إن ما حدث بين المصريين والجزائريين من شغب بعد مباراة كرة قدم ينبغي النظر إليه وحصره في زاوية حادث كروي لا يتعداه إلى ما عداه من مخلفات ذلك الحدث الذي أساء للجميع وأعطى انطباعا سيئاً عن
خلافاتنا العربية التي أصبحت تفوق خلافنا مع من يمارس علينا سياسة القتل والاحتقار بعيداً عن كل القيم الإنسانية والسماوية كالكيان الصهيوني الغاصب والموغل في قذارته تجاهنا.
إ
ن ما حدث هو قمة في تخلفنا كشعوب عربية أو إن شئت قل إسلامية فهل وصل بنا الحال أن نفترق إلى هذا الحد فما حدث هو مباراة كرة بين فريقين يمثلان قومية واحدة وأصحاب دين واحد ووطن واحد هو ا
لوطن العربي أو الإسلامي.
نحن هنا ننتمي إلى تراثنا الضخم إلى إسلامنا وعروبتنا لا إلى تقسيمات مناطقية أو عرقية أو مذهبية، نعم كلٌ منا يحب وطنه أو مذهبه أو الأرض التي عاش فيها وعليها وشم هوائها وشرب ماءوها ، لكن ما بيننا
من القواسم المشتركة يفوق ما بيننا من خلافات بعشرات عشرات المرات وما يجمعنا من وحدة هدف ومصير هو الجامع المشترك والقاسم فيما بيننا
لكن والحال هكذا فقد ألمني هو أن يصل هذا الحال بين شعبين عربيين من الشعوب التي نفخر بنضالها في طرد المستعمر والتي هي نموذج يُحتذى به ويُشار إليهما في طريقة تعاملهما و تعاطيهما مع القضايا ا
لعربية و مع ظلامة إخوانهم من الشعوب العربية الأخرى ومناصرتهم لقضايا الأمة.
هنا أبدي أسفي لما وصلت له الحالة العربية من تخلف وأصبح نبض الشارع العربي في قضايا لا تُسمن ولا تُغني من جوع وغير متعلقة بكرامة الإنسان العربي أو بناءه لمستقبله أو تفاعله مع القضايا المصيرية.
إننا يجب أن نمتلك العقلية الصائبة التي تنبئ عن معرفة بخوافي الأمور لا ننطلق بعواطفنا كي نحكم على هذا وهذاك ولكي يتسنى لنا الحكم من خلال معطيات الواقع لا من خلال عواطفنا التي قد تخطئ وتُصيب و
قلما تتوفر عند كثير من الناس ، الرؤية الواقعية التي تجعلهم بعيدين عن التعصب في محاولة فهم الحوادث وخلفياتها والسلبيات التي تتركها فيمن لهم علاقات مباشرة بها.
بالأمس القريب كانت هناك قضية قتل الأسرى المصريين وللأسف لم يتفاعل معها الشارع المصري أو العربي أو الإعلامي بالصورة المطلوبة أو التفاعل بما يمليه عليهم الواجب تجاه إخوة لهم ساهموا وشاركوا
في الدفاع عن شرف الأمة وكرامتها ومقدساتها وأرضها و كأن الأمر حدث على أرضٍ غير أرضٍ و شعبٍ غير شعبنا ، لكن الأمر بدا وللأسف وكانه لا يخصنا من قريب أو بعيد لكننا هنا يتحرك بقوة ضد
طرف يشاركنا نفس المصير ونفس الأرض والوطن.
إنني هنا لا أنتقد الإخوة المصريين أو الجزائريين بمقدار ما أحاول توصيف هذا الواقع المأساوي الذي جعلنا كما جاء في كتاب الله في محكم كتابه الكريم في وصفه لليهود والذي أصبح مثل هذا الوصف ينطبق علينا
في قوله تعالى (لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)
فلو نظرنا للخلافات السياسية بين الدول العربية لوجدنا وللأسف كثير ما تجير و تنجر الشعوب العربية إلى صراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، صراعات تتخذ الطابع السياسي أو الشخصي للحكام العرب وتصبح
ويصبح الشعوب العربية ضحية لتلك السياسات والصراعات التي تدور بينهم.
إننا بحاجة لتصحيح هذا الخلل في العلاقات بين الشعوب العربية فلو ضُرب شخص في بلد عربي معين لقام أبناء ذلك البلد الذي ينتمي له العربي بالتعدي على أبناء ذلك البلد الذي ضُرب فيه الشخص وأخذوا البريء
بذنبِ المذنب ، بل إننا نُصنفُ ونصف بعضنا البعض بنعوت وأوصاف تخرج عن حدود الأدب واللياقة والوعي ، حيث أننا عندما نتعامل مع شخص سيئ من بلدٍ ما فإننا نعمم تلك النظرة لأهل تلك البلد.
بخلاف علاقتنا مع الأخر الأوروبي والأمريكي فإننا دائماً وأبداُ نحاول أن نبرز الجانب الايجابي في العلاقة معه و نتجنب الجانب السلبي ، أما في علاقتنا مع بعضنا البعض فإننا نركز على الجانب السلبي.
ينبغي علينا كشعوب عربية إعادة صياغة علاقتنا العربية ضمن معطيات جديدة تؤطر و تحكم هذه العلاقة بما يتجاوز كل سلبيات السياسة وتقلباتها وكل سلبيات الماضي والأفكار المصنعة والمعلبة بما يسيء لنا
كشعوب تحاول أن تتطور ثقافياً وحضارياً واجتماعيا.
التعليقات (0)