مجرد صور
منذ أن أتيت إلى تلك الدنيا - ومنذ أن كنت صغيرا – وبينما أزور جدتى فى بيتها العتيق كنت ألمح تلك الصورة فى إطارها الذهبى , ويعلوها شريط أسود .. لم أعرف لمن تلك الصورة ؟!.....
كنت أتيه بين وجوه العائلة.. جدى .. أبى .. عمى .. أبناء عمى ..لكن لم يكن أحدهم , بالرغم من أن تلك الصورة تحمل ملامحهم ..
وكلما سألت أبى عن صاحب تلك الصورة .. ذات الإطار الذهبى .. وسر وضع الشريط الأسود عليها ..., كان يتفكر فى صمت ويتيه إلى الوراء
حيث الذكريات ... ولا يجيبنى ...
وكلما سألت تلك الجدة الحنون بينما أشير إلى تلك الصورة .. تبكى فى ألم , تنوح فى شجن , تذهب فى نوبات الهذيان .. تلعن المصير .. والقدر .. وتقول فيما تقول : " أيا ليت الأيام تعود للوراء ... فهو حبيبى ... آه حبيبى "
ثم تبكى ... وتبكى الى ان اذهب
وكم رأيت جدى يقف أمام الصورة – هى بعينها – يبكى ساعات ، يتمتم بكلمات غير واضحة كأنه يناجيها , كأنها تراتيل صلاة ....
وكلما أنوى سؤاله, أخشى أن ينهرنى فى إحدى نوبات غضبه، فأمضى وهو لم يزل أمام تلك الصورة.
وتمر الأعوام... ويضع جدى – فى حزن – صورة جدتى , بجوار تلك الصورة فى إطار ذهبى وعليها نفس الشريط الأسود .
وتمر الأيام .. ويضع أبى – فى ألم – صورة جدى بجوارهما .....
وبعد عشرة أعوام - لا غير- وجدتنى أضع صورة أبى بجوارهم..... بجوار تلك الصورة , وأبكى فى هذيان ... ألعن الزمان ... ذلك القدر, متذكرا أيام أبى وكيف كان بيننا .....أحس بطيفه حولى يناجينى , فأناجيه ... يدعونى فألبيه ..... كعادته السابقة ....
ومن حين لأخر, فى مواعيد لا أخلفها, تجدنى أمام الصور, وخاصة صورة أبى، أبكى, أناجيها, أدعوها, أتمنى إن تعود أيامهم.... أو إن يجرى الزمن للوراء ... وأنسى أنهم فى دار اللا عودة... دار الحق, وأنهم فقط طيف يهيم بداخلى أنا... أنهم فقط صور مجرد صور
تمت
التعليقات (0)