مثال الالوسي كما عرفته! (1-4)
بقلم رياض الحسيني: كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل
مثال الالوسي الانسان:
مثال جمال حسين الالوسي هو ابو أيمن الذي وقفت معه علنا في بداية مشواره السياسي حتى كنت واحدا من المؤيدين له وبقوة ومن المرشحين على قائمته لعضوية المجلس الوطني لمرتين بصفتي الشخصية وكواحد من المستقلين. فترة عصيبة مرت علينا وعلى الساحة العراقية التي كانت تضج وقتها بالحركات والاحزاب من اقصى اليمين الى اقصى الشمال مع اشخاص كنا بعدد اصابع اليد الواحدة ولم يكن يعرفه وقتها الا القليل حتى وصل الى قبة البرلمان بعد الانتخابات الثانية التي جلبت له المقعد الوحيد وذلك عبر دعم الكيانات الصغيرة. للامانة لست نادما على تلك العلاقة الانسانية والسياسية التي كانت لدرجة ان البعض قد وصمني بسببها بالعلاقة مع "اسرائيل" وذلك نظرا لما افرزته زيارة الالوسي الاولى الى اسرائيل من تداعيات والتي كانت أحد الاسباب الرئيسية في فقدانه لولديه أيمن وجمال في حادث الاغتيال المعروف في فبراير 2005. لا انكر ان الالوسي كما الغالبية من السياسيين والمشاهير يحب الاضواء والشهرة واللعب على حبال العصبية لدى الاخر ولكن هل يمكن اختزال شخصية سياسية مثيرة للجدل مثل شخصية الالوسي بهذه الكلمات؟! وحتى اقطع الطريق على المتصيدين اقول ان شهادتي هذه ليست تجريحا ولا قدحا بشخصية الالوسي بقدر ماهي صرخة عالية وجرس تنبيه ونقد بنّاء لينهض ابا ايمن اقوى من ذي قبل ويصحو على حقيقة طالما حاولت تنبيهه اليها ولكنه للاسف صم اذانه عن سماعها حتى حصل ماحصل تحت قبة البرلمان وكان بامكانه تفادي ماحصل قطعا! سأحاول في هذه الشهادة ماأسعفتني ذاكرتي به من مهم الامر عسى وان يكون عزاء له ولغيره والله من وراء القصد.
مثال الالوسي ولمن يعرفه عن قرب يجد فيه طباع عربية طيبة وكرم عراقي متجذّر فلازلت اتذكره وهو يقف على "الطبّاخ" ليحضر لنا نحن "المقرّبين" منه وجبة الغداء بعد ان أكمل تنظيف المطبخ! بادرة اشك ان يقدم عليها السياسيين العراقيين امام ضيوفهم واعضاء مكاتبهم السياسية وهي خطوة برأيي تعبر عن ثقة واعتداد بالنفس. لازلت اتذكّر ايضا لقائي الاول به في بغداد وذلك بعد الاعلان عن تأسيس حزب الامة العراقية يوم استقلتني سيارته الخاصة الى المنطقة الخضراء للقاءه لاجده متهيئا للقائي بعد ان هرع الى خارج الدار لاستقبالي معانقا ومتلهفا وهي خطوة طيبة اعتاد عليها ابناء العشائر العراقية واصحاب الكرم الحاتمي للترحيب بضيوفهم واشعارهم بمدى اهميتهم.
