مواضيع اليوم

مجلة أسامة السورية للطفل العربي

نزار يوسف

2009-07-14 19:46:20

0

كانت مجلة أسامة السورية للأطفال ، من المجلات المحببة إلى قلبي ، إلى جانب مجلات أخرى . و كان لمجلة أسامة من اهتمامي ، حصة الأسد في متابعتها و قراءتها ، قياساً إلى بقية المجلات الأخرى و غيرها . اذكر أنها كانت تصدر أسبوعياً كل يوم اثنين في مكتبات دمشق . و عند انتهاء الدوام المدرسي ظهراً ، كنت أخرج من مدرستي و اتجه أولاً و فوراً إلى المكتبة و أشتري مجلة أسامة العزيزة علي ، بربع ليرة سورية . و اتجه بعدها مباشرة إلى المنزل حاملاً حقيبتي المدرسية خلف ظهري . و ما أن أصل إلى المنزل و أخطو عتبة الباب الخارجي ، حتى أكون تقريباً قد انتهيت من قراءة نصف المجلة .


كانت مجلة أسامة وقتها ، مجلة بسيطة ذات موضوعات خفيفة لا تتخطى قصص الأطفال و الفكاهة و فقرة هل تعلم و بعض الموضوعات المبسطة . و في نهايتها صورة لأطفال أرسلوها للتعارف .


دارت الأيام و كبرت أنا شيئاً فشيئاً . و في مرحلة الدراسة الإعدادية ، انتقلت من قراءة مجلة أسامة إلى مجلات و كتب أخرى ، و نسيت مجلة أسامة ، لا بل بعد فترة ، لم أعد أراها في المكتبات ( ربما لم أنتبه لوجودها أو هي توقفت عن الصدور ) . أيضاً مرت السنون و تطورت سوية قراءتي . و بدأت أنحو شيئاً فشيئاً نحو الكتب و المجلات ذات الطابع السياسي و التاريخي و الديني و الاجتماعي . و نسيت مجلة أسامة و أبو أسامة و أم أسامة .


منذ فترة قصيرة التقيت في الشارع بزميل لي لم أره منذ مدة طويلة و جلسنا في أحد المقاهي القريبة منا نتحدث . كان معه عدد من الصف اليومية و مجلة لم أتبين نوعها و معها كتيب صغير . بعد المجاملات العابرة و الأحاديث الودية بانتظار القهوة ، مددت يدي و التقطت المجلة الموجودة على الطاولة بعد استئذانه و نظرت إليها فإذا هي مجلة أسامة . لوهلة بقيت شارداً بصمت أنظر إليها .. و لوهلة غير قصيرة ظننت أنها ليست تلك المجلة القديمة إياها ، و أنها مجلة لها نفس الاسم و لكن ذكرتنني بالقديمة كونها كانت ذات شكل مختلف عن المجلة القديمة و عدد ورقاتها أكثر . قلبت صفحات المجلة فلفتني التصميم الجميل و المواضيع الفكرية الراقية إلى مستوى بليغ و معبر .. ذو مضامين غنية تضاهي إلى حد ما المواضيع البحثية التخصصية ولو بشكل مبسط قليلاً ، و ذلك ليتم فهمها و استيعابها من قبل الأطفال .


نظرت إلى صديقي و قد وصلت فناجين القهوة و خرجت السجائر متأهبة لملاقاتها . سألته قائلاً : أليست ؟؟؟!!! هذه ..... مجلة ....؟؟ . أجابني على الفور مقاطعاً : نعم إنها هي بعينها .. و قد اكتشفت وجودها منذ فترة بالأسواق و أنا أشتريها بشكل دوري لأبنائي .. و لكنها تطورت عما كانت عليه من قبل .


طالعت صفحات المجلة فرأيت في افتتاحيتها ما يلي " أسهمت العقول المثقفة و المتعلمة بقسط وافر في بناء الحضارة البشرية إنجازاتها العظيمة على مدى قرون عديدة . و لكن هل فكرنا بأصحاب الأيدي التي نفذت تلك الإنجازات على أرض الواقع ؟ فمثلاً حين نزور معلماً أثرياً ، سرعان ما نعرف اسم الملك و القائد الذي أمر ببنائه ، دون أن نفكر بمن قام بالبناء حقاً ، و بالأجساد التي تحملت الجروح و الكسور و بالأرواح التي زهقت في سبيل رفع هذا الحجر الضخم أو ذاك العمود الشاهق ! و حين نرتدي ملابسنا ، هل نتذكر تلك الأيدي التي زرعت الأشجار و حصدت النبات ، و استخرجت الخيطان و زلتها و نسجتها خاطتها ؟ أعمال كثيرة نفذتها و ما تزال تنفذها سواعد أولئك الشر . إنها أيدي العمال المباركة الجنود المجهولين ، و أصحاب المهن الشريفة التي لا بد منها لبناء المجتمع . في عام 1869 ، تأسس في مدينة شيكاغو الأمريكية ، تنظيم نقابي يدعى ( فرسان العمل ) ، سعى إلى تحسين أوضاع العمال و ظروف عملهم و الدفاع عن حقوقهم . و مع تطور الحركة النقابية ، نجحت مجموعة من القيادات النقابية في تكوين هيئة للعمال ، فدعتهم إلى التظاهر و للقيام بإضراب يوم الأول من أيار 1886 . في ذلك اليوم وقعت صدامات بين العمال و الشرطة ، أدت إلى سقوط جرحى و قتلى ، و سجن و إعدام العديد من العمال . و في عام 1889 عقد مؤتمر نقابي أممي في فرنسا ، دعا إلى القيام بمظاهرات في العالم . و منذ ذلك التاريخ ، ابتداء من عام 1890 ، يحتفل العمال بذكرى ذلك اليوم ، الأول من أيار تخليداً لشهداء الطبقة العاملة " ( انتهى ) .


بعد ذلك قمت بشراء المجلة و أعداد سابقة لها ، و إذا بي أقع على أروع ما رأته عيني من فكر و أدب للأطفال .. قصص أطفال مترجمة من كل لغات العالم .. قصص أطفال لكتاب سوريين مرموقين .. قصص أطفال من تأليف الأطفال أنفسهم مع رسوماتهم هم أنفسهم لأحداث القصة ، و عمر بعضهم لا يتجاوز الخامسة أو السادسة من العمر .. مواضيع فكرية يدخل فيها أسلوب النقاش و الحوار ، و مواضيع علمية شيقة و مفيدة .. نصوص مسرحية مبتكرة توجد في كل عدد . و الأجمل من ذلك كله ، هو أن المواضيع و القصص يكون معبراً عنها برسوم للأطفال رسموها أيضاً هم بأنفسهم .. . و الأجمل من ذاك و ذاك ، هو التعريف بشخصيات وطنية سورية معاصرة أو كانت لفترة قريبة معاصرة من روائيين و مفكرين و فنانين ( رسم – نحت ) .. زكريا تامر .. نصير شورى .. ماري عجمي و أول جريدة نسائية عربية أنشأتها عام 1910 م .. الرسام أحمد السباعي . و شخصيات أعلام أجنبية و سينمائية كشخصية شارلوك هولمز و نشأتها و شخصية دراكولا و نشأتها. توقفت طويلاً و قد اغرورقت عيناني بالدموع و أنا أقرأ في مجلة أسامة مقال تعريف عن الفنان الرسام العبقري المبدع لؤي كيالي و عن حياته الصعبة جداً و التي انتهت بوفاته بطريقة محزنة . حينها أدركت أن دنيا الفكر في العالم العربي ، ربما قد تكون لازالت بخير و أنها إن خليت خربت . استدعيت أبنائي و حدثتهم عن لؤي كيالي و أعمال لؤي كيالي ( أول مرة سمعت عن لؤي كيالي و تعرفت على أعماله ، عندما كنت في موسكو ) .


