النصف الثاني من مئوية الصراع
متغيرات كيفية حادة في ادارة الصراع العربي الاسرائيلي
بقلم : ناصر دمج
مضت الخمسون سنة الأولى من عمر هذا الصراع، واسرائيل كانت خلالها دولة قوية ومسيطرة ومتفوقة في كافة المجالات الصراعية ، فكيف سيكون الحال مع سنوات النصف الثاني من مئوية هذا الصراع التي مضى منها عقد كامل لغاية الان ، مما لا شك فيه بان النصف الثاني من عمر الصراع العربي الاسرائيلي سيشهد متغيرات هامة واستراتيجة ستؤثر على مستقبله ، بمعنى اخر هل سيتوقف ام سيستمر ؟ ولعل اهم هذه المتغيرات التي نشات في بداية النصف الثاني من مئوية الصراع هي تشكيل السلطة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية ، انها نتيجة بكل المعايير لا تستقيم مع اهداف الاسرائيليين الذين حاولوا طمس الشخصية الوطنية الفلسطينية ، وحذفها من الوجود ولعل هذا المتغيير برأيي لا يحمل بشرى ايجابية لمستقبل اسرائيل بصرف النظر عن التحفظات الكثيرة والاستراتيجية لي على كافة اتفاقات السلام الفلسطيني الاسرائيلي ، وابرز هذه التحفظات هو تمكن اسرائيل من تحويل السلطة الى اداة امنية لحماية نفسها من الخطر الفلسطيني ونقل مهمات الامن الاسرائيلي الى الشريك الفلسطيني ، واستغلال هذه المصالحة الاسرائيلية الفلسطينية من قبل اسرائيل لاستكمال مهمات الاختراق والتطبيع للعالم العربي برمته ، رغم كل ذلك ارى ايضا بان تشكيل السلطة الفلسطينية كان حجر زاوية هامة يصلح للتاسيس عليه لافشال المخطط الصهيوني في تصفية الشعب الفلسطيني الذي اعلن بقيادة منظمة التحرير عن تاسيس نواة للدولة الفلسطينية فوق الاراضي المحتلة ، ليدخل الشعب الفلسطيني مع اسرائيل جنبا الى جنب القرن الحادي والعشرين كشعب له سلطة لا كشعب مشرد في المنافي وذلك قبل ايام قليله من اكتمال حلقة اندثاره ، امام هذا كيف ستدير اسرائيل صراعها مع الخصم الجديد ؟ ارى ايضا بان اسرائيل التي وافقت على نشأة هذه المتغيرات كلها كانت على مستوى عال من الجاهزية للاجابة العملية والاستراتيجيةعليها ، وخاصة التصدي للمخاطر الملازمة لكل من المتغيرات المذكورة ، اما الخسارة الفعلية والحقيقية لاسرائيل فانها كانت قوية ولا تعوض ولا تستدرك في المبنى الايدولوجي لفكرها السياسي وهو الذي يوازي أو يفوق بقليل أو كثير الخسارة الفلسطينية الوطنية والفكرية الناتجة عن تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني في العام 1996م .
بناءً على هذا الافق المفتوح للاحتمالات الكثير المتجانسة والمتناقضة خلال السنوات القادمة ، تبرز لدى أي قارىء لهذه المعطيات تساؤلات عديدة حول مصير السلطة الفلسطينية ومصير اسرائيل ايضا ، وارى بان نهاية واحدة تنتظر الخصميين اللدودين وهي زوال واحد منهما عن خارطة الصراع ، حينئذ هل سنرى في المنطقة الواقعة بين نهر الاردن والبحر الابيض المتوسط دولة واحدة لشعب واحد ؟ ام دولة واحدة لشعبين ؟ وماذا سيكون اسمها فلسطبن ام اسرائيل ؟ ان قراءة التاريخ المستقبلي للدول والشعوب لم يكن في يوما من الايام امرا من قبيل البدع او التنجيم ، انما كان خلاصة لقراءة وقائع مادية على الارض توصف الاحوال الراهنة للشعوب ومن خلال التقدير الدقيق لصراع الاوزان النسبية المتضادة .
