تبدو شخصية السيد مثال الآلوسي، واحدة من أكثر الشخصيات إثارة في المشهد العراقي المثير للدهشة أصلا. حتى أن مذيعي الأخبار والإعلاميين يروق لهم أن يطلقوا عليه صفة السياسي العراقي المثير للجدل، فهذا الرجل اختزل حزبه الضعيف ماديا وإعلاميا، والقوي بطروحاته وجرأته،... اختزله باسمه، وأطلق على قائمته عنوان قائمة مثال الآلوسي، ثم ألحقها بجملة تفسيرية (حزب الأمة العراقية)، وهي جملة قد لا تبدو ذات أهمية كبيرة، اللهم إلا للتذكير باسم الرجل نفسه المعروف تماما للناخبين العراقيين، وخاصة من سكان المدن: فمثال الآلوسي، حتى وإن لم يمكن لديه أتباع كثر، ولا أموال، ولا دعم واضح المعالم من جهات إقليمية ودولية، فإنه على قناعة بأن صوته وأفكاره تحتل مساحة مهمة من الوعي العراقي المعاصر. لماذا؟؟
أفكار وفلسفة الآلوسي السياسية تتمحور حول ثلاث نقاط مهمة، أغفلها الكثير من السياسيين العراقيين، أو تحاشوا طرحها علانية. الأولى: أن العراق يجب أن يكون دولة علمانية، والثانية، أن العراق بثقله الثقافي والإنساني، يجب أن يحتل موقعا لائقا في حركة التاريخ المعاصر، والثالثة، أن علاقة العراق بمحيطه الإقليمي والدولي، يجب أن لا تقوم على أساس أوهام قومية، أو عرقية، أو طائفية، فالفيصل في العلاقة مع دول الجوار هو المصالح، ولا شيء يعلو على مصالح الأمة العراقية.
ومثال، رجل ديمقراطي، ليبرالي، لم اسمع منه يوما أنه مجد لغة العنف، يطرح نفسه بروح واثقة تماما، ففي الكثير من حواراته التي يحاول أن يبدو فيها هادئا، ومنطقياً، وساخرا، بخصوص الكثير من القضايا الساخنة، فإنه في الحقيقة يكتم مواقف حادة، وقوية، وواضحة، فالرجل ليس عنده الكثير مما يخفيه، فمواقفه السياسية تعبر عن عقلية علمية، براغماتية، تستخدم في توصيل أفكارها لغة واضحة وقوية ومثيرة في كثير من الأحيان لغير العراقيين.
حتى زيارته لإسرائل، التي أثارت حوله الكثير من الغبار، واستخدمها خصومه، وخاصة الإسلامويين من الشيعة والسنة، لتدمير صورته السياسية، يصفها مثال بأنها في سبيل البحث عن مصالح العراق، وكلنا نتذكر قولته الشهيرة (لو كنت أعرف أن مصلحة العراق في الجحيم لذهبت إليه)
وفي حقيقة الأمر أن لا زيارة إسرائيل، ولا مصافحة قادتها، يمكن أن يكون أمرا مشينا بالمطلق، فالسياسة لا تعترف بالحدود، ولا بالمقدسات، في السياسة لا يوجد أعداء دائمون ولا أصدقاء دائمون، هنالك فقط مصالح دائمة.
ربما كانت الزيارة خطأ تكتيكيا، فالآلوسي لم يكن مضطرا لها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق. فمن الدهاء أن يعرف المرء كيف يقول وكيف يتصرف، لا ماذا يقول أو ماذا كان يريد أن يعبر بتصرفه.
وإذا أريد لنا أن نحاجج لصالح الآلوسي، فيمكننا القول أن كثير من دول الجوار لعبت أدوارا سيئة، وتصرفت بطريقة كارهة للعراق، أكثر مما فعلت اسرائيل، فالإيرانيون، قتلوا من العراقيين أكثر مما فعلت اسرائيل، كما أن طهران ومخابراتها أفسدت وأحرقت وارتكبت جرائم في العراق تفوقت فيها على جرائم الموساد الإسرائيلي، و(السي. آي. أيه) مجتمعين. كما أن السعوديين والسوريين ومخابراتهم أرسلوا من الانتحاريين ما حول العراق إلى فطيسة كبيرة بحجم وطن. وعلى هذا، ألا يستحق السياسيون العراقيون الذين يتعاملون مع هذه الدول التي عبثت بالعراق طولا وعرضا، المحاكمة والطرد من البرلمان.
مثال الآلوسي، سياسي عراقي قادم من المستقبل، وهذه ليست دعاية انتخابية له، بقدر ما هي محاولة لتشخيص قوة هذا الرجل، وتلمس أسرار اندفاعه بعزم قصور ذاتي مثير للدهشة. هذا العزم هو الذي جعله ينأى بنفسه عن الكتل والائتلافات السياسية المجاورة له، وحتى عن التيارات التي تتقاطع معه أحيانا.
كما لم يعرف عن هذا الرجل وحزبه أنه تلقى أموالاً أو دعما من جهات إقليمية أو دولية، كالإيرانيين والسعوديين والسوريين. حتى الأمريكان لم يغدقوا عليه لا باهتمامهم، ولا بأموالهم، فهم لايجدون فيه رجلا يمكن أن يحمي مصالحهم الآنية والمستقبلية.
يقول الآلوسي أنه يراهن على ذكاء الناخب العراقي، ونحن نراهن معه أيضاً ذكائه، غير أن هذا الرهان لم يحن وقته بعد، فالأكثرية الساحة من العراقيين، وخاصة من أبناء القرى والقصبات، والأحياء الفقيرة، والهوامش المدينية، والتائهين، والمهجرين، والمهاجرين في أصقاع العالم، يسيطر عليهم الفكر الأسطوري، وتلعب بأفكارهم النعرات الطائفية. غير أن هذا السياسي العراقي المؤمن بالحوار السلمي، ولغة اللاعنف، سيجد له أصواتا مهمة في أوساط المثقفين العراقيين، وبين أبناء المدن العراقية العربية والكردية على حد سواء.
مثال الآلوسي، يشبه في سباقه السياسي، الحصان الأسود، الذي يمكن أن يفاجئ الجميع بحصده لنتائج غير متوقعة، قد تجعل منه رجلا يلعب دورا مهما في العراق القادم من صناديق الاقتراع.
في كل ملاقاتي مع السياسيين و قراءتي لأدارتهم الشأن العراقي , لم اجد او اسمع او اقرأ لأحدهم , انه راهن على ذكاء الناخب لحصد الأصوات لكسب اصواتهِ, كل ما اسمع به و اراه هو شراء الناخب من خلال الوعود و الشعارات التي اجتمعت عليها كل الكتل و الأحزاب السياسية.. منهم من يحاول استغلال سذاجة المواطن البسيط و يخدعهُ, و الأخر يعيد بما لا يريد ان يحققهُ , و الأخر يعيد تكرار شعارات نكث بتطبقيها و هو على كرسي السلطة , و اخر يطير بأوهام السلطة و المصالح الشخصية .. لعلي اجد في مقال الكاتب ما يحاول الجميع في فهم رموز الوجه المشرق في سياسة العراق التي انتكست بسبب غُلبة الطموحات الحزبية و الشخصية للسياسيين , لكن هذا لا يعني ان لا يكون هناك من سبق مثال الآلوسي بهذه الأفكار , لكنه ربما لم يكن بهذا الوضوح و الجرأة و المصداقية
التعليقات (0)