مبـروك عـودة قواتنا المسلحة
مصعب المشرّف
15 يناير 2020م
الجميع ردّد قرب منتصف ليل أمس الثلاثاء 14 يناير مقولة "رُبّ ضـارة نافعـة" .. ونحمد الله أن تمرد وحدات ومجموعات من عناصر هيئة العمليات بجهاز الأمن قد إنتهى بسرعة قياسية . بل ومستوى جودة عاليى المهنية نفذتها قوات الشعب المسلحة الباسلة . وعلى نحو حافظت فيه على تقاليد وشيم وقيم شعبها .. وأبهرت العالم من حولها ...
وقد كان من أهم الثمار التي جناها السودان قاطبة من الحسم المهني لتمرد يوم أمس المسلح ,, كان من أهم ثماره أنه منح الفرصة كاملة للجيش كي يستعيد كرامته التي تسبب بإهدارها الكيزان طوال ثلاثين عام ... فكان أن نام الشعب أمس فرحاً مطمئناً قرير العين ؛ واستيقظ مستبشراً على وقع حالة نفسية إرتفعت بها معنوياته بعوده قواته المسلحة إلى سابق عهدها في أداء دورها الوطني الطبعيي الذي كفله لها العرف والدستور.
أحداث الأمس عززت الرأي الذي طرحه بعض حملة الأقلام من ضرورة تكريس إستراتيجية حكم جديد للسودان ؛ من واقع التجارب التي خاضها الشعب منذ الإستقلال المتعلقة بإشكالية السلطة والحكم الأصلح والأفضل للسودان الحر المستقل وبما يحقق الإستقرار ..... الإستقرار الذي يفضي تلقائيا إلى تفرغ العباد لمعاشها دون تمييز بين عرق ودين وجهة ... وبما يؤدي إلى تنمية البلاد بإستغلال أسلم لثرواتها المتعددة التي أفاضها عليها الله عز وجل.
هي الشراكة الفاعلة إذن بين مكونات الشعب ومؤسساته المؤمنة بالتعددية والمدنية ؛ التي تتبنى وتمارس قناعات الحرية والعدالة والمساواة خياراً للشعب.
بالعودة إلى الوراء قليلا والبدء تحديدا من تاريخ 17 نوفمبر 1958م .. نلاحظ أن أهم محتويات كل بيان رقم (1) من الإنقلابات العسكرية التي نجحت في الإستيلاء على السلطة أو لم تنجح . نلاحظ أنها ركزت على قضيتين .. القضية الأولى تشاحن وتشاكس وخلافات الأحزاب (الطائفية خاصة) فيما بينها من جهة . وخلافاتها مع الأحزاب الأخرى في الساحة السياسية من جهة أخرى ..... ثم وشكوى الجيش من إنعدام الأمن في ربوع البلاد بوجه عام وعدم حسم الحرب في الجنوب السابق بوجه خاص.
إفتقار أنظمة الحكم المتقلبة ما بين العسكرية والرئاسية الشمولية والديموقراطية الليبرالية .... إفتقار هذه الأنظمة إلى واقع ومتطلبات الشراكة الفاعلة بين المدني ممثلا في الأحزاب السياسية . والعسكري الممثل في القوات النظامية ,,, القوات النظامية التي شكلها الشعب وفقا للدستور . ومنحها ثقته كمؤسسات تدافع عن البلاد في مكونها العسكري والأمني من جهة . وتدافع عن أمن المواطن وصيانة المجتمع في مكونها الشرطي والبحثي الجنائي من جهة أخرى.... إفتقار أنظمة الحكم لدينا في السودان إلى هذه الشراكة الفاعلة كان ولا يزال وسيظل "كعب أخيل" البلاد الذي تضرب منه كل مساعي أهلها في اللحاق بركب الأمم المتطورة قياساً لما يمتلكه السودان من مقومات إيجابية مشهود لها.
إن الشراكة هذه التي ننادي بها ليست بدعة أو نقيصة كما قد يخطر على ذهن البعض من الوهلة الأولى . فمثل هذه الشراكة الإيجابية الفاعلة توصلت إليها أكبر الدول الديموقراطية في تاريخ العالم المعاصر . ولا تزال تمارسها .. وكان فيها وبها سبب إستقرارها وتقدمها وتوفيقها في تحقيق أعلى معدلات النمو الإقتصادي والرفاهيه المعيشية ... فقد تفرغ الجميع فيها لأداء مهامه الموكلة إليه . ولم يعد تشغلهم هواجس الخوف والقلق من يوم غـد تتغير فيه الأنظمة الحاكمة بالمخالفة للدستور ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وتطيح بكل البناء الذي سبق مقدمها إلى السلطة. كما كان من بين أهم ثمار هذه الشراكة أن وثق بها المستثمر الوطني والأجنبي ، سواء لجهة الإستقرار أو من حيث تمتعها بالشفافية والمصداقية.
إن الشراكة التي ننادي بها اليوم لاينبغي أن يتم التوافق عليها على طريقة السماسرة في الدلالات ... ولكن ينبغي النص عليها في دستور دائم بستفتى فيه الشعب . وليكون المرجعية في كل أمر أو في حالة نشوء بوادر خلاف ... وحتى لا يأتينا أحدهم بمقولات من قبيل "بوخة المرقة" .. و :يا فيها يا أطفيها" .. و "كاني وماني" ...... كاني وماني التي إشتهرت بترديدها الراحلة سعاد حسني في أفلامها الأبيض والأسود على أيام سينما الزمن القديم.
ويتبقى بعد ذلك والأهم أن يلتفت وزير التربية والتعليم إلى إعادة صياغة المناهج الدراسية في مراحلها العامة الجديدة المتوقعة (6+3+3). والتركيز في هذه المناهج الدراسية على غرس ومعالجة القضايا الكلية وليس الجزئية .. وحتى يتم بذلك توسيع أفق التلميذ النشء وعدم حبسه في الجزئيات وإغراقه في التفاصيل ...... وبذلك نضمن نشأة جيل حديث منفتح العقل حـر متسع الأفاق . قادر على الخلق والإبداع . وبما نضمن معه مسيرة مضطردة للبلاد في مجال النمو والرفاهية وإستبدال مزالق النفاق الكيزاني العقيم بمكارم الأخلاق المنتجة.
التعليقات (0)