مواضيع اليوم

متى تنزل حبوب الحب الى الاسواق..؟؟

عمادالدين رائف

2009-02-24 22:28:50

0

 

لم تكن تتوقع المحامية الشابة ان تتلقى ردا حاسما مهينا حين ذهبت لمكتب زوجها  في محاولة اصلاح ذات البين  واقناعه تغيير رغبته بالطلاق، ولم بأبه الزوج المحامي بدموع الكبرياء التي سالت على خد الصبية المجروحة، ولم تخفف مناشداتها من حدة موقفه، وعندما حاصرته باثارة حنانه تجاه طفلهما رد بعنف " يا ستي انا بكرهك ..  انا ما بحبك .. خلاااااااااااص ".

 لملمت صاحبتنا بعض ما تبقى من كرامتها المهدورة، فيما يدها اليسرى تعبث بشعرها، واليمنى تمتد لتصافح يد من صفعها بقسوة، وحملت اوراقها وانزوت في ممرات شركة المحاماة الكبيرة.

وتناثرت ايامها وحبها القديم بين ملفات القضايا ومرافعات المحاكم، فيما هاجر عصام الى بلد اوروبي، وانقطع التواصل بينهما، ورزقها الله بزوج كريم أنجبت منه صبيا وبنتا، لكن ابنها البكر من زوجها السابق ظل يذكرها بقسوة والده فتقصف ذاكرتها احداث ذاك اليوم العصيب ويتردد في ذهنا عبارة "انا لا احبك انا اكرهك، فيدور في راسها الف سؤال عن سبب الكراهية.

وظلت عبارة "لا احبك"  تشغل عقل سلوى كلما سكن جنباتها الهدوء بعيدا عن هموم العمل، وكانت على الدوام تتساءل لماذا لم كرهني ذاك السيد..؟، ولكن امام ما تتضمنه قضايا وكلائها كانت ترى ان الناس كلهم لا يحبون بعضهم بعضا، فهذا يسرق هذا، وذاك ينصب على هذا، وتلك تخدع زوجها، وذاك يخون زوجته، وهذا يقتل آخر، وذاك يبيع السموم للناس،  يا الهي انها حرب عدوانية ضارية تجري فصولها على مسرح الحياة.

وكانت تواسي نفسها بالقول .. ان هذه الكراهية التي تؤدي الى كل هذه الحروب الصغيرة لا تستحق ازعاجي وان أشغل نفسي بها امام الحروب الوحشية التي تجتاح البشرية منذ الاف السنين، شعوب تقتل بعضها بعضا، وقبائل تغزو بعضها بعضا، ودول تدمر بعضها بعضا، والعقل البشري لا يكف تطويرا في ادوات القتل والتدمير، لماذا كل هذه الكراهية التي سكنت وجدان البشرية منذ سار اول انسان منتصبا على هذه الارض  ..؟؟

وتذكرت حين غزا صدام الكويت وقالت انها الكراهية، ولم تكن غير الكراهية وراء دك قوات الاحتلال الامريكي العراق، وترسخت قناعتها بان الكراهية وراء كل الشرور حينما كانت وسائل الاعلام تتناقل اخبار الجثث الطائرة في ساحات واسواق وجامعات وشوارع بغداد، الجار يقتل جاره، والزميل يقتل زميله، والطالب يقتل اساتذته، والجندي يقتل اهله.

ولطالما مرت بخيالها صور الحرب الاهلية بلبنان، وضحايا حرب تموز، وصور بعض من الحرب الاهلية بغزة، وكثيرا ما تجولت في اعماق التاريخ تستعيد منه صور الحروب والمذابح والدمار والتدمير فتزداد تمسكا  وقناعة بان السبب الرئيسي لوحشية الانسان هو الكراهية.

