ماجد فيادي كثيرة هي الملفات التي تقدم الى هيئة النزاهة والمفتش العام، المتهمون فيها موظفون كبار ينتمون لأحزاب سياسية تقود البلد، هذه الشخصيات جاءت الى مناصبها بعد سقوط الصنم واحتلال العراق نتيجة المحاصصة التي تشكلت عليها الحكومات المتعاقبة بعد 2003، لكن تبقى نماذج لم تقدم الى الجهات الرقابية، باعتبارها لا ترتقي الى مرتبة انتهاكات قانونية، مثلاً يقول رئيس مجلس احدى المحافظات: أن مشاريعاً أعطيت الى شركات محلية كنا نعتقد أنها ذات خبرة في مجال البناء والطرق والجسور لكنها بعد أن جربت اتضح فشلها في تنفيذ تلك المشاريع!، ويقول أحد الوزراء: بسبب الارهاب لم تتقدم الشركات العالمية لتنفيذ مشاريع البنى التحتية فاجبرنا على الشركات المحلية التي لا تمتلك المعدات المتطورة لتنفيذ اعمالها فكانت النتيجة سلبية!، مسؤول ثالث يقول: بسبب عدم توفر الارضية المؤهلة لتنفيذ المشروع ساهمنا بمعدات دائرتنا لدعم احدى الشركات الاجنبية لتنفيذ مشروعها في بغداد!، لجنة الطاقة في البرلمان تتهم مسؤول فوق العادة بتوقيع عقود تتعارض والقانون العراقي بملايين الدولارات!، وكيل وزير التجارة يقول: أن الاموال المخصصة لمفردات الحصة التموينية نفدت لشراء كامل ما تحتاجه البطاقة التموينية، في حين يشتكي المواطن من عدم حصوله على نصف المفردات ولأشهر عدة!، وزير الاسكان يقول: أن اربعة آلاف وحدة سكنية جاهزة منذ سنتين لا يمكن توزيعها على المواطنين لان المحافظات والوزارات المعنية بتزويد اسماء المواطنين المستحقين لها لم تزودهم بها!، مدارس الطين لاتزال تحتضن الطلبة وتبادل للتهم لا يزال بين وزارة التربية ومجالس المحافظات!، وزير الزراعة يطلق حملة نخلة لكل بيت تكلف الدولة العديد من الملايين، في الوقت الذي تزداد فيه المساحات الصحراوية.الامثلة كثيرة ويطول تعدادها، كلها تدور في نفس الحلقة، انتهاك مصالح الشعب العراقي، طبعاً اغلبهم يتذرعون بأنها افعال غير مقصودة وأن معوقات تقف أمامهم تمنعهم من اتخاذ اللازم، أما بسبب نقص القوانين أو انتشار الفساد أو قيام الارهاب في تعطيل المشاريع المهمة، هناك من يتذرع بالتعقيدات التي تسير بها المعاملات الحكومية حتى صار عدد من الموظفين الشرفاء يتجنبون القيام بواجبهم خوفاً من اتهامهم بالفساد والتزوير، فجاءت المطالبة بتخفيف دور الجهات الرقابية، في نهاية المطاف لا زلنا أمام نفس السيد المسؤول منذ عشرة سنوات، وما زال الاداء نفسه، والحجج يعاد تكرارها في كل مرة، فهل هي حالة مستعصية على الحلول؟، اذا ما علمنا أن المسؤول ينتمي الى الاحزاب التي تشكل الكتل الكبيرة في البرلمان، ما يعني تحملها مسؤولية تشريع القوانين ومحاسبة المقصرين وتقديم البديل المناسب الذي يتجنب أخطاء سلفه، هي حالة غريبة في تجاهل هذه الاحزاب لما يطرحه المتابعون من مشاكل وما تقدمه الجهات الرقابية من مخالفات بالإصرار على نفس الوجوه في ادارة الدفة، أحد العراقيين المقيمين في المانيا يعمل سائق تاكسي منذ هروبه من بطش الدكتاتور رغم حمله شهادة الهندسة، وبعد ما يقارب العشرين عاماً على وجوده فيها، عاد للعراق ليعين مديراً لدائرة في إحدى الوزارات، لا لشيء الا لأنه ينتمي لحزب حاكم، السؤال الذي يطرح، هل المخالفات التي لم تقدم للجهات الرقابية وابقت العراق في حالة تخلف خدمي وفساد اداري ومالي غير مقصودة؟.في علم القانون هناك قاعدة تشير الى أن من يخالف القانون لا يعفى من العقوبة بسبب ظروفه الخاصة ورغم ذلك فانتهاكات المسؤولين لمصالح الشعب العراقي ما تزال تمارس على قدم وساق، بعد كل ما تكشف من الخبايا، ما يعني أن حدوثها تحت ذريعة الظروف، انما هي موضع شك، فما نعيشه اليوم من تعاظم لطبقة الرأسماليين العراقيين الجدد يجعل من السؤال أكبر حجماً، خاصة وان نائب محافظ البنك المركزي العراقي يقول: ظهرت في العراق طبقة رأسماليين مخيفة هذه الطبقة تتحكم بالسوق دون وجود للمنتج العراقي، الى جانب السؤال السابق لا بد من المقارنة بين ثلاثة مؤشرات، حجم ما يصدره العراق من النفط، حجم ما تقدمه الحكومة من خدمات متردية للمواطنين، حجم طبقة الرأسماليين الجدد التي لا نعرف اصول أموالها، وللربط بين هذه المؤشرات فإن عوائد النفط في تزايد مستمر بحكم تزايد الصادرات وارتفاع سعر البرميل، ما يستوجب تقديم خدمات افضل وتوفير فرص عمل وفتح الباب أمام الشركات الاجنبية في إعمار البنى التحتية، لكن الواقع يقول غير ذلك، في تردي الخدمات وشحة فرص العمل وعزوف الشركات الاجنبية من دخول البلد، كنا في عهد الدكتاتور نعاني من سيطرة أزلام النظام على السوق، خاصة العائلة الحاكمة، واليوم ظهرت طبقة جديدة من الرأسماليين تتحكم بالسوق العراقي دون أن نعرف مصادر أموالها ولماذا ترتبط بالأحزاب الحاكمة، وهي تمنع تشريع القوانين التي تحد من الانفلات في تعاظم ارباحها دون أن تدفع الضرائب للدولة أو تتوقف عن استيراد البضاعة الرديئة وبيعها بأسعار خرافية، هذه المقارنة تشير الى أن المخالفات التي يرتكبها المسؤولون في الحكومة ليست بحسن النية أو لظروف العمل المعقدة، انما هي مخطط لها.لا اعرف الى متى يبقى العراق بدون قوانين كمارك وسيطرة نوعية وقانون نفط وغاز وقانون أحزاب وقانون الضمان الاجتماعي؟، والى متى نعمل بقوانين مجلس قيادة الثورة المنحل؟، والى متى يبقى بتكليف شرعي نفس المسؤول رغم كل مخالفاته القانونية؟، والى متى نسمع نفس الاعذار من دون أن يبادر احد لحلها؟، والى متى كلما يزداد الفقراء فقراً يزداد الاغنياء مالاً؟، متى ننتهي من ظاهرة الحواسم؟!!
التعليقات (0)