الحب من غير أمل، أسمى معاني الغرام! کلمات من أغنية(بنادي عليك)، التي غناها فريد الاطرش والتي تجسد بعدا يميل الى فضائات عبقة بالفنطازيا، والواقع ان إيثار الحبيب على النفس بهذه الطريقة المثالية، و بالتالي نکران الذات لأجله، أمر قد لايکون من السهل او حتى من المنطق الاقدام عليه من جانب أي کان، وقد يخاير المرء ثمة إيمان محدد مبني اساسا على إنفعالات وجدانية محضة، بيد انها وعند السعي لترجمتها حقيقة، ترتطم بأبجديات الواقع بعنف وتدفعه لمراجعة حساباته و"التهرب"بخفة او ثمة عذر محدد من ذلك(العبأ)الثقيل. لکن، ثمة ملاحظة مهمة جدا من الضروري طرحها، وهي ان المتهربين وفي أغلب الاحوال يکونون من الجنس الخشن، و عکس الصورة، صحيح تماما مع ضرورة الانتباه الى أننا لانقصد الجزم بالامر من باب الاطلاق.
قد يکون هناك ثمة احتمال بوجود عاشق من طراز قيس ابن الملوح بين کل ألف رجل، لکن من المؤکد انه ليس بالامکان الجزم بنفس الشئ بالنسبة للنساء، فقد نجد و بقناعة أکثر من ليلى او جوليت او شيرين بين ربع ذلك الرقم الافتراضي الذي حددناه آنفا، فهل يعني ذلك أن الانثى أکثر إيمانا و يقينا بالحب من الرجل؟ وهل ان الوفاء في الحب مبدأ يکاد يختص بالجنس اللطيف أکثر من الجنس الآخر؟
يقول الشاعر الايراني(جيهنابخش بازوکي)، في قصيدتين رائعتين له کلاما على لسان أنثى من المفيد جدا عرضهما هنا کإستطراد ذو صلة قوية لما نسعى للوصول إليه، ففي قصيدة(قلبي منقبض) حيث يصور أحاسيس فتاة تعيش لحظات جفاء الحبيب بقوله:
"منزل مفعم بمعاناة الصمت، اواه کم منقبض قلبي
زهور الحديقة کم هي عديمة الالوان أمام عيوني
ورود المزهرية تموت مرة أخرى
عناء لقياك يمسك أنفاسي
يوما ما کنت في عينيك الافضل
کنت"أنت" الاکثر عشقا و کنت"أنا" الاکثر عشقا
الرحيل و إجتثاث القلب من الايك ليس سهلا
الترعرع من صدر العشق مجددا ليس سهلا"
هذا الاحساس بالغربة و الوحشة من أبسط مفردات الحياة و التشبث بالعشق کخيار سرمدي لامناص من الانصياع له(الرحيل و إجتثاث القلب من الايك ليس سهلا)، و لعل جنوح الانثى نحو الامور العاطفية بصورة غير عادية، جزء من تکوينها النفسي و يکاد يکون سرا مهما جدا من اسرار وجودها، وقد يعود ذلك أيضا الى ان الانثى و خلال المراحل التأريخية المختلفة، وبحکم خضوعها القسري و التلقائي للرجل، لم تکن تملك يوما من الايام خيار جفوة او هجر الرجل وانما کانت تتوجس دوما من ذلك اليوم الذي هو بنفسه يهجرها فيه، ولأن الانثى المهجورة(مطلقة کانت ام لأي سبب آخر)، لاتکن مرغوبة من جانب الرجال، فإنها ولهذا السبب کانت تشعر بحالة تشاؤمية محضة من مستقبلها العاطفي ومن هنا فقد أجاد الشاعر الايراني بازوکي عندما صور حالتها بقوله(الترعرع من صدر العشق مجددا ليس سهلا)، وإذا ماکانت الصور الشعرية الساردة الذکر بخصوص حب أسدل القدر ستاره عليه، فإن الشاعر نفسه وعلى لسان أنثى عاشقة أيضا يطرح الحالة الايجابية وهي تصف تولهها في عشق الحبيب في قصيدة(لاتأخذه مني) بقوله:
"إلهي أحلفك
بحرمة التوله و الحزن
لاتأخذه مني
لاتأت بذلك الزمن الذي يولي وجهه شطر حب جديد
يا إلهي لاتأت بزمن يتوضأ فيه بدمائي
الان، حيث مرتبط عمري بدفأ وجوده
لاتأخذه مني
حمى الوفا يتطاير من وتري بسبب من وجوده
لاتأخذه مني"
هذا التمسك المجنون و غير العادي بالحبيب، هي على الاغلب سمة للأنثى، لانجده أيضا يفتقر للتشاؤمية و التوجس ريبة من مستقبل العلاقة العاطفية، فهي تتخوف ليس من هجران الحبيب لها فقط وانما تدعو ربها أيضا ان لايسلبها أياه وهي تتصور ان دفأ وجودها و سر حياتها و سعادتها مرتبط ببقاء ذلك الحبيب في عالمها الصغير ولحديثنا ثمة تتمة.
التعليقات (0)