وكانت تجادل زملائها وزميلاتها حين يعترضوا ويقولوا ان هناك اسبابا اخرى للتوحش والوحشية، مثل الجشع والطمع وحب السيطرة، والاضطهاد والاستغلال ، وحب التملك ، والسلطة والمال وغيرها من اسباب، فكانت ترد عليهم ان كل ما تقولونه صحيح .. ولكن كمولد وكباعث لكل ما تذكرون هو الكراهية،،،، فالكراهية هي اللحظة النهائية التي تسبق العنف. هي ذروة الجشع والطمع وحب السيطرة، والاضطهاد والاستغلال ، وحب التملك ، والسلطة والمال.

فيقولوا ان الاب عندما يضرب ابنه لخطأ ارتكبه فهل هناك شك بانه يحبه؟؟، فترد بقولها: في تلك اللحظة لم يكن يحبه، وعندما الام تضرب ابنتها احينا .؟؟  فتقول في تلك اللحظة تكون تكره طفلتها،.

كانت مصممة على ان الكراهية هي العامل الاساس في استخدام العنف، وتقدم لمحاوريها مئات الامثلة التي تؤكد وجهة نظرها.

بين استراحتين

يوم الاربعاء الماضي وبينما كانت سلوى تستريح بين مرافعتين تتصفح احدى الصحف واذا بها امام  الخبر التالي:

افادت صحيفة "The Daily Mail" البريطانية استنادا إلى علماء أمريكان، أنه سيكون من الممكن في المستقبل القريب البرهنة على أن الحب ما هو إلا تفاعل بيو كيماوي. وإذا تسنت البرهنة على هذه الفرضية، فإن العلم ليس فقط سيوجه ضربة إلى الرومانطيقيين، بل سيعطي الضوء الأخضر لتحضير "حبوب الحب".

ويضيف خبر "الديلي ميل"  والمنقول من مجلة "Nature" في عددها الأخير ان البروفيسور لاري يانغ من جامعة إموري في أتلانتا (ولاية جورجيا)، أعلن أنه اكتشف عناصر كيماوية بوسعها إثارة مشاعر الحب. فقد أظهرت التجارب أنه تحدث لدى الشخص المحب تغيرات كيماوية ملموسة في بعض أجزاء المخ. ويدور الحديث الآن حول إمكانية دخول "أوكسيتوسين" في تركيبة "حبوب الحب". وهذا هرمون يبعث مشاعر الثقة والارتباط الاجتماعي والتغلب على مشاعر الخجل والجبن. وثبت أن الأشخاص الذين نسبة هذا الهرمون لديهم عالية يثقون بالآخرين، ولا يعيرون أهمية كبيرة للأموال، وان لديهم الاستعداد لحب الاخرين، اكثر من سواهم الذين لديهم نسبة هذا الهرمون قليلة.

اثناء ذلك كانت سلوى تمسك بالصحيفة بقوة وقد مال نصفها الاعلى الى الامام  حتى كاد وجهها يلامس صفحة الجريدة، وكررت قراءة الخبر مرة واخرى واخرى كانها لا تصدق ما احتواه ، ولم تترك يديها الصحيفة الا عندما تتحرك احداها لترفع شعرها الاسود الناعم الذي ينسدل على جبينها ويحجب عنها الرؤية.

والف الف فكرة وفكرة تترنح في راسها جذلة ناعمة رشيقة، وكل منها تجلس في مكانها بأناة وثبات، وبدت بسمة اخذت بالاتساع رويدا رويدا حتى تحولت الى ضحكات هامسة .. هي تقول "رائع رائع .. حبوب للحب حبوب للحب .. رائع .. رائع .. وتخطف نظرة على الجالسين في الساحة الواسعة بين قاعات المحكمة، وتتبادل البسمات معهم .

كانت لحظات مدهشة تصورت فيها العالم كيف سيكون بعد ان يتناول سكانه حبوب الحب. لكن صوت الجرس معلنا بدء الجلسة افاقها من هذا الحلم الجميل بل ما يشبه الحقيقة الجميلة. ورافقتها صورة العالم الجديد بعد حبوب الحب الى قاعة المحكمة، ولم تعير اهتماما بمناداة الحاجب على صاحب القضية الاولى ثم الثانية حتى العاشرة، فقد كانت  منشغلة ترسم تفاصيل العالم الجديد. ثم نادى الحاجب على اسم موكلها الذي نهض ليقف بين يدي القاضي فيما سلوى طائرة مغردة في سماء العالم الجديد، حتى بادرها موكلها بدوره.

نهضت بقدها الممشوق، وبسمة ساحرة  تنثرها على الحضور، وسارت بهدوء عروسة خلال زفتها تقطع المسافة القصيرة نحو منصة القضاء، ووقفت بين يدي القاضي واثقة هادئة انيقة لتقول:

سيدي القاضي علمت اليوم اننا على ابواب عالم جديد.. عالم قد لا يعود فيه حاجة للكثير من المحامين والقضاة، كما لن يكون فيه حاجة للكثير من السجون، وهذا المبنى الضخم قد يتحول الى مدرسة او مركز ابحاث، ولن يعود هناك حاجة لعشرات الالاف من رجال الامن في الشوارع، وسوف تنخفض جرائم السرقة والقتل وجرائم الشرف وقضايا الطلاق، وقضايا النصب والاحتيال، وسينزوي الجشع والطمع والحسد. وسطوة المال والسلطة.

القاضي : ادخلي بالموضوع يا ست سلوى

حاضر سيدي القاضي لكني وجدت من الضرورة ان ابدأ بمقدمة اشير فيها الى  ان العالم الجديد سوف تتضاءل فيه العدوانية والقهرية والاستبداد والاضطهاد الرسمي من قبل الدولة، وسوف تنزوي جماعات الارهاب والتطرف وثقافة الاقصاء والوحدانية وممثلي الالهة، واصحاب نظريات الحقيقة المطلقة،  وسوف يتخلى اتباع الديانات عن ثقافة الكراهية التي قامت على فكرة الغاء الديانات الاخرى، كما سوف تنزوي الاحزاب والحكومات الشمولية. والجماعات الديكتاتورية والحكم المطلق. والعبودية والتعصب والتطرف والشوفينية والارهاب.

وسوف تختفي سيدي القاضي الحروب ، و تهدم مصانع الاسلحة لتقام مكانها مصانع منتجات انسانية، وسوف تتطور صناعات الادوية لتقضي على كل ما هو معروف من امراض، كالايدز والملاريا وفيروس الكبد، وامراض السرطان، وما ينشأ من امراض جديدة.

هل تعلم سيدي القاضي ان  الروس صنعوا ادوية تمنع موت المصابين بجراح خطيرة، ها هو الخبر بالجريدة سيدي اسمع ماذا يقول الخبر نقلا عن وكالة نوفوستي للانباء " هناك معلومات تتحدث عن وجود أدوية تمنع موت المصابين بالجراح الخطيرة. وأكد الجنرال فلاديمير شابو، رئيس دائرة الطب العسكري في وزارة الدفاع الروسية، على وجود "الحبوب المضادة للموت" بطريقة غير مباشرة حين قال لصحيفة "ارغومينتي إي فاكتي" إن هناك مواد حفّازة تدعم قدرات الإنسان الحيوية وهي في متناول أفراد قوات العمليات الخاصة. ونوه الجنرال بأنها أدوية سرية وأنه لا يستطيع كشف أسرارها. وأكد أن علماء روسيا ابتكروا تكنولوجيات علاجية تتيح للأطباء إعادة إحياء المصابين بالجراح المميتة.

كم هم عظماء هؤلاء العلماء سيدي القاضي

سيدي القاضي انا اسفة لكن هذه المقدمة ضرورية في الدفاع عن موكلي ففي العالم الجديد ربما لن يقف امثاله امام سيادتكم، ففي العالم الجديد سوف ينشغل الناس بصناعة جنة في الدنيا ... اكثر من انشغالهم بجنة الاخرة، ويصبح من حق المسيحي ان يتزوج مسلمة دون ان يغير دينه، ويمكن ان يكون رئيس الدولة مسلما او مسيحيا او يهوديا او ملحدا حين يكون معيار الاختيار هو الكفاءة وعمق الانتماء للوطن، والالتزام بالدساتير المدنية التي تقررها الشعوب، وسوف يتعلم التلاميذ بالمدارس العلوم وطرق واساليب الابداع، ويعيش الناس مع بعضهم بعضا، في البناية الواحدة والشارع الواحد والبلد الواحد، ولا يرفض احدهما الاخر، وسوف تتعايش الشعوب مع بعضها دون حروب ودون هيمنة اي منها على الاخر، ودون تبعية اي منها للاخر.

هذا العالم الجديد سوف تصنعه سيدي حبوب الحب .. هل تعلم سيدي ان العلماء على وشك اختراع حبوب للحب، بعد ان اكتشفوا سر الحب سيدي.. ها هو الخبر في الصحيفة سيدي يمكنك قرائته والتفكر فيه.

وعندما تنزل هذه الحبوب للاسواق سيدي ستختفي الكراهية .. وهي التي تؤدي الى الحقد .. وهذا بدوره يؤدي الى العدوانية ..  وبسببها وجدت مهنتي ووجدت مهنتك، فلولا الكراهية التي تتحول الى عدوانية لما كان كل هؤلاء الناس سيدي في قاعة المحكمة اليوم، ولما قام مجانين بتدمير برجي التجارة في نيويورك وقتل الاف الابرياء، ولما قامت طائرات وصواريخ امريكا بتدمير العراق، ولما وجدت المقابر الجماعية في بلاد الرافيدن، ولما قامت طائرات وصواريخ اسرائيل بقتل وجرح نحو سبعة الاف انسان في غزة، ولما قتل مئات الالاف من الجزائريين والعراقيين، واللبنانيين، وملايين البشر على مر التاريخ.

حبوب الحب هذه يا سيدي سوف تجعل الناس يحبون بعضهم بعضا ، فيصبح المجتمع مشغولا في الابداع في كل الميادين، ويوجه جهوده للارتقاء بمشاعره وصحته وبيئته وبحره وبره، مجتمع تحترم فيه حقوق الانسان بغض النظر عن جنسه او لونه او عرقه او دينه، مجتمع يراعي مصالح الافراد والجماعات ويكون همه الاول تحقيق السعادة والرفاه والامن والامان والحرية والعدالة والمساواة.

فهل في هذا المجتمع سيدي القاضي سوف يقوم موكلي او اي انسان عاقل بالاعتداء على جاره لانه منع اطفاله من اللعب امام منزله.. ؟؟ لا اظن سيدي ان موكلي او غيره سيقدم على مثل هذه الاعمال المشينة في العالم الجديد.. لذلك سيدي وطالما ان العلماء في الغرب الكافر لاحظ سيدي في الغرب الكافر يقومون باختراع حبوب الحب فانا على ثقة بانك سوف تمنح موكلي الفرصة ليتعلم الحب في العالم الجديد.

مع اختراع حبوب الحب سيدي سيكون العلماء قد غيروا وجه التاريخ ومسيرة الانسانية اكثر مما صنعت كل الديانات وكل الايديولجيات  والافكار وكل الثورات وكل الحروب والغزوات.

وفي الختام سيدي القاضي ولأنك احد افراد سلك القضاء وانتم اكثر الناس حرصا على العدالة فانني ارجوك واتمنى عليك ان تتقبل مني هذه الشكوى لخوفي من ان تتنطع بعض الحكومات العربية ومعها بعض تيارات التزمت والتطرف والماضوية بمنع دخول حبوب الحب لاسواقنا العربية، او يحرموها باعتبارها صناعة الغرب الكافر.

شكرا سيدي القاضي.

ابراهيم علاء الدين

alaeddinibrahim@yahoo.com




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !