مواضيع اليوم

مجموعة مقالات عبدو شامي لعام 2009... عام الانتصار الشعبي والانكسار السياسي

عبدو شامي

2010-03-07 09:40:45

0

مجموعة مقالات عبدو شامي لعام 2009

عام الانتصار الشعبي والانكسار السياسي


2010
http://abdoshami.elaphblog.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفهرس

مبروك نايلة
سيناريو تأجيل انتخابات 2009
تجارة لا تبور
هل يُمدّد لاتفاق الدوحة سنة اضافية؟
الخطايا العشر
تحدّيتِ فقاومتِ وانتصرتِ يا نايلة
عوامل النجاح في الامتحان التاريخي
بكركي حصن لبنان الاخير
ويحدّثونك عن المشاركة
عذراً أيتها الرئاسة الثانية
ايران... وانقلاب السحر على الساحر
الشيطان يكمن في التعريف والمعارضة مرتاحة لحكومة التصريف
شكل الحكومة الجديدة يحدّد نتائج الانتخابات!
قوى الامر الواقع تلغي نتائج الانتخابات وتملي ارادتها على الاكثرية
الشباب اللامبالون والسياسة
غباء اسرائيلي أم دهاء؟!
الى الأهواز والجزر الاماراتية الثلاث
كفانا رضوخاً واذعاناً... نحن الفائزون!
الاكثرية تستجمع قواها وتستعيد انتصارها التاريخي
دعاة على أبواب جهنّم
التأييد الانعكاسي
انقاذ الجمهورية رهن بقلم رئيسها.. فمتى سيستعمله؟
مسكينة الكتائب!
2009 عام الانتصار الشعبي والانكسار السياسي
  

 

 

 

 


مبروك نايلة

لا يا جنرال ، ما هكذا تخاطَب الأشرفية و لا ابنتها الصاعدة نايلة تويني.
لا يا جنرال، ما هكذا تهان ابنة عريس ثورة الأرز جبران تويني، صاحب القسم الشهير الذي اضحى نشيدا وطنيا.
لا يا جنرال ، ما هكذا يستخف بقدرات الشباب اللبناني، فكيف اذا كان المتعرَّض لكرامته ابنة النهار، وابنة الحرية، وابنة الأشرفية؟
وهل تساءلت يوما عن سبب ترشُّح ابنتنا نايلة للنيابة؟
أو هل فكَّرت لحظة في ما دفع بهذه الآنسة ابنة ال26 سنة للدخول في المعترك السياسي المقرف في هذه السن المبكرة؟
السبب أيها الجنرال: هو تصفية حلفائك لوالدها الصحافي الحر ، بعد عجزهم عن الرد على الحجة بالحجة، والبرهان بالرهان، ثم سعيك بعد ذلك في تبرئتهم و التغطية عليهم و ابعاد الشبهة عنهم.
إن هذه الآنسة التي حاولت الحط من قدرها و التشكيك في نضجها، حتى وصلت بك الوقاحة الى حد مطالبتها بسحب ترشحها، هذه الشابة،هي بلا ادنى شك أوعى و أنضج ممن انقلب على مبادئه وغرَّر بجمهوره ، وعمل على اضعاف كنيسته،واخذ المسيحيين بعيدا عن ثوابتهم الوطنية و التاريخية.
مبروك يا نايلة فوزك في7 حزيران، فقد أعلن الجنرال فوزك عندما أقرَّ بافلاس تياره عبر عجزه عن إيجاد مرشح ارثوذكسي قوي من تياره في منطقة الأشرفية، ما ألجأه لاستيراد مرشح من الجنوب بعد ان خذله حلفاء التقيّة هناك، ولم يستطع المون عليهم بمقعد متواضع لرفيق سلاحه.
مبروك نايلة، انت جديرة بتمثيل الأشرفية ومتابعة مسيرة جبران.
عبدو شامي
(نهار الشباب:26آذار2009)

سناريو تأجيل انتخابات 2009

مؤشّرات عدّة تدل على عزم المعارضة عرقلة اجراء الإنتخابات النيابية المقرّرة في السابع من حزيران المقبل، وذلك هرباً من خسارتها التي باتت اكيدة.
فمن المعلوم، ان من بيده تقرير هويّة الأكثرية النيابية في المجلس القادم، هم المسيحيّون، لأنهم يتمتعون برأي عام متنوّع، أو منقسم انقساماً حادّاً اذا صحّ التعبير، ونظرا للتوزيع الطائفي الذي فرضه قانون القضاء، بعد فرضه على قوى 14 آذار قهراً على خلفيّة أحداث 7 أيار2008؛ و بما أن الطوائف السنيّة و الشيعيّة والدرزيّة مُصطفّة بغالبية ابنائها خلف خيارات زعاماتها، فقد ضمن لها قانون العام 1960 الحفاظ على احجامها الحاليّة مع احتمال ضعيف لبعض الخروق، مما يجعل الرهان على الأقضية و الدوائر المسيحية، في ترجيح كفّة القوى التي ستفوز بغالبية مقاعد البرلمان العتيد.
وبناء على ما تقدّم، ونظراً للنُّزوح المسيحي الكثيف من التبعيّة العمياء لمن غرّر بهم وانقلب على المبادئ التي منحوه ثقتهم وأصواتهم على أساسها عام 2005، مفضلّين الالتحاق بثوابتهم الوطنية والثقافية والتاريخية، واستناداً لاكتساح قوى الرابع عشر من آذار نتائج انتخابات معظم النقابات و الجامعات، اضافة لما تشير اليه الدراسات والإحصائيّات من اتجاه شعبي لترجيح فوز القوى السيادية والإستقلالية في الإنتخابات المصيرية القادمة، فقد ادركت المعارضة، وتحديداً قيادتها الفعليّة المُتمَثلة حصراً بحزب ولاية الفقيه، ان نتائج الإنتخابات القادمة خرجت من يدها، ولا شك انها بدأت منذ مدّة تفكّر في عرقلتها بدليل القرائن الآتية:
1- اعلان الجنرال عون ان فوز تيّاره في الاستحقاق النيابي القادم بات مؤّكداً، وانه سيحصد وحده 35 مقعداً نيابيا، وذلك خلافاً لما يدل عليه واقع الشارع المسيحي والاحصاءات والانتخابات النقابية، مع العلم ان الجنرال البرتقالي لم يستطع الحصول في أوج مجده (او بالأحرى خداعه) على اكثر من عشرين مقعداً!! وكلام الجنرال اذا ما دلّ على شيئ، فإنما يعني استباقه احتمال تأجيل الإنتخابات بتصاريح تدّل على انّه أكبر المتضرّرين من ارجائها كون فوزه فيها أمرا حتميا عنده، وأن قبوله بتأجيلها تضحية كبيرة من جانبه، أو ربما لاتهام الآخرين بعرقلتها تفاديا لخسارتهم المخزية فيها.
2- تقليل رئيس حركة "أمل" من أهمية الانتخابات النيابية المقبلة، من خلال وصفه إيّاها بالعاديّة و الأقل من عاديّة، وذلك تقليلا من خطورة ارجائها فيما لو أُرجِئت، واسشتعاراً منه بخسارة قوى 8 آذار فيها.
3- أما أهمّ كلام لمّح فيه صاحبه الى ان الإنتخابات القادمة لن تجرى في موعدها الدستوري، فكان تصريح أمين عام حزب ولاية الفقيه، أن الإنتخابات المقبلة مهمّة جداً لأنها ستأتي بمجلس نواب جديد يأتي بدوره برئيس للجمهورية وبحكومة...!! مع العلم ان رئيس الجمهورية تنتهي ولايته بعد عام من انتهاء ولاية المجلس العتيد، فيما لو جرى انتخابه في السابع من حزيران من العام 2009.
فماذا يُستَشَفُّ من هذه التصاريح يا ترى؟
تدل هذه التصاريح، وخصوصاً الأخير منها كونه صادراً عن قائد المعارضة، على احتمالين في الإستحقاق الإنتخابي القادم أحلاهما مرّ:
الأول منهما -وهو المرجّح لدي-: ينم عن احتمال تأجيل الإنتخابات لمدة عام كامل، إذ بذلك سيتاح للمجلس المنتخَب حينها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن الرئيس الحالي تنتهي ولايته في أيار العام 2014.
أما الإحتمال الثاني: فيبيّن أن الإنتخابات وإن جرت في موعدها المقرّر حاليّاً، فإن المعارضة التي تراهن على حصولها على الأكثرية، سوف تلجأ للطعن في دستوريّة ولاية الرئيس الحالي للجمهورية، لأنها تمّت من دون تعديل للمادة 49 من الدستور مع كون الرئيس المنتخب من موظفي الفئة الأولى، وهو ما أصرّت عليه المعارضة يومها؛ مع العلم ان كيفيّة تخريج ذلك الإنتخاب لاقت اعتراضاً من بعض نوّاب البرلمان، مثل النائبين بطرس حرب وحسين الحسيني، تفاديا لحصول مثل هذا الطعن في المستقبل.
أما سناريو عرقلة الإنتخابات تمهيداً لإرجائها سنة كاملة، فلا يمكن أن تتم على خلفيّة قيام حزب ولاية الفقيه بأعمال إرهابية مشابهة لاجتياحه بيروت في 7 أيار من العام 2008، لأن الحزب لا يريد أن يظهر نفسه معطِّلا للإنتخابات تصديقاً لادعائه ان النصر فيها سيكون حليفه، كما لا يُعقل أن تُرْجَأ الإنتخابات عاما كاملا نتيجة انفجار من هنا أو اغتيال من هناك، وبالتالي لم يعد أمام الحزب من خيارات لتأجيل الإستحقاق النيابي مع اظار نفسه مكرهاً على ذلك التأجيل، سوى افتعال "حرب" جديدة مع اسرائيل قُبَيل السابع من حزيران القادم، وبذلك تصبح البلاد تحت عدوان صهيوني غاشم، من المرجح أن يُسفر عن "حرب" ساحقة ماحقة، لكن مختلفة عن عدوان تموز من العام 2006، لكون هذه الجولة الجديدة سوف تطال مقوّمات الدولة الأساسية ومؤسّساتها العسكرية والدستورية والقانونية، وبناها التحتية الرئيسية، على نحو ما توعّد به المجلس الوزاري لحكومة العدو، بعد صدور البيان الوزاري لحكومة الثلث المعطّل في آب العام 2008، الذي نصّ على "حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير أو استرجاع أراضيه..."، وحينها توعّدت اسرائيل باستهداف شامل لمقومات لبنان وتحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية أي اعتداء تتعرّض اليه يكون مصدره من الأراضي اللبنانية.
وعلى خلفيّة الآثار المدمِّرة الناجمة عن هذه "الحرب"، التي سوف تنتهي بلا شك بـ "انتصار إلهي" جديد انتقاماً لعماد مغنيّة، يتم التوافق بين مختلف القوى السياسيّة على تأجيل الإنتخابات سنة كاملة، أي الى صيف 2010، وبذلك تتغيّر المناخات و يَخفت الشحن الإنتخابي المُستعِر الآن والذي يصب في مصلة قوى 14 آذار، ويتمكّن المجلس الجديد من انتخاب رئيس للجمهوريّة، بحسب ما صرّح به قائد المعارضة الأمين العام لحزب ولاية الفقيه. وما يدرينا، فلعلّنا نشهد موجة جديدة من حملات الاتهام بالتخوين والعمالة، من قبل فريق المعارضة!!
هذا هو السناريو الذي لا نتمنّاه في تأجيل الإنتخابات القادمة، وإنَّ غداً لناظره قريب.
عبدو شامي
(نهار الشباب:9نيسان2009)

تجارة لا تبُور

كم هي خسيسة ورخيصة التجارة، عندما تتَّخِذ من مآسي العرب والمسلمين وقضاياهم المحقة، سلعة يتم استثمارها في مزادات ومزايدات علنية، لحساب جني مكاسب انتخابية، أو تأجيج واستدراج صراعات اقليمية، خدمة لمشاريع عرقية مذهبية تاريخية مشبوهة.
وبالنسبة للإنتهازيين، ليس هناك أفضل ولا أربح من قضية فلسطين، للمتاجرة بها، واللعب بها وعليها وفيها، لتحريك عواطف الجماهيرالعربية والمسلمة، وكسْب ودّها وتأييدها، بهدف صرف انظارها واستخدامها من حيث لا تشعر، في مخططات تريد بها شراً، وتمضي بها نحو الهاوية.
ومن الشعارات المربحة التي يرفعها هؤلاء التجار المَهَرَة، شعار "المقاومة"، الذي حوّلوه الى شعار تضليلي لذر الرماد في العيون، وجعلوا منه مطيّة لتنفيذ مشاريعهم السياسية ذات الجذور العقائدية و الشعوبية، الرامية لاختراق المنطقة وفرض نفوذهم عليها.
رأس مال هذه التجارة معروف: شعارات دعائية كاذبة، ودماء زكية سفكها العدو الاسرائيلي هنا وهناك، وأموال "طاهرة"، يضاف إليها رصيد جماهيري بناه "الوعي" المغلوط، الممزوج بالوهم والتجهيل والشحن المذهبي.
عدّة هذا النهج التجاري معلومة هي الأخرى: "عدو" خارجي هوالإمبريالية والصهيونية ـ والله أعلم بمدى جديّة تلك العداوة المزعومة التي يبدو انها غطاء لإخفاء المفاوضة مع "العدو"ـ، بالإضافة الى عدو داخلي، هو كل من يقف في وجه حَمَلة ذلك الشعار أو يرفض الإذععان لإملاءاتهم؛ وليس في قاموسهم محل لعدو داخلي اسمه التخلف، أوالجهل، أوالتبعية العمياء.
أما قواعد الحساب لدى هؤلاء التجار، ومنطق التحليل والتفسير المعتمَد عندهم، فبديهي أيضاً: إنه منطق المؤامرة والتخوين؛ والقاعدة الحسابية الأساس في منهجهم تقوم على التالي: أي معارض أو مناقش أو مخالف لدعاة "المقاومة" يساوي: عميلاً للقوى الخارجية.
وبالنسبة للأرباح والمكاسب التي جنوها من تجارتهم المجرمة والوضيعة هذه، ورفْعِهم الشعارات الزائفة، فهي عديدة ومتنوّعة، منها الداخلي ومنها الخارجي، وإليكم جَرْدة حساب بأهمّها مع الابتداء بالمكاسب الداخلية:
1- استمداد قدسيّة وهميّة لسلاح خارج عن سلطة الدولة، والتهديد بقطع الأيدي والألسن ونزع روح، كل من تسوِّل له نفسه "العميلة" التطاول على ذلك السلاح والمُتلطّين خلفه.
2- تعميم ثقافة الموت وثقافة السلاح، من خلال التوزيع المبرمج للسلاح على المناصرين في مختلف المناطق اللبنانية، والإستقواء به على الدولة والكلمة الحرة والمنطق القويم، واستخدامه في سيناريوهات مشابهة لحوادث 7 أيار، وما سبقها من محاولات تخريبية وانقلابية.
3- ضرب البنية التحتية للدولة اللبنانية، من خلال توريطها في حروب مدمّرة، يصاب فيها لبنان وحده، فيما تتعاظم قوّة التجار بعدها ويزداد تفوّقهم على الدولة، لخروجم من بين انقاض تلك الحروب سالمين، ثم شروعهم في استكمال بناء دويلتهم على أنقاض الدولة.
4- استباحة الأملاك الخاصة والعامة، وانشاء مربعات أمنية محظورة على الدولة، ومصادرة المؤسسات الرسمية، والجامعات الوطنية... كل ذلك باسم "المقاومة"، وبرهبة السلاح غير الشرعي.
5- وضع العراقيل والتعطيلات والمشكلات الأمنية، في طريق القوى السيادية الإستقلالية، وتنظيم التظاهرات، مروراً بالإعتصامات وحرق الدواليب، وصولاً الى اغلاق مجلس النواب وتعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، وليس انتهاءً بحوادث 7 أيار 2008.
6- قطع أشواط متقدّمة في المخطط الهادف لتغيير وجه لبنان ودستوره وثقافته، من خلال نسف تركيبته المرتكزة على التنّوع والتعذّدية والعيش المشترك، والعبث بمعطياته الديموغرافية والاجتماعية، وإقحامه في سياسة المحاور الهدّامة، مع عدم إغفال التسلل المنظم نحو مناطق استراتيجية محدّدة تتسم بالطابع المسيحي، خدمة لمشروع سياسي "إلهي" تقسيمي، وسعيا لاختراق جميع الساحات، وبالتالي انتاج اشكال جديدة من الحضور المناطقي؛ والذريعة كالعادة: أمن "المقاومة".
أما بالنسبة للمكاسب الخارجية، فنذكر منها:
1- النجاح في استثمار واستغلال القضية الفلسطينية ودماء اهل غزة، واستخدامها كوسيلة لزرع الفتن بين ابناء فلسطين وبين ابناء الأمة العربية والإسلامية في دولها، ومحاولة انتاج أو تفريخ قوى 8 آذاريّة جديدة في تلك البلدان، تعمل على شق الصف الوطني والعربي والاسلامي، تمهيدا لتفتيت المنطقة وإعادة تقاسمها باتفاقية "سايكس بيكو" جديدة، أطرافها معروفون، طمَعاً في استعادة أمجاد امبراطوريات غابرة.
2- تصدير ثورتهم وفكرهم السياسي والعقائدي، بعد العراق وسوريا ولبنان، الى فلسطين والمغرب والجزائر والبحرين واليمن...وكان آخر الأسواق التي صدّروا اليها بضاعتهم: الأراضي المصرية، التي استباحوها وافتتحوا لهم فرعاً فيها، يعمل على شراء شقق سكنية بالقاهرة، وعدد من المحال التجارية والفيللات، وتهريب أسلحة ومتفجرات، وتجنيد واستقطاب عناصر تأتمر بهم، بغرض تنفيذ مخطط تخريبي يمس الأمن القومي المصري، تحت ذريعة: "تقديم دعم لوجستي للمقاومة في غزة".
لقد آن لورقة التوت أن تسقط، كاشفة حقيقة هؤلاء التجار، فقد باتت خفاياهم معلومة مع تراكم فضائحهم: فمن تحالفهم مع أميركا في العراق وأفغانستان، ثم تدمير لبنان تحت شعار محاربتها؛ الى غزوهم بيروت في أيار 2008؛ الى المزايدة على الآخرين -الذين يتهمونهم أصلاً بالعمالة- أثناء حرب غزة، في حين لم يحرّك محتكِرو "المقاومة" ساكناً، بل أصدروا الفتاوى بمنع توجّه شبابهم الى فلسطين؛ مروراً بإسقاطهم في 19 آذار 2009، اقتراح مشروع تقدّمت به قوى 14 آذار، يهدف الى تعديل الدستور بما يضمن عدم توطين الفلسطينيين، عبر جعله متوقفاً على إجماع المجلس النيابي. وبذلك يحتفظ تجار السوق السوداء باحتكارهم فزّاعة التوطين، لدغدغة مشاعر جمهورهم وإدخالها البازار الإنتخابي، عبر اتهام قوى 14 آذار بالسعي لتوطين الفلسطينيين في لبنان، ومن ثم يقال للناخب أو المستهلِك: "قاوم بصوتك"!!
لقد بتنا نعيش مهزلة حقيقية، وآن لنا أن ندرك أبعاد ما يحاك ضدنا.
عبدو شامي
(نهار الشباب:23نيسان2009)

هل يُمَدّد لاتفاق الدوحة سنة اضافية؟!

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مصير الاستحقاق النيابي المقرّر في السابع من حزيران المقبل: هل سيجرى في موعده بسلام؟ أم سيجري تعطيله وتأجيله؟ وقد اتفقت معظم الآراء على حصول الانتخابات في موعدها الدستوري، نظراً لوجود توافق دولي وإقليمي بشأن ذلك، ولكون الإنتخابات مصلحة حقيقية للفريقين المتنافسَين، بدليل أن كلاً منهما يدّعي أن الأكثرية ستكون من نصيبه؛ فما مدى صحة هذا الكلام من خطئه؟
إذا استعرضنا وضع قوى الرابع عشر من آذار، نجد هذا الفريق مرتاحاً لحجمه الشعبي المتزايد يوماً بعد يوم، خاصة في الشارع المسيحي المسؤول عن تحديد هوية الأكثرية النيابية القادمة، كما أن هذا الفريق عانى الأمَرَّين مع المعارضة التي لطالما شكّكت في أكثريّته واصفة إياها "بالوهمية" أو "المسروقة"، هذا فضلاً عن توق فريق 14 آذار للتخلص من طوق الثلث المعطّل الذي يمسك برقبة الحكومة ويجُرّ عربة الدولة الى الوراء، وذلك بعد أن فُرِض عليها بقوّة السلاح في أعقاب أحداث السابع من أيار2008 الإرهابية. وبالتالي، لا شك في أن مصلحة هذا الفريق اجراء الإستحقاق الإنتخابي في موعده بحرية وأمن وسلام، لكي يثبت أكثريّته ويحكم البلاد من دون تعطيل.
في المقابل، لدى استعراضنا وضع قوى الثامن من آذار، يظهر لنا بوضوح تضاؤل شعبية هذا الفريق، ونعني بذلك تحديداً جمهور الجنرال ميشال عون، الذي تأكد أخيراً أن من أعطاه الثقة على أساس الحريّة والسيادة والإستقلال، قد جنح نحو المحور السوري-الإيراني وبات من أبرز داعميه. يضاف الى ما تقدّم، ادراك قيادة المعارضة المتمثلة بـ "حزب ولاية الفقيه"، أن خسارتها المعركة الإنتخابية تعني حقيقة نزع يدها عن الإمساك بمفاصل الدولة، وبعبارة أوضح: حرمانها من الغنيمة الكبرى التي حصلت عليها في غزوة بيروت، ألا وهي الثلث المدمّر والقاتل، الذي يُعدّ مالكه الحاكم الفعلي للبلاد وإن لم يفز بالأكثرية النيابية. وزاد من قلق المعارضة وحراجة موقفها، اعلان قوى 14 آذار انها في حال كسبها المعركة الإنتخابية لن ترضى اعطاء المعارضة الثلث المعطل في الحكومة الجديدة.
وبناء على ما سقناه من عرض موجز لموازين القوى، نستنتج بسهولة أن تعطيل الإستحقاق النيابي المقبل مصلحة ضرورية وحيويّة ومصيرية لفريق الثامن من آذار، اذ ان تأجيلها يعني ضمناً التمديد لاتفاق الدوحة الظالم، أو اتفاق الغالب والمغلوب، الذي شرّع وان بشكل مؤقت بدعة الثلث المعطل، وهمّش دور رئيس الجمهورية، ومدّد لطاولة حوار عقيم غير دستورية أيضا، ابتُدِعت فكرتها أصلا لتهريب المواضيع المصرية في البلاد من مؤسّستَي مجلس النواب ومجلس الوزراء، بعدما باتت كل معارك المعارضة محكومة بالخسارة، نظراً لحيازة قوى 14آذار على غالبية المقاعد في المجلسين.
واذا صح تحليلنا أن الحزب يسعى لتأجيل الإنتخابات سنة كاملة على الأقل، اذ بذلك سيتاح للمجلس الجديد انتخاب رئيس للجمهورية كون انتهاء ولاية المجلس ستصبح بعد اتمام الرئيس سنواته الست الدستورية.... فهذا يعني حقيقة أن المعارضة تسعى لتمديد مفاعيل اتفاق الدوحة الملائم لوضعها الحالي على الساحة السياسية، بفضل المكاسب التي جنتها بإقراره، هذا فضلاً عن سعيها لجعله اتفاقاً بديلا أو ملحقاً بالطائف، مع التذكير بأن الجامع الأساسي بين الجنرال عون و"حزب ولاية الفقيه" هو رفضهما اتفاق الطائف، وإن تظاهرا أحياناً بعكس ذلك.
عبدو شامي
(نهار الشباب:6ايار2009)

الخطايا العشر

لدى مراجعة الحسابات السياسية بين "التيار الوطني الحر" و"حزب ولاية الفقيه"، أول ما يتبادر الى أذهاننا أغنية المرشح العوني الفنان غسان الرحباني: "اشتغل وما تقبض يا حبّوب كُتِب عليك العمل ببلاش"؛ ذلك أن الجنرال عون وتيّاره قدّما للحزب كل ما يملكان في أصعب الظروف وأشدها مصيرية، فدفعوا كثيراً ومراراً لكن دون أن يقبضا شيئاً يُذكَر. ولنبدأ باستعراض مواضع الدفع وما قابلها من مردود، حيث كان الربح كله لمصلحة الحزب الإيراني ومشروعه الإقليمي، المهدِّد للكيان والدستور والعيش المشترك والسلم الأهلي، وكانت الخسارة للبنان وتكوينه ونظامه وأمنه، ومن بعده للجنرال البرتقالي وتيّاره.
1- توقيع وثيقة تفاهم تمثل خطاب حزب شمولي بامتياز،لايؤمن بمشروع الدولة، وتغطي سلاحاً خارجاً عن الشرعية اللبنانية، وإن كانت تحت غلاف تجميلي من التعابير والعناوين اللمّاعة، مثل: الحوار، والديموقراطية، ومكافحة الفساد، واصلاح الدولة.
2- تغطية توريط الدولة في حرب تموز المدمِّرة، والدفاع عن مصادرة قرارَي الحرب والسلم من يدها، بحجة: "الحفاظ على المقاومة".
3- تغطية الإغتيالات والتفجيرات عبر تبرئة المجرم والقاتل، وإبعاد الشبهة عنه، وصولاً الى المطالبة بالتحقيق مع قيادة الجيش بسبب إرسالها طوافة عسكرية الى إحدى القرى اللبنانية، حيث اغتيل أحد أبرع طيّاريها بدم بارد.
4- المساهمة في المحاولات الإنقلابية، وحرق الدواليب، وقطع الطرق، مروراً بالإعتصامات، واحتلال الساحات، وتعطيل الحياة العامة.
5- المساهمة في عرقلة جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، وإقفال البرلمان.
6- التحوّل الى رأس حربة في التطاول على الكنيسة ورموزها، نيابة عن الحليف الذي لا تسمح له صبغته الطائفية القيام بذلك.
7- نكء الجراح، ونبش القبور، وزرع الفتن والأحقاد في المجتمع المسيحي، مع تعيير الآخرين بتاريخ كان الجنرال نفسه جزءا أساسيا منه.
8- تغطية غزوة أيار الإرهابية، وإعلان النصرعقبها، وتوعّد الإستقلاليين بالمحاسبة.
9- تقديم الشكر والتقدير لسوريا وايران، ومطالبة الضحية بالإعتذار من جلادها، والتنكّر للمعتقلين اللبنانيين في السجون السورية.
10- التطاول على الشهداء والإستخفاف بتضحياتهم، وكذلك على إعلاميين وصحف ووسائل إعلام، مشهود لهم بالصدقية والمهنية العالية.
قابل ذلك المجهود العوني والدفعات المتراكمة، مجرّد وعود من "حزب ولاية الفقيه"، لم يتحقق منها الا الفُتات الذي تمثل ببضعة مناصب وزارية في حكومة الثلث المعطل بعد غزوة أيار2008، وحتى المقاعد النيابية حُرم الجنرال من بعضها في الدوائر ذات النفوذ الشيعي، وجرى التضييق عليه في البعض الآخر. أما أهم الوعود المتمثلة بمنصب الرئاسة الأولى، فكانت مناورة من الحزب على قوى 14آذار وعلى حليفه المزعوم بغرض إحلال الفراغ في الرئاسة الأولى وإطالته وزعزعة دستور الطائف، لإدراك ذلك الحزب المناور جيداً أن قبول القوى الإستقلالية باعتلاء العماد العون سدّة الرئاسة الأولى رابع المستحيلات؛ وقد ذهب هذا الوعد هباء منثوراً، وكان الجنرال الخاسر الأكبر في اتفاق الدوحة مع انتخاب الرئيش ميشال سليمان لولاية دستورية كاملة، لا لفترة انتقالية كما كان يود الجنرال.
ويترتب على هذا السلوك المشين في حق الوطن، وتلك الخطايا العشر التي ارتضاها العماد عون لنفسه، ثلاثة احتمالات:
1- فإما أن يكون الجنرال صاحب كرم طائي منقطع النظير، بحيث يعطي لحليفه كل ما يملك دون انتظار مقابل. وهذا مستبعد.
2- وإما أن يكون من الذين تنطلي عليهم الوعود الكاذبة بسهولة. وهذا لايليق به.
3- وإما أن يكون ما دفعه ولا يزال، عبارة عن سندات مستحقة مقابل صفقة قبَض ثمنها سلفاً، قوامها السماح للجنرال بالعودة من منفاه الباريسي مع عدم فتح ملفاته المالية والقضائية، وعدم التعرض لشخصه وتياره بأي سوء، مقابل عدم تحالفه مع قوى 14آذار، وتأمين الغطاء المسيحي والسياسي لـ"حزب ولاية الفقيه" ومن ورائه المحورالسوري-الإيراني. وهذا المرجّح الذي يصدّقه الواقع منذ أربع سنوات، وهو ما بات يُعرف بـ"صفقة باريس".
ونتيجة لما تقدّم، ندعو الناخب اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً، لمراجعة حساباته جيداً قبل أن يدلي بصوته الذي سيحدّد مصير لبنان على الأقل للسنوات الأربع الآتية. كما ننصح الجنرال بعدم تعليق أهمية على الوعود بالرئاسة الأولى، سواء أكانت مستقبلية أو بالإنقلاب على الرئيس الحالي، أو حتى بجمهورية ثالثة أو رابعة، وذلك نظراً لطبع الجنرال الخاص ومزاجه الدقيق المعروف، وشعبيته التي رغم تناقصها لايمكن انكارها في الشارع المسيحي، فصاحب الوعود لا يمكن أن يرضى برئيس ماروني قوي شعبياً وله ذلك الطبع، لأنه لن يطمئن من ناحية إمكانية انقلابه عليه حال وصوله لسدّة الرئاسة، فكيف اذا كانت له شعبية مسيحية واسعة يمكن أن يعتمد عليها إذا ما اختار أن يكون مستقلاً في قراره يوماً ما؟!
في السابع من حزيران 2009، إذا لم تقحمنا قوى التعطيل في أتون حرب جديدة لتطيير الإنتخابات، ستكون صناديق التوبة والمحاسبة مفتوحة لكل من استدرجه الشيطان للوقوع في تلك الخطايا، كي يُكفّر عنها فاتحاً صفحة جديدة بيضاء نقية، من خلال اقتراعه للحرية والسيادة والإستقلال، ومحاسبته مَن رفع تلك المبادئ ثم انقلب عليها. ولنتذكّر دوماَ أن قدر الأحرار أن يضحوا بأعز ما يملكون من أجل وطنهم، وقدر الوصوليين أن يضحوا بوطنهم إرضاءً لطموحات ومصالح شخصية.
عبدو شامي
(نهار الشباب:28ايار2009)

تحدّيتِ فقاومتِ فانتصرتِ يا نايلة

لأنكِ الأصيلة وهمُ الدُخَلاء..
لأنكِ الطيبة وهمُ الخُبثاء..
لأنكِ العاقلة وهمُ السُفهاء..
لأنكِ الرشيدة وهمُ الأوصياء..
لأنكِ اللبنانية وهمُ الغرباء..
لأنكِ التنوّع وهمُ الإلغاء..
لأنكِ الوحدة الوطنية وهمُ الشقاء... تحدّيتِ

لأنكِ الوردة وهمُ الأشواك..
لأنكِ ليلة وهمُ الذئاب..
لأنكِ الثابتة وهمُ الإنقلاب..
لأنكِ الحقيقة وهمُ السراب..
لأنكِ الشابة وهم مَن استخَفّ بالشباب..
لأنكِ مدَدْتِ اليد وهم مَن أوصد الأبواب..
لأنكِ اخترتِ السيادة وهم مَن تذلّل على الأعتاب... قاومتِ

لأنكِ ابنة الحرية وهمُ التقييد..
لأنكِ العَصَب الحقيقي وهمُ التقليد..
لأنكِ ابنة الأشرفية وهم مَن جاء من بعيد..
لأنكِ البنت الوفية وهم مَن تطاول على الشهيد..
لأنكِ المرشحة المعتدلة وهم مَن تطرّف ليَحِيد..
لأنكِ الآنسة المهذبة وهم مَن لسانه من حديد..
لأنّا هزمناهم وخابوا مِن جديد... انتصرتِ

مبارك يا نايلة وهنيئاً لكِ يا ثورة الأرز، انتصاركما المجيد في المعركة الإنتخابية الأشد مصيرية في تاريخ لبنان الحديث. أما أنت يا بيروت الأبية، فمُدَوّياً كان ردكِ المزلزل على إرهاب السابع من أيار وميليشياته. لقد أثبتنا بجدارة أننا نستحق وطننا وشهداءنا، وأننا على العهد باقون وبقسم جبران بارّون؛ لا ترهبنا السبّابات المرفوعة بالتهديد، ولا تخيفنا الحناجر الصدّاحة بالوعيد، ولا نخشى إلا الله وحده سبحانه وتعالى. ولنجعل من هذا الإنجاز حافزاً لاستكمال مسيرة الحريّة والسيادة والإستقلال، والدفاع عن وجه لبنان وكيانه وهويته ونظامه وعيشه المشترك، يداً واحدة، مسلمين ومسيحيين، بالهمّة نفسها والحماسة نفسها في الاتجاه الذي بدأ عام 2005.
عبدو شامي
(نهار الشباب:11حزيران2009)

عوامل النجاح في الامتحان التاريخي

لقد خضع جمهور ثورة الأرز لامتحان تاريخي في السابع من حزيران 2009، لم تُقدِم المعارضة على تعطيله كما توقّع بعض المحلّلين، لأنها على ما يبدو كانت واثقة فعلاً من فوزها فيه، إلا أن ثوار الأرز نجحوا في امتحانهم نجاحاً باهراً، وكان وراء نجاحهم العوامل التالية:
1- توفيق الله تعالى للقوى الاستقلالية السيادية، في معركتها الديموقراطية السلمية والمصرية ضد من أجاز لنفسه تخوين مخالفيه بفعل احتكاره "المقاومة"، وحاول "أبْلَسَة" معارضيه باحتكاره الذات الالهية من خلال إلصاقه صفة الألوهية بحزبه وكل ما يصدر عنه من أفكار أفعال وممارسات، لا يبالي إن وصلت الى حد انتهاك حرمات الناس ودمائهم وكراماتهم في يوم أسود أليم، صنّفه في قاموسه الدموي على أنه يوم مجيد من أيام المقاومة.
2- ادراك الناخب اللبناني عموماً والناخب المسيحي خصوصاً، أن الإنتخابات النيابية فرصته للمساءلة والمحاسبة، وأن صوته يتحمّل المسؤلية الكبرى في ترجيح كفة الدولة المهدَّدة على الدويلة المتنامية، لأنه مَن سيقرر مصير لبنان: هوية ونظاماً وكياناً.
فقد أيقن الناخبون المسيحيون، المثقفون منهم والواعون على وجه الخصوص، أن البرنامج الإنتخابي الذي اقترع له نحو 70% منهم عام 2005 مأخوذين بشعاراته الوطنية الصافية، لم ينفَّذ منه بند واحد، بل نُفّذ كل ما يخالف مضمونه. كما لمسوا حقيقةً أن رافع تلك الشعارات خدعهم فانقلب عليها وصار ملحقاً بالزعامة الشيعية او تابعاً لها، وتمادى في ارتكاب الخطايا التي انتهكت الثوابت المسيحية التاريخية، القائمة على الكنيسة والكيان والسيادة والاستقلال، وذلك من خلال الإنقضاض على انجازات ثورة الأرز وإهانة رموزها وشهدائها، والهجوم المركز على رأس الكنيسة ورئاسة الجمهورية، والإمعان في دعم أحزاب مسلحة خارجة على الشرعية اللبنانية، وتغطية سلاحها ومشروعها المهدِّد للكيان اللبناني ونظامه وتنوعه وسلمه الأهلي.
3- الاستجابة لنداء بكركي التاريخي الحريصة دائما على مصلحة لبنان، عندما ارتفع صوت سيّدها البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير عشية المعركة المصيرية في صرخة من القلب والضمير الى القلب والضمير، واضعاً المسيحيين أمام مسؤولياتهم لإعادة توجيه بوصلتهم الوطنية والسياسية في الاتجاه الصحيح، بقوله: "إننا اليوم أمام تهديد للكيان اللبناني ولهويّتنا العربية، وهذا خطر يجب التنبّه له؛ ولهذا، إن الواجب يقضي علينا بأن نكون واعين لما يدبر لنا من مكايد، ونحبط المساعي الحثيثة التي ستغيّر إذا نجحت وجه بلدنا". وبتجاوبهم مع هذا النداء التاريخي، قطعوا الطريق أمام مَن راهن على آفة التبعية العمياء التي تحط من قيمة الإنسان، ظاناً أنه قادر على الذهاب بلبنان وبمسيحييه إلى حيث يشاء، بعيداً جداً عن ثوابتهم التاريخية والوطنية والثقافية.
4- حسن توصيف قوى 14 آذار الإستحقاق الانتخابي للعام 2009 على أنه "أكثر الإنتخابات مصيرية ومفصلية في تاريخ لبنان"، وإدراك جمهور انتفاضة الاستقلال صوابية وصدقية هذا التوصيف، وهو ما أثبته تصريح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في 25/5/2009 الذي أربك المعارضة نفسها، فقد اعتبر فيه أن "فوز المعارضة في الانتخابات النيابية اللبنانية سيقوي المقاومة ويغيّر الأوضاع في المنطقة"، ما يعني وقوع لبنان في قبضة المحور السوري -الايراني بالكامل وبشكل رسمي، الأمر الذي سيكرّس لبنان نهائياً كساحة مفتوحة لنظام ولاية الفقيه الشمولي يعبث بها كيف يشاء، بما يخدم مشروعه الشعوبي الفارسي بجذوره وأطماعه التاريخية.
5- نجاح قوى 14آذار في تقديم برنامج انتخابي متكامل خاضت على أساسه الإستحقاق النيابي تحت عنوان "العبور الى الدولة"، تركّز على مشروع الدولة والسيادة والحرية والاستقرار والإزدهار الإقتصادي، في جو من الإنفتاح على الشركاء في الوطن مرعاة للتنوّع والتعدّدية التي يتميّز بها لبنان. وفي المقابل اكتفى فريق 8آذار بشعارات طنانة ولم يقدم الى جمهوره سوى مجموعة من الرؤى لاتبني وطناً، طغى فيها البُعد السلطوي على البُعد الوطني والإصلاحي، لاسيّما مع رفعه شعارات المشاركة والثلث المعطّل والجمهورية الثالثة وصلاحيات الرئاسة الأولى... كل ذلك بلغة اتهامية واتجاه إلغائي لبعض الشركاء في الوطن، مثل عبارة: "إنهاء سلالة حكمت البلاد منذ العام 1992"!
6- تضامن قوى 14آذار وحُسن تعاونها فيما بينها، ودقّة اختيارها تحالفاتها الإنتخابية بانفتاحها على المستقلين، والتضحيات التي قدّمها العديد من اعضائها وقياداتها مقدّمين الصالح العام لثورة الأرزعلى المصالح الحزبية والشخصية وإن كانت محقة احياناً كما في الدوائر ذات الثقل الشعبي للطرف المتنازل عن ترشيحه، وذلك من أجل كسب المعركة التاريخية والمحافظة على وحدة الصف، في وجه مخطط تصدير الثورة الإيرانية وأيامها المجيدة الى لبنان.
7- صبر جمهور الحرية والسيادة والإستقلال، والنساء منهم خصوصاً وكذلك المرضى والعجّز، على بطء عملية الإقتراع المتعمّد في بعض الأقلام المرجّحة، وتحمّلهم الإكتظاظ الشديد الذي اختنقت به مراكز الإقتراع، فقد شهدت كثافة مقترعين غير مسبوقة في تاريخ لبنان (54,8%) مع احتشاد الناخبين فيها صفوفاً متراصة وطوابير لامتناهية منذ الصباح الباكر تحت أشعة الشمس الحارقة والجو اللاهب، ومنهم من عبر القارات واجتاز المحيطات، وما ذلك إلا إصراراً منهم على الإدلاء بأصواتهم التي أدركوا أهمية كل صوت منها في قلب موازين معركتهم المصيرية، ونيل شرف القيام بواجب إنقاذ وطنهم من المخاطر التي تتهدّده.
هذه العوامل مجتمعة أثمرت فوزاً كاساً لقوى 14 آذار حيث نالت71 مقعداً نيابياً مقابل 57 للمعارضة، مجدّدة بذلك أكثريتها النيابية التي ثبت أنها حقيقة غير وهمية ولا دفترية ولا مسروقة، ومنتصرة لمنطق الدولة على الدويلة، ولثقافة الحياة على ثقافة الموت، وللحرية والسيادة على التبعية والإرتهان. كما أكدت النتائج التي انتهت إليها الانتخابات النيابية، تبدُّد وانتهاء أسطورة ال70% التي لطالما استقوى بها العماد عون، فقد أظهرت دراسة لمجمل النتائج التي أدت اليها عمليات الفرز الرسمي، أن 58% من الناخبين المسيحيين صوّتوا ضد لوائح الجنرال، فيما صوّت 42% لمصلحتها، ما يعني انتفاء حصرية تمثيل عون للمسيحيين ورفع الغطاء المسيحي عن الحزب المسلّح و"ورقة تفاهم 6شباط".
وعلى الرغم من احتفاظ الجنرال بموقع متقدّم في النتائج، إلا "التيار الوطني الحر" لم يكن لينجح لولا الصوت الشيعي في جزين وبعبدا وجبيل، ولولا الصوت الأرمني في المتن. أما في كسروان فالأرقام جاءت متقاربة جداً و"على المنخار"؛ لكن الكارثة الكبرى كشفت عن وجهها في بيروت الأولى مع "الخمسة-صفر"المدوية، وفي البترون مع الخسارة "العائلية" التي لا تعوّض، وفي الكورة مع الثلاثية النظيفة، وفي زحلة حيث سقط الحليف بالضربة القاضية مع اكتساح لائحة 14 آذار مقاعدها السبعة، التي انضمت الى خماسية بيروت الأولى لتمنح 14 آذار الأكثرية.

عبدو شامي
(موقع القواتاللبنانية:26نيسان2009)

بكركي حصن لبنان الأخير

غالباً ما تكون السجالات والانتقادات بين المقامات الروحية ورجال الدين سبباً لشحن النفوس، ما قد ينعكس تفجيراً للخلاف الطائفي بين اللبنانيين. وبالتالي لايمكن القبول بالتهجم على مواقع دينية من مواقع دينية أخرى لخطورة هذا الأمر على السلم الأهلي والعيش المشترك بين اللبنانيين؛ فالمرجعيات الروحية يفترض بها أن تكون صمام أمان للبنان واللبنانيين، وأن تحرص دوماً على الدور التوحيدي والوفاقي للمصلحة الوطنية.
وبناء على ما تقدّم، جرت العادة في لبنان أن توكل مهمة الرد على المرجعيات الدينية إذا ما أدلت بموقف سياسي يتعارض مع موقف تتبناه مرجعية دينية أخرى، الى أحد السياسيين المنتمين الى المرجعية المعترضة ليتولى الرد على موقف المرجعية الأولى بنفسه، وذلك تفادياً للشحن المذهبي أو الطائفي الذي قد ينتج حال صدور الرد أو الإنتقاد عن رأس المرجعية شخصياً.
فعلى الصعيد المسيحي، كانت المعارضة توكل مهمة الردود القاسية والمسيئة أحياناً كثيرة على مرجعية بكركي الوطنية الى زعماء مسيحيين وموارنة من صفوفها، وتحديداً الجنرال عون والوزير السابق سليمان فرنجية. وكذلك الحال في الجانب الإسلامي، فمثلاً بعدما وصف مفتي الجمهورية أحداث السابع من أيار بـ"الأعمال بالإرهابية" عقب تهنئته العماد سليمان بالرئاسة الأولى في قصر بعبدا في 17/6/2008، أناط "حزب ولاية الفقيه" مهمة الرد عليه لمسؤول العلاقات الدولية نوّاف الموسوي، وجاء الرد كالعادة بعيداً عن اللياقات الواجب مراعاتها، وحمل في طيّاته الروح التخوينية التي عوّدنا عليها هذا الحزب في أدبياته، حيث قال: "إن الذي سمَّى المقاومة إرهاباً هو العدو الإسرائيلي والإرهاب الأميركي، وإن من يطلق على المقاومة هذه التسمية يضع نفسه في الموقع الإسرائيلي - الأميركي".
لكن ما الذي تغيّر اليوم ، لكي ينبري أمين عام "حزب ولاية الفقيه" للمرّة الأولى فيردّ شخصياً على تصريح البطريرك صفير الذي أطلقه عشية الإنتخابات النيابية واعتبر فيه: "اننا اليوم أمام تهديد للكيان اللبناني ولهويّتنا العربية، وهذا خطر يجب التنبّه له؛ ولهذا، إن الواجب يقضي علينا بأن نكون واعين لما يدبر لنا من مكايد، ونحبط المساعي الحثيثة التي ستغيّر إذا نجحت وجه بلدنا". فقد تناول الأمين العام هذا الموقف بانتقاد لم يخلو عن النفَس التخويني في 17/6/2009، متسائلاً كيف يُفهم أن فوز المعارضة تهديد للكيان اللبناني؟ وتوجّه الى البطريرك بالسؤال: "هل كل ما عملته اسرائيل وتمثله سابقاً وحالياً ومستقبلاً لم يكن يستدعي خلال أكثر من 20 سنة من توليه البطريركية أن يتحدّث عن تهديد الكيان؟". وأضاف: "سنعمل على مجموعة مقترحات تؤكّد الوجه العربي للبنان ونطلب من غبطته تأييدها في بيان علني".
قد يقال إن السبب الذي حمل أمين عام الحزب على هذا التهجّم، هو أنه أراد أن يرفع عن نفسه مسؤولية الفشل في الانتخابات النيابية أمام شعبه، فحاول تحميل هذه المسؤولية الى البطريرك الماروني؛ وهذا استنتاج منطقي صحيح. لكن يمكن أن يضاف إليه سبب آخر أكثر دقّة، هو أن السابقة الخطيرة التي أقدم عليها أمين عام الحزب، هي في الحقيقة إقرار منه بتجريد حزبه من الغطاء المسيحي الذي كان قد منحه إياه العماد عون عندما كان يمثل 70% من المسيحيين، ما اضطر الأصيل للتدخل بدلاً من الوكيل، بعدما كان في تلك الفترة يوكل مهمة التطاول على الكنيسة للزعيم الماروني الأقوى، أما وقد نجح الناخب اللبناني والمسيحي تحديداً إعادة الجنرال البرتقالي الى الحجم الطبيعي الذي يستحقه معطياً قوى 14آذار 58% من تأييده مقابل 42% للجنرال، فلم يعد للوكيل قدرة تمثيلية مسيحية كافية تخوّله الوقوف في وجه بكركي.
ثم إن مَن تساءل أين هو تهديد الكيان الذي تكلم عنه سيّد بكركي، تناسى كلام الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الصادر في 26/5/ 2009 أي قبل أقل من أسبوعين من موعد الانتخابات، والذي اعتبر فيه: أن فوز المعارضة سوف يُغيّر وضع لبنان ووضع المنطقة. كما تناسى كلام نائبه نعيم قاسم في 5/6/ 2009، الذي أعلن فيه رفضه للقرار1701 ناصحاً مجلس الامن بأخذ قسط من الراحة والنوم. وماذا عن إعلان 7أيار يوماً مجيداً من أيام المقاومة في لبنان؟ وماذا عن التهديد بالسلاح واستعماله في الداخل؟ وماذا عن الكلام مراراً وتكراراً عن تغيير النظام الذي صدر عن نواب الحزب وحلفائه، كشعار "الجمهورية الثالثة" مثلاً؟ أليس في كل ذلك ما يستدعي القلق على وجه لبنان ونظامه وهويته وعيشه المشترك؟!
إنها لمفارقة عجيبة أن يُنكِر مَن يرأس حزباً إيراني التأسيس والولاء والتمويل والتسليح، ويقود جيشاً خاصاً به، حق رجل دين غيره، وخصوصاً إذا كان بطريرك الموارنة المؤتمن على الكيان اللبناني، في أن يتخذ مواقف في السياسة وفي مواضيع لها طابع وطني شامل.
إن دور بكركي كان ولا يزال دوراً وطنياً، وما صدر عنها لم يكن كلاماً انتخابياً بل كلاماً وطنياً خوفاً على الوطن. ومن هنا ندرك سبب استهداف هذه المرجعية من قبل الطامعين بهذا الوطن منذ زمن الوصاية السورية الى يومنا هذا. فيكفي بكركي أنها كانت السبّاقة في المطالبة بالانسحاب السوري من لبنان، مع نداء المطارنة الموارنة التاريخي في 20/8/2000، في حين كانت معظم المرجعيات الدينية لا تزال تكرر يومياً ترتيلة وحدة المسار والمصير؛ فقد قادت الكنيسة وغطّت منذ العام 2000 بناء معارضة مسيحية وطنية للاحتلال السوري عبر لقاء "قرنة شهوان"، ما لبث أن انضم إليها بعد التمديد القسري للرئيس لحود: الرئيس رفيق الحريري والنائب وليد جنبلاط على قاعدة مشروع وطني تعدّدي، هزّ أركان النفوذ السوري ودعائمه، فأشعلت الكنيسة بذلك فتيل ثورة الأرز التي تفجّرت عام 2005 في وجه الوصاية السورية، واسترجعت القرار اللبناني الحر من فم الأسد تحت ضربات الحديد والنار الموجعة، والإغتيالات القاتلة، والتفجيرات المروعة، والتهديدات المقلقة التي لم تنته حتى الآن.
إن الخطر الحقيقي الذي يحدق بالوطن هو محاولة ضرب روح الكيان اللبناني، عن طريق ضرب النظام الديموقراطي البرلماني الحر الذي يضمن الحريات العامة والخاصة للشعب اللبناني بكل طوائفه وأفراده، واستبدال هذا النظام بأنظمة ديكتاتورية وشمولية من شأنها أن تضرب خصوصية الكيان اللبناني. وهذا بدا واضحاً خلال السنوات لأربع الأخيرة مع تقويض حكومة الإستقلال الثاني، وإفقال المجلس النيابي، وإقصاء المسيحيين عن الرئاسة الأولى مدة 6 أشهر، ومع الإعتداءات المتكررة والمغطاة من قبل أحزاب نافذة على الجيش اللبناني، وحذف أبرز كفاءات المؤسسة العسكرية، وصولاً الى الحملة الشعواء على السلطة القضائية التي شهدناها منذ فترة. والآن لم يبق من بين الحصون التي تدافع عن الكيان اللبناني سوى بكركي، التي تمسّكت بالثوابت الوطنية وانحازت انحيازاً مطلقاً للبنان، وأعطت موافقتها على دستور الطائف، واتخذت المواقف المشرّفة أثناء الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان فاتحة الأديرة والمدارس أمام النازحين، وقادت بجرأة وصبر الجهود الوطنية التي حرّرت البلاد وأعادت اليه سيادته وسلامة أراضيه واستقلاله... فلا عجب إذا وجّهوا إليها سهام حقدهم اليوم بصفتها خط الدفاع الأخير، لكن هيهات أن ينالوا مأربهم.
على تلك الأطراف التي تمتهن التخوين وتوظفه في خطابها، أن تحذف هذه العبارة الذميمة من أدبياتها خصوصاً وأنها تطلق جزافاً من غير دليل،[ وإلا فمن السهل أن يخرج من يقول لها: "إن العميل المحترف غالباً ما ينتهج أسلوب المزايدة على الآخرين في الوطنية إمعاناً في ستر نفسه"، وبذلك ندخل في حملات تخوين متبادلة، تفضي بنا الى حروب أهلية لطالما عانينا من مآسيها وعذابها ودمارها، ما سيصب حتماً في مصلحة العدو الصهيوني الذي سيحقّق مآربه فينا بالقضاء على نموذجنا الفريد في العيش المشترك، من دون أن يطلق طلقة واحدة أو يخسر قطرة دم واحدة.]
عبدو شامي
(موقع القوات اللبنانية:23حزيران2009)

ويحدّثونك عن المشاركة

"إن لبنان لا يقوم إلا على المشاركة بين جميع طوائفه ومكوناته"، كلام صحيح وموزون، لكن إذا أُتبِع بعبارة: "والشراكة الحقيقية لا تكون إلا بالصيغة التي تمتلك فيها مكوّنات مجلس الوزراء حق النقض"، صرنا بذلك أمام هرطقة دستورية وسفسطة، وقلْب للمفاهيم الصحيحة.
إن ما يطالب به هؤلاء الإنقلابيون من بدعة الثلث المعطل، التي تعني بعبارة أخرى: حق تعطيل قرارات الحكومة، أو عدم صدور قراراتها إلا إذا حظيت بالإجماع الذي بدوره لا يتحقق إلا إذا نال رضى الأقلية، هو بحد ذاته انقلاب على دستور الطائف، لأن من شأن ذلك تحويل الديمقراطية البرلمانية التي يُفترض أن تُحكم على أساسها البلاد، حيث الأكثرية تحكم والأقلية تعارض وتحاسِب، إلى "ديمقراطية توافقية"، لا تحظى بموجبها الأكثرية والأقلية البرلمانيتان بحقوق متساوية فحسب، بل يصبح للأقلية امتياز "الفيتو"! وحينئذ، يجدر بالقوى السياسية أن تتنافس على الفوز بأقلية مقاعد البرلمان في الإنتخابات النيابية، لا على حصد أكثرية مقاعده.
أما تسميتهم هذه الآلية الإنقلابية "مشارَكة"، فهو ضرب من الإحتيال على معاني اللغة، وتفريغ للمفاهيم من مضمونها، تماماً مثل جمعهم بين النقيضين في عبارة "الديمقراطية التوافقية"؛ ذلك أنّ "المشاركة" في القاموس لها معنى إيجابي، يدور حول التعاون والتضامن في سبيل تحقيق هدف مشترك، ومن هنا سمّي العقد الذي يلتزم بموجبه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي بقصد أن يقتسموا ما ينتج عنه من ربح أو خسارة، بعقد الشركة. وبالتالي لا يمكن أن تطلق "المشاركة" على معانٍ سلبية مثل التعطيل والعرقلة أو تحكّم الأقلية، وإلا أصيب البلد بالجمود والشلل، وأصبحت الحكومة أشبه بعربة تدفعها الأكثرية إلى الأمام فيما تجرّها الأقلية إلى الخلف، بغرض إخضاعها لمبدأ: ما لنا لنا وحدنا، وما لكم لنا ولكم، حتى ولو اضطررنا لاستعمال القوة في انتزاعه.
واليوم خرج علينا الجنرال البرتقالي ببدعة "الحكومة النسبية" التي يريد من خلالها إظهار تمايز بينه وبين حلفائه المطالبين بالثلث المدمِّر لكي يُبعد عن نفسه تهمة التبعية والإرتهان للمشروع الفارسي، إلا أنه تمايز في اللفظ دون المعنى إذ إن اعتماد النسبية يعطي المعارضة نسبة الثلث المعطل، ومن شأن هذا الطرح الملغوم أن يحوّل الحكومة الى مجلس نيابي مصغّر وهذا ضرب للدستور اللبناني.
وإذا أردنا وضع الكلام السياسي التجميلي والترقيعي جانباً، واخترنا مقاربة الواقع اللبناني بصراحة، فسيتّضح لنا أن حقيقة النزاع القائم إنما تتعلق بتقسيم السلطة بين الطوائف المختلفة في لبنان من جهة، وبهويّة لبنان الإجتماعية والثقافية من جهة ثانية، وأي كلام غير ذلك يتنافى مع الصواب.
فاتفاق الطائف وضع حداً للتنازع بين الطوائف على مقاليد الحكم، وأنهى الحرب الأهلية بإقراره صيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في كافة المناصب الأساسية في البلاد، بصرف النظر عن الأعداد. وظلّت هذه الصيغة قائمة ومطبّقة، وإن تخللتها خروق قليلة زمن الوصاية وبعدها.
غير أنه مع بروز الزيادة الديموغرافية السريعة في الطائفة الشيعية، التي من شأنها حال استمرارها على وتيرتها التصاعدية، أن تجعل من الشيعة الطائفة الأكبر في لبنان، ونظراً لما رافق هذا العامل الديموغرافي من تعاظم الحجم السياسي والتنظيمي والعسكري لهذه الطائفة، بسبب احتكار تمثيلها ومصادرة قرارها من حزب مسلح له مشروعه وامتداده الإقليمي، كما له ثقافته الخاصة، التي ترفض التعددّية و التنوّع وتجنح نحو الشمولية والإستبداد، وتسيطر على مجتمعها بالتكاليف الشرعية والصبغة الإلهية... بدأ هذا الحزب المحتكِر يشعر بأن صيغة المناصفة في توزيع الحصص الطائفية على مراكز الدولة لم تعد تلائمه، لأنه بات يرى أن حجمه يستحق أكثر من ذلك، ومن هنا أصبح يسعى للإطاحة بالطائف، من خلال تحويل المناصفة إلى مثالثة كمرحلة أوليّة يريد تكريسها من خلال ديمومة تسوية الدوحة(الثلث القاتل)، تمهيداً لمطالبته لاحقاً بالمزيد مع مرور الزمن، خصوصاً وأن العامل الديموغرافي يلعب لصالحه، وسلاحه في ازدياد وتطوّر وأمان؛ وعندها سوف يصبح من أشد المطالبين بإلغاء الطائفية السياسية، لأنها ستسمح له بالإسحواذ الكامل على الدولة.
باختصار: إن السياسة التي يعتمدها هذا الحزب منذ فترة، ترتكز على أسلوب "الإستدراج البطيء" في انتزاع مطالبه، الذي يعلن معه غالباً عكس ما يبطن في ما يعرف بـ"التقيّة"؛ ومن شأن هذا التكتيك الخبيث أن يدفع البلاد باتجاه خيارين:
1-إما التقسيم، الذي يريد الحزب أن تصدر المطالبة به من بقية الطوائف، ليظهر بصورة المضحّي في التجاوب مع مطلبهم، الذي هو في الحقية مطلبه ومبتغاه حال بقائه عاجزاً عن تحقيق أكثرية نيابية. وهذا يعني أن يعدّل الدستور جذرياً، وهو لا يحصل في بلادنا إلا بعد حرب، فالطائف جاء بعد حرب أهلية، واتفاق الدوحة الذي يعملون اليوم على إلحاقه بالطائف تمّ بعد شبه حرب أهلية. وقد قطع الحزب شوطاً لا بأس به في طريق التقسيم، مع الشحن المذهبي والطائفي الذي سبّبته حملات التخوين ومحاولات إسقاط حكومة الإستقلال الثاني وتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية من جهة، والفرز السكاني الذي نتج عن غزوة أيار الإرهابية عام 2008، من جهة ثانية.
2- وإما ولاية فقيه ثانية، تشوّه وجه لبنان، وتنسف أبرز مقوّماته، وعلى رأسها حرية الرأي والفكر والمعتقد، وتُجهِز على نموذجه الفريد في العيش المشترك. وبإمكان الحزب أن يضع لبنتها الأولى رسمياً، حال فوزه في الإنتخابات النيابية وبقائه متمتعاً بالغطاء المسيحي؛ وهذا ما استطاع جمهور ثورة الأرز إحباطه مؤقتاً في 7حزيران ولله الحمد.
وفي كلا الإحتمالين، لن يعود لبنان هو لبنان الذي نعرفه، وستكون إسرائيل الرابح الأكبر، بصفتها الساعية إلى تقسيم المنطقة لدويلات صغيرة قائمة على اعتبارات ديموغرافية وعرقية ومذهبية، لكي يصبح وجودها مقبولاً في المنطقة بصفتها دولة يهودية.
تبقى الإشارة الى أنه جرى الرجوع في البحث عن معنى "المشاركة" الى قواميس اللغة العربية، ولا ندري ما إذا كانت تلك الكلمة تفيد في الفارسية خلاف ذلك، كالمثالثة مثلاً أو التعطيل، فاقتضى التنويه.
عبدو شامي
(موقع القوات اللبنانية:30حزيران2009)

عذراً أيتها الرئاسة الثانية

أكتب إليكِ هذه الرسالة بأسى وحزن شديدَين، فلست أدري ماذا عساني أقول لك أيتها الرئاسة الثانية بعد الخامس والعشرين من حزيران2009، تاريخ عقد قرانك على عريس من المؤكد أنك كنت تتمنين أي شخص سواه؟
أعلم كم هو صعب على عروس مثلكِ أن تقبل عريسا أثبتت التجربة في السنوات الأربع الماضية عدم كفاءته للإقتران بها، بدءاً من تعطيله المجلس وقفل أبوابه، مروراً بتخطّيه صلاحياته الدستورية واعتباره حكومة الإستقلال الثاني غير شرعية، وصولاً الى سوء تنظيمه العمل داخل المجلس، ومع ذلك أُجبِرْتِ على الزواج به من دون ضمانات يقدّمها بعدم تكرار ما حدث. وأعلم أيضاً كم كانت فرحتكِ كبيرة عندما علمتِ أن الشعب اللبناني اختار فريق الرابع عشر من آذار ليكون وليّكِ بصفته الحاصل على الأكثرية النيابية التي إليها اوكِلَت مهمة تحديد هويّة رئيس المجلس الجديد: زوجكِ، وكيف خاب أملكِ على أثر علمكِ بسحب النائب الشاب عقاب صقر طلب خطبتكِ، لأنه حاول المساس بإقطاعية البرلمان أو مملكته. وأدرك جيّداً كم كان قاسياً عليكِ أن يختار لكِ وليّكِ عريساً لا ينتمي الى فريقه السياسي وتوجّهاته السيادية، توجّهاتكِ.
مرشح واحد وحيد تقدّم لخطبتكِ مع أنكِ لاينقصكِ شيء، فلديك من الحسب والنسب والمال والجمال وغيرها من المواصفات، ما يجعل الخطّاب يتقاطرون الى بابكِ صفوفاً وأفواجاً، لكن أظنك تعلمين أن لا أحد يجرؤ أن يفكّر في رغبته المكبوتة والمشروعة ولو في أحلام اليقظة، بفكرة التقدّم لخطبكِ في وجه ذلك المرشح الحصري الذي أراد إفهامكِ وإفهامنا معكِ أنك خُلقتِ لأجله، وأن المجلس النيابي بأرضهِ وسمائهِ وهوائهِ وأنفاس نوابهِ ومديرياته ودوائره وشرطته، حكرٌ على طائفته وحركته وفريقه السياسي المسلّح فقط لا غير.
لم يخطئوا في حقّك أيتها الرئاسة الثانية بموافقتهم على الرئيس الحالي زوجاً لكِ، نعم لم يخطئوا، لكنهم في الوقت عينه أخطأوا بعدم لجوئهم الى أفضل الممكن أو الى أضعف الإيمان في ذلك الإنتخاب؛ صحيح أنهم كانوا أمام خيارَين لا ثالث لهما: إما المرشّح الوحيد وإما الفوضى أو 7أيار جديد، لكن كان بإمكانهم حفاظاً منهم على ماء وجهكِ ووجههم أمام جمهورهم، أن يتركوا ذلك المرشح ليفوز بأصوات فريقه أو بالنصف زائد واحد على أحسن تقدير، لا أن يعطوه 33 نعَماً من أصواتهم ليفوز بمجموع 90 صوتاً؛ فناخبوهم وإن تفهّموا إلزامية وحتمية فوز المرشّح الأوحد، فإنهم لن يفهموا سبب كثافة هذه الأصوات التي لو كان منصوصاً عليها في بيانهم الإنتخابي لما أقدموا على إعطائهم ثقتهم وتأييدهم. فاسمحي لي أن أوجّه تحيّة إجلال وتقدير باسمكِ للذين اقترعوا بالورقة البِيضاء، محاولين تزيين فستان عرسك الأسود بشيء من البياض.
قتيلة وأكثر من اثني عشر جريحاً سقطوا برصاص وقذائف الإبتهاج في حفل زفافك الحزين هذا، فما بالكِ لو رفض أولياؤكِ تزويجكِ من عريسكِ المفروض وأعطوكِ لأحد شبابهم الأكفاء، كم قتيل برصاص الحقد والغدر كنا قد شيّعنا في ذلك اليوم المجيد يا ترى؟!
أنا لست من مؤيدي الزواج بالإكراه، كلا، لا تفهميني خطأً، لكن ما حدث كان لا مفرّ منه وما باليد حيلة. ومع ذلك فعزاؤك عزيزتي أيتها الرئاسة الثانية، أن عريسكِ يتجدّد كل أربع سنوات، فعسى أن يكرمكِ الله سنة 2013 بعريس كفؤ ترضينه ويرضاك، ويعرف كيف يصونك ويحافظ عليك.
آمل أن تتفهّمي أعذاري وإن كنتُ في قرارة نفسي غير مقتنع ببعضها، فمعذرة أيتها الرئاسة الثانية، المعذرة.
عبدو شامي
(نهار الشباب:2تموز2009)


إيران.. وانقلاب السحر على الساحر


قمعت القيادة الإيرانية التظاهرات العارمة التي اجتاحت بلادها احتجاجاً على الإنتخابات المتنازع على نتيجتها والتي أجريت في12حزيران2009، لكنها انتقلت من الشوارع الى صراع خلف الستار يقسم المؤسسة الدينية الى معسكرين متنافسين، وسط قاعدة شعبية ناقمة على نظام ديكتاتوري ظالم، بنى دولته على القمع والدم والإغتيال، وكل ما يخالف القيم الأخلاقية والدينية التي ينسب نظامه الظلامي اليها زوراً وبهتاناً.
فقد كشف النزاع حول تزوير الإنتخابات عن خلافات لم يسبق لها مثيل داخل النخبة الحاكمة في إيران، وصلت الى حد زعزعة أركان نظرية "ولاية الفقيه" المطلقة، وكسر هيبتها أمام الشعب الإيراني ومن يلتزم اتباعها في العالم، وهو ما برز بوضوح مع إشعال ليل طهران والمدن الأخرى بهتافات "الله اكبر" التي إن عنت شيئا فإنما تعني لجوء الشعب الإيراني الى الله ليعينه على "الولي الفقيه" والنظام الذي يتحكّم بمفاصله، بعدما أعلن انحيازه لتلميذه المطيع أحمدي نجاد وأمر بقمع المحتجين بالحديد والنار؛ وكالعادة تهمة العمالة جاهزة للإستخدام: "مجموعات مدعومة ومحرّضة من الإستخبارات الأميركية والبريطانية والغرب"!
وكانت حصيلة أسوأ موجة اضطرابات تشهدها إيران منذ "الثورة الخمينية" عام 1979: مقتل نحو عشرين شخصاً، وتوقيف أكثر من ألفين آخرين بينهم 70 أستاذاً جامعياً وما يقرب من 40صحافياً وعاملاً بالإعلام، وإغلاق صحف وتعطيل مواقع إلكترونية، فيما اعتُبر أكثر من مئتي شخص في عداد المفقودين لاسيّما مع إقدام أفراد ميليشيات "الباسيج" الهمجية (توءم ميليشيات نصر الله في لبنان)على خطف جرحى من المستشفيات.
إن الثورة الخضراء التي أشعلتها عملية التزوير في الإنتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة، وما استتبعها من حركة احتجاجات شعبية واسعة النطاق في مجمل المدن الكبرى، رافقتها مسيرات حاشدة تجاوز بعضها المليون متظاهر، إضافة الى عمليات قطع الطرق وإحراق السيارات وحافلات النتقل الجماعي، وتكسير بعض الأملاك العامة والخاصة، وسقوط قتلى وجرحى، فيما أوحى بأنها ثورة على النظام المتهالك نفسه، هذه المشاهد مجتمعة ذكّرت اللبنانيين بالأحداث الأليمة التي عاشوها خلال السنوات الأربع الماضية، والتي يمكن إيجازها باللائحة التالية:
1- غزوة الأشرفية في 5شباط 2006، التي أراد مفتعلوها إظهار المسلمين السنّة بصورة الهمَج الحاقدين على شركائهم المسيحيين في الوطن، في محاولة للإيقاع بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل من جهة، وإظهار الشيعة الممثلين بـحزب ولاية الفقيه بالوجه الحضاري المسالم من جهة أخرى، وبالتالي إقناع المسيحيين العونيين بجدوى التحالف المرتقب في اليوم التالي مع حزب ولاية الفقيه "المعتدل"، في وجه "التطرّف والإرهاب" السُنِّي الذي يتحالف معه الدكتور سمير جعجع.
2- أعمال الشغب التي اندلعت في 1/6/2006 على خلفية عرض إحدى المحطات برنامجاً فكاهياً تناول شخصية أمين عام حزب ولاية الفقيه؛ فما إن انتهى البرنامج حتى نزل آلاف من مناصري الحزب إلى الشوارع مستنكرين ما اعتبروه مساساً بشخص "سيِّد مقاومتهم"، ومتخذين من ذلك "السكتش" ذريعة لأعمال شغب وتخريب واسعة النطاق.
3- مصادرة نظام ولاية الفقيه قراري الحرب والسلم من يد الدولة اللبنانية، وإقحامه لبنان في حرب تموز2006 المدمّرة التي دامت 33 يوماً، حاصدة 1300 قتيل و4000 جريح، ما أعاد لبنان سنوات عدة إلى الوراء.
4- احتلال وسط بيروت التجاري مع الإعتصام الذي شلّ الدولة والإقتصاد، وتنظيم تظاهرات حاشدة صفراء وخضراء وبرتقالية لإسقاط حكومة الإستقلال الثاني أواخر العام2006.
5- التحركات الإنقلابية التي بدأ معها مسلسل الاحتكاك بأهالي بيروت ومختلف المناطق، حيث حصلت صدامات واعتداءات على النظام العام، وعلى الأحياء البيروتية الآمنة، واستُخدم السلاح في نطاق ضيِّق، لا سيَّما يومي 23و25/1/2007، وكانت حصيلة اليوم الأسود في23/1/2007: ثلاثة قتلى وأكثر من 150 جريحاً.
6- وأخيراً وليس آخراً أحداث 7 أيار2008 الإرهابية "المجيدة"، التي بلغت معها أفعال المعارضة الموجّهة والمدعومة من المحور السوري-الإيراني أقصى مداها في التحرك العنفي، قطعت خلالها معظم طرق العاصمة بالإطارات المشتعلة والعوائق الإسمنتية والسواتر الترابية والسيارات المحروقة، وانتشرت معها ميليشيات المعارضة المسلحة في الشوارع، فاحتلت العاصمة بيروت وأقفلت المطار والمرفأ وعزلت لبنان عن العالم؛ ومالبثت الفتنة أن امتدت الى الجبل مع محاولة اقتحامه وبقية المدن الكبرى، موقعة أكثر من ثمانين قتيلاً وعدداً كبيراً من الجرحى.
هذا على الصعيد اللبناني الداخلي، أما على الصعيد الإقليمي فقد ذاقت دول المنطقة الويلات بسبب تدخل "نظام ولاية الفقيه" في شؤونها الداخلية، تلك النظرية الإستعبادية التي باسمها وبشعاراتها وبسياساتها يجري اشعال حروب وفتن في المنطقة وداخل المجتمعات العربية والإسلامية:
1- فالغزو الأميركي لأفغانستان عام2001 تمّ بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، الذي قدَّم مساعدة عسكرية مباشرة لأميركا سهَّلت عليها احتلال تلك البلاد. ثم استُكمل التعاون العسكري الأميركي- الإيراني المشترك في اجتياح العراق واحتلاله عام 2003؛ وقد سقط في هاتين الحربين مئات آلاف الضحايا بين قتيل وجريح.
2- وفي فلسطين، أدى التدخل الإيراني السافر الى شق الصف الفلسطيني وشرذمته ليصبح الفلسطينيون منقسمين الى دولتين داخل فتات الأراضي المحتلة، مع انقلاب "حركة حماس" الدموي في حزيران 2007، الذي استتبع نكبة جديدة في غزة أعادت أهلها الى العام1948 حيث عادوا للنوم في الخيام، مع توريط نظام ولاية الفقيه نهاية عام2008 "حركة حماس" التي رضيت بتسليم قرارها للمحور السوري-الإيراني في أتون محرقة جديدة، دامت 22يوماً وحصدت 1440 قتيلاً وأكثر من 5880 جريحاً.
3- يضاف الى السجل الذهبي لنظام ولاية الفقيه: الوصاية القاسية التي يفرضها على سوريا، واحتلاله الأهواز العربية والجزر الإماراتية الثلاث، ودعمه الإنفصال الحوثي في اليمن، وحملات التشيّع في المغرب والجزائر، ومحاولة انتاج ودعم معارضات في البحرين والسعودية، وصولاً الى استباحة الأراضي المصرية في نيسان2009 بواسطة خلية تعمل على تهريب أسلحة ومتفجرات، وتجنيد واستقطاب عناصر تأتمر بها هناك، بغرض تنفيذ مخطط تخريبي يمس الأمن القومي المصري.
ونحن إذ نستعرض في سياق تحدّثنا عن الثورة المجيدة التي تشهدها إيران اليوم هذه المحطات التاريخية الأليمة التي شهدتها شعوب المنطقة من جرّاء تسلّط نظام ولاية الفقيه ومشروعه الإقليمي عليها، لا نبتغي أبداً إظهار الشماتة، إنما نقصد من ذلك العرض: إظهار حكمة الله تعالى الذي يُمهل ولا يهمل، فبدلاً من تفرّغ النظام الإيراني لشرذمة شعوب المنطقة تصديراً لثورته، إذ به يُجبَر على الإرتداد إلى ساحته الداخليّة ليواجه أكبر انتفاضة شعبيّة يعرفها الشرق الأوسط منذ أيّام "الثورة الإيرانيّة" نفسها، وفي ذلك عبرة لمن يعتبر، فطبّاخ السمّ لابد أن يذوقه يوماً ما، ولا بدّ للسحر أن ينقلب على الساحر.
عبدو شامي
(موقع القوات اللبنانية:6تموز2009)

الشيطان يكمن في التعريف والمعارضة مرتاحة لحكومة التصريف

تحدثت بعض الأوساط المطلعة عن تطمين قدّمته سوريا للسعودية بتسهيل عملية ولادة الحكومة الجديدة لا سيّما لناحية عدم مطالبة المعارضة بالثلث المعطل فيها، وبناء على هذا التطمين قبِل الرئيس المكلف سعد الحريري تولي منصب الرئاسة الثالثة والمباشرة في تشكيل الحكومة.
غير أنه بعد التكليف، تبيّن أن ذلك التطمين كان عبارة عن فخ نصبته سوريا وحلفاؤها في المعارضة بقصد تدفيع سعد الحريري ثمن فوز تياره و14 آذار في الإنتخابات النيابية فشلاً سياسياً على صعيد تشكيل الحكومة، ما سيشكل بنظرهم حال اعتذاره عن التأليف صدمة قاسية إلى مستقبله السياسي ومغزى نتائج انتخابات حزيران2009.
ففي 28 حزيران، عشية بدء الرئيس المكلف مشاوراته مع الكتل النيابية لاستخلاص تصوراتها حول شكل الحكومة العتيدة، وقع إشكال أمني منظم ومبرمج مسبقاً من قبل المعارضة في منطقة "عائشة بكار" ذات الكثافة السنيّة، بين عدد من أبناء المنطقة وميليشيات مسلحة ومقنّعة من "حركة أمل"، أدى الى سقوط قتيلة من أهل المنطقة وستة جرحى؛ وبدا واضحاً أنها ضربة استباقية من المعارضة أو "دفعة على الحساب" بقصد تذكير الرئيس المكلف وقوى الأكثرية بضرورة إذعانهم للشروط والمطالب التي ستطرحها قوى 8آذار في عملية تشكيل الحكومة وإعداد بيانها الوزاري، وإلا فالسابع من أيار قابل للتكرار في أية لحظة تصطدم فيها إملاءات المعارضة بجدار أبسط الحقوق التي تقتضيها الديموقراطية وتفرضها نتائج الإنتخابات النيابية، ألا وهي تشكيل حكومة تحكم فيها الأكثرية من غير عرقلة أو تعطيل.
في اليوم التالي على توجيه المعارضة تلك الرسالة الدموية للأكثرية، بدأت الألغام التي زرعتها الأقلية لعرقلة مساعي تشكيل الحكومة تتكشّف، فقد أجمعت الكتل النيابية الموالية والمعارضة خلال المشاورات على مطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية، إلا أن الشيطان كمنَ في تعريف المعارضة لتلك الحكومة؛ ففي حين تُعرّف قوى الأكثرية حكومة الوحدة الوطنية على أنها حكومة تتمثل فيها جميع القوى السياسية الأساسية بروحية الوفاق والمشاركة، وتُحترَم فيها مبادئ الدستور والديموقراطية ونتائج الإنتخابات، بحيث تكون قادرة على تسيير عمل الدولة دون عرقلة أو تعطيل... تعتبر قوى المعارضة أن للمشاركة الحقيقية تعريفاً واحداً هو الثلث المعطل، فلا حكومة وحدة وطنية من دونه لأنه يشكل عمودها الفقري!
وإمعاناً في عرقلة مساعي تشكيل الحكومة الجديدة، عمدت قيادة المعارضة المتمثلة حصراً بحزب ولاية الفقيه الى اتباع اسلوب توزيع الأدوار على حلفائها "لتضييع الشنكاش"، فأخذ الجنرال عون مهمة المطالبة باعتماد النسبية في تشكيل الحكومة مدّعياً رفضه فكرة الثلث المعطل، في حين طالب النائب سليمان فرنجية بالثلث المدمّر صراحة، فيما بقي الثنائي الشيعي يشدد على الشراكة الحقيقية دون الإعلان عن مفهومه لها، إلا أن ما لا شك فيه أن النسبية والثلث المعطل وجهان لعملة واحدة يؤديان الى نتيجة واحدة ذات عنوان واحد هو: إمساك المعارضة برقبة الحكومة ومنع قوى 14 آذار من ممارسة أكثريتها في حكم البلاد.
وبما أن الصيغة المثلى التي تنص على تشكيل حكومة خالصة من قوى الأكثرية غير قابلة للتطبيق، بسبب وجود طرف مدجج بأعتى أنواع الأسلحة يتزعّم المعارضة ويحتكر تمثيل طائفته وعلى استعداد دائم لإشعال البلد إذا أقصي عن الحكم (وهو ما قرره الناخب اللبناني فعلاً في انتخابات 2009 إذا أردنا ترجمة نتائجها)، طرحت بعض أوساط الأكثرية صيغة 16-10-4 لحكومة وحدة وطنية، وهي صيغة مقبولة ومناسبة لفريق 14آذار لتضمنها أكثرية مرجحة ومقررة غير مضروبة بالثلث المعطل، يُعطى فيها رئيس الجمهورية حصته الصافية من دون حاجة الى وديعة لديه بحيث يكون هو الميزان الذي يرجح كفة فريق على آخر في المواضيع التي تحتاج لنصاب الثلثين، فيما تبقى لقوى 14 آذار أكثرية النصف زائد واحد لترجيح كفتها عند تعذر التوافق واللجؤ الى التصويت في القرارات العادية.
في المقابل، تصر المعارضة على أحد عشر وزيراً (أي الثلث القاتل)، وتتحدث بعض أوساطها عن صيغة 15-10-5 باعتماد توازن في التنازلات، فتأتي الحكومة من دون ثلث معطّل ظاهر ومن دون اكثرية مقررة، ويكون لكلا الطرفين وزير-وديعة في حصة رئيس الجمهورية، ما يعني ثلثاً معطلاً بطريقة مقنّعة.
خلاصة الأمر: أن المعارضة تبحث عن كيفية تحويل خسارتها في الإنتخابات الى فوز ساحق عبرشل الأكثرية ومنعها من الحكم الا بما يظهر وكأنه نتيجة لتعاون الأقلية وإرادتها وموافقتها، سواء عبر الثلث المعطل أو عبر صيغة اخرى تكفل لها بالضرورة القدرة على فرملة الحكومة وتعطيل عمل الدولة عندما تجد ذلك مناسباً لأسباب داخلية أو خارجية.
ولا يبدو أن تخلي الأقلية عن مطلبها هذا وارد في المدى المنظور، فمن جهة أولى تريد إيران التمسك بالثلث المعطل لتظهر أنها لاتزال لاعباً أساسياً في لبنان، وأن الإضطرابات الداخلية التي شهدتها غداة الإنتخابات الرئاسية ولاتزال لم تضعفها؛ ومن جهة ثانية تجهد سوريا لاستعادة وتأكيد تأثيرها في الساحة اللبنانية الداخلية لمفاوضة الدول العظمى وانتزاع بعض المكاسب منها مقابل مساهمتها في حلحلة العقد.
ومن الآن حتى رضوخ الأكثرية لإملاءات الأقلية، المعارضة مطمَئنة على وضعها، لأن الثلث المعطل موجود في الحكومة الحالية وإن كانت حكومة تصريف أعمال، ففي حال اضطرارها للإجتماع واتخاذ قرارات في أمور ملحة ومهمات محدّدة مستثناة من انتهاء صلاحيتها، الثلث المعطل جاهز للإستعمال، والبيان الوزاري المتناقض والملتبس في تشريع سلاحها واستقلاليتها باتخاذ قرار الحرب والسلم ساري المفعول أيضاً، فلا داعي للعجلة بالنسبة إليها في تشكيل الحكومة الجديدة التي يبدو أنها لن تبصر النور قبل نهاية موسم الإصطياف!
ونحن تجاه هذا الواقع المتأزم، نذكّر الأكثرية بحق جمهور ثورة الأرز عليها بعد تجديده الثقة بخط 14 اذار في انتخابات2009 المصيرية، أن تكون على مستوى هذه المسؤولية في هذا الإستحقاق، لا أن تخذله عبر الإذعان والقبول بحكومة تكون مثيلة للحكومة السابقة، وتحديداً في موضوع الثلث المعطل والسلاح خارج الشرعية، فجمهور الحرية والسيادة والإستقلال لن يرضى بأقل من حكومة يملك فيها فريقه أكثرية مرجحة وبيان وزاري واضح وصريح يحصر السلاح وقراري الحرب والسلم بيد الدولة اللبنانية؛ فالأكثرية خسرت نسبة كبيرة من مضمون انتصارها في الإنتخابات الأخيرة بسبب موافقتها على اتنتخاب رئيس لمجلس النواب معارض لخطها السياسي، وفي حال رضوخها لابتزاز المعارضة وإعطائها الثلث المعطل تكون قد خسرت الإنتخابات بشكل شبه كامل، ومدّدت لاتفاق الدوحة ومفاعيله الإنقلابية المكرّسة للمثالثة، ليحل نظرياً وعملياً مكان اتفاق الطائف ميثاقاً ودستوراً.
وفي وقت يواجه فيه الإيرانيون نظامهم الظلامي بهتافات "الموت للديكتاتور" والتمرّد على أوامر "الولي الفقيه"، على الأغلبية في لبنان ألا تخضع لتهديدات المعارضة بتقديم مزيد من التنازلات والمساومة على الثوابت. فهل سيتكرر الفيلم ذاته الذي شاهدناه السنة الماضية بعد العودة من الدوحة أثناء تأليف الرئيس فؤاد السنيورة حكومته الثانية؟! الجواب متروك للأيام المقبلة.
عبدو شامي
(موقع القوات اللبنانية:14تموز2009)

شكل الحكومة الجديدة يحدّد نتائج الإنتخابات!

هل تحدّد نتائج الإنتخابات شكل الحكومة الجديدة؟ أم إن شكل الحكومة يحدّد نتائج الإنتخابات؟! سؤال جوهري يراود المواطن اللبناني في هذه الأيام.
في لبنان، يخطئ من يظن أن الإنتخابات النيابية التي جرت في السابع من حزيران 2009 قد ظهرت نتائجها في الثامن منه، معلنة فوز قوى 14 آذار بـ71 مقعداً مقابل 57 لقوى المعارضة. وواهم من يعتبر أن نتائج الإنتخابات النيابية تحدّد شكل الحكومة العتيدة، وكيفية توزيع حقائبها، والخطوط العريضة لبيانها الوزاري.
هذا ما تريد المعارضة إفهامنا إياه من خلال وضعها الشروط التعجيزية والمطالب اللاواقعية، وزرعها العراقيل في مساعي تشكيل حكومة الرئيس المكلّف سعد الحريري، المترافقة مع استمرار التهديد المبطن باستعمال السلاح في الداخل اذا ما قررت الغالبية ممارسة أكثريتها في الحكم.
إنه انقلاب تنفذه قوى الثامن من آذار على أبسط مفاهيم الديموقراطية التي ارتضاها اللبنانيون في الطائف لتحكم على أساسها بلادهم، حيث يختار الشعب من يريد أن يحكمه من خلال انتخابات نيابية تتمخض عنها أكثرية نيابية تنتخب رئيساً للجمهورية ورئيساً لمجلس النواب وتسمي آخر لرئاسة مجلس الوزراء، يتولى مهمة تشكيل حكومة تتبنى توجهات الأكثرية المنتخبة وخطها السياسي التي نالت ثقة ناخبيها على أساسه.
لكن، ما يحصل في لبنان منذ وصول قوى 14 آذار الى الحكم عام2005 عكس ذلك تماماً؛ فقد منعت الأكثرية من انتخاب رئيس للجمهورية ينتمي لفريقها السياسي، وأجبِرت على انتخاب رئيس لمجلس النواب من الأقلية سبق وعطل المجلس النيابي مدة سنتين في سابقة عالمية، من دون ان يتقدم بأية ضمانات بعدم تكرار الممارسات الفئوية التي مارسها طوال مدّة ولايته السابقة. أما رئيس مجلس الوزراء فيريدون تطويق حكومته بالثلث المعطل وتحديد كيفية توزيع حقائبها، فضلاً عن وضعهم أخطر بنود بيانها الوزاري!
هذا الواقع التعطيلي لأحكام الدستور، نهج يتبعه كل المنضوين تحت جناح قوى الثامن من آذار من أجل السيطرة على كل مفاصل الحياة السياسية في لبنان. فمحاولاتهم في الانقلاب على الطائف لا تزال مستمرة من خلال اختلاق أعراف سياسية ودستورية جديدة، مرة عبر ما سمي بالـ"الوزير الملك"، ومرة عبر الثلث المعطل، ومرة عبر النسبية، ومرة عبر ابتداع مفهوم جديد للشراكة مرادف للتعطيل، وسوى ذلك من البدع والعراقيل التي تمثل في حقيقتها عملية انقضاض على العمل المؤسساتي وجعل السلطة التنفيذية رهينة أهواء المحاور الاقليمية الممثلة ببعض الأطراف المحلية. وهذا يعني عملياً: إما الذهاب بالبلاد إلى المواقع التي يختارها المحور السوري ـ الايراني، وإما الوصول إلى الشلل التام لكل المؤسسات.
والسؤال الكبير: لماذا كل هذا؟ وماذا بعد؟ ألا يريدون دولة؟ وهل الاكثرية ليست اكثرية؟ وهل نحن في وطن ام في ماذا؟!
ثلاثة أسلحة استراتيجية فتّاكة تمتلكها المعارضة، وتستقوي بها على الدولة اللبنانية بدستورها ونظامها وجيشها، وإرادة أكثرية شعبها التي أظهرتها نتائج الإنتخابات:
السلاح الأول: هو الترسانة العسكرية التي يكدسها حزب ولاية الفقيه على مرأى ومسمع من العدو الإسرائيلي الذي لا تخفى على أقماره الصناعية أماكن تخزينها ومواقع انتشارها، وذلك بحجة ما يسمى بـ"المقاومة"، تلك الحجة التي سقطت بالضربة القاضية مع حوادث السابع من أيار الدموية التي أكدّت للبنانيين أن ذلك السلاح الذي يريدون تشريعه بذريعة الخطر الإسرائيلي معد للإستعمال في الداخل، في العمق اللبناني، في العاصمة والجبل، عبر توجيه رصاصاته وقذائفه الصاروخية نحو صدور اللبنانيين بغرض انتزاع كل ما يعجزون عن تحقيقه في السياسة بالقوة والقهر.
ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف الحزب عن التذكير بـ7أيار "المجيد"، مُشعِراً مختلف الطوائف والقوى السياسية المعارضة لمشروعه أن عليها أن تختار بين أمانها بالإستسلام لما يريد، وبين عدم استقرارها إن لم تقدّم له واجب الطاعة. ولعل قول أمينه العام في 17/7/2009: "نحن لا نريد من الحكومة ولا من غير الحكومة ولا من احد في هذه الدنيا ضمانات تتصل بسلاح المقاومة..."، آخر فصول التذكير بتجربة 7 أيار 2008 عندما طرح معادلة "السلاح يحمي السلاح"!
أما قوله في ما يختص بالمحكمة الدولية التي تتحضر لإعلان قرارها الإتهامي الذي على ما يبدو لن يكون بعيداً عن أجواء تقرير "دير شبيغل": "نحن لا نريد ضمانات في موضوع المحكمة الدولية..."، فهو تصريح يصب في خانة التذكير نفسها، سيّما وأن الحزب استبق نتيجة التحقيق في أيار الماضي، ونعى المحكمة معلناً أن أي قرار اتهامي يوجه إليه يعتبر قراراً اسرائيلياً وسيتعامل مع من يتبناه على أنه اسرائيلي.
أما السلاح الثاني الذي يستقوي به الحزب على الدولة: فهو سلاح التكليف الشرعي؛ فالتكليف الشرعي -على ما هو معلوم- يكون من الله وفق ما أنزله في كتبه السماوية، إلا أن القائمين على ذلك الحزب يعتبرون أن التكليف الصادر عنهم لا تجوز مناقشته لأنه بمثابتة أوامر الله والمعترض عليه كالمعترض على الله، وهذا تزوير لقناعات الناس باسم الله تعالى.
فالتكليف الشرعي يربطه حزب ولاية الفقيه بالولي الفقيه في إيران، أي المرشد علي خامنئي صاحب الولاية المطلقة على الشيعة في شتى أنحاء العالم؛ فإذا قال للناس تصرفوا هكذا فعلى الناس أن تنفّذ من دون أن تناقش ،وكذلك الحال مع وكيله الشرعي في لبنان حسن نصر الله.
والتكليف الشرعي بهذا المفهوم المطلق، يعني تعطيل العقول واحتكار الأفكار، وتجيير النفوس عبر جعلها مسيّرة بعدما خلقت مخيّرة، وبذلك يضمن الحزب سيطرته وتحكمّه بجمهوره بقبضة من حديد؛ فإما الطاعة العمياء دون نقاش أو تفكير، وإما جهنم وبئس المصير!
فبهذا التكليف تتم تربية الناس على معاداة الدولة وكسر هيبة مؤسساتها، ومنه تستمد الهيمنة على الطائفة الشيعية، ومن خلاله يُعمل على سلخها عن النسيج الإجتماعي اللبناني، وعبره يُعبث بالسلم الأهلي والعيش المشترك، وبواسطته تُنظّم التحركات "العفوية"، وكذلك التظاهرات والإعتصمات والمحاولات الإنقلابية السلمية والدموية، وتحت سلطته تصادر إرادة الناخب في الإنتخابات النيابية.
ويبقى السلاح الثالث المتمثل بالمال "الطاهر"، ذلك المال الذي يتغذى على تقصير الدولة في بعض المناطق ذات الكثافة الشيعية، وهو تقصير مدعوم ومبارك من قبل حزب ولاية الفقيه، الذي يهمه أن تكون الدولة غائبة عن المناطق الشيعية وأن يبقى الحرمان والإهمال قائمَين في مناطقه، ليبقى الملجأ للمواطن الشيعي، مستغلاً ذلك الإهمال في تقديم الخدمات ليجعل الناس ملحقين به وبمؤسساته الشاملة لجميع نواحي الحياة، ما يسهّل عليه عملية الإنقضاض على الكيان والنظام اللبناني وبناء دويلته، التزاماً منه بفتوى الخميني عندما اعتبر أن النظام اللبناني فاسد ومجرم ولا يجوز التعامل معه.
تجاه هذه الأسلحة المشهورة في وجه قوى 14آذار، يبرز السؤال الأصعب المطروح على الأكثرية والرئيس المكلف: هل سيقدمون انتصارهم وإرادة الناس الذين محضوهم الثقة والتأييد الى الخاسرين، بتراجعهم عن بعض ثوابتهم مانحين الإقلية الثلث المعطل ومعلنين بذلك فوزها في الإنتخابات؟ موقف حرج لايحسدون عليه، لكن ما يشعر به الجمهورالسيادي ويأمله، أن قوى الحرية والسيادة والإستقلال ستقف اليوم مجدداً سدّاً منيعاً أمام كل المؤامرات التي تحاك ضد الوطن، وستفشل مثل هذه المحاولات للإنقلاب على الدستور ونسف نتائج الإنتخابات بادعاءات الشراكة والوفاق والإنفتاح المزيفة.
عبدو شامي
(موقع القوات اللبنانية:23تموز2009)

قوى الأمر الواقع تلغي نتائج الانتخابات وتملي ارادتها على الاكثرية

نجحت قوى الأمر الواقع المسلحة في احتواء نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة وإلغاء مفاعيلها السياسية والدستورية عبر الإلتفاف على قواعد اللعبة الديموقراطية، بعد فرضها على الأكثرية بقوة السلاح صيغة حكومية تتنكر للارادة الشعبية التي عبرت عن نفسها في الانتخابات النيابية الأخيرة.
وكان لافتاً طوال فترة التشكيل، تصرُّف حزب ولاية الفقيه كأنه الرابح في الانتخابات النيابية، في حين تصرفت الأكثرية كأنها الخاسرة!
ففور اعلان نتائج الانتخابات دعت الأكثرية الى تأليف حكومة وحدة وطنية متنازلة عن حقها في تشكيل حكمومة أكثرية، ثم قبلت بالتخلي عن نصاب الثلثين داخل الحكومة ورضيت بالنصف زائداً واحداً(أي16وزيراً) دون ثلث معطل للمعارضة، ثم ما لبثت أن تخلت عن هذا النصف جزئياً وأعطت المعارضة ثلثاً معطلاً مموّهاً. ولم يقف المشهد الهزلي عند هذا الحد، بل أوحى تفاؤل الرئيس نبيه بري بقرب الاتفاق على شكل الحكومة العتيدة، ثم إعلانه وجزمه من قصر بعبدا في 29/7/2009 بأن:"العملية السياسية المتعلقة بتأليف الحكومة انتهت وبقي أمر تقني هو الأسماء والحقائب"، وذلك قبل إعلان الرئيس المكلف نفسه، أوحى وكأن مهمة تأليف الحكومة وترؤسها قد أوكلت الى المعارضة متمثلة بشخص الرئيس بري، وأن الرئيس المكلف الحقيقي سعد الحريري وفريقه السياسي لا يملكان سوى التسليم بالامر الواقع والخضوع لإملاءات المعارضة.
أما نتائج المشاورات فقد أفضت الى اعتماد صيغة 15ـ 10ـ 5، يحصل فيها رئيس الجمهورية على حصة وازنة في الحكومة من خمسة وزراء من طوائف متعددة، يأتي ضمنهم وزير سني يحظى بموافقة الأكثرية بحيث يؤمّن لها الأكثرية المطلقة (النصف +1) اذا ما خرج عن إرادة رئيس الجمهورية في موضوع تعذّر التوافق عليه بين الطرفين، في حين تحصل الأقلية على حصة تحتوي على ثلث معطل مضمر أومستتر، بعدما وافقت وساهمت في اختيار "الوزير الوديعة" في حصة رئيس الجمهورية الذي يؤمّن لها هذا الثلث، ونعني بذلك الدكتور عدنان السيد حسين المدعوم من الثنائي الشيعي والذي يصنف في خانة النخبوية الشيعية المتعاطفة مع خط ما يسمى بـ"المقاومة" وجسمها السياسي؛ وهو من أطلقت عليه بعض أوساط المعارضة تسمية "الوزير الضامن".
وبذلك تكون المعارضة قد نجحت في اعادة إنتاج اتفاق الدوحة معدلاً، والتمديد لمفاعيله، بعد وضع مسحة من "الماكياج" التمويهي عليه لتكييفه بالحد الأدنى مع نتائج الانتخابات النيابية لكن صورياً، أي شكلاً لا مضموناً.
وهذا يعني أن فريق 8آذار قد حقق انجازاً تاريخياً بفرض عرف "فيتو" التعطيل مداورة في الحكومة العتيدة، حيث بات لكل من فريقي الأكثرية والمعارضة نسبة الثلث المعطل داخل الحكومة، ما يشكل مقدمة لتعديل اتفاق الطائف بما ينسجم مع الحجم الجديد المتعاظم للحزب المسلح الذي يحتكر طائفته ويسعى جدياً نحو المثالثة مهما حاول التنكر لذلك.
هذا، وتعدّ الحكومة الجديدة ملغومة بالثلث المدمر والقاتل، على الرغم من محاولات بعض قادة الأكثرية والمعارضة نفي تلك الحقيقة المرة عن اللبنانيين، وجمهور ثورة الأرز منهم خصوصاً. ففضلاً من الشرح المتقدّم، ليس أدل على تضمّن الصيغة المتوافق عليها ذلك "الفيروس" القاتل ـ الذي لا بد أن يكشف عن وجهه يوماً ماـ من البيان الذي وزعه حزب ولاية الفقيه في 30/7/2009، فقد تضمن موقفاً لأمينه العام حسن نصرالله اكد فيه ان: "الحكومة العتيدة هي حكومة شراكة حقيقية"؛ وقال: "انجزنا خطوة مهمة جدا، وانا لا اريد ان اقف عند الشكليات ولكن اؤكد لقواعد المعارضة وقواها جميعا ان الحكومة التي ستشكل هي حكومة شراكة وطنية حقيقية". وإذا ما تتبعنا مفهوم الحزب للشراكة الحقيقية، فسنجد أنه يعتبرها مرادفة للثلث المعطل، بدليل قول أمينه العام في خطابه الشهير في 15/5/2009الذي اعلن فيه السابع من ايار يوماً مجيداً من ايام المقاومة في لبنان: "اي احد يريد ان يكون شريكاً حقيقياً في البلد يفتش عن الثلث الضامن في الحكومة". وكلام القيادي في الحزب نواف الموسوي في 28/4/2009 يعبرعن المفهوم ذاته عندما اعتبر:" ان المشاركة الحقيقية لا تكون الا بالصيغة التي تمتلك فيها مكونات مجلس الوزراء حق النقض". وإذا تأملنا قليلاً، سنلاحظ أن الصيغة التي تحدث عنها الموسوي هي الصيغة الحكومية ذاتها التي فرضها الحزب على الأكثرية اليوم، عبرالتهديد المبطن بالعودة لاستعمال السلاح في الداخل إن هي لم تتجاوب مع مطالبه، مع العلم أن هذا التهديد بحد ذاته شكل من أشكال ذلك الاستعمال الممنوع؛ فمخطئ من يظن أن سلاح الحزب لم يعد موجّهاً للداخل بغرض تحقيق مكاسب سياسية.
ونحن إذ نعيد التأكيد على أن تلك الصيغة المخزية التي جرى اعتمادها في تشكيل الحكومة الجديدة قد فرضت بقوة السلاح، لسنا في وارد اختلاق الحجج لتبرير خضوع الأكثرية لإملاءات المعارضة وإهدائها انتصارها مخالفة بذلك إرادة الجمهور الإستقلالي والسيادي الذي منحها ثقته في السابع من حزيران الماضي، بل تلك حقيقة مثبتة بالوقائع التي تلت تكليف سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة.
فعشية بدء الرئيس المكلف مشاوراته مع الكتل النيابية حول نظرتهم لشكل الحكومة العتيدة، افتعلت ميليشيات المعارضة في 28/6/2009 أحداث عائشة بكار الدموية موقعة قتيلة وستة جرحى؛ وكان ذلك كافياً في إيصال الرسالة لقوى الأكثرية. وفي17تموز2009، اطلق حسن نصرالله سلسلة مواقف في هذا المعنى، كاشفا انه لم يطلب من الرئيس المكلف اي ضمانات لسلاح المقاومة او لقرارات المحكمة الدولية، ما يذكرنا "بمعادلة السلاح يحمي السلاح" التي أرساها خلال حوادث السابع من أيار الإرهابية. وتابع في الخطاب نفسه:"بعد الانتخابات تصرفنا على اساس اننا قبلنا بنتائج الانتخابات، ودخل البلد في مرحلة هدوء وانتظار،إن ايجابية المعارضة وقبولها النتائج اخذا البلد نحو الهدوء"؛ وان اللبيب من الاشارة يفهم. ولم يكتف الحزب بذلك التهديد المبطن، بل تجاوزه الى التهديد الصريح في 25تموز 2009، حين قال أمينه العام خلال لقاء جمعه مع مغتربين لبنانيين:" ان الحزب جبل راسخ والمحكمة الدولية لاتهز شعرة واحدة في الحزب، وكل من يقف خلف هذه الامور سيندم، وليعلم الجميع ان ما فعلناه في 7 ايار كان مجرد هز اليد، ونحن اقوياء لدرجة تمكننا من قلب عشر طاولات لا طاولة واحدة".
المشكلة في لبنان هي أن قوى 14آذار التي منحها الشعب الأكثرية في الانتخابات النيابية وبالتالي منحها السلطة، لا تملك السلطان لكي تمارس أكثريتها وسلطتها في الحكم، فليس لها سوى رئاسة الوزراء مجردة من حكومتها، أما القصر الجمهوري فليس بيدها، ورئاسة مجلس النواب محرمة عليها. على عكس قوى المعارضة أو الأقلية الخاسرة في الإنتخابات، فهي قوى الامر الواقع التي لها سلطان وبأس وقوة، ما يخولها التحكم بالسلطة وفرض شروطها وسياساتها على الأكثرية بالتهديد والوعيد.
ومهما حاولت قوى الأمر الواقع تفريغ انتصار قوى الأكثرية من مضامينه، يبقى للأكثرية وجمهورها السيادي شرف وانجاز الوقوف في وجه المشروع الخارجي الذي تتبناه قوى الأقلية والحؤول دون وضع يده بالكامل على البلاد، بعدم تمكينها اياه من الجمع بين السلطة والسلطان بشكل رسمي في آن معاً.
وطالما أن ثمة أكثرية تحمل شعار "لبنان أولاً" و تلتزم بمبدأ "لبنان الاعتدال والمناصفة والعيش المشترك أولاً"، وتسعى لتطبيق قناعاتها، فإن جمهور الحرية والسيادة والاستقلال الذي انتفض في 14آذار2005 دفاعاً عن تلك المبادئ، سيبقى يراهن على الأكثرية التي أنتجها في ذلك اليوم التاريخي المجيد، مستعداً لجميع العواقب، ومتحدياً كل الصعاب.
عبدو شامي
(موقع القوات اللبنانية:8آب2009)

