تحفة عمرانية على جزيرة السعديــات يكتمل بناؤها في 2016
مـتحـف زايد الوطــــــني .. سيرة أرض وإنسان
عمر محمد شريقي
--------------------------
يعتبر «متحف زايد الوطني»، أول متحف عالمي يستعرض سيرة مؤسس دولة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الحافلة بالعطاءات والإنجازات الرائدة، ورؤيته في بناء دولة عصرية قوامها الإنسان المؤمن والمتعلم والمثقف والمدرك لأهمية حماية البيئة، تلك الرؤية التي أكسبته احترام العالم وجعلته واحداً من أبرز القادة في العصر الحديث. وسيشكل المتحف صرحاً ثقافياً مميزاً ضمن منشآت المنطقة الثقافية في جزيرة السعديات، إلى جانب كل من متحفي «جوجنهايم أبوظبي» واللوفر أبوظبي .
و يشتمل المتحف على خمسة أجنحة عملاقة تحاكي في تصميمها تفاصيل الريش الموجود أعلى قمة أجنحة الصقر، ويبلغ ارتفاعها الأقصى 124 متراً لتكون بمثابة تحفة فنية تطل مباشرة على مياه الخليج العربي. ويرمز «متحف زايد الوطني»، المتوقع افتتاحه في العام القادم 2016 لمراحل تطور الإمارات والتقدم السريع الذي شهدته على مدى السنوات الـ40 الماضية، من خلال النمو الهائل الذي تحقق على مختلف الميادين ومنها التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية، لتعزيز المعرفة بالإنجازات العملاقة كافة التي تحققت، وذلك من خلال ترسيخها في أذهان وقلوب الأجيال المقبلة سواء في الإمارات أو العالم. وتتناول أبرز القصص التي يسردها المتحف القيم الراسخة التي لطالما تمسك بها الشيخ زايد، إلى جانب إيمانه العميق بضرورة الاهتمام بمجالات التعليم، والحفاظ على العادات والتقاليد، والاستدامة البيئية، والتراث والثقافة، الأمر الذي جعل المغفور له من ضمن أبرز قادة العالم في العصر الحديث. صمم المتحف المعماري الإنجليزي اللورد نورمان فوستر، الحائز على جائزة «برتزكر» العالمية لفنون العمارة، وتقوم بتنفيذه «شركة التطوير والاستثمار السياحي» المطور الرئيس لجزيرة السعديات - معتمدة في ذلك تقنيات هندسية متطورة مع التركيز بشكل خاص على الاستدامة البيئية، التي كانت إحدى المكونات الرئيسة لرؤية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
مسيرة وطن
ينسجم تصميم «متحف زايد الوطني» مع مكونات البيئة المحيطة به، إذ يستمد تصميمه البصري ومحتواه الداخلي من رؤى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ويبرهن قدرته على تكريس العناصر المحيطة لمصلحته عوضاً عن التضارب معها. ويتربع المتحف وسط واحة غنّاء تحتفي بإرث الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي عرف عنه عشقه للبيئة ونجاحه في تخضير الصحراء. وتم استلهام تصميم «متحف زايد الوطني» من أحد الرموز المهمة وجزء من تراثها وإرثها الثقافي، هو الصيد بالصقور. حيث يتضمن المتحف خمسة أجنحة عملاقة تحاكي في تصميمها تفاصيل الريش الموجود أعلى قمة أجنحة الصقر. و ينطوي التصميم على العديد من المزايا البيئية، التي وضعت المباني على نحو يتيح مرور الهواء عبر أروقة المتحف وترشيد الطاقة اللازمة لتبريدها. كما تم تصميم الأجنحة للاستفادة من أشعة الشمس مع فتحات خاصة تسمح بنفاذ الضوء الطبيعي لإنارة المساحات الداخلية بطريقة مبتكرة. وأبرمت «شركة التطوير والاستثمار السياحي» في العام قبل الماضي اتفاقية مع المتحف البريطاني لتوفير الخدمات الاستشارية اللازمة لتطوير «متحف زايد الوطني»، والمساعدة على تحقيق رؤيته من خلال اختيار دقيق للمضمون يعكس قيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ويسهم في إبراز الرسائل الأساسية لمتحف وطني. وسيحظى الزوّار بتجربة مميزة تبدأ قبل دخولهم المتحف، اعتباراً من لحظة مرورهم بحدائق المتحف الغنية بالمناظر الطبيعية الأخاذة والنباتات والأشجار التي تم صياغتها بأسلوب تعكس من خلاله لحظات مهمة في حياة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ومسيرة التطوير الحافلة التي جعلت أبوظبي والإمارات على ما هي عليه اليوم. وتوفر ردهة المتحف المركزية تجربة غنية للزوّار، حيث تشكل نقطة انطلاق للتعرّف إلى حكاية مسيرة وطنية حافلة.
تأتي صالة عرض «حياة وعهد الشيخ زايد» في قلب المتحف لتستعرض المسيرة الناجحة للراحل الكبير والجهود التي بذلها لتوحيد دولة الإمارات، عبر سلسلة من الأفلام والتسجيلات الصوتية، والوسائط المتعددة، إلى جانب عرض قطع أثرية تعود إلى مجموعة مقتنيات متنوعة من أبوظبي، ومن بقاع مختلفة في الإمارات والعالم. وسيتاح للزوّار التعرف بشكل أفضل إلى الشيخ زايد، وأبرز التحديات التي واجهته في بداية مسيرة حياته، بالإضافة إلى الإنجازات المهمة التي حققها عند تأسيس الدولة ومضى بها قدماً على درب الازدهار والرقي.
معرض متنوعة
تسلط معارض الطابق السفلي الضوء على الخطوط العريضة لسيرة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وسيتم إيضاح مزيد من التفاصيل ضمن صالات العرض في الطابق العلوي، التي تتضمن:
معرض «البيئة عطاء الأرض»: يحتوي هذا المعرض على مواد تاريخية وأثرية، ويقدم عروضاً تفاعلية توضح الأساليب التي انتهجها سكان المنطقة قديماً لاستخدام وتطوير الموارد المتوافرة. كما يسلط الضوء على رؤية مؤسس الدولة الرائدة حيال استخدام موارد المياه والنفط، التي أثمرت عن أطر عمل رائدة جعلت الإمارات من الدول الرائدة في التنمية المستدامة على الصعيد العالمي.
معرض «التراث جوهر المستقبل»: يبرز هذا المعرض اهتمام الشيخ زايد بالقيم والتراث العريقين لشعبه وحرصه على عدم التفريط فيهما في غمرة الحداثة. وتحتل القيم الأصيلة المتوارثة مكانة كبيرة في الحياة الإماراتية السياسية والثقافية المعاصرة، فالدولة حققت نجاحها الرائد في العالم الحديث عبر تأكيدها أهمية العلاقات الإنسانية وتعميق الصلات بين الشعوب المختلفة. وتعود جذور هذا الترابط الاجتماعي العميق الذي يمتاز به الشعب الإماراتي إلى أسلوب حياته في فترة ما قبل اكتشاف النفط، الذي اتسم ببساطته واعتماده على البيئة الطبيعية التي عززت الروابط بين الناس.
معرض «مدن وحضارات»: يركز هذا المعرض على الاكتشافات الأثرية الكبرى التي تمت بدعم من الشيخ زايد، والتي تكشف عن صورة جديدة كلياً لتاريخ المنطقة وصلاتها بأجزاء العالم الأخرى. فقد استوطن الإنسان الأرض التي تقوم عليها دولة الإمارات منذ القدم، فكانت موطناً لإنسان العصر الحجري قبل 200 ألف سنة، وشهدت قبل الميلاد بـ 5000 عام نشوء أول تجارة بحرية مع بلاد الرافدين (العراق)، وبعدها مع شبه القارة الهندية. وتظهر الأدلة الأثرية أن المنطقة لعبت دوراً مهماً في تطور حضارات الشرق الأوسط لدرجة أن البحارة الإماراتيين استطاعوا الوصول إلى الصين قبل 2000 عام. وتستعرض تشكيلة واسعة من المكتشفات الأثرية والوثائق التاريخية التي تم جلبها من كل أنحاء الإمارات وتم وضعها إلى جانب نظيراتها من أنحاء العالم كافة، حقبة زمنية طويلة للغاية تبدأ من نحو 200 ألف سنة قبل الميلاد، وتصل إلى يومنا الحاضر بعد تأسيس دولة الإمارات على يد الشيخ زايد، الذي أدرك أهمية الوحدة ودورها في التقدم والازدهار، ما زاده عزماً على تأسيس الدولة وتعزيز وحدتها لتغدو قوة مؤثرة في الساحة العالمية.
معرض «العلم والحضارة»: يهدف هذا المعرض إلى تعريف الجمهور بالاهتمام الكبير الذي أولاه الشيخ زايد للتعليم، الذي شكل حافزاً له ليمضي قدماً في تحويل مجتمع تقليدي يعتمد على المعارف المتوارثة إلى دولة حديثة يتميز أبناؤها بمستوى رفيع من العلم والمعرفة. وقد انطلق الشيخ زايد في حرصه على نشر التعليم والمعرفة من دافع يتمثل في الدور المركزي الذي لعبته منطقة الشرق في التقدم العلمي للبشرية، فقد حقق الإسلام إنجازات ثورية في مجالات التعليم المختلفة، ومنها على سبيل المثال الملاحة والطب وغيرها من العلوم. ويقدم هذا المعرض لزوّاره تشكيلة مذهلة من المعروضات والتجهيزات المتعلقة بالتعليم والمعرفة، فضلاً عن العديد من الوسائط التفاعلية التي تتيح لهم التعاطي بشكل مباشر مع الأدوات والتقنيات العلمية المتنوعة، مثل الآلات المستخدمة قديماً لتحديد الوقت، أو وسائل التوجه في الصحراء والملاحة في البحار وغيرها من الأدوات.
معرض «الإسلام والإنسانية»: يتناول هذا المعرض عقيدة وإيمان الشيخ زايد العميقين اللذين انعكسا في كل أعماله التي اتسمت بطابعها الإنساني الخالص. ولا يقتصر تركيز هذا المعرض فقط على موضوع علاقة الشيخ زايد بالإسلام، بل يشتمل على مساحات واسعة تتسم بصفاء أجوائها لتشجع الزوّار على الغوص عميقاً في معاني الإسلام وتاريخه، وشعائره، ومكانته وسط العقائد الأخرى التي تحتضنها دولة الإمارات المعاصرة. ويوضح المعرض الشعائر الدينية من خلال مخطوطات، ونماذج مصغرة عن المساجد وغيرها من المقدسات الإسلامية، بالإضافة إلى تقديم مجموعة من الصور الفوتوغرافية، والملفات المرئية والمسموعة التي توضح المكانة الرفيعة التي يتبوأها الإسلام في كل جانب من جوانب الإمارات، لاسيما أنه يُعد أحد الأعمدة الرئيسة التي استندت ومازالت تستند إليها المنطقة للمضي قدماً عبر التغييرات الجذرية إلى مزيد من الازدهار والرفعة .
التعليقات (0)