تجاوزت الأوضاع فى سوريا والمذابح الجماعية التى يمارسها النظام الاستبدادى السؤال عن إمكانية الصمود إلى الدخول فى توقيتات السقوط، وهل يمكن أن يطول عمر النظام أكثر من ذلك؟
تتوالى الأيام والشهور والشعب السورى قابض على سلمية ثورته علّ ضمير العالم يصحو -ولا أتكلم عن الضمير العربى وها هى جامعته تعطى مهلة للذبح فوق المهلة، وتشكّل اللجان الصورية، ويستخف بها النظام فى مزيد من سقوط الضحايا والشهداء- ولا يزيده مرّ الأيام إلا صمودًا.
لسقوط نظام الاستبداد عدة مراحل بعضها يسير بالتوازى وبعضها تحكمه قاعدة التوالى، بعضها على الصعيد الداخلى للدولة ويبقى الآخر تحكمه المعادلات الدولية والإقليمية وموازين القوى الحاكمة وتشكّله التحالفات الإستراتيجية التى ينسجها النظام حول نفسه (بما يضمن حياته) فى شبكة العلاقات الإقليمية وفى المؤسسات الدولية خاصة مجلس الأمن.
أول هذه المراحل (وهى المراحل الداخلية) أن الشعب يريد إسقاط الرئيس ثم نظامه ثم يكيّف (أعنى الشعب) المعركة مع الرئيس ونظامه باعتبارها "معركة صفرية" لا مجال فيها لأنصاف الحلول ولا للالتقاء فى منتصف الطريق ولا يقبل فيها الشعب التنازلات الجزئية، ولا المساومات.
ثم يدخل الطرفان فى المرحلة الثانية وهى مرحلة "الرهان على الزمن"، كل يراهن أن الزمن يسير لصالحه (ولكن الزمن دائما يسير لصالح الشعوب إذا استجمعت بقية شرائط النصر (وربما كان لنا مجال آخر لبسطها).
ثم تأتى مرحلة الذروة (المرحلة الثالثة) وهى أن الشعب لا يريد فقط إسقاط الرئيس ولا يبحث له عن خروج آمن إنما يريد أن يحاكمه (بل ويعدمه) ليس وحده بل هو وحاشيته المجرمة التى أذاقت الشعب الويلات وأذلّت العباد والبلاد.
ثم تأتى المرحلة الرابعة وهى مرحلة "عض الأصابع" وهى مرحلة ما بعد الذروة وما قبل النهاية حيث يلقى كل طرف بآخر أوراقه (فإما حياة تسر الصديق، وإما ممات يغيظ العدا).
ويسند الطرفان ظهريهما إلى الحائط ولا يكون ثمة مجال للتراجع، ولا للاستسلام، فإما النصر وإما الشهادة، كما كان يقول سيد الشهداء عمر المختار: نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت.
وعلى التوازى من هذه المرحلة يظل الساسة يتكلمون بلغة لا يفهمها الثوار ولا أهل الشهداء ويحدث الافتراق عندما لا تعبّر تلك النخبة السياسية عن طموحات الشعب ولا أحلامه (بل تفقد النخبة قدرتها على الحلم وهو منتهى عجزها وفشلها) بل ويصير الناس أكثر وعيًا منها وأكثر إدراكا للتطورات، وعندما تفقد النخبة قدرتها على الحلم والاستشراف تفقد أهم مقومات قيادتها للجماهير.
وعلى التوازى من تلك المراحل تسير المراحل الموازية وهى مرحلة "نزع غطاء الخارج" سواء على المستوى الإقليمى أو الدولى، وهى التى تكلل جهود الثوار بالنجاح فيسقط نظام الاستبداد غير مأسوف عليه: (فما بكت عليهم السماء والأرض).
وقراءة دقيقة للواقع السورى ولمسار ثورته المجيدة نجد أن عقدته فى خطوتين:
أولهما: داخلية وهى أن النخبة السياسية ما زالت متفرقة بين مجلس الخارج وتنسيقيات الداخل، وفى الداخل تعمل كل محافظة من محافظات سوريا بنوع من الاستقلال والانفراد الذى يعوق نجاح ثورتها.
والعقبة الثانية: هى الخارج، سواء الإقليمى أو الدولى فما زالت الجامعة العربية (لا أقول تتباطأ بل تتواطأ بتلك المهل الاستفزازية، المهلة تلو المهلة والنظام يسخر منها بل ويبتزهم ويعتبرهم أدوات لغيرهم من القوى الكبرى، وقد نجح هذا الابتزاز وأوقف تحويل الملف السورى إلى مجلس الأمن، أو حتى توفير مساحات آمنة للشعب.
وعلى المستوى الإقليمى لا يمكن أن ننسى الدور غير المشرّف لإيران (كدولة وشعب) من ثورة الشعب السورى ودعمها لنظام الاستبداد، وكذلك دور حزب الله اللبنانى وزعيمه.
أما الإجرام الأكبر على المستوى الخارجى فهو الدور الروسى ثم الدور الصينى على التوالى، الذى بدا أنهما يعملان ضد نظام الزمن، ويؤخرون سقوط نظام ساقط منذ عشرات السنين لمصالح جيواستراتيجية (الروس) واقتصادية (الصين) على حساب حركة الشعوب ورغبتها فى التحرر من نظام أسوأ من نظام الاستعمار، بل هو الاستعمار بعينه، ولن يبكى على النظام السورى عندما يسقط إلا إسرائيل التى حمى لها الجولان مجانًا (بلا قيد ولا شرط). ولما لا وأبوه من أعلن سقوطها قبل أن تسقط، ولا أستبعد عندما يحاكم الأسد الصغير (وهو أمر قادم لا محالة) أن يطالب بعض الناس بإخراج الأسد الأب الذى أعلن سقوط الجولان من قبره ودك حماة وقتل فيها أكثر من ثلاثين ألفًا ولم يطرف له جفن، من قبره ومحاكمته.
نهايات الطغاة معروفة لأنها تسير حسب قانون كونى وشرعي: إذا أخذه لم يفلته، وإذا أخذه، أخذه أخذ عزيز مقتدر.
د. عمرو عبد الكريم
التعليقات (0)