 

الشباب اللامبالون والسياسة

أصيب كثيرون من شباب اليوم بآفة خطيرة، فقدوا شعور الإنتماء الى الأمة والقضية والوطن، حتى باتوا يتفرّجون على الأحداث من بعد، كأن الأمر لا يعنيهم، مع علمهم التام أنهم سيكونون في عداد الغرقى إذا ما غمرت أمواج المشاريع الهدّامة مساحة وطنهم والمنطقة. فالأمة أمتهم والوطن وطنهم والمستقبل مستقبلهم، وغياب شعور الإنتماء هذا مصيبة وكارثة، وحل هذه المشاكل الضخمة التي تعصف بالوطن يحتاج الى جهود جبّارة وتضحيات هائلة لا نقبل إلا أن يكون الشباب أصحابها. فيا ايها شباب، أنتم أصحاب قضية من المفروض أن تستحوذ على جزء أساسي من اهتماماتكم، ولاسيّما أنكم في بلد ينعم بنظام حريّات فريد تحسدكم عليه شعوب المنطقة.
ألم تحرّك فيكم ساكناً في الاعوام الأربعة الماضية، هذه الأنهر الجارية من دماء شهداء "انتفاضة الإستقلال" والكلمة الحرة، وأهوال محرقة غزة مطلع عام2009؟! وماذا عن التصاريح عن "اليوم المجيد"، و"تغيير النظام" و"الجمهورية الثالثة" و"تبدُّل وجه المنطقة" في حال فوز المعارضة في الإنتخابات النيابية... ألم تُثِر غيرتكم على وجه وطنكم المهدّد بالتبدّل عند كل محطة مفصلية في تاريخه الحديث؟!
ألم تشجعكم تضحيات الشباب في التصدي للهيمنة السورية وتسلّط الأجهزة الأمنية في محطات تاريخية مجيدة، مثل: 7و9 آب 2001حين اعتُقل عدد كبير منهم بسبب مطالبتهم بانسحاب الجيش السوري من لبنان عقب زيارة البطريرك صفير التاريخية الى الجبل، وما تبع ذلك من صدامات مع القوى الأمنية على خلفية إقفال قناة الـ "أم تي في" في 4/9/2002 بسبب حملها لواء قضيتهم؟ ولا ننسى في هذا السياق، اعتصام شباب الحرية والسيادة والاستقلال في "خيمة الحرية" ابتداءً من 20 شباط 2005 التي أثمرت تحرير لبنان من احتلال دام 30 عاما، والتخلص من وصاية استبدادية دموية سيطرت على كل مفاصل الدولة اللبنانية بقبضة من حديد.
تذكرون ما حدث على أثر جريمة اغتيال الرئيس الحريري، عندما قرر عدد من الشباب والشابات من مختلف التيارات السياسية المعارضة لسوريا، عدم إخلاء ساحة الشهداء ومنطقة الوسط التجاري التي أصبحت محجة لجميع المواطنين المستنكرين للجريمة من مختلف الطوائف والانتماءات، الى حين كشف هوية القتلة، والانسحاب السوري من لبنان تطبيقاً لاتفاق الطائف، وإقالة قادة الأجهزة الأمنية. وكان الشباب المشاركون في "انتفاضة الاستقلال" على موعد يومي في "خيمة الحرية"، بعضهم أجَّل امتحاناته الجامعية، وبعضهم درس أثناء الاعتصام، وكانت الأمهات يزودنهم بالطعام، والنواب المعارضون يزورونهم يومياً، الى قادة الرأي من المفكرين والصحافيين الأحرار، أمثال سمير قصير وجبران تويني وبيار الجميّل، ويمدونهم بالمعنويات، قادة شباب دفعوا ثمن تضحياتهم ونضالهم دماً.
وتذكرون أيضاً انخراط زملائكم في الماكينات الإنتخابية للأحزاب والتيارات السيادية من أجل تخليص البلد من المخاطر والمكايد التي تستهدف وجهه ودستوره وتنوّعه وعيشه المشترك، ثم تدفقهم على صناديق الإقتراع في يوم "المنازلة الكبرى"، إيماناً منهم بأهمية كل صوت في ترجيح كفة الفوز لخيارهم في الدفاع عن الدولة.
أيهنأ الشباب اللامبالون باللهو والعبث وهدر الأوقات والطاقات والكفاءات، بعد كل هذه المحطات المشرّفة، التي لولا جهود وحماسة إخوانهم الواعين الاخطار التي تحدق بوطنهم ومجتمعهم لبقينا نرزح تحت وطأة "الجزمة" السورية القمعية والمستبدة، ولعادت الوصاية السورية من نافذة الإنتخابات النيابية بعدما أخرجناها من باب ثورتنا العظيمة. ألا يجدر بالشباب المستهترين أن يسألوا أنفسهم: إلى متى نحن غارقون في بحور الشهوات والملذات، وإخواننا يناضلون في ساحات الإستحقاقات التاريخية؟
أيها الشباب، لا بد أن تكونوا على صلة بالواقع الذي يحيط بكم، تفهمونه على حقيقته ولا تكتفوا بالمراقبة من بعيد، وإلا كيف سننهض من واقعنا المرير؟
يجب على الشباب الواعين والناضجين، أن يتابعوا أخبار الدنيا بصورة دورية ومنتظمة، ويطلعوا على شؤون السياسة والإقتصاد والإجتماع، ويقرأوا الصحف والدوريات، ليناقشوا ويحلّلوا ويسألوا ويستنتجوا بحرية ومسؤولية، من دون ان يستتبع ذلك بالضرورة انخراطهم في الأحزاب أو التيارات.
واليوم، وفي سابقة مشرّفة في مجلس النواب، دخل المجلس الجديد عدد من النواب الشباب الذين قرروا التزام الشأن العام، كنايلة تويني، ونديم وسامي الجميّل، وعقاب صقر وزياد القادري وغيرهم، يحملون معهم شباب لبنان بطموحاتهم وآمالهم وأوجاعهم وشكواهم وقلقهم على المستقبل والمصير، وهذه نماذج مشرّفة يحتذى بها.
فلا تظنوا يا شباب أن وجودكم مثل عدمه، أو أنكم تستطيعون أن تعيشوا هكذا كيفما شئتم وكأنكم وحدكم في العالم، تحزمون حقائب سفركم عند أي خضّة أمنية أو أزمة اقتصادية تصيب البلاد، فالبلاد تستحق منكم بعض التضحيات. ولاتقولوا: "لا أحد يستأهل" أو "كلهم أسوأ من بعض"، فقولكم هذا يوجب عليكم توفير البديل، فإن عجزتم عنه وسلّمنا لكم بمقولتكم، فالمنطق السليم يملي عليكم اختيار أهون الشرّين وأخف الضررَين، إذ لا حياد عند المحطات المصيرية.
وإياكم والأحزاب الشمولية، وحذار من الإنحدار الى "مجتمع القطعان" والتبعية العمياء التي تحطّ من إنسانيتكم وتحقّر عقولكم، أنتم جزء من هذا الشعب من هذا الوطن من هذه الأمة، لكم إرادة وقدرة ورأي وفكر.
عبدو شامي
(نهار الشباب:13آب2009)

غباء اسرائيلي أم دهاء؟!

يطل علينا بين الفينة والفينة، عدد من كبار المسؤولين الاسرائليين بتصريحات غريبة مريبة، يتوعّد بها الدولة اللبنانية بالويل والثبور وعظائم الامور، اذا ما تعرض الكيان الاسرائيلي الغاصب لأي اعتداء مصدره لبنان.
فبعد إقرار البيان الوزاري لحكومة الثلث المعطل الذي تلى حوادث أيار الإرهابية، سارع المجلس الوزاري الإسرائيلي إلى الانعقاد في 8/8/2008، معلناً أن إسرائيل ستعتبر حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة، مسؤولة عن أي حدث يقع على الأراضي الخاضعة "لسيادتها"، أو أي أحداث يتحمل مسؤوليتها مواطنون لبنانيون.
ومؤخراً، في4/8/2009، حمّل وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، خلال جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، الحكومة اللبنانية، تبعة أي تدهور قد يحصل على الحدود المشتركة.
ونقلت عنه الاذاعة الاسرائيلية: "أن إسرائيل تراقب بعيون ساهرة تعاظم قوة الحزب المتواصلة، وأنها نقلت رسائل في هذا الشأن إلى جهات مختلفة، وفي حال الإخلال بالتوازن الدقيق، سندرس اتخاذ خطوات". وأضاف: "إن إسرائيل لن تقبل بالفصل بين مسؤولية الحزب والحكومة اللبنانية، واذا حصل تدهور على حدودنا الشمالية مستقبلاً، فإن لبنان هو الذي سيتحمل المسؤولية". وشدد على أن "إسرائيل لن تقبل بالواقع السائد المتمثل في دولة مجاورة لها تنتمي إلى عضوية الأمم المتحدة وهيئات دولية وعلى أراضيها ميليشيا إرهابية لها أعضاء في البرلمان والحكومة، ومع ذلك تملك 40 ألف صاروخ".
وفي6/8/2009، تابعت اسرائيل تحذيراتها للبنان، إذ هدد وزير الدفاع ايهود باراك مجدداً باستخدام كل القوة العسكرية للدولة العبرية في حال نشوب نزاع مع لبنان؛ وصرح باراك للاذاعة الاسرائيلية: "اذا نشب نزاع على حدودنا الشمالية، سنتحرك بكل القوة المطلوبة ... ما جرى خلال حرب لبنان الثانية (صيف 2006) لن يتكرر". واوضح انه "في ذلك الحين بعثت الولايات المتحدة برسالة فهمت من خلالها الحكومة الاسرائيلية انه يجب عدم ضرب البنى التحتية في لبنان".
وما يستدعي الاستغراب والدهشة، أن هذه التصاريح الاسرائيلية تنم في ظاهرها عن سذاجة في التفكير وفي التكتيك العسكري، يستبعد أن تصدر عن أقوى جيش في الشرق الأوسط ورابع أقوى جيش في العالم.
فإسرائيل تعلم علم اليقين وتتابع عن كثب، تعاظم قوة حزب ولاية الفقيه في لبنان: عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، وتدرك جيداً ان ذلك الحزب الايراني بات يملك من القدرات والمقومات ما يفوق قدرات الدولة اللبنانية برمتها، ودويلته في توسع مستمر يتغذى على ضعف وعجز وتقصير الدولة اللبنانية بكافة مؤسساتها، السياسية منها والأمنية والإجتماعية بشكل خاص، ما يعني أن أي استهداف اسرائيلي للدولة اللبنانية وخصوصاً مؤسساتها العسكرية والامنية ومرافقها الحيوية، سوف يؤدي تلقائياً الى اضعافها وشلّها نهائياً، وبالتالي اتاحة فرصة ذهبية أمام حزب ولاية الفقيه الذي يملك جيشاً بديلاً للجيش اللبناني، تمكنه من توسيع وتركيز دويلته على أنقاض الدولة اللبنانية المسحوقة، و بالتالي بسط سلطته او تسلطه على الدولة بشكل كامل!! وبالتأكيد سيُدخل هذا الواقع الجديد لبنان في فوضى، تقحمه أتون حرب أهلية مدمرة، تساهم بشكل مباشر في تقسيمه الى دويلات طائفية بما يتوافق ومشروع الشرق الأوسط الجديد الذي وضعته السياسة الصهيو-أميركية.
وهنا نجد أنفسنا امام ثلاثة اسئلة منطقية:
1- هل تريد اسرائيل حقاً اضعاف ذلك الحزب أو إنهائه عسكرياً، أم تريد من جهة اولى: ابقاء نفسها تحت خطر مزعوم يجذب لها أموال الصهاينة وعطف الدول الداعمة في العالم، ويبقي الشعب اليهودي متأهباً للحروب لكي يبقى فيها مدافعاً عن وجودها، ومن جهة ثانية: ضرب الدولة اللبنانية كلما تحسن اقتصادها وتمتن سلمها الاهلي وتثبّت عيشها المشترك؟!
2- ألا تعلم اسرائيل ان تصريحاتها وتهديداتها تلك، تخدم مشروع حزب ولاية الفقيه الذي يتذرع بها للاستمرار بالتسلح بمختلف أنواع الاسلحة التي ثبت بما لا يقبل الشك في أيار2008 انها معدّة للاستعمال في الداخل اللبناني، لفرض وانتزاع مكاسب سياسية وطائفية داخلية وخارجية؟!
3- ألا يشير ذلك الواقع الى تقاطع مصالح بين الطرفين؟!
في "حرب" تموز 2006، لم يكن هناك قصور استخباري لدى الجيش الاسرائيلي. كانت لدى الجيش الصهيوني معلومات جيدة عن تشكيلات حزب ولاية الفقيه، والاسلحة التي بحوزته، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدروع، والمخابئ والمخازن، وشبكة الخنادق المحصنة، ومسارات وقوافل نقل السلاح، وأماكن منصات اطلاق الصواريخ، وطرق القيادة... فكل ذلك كان يتم تحت اشراف طائرات العدو الاستطلاعية التي لا تفارق الاجواء اللبنانية، فضلا عن الأقمار الصناعية التجسسية التي تستطيع رصد أدق الاشياء والتضاريس والتفاصيل في الجنوب اللبناني.
ومع ذلك كله، لم يتم القضاء على قدرة الحزب القتالية أثناء ذلك العدوان المريع الذي طال الدولة اللبنانية وحدها: بشعبها وجسورها وطرقاتها ومطارها ومرفئها وبناها التحتية وسياحتها واقتصادها، وبقي الحزب يطلق صواريخه حتى ساعة وقف اطلاق النار لكن باتجاه الاحراج والتلال والوديان والقرى ذات الكثافة العربية واحياء العرب في حيفا، فيما بقيت المستوطنات المتاخمة للحدود الشمالية شبه سالمة، وكأن الجيش الاسرائيلي والحزب فقدا ذاكرتهما أو أصيبا بالعمى!!
واللافت، أنه قبل نحو شهرين من الحرب، نشر الاعلام الصهيوني خبر اجراء الجيش الاسرائيلي مناورة اطلق عليها تسمية "تكاتف الاذرع"، جرى فيها الاستعداد للسيناريو التالي: " حزب ولاية الفقيه يخطف جنوداً من الجيش الاسرائيلي في قيادة المنطقة الشمالية. الجيش الاسرائيلي يرد بصورة شديدة. الحزب يشرع في هجوم صاروخي على الجبهة الداخلية يستمر لبضعة أسابيع. الجيش الاسرائيلي يدخل خطوة برية متعددة الاذرع في عمق لبنان". والمفاجأة: بعد شهرين حصل السيناريو بحذافيره، واستمرت "الحرب" 33يوماً!
بعد مرور أشهر قليلة على انتهاء ذلك العدوان على الدولة اللبنانية، بدأت أسراره تتكشّف؛ ففي 30/10/2006 نشرت صحيفة "معاريف" الاسرائيلية شهادات جنود اسرائيليين أدلوا بها امام لجنة الخارجية والامن في الكنيست التي أنشئت للتحقيق في مجريات الحرب، فقد أفاد جنود شاركوا في الحرب:" ان تصفية منصات صواريخ الحزب لم تتقرر كهدف مركزي للقتال في لبنان"، كما تحدّثوا عن "أوامر غامضة للمهمات"، ما اوقع الجنود الاسرائليين في "بلبلة تامة في كل ما يتعلق بطرق القيادة، خاصة مع تغيير المهمة بشكل لا يتوقف".
وهذا ما أكده بعد ثلاث سنوات على انتهاء "الحرب"، نائب رئيس الاركان الاسرائيلي خلال حرب لبنان الثانية جنرال الاحتياط موشي كابلينسكي في 12تموز 2009، حيث أشار "انه لم يكن هناك قاسم مشترك بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية، والحكومة لم تحدد للجيش أهداف القتال" خلال الحرب.
ومنذ انتهاء حرب تموز، تعمل اسرائيل على تزويد وسائل الإعلام ومن يهمه الأمر، بأنواع وكميات الاسلحة والصواريخ التي يتزود بها حزب ولاية الفقيه، وهي لا تنكر- كما لاينكر الحزب ايضاً- أن قوته وترسانته العسكرية تعاظمت عما كانت عليه عام 2006، أي بعد العدوان الذي يفترض أنه شن لإضعافه أو القضاء عليه؛ وكان آخر تلك المعلومات الصهيونية، ما كشفت عنه مصادر عسكرية اسرائيلية في 9آب2009، من أن الحزب الايراني يستعد لتسلم صواريخ مضادة للطائرات وأخرى أرض- أرض من نوع "فتح-110" من ايران، مشيرة الى ان الحزب تسلم في الفترة الأخيرة صواريخ أخرى من المصدرنفسه. وكان شاؤول موفاز قد صرّح منذ فترة وجيزة، أن حزب ولاية الفقيه بات أقوى بثلاث مرات مما كان عليه في حرب تموز 2009!! الأمر الذي أكدّه حسن نصر الله في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الثالثة لتلك الحرب، عندما قال:" اليوم أقول: نحن في وضع محلي وإقليمي ودولي أفضل مما كنا عليه في تموز2006".
والمفارقة هنا: أن العدو الصهيوني لايحرّك ساكناً عند مشاهدته شاحنات السلاح تتدفق الى لبنان، فيما تشن مقاتلاته الحربية غارات جوية بشكل دوري تقصف خلالها انفاق تهريب الاسلحة في رفح، كما قامت في أواخر كانون الثاني الماضي وفي الاسبوع الاول من شباط بتدمير قوافل اسلحة ايرانية في الصحراء السودانية كانت تنقل الصواريخ الى قطاع غزة!
وبالمناسبة، يخطئ من يظن أنَّ حرب تموز أفشلت مشروع الشرق الأوسط الجديد في المنطقة، لا بل تلك الحرب ساهمت في تركيز ذلك المشروع وتوسيع رقعة تطبيقه، خصوصاً مع الشرخ الكبير والعميق الذي أحدثه الحزب الإيراني في المجتمع اللبناني عبر اتهامه الحكومة اللبنانية بالتآمر عليه أثناء الحرب والسعي لإطالة أمدها للقضاء عليه، وما استتبع ذلك من شحن مذهبي وطائفي وضع البلاد على طريق التفتيت؛ هذا فضلاً عن اضعاف الدولة وتعاظم شعبية الحزب وقوته العسكرية على أثر العدوان وبعده. فصدقت وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس بقولها عند اندلاع تلك الحرب:"إنَّنا نَشهَدُ ولادة شرق أوسطٍ جديد".
فها هي أفغانستان قد احتلت وقسمت عملياً الى اكثر من دويلة بتعاون اميركي-ايراني مشترك، وها هو العراق قد احتل وقسم الى ثلاث دويلات بمساعدة ايرانية أيضاً، وها هي فلسطين المحتلة قد فتِّتت دولتين بين الضفة وغزة، واليمن اليوم على طريق التفتيت بسبب التمرد والفتنة الحوثية، ولبنان قد وُضِع على ذلك الطريق التقسيمي هو الآخر، مع الكنتونات والمربعات الأمنية التي يتحكّم بها الحزب ويحظرها على الدولة، والفدرالية التي اقامها فعلياً في عدد كبير من المناطق اللبنانية تمهيداً لاستيلائه على السلطة في لبنان كلياً.
وما يستدعي الانتباه، أن تحقيق جميع تلك الانقسامات والتقسيمات تمّ بجهود بذلتها وتبذلها ايران وأتباعها، وكأنها الأداة التي اوكلت اليها مهمة تنفيذ ذلك المشروع الخبيث في منطقتنا.
ومن هنا ندرك عدم صوابية ما ذهب اليه أمين عام حزب ولاية الفقيه في14/8/2009، عندما قال:"حرب تموز ساهمت بإسقاط أخطر مشروع أميركي ـ صهيوني على المنطقة...اليوم فشل هذا المشروع وسقطت بعض أجزائه ولم نعد نسمع منذ آب 2006 بمشروع الشرق الأوسط الجديد".
وبالعودة الى صلب موضوعنا، وانطلاقاً معادلة: أن اي اضعاف للدولة اللبنانية يعني تلقائياً تقوية الدويلة المسلحة المتنامية داخلها، يبقى السؤال حول طبيعة التصريحات الاسرائلية الأخيرة المهددة للدولة اللبنانية مطروحاً: غباء اسرائيلي أم دهاء؟!
عبدو شامي
(ايلاف:17آب2009)

بل الى الاهواز والجزر الاماراتية الثلاث!

بشّر وزير الخارجية الايرانية منوشهر متكي اللبنانيين في 31تموز الماضي، بعدوان اسرائيلي جديد قد يطال بلادهم، الا أن اللافت في تصريحه كان دعوته الدول العربية "التي لم تتخذ الخطوات اللازمة التي کان يجب أن تتخذها خلال العدوان السابق على لبنان، بأن تضع قواتها المتطوعة بتصرف لبنان في حال شنت اسرائيل هجوما عليه "، على حد تعبيره.
وليست هذه المرة الاولى التي يتدخل فيها ذلك الوزير النجيب في الشؤون اللبنانية الداخلية وكذلك العربية، فقد غمز في شهر نيسان من العام الماضي من قناة العرب، عبر القول "ان على العرب ان يهتموا بتحرير فلسطين"، وذلك عندما طرح عليه موضوع استعادة الجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، التي احتلتها ايران بالقوة عام 1971 ولا تزال. وهي جزر ذات أهمية استراتيجية كبيرة، نظراً لوقوعها على تخوم مضيق هرمز الذي يشكل اهم شريان للنفط تعبره الناقلات العملاقة على مدار الساعة.
ويبدو أن هذا الكلام الاستفزازي لوزير الخارجية الايراني قد ابتلعه بعض العرب واللبنانيين، ولم نجد من يتبرع ويتصدى للرد عليه بما يلائمه، لاسيما وأن الذي يحاضر في العفة يحتل ارض العرب في الأهواز والخليج، ويدعم التمرد والانفصال الحوثي في اليمن، ويعمل منذ فترة على شق الصف العربي والاسلامي وشرذمة شعوب المنطقة، خصوصاً في فلسطين ولبنان؛ هذا فضلاً عن كون بلاده لم تخض يوماً حرباً ضد الكيان الغاصب، بل استوردت منه السلاح لمحاربة العراق، وسهلت على الأميركيين احتلال كابول وبغداد، ومنعت المتطوعين الإيرانيين من الذهاب للقتال جنباً الى جنب مع الفلسطينيين أثناء حرب غزة!
فاذا كان ثمة جهات يجدر بالعرب ارسال قواتهم النظامية والمتطوعة لاستعادتها، فبالتأكيد سيكون من بينها الأهواز والجزر الإماراتية الثلاث، يا من تجرّأت على الاستخفاف بعقول الناس.
عبدو شامي
(موقع القوات اللبنانية:19آب2009)

كفانا رضوخاً وإذعاناً... نحن الفائزون!

