قد يتراءى للبعض أن الحديث عن واقع المجلات الثقافية، هو حديث خاص للنخبة المثقفة؛ التي تشتغل على القضايا الثقافية في أبعادها المختلفة، وهذه فكرة لا نتبناها، فنحن نأمل أن ينخرط الجميع في صنع الحراك الثقافي، ففي زمنٍ كهذا لا يصح أن تحتكر الثقافة في فئة قليلة من الناس، وإن كانت الرؤية العامة في الأوساط الاجتماعية تميل لهذا التصور.
"فليس خافياً على أحد -كما يقول أحمد عبد المعطي حجازي- أن الثورات التقنية التي تلاحقت في العصر الحديث حوّلت العالم إلى قرية كونيّة كما يقال، وهناك من يرى العالم الآن أصغر من قرية، ويشبهه براحة يد مبسوطة يستطيع كل منا أن يتابع ما يحدث فيها".
لذلك نحن نطمح أن يكون الحديث عن واقع المجلات الثقافية -في المنطقة وخارجها- حديث الجميع، وأتصور أننا نتفق، بأن كل إنسان في هذا العالم يمتلك ثقافة تؤهله لتسجيل رؤية يتبناها في خضم الحراك الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي...إلخ، الذي تشهده مجتمعاتنا والعالم من حولنا، وما يكتب وينشر في مجلاتنا الثقافية، يفترض أن يدخل ضمن اهتمامات الناس وحاجاتهم، وإذا كان الأمر بهذه الكيفية، فبمقدور الغالبية العظمى من أبناء مجتمعاتنا إذاً أن تدلوا بدلوها للمشاركة في إضاءة الجانب المظلم من الصورة، وهذا أمر إن تم بجدية بين القائمين على المجلات الثقافية والجمهور المثقف؛ فسنصل بنتاجنا الثقافي لدرجة قريبة من الكمال.
بعد هذه المقدمة أتحدّث هنا بإيجاز عن "مشروع مجلة الكلمة.".. فالمجلة -كما لا يخفى على المتابعين- أصدرت عددها الأول في خريف 1993م، وصدر آخر أعدادها قبل أسابيع وهو العدد الواحد والستون، وهي تصدر بشكل فصلي أي بمعدل أربعة أعداد في العام.
وتهتم المجلة حسب قواعد النشر فيها: "بقضايا الثقافة ومشكلاتها في العالم العربي والإسلامي، والتجدد والبناء الحضاري، وكذلك قضايا الإنماء التربوي والتعليمي، ومستقبليات المشروع الثقافي -الحضاري- الإسلامي المعاصر، مع الإيمان بقيم الحرية والانفتاح والتسامح".
وهي اهتمامات -كما رأيتم- تمثل خارطة طريق لكل من يحمل همّ النهوض بواقع مجتمعاتنا العربية والإسلامية، إذ لا نتصور أن تتقدّم مجتمعاتنا إذا كانت القضايا التعليمية والتثقيفية في آخر أولوياتها، وليس بمقدورنا أن نتوقع إصلاحاً ثقافياً حقيقياً إن لم نؤسس لمجتمع مدنيٍّ، تحترم فيه الحريات، وتسود فيه قيم: التعددية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، والأخوة، التي تذيب كل الحواجز المصطنعة بيننا كشركاء في الإنسانية.
إن مجلة الكلمة هي مجلة فكرية رائدة وسبّاقة؛ إذ استطاعت خلال فترة صدروها التي امتدت لأكثر من عقد؛ أن تبلور مجموعة من المفاهيم المهمّة التي أصبحت الآن تناقش وتطرح بجديّة في الكثير من المنابر الثقافية؛ على المستوى الرسمي والشعبي، مثل قضايا: الحوار، والتعددية، والعنف، واللاعنف، وحقوق الإنسان، ومفهوم المجتمع المدني، و...إلخ. وباستطاعة أي متابع ومهتم أن يرجع لأعدادها التي فاقت الستين عدداً، عبر موقعها الإلكتروني؛ لتتضح له الرؤية بعيداً عن أي مبالغة في القول.
مجلة الكلمة بين النجاح والإخفاق:
النجاح:
أتصور أن المجلة نجحت في تقديم صورة طيبة عن مثقفي المنطقة، وقد تفاجأ الوسط الثقافي على مستوى الوطن العربي، بالمستوى المتقدِّم لأطروحات المجلة، وأكتفي بمقطع كُتب في صحيفة الوقت البحرينية حول المجلة إذ تقول: "ما يميز مجلة "الكلمة"، بوصفها دورية فكرية دينية، هو قدرتها اللافتة على توفير مواد متنوعة تلبي مختلف الأذواق والتوجهات المراد استقطابها. قد تبدو المهمة يسيرة للوهلة الأولى، فالمسألة لا تتعدى تجميع كم من الكتابات في مختلف الأبواب والاهتمامات، تتراوح بين المعرفي الرصين والمعلومات والمتابعات والأخبار الثقافية إلا أن ذلك لا يُعبِّر عن تمام الصورة. فهناك دوريات عديدة تأخذ بمثل هذا الالتزام التحريري، وتتجه إلى توليف محتوى متعدد المضمون والمستوى، إلا أنها تظل باهتة، ومحكومة بالإهمال وربما الاحتجاب". العدد: 64، 7/ربيع الثاني/1427هـ.
ومعظم الحاضرين يعلمون أن رئيس التحرير الأستاذ زكي الميلاد، كرِّم في طهران من قبل المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ضمن شخصيات تقريبية, في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي الحادي والعشرين للوحدة الإسلامية, بعد اختيار مجلة (الكلمة) كأفضل مجلة هادفة في وسائل الإعلام, ونقل الرأي الحر والواعي في هذا العام.
وقد تسلم الأستاذ زكي الميلاد درعاً تذكارياً تضمن خطاباً من آية الله الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية, جاء فيه:
"امتزج فكر الدعوة إلى الوحدة وعزمكم الراسخ في بوتقة واحدة, فبذلتم جهوداً مضاعفة ومشكورة في نشر وترسيخ الفكر الوحدوي من خلال مجلتكم (الكلمة) الموقرة.
تثميناً لهذه الجهود المخلصة والواعية في نشر هذه الأفكار, فقد تم ترشيح مجلتكم الصادقة كأفضل مجلة هادفة في وسائل الإعلام ونقل الرأي الحر والواعي في هذا العام.
وبهذه المناسبة نهديكم لوحاً تذكارياً معطراً بأمنيات التوفيق والنجاح دائماً في نشر وتأصيل الانسجام والتلاحم وإيجاد الصحوة في صفوف الأمة الإسلامية, نبارك لكم ولزملائكم هذا النجاح, ونبتهل إلى الله لكم بالتوفيق والسداد".
واسترسالاً في الحديث عن النجاح الذي تحققه المجلة، الفت نظركم إلى إننا قبل أن نعمد لإقفال العدد الذي بين أيدينا عادة، فإننا نُرحِّل مشاركات جديدة قد تكفي للعدد الذي يليه، نتيجة لتزاحم المواد التي تُرسل للمجلة من دول عربية وأجنبية لكتّاب عرب.
ومن دلالات نجاح المجلة أن الكثير من الكتّاب تفاعلوا مع أطروحاتها، وراحوا يبشرون بها في كتاباتهم، وإن لم يُشِر بعضهم لها كمصدر للفكرة، وقد يلحظ القارئ اعتماد بحوث الكلمة كمصدر لعددٍ من الكتابات المعاصرة، ونحن على قناعة أن البناء الثقافي والتغيير يحتاج لأزمنة قد تطول شيئاً ما، والثورة الفرنسية خير شاهد على ما نقول.
ونظراً للنجاح الذي حققته الكلمة فقد أصدرت سلسلة من الكتب، آخرها كتاب: "مستقبل الثقافة الإسلامية في ظل ثورة المعلومات وتحديات العولمة (إعداد وتقديم حسن آل حمادة)، ط1، بيروت: مؤسسة الفلاح. 2007م"، وقد شارك في كتابته ثلاثة وخمسون باحثاً من مختلف البلدان العربية.
الإخفاق:
وإذا كانت كثرت المواد التي تصلنا من الخارج دلالة قوة للمجلة، فهي في الداخل تمثل دلالة ضعف، فبالكاد تصلنا مشاركة واحدة لكتّاب من خارج أسرة التحرير في المنطقة، وربما تكون أكثر المشاركات المحلية وصلت إلينا بناءً على طلب وإلحاح منّا! فالمجلة فشلت في استقطاب الأقلام المحلية، والكرة الآن في ملعب الكتّاب إذ أن المجلة تُرحب بالنتاج المحلي، وتجعل له الأولوية في النشر، كما أن هيئة تحريرها معروفة للجميع.
ومن إخفاقات المجلة أنها لم تدخل معظم المنازل، ولم تتداولها الكثير من الأيدي، وإن عللّ البعض ذلك بعدم وصول المجلة للمنطقة في فترات سابقة؛ فهي الآن تتوافر بشكل منتظم، وأعدادها متاحة على شبكة الإنترنت في موقع خاص بها.
وربما يُعاب على المجلة أيضاً كونها نخبوية في أطروحاتها، وأنا لا أميل لهذه الرؤية؛ فكثير من موادها مُيسَّرة للجميع، وإن غلب عليها الإطالة؛ كونها تُعنى بالبحوث والدراسات، وتبتعد عن منهجية المقالات القصيرة.
نقطة على السطر: المجلة أهلية وهذا يعني أنها تموِّل نفسها بنفسها، وإن شئنا لها ولغيرها من المجلات المحلية الأهلية الاستمرار فهي بحاجة للدعم والمؤازرة، من قبل من يعنيهم أمر النهوض بالمجتمع؛ باعتبار أن الثقافة هي البوابة الأهم لإحداث التغيير المنشود والمرتقب.
_______
ورقة ألقيت بمنتدى الثلاثاء: 1/2/1430هـ، في الحلقة المخصصة حول: "الدوريات الثقافية في المنطقة.. واقعها ومستقبلها".
التعليقات (0)