تجرى في 22 كانون الثاني2013؛ كما أن "إيهود براك" معني بالتصعيد أيضًا، حتى يثبت أنه جدير بالانتخاب مرة أخرى لكي يواصل مهامه.
2- اسرائيل تسعى الى توتّر أمني كبير من أجل الادعاء بأنها تواجه خطرًا من الفصائل الفلسطينية، وذلك بغية استثماره في اقناع الدول الصديقة لها ودول عديدة في العالم بعدم التصويت لصالح قرار يقبل بفلسطين عضوًا مراقبًا أو دولة غير عضو في الأمم المتحدة.
3- اسرائيل قلقة بالنسبة لمرحلة ما بعد الحليف الأكثر وفاء وعمالة وتنفيذًا ورعاية لمصالحها في المنطقة (بما فيها ضبط حركة حماس)، نظام الأسد الإرهابي الذي يلقى حتفه على يد أحرار الشعب السوري، هؤلاء الأبطال الذين يوجّهون للكيان الغاصب أقوى صفعة استراتيجية يتلقّاها منذ قيامه عام 1948؛ فإسرائيل بعدما أيقنت أن أيام "عميلها الأمين" بشار الأسد باتت معدودة على كرسي العمالة، ولاسيما بعد تشكيل الائتلاف الوطني السوري، وبدء دورة الاعترافات به عربيًا وأوروبيًا وأميركيًا، فضلاً عن التقدّم النوعي الذي تحققه الثورة السورية وجيشها الحر على كامل رقعة الأراضي السورية، بما فيها معظم القرى المتاخمة للجولان المحتل التي أصبح يسيطر عليها الجيش السوري الحر باعتراف "ايهود باراك" نفسه...إسرائيل بعدما أيقنت ذلك كله، لا مانع لديها بل هي محتاجة لعملية عسكرية ما تضعف فيها قدرة حماس العسكرية بعدما أفلتت من قبضة الأسد، وتصرف الأنظار عما يجري في سوريا بما يتيح الفرصة للأسد لتدمير المزيد من مقدرات شعبه وبلاده خصوصًا على الصعيدين العسكري والاقتصادي، لكن ذلك ليس من باب نجدة أو خدمة "بشار" الهالك حتمًا، بقدر ما هو خدمة لإسرائيل نفسها، بحيث يتسلّم الثوار من بعده بلدًا ضعيفًا منهارًا مدمّرًا، لا يشكل خطرًا كبيرًا على الكيان الغاصب لأعوام عديدة.
ومن هنا، يمكن القول ان العدوان الاسرائيلي على القطاع مبرمج ومعد سلفًا، وقد نجحت إسرائيل باستدراج الجانب الفلسطيني، ليقدّم لها ذريعة تقوم على أثرها برد فعل يفتح الحرب الانتخابية التي تريدها، ويتح لها ضرب كل تلك العصافير بحجر واحد. ففي 10/11/2012، بدأت بوادر تلك الذريعة مع استهداف "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" (التي يبدو أنها لا تزال في قبضة محور الشر) سيارة عسكرية صهيونية كانت تسير على الحدود مع القطاع، استدعت ردًا إسرائيليًا محدودًا بقصف غزة، واكتملت فصول الذريعة التي تنشدها إسرائيل في اليوم التالي مع تبني حركة حماس وفصائل أخرى في بيان مشترك قصف إسرائيل بعدة صواريخ، معلنة أنها لن توقف صواريخها قبل أن توقف إسرائيل غاراتها. فكان أن استمر القصف المتبادل حتى أعلنت إسرائيل حربها الجديدة على القطاع في 14/11/2012.
عند هذه النقطة تحديدًا، يحلو للبعض أن أن يلجأ الى القول "المأثور" أن "العدو الإسرائيلي لا يحتاج الى ذريعة عندما يريد أن يقوم بعدوانه"، والعجيب أن مطلقي هذا القول "المأثور" ظنًا منهم أنه جواب مسكت أو حجة دامغة مفحمة، دائمًا ما يسبقونه بتقديم الذرائع المتهوّرة على أطباق من فضة!!
وبناء عليه، فإذا كانت حماس انزلقت في هذه الحرب لأنها لم تدرِ أنها تُستدرج إليها، ولم تدرك أهدافها، فتلك مصيبة تنم عن قصر نظر لا يليق بطرف نصّب نفسه حاكمًا على قطاع غزة؛ أما لو كانت تدري حقيقة اللعبة الإسرائيلية ومع ذلك قبلت أن تُستدرَج إليها، فحكمها لا يخرج عن احتمالين: إما أنها مصابة بغباء سياسي خطير، أو أنها متواطئة وبالتالي لم تخرج بعد من المحور السوري-الإيراني.
لقد اختار قياديو حماس توقيتًا للمواجهة أقل ما يقال فيه إنه يشكل خطأ استراتيجيًا لا يمكن قبوله، وما هو مطلوب الآن إيقاف هذه الحرب فورًا حتى لو اضطرت حماس الى وقف إطلاق النار من جانب واحد، وذلك ليس جبنًا منها أو تخاذلاً أو استسلامًا للعدو الصهيوني، إنما نصرة للثورة السورية والشعب السوري، وتفويتًا على إسرائيل فرصة استغلال الدم الفلسطيني لتحقيق أهدافها، مع العلم أن المتضرّر الأكبر والحقيقي ليس حماس بقدر ما هو الشعب المخطوف منها في غزة منذ انقلابها الدموي الإيراني عام 2007.
لقد أثبت المقاومون الفلسطينيون في غزة بقصفهم القدس وتل أبيب أن حرب تموز 2006 كانت أكبر مسرحية حيث إن صواريخ سيد السلاح يومها لم تصب إلا أحياء العرب في حيفا؛ وإن أحرار لعالم أجمع يقدّرون شجاعة هؤلاء المقاومين وصمودهم وقضيتهم المحقة، لكن الشجاعة هنا لا تكفي وحدها، فالمعركة اليوم هي في سوريا وضد النظام الأسدي، وبالتالي فإن أي صاروخ أو رصاصة تملكها حماس وتوجهها الى غير صدور وآليات ذلك النظام الإرهابي إنما تصبّ في مصلحته وتخدمه، فتحرير سوريا مفتاح تحرير فلسطين. وصدق المتنبي حيث يقول: الرأي قبل شجاعة الشجعان/ هو أوّل وهي المحلُّ الثاني.
عبدو شامي
15/11/2012
(الوسط اللبنانية)
التعليقات (0)