كنت أتجول – قبل لحظات – في إحدى المكتبات العامة ، كنت أريد شيئا لا أريد الإفصاح عنه ، في طريق الخروج لفتت أنتباهي مجموعة أشرطة في كيس مكتوب عليه (( متعة الفشل )) استفزني العنوان فضحكت ، هممت بالعودة ، لكن صديقي كان يصيح واقفا عند الباب مستعجلا لأمر لا يريد الإفصاح عنه هو الآخر .
في طريق العودة بدأت أفكر بالعنوان ، ولأني لم أتمكن من قرآة اسم المحاضر في تلك المجموعة قررت أن أسمح لنفسي بتشريح ذلك العنوان ومؤلفه على هواي ، فحرية اللغة والفشل والفراغ تأيدني في موقف مثل هذا .
إلا أنني لن أسمح للخيال أن يشط بعيدا فالطريق قصير ولدي قصائد لمحمود درويش أريد أن استمع إليها ، وفوق ذلك فأنا لا أرى ولا أتصور كبير متعة في الفشل ، إلا إن كان الرجل يقصد الهنات والسقطات في طريق النجاح ، وذلك ليس فشلا لأن العبرة بالخواتيم ، ثم إن المتعة شيء لا يستطيع أحد أن يطلقه على شيئ إلا إن كان تذوقه ؛ وأربو بمحاضرنا الكبير عن تذوق شيء مثل ما نتحدث عنه .
في خضم هجومي الداخلي الشرس على الرجل ، الذي اعتبرته متلاعبا بالألفاظ ، ومفسدا لمعاني الكلمات ، ومستفزا لمشاعري شخصيا ، قررت التوقف في غضب ، بعد أن فاتني الكثير من قصيدة كنت أستمع لها لشاعري المفضل وشاعر الجميع ؛ الراحل محمود درويش ، صرفت كل اهتمامي عن الرجل وأشرطته الكثيرة ، وأعرت أهتمامي للشاعر محاولا أن أسترد النسيم الشعري الذي فقدته ، وأن ألتمس خيطا أفهم من خلاله قصيدة أتذكر أنها كانت تتحدث عن المفكر الراحل إدوارد سعيد .فجأة وجدت الخيط ، ومحمود درويش ينطق بصوته العميق ( .. إدوارد يصحو على كسل الفجر .. يعزف لحنا لموتسارت .. ) بدأت التماهي مع القصيدة وصوت الشاعر ، وإن كان عنوان المحاضر ( متعة الفشل ) مازال يطل برأسه المزعج من حين لآخر ، في خضم صراعي معه وقد كادت ملامحه أن تحتفي ، ومحمود درويش مازال ينثر إبداعه ( .. يفكِّر في رحلة الفكر عبر الحدود ، وفوق الحواجز. يقرأ نيويورك تايمز ، يكتب تعليقَهُ المتوتِّر. يلعن مستشرقاً ، يُرْشِدُ الجنرالَ الى نقطة الضعف ، في قلب شرقيّةٍ. يستحمُّ. ويختارُ ، بَدْلَتَهُ بأناقةِ دِيكٍ .. ) .
وفجأة يطل عنوان الرجل من جديد ، وضحكة ساخرة تهز أركان الهدوء والتماهي مع القصيدة ، ترتج لها أصدائي ، وصوت ما ينطق قائلا - من أعماق تلك الضحكة الساخرة - ألم تسمع ؟ : يختار بدلته بأناقة ديك .
قدمت اعتذارا في ذاتي للمحاضر الكريم ولعنوانه الرائع ( متعة الفشل ) ، وسأقدم اعتذارا مكتوبا ومسموعا عبارة عن كتاب وأشرطة تحت عنوان ( متعة الفراغ ) من يدري !! ؟؟ قد يعجب ذلك الكتاب أو تلك الأشرطة شخصا ما فنتبادل المراكز .
التعليقات (0)