في العام 1897م وبعد انتهاء اعمال مؤتمر بازل في سويسرا والذي اعلن في ختامه عن تاسيس الحركة الصهيونية العالميه ، قال تيودور هيرتسل رئيس الحركة الصهيونية " اني ارى دولة اسرائيل قائمة بعد خمسين عاما " وكان هذا التكهن واقعيا تماما حسبما دلت على ذلك الاحداث اللاحقة ، وسبق للشاعر الفلسطيني " برهان الدين العبوشي " ان حذر الامة العربية من تعرض فلسطين لكارثة تشبه كارثة خراب غرناطة ، وذلك في مطولته الشعرية " شبح الاندلس " وكان ذلك قبل وقوع النكبة بخمسة عشر عام .
ان هذه التقديرات كانت نتيجة لقراءة دقيقة وعابرة للزمن من قبل اصحابها ، وتستقيم الاحداث عليها ، لذا لايجوز التقليل من شان التوقعات التي يطلقها اصحاب العلم والعارفين بمجالات اختصاصهم ، عليه فان تجنب المخاطر الكارثية من قبل اية امة من الامم منوط بالسياسات التي ينتهجها القادة السياسيون لهذه الامة او تلك ، فهي التي من الممكن ان تقودهم الى بر الامان او تودي بهم الى الهاوية ، وهذ القول موجه للقيادة الفلسطينية وفقا لمتغير الادراك المبكر للمخاطر والاستكمال الحرفي للمهمات التاريخية ولان القلق على القضية الفلسطينية كبير وحقيقي بسبب قوة ودهاء الاسرائيلين وقوة حلفائهم الاستراتيجين عبر العالم وفقا لمتغيير " سلوك الخصم " ، فانه يمكن ابناء الامة العربية التكهن بشكل ولربما بتفاصيل الاجابات على الاسئلة الهامة المطروحة هنا .
هكذا يبدو شكل المعادلة الصراعية خلال النصف الثاني من مئوية هذا الصراع ، لذا فليس امام السياسي الفلسطيني فسحة من فراغ للاستراحة من ضغط العدو وسياساته وتجنب خطر الاندثار وليس امامه اية فرصة لممارسة ترف الاختيار بين المفاوضات والمقاومة ، وعلية ان يزاوج على الدوام بين المقاومة التي تزرع والسياسة التي تحصد ، وعندما يتخل عن هذا الخيار عليه ان يدرك بانه خسر المعركة والى الابد واذا ما فعلت القيادة الفلسطينية الراهنة او التي تليها مثل هذا الامر عليها ان تصارح نفسها وشعبها بحقيقة فشلها وعليها ان تترك زمام القيادة لاخرى يمكن ان تستدرك الفشل ، بذلك سنلاحظ بان هناك فاصل بياني حاد بين الخمسين سنة الاولى والثانية من عمر الصرع العربي الاسرائيلي ، ويتمثل هذا الفاصل بانه اخذ بالانحاء الحاد تجاه الاسفل وبان استرداد ما يمكن خسارته امر في منتهى الصعوبة لان الصراع خلال هذه الفترة يدور على ما تبقى من الارض التي يدور عليها نزاع بين حدود المستوطنات المتمددة وحدود مناطق السلطة الفلسطينية الاخذة في الضمور، وليس على الضفة الغربية التي احتلت عام 1967م او فلسطين 1948م ، من هنا يجب ان يكون للقيادة السياسيه الفلسطينيه مسلك جديد ومغاير لما كان عليه سابقا خلال الخمسين عام الماضية وذلك استجابة للتحديات الكبيرة التي تهدد القضية الفلسطينية .