في الجانب الاخر واسوة بباقي العراقيين يحمل الالوسي افكارا يصعب على الاخر ان يغيرها ولو بالحجة والبرهان فكبرياؤنا يمنعنا من التغيير احيانا ولو كان هذا التغيير نحو الافضل، باعتقادي طبع ورثناه في جيناتنا وصار صعب علينا تغييره! من جانب اخر وكما عرفت ابا ايمن فانه صعب المراس والاستسلام بالدرجة نفسها التي للاسف الشديد واقولها بمرارة فقد اعتمد على "مستشار" لفضه حزبه لانه لايفقه من لغة السياسة الا مافهمته الحرباء في تلونها! بقدر طيبة الالوسي فانه متسرّع في احكامه ولايحسب لتحركاته حساب وهي خصال لاتليق بمن يطرح نفسه "سياسي من الطراز الاول"! في احدى المرات نصحته الا يقدم على قيادة سيارته بنفسه وان كانت من النوع المضاد "للرصاص" ولكنني وجدته غير متقبّل للفكرة لدرجة انه كان يتسابق مع افراد حمايته وسط زحام بغداد وفي الانفلات الامني والاجواء المتشنجة التي كانت سائدة في اواخر العام 2005 بينما يجلس كاتب السطور الى جنبه في المقعد الامامي منتظرا عبوة زرعت على جانبي الطريق او لمسة زر من قنّاص ماهر.
مثال الالوسي شخصيا اعتبره من الاشخاص القلائل على الساحة العراقية من الذين ليس لهم اكثر من شخصية والتي تعد برأي البعض افرازا طبيعيا للمهنة التي تتطلب درجة عالية من "التكنيك" و "المراوغة" التي تصل احيانا الى درجة "النفاق السياسي". أحسست بصدق الرجل في محاولته الجادة للتغيير في العراق ولكن على طريقته التي تصل الى حد "الفرض" وهي اقرب الى الديكتاتورية منها الى الاقتناع والاخذ والرد. تلك الخصلة التي لم ترق لي تماما خصوصا لو كان السياسي يعتمد في تحركاته على غيره ويتلقّى استشاراته من غير كفؤ ولا اهل للمشورة وقد اثبتت الايام ذلك ولكن "بعد خراب البصرة" كما يقول المثل. غالبية شخوص الحلقة التي تحيط بمثال الالوسي هم شلّة من المنتفعين والمتسلّقين ولايهمهم ان كان مثال الالوسي رجل دولة او رجل عابر على السياسة ومتطّفل عليها كما الاخرين طالما انهم يحصدون من وراء علاقتهم به كل ماتصل اليه مناجلهم. نصحته ذات مرة فلم ينتصح وسألته مرة فلم يجب وكعادته تبسّم لاادري أهي ابتسامة اشفاق ام ازدراء ففهمت مكنون الرجل انه لايختلف عن غيره وانه ليس بمقدوره ان يتحرّك خارج نطاق ماهو مرسوم له وان كان لايدري، فالاضواء والشهرة كانت مبهرة ومصادر الدعم والتمويل كانت تفرض أجندتها على التحركات والتصريحات التي لاتتناغم مع الوضع العام احيانا ومتشنجة احيانا اخرى فبدا لي على الاقل فاقدا للبوصلة السياسية!
في احدى لقاءاته مع وفد قدم من اهالي العمارة للسلام عليه بعيد انتخابات مجلس النوّاب الثانية واذا بي اراه يحاول النيل من الدكتور ابراهيم الجعفري فتقدمت اليه وهمست في اذنه الا يقدم على ذلك لاسباب عديدة اهمها ان الرجل في ذاك الوقت كان حزبه ينعته بـ "القوي الامين" وذلك وفقا للجدارية التي توسطت جراج النهضة الشهير! كما يتوجب عليه الا ينسى انه ومهما فعل فهو في النهاية محسوب من ابناء الطائفة السنّية وان مهاجمته لقائد شيعي وزعيم حزب لايمكن حسابه تبعا لاختلاف وجهات النظر في الامور السياسية كما بيّنت له لاحقا بل ستؤطّر القضية باطار الطائفية وستلبس لبوس غير الذي يراه هو! لم يتنبّه وخرج ذات مرة حانقا على الجعفري علانية من احدى الفضائيات فجوبه بمكالمة هاتفية لاحقا افقدته توازنه! وهاهو اليوم يعيد الكرّة ويهاجم ايران علانية ومن ورائها كل المؤيدين لها عقائديا وايدلوجيا ويضربهم في صميم عقيدتهم الدينية ويشكك في وطنيتهم وولائهم للعراق. فماذا كان يتنظر من ردة فعل؟!
للشهادة بقية تاتي تباعا في حلقات أربعة
التعليقات (0)