كثيرا ما كتب عن التخاذل العربي، وعن هزالة مقررات إجتماعاته، مجزرة أسطول الحرية لم تأت بالجديد من حيث ردة الفعل العربية الرسمية و الشعبية، الحكومات العربية ستندد وتشجب و ترفع مقترحات و توصيات و تتجه لمجلس الأمن و هي عالمة و متأكدة أن تحركها لن يجدي نفعا، ولكن مجرد حركات رياضية لرفع العتب، فلتستريح الشعوب لم تعد تبالي بقراراتها و إجتماعاتها و الدليل إجتماع وزراء الخارجية الأخير الذي لم يلق أي إهتمام إعلامي يذكر، الإجتماعات العربية باتت سلعة كاسدة لا تلقى رواجا لدى الشارع العربي، لربما لذلك إتجهت بعض القنوات لتغطية و متابعة ردات الفعل التركية و الغربية.........
الجديد في قضية أسطول الحرية، أنها عرت الدولة الصهيونية أمام المجتمعات الغربية، إسرائيل الآن أصبحت تماثل حكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا لدى البعض، وهذا ما يفسر قرار جنوب إفريقيا إستدعاء سفيرها من إسرائيل إحتجاجا على المجزرة، المجتمعات المدنية في الدول الغربية الديمقراطية لها دور فاعل في تغيير مواقف حكوماتها، وضغط الجمعيات المدنية و الحقوقية قد يأتي بالكثير من الإفادة لصالح الفلسطينيين إن أحسنوا اللعب بهاته الورقة.
الناظر في تفاعلات مجزرة الأسطول، و في تبعاتها سياسيا خاصة في أوربا و أمريكا اللاتينية، سيلاحط كيف ارتفع مستوى التنديد و الشجب من لدن حكومات و شخصيات كانت في الأمس القريب تصنف أنها إلى جانب الكيان الصهيوني، تصريحات رئيس الوزراء البريطاني مثلا و تصريحات نائبه هي دليل على تغير الخطاب، ما السبب؟
لقد أوقعت الحكومة الإسرائيلية نفسها في ورطة، ظنت أن الغطاء الغربي مستمر لتحركاتها، التي دائما ما كانت تضعها في خانة مكافحة الإرهاب و الدفاع عن النفس، حرب غزة الأخيرة كشفت بعض الشيء عن زيف دعاويها، تأتي المجزرة لتفضح الكيان، الإعلام ساهم في ذلك، الإعلام التركي خاصة الذي نقل الخبر، وهو ذو مصداقية لدى الغرب، فلو كانت الجزيرة أو قناة أخرى تتهم بأنها متحيزة للفلسطينيين لما صارت الأمور على النحو الذي نراه.
اليوم وبعد أن مرت أيام على الحادثة، على إسرائيل أن تتعامل مع حقيقة أن هناك تيار دولي جارف سيحاول الضغط عليها من أجل كسر الحصار، و عليها أن تحارب المجتمع المدني الحر بكل أطيافه و جمعياته الحقوقية و الإنسانية التي ستبذل جهدها في كسر الحصار و توضيح معاناة مليون ونصف محاصر في قطاع غزة، إسرائيل ستحاول أيضا تجميل صورتها و البحث عن أزمة تكون فيها هي الضحية.
من تبعات المجزرة أيضا، تكشف الوجه الزائف للرئيس الأمريكي، آمال كثيرة كانت معقودة على أوباما من أجل تغيير صورة الولايات المتحدة الأمريكية لدى العالم الإسلامي و العربي، هو تعهد بذلك لكن يبدو أنه فشل في تنفيذ وعده، ليظهر إنحيازه و إنحياز إدارته للإدارة اليمينية الصهيونية، أوباما أظهر أنه أضعف من أن يضغط على إسرائيل و يثنيها عن سياسيتها الطائشة، ضعف تحدث عنه الجمهوريون و المتتبعون للشأن الأمريكي ليس فقط في تعامله مع قضايا الشرق الأوسط بل حتى لإدارته للأزمات الداخلية........
المجزرة أيضا أظهرت لاعبا جديدا في الساحة الدولية و الإقليمية، تركيا أوردغان كما يسميها البعض، مع أن الصراع إنتقل من ثنائية إسرائيل و تركيا أوردغان إلى الصراع بين إسرائيل و تركيا الأمة التركية، إسرائيل لم تهاجم حزب العدالة و التنمية، هي اعتدت على القومية التركية المعتزة بكيانها، هذا مل جعل الأتراك كافة يقفون إلى جنب الحزب الحاكم و مواقفه ، إسرائيل فقدت تركيا كدولة صديقة ترتبطان بعلاقات إقتصادية عسكرية مهمة و فقدت تركيا كوسيط بينها و بين سوريا، ولعل إسرائيل ستحاول بشتى الطرق إعادة مسار العلاقات إلى مستواه قبل حرب غزة، وهي بذلك ستعقد الآمال إن لم تعمل على خسارة العدالة و عودة العلمانيين إلى السلطة في تركيا.
نتمنى أن تكون هذه الأزمة الضارة النافعة على الشعب الفلسطيني و على قضيته العادلة، و هنا لابد من الإشارة أن الوضع الفلسطيني الحالي قد يعرقل جهود العالم الحر ( حكومات و منظمات مدنية) في تحركاته من أجل فك الحصار عنن غزة، فالمصالحة مطلب ضروري لتوحيد الجهود في غزة و الضفة من أجل العمل المشترك على التعامل مع الوضع الجديد.
التعليقات (0)