الدولة الفلسطينية
من الرفض الاسرائيلي المطلق الى القبول التدريجي
بدئنا نسمع تكرارا خجولا لهذا المصطلح من قبل قادة الاحزاب اليسارية في اسرائيل وهذا انعكاس لاثر الاتفاقات الموقعة مع السلطة الفلسطينية ، ونلاحظ ايضا تجنبا واضحا لاستخدام ذات المصلح وبشكل متفاوت من قبل قادة اليمين ، وقد اختفى هذا الاستخدام من ساحة التداول السياسي الاسرائيلي بعد إعتلاء اليمين لسدة الحكم فيها بعد اغتيال اسحاق رابين ، وهو الامر الذي اعد انتكاسه للتوجه السلمي،وقد اعتبر هذا استمراراً لرغبة المجتمع الاسرائيلي بمواصلة مسيرة ( يغال عامير ) لكن ومن خلال الارقام استدرك الاستعجال في هذا الاستنتاج وتبين ان المجتمع ما زال يحتفظ ببعض الجيوب اليسارية والمنحازة للسلام وان بشكل متفاوت ايضا وخاصة ان الأغلبية التي تفوق بها نتنياههو على بيرس لم تتجاوز 0,2%، في انتخابات العام 1996م ومنذ ذلك اليوم وعملية السلام تعايش وضعية الجمود الذي تشربته من تلك النتيجة وهيمنة ( ائتلاف اليمين ) على مصير الدولة السياسي، لكن اسرائيل لم تكن الرابحة بهذا التحول الذي عبر عن عدم تاكد المجتمع الاسرائيلي من قبول السلام كخيار للحياة والتعايش مع الخصم الفلسطيني ، وهو يودع رابين ويستقبل نتنياهو ، فتاه بنفسه عن افضل الخيارات (الوطنية) اسرائيليا ، ولان نتنياهو لم ولن يتمكن من توفير السلام والامن لهما معاً، ولانه صادر ما نسبته 60% من مجموع الامتيازات والخدمات الاجتماعية المقدمة للطبقات الوسطى في اسرائيل، واعتمد الخدمة الاقتصادية كمنهاج للتنمية الشاملة التي اورثت المجتمع اعداد متزايدة من العاطلين عن العمل، كل ذلك ادى الى وضوح الصورة اكثر امام الناخب الاسرائيلي الذي تأكد بأن ( شرق شمعون بيريس الاوسط الجديد ) سيكون جيداً لاسرائيل في المضمار الاقتصادي، اما الامن فانه سيتحقق في متن الاقتصاد الذي يتلو السلام ، لان وعود شمعون بيريس بالرخاء الاقتصادي مقرونة بمعاهدات سلام مع دول الجوار وبالتالي سيكون لهذا الفكر قابلية للحياة اكثر من فكر الراديكليين الارثودوكس حلفاء نتنياهو، على هذه الخلفية تبدو في اسرائيل اليوم حالة من الندم على قتلهم لزعيمهم رابين وخاصة ان نتنياهو اكد لهم ذلك بعد ( واي ريفر ) وبأنه كان على حق اي رابين، وكان قارئاً جيداً لمستقبل الدولة وتحديد خيارات الوصول الى الامن والسلام معا بأقل الطرق خسارة، وفي رحلة الاياب من مشوار التطرف الدامي من المنطقي ان يبدي الجنرال ارئيل شارون يئسه من الحروب ليس لانه طعن في السن وباتت قدرته على الحركة اصعب من ذي قبل، بل لان وضع اسرائيل اليوم اصعب مما كانت عليه في العصر الذهبي بعد ان تمكنت من طرد (م.ت.ف) من بيروت على يد الجنرال ارئيل شارون ، وكانت اسرائيل على مستوى عال من الغباء وهي لا تلاحظ التغير العارم لوضعها الدولي وحتى في داخل الولايات المتحدة الامريكية، ولم تعتبر من سقوط أشد مؤيدها واكثرهم حماساً لصهيونيتها من قمة رأس قلعته ( غنغرش- رئيس مجلس النواب الامريكي ) وإعلان مجموعة ( اليورو الاوروبيه ) استعدادها للاعتراف بالدولة الفلسطينية بعيد اعلانها بقليل .
في ضوء ذلك اخذت بعض الاشارات بتقوية وميضها المنبعث من دهاليز اليمين وبالتحديد من داخل ( الليكود ) الذي تقاسم بجدارة الساحة السياسية الاسرائيلية مع ( العمل ) خلال الربع الاخير من القرن العشرين ،وأثبت أنه صاحب القول الفصل في السياسة الاسرائيلية،لهذا فإن وجود الليكود دائماً على راس السلطة في اسرائيل افضل من وجود حزب العمل، لضمان الوضوح في السياسات وتبيان القدرة في الالتزام والتفيذ للاتفقات الموقعة من عدمها، ولهذا السبب كان لرابين قدرة اليمينين في قيادة اسرائيل في مشوار شاق من التنازلات بسبب ماضيه الشخصي الذي يحسده عليه أساطين اليمين،كان معها من الصعب على اليمين بقيادة الليكود تخوينه وتجريمه وقد نفذ ( ديغول اسرائيل ) كما وصفه ياسر عرفات ما التزم به ووقع عليه .
لقد نجح رابين كيميني الطباع والخلفية بقيادة اليسار في اسرائيل لهذا فان مشكلة المجتمع الاسرائيلي تقوم على إرضاء الغرور والوهم السياسيين والامنيين للناخبين والى ذلك لن يدفع الفلسطينيون أي معلوم من جيوبهم مقابل اشتراكهم في تغذية هذه الخرافة، لانهم سينتزعون في المقابل ما هم بحاجة اليه من موطئ قدم في بلادهم ،لذا فان شارون الجديد رئيس الوزراء المختلف عن وزير الدفاع ، سيحظى بتاييد اليمين لبرنامجه السياسي وسيلقى الدعم من قوى اليسار تحت مظلة الكنيست عند اقراره وسيكون العكس فيما لو تفوه بنفس العبارات اياً من قادة العمل، وفي ضوء هذه الحقيقة طور شارون من مستوى ليبرالية خطابه السياسي ، لكن المعضلة تكمن بان شارون سيحتاج الى وقت أطول لقطع مسافة التحول التي قطعها رابين في تجاوز إرثه الراديكالية علماً أن شارون حاصر بيروت بتعليمات وإرشادات ميدانية من رابين، لهذا سيعتبر التردد في الاعلان عن القناعات الجديدة لدى غالبية قيادات اليمين الاسرائيلي احدى سمات المرحلة القادمة ، مما يعني بان مواتا حقيقيا ستشهده العملية السلميه ، وتاجيلا مفتوحا سيمس تطبيق ما اتفق عليه بين الجانبين، وهذه الظاهرة بالطبع لم تأتي من الفراغ انما هي حالة طبيعية مصاحبة لتداول الحكم في اسرائيل والتبدل الجزئي أو المحدود في مواقف الأطراف، مما يعطل باستمرار نجاح مساعي التوصول الى موقف فلسطيني اسرائيلي مشترك قابل للتطبيق ، وهذه واحدة من السمات التي تميز " مفاوضات الاطراف الثنائية " بسبب تعاقب واختلاف المفاوضون الاسرائيليون الناتج عن تبدل الحكومات الاسرائيلية ، حيث لا ترى الحكومات الجديدة ما يمنعها من التنصل والتنكر لما توصل له المفاوضون السابقون ، وحدث هذا مع وديعة رابين للسوريين التي تعهد بها باعادة هضبة الجولان مقابل اتفاق سلام شامل معهم ، لكن نتنياهو وشارون تنصلوا بالكلية من هذه الوديعة الموجودة لدى وزارة الخارجية الامريكيه ، ان هذه العلة في السياسة الاسرائيلية دائمة ومستقرة وهي مقترنه بثواب الاحزاب الايديولوجية وبرامجهم الانتخابية المعدة على هذه الخلفية وان الخلاص من هذه المشكلة امر مشابه لإخراج الشياطين من الارواح المسكونة بها،لريثما يحدث ذلك على الفلسطينيون ان ينتظروا ويصبروا .
على نار أقل من هادئه يحدث ما هو متوقع في صفوف الليكود، وفي هذا السياق عبر شارون عن تجلي حالة القبول المتردد بفكرة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية بحدود مؤقته ومواصفات امنية خاصة ،مهما يكن من أمريمكن لنا تخيل البداية التي استهل بها رابين مشوار تحوله بصدد ( الشأن الفلسطيني) التي تشبه بدايات القبول النظري غير المكتمل من قبل قادة اليمين الان لفكرة الدولة الفلسطينية والتي تهدف في احد اهدافها الالتفاف على فكرة الدولة الفلسطينية وفقا للمواصفات الفلسطينية التي تحظى بالتاييد الدولي ، مما ساهم عمليا في تقليل الفوارق بين مواقف الحزبين الكبيرين في اسرائيل حول فكرة الدولة الفلسطينية ، وقد ساهم رموز الليكود مثل شارون ونتنياهو وسلفان شالوم في انضاج هذا التطور استجابة لضغوط الاصدقاء الاوربين والامريكين ، وهذه الافكار عرفت لاحقا باالافكار الموحدة للتيار التطويري الجديد في صفوف اليمين ، وسيساهم هذا في تمهيد الطريق لاخماد جذوة مقاومة اعلان الاستقلال الفلسطيني الجديد ، خاصة اذا ما عرفنا ان كلا الحزبين الرئيسيين يمثلان ما نسبته 75% من اراء المجتمع الاسرائيلي، الامر الذي سيخرج المواطن الاسرائيلي من دوامة ( المتاهة ما بين ما هو مفيد وما هو ضار لاسرائيل ) .
ولان لكل حقيقة علمية وجهان متضادان فانه لا يمكننا اغفال ما يدور في ساحة الراديكالين الارثدوكس الذين يحاربون كل ما له علاقة بالتخلي عن أرض اسرائيل لكن هؤلاء يبقوا اقلية لن يكون بمقدورها تعطيل هذا التطور لانه متطلب دولي اجباري من اسرائيل ، لكن اهمية الاشارة اليهم هنا تأتي من باب الحذر لان واحد منهم بأمكانه ان يفعل ما قام به (يغال عامير) ليقلب الامور راسا على عقب ويرد التحول الايجابي المتردد الى بداياته، رغم ذلك فانه سيبقى لدى الحزبان الكبيران ارادة سياسية فاعلة لفرض مشيئتيهما السياسية ان ارادا وخاصة اذا ما اندمجا في حكومة وحدة وطنية في أي مرحلة من المراحل المستقبلية وقبيل بدء ( مفاوضات الوضع النهائي ) الامر الذي سيزيد من عزلة هذه القوى ولن يبقى امامها سوى العودة الى مدارسهم الدينية وصب جام غضبهم في عقول طلاب تلك المدارس وتحريضهم على الخونة الكبار.
كل ما تقدم لا يعني بالضرورة ان وضع العرب سيصبح في حال أفضل، إنما العكس هو الصحيح لإتتلاف القوي المركزية في اسرائيل على أبواب المرحلة النهائية التي طال انتظارها ويعني هذا بأن اسرائيل أخذه في استجماع طاقتها تحضيراً للمواجهة مثلما كان عليه الحال في الانتفاضة الاولى 1987م- 1993م وهذا بدوره سيشكل أمام المفاوض الفلسطيني عقبات ومصاعب كبيرة ابرزها التمسك بالقضايا الرئيسية او تسويتها بطريقة تودي بالحق الفلسطيني الى الهاوية كما حصل مع حصة الاردن في مياه نهري الاردن واليرموك، لذا فإنني أجد بهذا الحديث مناسبة لدعوة السلطة الفلسطينيه للعمل على استنهاض طاقات وإمكانات الخبراء الفلسطينين في المجالات كافة تحضيراً لذلك، وان يصار الى تنظيم ورش العمل والندوات التخصصية في مواضيع التفاوض وتحديد المواقف الفلسطينية المسبقة وفقا لتوصيات الخبراء والاخصائيين المختصين كل في مجاله مستفيدين من تجارب التفاوض الماضية، لان اسرائيل بات من المؤكد بأنها غيرت طرق وسبل تحقيق الأهداف،انما الأهداف ما زالت ماثلة في البرنامج السياسي والاقتصادي للدولة العبرية، وفي الإطار ذاته ينبغي التوقف مطولاً عند كافة الأفكار الإسرائيلية المقدمة للمفاوض الفلسطيني والتي راعت التوفيق بين نوايا شامير وشرق شمعون بيرس الجديد الذي هو ترجمة حرفية لأهداف الصهيونية المتجددة وإعادة بناء (غلاسنوس) لمنظومة الاهداف التي بدلت ردائها العسكري وارتدت اخر اقتصادي ماكر يقوم على التبادلية والانفتاح .
ان للمفاهيم الإقتصادية الصهيونية الخطورة ذاتها التي تحملها دباباتهم وطائراتهم وفي هذا لن يكون امام الضعفاء وقصيري النظر اية فرصة للفوز اطلاقا ، ان مفهوم التبادل الاقتصادي المندرج ضمن رؤية شمعون بيرس لبناء الشرق الاوسط الجديد تكفل بلا مواربه تفوقا اسرائيليا في كافة المجالات ، ان دولة مثل اسرائيل يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة تطبع من الكتب سنويا ما تطبعة كافة الدول العربية مجتمعة ، وكذا الامر مع الكتب المترجمة ، ويصل ناتجها القومي لمستويات لم تحققها اية دولة عربية بما في ذلك الدول النفطية ، وحققت نجاحا باهرا في مجال الزراعة والصناعة المدنيه والصناعات العسكرية ، فضلا عن الاعتلال النوعي في ميزان القوى العسكري بين اسرائيل والدول العربية ( انظر الى جدول الميزان العسكري العربي لاسرائيل ) حيث تحتفظ الدول العربية بالتفوق العددي فقط لاغير وكذا الحال في باقي مجالات المنافسة الاقتصادية الامر الذي يعطي اسرائيل القدرة على الاستفادة من اية اتفاقات شراكة اقتصادية وتحويل الاسواق العربية الى اسواق مستهلكة للمنتجات الاسرائيلية المختلفة ، ومن المرجح ان يخسر العرب هذه المعركة إذا أطلق العنان لمفكري اسرائيل برسم السياسات المشتركة في اطار المعاهدات التي ستوقع في خاتمة النهائية، حيث ستكون هذه بمثابة الاشارة لاسرائيل لبدء هجوم الاخترق للعالم العربي بل الاسلامي ايضا وسيحصل الفلسطينيون على ما حصل عليه الشعب الأردني بعد معاهدة السلام مع اسرائيل، وكيلا يعتبر النموذج المصري والاردني مثالاً يحتذى، فإنه لا يجوز إغفال الخصوصية الفلسطينية في هذا الصراع وحلوله، وينبغي أن نعود وندعوا السلطة الوطنية الى إعداد أمرها بشكل أفضل حتى تكون النتيجة أفضل مما كانت عليه حتى الان، بناء على خلاصة كل ذلك ستحدد قدرة وامكانية الطرف الفلسطيني في ادارة الصراع بصيغه وأشكاله الجديدة مع اسرائيل في النصف الثاني من مئويتة أخذين بعين الاعتبار كما ذكرت تغيير ( سبل التصارع ) وارى بان حبل النجاه الفلسطيني يتمثل بالامتناع عن التوقيع وانهاء الصراع مع اسرائيل اذا ما تم التأكد من الخسارة الاستراتيجيه ، ولعل هذا الوضع يقرب الفلسطيني من الفوز بجولة حاسمة وهي عدم انها المرحلة النهائية .
الى ذلك سيبقى السؤال الرئيس مشرعاً في وجهه المعنيين في الشان الفلسطيني ، ماذا اعدوا من أجل هذا الخطب الذي أدركنا؟ بسرعة لافتة؟ الاجابة نتركها للسيد محمود عباس الذي كان منسقا لملف النهائية،واصبح رئيساللسلطة الفلسطينية والذي قابل شارون مراراً الذي عبر بدوره عن " حزنه الشديد على أصدقائه الذين سقطوا في الحروب مع العرب " (جريدة القدس – 18/11/1998) من خلال هذه العبارة يمكن للمراقب والمحلل السياسي ان يستشرف ماهية الاجابات التي اعدتها اسرائيل للرد على تساؤلات الفلسطينيينن بخصوص قضايا النهائية وأهمها الحدود والقدس والمستوطنات واللاجئين ، كل ذلك يوضح امامنا ملامح الإستجابة الاسرائيلية المتوقعة لمتطلبات بقائها وبقاء حلفائها معها لانهم جزء رئيس من قوتها في هذه المنطقة، اذ لم يعد من المناسب ان تضرب اجنحة التغيير كافة بقاع الأرض وتبقى اسرائيل بمنئى عن مرماها، وخاصة انها في قلب المنطقة التي هزتها المتغيرات الكاسحة منذ نهاية الحرب الباردة وحتى الآن، وفي خلاصة ذلك اتضح بان القوة العسكرية من المرجح ان تفشل في حماية الدول من الزوال ولعل هذه الحقيقة المرعبة هي التي مازالت تقلق وتشغل بال القادة في اسرائيل، فلكي تستمر الدول مجددة وجودها ينبغي لها أن تحدد سلفاً شكل ومسافات الاستجابة لطلبات الآخرين وهو ما تسميه السياسة الخارجية الامريكية. "المصلحة القومية العليا" لهذا كان من المهم ان تساعد الولايات المتحدة الأمريكية حليفتها اسرائيل في اعادة قرائة انعكاسات التحولات العالمية التي مسحت دول نووية وأخرى عادية من الوجود وزرعت مكانها دول لم تكن موجودة من قبل لهذا السبب كان بإمكان اسرائيل أن تتشبث بمواقفها السلفية تجاه العدو العربي لو كان لديها الاستعداد لانهاء عمرها الافتراضي في نهاية المئوية الاولى لعمر هذا الصراع .
لهذا فان الأمريكان بواسطة أجهزة أشعار خاصة قدموا لاسرائيل النصيحة التالية بانها ليست وحدها مرتكز المصالح الامريكية في المنطقة ومصلحة امريكا العليا تتطلب فتح ساحات أخرى في المنطقة ذات صلة بالملف الفلسطيني، والنجاح فيها يتطلب اغلاق الملف الفلسطيني/ الاسرائيلي، بفائدة نسبيه لصالح الطرف الفلسطيني، ولعل قبول اسرائيل جديدة في السرب الأمريكي وبموقع متقدم يشترط بتلبية هذه المسوغات الاجبارية، لأن للفلسطينيين في ( الرؤيا الامريكية الاستراتيجية ) سيكون لهم من الاهمية ما يكفي لمنحهم مكانة ما في اجندة المصالح القومية الامريكية العليا في شرق المتوسط ، وخاصة إذا ما نجح هؤلاء في تقويض اركان المعارضين الاسلامين في البلاد، العدو الجديد لمعارك ما بعد الاتحاد السوفياتي وانهيار الشيوعيه والضروري لرأسمالية القرن الحادي والعشرون.
كل ذلك يرفع من مكانة الشأن الفلسطيني في المنطقة العربية، هكذا وزع على كل طرف مجموعة من الشروط ليطلب كل طرف ما يحتاجه من الاخر بإدارة امريكيه محكمة ومذهلة في الجسر على الفجوات الفاصلة بين الاعداء الذين هم اصدقاء امريكيا ، على هذه الخلفية تمكن مفكري ( مجلس الأمن القومي الامريكي ) من اتمام ما تم الإتفاق عليه في ( واي ريفر ) خلاصة ذلك نجد لها إنعكاسا علي موقف اليمين في اسرائيل بقيادة ( الليكود ) لانجاح المساعي الامريكية الداعمة لامن اسرائيل رغم كل الاعتراضات الشكلية بين اليمين الاسرائيلي والادارات الامريكية ، لهذا السبب وقعت المفدال اتفاقية الدعم السرية(لمذكرة واي ريفر) مع نتنياهو ، في ضوء ذلك يبدو ان التحول النسبي المحدود لدى اليمين قد تحرك درجة اضافية واحدة في المبنى الفكري لصهيونية القرن الحادي والعشرين،الامر الذي قد يساعد في قيام دولة فلسطينية بحدود مؤقتة ومواصفات امنية معقدة ، اذا قبل الفلسطينيون بذلك .
ان الأهم من كل ذلك هو ان تنفذ اسرائيل كل ما يتفق وسيتفق عليه وتتحول اماني الفلسطينين الى حقيقة تسعى الارض ونرى الجغرافيا الفلسطينية متحررة وتصبح ألـ4000 كيلو متر الخاضعة للولاية الفلسطينيه ارض ذات سياده ، وهذا ما شغل بال السياسي الفلسطيني طيلة السنين الماضية، ولهذا كنا نرى في عيون عرفات دموع أكثر من المعتاد عند كل انسحاب من كل متر جديد لان تركيب الدولة على الارض لا يمكن أن يتم بدون أرض ومن كان على علم بطبيعة الخصم الذي نقابل سيدرك بأن ما تم إنجازه حتى الآن أمر يرقى الى مستوى الاساطير التي لا تصدق وان شوهدت بأم العين .
التعليقات (0)