ان لم يكن مطلقا..فغالبا ما تتشكل للمثقفين مثابات وركائز تتماهى مع التمايز الطبقي في المجتمع فرغم الادعاء التقليدي بالاستقلالية وبناء الروح على ايقاع الفضاء الواسع الحر..الا ان المثقف لا يعدم وتدا في نقطة ما في الفراغ يدور في فلكها وتحدد انزياحاتها شكل بصمته في عالم الابداع ويكون معبرا عن مسارات مصالحها وطموحاتها..ومع التمنع الطويل للنخب المثقفة على القولبة القبلية للفكر ولكنها لا تستطيع الانسلاخ عن عوامل الانتماء والبيئة التي تأسر افكار المثقف وتدمغه بطابعها الذي نراه يتقافز من بين ثنايا منجزه الابداعي.. ومثلما كانت للناس درجات ومنازل وطبقات فللمثقفين ايضا تراتب قد تختلف هرميته بتباين الجمهور المتلقي واستجابته العاطفية المسبقة- وقد تكون المبرمجة-التي يجيد المثقف استثارتها وصياغتها باشكال وصور تتفاوت في مضامينها وتتفق في منتهياتها..وكما ان الخلق حر وسفل..فكذلك المثقفون ..وان كنا نتنابز ونفند وننافرونحاجج في المبدع الحر ..ولكننا لن نختلف في اختصاص السفل في مثقفي السلطة الذين يتوسلون ببضاعتهم رضا وطاعة جلادي الحرية والتنوير..ويمارسون التزييف لمهام الانتاج المعرفي في جناية استدرار الوهج المختلس لمتبنيات السلطان وقبيلته..
فان كنا نختلف في سلالمية المثقفين ما بين المثقف السلفي والمحافظ والليبرالي والتقليدي والظلامي والمستنير والعلماني الا اننا لن نخطئ تمهيد الدرك الاسفل لمثقفي السلطة الذين نتلمسهم في ذلك التلصق الدبق بدسم الحكم وديناره وفي ذلك التلاقي مع هدف اطالة مكوث الحكم الشمولي على الارض والرهان على بقاء ما في يد السلطان..والاسوأ من ذلك هو ذلك التلملم الفاقد للحياء حول معتنقاته وقبليته وتسويقها في سجال مقلق قمئ مترع بالشقاق مع الآخر كصورة عليا منزهة تفترش المجتمع كمسطرةً للخير والنور والنقاء..
لسنا في معرض الانكار والتسقيط على من يرى الحق في تأييد الحكم والذب عنه ..فقد يرى البعض في الباطل ما لا نراه في الحق ..ولكننا نشفق على المثقف من تلك المهمة الشاقة التي يتكبدها في ترقيع الاخاديد التي صدعتها سياسة السلطان في روح الوطن من خلال التبجيل المدلس المنحاز لآل الحكم وذويه وطائفته التي تؤويه والتزلف الفج من خلال الغي المسدر في لحمة الشعوب وكرامتها وسلمها الاجتماعي تسولا لحظوة التكسب بفتات السحت المتساقط من مائدة الحاكم..
دماء تسيل واعراض تنتهك وكرامات تداس بالاقدام الثقيلة لعسس السلطان تحت مسمى الرئيس المؤمن وحامي المذهب وناصر الدين ومحيي سنن الاولين..وكل هذه الجرائم والمثقف يسخر ابداعه لدعوة الناس للسلام على الحاكم بأمرة المؤمنين والصبر على سوء الادارة والفساد وتخريب المجتمعات والنهب المنظم اتقاءً للفتنة واعلاءً لشرع الله ونصرة لدينه ومناهضة للكفار من معارضي الله والسلطان.
ان الكفر البواح هو في ممارسات مثقفي النظام في جر المجتمع الى صراع يتخذ من انتماءات الناس وخياراتهم الفلسفية وقودا لتسعير حرائق العنصرية والطائفية والاقصاء وتأليب الاعراق والمعتقدات على بعضها للتستر على الارتكاسات السياسية والاقتصادية لنظام الحكم وضبابية وخطل مشروعه الوطني..
كما ان تبرير التردي والفساد وطمس امال الشعب في اتون الفقر والارتهان والاذلال على انه من دواعي اكمال الدين واتمام النعمة لهو مما يثقل على المرء ان يقابل به وجه الشعب في يوم قائظ طويل..
لا ننكر عليكم ان تخافوا السلطان او ان تطمعوا في ما يده..ولكننا نستصرخ فيكم بعض الرمق من الضمير ووجوه الناس المتعبة وآثار اقدامهم الطويلة على هذا الطين ..وان تستحضروا فطرتكم وانسانيتكم عندما تشرعون باسترخاص دماء وكرامة وامان العباد..فان الوطن هو الذي يمكث في الارض..واما الحاكم القامع المستبد فسيذهب جفاء وان طال ليل الشعوب..
التعليقات (0)