متاهات ليس لها نهايات
إنهم يخلطون الأمور إلى أن تتحطم الجسور
بقلم : حنان بكير
إذا كان للكلمة الواحدة معنى في ذهني يختلف عن المعنى الذي في ذهنك ، فهذا معناه بكل بساطة أننا لن نستطيع التفاهم ، وإذا كان لكل منا تفسير فردي خاص لما نواجهه من قضايا فهذا معناه أن وجوه التلاقي ستفر هاربة من الساحة لتحل الفوضى مكانها . من هذا المنطلق يمكننا توصيف هذه المرحلة التي نمر بها آلآن، بحالة ألتشوش وآلارتباك، وضياع بوصلتنا في متاهات لا منافذ لها وليس لها نهايات تقود إلى موقف جماعي موحد أو شبه موحد . ومن مظاهر هذا التشوش، هذا الخلط أو ألتصنيف الجائر وغير العادل بين بعض المفاهيم والمصطلحات ..
إن الوطنية الآن هي رديف للإسلاموية ، والعلمانية هي رديف للإلحاد والخيانة، وحيث تصنففي حالة ثبوت أنك وطني أو علماني على أساس أنك تقف مع الحصار المفروض على غزة . فالوطنية والعلمانية-عند هؤلاء- يسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان. وذلك لأن الدفاع عن الأوطان، إنما هو حكر على الأصوليين والطائفيين.
نجح "أرعنان"، في تقسيم هذا العالم إلى قسمين لا ثالث لهما. وهذا ما جرى عندما قسم ألشيخ أسامة بن لادن، العالم إلى فسطاطين: خير وشر. وبالتأكيد فان أتباعه هم أنصار الخير، أما الآخر، كائنا من كان، فهم أتباع الشر أو الشيطان.وهذا ما جرى كذلك حين أعلن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أن من ليس معنا فهو ضدنا،قبل أن يندفع لإعلان الحرب ضد ما أسماه الإرهاب..
ووفقا لهذه التقسيمات فقد اتهمت، بـأني مع الحصار على غزة، وذلك على خلفية النقد الذي وجهته لسلطة غزة، ودفاعي عن جزء أصيل من شعبي ألفلسطيني، تدفعني ألغيرة الوطنية، ومن منطلقات إنسانية بحتة. لأن الوجود الإنساني أسبق في الوجود من كل الديانات، التي إنما أنزلت لراحة الإنسان، وللتقريب بين البشر.. وهذا ما يجعلني أصرخ بكل قوة :" أحبك أيها الإنسان"، بصرف النظر عن دينك أو لونك أو عرقك..
إن نقد السلطة الحمساوية في غزة، يعني عند هؤلاء، مباركة الحصار وتأييده.. وأن تكون ضد الحصار فهذا يعني السير في قافلة الأصولية والطائفية..
والسؤال الكبير ألذي أطرحه على منتقديّ: هل شاهدتم كيف تقوم السلطة الحمساوية بتدمير بيوت أبناء غزة، ورميهم في الطرقات مع نسائهم وأطفالهم، فيضطرون لنصب خيامهم فوق أنقاض بيوتهم، بالضبط، كما يفعل الإسرائيلي مغتصب الأرض؟ إنهما صورتان تصلحان لمسابقة" أوجد آلاختلاف" بين هاتين الصورتين المتطابقتين يا شاطر!!!
وفي ظل هذا الحصار الظالم والجائر.. والذي هو علة وسبب جريمة أسطول الحرية، تقوم السلطة الحمساوية، بفرض ضرائب جديدة، على شعبها المحاصر والمجوّع، في ذات الوقت الذي تتدفق فيه ألمساعدات السخية على السلطة.. ناهيك عما يروى عن الفساد المستشري فيها. هذا الفساد ألذي عيب فيه على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وجعل حماس تفوز في آلانتخابات، على أنهم جماعة" تخاف الله".. وهنا يحضرني قول الشاعر الراحل عمر أبو ريشه..
لا يلام الذئب في عدوانه
إن يك الراعي عدو الغنم!!
يبقى سؤال آخر في المسابقة: ما الفرق العملي بين طروحات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والمتهمة بالخيانة والتفريط وبين السلطة الفلسطينية في غزة، ألتي بدأت بطرح دولة ضمن حدود العام 1967، وطلب هدنة طويلة مع الكيان المغتصب؟ بحيث أوقعونا في متاهات ليس لها كما قلت منافذ ولا نهايات حين نحاول حل هذا اللغز!!
إن عدم إدراكنا وعدم اعتناقنا لفضيلة النقد، هو الذي يجعلنا لا نقرأ العبر والدروس من تجاربنا، فترانا نقع في نفس المطبات التي سبق أن سقطنا بأخطائنا فيها ..
أخيرا أقول إن أرض فلسطين هي أرض لكل أطياف الشعب الفلسطيني على حد سواء، وليست حكرا لأي فئة ترى نفسها فوق أي طرف آخر..
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم!
التعليقات (0)