و الأجمل مما سبق كله ، هو الكتيب الصغير الرائع المرفق مع كل عدد من أعداد مجلة أسامة ، و المضمون الفكري الغني الذي يثري صفحاته .. كتيب عن الذرّة .. و آخر عن المتنبي .. و آخر عن مجموعة أعمال فكرية عربية .


و الأجمل من كل هذا و ذاك .. و من كل ما سبق و ما فتئ ، هو سعر مجلة أسامة .. سعر مجلة أسامة يا سادة هو .... هووا ....هووووااااااا ... فقط عشرة ليرات سورية لا غير .. يا بلاش ... يعني أقل من سعر سندويشة فلافل و أقل من سعر أصغر زجاجة كولا و أقل من سعر فنجان قهوة ، حتى عند أولئك الباعة المتجولة الذين يبيعون القهوة في الطرقات . ما معنى ذلك أيها السادة ؟؟ معنى ذلك أنه لا عذر لأحد في عدم شراء تلك المجلة الفكرية الهادفة الرائدة لأطفاله و له هو أيضاً لأن مجلة أسامة بنظري هي صالحة للقراءة من قبل الكبار أيضاً و أنا شخصياً أقرأها كلما اشتريتها ، من بابها إلى محرابها مع الكتيب المرفق بها .


معنى ذلك أيضاً أن هنالك دعم للثقافة و الفكر في سورية .. و مجلة أسامة ( بهذه المواضيع و الحلة التي هي فيها ) عمود أساس و كبير و هام في الفكر العربي ، على الأقل في فكر الطفل العربي ، و هي مؤهلة لصناعة جيل شاب متعلم .. واع مثقف .. مفكر متفتح على كل قضايا وطنه و مجتمعه . و لهذا .. و بناء عليه و عليه بناء ، نوجه البطاقات التالية :
بطاقة شكر و امتنان : إلى القائمين على مجلة أسامة و كوادرها كافة من المشرفين و المحررين و الكتاب و المنضدين و كل من يساهم في أخراجها و صدورها بمظهرها النهائي إلى الأسواق . وفقكم الله و أعانكم على مهمتكم الجليلة تلك .


بطاقة دعوة رقم ( 1 ) : إلى الجهات المعنية في سلك التربية .. بتوزيع و نشر مجلة أسامة في المدارس الابتدائية و محاولة توزيعها إلى أكبر قدر ممكن من الطلاب و بأية وسيلة ممكنة ، بجعلها مثلاً من ضمن النشاط التعاوني الذي يدفعه الطالب لإدارة المدرسة .


بطاقة دعوة رقم ( 2 ) : إلى الآباء و أولياء أمور الأطفال و الطلاب .. اشتروا لأبنائكم و أطفالكم مجلة أسامة دورياً . و عشر ليرات كل شهر لن تضركم إذا دفعتموها ، سواء بالشراء المباشر أو إذا أضيفت للنشاط التعاوني المدرسي .. اعتبروها فنجان قهوة اشتريتموه و لم تشربوه .. اعتبروها عشر ليرات سقطت منكم سهواً في الشارع .. اعتبروها قطعة حلوى أو بوظة اشتريتموها لأطفالكم ، و هي والله لأفضل و خير منهما كليهما .. اعتبرونها الذي تعتبرونها ، المهم أن تدفعوها فلا ضير منها و لا خطر على وضعكم المالي .


بطاقة دعوة رقم ( 3 ) : إلى الميسورين مادياً .. ساهموا بقدر معين من التبرع لدعم هذه المجلة الفكرية الرائدة فهي زكاة تحسب ثواب لكم و منجاة لأطفالكم و أطفال مجتمعكم من الجهل و قلة الوعي و الإدراك .

 

إيييه يا مجلة أسامة ..... كبرنا و كبرتِ معنا .


نزار يوسف




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !