بعد أن أتعب القلق على مستقبل الجهة ساكنتها، وأضناهم التهميش و الجمود، الإقصاء و رداءة تدبير الشأن العام و العطالة، ونال منهم استفحال المعضلات المتراكمة،هل من الممكن أن يأملوا عودة الأمل والثقة في الغد القريب ؟
فعلا إن جهتنا لازالت في حاجة ماسة،أكثر من أي وقت مضى، للكفاءة و التجربة، و التبصر و القدرة على وضع التصورات و الاستراتيجيات و بلورة وتنفيذ الأوراش في إطار رؤية شاملة من شأنها إعادة انطلاق آليات التنمية التي توقفت منذ سنوات تاركة المجال للتقهقر تلو التقهقر الذي غرقت فيه جهتنا وجعلها تفقد موقعها المتميز بين باقي جهات المملكة، ما دامت قد دخلت قاعة الانتظار منذ مدة. ولا سبيل للخروج من واقع الحال هذا إذا استوعب القائمون على الأمور أن مهمتهم الأساسية هي خدمة الجهة و ساكنتها و التنمية المستدامة. كما وجب أن يتوفروا على القدرة على تحويل الرؤية إلى واقع ملموس تستفيد منه مختلف شرائح المجتمع الجهوي، و يدفع الجهة نحو التنمية الشاملة المستدامة. كما عليهم مواكبة باقتدار التحولات التي تعرفها بلادنا، واعتماد الحكامة كلازمة في نهج تدبيرهم في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي.
ولن يتأتى لهم ذلك إلا بنهج أسلوب التواصل مع مختلف شرائح المجتمع الجهوي، لتحسين و توطيد العلاقة بين الإدارة و المواطن وإعادة زرع الثقة بتقريب المؤسسات من المواطنين، علما أن نجاح أي مشروع محلي رهين بالتشاور و التواصل مع مختلف الفعاليات السياسية و الاقتصادية و الشبابية ، أفرادا و جماعات، بغية الإنصات إليهم وإشركائهم في اتخاذ القرار عند الاقتضاء حتى يتحملوا مسؤوليتهم في المساهمة في إنجاح المشاريع المبرمجة . هذا الأسلوب في التفاعل مع المواطن هو الأجدى حاليا لإعادة انطلاق آليات التنمية بالجهة.
لكن هل القائمون على الأمور مستعدون ومؤهلون فعلا لاعتماد هذا النهج في التدبير لاعتماده يوميا؟ هذا هو السؤال.
وأدعو المسؤولين إلى التمعن في قصيدة "دروب الجوع" للشاعر البرازيلي "جورج أمادو"، إنها تحمل حلولا لجملة من المعضلات ساهمت في فقدان الثقة والأمل، سيما منها الأبيات التالية:
"أتفتشون حقا؟..
عن الحجر الأساسي
في لبنات
التأخر،
البؤس،
والجهل،
المشرع لشعبنا؟
إنها هناك في مبدأ الملكية العقارية الكبيرة،
والتوزع الظالم، واحتكار الأرض.."
ونستسمح لكي نضيف على ما جاء به الشاعؤ البرازيلي:
"والخلود في الكرسي الدوار
واحتكار المناصب"
إنها كلمات خفيفة النطق سلسة الفهم والاستيعاب، لكنها ذات مغزى ثقيل وثقيل جدا في الميزان، ومن شأنها أن ترعب البعض وتحرمهم من النوم أو الراحلة على الكراسي الدوارة في المكاتب المكيفة والمحروسة من اليمين واليسار، والخلف والأمام،و من فوق وتحت.
من هنا تناسلت كل المعضلات التي تقض حاليا مضجع أغلب المغاربة، سيما المغاربة المواطنين بالاسم وليس بالحقوق،أولئك المغاربة الذين مازالوا مكدسين في دور الصفيح والأحياء العشوائية حالمين عبر الأجيال بسكن لائق الذي مازال لم يتحقق بعد رغم اللغط الكثير حوله على امتداد الحكومات المتعاقبة.
في الوقت الذي مازال يتعذر على الكثير من المغاربة الاستفادة من حق السكن اللائق لاستكمال شعورهم بالمواطنة الحق هناك ثلة من المواطنين متخمين بالشعور بالمواطنة أصحاب النفوذ استفادوا ويستفيدون من اراضي مملوكة للدولة اقتنوها ويقتنونها بأثمنة زهيدة مثيرة للشك وللسخرية أحيانا في إطار صفقات مشبوهة أو تبادل المصالح والإكراميات، ثم يقومون بعرض عقارات للبيع ببيعها بأسعار لا يقوى عليها من مازالوا لم يشعروا بمواطنتهم كاملة غير منقوصة.
فهل من معنى، في نطاق المواطنة ولو في حدها الأدنى أو درجة "أضعف الإيمان"، أن يظل المرء معظم سنوات حياته يبحث عن مكان مريح تحت شمس وطنه ولا يجده، في وقت بات الجميع تلغط بالحكامة الجيدة في كل المجالات كأن هناك حكامة غير جيدة- اللهم إذا كان الفساد في عرف هؤلاء نوع من "الحكامة"؟
فهل تعذر -إلى هذا الحد الذي وصلنا إليه الآن- إيجاد سبل وقواعد لعبة جديدة تضمن السكن اللائق لجميع المغاربة حتى يتمكنوا من استكمال شعورهم بالمواطنة ولو في حدها الأدنى؟
إنها الخطوة الأولى الأساسية لعودة الثقة في الغد وانتعاش الأمل من جديد.
التعليقات (0)