في عيد ميلادها العشرين بعد المائة:
مجلة ناشيونال جيوجرافيك: 120 عاما من الصحافة العلمية..32 لغة ....و40 مليون قارئ
ممدوح الشيخ
ناشيونال جيوجرافيك (National Geographic) اسم عريق في الثقافة العلمية في العالم كله سواء عرفتها كمجلة أو قناة فضائية علمية متخصصة، وكلاهما يصدر عن شركة أمريكية عريقة من الشركات التي لا تستهدف الربح، تعد من أكبر المنظمات العلمية غير الربحية في العالم، تأسست في واشنطن عام 1888. ومنذ تأسيسها قبل 120 عاما جعلت هدفها نشر المعرفة الجغرافية ثم توسعت لتشمل التراث الثقافي والتاريخي بل الطبيعي العالمي. المؤسسة يديرها مجلس أمناء من 23 عضوا بينهم مجموعة متميزة من المربين، ورجال الأعمال، والمسؤولين السابقين. المؤسسة التي تحتفل الآن بعيد ميلاد مجلتها العشرين بعد المائة قدمت الكثير من الخدمات الجليلة للعلم عبر دورها كمؤسسة تعليمية تقدم المنح للمنظمات والأفراد في مجال اهتمامها، ومن خلال لجنة للبحث والتنقيب قدمت منحا بحثية للعديد من الجمعيات في مختلف أنحاء العالم بلغت مؤخرا 9000 منحة. ويقدر عدد المستفيدين من نشاطها عالميا بنحو 360 مليونا. وفي إطار اهتمامها بالتراث الثقافي للشعوب الإسلامية نظمت مؤخرا (مايو 2008) معرض "الكنوز الثقافية من أفغانستان" في المتحف الوطني للفنون في واشنطن ومن المقرر أن يطوف الولايات المتحدة خلال 18 شهرا تالية لافتتاحه.
ورغم أن مجلة ناشيونال جيوجرافيك ليست الدورية الوحيدة الصادرة عن هذه المؤسسة العريقة إذ تصدر مجلتين أخريين: "ناشيونال جيوغرافيك فور كيدز" و"ناشيونال جيوغرافيك إكسبلورر" إلا أنها الأشهر على الإطلاق. والمجلة التي صدرت أولا بالإنجليزية أصبحت تصدر بـ 32 لغة عالمية، ورغم أن المجلة لا تصدر في العربية حتى الآن فإن شقيقتها المخصصة للشباب تقرَّر إصدار نسخة عربية منها ابتداء من فبراير 2007 من قبل مجموعة شركات نهضة مصر للنشر. وعالميا يتخطى عدد قراء المجلة 40 مليونا وتعتبر الموضوعات الجغرافية والخرائط التي تنشرها المجلة من أدق ما ينشر.
وقد ارتبط اسم مؤسسة ناشيونال جيوجرافيك باسم الفرعون المصري توت عنخ آمون عدة مرات، فقد أولا قامت برعاية معرض "الملك توت" الذي ضم الأعمال الفنية الرائعة المكتشفة في قبر الفرعون الشاب في جولة شملت عدة ولايات أمريكية. وفي مرة ثانية كمشارك في مشروع عالمي لرسم الصورة الأقرب للحقيقة للفرعون الشاب، حيث يعتقد معظم خبراء علم الآثار أن توت عنخ آمون كان إما أبن أمنحوتب الرابع المشهور باسم أخناتون أو أمنحوتب الثالث، ويعتقد أن فترة حكمه تراوحت بين 8 – 10 سنوات، وتظهر المومياء الخاصة به أنه كان شابا دون العشرين من العمر، ومؤخرا تعزز الاستنتاج – باستعمال وسائل حديثة – أنه كان على الأرجح في التاسعة عشر من عمره عند وفاته. وفي عام 2005 قام فريق من علماء الآثار من: مصر وأمريكا وفرنسا وبالاشتراك مع المجلة (ناشيونال جيوجرافيك) بمحاولة تخيُّل صورة شبيهة به قدر الإمكان واستندوا في محاولتهم على جمجمة توت عنخ آمون ووسائل حديثة في التصوير الحاسوبي الشريحي الثلاثي الأبعاد، واعتبر النموذج الذي قدمه هذا الفريق من أقرب النماذج إلى الشكل الحقيقي للفرعون توت عنخ آمون ولكن كان هناك اختلاف على لون البشرة والعيون حيث لا يتوفر لحد هذا اليوم التكنولوجيا التي بواسطته يمكن تحديد لون البشرة استنادا إلى بقايا مومياء.
والمؤسسة ومجلتها نموذج من نماذج العطاء الثقافي (العام) في المجتمعات ذات التنظيم الاجتماعي الذي لا يحرم الفرد والمجتمع معا من حق المساهمة في العمل العام بمعناه الواسع، فحق الفرد والمجتمع في المشاركة والمبادرة كما تثبت هذه التجربة يمكن أن يسفر عن نتائج تجمع بين الجدية والعمق والاستمرار. هذا الدرس أيضا جدير بالتوقف أمامه كونه نجح في المواءمة بين المضمون العلمي الجاد والمنافسة الشرسة – غير العادلة – التي تضعه في سياق واحد مع إعلام التسلية والإثارة التجاري الهادف للربح، أما انتشار دائرة تأثيرها عالميا فيشير إلى وجه إيجابي للانفتاح الإعلامي الذي كرسته العولمة كفرصة للتفاعل في مساحات لا تكاد تتعارض مع الهويات والثقافية للأمم غير الغربية.
التعليقات (0)