[قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي] قضية قرآنية ربانية تبين صدق الإيمان وخالص التعامل مع حضرة الرحمن كأن الله عزَّ وجلَّ يقول كل من يدعي محبة الله
ويزعم أنه من خيار عباد الله المسلمين والمؤمنين بالله لا بد له من دليل ليثبت دعواه ومن حجة يبرهن بها على صدق تعامله
مع مولاه ما الدليل وما البرهان وما الحجة على صدقه في حبه لله؟ أن يتبع حبيب الله ومصطفاه ومعنى ذلك أن كل من يدعي المحبة ولا يتابع الحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم في هديه فليس من الأحبة لأن ذلك هو الدليل الذي أقامه الله وبينه كتاب الله
لأن ذلك جاء في الآية بأسلوب الشرط إن كنتم تحبون الله فإن شرط المحبة – فاتبعوني- والنتيجة العظيمة والثمرة الكريمة
[يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ] وهذه هي قضية القضايا للمسلمين في كل زمان ومكان كيف نتبع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في كل ما جاء به من عند الله؟
[وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا] ما هي الأضواء التي تبين أن المسلم قلبه خالٍ من كل داء ؟ أن يتابع الحبيب المصطفى على الدوام في كل الأفعال والأحوال والأقوال ولا يفرق فإن اتبعه في أمر وخالفه في أمر آخر فأين المتابعة إذن؟ فالمتابعة واضحة في الآية [فاتبعوني] أي في كل شيء اتبعوني في العبادات والأخلاق الكريمة والمعاملات اتبعوني في معاملة الزوجات ورعاية الأولاد والبنات ورعاية الجيران وصلة الأرحام حتى في معاملة الأعداء علينا أن نتبع سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هديه لأنه هو الهدي الذي اختاره مولاه وكان الصالحون ولا يزالون يتابعونه في أكثر من هذا يتابعونه في هديه في الطعام وفي سنته في الشراب وفي طريقته في سرد الكلام وفي نظراته إلى الأكوان وإلى الأنام وفي مشيه وفي جلوسه وفي نومه وفي كل حركاته وسكناته ولا يفعل الإنسان منهم عملاً ولا يتحرك حركة إلا ونظر كيف كان صلَّى الله عليه وسلَّم يعملها ليقوم على هديه ليفوز بوده ويعمل بقول الله [فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ]ولم يقل الله عزَّ وجلَّ فيها اتبعوني فيما ظهر ولكن اتبعوني ظاهرياً وقلبياً وروحياً وفي كل الأحوال نتبعه في الظاهر في التواضع ولين الجانب والشفقة على الخلق والرحمة والمودة ونتبعه في الباطن في الخشية والخوف من الله والخشوع والإخبات والإقبال والحب والوجد الصادق لمولاه فلا بد وأن تكون المتابعة شاملة وفي جميع الجوانب وكلما زاد الإنسان في المتابعة كلما اقترب من المبايعة فإن الذين بايعوه هم الذين اختارهم الله عزَّ وجلَّ واتبعوه قال تعالى [إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ] ولذلك عندما أمرهم صلَّى الله عليه وسلَّم في سر هذه الآية وكانت في صلح الحديبية فقد أمرهم رسول الله أن يحلقوا شعورهم وأن يذبحوا هديهم فلم ينفذوا حتى أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دخل على السيدة أم سلمة رضي الله عنها وكانت معه في هذه المرة وقال لها: هلك الناس قالت: ولم يا رسول الله؟ قال: أمرتهم أن يحلقوا شعرهم ويذبحوا هديهم فلم يمتثلوا فقالت: يا رسول الله اخرج أمامهم واذبح هديك واحلق شعرك فلن يتخلف عنك رجل واحد وذلك لأنها تعلم أنهم كانوا يقتدون بفعله فالرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بالنسبة لهم كان هو القدوة الحقيقية والرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كانت له أقوال وله أفعال وكانت أقواله فيها يسر وتيسير لأنه يخاطب بها جميع الخلق أما أفعاله فقد كان يأخذ فيها بالعزيمة فيأخذ نفسه بالأشد ويأمر غيره بالأيسر والألين والأخف يأمر بالرخص ويأخذ نفسه بالعزائم وأصحابه من شدة حبهم وذكائهم وفطنتهم علموا هذه الحقيقة فكانوا يستمعون إلى أقواله ولا يقومون للعمل إلا إذا شاهدوا أفعاله وذلك من أجل [فاتبعوني]وليس فاستمعوا لي فاتبعوني لأنهم يريدون أن يكونوا معه يعني يشاركوه في نواياه وطواياه وباطنه الذي يتوجه بالكلية إلى مولاه وأعماله التي كان يتوجه بها إلى حضرة الله جل في علاه فكانوا يقتدون بفعاله ويمتثلون لأقواله لماذا؟ لأنهم يعلمون أن الأقوال للجميع لكن الأعمال بالعزيمة التي يأخذ بها رسول الله حتى كانوا يذهبون ويتساءلون عن أدق الأشياء يسألون زوجاته عن أكله وعن نومه عن عبادته وعن ذكره وعن طاعته ولذلك لم يحكِ التاريخ حركات رجل وسكناته كما حكى عن سيد الأولين والآخرين صلَّى الله عليه وسلَّم فلا توجد حركة صغيرة ولا كبيرة إلا وأظهرها الله لأحبابه لشدة تعلقهم بحضرته لأنهم كانوا حريصين على اتباعه صلَّى الله عليه وسلَّم فكانوا يقتدون بأفعاله ولذلك فإن الرجل في طريق الله هو الذي يأخذ نفسه بالأشد و يأمر غيره بالأيسر أما الذي يأخذ نفسه بالأيسر ويأمر غيره بالأشد فإن مثل هذا غير فقيه في دين الله عزَّ وجلَّ لأن هذه ليست سنة رسول الله فخرج سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم- وإياك أن تقول أنه خرج بمشورة السيدة أم سلمة فكأنك تزعم أنه لا يعرف ذلك - ولكنه أراد إظهار قدرها وإعلاء شأنها لكي يبين أن نساءه ذات فقه في الدين حيث قال فيهن رب العالمين[وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ]فقد كن فقيهات وحكيمات وعالمات فخرج صلَّى الله عليه وسلَّم وذبح هديه فكاد الناس أن يقتتلون لذبح هديهم لأنهم يقتدون بفعله قبل قوله وكذلك دعا الحلاق ليحلق شعره فتنافسوا على شعره فمنهم من فاز بخصلة ومنهم من فاز بشعرة ومنهم من فاز بأقل أو أكثر من ذلك ثم سارع الناس لحلق شعرهم لحرصهم على الإقتداء بسيدنا رسول الله صلَّى عليه وسلَّم في أفعاله.
كيف يحبك الله
التعليقات (0)