يَعجب مَن يراقب عملية تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة لكيفية ادارتها من قِبَل قوى الأكثرية، خصوصا لناحية رضوخها لإملاءات الاقلية الخاسرة في الانتخابات النيابية الاخيرة واذعانها لمطالبها.
ان جمهور ثورة الارز خاض الانتخابات النيابية الاخيرة الى جانب قياداته على أنها معركة فاصلة ستحدد مصير لبنان؛ لبنان الدولة الواحدة الفاعلة والسيدة على كامل اراضيها وجميع قراراتها، لبنان الجيش الواحد الخاضع لسلطة واحدة وصاحب الحق الحصري في امتلاك السلاح، لبنان الطائف والمناصفة الاسلامية-المسيحية؛ فلا ثلثاً معطلا ولا مثالثة ولا دويلات على الاراضي اللبنانية...
هذه الثوابت أكد عليها البيان الاخير الذي اصدرته الامانة العامة لقوى 14 آذار في 26 أيار الماضي من فندق البريستول، وحمل عنوان : "بيان تجديد العهد والقسم"، وجاء فيه: "معاً دافعنا عن هذه الثوابت، وسنستمر في الدفاع عنها. ومعاً سنتصدى لمشروع الانقلاب على الدولة واتفاق الطائف. لن نقبل بالاحتكام الى سواكم فأنتم اصحاب القرار. بيدكم وبصوتكم الحر انقاذ لبنان واستعادة دوركم الحاسم في مسيرة الاستقلال التي بدأت مع نداء بكركي في ايلول 2000، وتعمدت بدماء رفيق الحريري وشهداء ثورة الارز وكل لبنان، وهي مستمرة بإرادتكم وعزمكم".
واليوم، بعدما انجز هذا الجمهور السيادي مهمته بنجاح باهر، وقدّم لقياداته نصراً حقيقياً وتاريخياً في المعركة الديموقراطية السلمية التي خاضها في 7حزيران 2009، باتت قياداته السياسية امام امتحان والتزام اخلاقي تجاه جمهورها الذي ينتظر منها الشروع في تطبيق وترجمة الثوابت التي منحها ثقته على اساسها في الحياة السياسية اللبنانية.
فأين قوى 14 آذار من المبادئ والثوابت التي خاضت بها الانتخابات الاخيرة؟!
مجريات الاحداث الى يومنا هذا تشير الى تحول تلك المبادئ والثوابت الى شعارات مفرغة من مضمونها، وانقلاب الفوز التاريخي الى خسارة مدوية! فجمهور الحرية والسيادة والاستقلال لم يعط ثقته وتأييده المطلق لقوى 14آذار في اصعب معركة انتخابية في تاريخ لبنان الحديث، لكي ترضى قواه بعد انجلاء غبار المعركة التاريخية بحكومة مفصلة على قياس الاقلية الخاسرة، قائمة على صيغة 15-10-5 التي تحتوي على ثلث معطل مضمر او مموّه، بما يعيد إنتاج اتفاق الدوحة معدلاً ويمدد لمفاعيله المخالفة للدستور، ما سيشكل مقدمة لتعديل اتفاق الطائف، والعبور الى الدويلة بدلا من الدولة، وتكريس المثالثة على حساب المناصفة.
لمست المعارضة من قوى الاكثرية خضوعاً وخنوعاً امام مطالبها التعجيزية واملاءاتها اللادستورية، وضعف في الشخصية واهتزاز في الثقة بالنفس، فرفعت سقف ابتزازها لتطالب بتوزير الراسبين في الانتخابات النيابية ووضع يدها على وزارات سيادية حساسة مثل وزارة الداخلية؛ فالمعارضة لا تريدها خسارة عادية لقوى الاكثرية، بل خسارة مدوية ومذلة، مع اجبارها قوى 14 آذار على النكث بوعودها والتراجع عن ثوابتها التي التزمتها أمام جمهورها.
يريدون كل شيئ؛ يريدون تجريد الرئيس المكلف من فريقه السياسي وزعامته للاكثرية، يريدون اسكات وتخريس صوت القيادات والامانة العامة لقوى 14آذار كلما حاولت على استحياء الرجوع الى ثوابتها واستعادة هيبتها بالانتفاض والاعتراض على أوامر المعارضة التسلطية...حتى تجرّأ علينا الوزير السابق وئام وهاب في 21آب مخاطباً زعيم الاكثرية الرئيس المكلّف سعد الحريري بالقول: "لا تستطيع أن تحكم بسياسة مزدوجة وعبر السماح لفريقك بالتحدث باللغة التي كان يتحدث بها في السنوات الأربع الماضية".
لقد خضعنا للابتزاز بما فيه الكفاية، فتنازلنا عن حقنا الديموقراطي الطبيعي بتشكيل حكومة أكثرية تترجم نتائج الانتخابات، ورضينا بثلث معطل مموه لابد أن يكشف عن وجهه يوماً ما، وخضعنا لترهيب وارهاب السلاح الميليشيوي المتسلط على الدولة، واذا استمرينا بهذه السياسة الانهزامية فسنقبل بتوزير الراسبين وسنقدّم للمعارضة وزارة الداخلية ووزارة الاتصالات، وربما انحدرنا الى اسوأ من ذلك.
كفانا ذلاً وهواناً وخنوعاً وخضوعاً امام قوى المعارضة. ألسنا نحن من فاز في الانتخابات النيابية؟ ألسنا نحن من انتفض في وجه الوصاية السورية ودحر الاحتلال السوري من لبنان؟ ألسنا من صنع ثورة الارز وقدم خيرة الشهداء حفاظاً على الاستقلال الثاني؟!
ألا فلنستعد ثقتنا بأنفسنا ولنستجمع قوانا وطاقاتنا لمواجهة تسلط الاقلية علينا، فالجمهور الاستقلالي لا يريد ولا يقبل ان يرى قياداته يخوضون استحقاق تشكيل الحكومة العتيدة بتلك الروح الانهزامية والمعنويات الهابطة وتقديم التنازلات تلو التنازلات وكأننا الطرف الخاسر في الانتخابات النيابية وهم الفائزون، فجمهورنا ليس هذا طموحه ولا لأجل ذلك اعطى اصواته.
جمهور ثورة الارز مستعد لكافة التضحيات ولأي قرار يترجم نتائج الانتخابات، وقد اكد ذلك عندما جدد ثقته بقوى 14 آذار ومنحها الاكثرية في اتخابات2009؛ واليوم، بعد مرور اكثر من شهرين على عملية التكليف لا يزال الوقت متاحاً والفرصة قائمة لتصحيح المسار واستعادة الثقة واسترجاع الفوز التاريخي الذي قضت صيغة 15-10-5 المخزية والمجحفة على مفاعيله وذهبت بثماره، وزاد من اجحافها الانقلاب الجنبلاطي الاخير في 2آب الماضي مهما حاول صاحبه تلطيفه والتخفيف من حدته بأعذار هي أقبح من ذنب، فقد هز الثقة المتبادلة وزعزع الالتزام بقسم بيان البريستول الاخير وبقسم جبران تويني، وإن كان انقلاباً على صعيد القيادة وليس القاعدة الشعبية الشبابية التي لطالما سبقت قادتها في الاستحقاقات المصيرية.
ألا فلنتصرف كأكثرية وكفائزين، لا كخاسرين خانعين وخاضعين لابتزاز المعارضة والاقلية الفاشلة والخاسرة في الاستحقاق النيابي، ولتكن عندنا الجرأة على تشكيل حكومة أكثرية، او على الاقل حكومة لنا فيها الاكثرية المطلقة خالية من الثلث القاتل، تعكس نتائج الانتخابات وتحقق طموح الشعب، ولنستجب لنصيحة البطريرك صفير التي وجهها لنا في 21آب الماضي بقوله: "على رئيس الجمهورية والرئيس المكلف أن يحزما أمرهما للخروج بحكومة تتسلم فيها الأكثرية الحكم عملاً بالديمقراطية وبنتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة، على أن تكون هناك معارضة تضعها تحت المجهر فتراقب توجهاتها وقراراتها وتدلل على أخطائها حتى يجري تصحيحها فيستقيم بذلك عملها ويحكم عليها سلبًا أو إيجابًا".
فيا قادة 14 آذار: عودوا الى رشدكم وصوابكم واستعيدوا معنوياتكم، وارفعوا صوتكم بالحق عالياً، فالشعب معكم وأمامكم ومستعد لكافة التضحيات. ولا يرهبنّكم سلاح المعارضة، عطِلوا مفاعيله برفضكم الرضوخ لتهديداته واملاءاته، وتأكدوا ان أي استهداف لمسيرتنا الاستقلالية لن يزيدها الا شرفاً وعزة وتماسكاً وصلابة، واي استعمال جديد للسلاح في الداخل لن يزيد حامليه الا ذلاً وعاراً امام اللبنانين والعرب والمسلمين والعالم بأسره، وسيكشف المزيد عن حقيقة مشروعهم المشبوه، الذي يتلطى خلف شعارات "المقاومة" والتصدي للخطر الاسرائيلي من أجل السيطرة الكاملة على الدولة اللبنانية.
ان ثورة الارز بعد مرور 4سنوات على اشتعالها لا تزال ثورة فتية، وهي بحاجة للحيوية والنشاط الدائم لكي تحقق كافة اهدافها؛ ولكي لا يتحول عنوان "7 حزيران: موعد العبور الى الدولة" الذي اطلقته قوى 14آذار على مؤتمرها الثاني موعداً للعبور الى "الدويلة"، لم يفت أوان اعادة تلك الحركة الاستقلالية السيادية الى مسارها التاريخي ودورها الكبير بعد. فهل من مجيب؟
عبدو شامي
(القوات اللبنانية ونهار الشباب:3و10ايلول2009)

الاكثرية تستجمع قواها وتستعيد انتصارها التاريخي

بعد 73 يوماً من التنازلات تلو التنازلات، وصلت الى حد اهداء انتصار السابع من حزيران التاريخي الى المعارضة، نجحت الاكثرية النيابية بالانتفاض على نفسها واسترجاع ثقتها بنفسها ومعنوياتها، فاستعادت انتصارها التاريخي رافضة الرضوخ لشروط الاقلية ومطالبها التسلطية والابتزازية.
طالبت قوى 8 آذار بحكومة شراكة بحسب مفهومها التعطيلي لها(صيغة 15-10-5 ذات الثلث المعطل المضمر) كتغطية للاستيلاء على السلطة، فكان لها ما ارادت؛ ثم رفعت سقف مطالبها لتطالب بتوزير الراسبين في الانتخابات حفاظاً على زعامة آفلة وإرث عائلي مهدد بالزوال، وأصرت على نيل وزارتي الداخلية والاتصالات للامساك بأمن البلاد واستكمال بناء الشبكات الخاصة الخارجة على الشرعية اللبنانية، فاصطدمت بجدار الاكثرية التي تجرأت على قول "لا" في وجه تلك المطالب التي تهدف الى ضرب مقومات الكيان اللبناني، بما في ذلك تجويف نتائج الانتخابات وافراغ الديموقراطية من مضمونها.
هذا، وقد استغرقت عملية نهوض الاكثرية من كبوتها منتفضة على نفسها لاسترجاع انتصارها، ثلاث مراحل:
1- المرحلة الاولى تمثلت باجتماع نواب الاكثرية في 31 آب2009، الذي ضم 67 نائباً من اصل 71، شارك فيه النائب وليد جنبلاط وكتلته النيابية، وأكدت فيه الاكثرية تماسكها ووحدتها وتضامنها، كما اكدت التفافها حول الرئيس المكلف سعد الحريري، معلنة: "ان انفتاح الاكثرية النيابية على فكرة قيام حكومة وحدة وطنية، لا يعطي اي جهة سياسية حق فرض الشروط على رئيس الجمهورية وعلى الرئيس المكلف، باعتبارهما الجهتين الوحيدتين المخولتين وفقاً للدستور الاتفاق على تشكيل الحكومة والتوقيع على مرسوم تشكيلها".
شكّل هذا الاجتماع رسالة واضحة الى من يهمه الامر في الداخل والخارج، دحضت الاقاويل بأن الاكثرية لم تعد اكثرية خصوصاً بعد التقلبات الجنبلاطية، كما بيّنت الاكثرية للعالم ان الاقلية النيابية تمنعها من ممارسة حقها في حكم البلاد الا بشروطها. وما لبث ان انسحب علو النبرة على الرئيس المكلف، الذي اكد في كلمة القاها في 2/9/2009 ضرورة "ان يكون هناك منطق في تشكيل الحكومة"، معلناً ان "الاقلية ليست هي التي تفرض على الاكثرية شروطها (...) فهذا منطق مرفوض بكل صراحة وبكل وضوح وانا لن اقبل به". وبذلك يكون اجتماع الاكثرية قد ساهم في رفع نبرة الخطاب السياسي لدى الاكثرية النيابية، واكسبها المعنويات العالية والثقة بالنفس، ومهّد للقيام بالخطوة الحساسة التالية.
2- المرحلة الثانية في عملية استرجاع انتصار 7 حزيران، تحققت في 7/9/2009، حيث تقدّم الرئيس المكلف بموجب حقه الدستوري بتشكيلة وزارية ضمن الصيغة المتفق عليها لرئيس الجمهورية، حظيت فيها المعارضة بالوزارات الخدماتية الاساسية كالاشغال والصحة والتربية، الى جانب وزارتي الخارجية والعمل، في ما بدا أنه محاولة جادة لكسر حلقة الشروط والعراقيل والابتزاز ووضع الاقلية امام مسؤولياتها. ومساء، وضع الرئيس المكلف النقاط على الحروف مذكراً بنبرة متشددة لافتة ان:"في البلد أكثرية واحدة لا أكثريتين، وهناك أقلية واحدة، وهناك فخامة الرئيس الذي نحترمه"، وأنه "بعد 70 يوماً من المشاورات، بعضها كان مناورات والبعض الآخر محاورات، ومنها أيضاً كلام من البعض له معنى وكلام ليس له معنى، نحن مسؤولون أمام اللبنانيين ونحن مسؤولون أيضاً عن 70 يوماً من الفرص الضائعة".
لم تشبع تلك الحصة الدسمة جشع المعارضة، فرفض فريق 8 آذار التشكيلة المقترحة متمسكاً بمطالبه التعجيزية. لكن هذه الخطوة الجريئة من الرئيس المكلف كانت كافية لوضع المعارضة في مأزق، كشف تبعيتها المطلقة لمحاور خارجية وامعانها في التعطيل مع رفضها التشكيلة المقترحة.
وعلى الرغم من تنازل فريق الاكثرية عن الثلثين زائدا واحدا، ثم عن النصف زائدا واحدا، وعن حقه بالحقائب السيادية اكثر من الفريق المعارض، وتنازله عن اهم الحقائب الخدماتية واعطائها لـ"التيار الوطني الحر"، خرج علينا امين عام حزب ولاية الفقيه حسن نصر الله في 7/9/2009 بمغالطات شنيعة وقلب للحقائق، فقال رداً على تقدم الحريري بالتشكيلة الحكومية:"هناك مسؤولية كبيرة تقع على رئيس الجمهورية، لأنه في الحد الادنى هذه الطريقة التي استخدمت لتشكيل الحكومة لا تخدم التشكيل انما تعقده، فالامور تعالج بالحوار وتقديم التنازلات من الطرفين، وعلى مسؤوليتي الشخصية اقول: ان الطرف الآخر لم يقدم اي تنازلات على الاطلاق، وكأن المطلوب التنازل من المعارضة فقط وهذا غير منطقي، فالمطلوب التنازل من الجميع". نعم، ربما كان قائد المعارضة الفعلي صادقا في جزء من ادعائه، فالمعارضة قدمت تنازلات كبيرة بامتناعها مؤقتاً عن ممارسة هوايتها بافتعال الاضطرابات واراقة الدماء البريئة في الشوارع كلما اصطدمت بجدار الاكثرية، وان كانت استبقت بدء الرئيس المكلف مشاوراته مع الكتل النيابية بحوادث عائشة بكارالدامية في 28حزيران الماضي.
اما الجنرال عون فرد في اليوم نفسه قائلاً: "لا يمكن القبول بوزارات مرفوضة"، مطالباً "جميع الوزراء الذين ستتم تسميتهم من حصة تكتل "التغيير والاصلاح" المبادرة بالاستقالة الفورية من اية حكومة تصدر بأسمائهم".
3- اما المرحلة الثالثة والاخيرة في استعادة الانتصار، فقد مهّد لها الرئيس المكلف في 9/9/2009 قائلاً: "خلال اليومين او الايام الثلاثة المقبلة، سأقوم بخطوات عدة لمصلحة البلاد. لدي صلاحيات وسأمارسها. نحن علينا مسؤولية هذه البلاد، ولا نخاف الا الله سبحانه وتعالى. وأود ان اؤكد لكم انني في ما يتعلق بالثوابت عنيد ولا اتزحزح عن الامور الاساسية التي تخص لبنان وسيادته واستقلاله، ولا عن الصلاحيات التي اعطاها الدستور الى الرئيس المكلف. كل هذه الامور لن اتخلى عنها، لانها ليست ملكاً لي بل ملك وحق لكل اللبنانيين".
وفي العاشر من ايلول، بعد 73 يوما على اجرائه "جولات وجولات من المشاورات كانت تنتهي دائما الى وجود تعطيل في مكان ما، والى المراوحة في طرح شروط تستهدف بشكل أو بآخر إلغاء نتائج الانتخابات أو تسخيفها"، فعلها الرئيس الحريري، فقدم اعتذاره عن تشكيل الحكومة لرئيس الجمهورية معيدا الامور الى نقطة الصفر، ومسترجعاً انتصار الاكثرية في الانتخابات النيابية، اذا ما استثنينا النقطة السوداء المتمثلة باعادة انتخاب الرئيس نبيه بري لرئاسة مجلس النواب.
فبعد أن تبيّن له "أن لا نيّة لدى البعض للتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، والخروج من حال المراوحة في الشروط التعجيزية"، أعلن الرئيس المكلف سعد الحريري اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة مؤكدّاً أنه لن يقبل "أن تتحول رئاسة الجمهورية أو الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة إلى مجرّد صندوقة بريد نتسلّم من خلالها مراسيم تسمية الوزراء الآتية من الأندية والأروقة السياسية". ومساء، اعلن الحريري من قريطم أنّ "الأكثرية لا زالت أكثرية، وهي التي تقرّر من هو الرئيس الذي سيكلّف تشكيل الحكومة المقبلة، ومهما فعلوا فالأكثرية تبقى أكثرية"، مضيفاً: "نحن نعرف إلى أي مدى يجب أن نضحي، وكم من التضحيات يجب أن نقدّم. هناك مكان ما يجب أن نتوقف عنده عن تقديم التضحيات، ومن هذا المنطلق قدمت اعتذاري اليوم الى رئيس الجمهورية ومارست بذلك حقي الدستوري بالاعتذار".
اعتذار الرئيس المكلف لم يكن ضربة لمستقبله السياسي ولا لقوى 14آذار كما خطط اخصامهم، بل كان "ضربة معلم"، وجاء من موقع قوة وتفهم من قبل جمهور الاكثرية، فكشف المستور واسترجع الانتصار وجدد الثقة الشعبية والوطنية بالرئيس المكلف، وقلب الطاولة على المعارضة، كما فتح المجال امام طي صفحة التنازلات المجحفة واعادة النظر في صيغة الحكومة وشكلها وتوازناتها، اذ من الصعب ان ينال الفريق المعارض في التشكيلة التالية اكثر مما ناله في التشكيلة السابقة التي حصل فيها على الحد الاقصى من التنازلات؛ وربما نتج عن هذا الاعتذار الذهاب الى حكومة تكنوقراط، او الى اي شكل آخر غير الشكل الحالي الملغوم بالثلث القاتل.
والمتتبع لخطوات وتوقيت انتفاضة الاكثرية على نفسها، يلاحظ أن الاكثرية والرئيس المكلف انتظرا ليقولا كلمة "لا" في وجه ابتزاز المعارضة الى انتهاء موسم الاصطياف لتمريره بسلام وتحقيق اكبر نسبة نمو اقتصادي ممكنة، لعلمهم المسبق ان عنادهم كان سيجلب حوادث امنية تعكر ذلك الموسم المهم للاقتصاد اللبناني. ويبدو ان المعارضة فهمت خطة الاكثرية فردت في اليوم التالي على الاعتذار في 11/9/2009 بإطلاق ثلاثة صواريخ " مجهولة الهوية" كالعادة، من سهل القليلة جنوبي مدينة صور باتجاه الشمال الفلسطيني، سقطت في منطقة نهاريا، أعقبها سقوط قذائف اسرائيلية على المنطقة؛ وشكل ذلك التوتر الامني رسالة جديدة من فريق المعارضة الى قوى الاكثرية، مفادها ان بامكانه اشعال الجبهة في اي وقت واعادة البلاد اعواماً عديدة الى الوراء، وليس فقط تبخير موسم
الاصطياف، اذا ما اصرت الاكثرية على عنادها وتمسكها بثوابتتها.
هنيئاً للاكثرية وقوى 14 آذار استرجاعهما الانتصار التاريخي في الانتخابات النيابية، مع تمنياتنا بالمحافظة عليه هذه المرة، وان تبقى الاكثرية كما عهدناها متمتعة بعلو النبرة في الخطاب السياسي والثقة القوية بالنفس، فدرب الحرية والسيادة والاستقلال لايزال طويلا، والتحديات لن تخلو من المخاطر.
عبدو شامي
(موقع القوات اللبنانية:19ايلول2009)

دعاة على ابواب جهنم

كلما تعسر المسار السياسي الديموقراطي في لبنان، اطل علينا شبح الجماعات الارهابية والتكفيرية ليعبث في امن البلاد ويرهب العباد، في محاولة لخلق اجواء خوف وقلق وعدم استقرار امني تستعمل كوسيلة للابتزاز والضغط من فريق سياسي تعطيلي، بهدف انتزاع مطالب وشروط تسلطية تتناقض مع الدستور وتنسف ابسط قواعد الديموقراطية.
فمنذ استعادة قوى الاكثرية معنوياتها ورفعها نبرة خطابها السياسي مع اجتماع قريطم نهاية آب الماضي، بدأت الصحف السورية الناطقة بلسان النظام الحاكم تنذر بعودة الاضطرابات الامنية الى الواجهة في الساحة اللبنانية، وتبع ذلك معلومات عدة وحوادث صبّت في الاتجاه نفسه.
1- ففي 7/9/2009 اشارت صحيفة "الوطن" السورية الى ورود تقارير أمنية "كشفت عن تحركات لمجموعات أصولية في محاولة لاستغلال الفراغ السياسي لتنفيذ عمليات تستهدف الاستقرار الأمني. ولم تخف خشيتها من إمكان حصول تحرك داخل المخيمات الفلسطينية وربما خارجها نتيجة التطورات السلبية على الساحة الفلسطينية الداخلية وتداعياتها لبنانياً(..)".
2- وفي 21/9/2009، ذكرت صحيفة "الأنباء" الكويتية ان معلومات وردت لمديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني قبل ساعات من صلاة عيد الفطر، تؤكد محاولة لاستهداف مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني بعملية انتحارية داخل مسجد محمد الامين، اثناء صلاة العيد.
3- وفي22/9/2009، كشفت مصادر خاصة لصحيفة "الراي" الكويتية، معلومات تفيد "ان عناصر جماعة فتح الاسلام يحاولون تشكيل خلايا صغيرة في المخيمات الفلسطينية واستخدامها في المستقبل بعمليات ارهابية تستهدف فلسطينيين ولبنانيين وقوة "اليونيفيل" المعززة في جنوب لبنان.
4- وفي اليوم عينه، حذرت أوساط سورية متابعة في تصريح لصحيفة "الوطن" القطرية من "انتشار وتزايد خلايا تابعة لتنظيم "القاعدة" في شمال لبنان، الأمر الذي شكل تهديداً ليس لأمن لبنان فقط، بل لأمن سوريا أيضاً"، مشيرةً إلى أن "تعيين "أمير جديد" للقاعدة في بلاد الشام قد يترافق مع تنفيذ عمليات ارهابية على مستوى دول المنطقة، ومن بينها لبنان".
وبالرجوع قليلاً الى الوراء، نلاحظ ان اجهزة الاستخبارات السورية لطالما وجدت في دعم وتفريخ الجماعات المتطرفة والمضللة دينياً، عنصراً فعالاً تستخدمه في تحقيق اطماعها ومآربها في البلدان المجاورة ومنها لبنان.
1- فإذا صحت المعلومات عن وجود انتحاري يقود الشاحنة التي استهدفت موكب الرئيس رفيق الحريري في 14/2/2005، فذلك يعني ان السائق قد اخضع لعمليات غسل دماغ استخباراتية بغلاف ديني، افهمته ان عمله الارهابي ذاك ليس انتحاراً بل استشهاداً في سبيل الله! ولمزيد من التضليل الاعلامي، بُثّ بعد العملية الارهابية شريط مصوَّر في احد الاقبية الاستخباراتية السوداء، أعلنت فيه "جماعة النصرة والجهاد في بلاد الشام" المجهولة، مسؤوليتها عن الاغتيال.
2- وكذلك يقال في حوادث5شباط2006 الارهابية، حين اقدمت على التوغل في شوارع الأشرفية مجموعات ارهابية موجهة ايضاً استخباراتياً بخطاب ديني تضليلي، مارست إرهابها في التعدي على الاملاك الخاصة والعامة والكنائس... في محاولة لاستدراج الساحة اللبنانية إلى فتنة طائفية سنية-مسيحية، تفسد على القوى الاستقلالية تحالفها المتين العابر للطوائف. وجاء ذلك الارهاب رداً على نجاح "ثورة الارز" في 14آذار 2005 في كسر حواجز الرعب والخوف بين الطوائف اللبنانية، بعدما كان النظام البعثي يغذي الانقسام ويحول دون الانفتاح بين الطوائف وتجسيد معاني الوحدة الوطنية والعيش المشترك، عبر افهامه المجموعات الطائفية ان الوجود السوري يحول دون اشتعال حروب أهلية في البلاد.
3- وفي في محاولة لثني جماهير ثورة الارز عن المشاركة في التظاهرة الجماهيرية المصيرية المقرَّرة في الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد الحريري، ضرب الإرهاب الاستخباراتي المموه دينياً بلدة "عين علق" في 13/2/2007، مع تفجير عبوتين في حافلتي نقل كانتا تنقلان طلاباً وعمالاً إلى مدراسهم وأشغالهم، ما أوقع ثلاثة قتلى ونحو عشرين جريحاً. وتبيَّن فيما بعد، أن تنظيم "فتح-الإسلام" هو من قام بتنفيذ العملية الإرهابية.
4- وقبيل إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن، وتحديداً في 20 أيار 2007، تلقى الجيش اللبناني رسالة دم سقط له خلالها 23 شهيداً وعشرات الجرحى، مع اقدام تنظيم "فتح-الاسلام" التكفيري على مهاجمة مواقع الجيش عند مداخل مخيَّم نهر البارد، مستخدماً جميع أنواع الأسلحة.
هذا، وقد تبيَّن أن عصابة "فتح-الإسلام" تابعة لشاكر العبسي، الذي سجن في سوريا لمدة ثلاث سنوات في العام 2002، حيث خضع والعديد من العناصر الارهابية الى عملية تجنيد استخباراتية. وبعد إجبار النظام السوري على الانسحاب من لبنان عام 2005، أطلقت السلطات السورية سراح العبسي وأُرسل مع كثيرين غيره الى لبنان، ليباشروا عملهم الارهابي المتستر بغطاء ديني مزوّر في المخيمات الفلسطينية.
ومن هنا، وبعد اعادة بروز شبح تلك التنظيمات الارهابية على الساحة اللبنانية، نرى ضرورة توعية الشاب اللبناني والمسلم تحديداً للمكائد التي تحاك ضد بلاده، وحثه على تلقي تعاليم دينه من العلماء الموثوقين، والتمسك بالوحدة الوطنية والعيش المشترك. فقد وصل المكر والدهاء لدى المغرضين إلى حد استخدام الدين والدعاة المزيّفين لتحقيق اغراضهم السياسية الدنيئة، حيث يعمدون إلى التغرير ببعض الشبان المؤمنين المفتقرين للثقافة الدينية والمتحمسين لخدمة دينهم، فيستغلون فيهم هذا الضعف مع ذلك الحماس، ليرسلوا إليهم أحد جنودهم المأجورين مُتنكراً بصفة وزيّ داعية اوعالم دين، وقد يكون ذا علم حقاً ولكنهم تبنوه لبُعده عن الفكر القَويم، ثم يدفعون بجندي آخر ليلعب دور المُحسن الكريم والمُموِّل الغيور على مصالح المسلمين... فيمدَّهم هذا بالمال والسلاح، ويُخضِعهم ذاك لعمليات غسل دماغ، لينتهي بهم الأمر مُكبَّلين تُعرض مخططاتهم على الشاشات، ورُبما سَمَحوا لهم بتنفيذ بعض العمليات لغايات سياسية استخباراتية تفتح على وطنهم ابواب جهنم وتجلب له الويلات.
عبدو شامي
(نهارالشباب:1تشرين الاول2009)

التأييد الإنعكاسي

إذا كنتُ أريد إيصال شخص فاسد ومستتِر لتبوّؤ منصب ما، مع علمي أن تأييدي أو دعمي الكلامي أو العملاني له من شأنه أن ينعكس سلباً على وصوله لذلك المنصب، نظراً لسمعتي السيّئة أوسجلّي الحافل بالنقاط السُّود مثلاً، فإن الحكمة تقتضي بي أن أصمت عن توجيه أي تأييد له ولو كان كلاميّاً، أو أن أهاجمه وأعلن دعمي وتأييدي لخصمه الشريف الذي ينافسه على ذلك المنصب، إذ من شأن ذلك أن يرفع تلقائياً -في ذهن كثيرين- من أسهم الفاسد المستور، ويحطّ من أسهم الشريف المعروف، لمجرّد كون الداعم له مشهوراً بفساده، وبذلك أضمن الى حدّ بعيد وصول الشخص الفاسد الذي أؤيّده في قرارة نفسي.
هذا، ويذكّرنا ذلك الأسلوب الماكر في تلميع صورة الفاسدين بقول المتنبي:
                              واذا اتتك مذمتي من ناقصٍ فهي الشهادة لي بأني كاملُ
كما يمكن اختصار الأسلوب الدنيئ في الحط من سمعة الصالحين بقولنا:
                              واذا اتتك (تزكيتي) من مفسدٍ فهي الشهادة لي بأني فاسدُ
وانطلاقاً مما تقدّم، إذا أردنا استقراء السلوك الأميركي والإسرائيلي تجاه الملف اللبناني خلال السنوات الأربع الماضية ، فسوف نلاحظ اعتماده هذين الأسلوبَين الماكرَين مع القوى السياسية المتصارعة في لبنان، وذلك بما يخدم سياسة واهداف قوى المعارضة التي لاقت ذلك السلوك الماكر في منتصف الطريق، من خلال ترجمته تارة اعتماداً على الأسلوب الأول، وطوراً استناداً للأسلوب الثاني، بدليل الواقع التالي:
1- في خضم "حرب" تموز 2006 المدمرة، اصّرت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس على زيارة لبنان، حيث استدرجت وزراء ونواباً وشخصيات من قوى الأكثرية و14 آذار الى اجتماع في السفارة الأميركية في عوكر، بذريعة التباحث في كيفية ايجاد مخارج لوقف تلك "الحرب". وقد شكّل هذا الاجتماع (الذي كان ينبغي تفاديه أو على الأقل حصره برئيس مجلس الوزاء)، مادة دسمة للمعارضة التي وصفته بالإجتماع التآمري على ما يسمى "مقاومة"، بهدف اطالة أمد الحرب حتى التخلص منها نهائياً.
2- بعد "حرب" تموز 2006، وتزامناً مع التحركات الانقلابية التي نظمتها المعارضة ضد الحكومة وقوى الأكثرية، ظهرت إلى العلن تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، يشدد فيها على دعمه "حكومة السنيورة"، وقلقه من المحاولات التي تقوم بها المعارضة بغرض إسقاطها.
3- ترافقت هذه التصريحات مع توجيه الولايات المتحدة سيلاً من الدعم الكلامي اليومي "لحكومة السنيورة"، بلا كلل ولا ملل، وصلت إلى حدّ اعتبار بقائها جزءاً من الأمن القومي الأميركي.
4- وتخلل ذلك، ترويج الموساد الإسرائيلي بين الحين والآخر، أخباراً مكذوبة عن حصول لقاءات بين الرئيس السنيورة وإيهود أولمرت في شرم الشيخ.
وكانت نتيجة هذا السلوك الأميركي الإسرائيلي المشترك، إيجاد شبهة قوية لدى البسطاء لاتهام حكومة الإستقلال الثاني وقوى 14 آذار الداعمة لها، بلعب دور الخيانة والعمالة والتبعية لتلك الجهات، ذلك الدور المكذوب، الذي ما انفكّ "حزب ولاية الفقيه" يذكِّر به أتباعه في جميع خطاباته، لا سيِّما في حفلات وعروض ساحة رياض الصلح، حيث كان يتبارى خطباؤه كل يوم على الشتم والتحريض والتصعيد، بلهجة موتورة ومنطق تخويني مبرمج، بلغ ذروته مع قول أمين عام الحزب في 7/12/2006 :"هذه الحكومة تلقت على مدى سنة ونصف سنة من الدعم الأميركي والغربي، وما زالت، ما لم تتلقه أي حكومة في تاريخ لبنان، ألا يثير هذا الشكوك والشبهات؟ لماذا هذا الغرام الأميركي بهذه الحكومة وبرئيس هذه الحكومة، لكن ما يثير الشكوك أكثر، هذا المديح الإسرائيلي اليومي لهذا الفريق الحاكم في لبنان، هل هناك وراء الأكَمَة ما لا نعرف وما نجهل؟!". ثم اتهم الحكومة صراحة بلعب دور التواطؤ والعمالة والخيانة ضد حزبه، أثناء حرب تموز.
5- وفي وقت بلغ فيه الصراع ذروته، مع الصمود البطولي لحكومة الاستقلال الثاني في وجه المحاولات الإنقلابية السلمية وغير السلمية التي تقوم بها المعارضة، وجَّهت الولايات المتحدة للحكومة اللبنانية وقوى 14آذار ضربة موجعة ومحرجة ومربكة في آن معاً، استغلتها المعارضة أبشع استغلال، وذلك مع إعلان مسؤول أميركي كبير في 28/2/2008، أن الولايات المتحدة قامت بإرسال السفينة الحربية "يو.اس.اس.كول" إلى سواحل لبنان، في إشارة على حدِّ قوله إلى "نفاذ صبر واشنطن من سوريا، ولإظهار قلق أميركا حيال السلوك السوري، وتأييداً منها للاستقرار الإقليمي". وقد ظهر زيف كل ذلك التأييد الأميركي للحكومة اللبنانية، مع أحداث أيار الإرهابية عام 2008، حيث وقفت أميركا صامتة تتفرّج على إسقاط الحكومة بقوّة السلاح الايراني والمتغاضى عنه اسرائيلياً.
6- ومع اقتراب اعلان مدعي عام المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قراره الاتهامي الظني، نشرت مجلة "دير شبيغل" الالمانية والمعروفة بانتمائها الصهيوني تحقيقاً في 23أيار 2009، ذكرت فيه "ان قوات خاصة تابعة لحزب الله خططت ونفذت الهجوم" الذي اودى بحياة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في14 شباط 2005. وافادت ان ما نشرته "يستند الى معلومات حصلت عليها من مصادر قريبة من المحكمة (الخاصة بلبنان) وتم التحقق منها عبر الاطلاع على وثائق داخلية".
وعلى الفور تلقفت الجهات الاسرائيلية ذلك التقرير بأهمية كبيرة، فأعلن وزير الخارجية الاسرائيلي أفيجدور ليبرمان: "انه بناء على تقرير "ديرشبيغل" يجب اصدار مذكرة توقيف بحق نصر الله ، وانه يجب اعتقاله بالقوة اذا لم يسلمه لبنان".
اما حسن نصر الله، فكان المستفيد الاكبر من تحقيق المجلة الالمانية وتعليقات الاسرائيليين، فقد اعطته ذريعة قوية وكافية لرفض القرارالظني اذا ما صحت المعلومات المنطقية الواردة بتورطه وحزبه في الجريمة، واعتبار المحكمة اسرائيلية؛ فقد نعى المحكمة الدولية في 25/5/2009، معلناً أن " ما كتبته "دير شبيغل" وما عقّب عليه الصهاينة نعتبره اتهاماً اسرائيلياً باغتيال الحريري وسنتعاطى معه على انه اتهام اسرائيلي". وبهذا تكون المجلة الالمانية والتعليقات الصهيونية قد انقذت حزب ولاية الفقيه من تداعيات احتمال تورطه بالعملية الارهابية التي غيرت تاريخ المنطقة وهزت العالم بأسره، واعطته ما يشبه صك براءة.
7- ومؤخراً، خرجت علينا الصحف الإسرائيلية في 3/5/2009 لتخبرنا: "ان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، سيعلن قريباً استعداد إسرائيل للإنسحاب من الجزء الشمالي من قرية الغجر على الحدود مع لبنان، وإن سبب هذه الخطوة هو الإستجابة لمطلب أميركي، وبادرة حسن نية لرئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة قبل إجراء الإنتخابات الداخلية اللبنانية". وتبعه أحد الوزراء اليمينيين بالقول: " حاولنا جهدنا في السنوات الماضية دعم المعتدلين في لبنان، فكانت النتيجة أنّا أضعفنا أنفسنا".
وقد سارعت المعارضة الى استثمار هذه التصاريح الملغومة في البازار الإنتخابي، بعد أقل من 48 ساعة على صدورها، مع قول رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة": "إذا كان الإعتدال يعني التضييق على المقاومة، فنحن لسنا من هؤلاء المعتدلين...وإننا في الإنتخابات ضد هؤلاء المعتدلين الذين يحملون هذا المضمون الإسرائيلي"، وأضاف: "إذا كانت مواجهة المشروع الأميركي للسيطرة والهيمنة على لبنان والسلطة تطرفاً، فنحن يشرفنا أن نكون من هؤلاء المتطرفين".
8- وفي 22أيار2009، شهد لبنان زيارة نائب الرئيس الأميركي جون بايدن، واجتماعه مع قوى 14آذار، وقوله إن بلاده "ستعيد تقويم برامج مساعداتها بناء على تركيبة الحكومة الجديدة". وعلى الفور علّقت المعارضة بأن بايدن جاء لتشكيل لوائح 14آذار وحل عقدها.
9- وقبل أحد عشر يوماً من موعد الإنتخابات اللبنانية، عبّر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غابي أشكينازي في 26/5/2009، عن تخوفه من تفوّق حزب ولاية الفقيه في الإنتخابات اللبنانية، معتبراً أن "هذه الإنتخابات حرب على مستقبل لبنان"، وواصفاً إياها بأنها "حملة انتخابية مركبة من محور متشدّد وأطراف معتدلين".
وفي اليوم نفسه، حذّر وزير دفاع العدو الإسرائيلي إيهود باراك الشعب اللبناني من مغبّة التصويت للحزب المسلّح في الإنتخابات النيابية، معتبراً أن فوزه "سيمنحنا حرية عمل لم نكن نمتلكها في تموز 2006".وبالطبع، تلقفت المعارضة هذه التصاريح بكل سرور، واستخدمتها في مهاترات الغمز واللمز المكوِّن الأساس لحملتها الإنتخابية، متهمة قوى 14آذار بالتبعية لأميركا واسرائيل تلميحاً وتصريحاً. ومن ذلك قول النائب العوني نبيل نقولا في مهرجان انتخابي لمنطقة المتن: "الا تعني تلك التصاريح الاسرائيلية ان قوى 14 آذار واسرائيل اصدقاء!".
10- جرت الانتخابات النيابية في السابع من حزيران بأمن وسلام، فالمعارضة كانت واثقة من انتصارها "الالهي" الجديد في تلك المعركة الديموقراطية التي تكفلت بحملتها الانتخابية الشخصيات الاسرائيلية بتصريحاتها المشبوهة المختلفة، فتلك الثقة بالفوز حالت دون عرقلق المعارضة هذا الاستحقاق المصيري او ارجائه، الا ان قوى 14آذار نجحت باكتساح غالبية مقاعد البرلمان مجدداً، لتدخل في استحقاق تشكيل حكومة جديدة تعكس نتائج الانتخابات وتلبي ارادة الناخب اللبناني الذي اعطاها ثقته ومنحها صوته.
وفي خضم مساعي تشكيل الحكومة العتيدة، بدأت المعارضة تلوّح وتهدد باستعمال السلاح في الداخل ان لم تستجب الاكثرية لمطالبها في عملية التأليف، سواء بالنسبة لصيغة الحكومة او لكيفية توزيع حقائبها او لتفاصيل بيانها الوزاري. قابلت الاكثرية تلك التهديدات بتنازلات مشينة ومخزية بحق جمهورها لاسيّما لناحية قبولها بثلث معطل مضمر داخل الحكومة، وبقيت صامدة فيما يتعلق بتفاصيل تافهة اذا ما قورنت بكارثة الثلث المدمر مثل رفضها توزير الراسبين، فرفعت المعارضة سقف مطالبها وطال امد التأليف، فارتفعت بعض الاصوات الاستقلالية السيادية على استحياء مطالبة بتشكيل حكومة تكنوقراط أو حتى حكومة اكثرية لا تشارك فيها المعارضة، عملا بأبسط مبادئ الديموقراطية وترجمة لنتائج الانتخابات.
وهنا تدخل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في 10/8/2009 لممارسة مزيد من الضغط على قوى الاكثرية والحؤول دون إقصائها المعارضة عن الحكومة اذا ما كان ذلك الاحتمال وارداً لديها، محذّرا الحكومة اللبنانية من نتائج دخول حزب ولاية الفقيه الحكومة المقبلة، وقال : "ليكن واضحاً ان الحكومة اللبنانية ستتحمل مسؤولية اي هجوم يأتي من اراضيها اذا صار حزب الله رسمياً جزءا منها...".
اياماً قليلة، وجاء ت ترجمة خطاب نتنياهو على لسان حسن نصر الله، فقد استغل ذلك الكلام التصعيدي من اجل تعجيل وتيرة تشكيل الحكومة بما يتلاءم مع املاءات فريقه، فقال في 15/8/2009: "ان ضجيج التهديدات الاسرائيلية في الآونة الاخيرة لم يكن يؤشر الى حرب جديدة وانما هدفه شن حرب نفسية لإعاقة تشكيل الحكومة في لبنان والحيلولة دون مشاركة حزب الله فيها..."، وأكد بأن "الرد على ذلك يكون بأن نسارع ونتعاون جميعاً على تشكيل حكومة وحدة وطنية وأن يشارك حزب الله فيها بفعالية، وهكذا نسقط الهدف من هذه التهديدات".
ومنذ ذلك الحين، تحمِّل المعارضة قوى 14آذار مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة، اي الامتناع عن التجاوب مع مطالبها التعجيزية، وتعيد سبب التأخير الى ما استجد من تصاريح اسرائيلية وتدخلات اميركية في الآونة الاخيرة. ومن ذلك، قول الجنرال عون في 17/8/2009مدافعاً عن مطالبته توزير صهره الراسب في الانتخابات الاخيرة: "تأخير الحكومة ليس بسبب جبران باسيل أو غيره، بل ان الأسباب الخارجية بدأت قبل الانتخابات وذلك عبر تصاريح المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين، ونحن اليوم نعيش خطر الحرب على الرغم من كل ما سيقال".
وقد حققت التصاريح الاسرائيلية هدفها المنشود، وسمعت الرد الذي تنتظره، مع قول الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري في 25 آب 2009 :"اريد ان اؤكد للعدو الاسرائيلي (...) ان حزب الله سيكون في الحكومة، شاء العدو ام ابى، لان مصلحة الوطن تتطلب ان نكون جميعاً في هذه الحكومة ولا يزايدن احد في هذا الموضوع".
وكخلاصة لما تقدّم بيانه، شدّد الجنرال ميشال عون لمحطة الجزيرة القطرية في12/9/2009، على ان "كل الدول الداعمة للتوطين تدعم قوى الغالبية، وهي الدول الأوروبية وأميركا واسرائيل في الدرجة الأولى، ودعم اسرائيل كان واضحاً عندما اعترض رئيس الوزراء بينامين نتنياهو على مشاركة حزب الله في الحكومة. وقبل الانتخابات كانت اسرائيل تقول انها ستشن حرباً على لبنان إذا وصل حزب الله إلى الحكم".
وانطلاقا مما تقدم ومن مواقف "حزب ولاية الفقيه" وتصريح العماد عون الأخير، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل الأميركيون والصهاينة، هم حقاً بهذه الدرجة المتدنية من السذاجة والغباء، التي تجعلهم يقدّمون الهدايا الكلامية والعملية لمن يزعمون أنه من ألد أعدائهم، كي يعمل بدوره على استثمارها في صراعاته الداخلية والإقليمية، بما ينعكس عليه زيادة في الشعبية والنفوذ وانتزاع المكاسب، وتقوية لمنطقه التخويني؟! أم أنهم يعلمون جيداً ماذا يفعلون؟
المواجهة في رأيي تكمن في ثلاث نقاط:
اولاً: خروج قوى 14آذار والاكثرية من حالة الارباك التي تنتابهم عند صدور تصاريح اميركية او اسرائيلية مشبوهة كالتي استعرضناها، فثوار الارز يملكون من الوطنية والسيادة ما يدحض عنهم تلك الاتهامات و الشبهات التي لا ولن تنطلي الا على السذج والبسطاء. كما ان تاريخ اهل بيروت في مقاومة الاحتلال والاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 مشرف وريادي، فالمقاومة الحقيقية والصادقة انطلقت من بيروت قبل ان يولد ذلك الحزب المشبوه الذي يحتكر "المقاومة" ويعمل على محو تاريخ المقاومين الاوائل من اهل السنة واليساريين المشرف( ونتذكر هنا اغتيال جورج حاوي المقاوم الشيوعي العريق)، وكأن ذلك الحزب يريد ايهامنا ان العمل "المقاوم" بدأ من تاريخ تأسيسه.
ثانياً: التحول من موقع الدفاع المستميت عن النفس لدحض اتهامات المعارضة لدى استثمارها التصاريح الغربية الصهيونية المشبوهة، الى موقع الهجوم المبطن او الصريح اذا اقتضت الضرورة، فالشبهات والحقائق التي يمكن ايرادها على المعارضة بما فيها الجنرال عون وحزب ولاية الفقيه وسوريا وايران وحتي قطر، لناحية صلتهم بالاميركيين والصهاينة كثيرة جداً ومنها ما هو موثق، سواء ما يتعلق بـاجتماع الجنرال مع الضباط الاسرائيليين وشارون اثناء الاجتياح، ولاحقاً مع الموساد في باريس، او ما يتعلق بـ "مسرحية حرب تموز الاستعراضية والدعائية" حيث اتاح اقوى جيش في المنطقة لميليشا صغيرة - لديه كافة المعلومات الدقيقة عن تحركاتها ومخازن اسلحتها ومواقع انتشارها ومنصات صواريخها بما يتيح له القضاء عليها في ساعات قليلة لو اراد- فرصة الظهور بمظهر البطل الهمام الذي يجابه وحده الكيان الصهيوني، ما رفع اسهمه وروّج لمذهبه وسياسته التقسيمية والتوسعية بما يتوافق مع مشروع الشرق الاوسط الجديد؛ او لناحية المفاوضات السورية الاسرائيلية، او فضيحة استيراد ايران الاسلحة الصهيونية اثناء حربها مع العراق في الثمانينيات، وتقديم الحرس الثوري مساعدة عسكرية وميدانية مباشرة للجيش الاميركي لدى احتلاله افغانستان والعراق، فرش السجاد الاحمر للرئيس الايراني لدى زيارته العراق في المنطقة الخضراء عام 2008، او قيادة الخميني ثورته من باريس برعاية وحماية غربية قبل انتقاله الى ايران، او استخدام اميركا ايران كفزاعة لدول الخليج لنهب ثرواتها واشاعة القلاقل والانقسامات في دول عدة مثل: اليمن وفلسطين ولبنان والعراق ومصر والبحرين والمغرب والجزائر والسعودية وحيث نجهل تمهيدا لتقسيمها... وما الى ذلك من فضائح وشبهات تحرج تلك القوى وتنزلها المنزلة التي تستحقها امام الرأي العام اللبناني والعربي والاسلامي والعالمي.
ثالثاً: وجوب تمسكنا بالمحور اللبناني-اللبناني، لأن كلاً من أميركا واسرائيل وسوريا وإيران يشكلون محوراً واحداً ذا اهداف مشتركة ومصالح متقاطعة، لايريد بنا خيراً.
عبدو شامي
(ايلاف:17تشرين الاول2009)


انقاذ الجمهورية رهن بقلم رئيسها..فمتى سيستعمله؟

في بلد يتمتع بحد ادنى من الديموقراطية كلبنان، يحق لكل من الاكثرية والاقلية طرح ومطالبهما وشروطهما في تشكيل الحكومة، سواء في شكلها او صيغتها او توزيع حقائبها او اعداد بيانها الوزاري... وغير ذلك من التفاصيل وتفاصيل التفاصيل، لكن يحق في الوقت عينه للأكثرية الرابحة في الانتخابات ان تقبل او ترفض طروحات الاقلية، فهي التي فوضها جل الشعب اللبناني ادارة شؤون البلاد وفق المبادئ والثوابت والرؤى والشعارات التي منحها ثقته واصواته على اساسها.
فمن باب حرية ابداء الرأي، لمحور الاقلية ان يطالب بالثلث المعطل الظاهر او المضمر في الحكومة العتيدة؛ ويحق للعماد عون الذي ارتضى لنفسه لعب دور الواجهة التي يتلطى خلفها "حزب ولاية الفقيه" لانتزاع وفرض شروطه ومطالبه باسم "حقوق المسيحيين" وما هي بحقوق مسيحيين ولا شيىء، انما شروط محاور وبلدان تتعارض مصالحها ومصلحة الدولة اللبنانية... يحق للجنرال ان يطالب بخمس وزارات وبوزارة الداخلية والاتصالات بل والمال والعدل وسواها وبتوزير الراسبين كذلك... لابأس، كما يحق له رفع سقف مطالبه وشروطه اكثر من ذلك عندما يرى او يلحظ من الاكثرية تجاوبا او رضوخا او انكسارا امام ما يطلبه، فلا مانع من ابدائه الرغبة في الحصول على كافة الحقائب الوزارية والمناصب الرسمية بما فيها الرئاسات: الاولى والثانية والثالثة، هذا من حقه وحريته في نظامنا وان تنافى مع المنطق. وفي المقابل، هناك دستور يجب ان يطبق واعراف ينبغي ان تراعى وقوانين لا بد من فرضها وارادة ناخب يلزم احترامها، ولقوى الاكثرية حق رفض تلك المطالب المتعلقة بالحكومة العتيدة او الموافقة عليها، بمقتضى نتائج الانتخابات النيابية. اما نظرية المعارضة في "بقاء القديم على قدمه" في تشكيل الحكومة، فباطلة من اساسها، لأنها تكرس تسوية الدوحة الآنية على حساب اتفاق الطائف الدائم، بقيام حكومة وفق نتائج 7 ايار2008 وليس 7حزيران 2009.
لكن، هل فكرنا ما الذي يحول دون تشكيل الحكومة الى يومنا هذا بعد دخول مخاض ولادتها شهره الخامس، مع مضي اكثرمن130 يوما على تكليف النائب سعد الحريري زعيم الاكثرية النيابية تأليف حكومة ما بعد الانتخابات؟!
الجواب البديهي الذي سيطرق اذهان الجمهور السيادي الاستقلالي، هو ان من يحول دون تطبيق الديموقراطية وتشكيل الحكومة اللبنانية، هو محور الاقلية ممثلا بـ"حزب ولاية الفقيه" تحديدا، الذي يلمح باستخدام سلاحه مجددا في الداخل حال تشكيل حكومة اكثرية خالصة او حكومة لايوافق عليها، وذلك ابتداء من بروفة حوادث عائشة بكار الارهابية في 28 حزيران 2009 عشية بدء الرئيس المكلف استشاراته مع الكتل النيابية، وصولا الى قول احد قياديي الحزب انه: "في حال تشكيل حكومة اكثرية ستكون حبرا على ورق، هذا ان بقي لهم ورق"!!
لا شك ان تحميل الاقلية وقائدها "حزب ولاية الفقيه" مسؤولية ما يزيد على 130 يوما من الفراغ الحكومي، جواب واقعي ومنطقي، لا خلاف بين العقلاء على ذلك، لكن ينبغي ان لانغفل عن وجود محور ثالث فضلا عن محورَي الاقلية والاكثرية يتمثل برئيس الجمهورية، الذي يملك من الصلاحيات الدستورية ما يكفل حل تلك الازمة الحكومية التي يريد محور الاقلية تحويلها الى ازمة نظام، بعد نجاحه وامعانه في زعزعة دستور الطائف تمهيدا لاظهار قصوره وعدم صلاحيته لحكم البلاد وصولا الى استبداله بنظام ظلامي يتناسب وتوجهات المعارضة، وذلك من خلال قفل مجلس النواب قرابة السنتين، وتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية ما يزيد على ستة اشهر، واليوم صوبوا سهام انقلابهم المتدحرج والمتدرج نحو الحكومة والرئاسة الثالثة بعد خمسة اشهر من عرقلة تأليفها.
ان الدور الذي يلعبه رئيس الجمهورية بات يُطمِع المعارضة في مزيد من العرقلة والتعطيل، بسبب اعراضه عن ممارسة صلاحياته التي منحه اياها الدستور، فضلا عن مواقفه وتصاريحه التي تسغلها الاقلية وتستثمرها بما يقوي منطقها التسلطي وشروطها التعجيزية!! ولنضرب على ذلك مثالين:
1- في 27 ايلول 2009، اكد الرئيس ميشال سليمان في حديث لصحيفة "الحياة"، انه "لا يعتقد ان هناك أي دور سوري او ايراني في العجز عن تشكيل حكومة لبنانية"! وأن السوريين "ليس لديهم النية بالعرقلة أبداً، وكذلك الأمر ليس لديهم النية بالتدخل بالشؤون الداخلية اللبنانية"! وعن توزير الراسبين، أكد سليمان أن "عدم توزير الراسبين ليس دستوراً، وإذا كان عُرفاً فقد خُرق مرات عدة، والمصلحة الوطنية هي الأجدر بالالتزام بها".
وقد لاحظت مصادر مطلعة عبر صحيفة "اللواء" في29/9/2009، "أن الموقف الذي أعلنه رئيس الجمهورية من موضوع توزير الراسبين في الانتخابات، أدى الى حالة إرباك على صعيد استشارات الرئيس المكلف الذي فوجئ بهذا الموقف والذي أعلن من دون تنسيق مسبق، لكن الرئيس الحريري آثر عدم الرد عليه حرصاً على مسيرة التعاون مع رئيس الجمهورية". فقد شد هذا الموقف عصب المعارضة ودفعها الى مزيد من التصلب والعناد في مطالبها التسلطية، اذ يعد ذلك بمثابة اعطاء براءة ذمة لسوريا وايران عبر قوله انهما لايتدخلان في الشؤون اللبنانية، وفيه ما فيه من تجاهل لارادة الناخبين لناحية عدم ممانعته توزير الراسبين بحجة انه ليس عرفا.
2- وفي 27/10/2009، شدد الرئيس سليمان في حديث إلى صحيفة "الأخبار"، على أنه "لن يوقّع إلا حكومة وحدة وطنية ميثاقية، متوقعاً حصول ذلك قريباً جداً". وقد صب هذا التصريح ايضا في الاتجاه الذي يخدم اطماع المعارضة، وزاد من منسوب ابتزازها فريق الاكثرية.
ومع ابتداء تحول المراوحة الحكومية الى ازمة حكم، نرى ضرورة ان يحد رئيس الجمهورية من الخسائر، اي خسائره الشخصية كما الخسائر التي يواجهها لبنان، فيقرر لعب دور المنقذ للجمهورية ونظامها وان كان منطويا على بعض الاخطار، وذلك من خلال تخليه عن فائض الحذر الذي لديه واستعمال قلمه في التوقيع على مرسوم تشكيل حكومة تضع حدا لابتزاز حلفاء سوريا وايران، وتخرج لبنان من ازمته.
واذا كان متعذرا او ممنوعا علينا تطبيق ابسط قواعد الديموقراطية بالاستجابة لمطلب غالبية اللبنانيين الذي عبّر عنه البطريرك الماروني الذي لا يتكلم الا عندما يكون الوطن في خطر، بقوله نهاية الشهر الماضي: "فريق 14 آذار يجب أن يستلم الحكم بعد فوزه في الإنتخابات النيابية الأخيرة"، اي بتشكيله حكومة اكثرية، فلنتحول الى تشكيل حكومة اقطاب او تكنوقراط تراعي الحد الادنى من نتائج الانتخابات. وان توقيع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيل تلك الحكومة ليس انحيازا لفريق الاكثرية بحال، بل انحياز مطلق للجمهورية اللبنانية وانقاذ لنظامها الديموقراطي ودستورها المهددَين بالاغتيال، فمصلحة الوطن أهم من كل العائلات والأحزاب والتيارات.
عبدو شامي
(موقع 14 آذار:4تشرين الثاني2009)

مسكينة الكتائب!

مسكينة الكتائب، لأنها لا تملك ترسانة صاروخية تستطيع من خلالها فرض ما تريده في الحكومة الجديدة على الدولة اللبنانية والاكثرية والرئيس سعد الحريري.
مسكينة الكتائب، لأنها لا تشكل واجهة سياسية مسيحية لمشروع حزب مسلح خارجي الولاء والانتماء، تستقوي به لترفع سقف مطالبها اثناء عملية تشكيل الحكومة بغرض نيلها الحد الادنى من مبتغاها، في بلد بات لا صوت فيه يعلو فوق صوت السلاح واصحاب ذلك السلاح.
مسكينة الكتائب، لانها لا تعبث بالسلم الاهلي والعيش المشترك، كلما رُفِض لها طلب او جرى تجاهل ارادتها.
مسكينة الكتائب، لانها غير قادرة على محاصرة المرفأ والمطار، واحتلال العاصمة العزلاء وانتهاك حرمات أهلها وشوارعها، لارغام الحكومة على التراجع عن قرارات لم تعجبها.
مسكينة الكتائب، لانها اكتفت بتسجيل ملاحظات على طريقة تشكيل الحكومة وإعلانها، ولم تحتل الساحات وتنظم الاعتصامات، حين لم تقدّر المشاورات التي رافقت تشكيل الحكومة مسيحيي الاكثرية وخصوصاً حزب الكتائب، فيما نال الطرف المسيحي في الاقلية جل مطالبه لا سيما ما يتعلق منها بوزارة الاتصالات وتوزير الراسبين في الانتخابات، بل نجح في ابقاء القديم على قدمه رغم تراجع تمثيله بنسبة 23%، باحتفاظه بأربع وزارات.
مسكينة الكتائب، لانها التزمت اتفاق الطائف فقبلت تسليم سلاحها للشرعية اللبنانية، ولم تعمل على بناء جيش مذهبي صرف، معاد للصيغة التعددية الديموقراطية اللبنانية بدعم اقليمي في مواجهة كل الطوائف اللبنانية المسالمة، تفرض بواسطته هيبتها وتنفذ بقوته مشاريعها.
مسكينة الكتائب، لانها عاجزة عن تعطيل حكومة بلد بأمه وابيه كرمى لعيون وزيرها ووزارة التربية التي طمحت الى الحصول عليها ولم توفق.
مسكينة الكتائب، لانها تفكر بالمصلحة العامة وتقدمها على مصالحها الخاصة وان كانت ظالمة ومجحفة في حقها، كما حصل حين جرى التنكّرٌ لتمثيلها الواسع على الصعيدين الشعبي والنيابي في الحكومة الجديدة، وما قدمته من تضحيات وشهداء في سبيل ثورة الارز، وفي مقدمهم الوزير القائد الشاب بيار الجميل، قبل ايام من الذكرى الثالثة لاستشهاده.
لقد وقع الكتائبيون ضحية تسرّع الرئيس المكلف في تقديم تشكيلته الحكومية الى رئيس الجمهورية من جهة، ومن جهة ثانية ضحية التعطيل الذي دام قرابة اربعة اشهر ونصف شهر، مارسته الاقلية قبل ان تعود وتقرر التسهيل بعدما حصلت على معظم مطالبها وبلغها الضوء الاخضر السوري-الايراني للموافقة على التشكيل، مما جعل الرئيس المكلف في سباق لاهث مع عقد اللحظات الاخيرة التي انحصرت في فريق الاكثرية؛ اذ عُلم ان اتفاقا بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال سليمان، قضى ببذل كل الجهود لاعلان الحكومة في مهلة اقصاها مساء الاثنين 9 تشرين الثاني 2009.
وكان من غير اللائق ان يعامل بهذه الطريقة حزب جسّد عبر مسيرته التاريخية ثوابت حركة 14 آذار قبل ولادتها، ثم شكل محور ثورة الارز التي استنبطت من مبادئه مبادئها ومن شعاراته شعاراتها ومن دم شهدائه مشعلها... ففي حين كان اعضاء المكتب السياسي الكتائبي يعقدون اجتماعهم لتأكيد تمسكهم بحقيبة التربية في الحكومة الجديدة، ويتلون بيانهم الذي شدد على هذا المطلب واعتبر مجلسهم في حال انعقاد دائم لمتابعة تطورات عملية التأليف، كان الرئيس المكلف سعد الحريري في القصر الجمهوري يقدم للرئيس سليمان تشكيلته الوزارية التي اسند فيها اليهم حقيبة الشؤون الاجتماعية عوضا عن التربية، لكي يوقع عليها ويصدر مراسيم تشكيلها!
وقد ادى هذا التصرف الذي ينم عن سوء تنسيق بين قوى الاكثرية على اقل وصف وتقدير، الى امتعاض وخيبة امل لدى جمهور الكتائب ومن ورائه جمهور ثورة الارز، الامر الذي جعل حزب الكتائب يعتبر ان تجمع 14 آذار بهيكليته الحالية وطريقة تعامله مع الفرص التاريخية والتحديات المختلفة "يترنح"، و"يفقد تدريجا وحدته وروحيته امام الرأي العام".
وحُقَ للكتائب ان تطلق هذا الانذار، وتقترح انطلاقا من حرصها على مسيرة ثورة الارز اعادة النظر بوضعية تجمع 14 آذار، ثم تطرح على قادته وشخصياته مشروعا اصلاحيا واضح المعالم والخطوط العريضة.
وإذا سلمنا ان ما حال دون تمكّن قوى 14 آذار من اسقاط الرئيس اميل لحود الممددة ولايته قسرا في الشارع ما بين عامي 2005 و2007 هو الخوف من استعمال السلاح غير الشرعي في الداخل، وان هذا السلاح نفسه هو ما حال دون وفائها لجمهورها بالوعود الكثيرة التي قطعتها على نفسها، سواء ما يتعلق منها بانتخاب رئيس من فريقها بالنصف زائدا واحدا عندما اعتلى الفراغ سدة الرئاسة الاولى من اواخر عام 2007 الى منتصف عام 2008، او في ما خص ممانعتها انتخاب عسكري لرئاسة الجمهورية تحت شعار: "الامر لك في الامن لا في السياسة"، او لناحية رفضها تشكيل حكومة ملغومة بالثلث المعطل... ثم قبولها بذلك كله بعد تسوية الدوحة وتكراره اليوم بعدما فُرِض ذلك الثلث القاتل بشكل مضمر او مموه في حكومة ما بعد الانتخابات فضلا عن توزيرالراسبين الذي عارضته...، فإذا سلمنا ان ما فرض كل ذلك هو السلاح الميليشيوي عينه، فبالتأكيد لا يمكن تحميله مسؤولية ما حصل مع الكتائب في تشكيل الحكومة الجديدة، كما لا دخل له بتلك البلبلة المتزايدة داخل الفريق الواحد، وان كان السلاح قد نجح في اخضاع النائب وليد جنبلاط للواقع السياسي الجديد بعد حوادث 7ايار الارهابية في بيروت والجبل، وفصله بطريقة او بأخرى عن قوى 14 آذار وان ادعى بقاءه في الاكثرية.
لقد قدمت الكتائب لقوى 14 آذار مشروعا اصلاحيا وهو فرصة انقاذية في مرحلة غاية في الدقة من تاريخ لبنان ومسيرة ثورة الارز، تلك الثورة التي جسدت انتفاضة شعب خرج من "سجنه الكبير" الى رحاب وطن يناضل من أجل حريته وسيادته واستقلاله... وذلك في محاولة من الكتائبيين لإعادة "شد عصب" ثورة الارز وجمهورها، والمحافظة على حقيقة روحية تلك الثورة التي يجب ان تبقى راسخة وعابرة لحواجز الطائفية والحزبية.
واليوم، بات التقدم بأي مشروع اصلاحي حاجة ملحة، بعدما خسرت الاكثرية النيابية فرصة تطبيق الديموقراطية في لبنان، ولم تحسن استثمار الربح الذي منحها اياه الشعب في الانتخابات، بالتزامها للمرة الثانية اتفاق الدوحة و"دَوْحَنَتها" دستور الطائف من خلال الاصرار على التوافق في عملية تشكيل الحكومة (وهو التوافق عينه الذي فرض عليها في انتخاب رئيس للجمهورية ولمجلس النواب)، واعتمادها صيغة 15-10-5 التي استعمل السلاح لفرضها وكخلفية لفرض توزير الراسبين، ما نسف قيمة الانتخابات، واطاح نتائجها، وبدّد انتصار 7 حزيران، حيث باتت سلطة السلاح هي التي تفرض الأمور كلها، وعاد لبنان يُحكم من سوريا وايران عبر الثلث المدمر المملوك من حلفائهما...
بعد كل ذلك، لعل الخطوة الانقاذية التصحيحية التي دعت اليها الكتائب اقل ما يمكن تقديمه تجاه ثورة الارز والشهداء الذين ضحوا بأنفسهم لبقاء لبنان، والذين تجلت شهادتهم بأبهى حلة لها في انتفاضة الاستقلال عام 2005 وفي ذكرى 14 شباط من كل عام، فمن حقهم علينا أن لا نفرط بشهادتهم ودمائهم، عبر اطلاق مسار جديد يحافظ على ما تبقى من وجه لبنان ونظامه ودستوره المتغير تدريجا يوما بعد يوم واستحقاقا بعد استحقاق تحت شعار "التوافق" الذي يتناقض والنظام البرلماني الديموقراطي، مسار جديد متجدد بروحية متوقدة كما عهدناها، تعيدنا الى اصالة الحدث التاريخي الذي صنعناه وشهدناه في 14 آذار 2005، روحية تؤكد نبض الشعلة الاستقلالية وتوهجها في الثبات على المشروع الأساسي، وفي التضامن السياسي المتجرد عن المصالح الخاصة والفئوية والحزبية والمناطقية، وفي اعتماد العدالة في الحياة السياسية، فلا استئثار ولا استبعاد ولا تهميش لبعضنا البعض، لأن لا انتصار بدون حس المشاركة ومبدأ الشراكة، فالمهم أن ننتصر معاً لنكمل مسيرة بناء الدولة اللبنانية القوية والجامعة والمستقلة عن كل تدخل أو وجود لقوى خارجية على أراضيها، دولة ذات نظام ديموقراطي حيث إرادة الشعب هي الأعلى وحيث ممثلو الشعب المنتخبون بكل حرية يقررون الحرب والسلم، واخيراً دولة سيدة تحصر السلاح بمؤسستها العسكرية وتبسط سلطتها الوحيدة على كامل أراضيها.
عبدو شامي
(نهار الشباب:19تشرين الثاني2009)

2009 عام الانتصار الشعبي والانكسار السياسي

شهد لبنان خلال العام 2009 احداثا كثيرة، تنوّعت توصيفاتها ما بين استحقاقات تاريخية وحوادث مفصلية وانقلابات سياسية، تمحورت بمعظمها حول حدث الانتخابات النيابية الذي كاد ان يكون حدث العام مع ما تبعه من ازمة تشكيل الحكومة وصياغة بيانها الوزاري، لولا زيارة الرئيس سعد الحريري لسوريا التي خطفت الصدارة لتكون حدث سنة2009 بلا منازع.
فمع مطلع العام 2009، بدأ فريق الرابع عشر من آذار استعداداته لخوض الامتحان الانتخابي المصيري والمفصلي المقرّر في 7 حزيران؛ وكانت اولى الاستحقاقات التي واجهته، الاعداد والتعبئة الجماهيرية من اجل تأمين اوسع مشاركة شعبية لاحياء الذكرى الرابعة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، في الرابع عشر من شباط كما في كل عام. وبالفعل، كان ذلك اليوم الوطني يوما مليونيا آخر، فقد غمرت الجماهير الوفيّة قلب بيروت، لتعلن ثباتها على المبادئ الاستقلالية والسيادية لثورتها، وان التخويف والترهيب لن يثنيها عن متابعة مسيرتها.
يوم الاحد 1آذار 2009، كان يوما تاريخيا في المسيرة الاستقلالية، فقد اعلن افتتاح وانطلاقة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في "لاهاي"، بعد 4 سنوات على زلزال 14 شباط 2005. بَيْد ان المفاجأة او الصدمة الكبرى، وقعت في 29 نيسان، اي في عز التحضيرات للاستحقاق الانتخابي، مع افراج المحكمة الدولية عن الضباط الاربعة المشتبه بتورّطهم في "جريمة العصر"، لتنطلق مع تخليتهم عاصفة كبيرة من التداعيات السياسية والحملات الهجومية التي شنّتها المعارضة على القوى الاستقلالية.
الا ان قوى 14 آذار، استطاعت التغلّب على هذا الحدث الذي خدم بتوقيته الواقع على مشارف الانتخابات قوى 8آذار، معتبرة ان قرار التخلية جاء ليؤكّد منطق التيار الاستقلالي حول عدم تسييس المحكمة؛ مع العلم ان قرار اخلاء سبيل الضباط الاربعة ليس بمثابة صك براءة نهائي اعطي لهم، لأن ذلك لن يعرف الا بانتهاء المحاكمة واكتمال التحقيقات؛ وهذا ما اكّده القاضي بلمار يوم تخليتهم، اذ لفت الى امكان استدعائهم في حال ثبوت ادلة تستدعي اتهامهم في وقت لاحق.
وفي السابع من حزيران 2009، خضع جمهور ثورة الارز للامتحان المصيري، الذي لم تُقدِم المعارضة على تعطيله كما توقّع بعض المحلّلين، لأنها على ما يبدو كانت واثقة فعلاً من فوزها فيه، غير أن "ثوار الأرز" نجحوا في امتحانهم نجاحاً تاريخيا باهراً، أثمر عن فوز كاسح لقوى 14 آذار، حيث نالت71 مقعداً نيابياً مقابل 57 للمعارضة، مجدّدة بذلك أكثريتها النيابية، ومنتصرة لمنطق الدولة على الدويلة، وللحرية والسيادة على التبعية والإرتهان.
وبناء على تلك النتيجة المشرّفة، ظن بعض الجمهور الاستقلالي المتفائل، انه بإنجازه العظيم هذا، تكون القوى الإستقلالية قد طوَت تسوية الدوحة الظالمة وثلثها القاتل المدمّر لمدّة اربع سنوات مستقبلية على الاقل، فيما بالغ آخرون معتبرين ان هذا الفوز جاء بمثابة اعلان فشل وانهيار المشروع الايراني في لبنان والعالم العربي!
غير ان مجريات الاحداث بعد الانتخابات ما لبثت ان اثبتت عكس ما ظنه المتفائلون وما شطح اليه المبالغون، مع صدمة الانقلاب الجنبلاطي على القوى الاستقلالية في الثاني من آب، وبروز معادلة خطيرة بسبب الوضع الشاذ الذي تواجهه البلاد للمرة الاولى في تاريخها، وهو قيام تحالف مذهبي مسلّح واحادي القرار، يضع الاكثرية والمذاهب الاخرى بين خيارين: اما عودة التوترات الامنية، وتعطيل عمل المؤسسات مع إحداث فراغ فيها، اذا اصرّت القوى الاستقلالية على تشكيل حكومة تعكس نتائج الانتخابات، وإما ان تسلّم الاكثرية بما تريده الاقلية المسلحة في هذا التحالف، اذا كانت تهمها "مصلحة الوطن" وحمايته من السقوط في الفوضى وفي المجهول...
وبناء على هذه المعادلة، تمادت القوى التعطيلية في فرض شروطها على قوى الاستقلال، لانها تعلم ان الخطر عندما يصل الى حد تهديد الكيان والهوية والنظام والسلم الاهلي...فإن الاكثرية سوف تتراجع عن مواقفها وتتنازل...والدليل على ذلك ما حصل منذ عام 2005 الى اليوم.
ففي 9 تشرين الثاني وبعد اكثر من 4 اشهر من المفاوضات، خضعت الاكثرية لتلك المعادلة الخطيرة مجددا، التي نجحت قوى الامر الواقع بواسطتها في فرض اعادة إنتاج اتفاق الدوحة معدلاً، والتمديد لمفاعيله، بعد وضع مسحة من "الماكياج" التمويهي عليه، بفرض حكومة تحتوي على ثلث قاتل مضمر، اضافة الى بيان وزاري شرّع سلاح ما يسمى بالـ"المقاومة"، مكرّسة اعرافا جديدة تتعارض ودستور الطائف، ومؤكدة بصوت صارخ ابتداء زمن "الشيعية السياسية" الذي افتُتِح رسميا باتفاق الدوحة في 21 ايار 2008.
ومن اجل الالتفاف على قضية السلاح خارج اطار الدولة، كان لافتا عند بروز موقف مسيحيي 14آذار السيادي المعترض على البند السادس من البيان الوزاري الذي يعطي شرعية واستقلالية لسلاح ما يسمى "مقاومة"، اقدام "حزب ولاية الفقيه" على طرح موضوع ضرورة تشكيل "الهيئة الوطنية العليا لالغاء الطائفية السياسية"، واضعا في الواجهة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومحاكيا بذلك التكتيكات التي كان يلجأ إليها السوريون كلّما إرتفع صوت مطالباً بانسحاب الجيش السوري من لبنان، عندما كانوا يطرحون مقايضة إلغاء الطائفية السياسية في مقابل المطالبة باستعادة سيادة لبنان واستقلاله وقراره الحر.
ولا يخفى ما ينطوي عليه مطلب الغاء الطائفية السياسية من ابتزاز سياسي، خصوصا وان المسيحيين اصبحوا أقليات، لا سيّما وان الهدف من ذلك المطلب بالتوقيت والظروف التي يطرح فيها ليس وقف التعداد الطائفي، وانما الهدف منه اقصاء الطوائف الأقل عددا عن الساحة السياسية. ما يؤكّد الخشية من ان يكون الغاء الطائفية السياسية مدخلا لمزيد من الطائفية، اي استئثار الطائفة الشيعة بحكم البلاد.
وقد خلّف هذا الواقع وموضوع السلاح غير الشرعي تحديدا، انقساما حادا داخل فريق 14آذار؛ ففي حين اعترض مسيحيو هذا الفريق على البند الذي يعطي الشرعية والاستقلالية لذلك السلاح في البيان الوزاري، ايّد مسلمو الفريق الاستقلالي ما ورد في هذا البند الخطير دون تحفّظ!! فعاد بنا هذا المشهد المخزي والانقسام الاليم، الى الاصطفافات السياسية زمن الوصاية السورية، حين اسّس المسيحيون الاستقلاليون عام 2001، "لقاء قرنة شهوان"، الذي طالب بتحقيق السيادة وتصحيح العلاقات اللبنانية-السورية، في مواجهة من كانوا يعتبرون وجود القوات السورية في لبنان " شرعيا وضروريا ومؤقّتا".
كما اعاد الى الذاكرة موضوع شرعنة سلاح "حزب ولاية الفقيه" او ما يسمى بـ"المقاومة"، الاتفاق الذي تم بين سلاح المنظمات الفلسطينية في لبنان والدولة اللبنانية، وعُرِف بـ"اتفاق القاهرة"، وكيف ان التنظيمات الفلسطينية لم تحترم أحكام الاتفاق، فاعتدت على سلطة الدولة وسيادتها، ما استتبع اشعال حرب لبنانية-فلسطينية دامت سنتين، ثم ولّدت حروباً دامت 15 سنة وصفت بحروب الآخرين على ارض لبنان، ولم تتوقف الا بعد دخول القوات السورية اليه واقرار اتفاق الطائف.
يوم السبت في 19/12/2009، من دون دعوة رسمية ولا جدول اعمال صادر عن مجلس الوزراء، وصل الى مطار دمشق الدولي على متن طائرته الخاصة، رئيس وزراء لبنان سعد رفيق الحريري، في زيارة فرض عليه منصبه القيام بها قبل انجلاء نتائج التحقيقات في قضايا الاغتيالات، وعُدّت بمثابة مصالحة تاريخية بين الحريري الابن والقيادة السورية، التي اتهمها الحريري يوما باغتيال والده.
وعلى الرغم من اعتبار تلك الزيارة المفصلية بداية لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين، الا ان الطريقة التي تمت بها وحصولها بعد انتصار كبير(وربما نهائي) لحلفاء المحور السوري-الايراني في لبنان، تمثّل بتشكيل حكومة شرّعت سلاحهم ومنحتهم الثلث القاتل، يجعلنا نتساءل: هل ستكون المرحلة المقبلة من العلاقات اللبنانية السورية، مرحلة تصحيح شوائب الماضي ام عودة النفوذ السوري الى لبنان؟ الجواب متروك للعام 2010.
عبدو شامي
(ايلاف:31كانون الاول2009)

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !