مثال الالوسي "بين سفرتين" (2-4)!
بقلم رياض الحسيني: كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل
مسؤولية النائب مثال الالوسي:
خلال تواجدي معه في بيته في المنطقة الخضراء حيث الاقامة الدائمة لم اشعر بيوم ان مثال الالوسي كان سعيدا من دواخله او راضيا عن أداءه، قلق بشكل مستمر والافكار تملأ رأسه، وهو ماكان يؤلمني كثيرا ان يُحاط رجل مثله بمثل مايحاط به او ان يسلّم لحيته بيد جزّار لايرحم ولايفقه من لغة المهنة الا مسك الساطور والضرب على اللحم والعظم معا من دون رحمة. أحسست بمثال الالوسي كالطير المذبوح الذي يبحث عن فضاء يتيح له تفريغ شحنة قد خزّنها القدر في روحه وجسده ففقده لولديه في لمح البصر وفي غفلة من القدر كان لها الاثر البالغ في نفسه المتعبة اصلا ولكن جلده وكبرياؤه يمنعانه من السقوط والانحناء وهو اكثر ما أعجبني فيه. من الجانب الاخر وجدت في مستشاره حنقا على بعض الساسة ويحاول محاربتهم بمثال الالوسي الذي غلبت عليه زحمة المواعيد بين المسؤولين الامريكان والاعلام والصحافة والوفود العراقية التي لم تنقطع طوال اليوم ليبدو فاقدا لتوازنه وغير مدرك لما يدور حوله بشكل صحيح.
ولنا ان نتسائل ببراءة ووداعة هل كان متوقعا بعد التصريح الذي ادلى به السيد مثال الالوسي من اسرائيل وهو يؤلّب المجتمع الدولي ضد جار من المفترض ان يطمأن لجاره، نقول هل كان متوقعا ان يصطف نواب الشعب على ارض مطار بغداد الدولي ويستقبلوه استقبال الفاتحين بالورود والتبويس والاحضان في احلك ظرف يمر به العراق اليوم عبر تأريخه الطويل وصراعاته الكثيرة؟! هل كان مطلوبا منا جميعا ان ندس رؤوسنا في الوحل كما النعامات ونتغاضى عما سيحل بالعراق لو جوبه هذا الفعل من قبل الحكومة والبرلمان بالتغاضي وكأن شيئا لم يحدث واتخذت ايران تلك الهديدات على مجمل الجد وحشّدت جيشها على طول 1600كم هو طول الحدود العراقية الايرانية على تخوم البصرة والعمارة وكردستان مثلما فعلت تركيا من قبل؟! من سيلام وقتها، الالوسي ام البرلمان الذي لم يستنكر الفعل ويطمأن الجارة ايران على ان ماقام به الالوسي هو تصرف شخصي ليس للحكومة العراقية ولا للبرلمان به ادنى صلة، وهذا مافعله الاخير بالضبط. فهل مطلوب منا ان ننافق السيد مثال الالوسي ونضرب على كتفيه لانه بتصريحه هذا قد انعش اسرائيل واثار ايران رغم ان العقل والحكمة تقول ان اسرائيل لاتؤثر على استقرار العراق بالدرجة المباشرة الكبيرة التي تؤثر بها ايران؟ بيد ان اي استقرار او اهتزاز في العراق او ايران سيؤثر على كلاهما حتما سلبا كان او ايجابا! وهذا برايي السبب الحقيقي الكامن وراء ثورة البرلمان بعد عودة الالوسي اليه من اسرائيل وليس الزيارة نفسها خصوصا وان بغداد لازالت تغفو وتصحو على وقع ما فضحته صحيفة "واشنطن بوست" من معلومات جاءت عبر كتاب "بوب وودوورد" والذي كشف بعضا من اسرار التجسس الاميركي على حكومة نوري المالكي سبقه تقرير يكشف تجسس الادارة الاميركية على تحركات الجيش العراقي والذي افردت له قمرا خاصا من قاعدة "كيب كانافيرال" وذلك وفقا لما جاء في صحيفة "لوس انجلوس" في شهر مارس من العام الماضي.
الجميع يعلم لو صمت البرلمان والحكومة على مافعله الالوسي لانتفضت نفس الاصوات التي تدافع عن الالوسي اليوم واتهمت الحكومة بالتواطؤ معه والتفاني في خدمة اسرائيل والمحتل وهي مادة تثير شهية من يناصب الحكومة العراقية العداء حتما. لذلك فان مشروع قرار رفع الحصانة قد اخذ بالاعتبار مصلحة العراق من التمزق وسلامة اراضيه من التجزئة ووحدة شعبه من الفتنة وليس مصلحة لايران، فايران اكبر من ان يؤثر عليها برلماني واحد في المنطقة الخضراء وهي حقيقة يدركها الجميع كما انها ليست بحاجة الى من يدافع عنها انطلاقا من المنطقة ذاتها. مع الاخذ بنظر الاعتبار اننا لسنا معنيون بالدفاع عن اي طرف ضد اي طرف واذا كان السيد الالوسي قد صرّح علنا انه لايريد ان يحارب احد فمن غير المنطقي ان يدعو للسلام مع اسرائيل وفي ذات الوقت يقرع طبوله للحرب مع ايران؟!
