وضع الله فى قرآنه الكريم قواعد النصر الإلهى التى لا تتخلف عن أحد من المسلمين إذا أقامها وامتثل لها وأطاع الله ونفذ ما أمره به فيها ، فهى قواعد لنصر أى طائفة من المؤمنين من الأولين أو الآخرين أو المعاصرين إذا طبقوها يتولى الله نصرهم لأنها قواعد إلهية مسجلة فى خير كلام رب البرية وهو القرآن الكريم الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
وجعل الله قاعدة النصر ، نصر الإنسان على أعداءه أو نصر الأُمة كلها والدولة على مناوئيها أو نصر أى شعب أو أمة على غيرهم من البشر ، جعلها فى جملة واحدة وفى عبارة جامعة قال فيها الله فى محكم التنزيل: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} محمد7
كيف ننصر الله؟
وهل الله يحتاج إلى من يعاونه؟ حاشا لله ، وهل الله يحتاج إلى من يساعده؟ حاشا لله ، إذاً كيف ننصر الله؟
ننصر الله على أنفسنا فلا نتبع ما تهوى الأنفس وما تميل إليه الأهواء وننصر الله بأن نمشى على الشريعة السمحاء التى أنزلها فى كتاب الله والتى أرسل من أجلها لإبلاغها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإذا قضينا على هذا الأمر ولم نجعل للنفس علينا سلطاناً ولم نأتمر بأمر الهوى ولم نتبع الشهوات الجامحة والرغبات التى نهى عنها الله من طلبات النفس وهى التى تسعى فى خلاف الله ، وقال فيها الله مبيناً شأنها فى عبارة جامعة: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} يوسف53
النفس هى كل أمر بشر أو ضر أو سوء فى داخل الإنسان ، فإذا أُمرت فى داخلك أو سمعت نداءاً فى باطنك وأردت تحقيقه بأعضاءك وجوارحك وظاهرك فهو من النفس ، قد تطلب منك النفس أن تغش فى الكيل والميزان ، وقد تطلب منك النفس أن تكذب فى موضع نهى الله فيه عن الكذب وأمر فيه بالصدق وقد تطلب منك النفس أن تهضم الزوجة حقها وقد تطلب منك النفس أن تجور على الجار.
وقد تطلب منك النفس أن تورث أبنائك وأنت حى فى الدنيا وتفرق بينهم فى العطاء فتعطى لهذا لأنه يتزلف لك وتمنع هذا لأنه بعيد عنك فكل ما تحض عليه النفس هو السوء والفحشاء وما يخالف شرع الله وما نهى عنه حَبيب الله ومُصطفاه صلوات ربى وتسليماته عليه
ولذلك مدح الله الذين يمتنعون عن تنفيذ أوامر النفس انتصاراً لشرع الله وينفذون ما أمر به الله وإن كان فيه إغضاب للنفس لأنه مخالف لها ، فقال الله فى قرآنه الكريم: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا{10} الشمس
فجعل الله للإنسان فى نفسه عدو مبين قال فيه التقى النقى النبى الرءوف الرحيم صلوات ربى وتسليماته عليه: {لَيْسَ عَدُوُّكَ الَّذِي يَقْتُلُكَ فَيُدْخِلَكَ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ ، وَإِنْ قَتَلْتَهُ كَانَ لَكَ نُوراً وَلكِنْ أَعْدَى الأَعْدَاءِ لَكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ}{1}
لأنها هى التى تزين للإنسان العصيان وهى التى تأمره بما نهى عنه الرحمن وتأمره بالعمل بما يخالف نهج النبى العدنان ، وأمرنا النبى وأمرنا الله بوضوح كامل أن نخالف النفس وأن ننصر شرع الله تعالى وأن نعمل بأمر الله وأن ننفذ سُنة رسول الله صلوات ربى وتسليماته عليه
فإذا نصرنا الله أى أقمنا شرع الله وعملنا بما طلبه الله وقمنا بما كان عليه حَبيب الله ومُصطفاه ، نَصَرنا النصير عز وجل على أعدائنا وعلى كل أعداء الله وجعل الله من كل ضيق فرجاً وجعل لنا من كل بأساء وشدة مخرجاً ورزقنا من حيث لا نحتسب ، وليس هذا فقط لأن عطاء الله لا حد له ولا رد
فالله جعل الرزق لأهل الأرض جميعاً بالأسباب ، إذا سعوا فيها جنوا ثمار السعى ، وجعل الرزق للمؤمنين الذين يقيمون شرع الله ويتأسون بحبيب الله يتعدى حدود الأسباب ويجعله لهم ممتداً بغير حساب ، قال فيهم سبحانه: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً{2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} الطلاق
جعل الله لأهل التقوى رزقاً ليس عن طريق الحسابات العقلية الدنيوية ولكنه عن طريق العطاءات والألطاف الخفية الإلهية ، أما بالنسبة للمعايش الدنيوية فإن الله إذا أراد زيادتها للمؤمنين يضع فيها البركة من عنده عز وجل
وإذا نزلت البركة فى الغذاء لا ينفذ الغذاء ولو كان قليل مهما كان الآكلون منه جمعهم كثير ، وإذا وضع الله البركة فى الثياب لا تبلى أبداً حتى يمل لابسها من لبسها ويتصدق بها على الفقراء ، لأن الله جعل البركة فيها
وإذا أنزل الله البركة فى الصحة والعافية لا يحتاج المرء إلى دواء ولا إلى الذهاب للأطباء لأن الله يعافيه ويشفيه بركة من الله ، وإذا أراد الله إنزال البركة فى الأولاد جعلهم بررة بأبيهم ولا يكلفونه الكثير يجعلهم فى الدراسة يفهمون ويفقهون ولو بغير دروس ويتفوقون ولو بقليل من النظر فى الدروس والكتب ، كل هذا لماذا؟
لأن الله إذا أنزل البركات جعل كل شئ فى زيادة وهذا ما قال الله فيه لنا أجمعين: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} الأعراف96
والبركة زيادة فى الخيرات على نفس المقادير التى معنا ولكنها بركات معنوية لا تلحظها العين الحسية ، يقول فيها خير البرية صلى الله عليه وسلم:{طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الإِثْنَيْنِ ، وَطَعَامُ الإِثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ}{2}
أما بالنسبة للأعداء إن كانوا حاقدين أو حاسدين أو محاربين فإن الله إذا نصر العبد شرعه وقام بأوامر دينه وتابع النبى صلى الله عليه وسلم فى هديه وسنته يورثه ما أعطاه للحَبيب ، وقد كان صلى الله عليه وسلم كما يقول فيه الإمام علىّ رضي الله عنه: { مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ}{3}
{1} الدَّيلمي عن أَبي مالكٍ الأَشعري رضي الله عنه ، والعسكري في الأمثال عن سعيد بن أَبي هلال
{2} صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه
{3} سنن الترمذي عن على رضي الله عنه
التعليقات (0)