من المؤكد ان قصور النظرة لدى البعض وضبابية الحدث اثرا سلبا على فهم وادراك ماوراء التصريح والدعوة لاقامة "نظام استخباراتي عالمي" ضد ايران كما جاء في التصريح المقترح الذي ادلى به السيد الالوسي من اسرائيل. فلو كنت مكان الالوسي -مع تحفظي الشديد على حضور مثل تلك المؤتمرات- لعنونت مقترحي هذا بشكل عام على الارهاب خصوصا وان سبب الزيارة كان لحضور المؤتمر الثامن لمكافحة مايسمى "الارهاب" بدلا من تخصيصه وحصره بايران دون غيرها رغم ان الالوسي يعلم كما الجميع ان سبب الارهاب هو سياسات الاحتلال وما البقية الا ردة فعل لفعل فمن غير المعقول ولا المنطقي ان يترك الفعل ونتمسك بردة الفعل! يقال ان عشرات من الباحثين والسياسيين قد حضروا هذا المؤتمر فلماذا لم نسمع من ايا منهم اي تصريح بحجم ماطرحه الالوسي رغم انه لايمثّل كتلة برلمانية وليس له من تأثير في العراق بحجم الاخرين؟ من هذا يبدو ان حضور الالوسي كان لسبب معين ومهمة محددة، وقد كان لنا حديث طويل بهذا الصدد يأتي الوقت المناسب للحديث عنه.
سؤال اخر اجابته لابد ان تكون واضحة فيما لو كان اصل الزيارة هو الخلل هل كانت ستكون ردة الفعل واحدة من هؤلاء؟ أقصد لو كان من قام بتلك الزيارة الى اسرائيل وادلى بتصريح مشابه شخصا من آل الحكيم او عضوا حديث الانتماء في حزب الدعوة الاسلامية او من التيار الصدري، وقتها هل ستتغير لغة الخطاب لدى من تباكى زورا وبهاتا على "مظلومية الالوسي" وعدم مشروعية رفع الحصانة عنه؟ هل كنا سنشهد ذات التعاطف ام ان حجم التهجم ستتسع دائرته وستتدافع الاصوات مطالبة برفع الحصانة اكراما للوطن ومداراة لمشاعر المواطنين وتطول قائمة الشعارات وتعرض؟! حقيقة يحزنني في هذا المقام ان ارى التعاطف مع السيد مثال الالوسي نكاية بالاخر وليس حبا حقيقيا فيه ودعما لمشروع "الامة العراقية" الذي هدمه الالوسي بيديه وهو تحرّك يترجم واقعا مقولة "ليس حبا بمعاوية ولكن بغضا بعلي"؟ في الطرف الاخر من الحديث يجب ان تتنبه الحكومة والبرلمان هنا الى مدى الحنق والكراهية التي وصل اليها المواطن من جراء سوء الخدمات وتفشي الفساد في كل مفاصل الدولة حتى وصل الامر بالبعض منا ان لايبالي بمد الجسور مع اكبر دولة ارهابية! خطوة جديرة بالاهتمام والبحث قبل ان يحصل المحظور!
الغريب ان البعض يستدل على صحة ما ادلى به السيد مثال الالوسي على ان الرجل يمتاز بالصراحة والوضوح اكثر من غيره! فهل معنى ذلك ان نقف معه على طول الخط وبلا ادنى تفكير؟ ومع ذلك نقول رجل بتلك المواصفات كان حريا به ان يتحرك بمسؤولية اكبر واتزان اكثر ولازلنا نطالبه ببعد نظر اعمق من الذي رأيناه منه فبعد زيارته "الشخصية" الثانية التي ليس لدينا عليه بسببها اي اعتراض وبعد تصريحاته عاد متهما علانية زملائه البرلمانيين بالعمالة لدولة اجنبية! نحن جميعا لدينا مؤاخذات على عمل البرلمان العراقي وبعض آلياته والذي يئسنا من اصلاحه ونقولها علانية ولكن لم ولن يصل الامر الى حد الاتهام بالعمالة فهذه لعمري طامة كبرى لو صح قول الالوسي فيهم وصح قول الاخرين به! حتما هو سوء الفهم ذاته والقصور من جانب الالوسي في قراءة الواقع الحرج والمرير الذي يعيشه العراق اليوم. لقد كان حريا بالالوسي ان يدعو المجتمع الدولي لمحاربة الارهاب الذي يعيث في العراق فسادا وبدعم الولايات المتحدة الامريكية والجميع يعلم ماتفعله قواتها من تجاوزات على سيادة الوطن وهتك اعراض المواطنين وبشكل يومي.
زيارة رفعته واخرى طرحته وهو اقل ما يمكن ان يُقال في مسيرة مثال الالوسي "بين سفرتين" الى اسرائيل فرفع الحصانة عنه لم يكن بالنسبة الي بالخبر المفاجأة ومحاكمته او توجيه تهمة اليه امرا متوقعا كما ان تفرّق من كان حوله امرا ليس معيبا من جانبهم فالاحزاب على الساحة العراقية كثيرة وتضج بالمنافقين والمتسلّقين وستستوعبهم قطعا! يبقى الاهم وهو ان التعويل والمراهنة على مثال الالوسي في قيادة التيار الليبرالي في العراق لم يكن في موضعه وان الرجل قد اثبت بما لايقبل الشك انه مسيّر لامخيّر!
التعليقات (0)