علينا جميعاً أن نعترف بأنه إذا كانت مصالح حفنة من الأفراد لا تراعى العدل ولا الوضع الإجتماعى فى بلدهم ، فإن جماعات المصالح تلك يصبح إسمها الصحيح جماعات "مافيا" ، وإذا أردنا أن نحل مشكلاتنا يجب أن نتحدث بصراحة وبدون خوف .. فلا يخاف من الصراحة إلا المرتجفون والمرتجفون يهدمون ولا يبنون ! ، فقبل ثورة يناير كانت أصعب مشكلة ستواجه رئيس مصر ما بعد مبارك هى كيفية إجراء الطلاق ما بين الثروة والسلطة ، طلاقاً بائناً لا رجعة فيه ، وبأقل مؤخر صداق مع تفادى حدوث هزات سياسية وإقتصادية عنيفة ، ففى نهايات عهد مبارك إزدهرت تلك العلاقة المحرمة ما بين السلطة والثروة لتنتج لنا غابات سامقة من الفساد ، وأصبح شعار أصحاب النفوذ " نفع وإستنفع" ، وما أن بدأت ثورة يناير وهى ما زالت فى طور المظاهرات فوجئنا بأن أصعب مشكلة ـ فى ظنى ـ تم التخلص منها ، فتم إبعاد رجال الأعمال عن الوزارات وتم التضحية ببعضهم فى سبيل تهدئة الشعب الثائر ، وبقيام الثورة تم ضرب دولة ( مافيا .. ستان ) التى أسسها مبارك وولده جمال فى مقتل .
وبعد قيام الثورة ظهرت المشكلة الأكبر الخافيه عنا والتى عمل على تأسيسها نظام الرئيس السابق وهى تدمير مؤسسات الدولة وإخضاعها لمصلحته وليس لمصلحة الدولة ككل ، وكما ذكر المستشار طارق البشرى ( أن حسنى مبارك يكاد يكون أول حاكم لمصر الحديثة يسعى بسياساته إلى تدمير الهياكل الأساسية التى تقوم عليها مصر حضارة وشعباً ومصالح جماعية .. ) وقال أيضاً (عمل نظام مبارك على تفكيك وتقويض أجهزة ومؤسسات وهيئات الدولة ... ) ، فكيف إستطاع نظام مبارك فى تنفيذ إرادته الخبيثة تلك ؟! .
بدأ النظام السابق صناعة طبقة رجال أعمال تدين له بالولاء وقبل ذلك بسنوات بدأ فى البحث عن كيفية إخضاع سلطات الدولة له ولم يجد فى ذلك أدنى صعوبة ، فشياطين الإنس يحيطون به من كل جانب وليس صعباً عليهم توفير الطريقة ، فبدأ التمييز والإنتقائية بداية من تولى المناصب القيادية لمن يتوسمون فيهم تنفيذ ما يُؤمرون به دون مشاكل ، فكان المعيار الأهم لتولى المناصب هو الثقة وتراجع معيار الكفاءة ، وحتى طريقة الإلتحاق بوظائف الهيئات السيادية والقضائية وكذلك إدخال المرضى عنهم بالتزوير للسلطة التشريعية ، وبذلك أغلق السلطات الثلاث التى تحكمنا على فئات معينة دون غيرهم مهما كان هؤلاء ـ الأغيار ـ من أصحاب الضمير اليقظ أوالمجاميع والتقديرات المرتفعة ، فهؤلاء ـ الأغيار ـ يُنظر لهم بوصفهم غير لائقين إجتماعياً ! .
وهكذا قنّن وأسّس وحوَّل نظام مبارك سلطات الدولة إلى سلطات ومؤسسات عائلية توريثية ، ومن يفلت من تلك الشبكة العائلية ليلتحق ـ مُستجداً ـ بهيئة أو مؤسسة سيادية لا يخرج عن كونه دفع رشوة لأحد النافذين إن لم يكن له واسطه ، لذلك من الحماقة أن نطالب شخصاً نال منصبه بالواسطة أو بالرشوة بالإستقلال بقرارته ثم يلبي هذا الطلب .
ومؤسسات وهيئات الدولة السيادية معروفة لذلك سنجد أن الثورة أطاحت برأس النظام بسهولة ثم إصطدمت بعد ذلك بمؤسسات بيروقراطية يتولاها أفراد ليس لديهم قابلية لهضم الثورة حتى الآن ، والسبب الرئيسى فى ذلك يرجع لتوافق ذلك مع رغبة حكام ما بعد الثورة ، لذلك فهذه المؤسسات لن ترضخ بسهولة لمطالب الثورة ليس ولاءً لمن ولاّهم وهو مبارك ولكن لأنه لم تأتى لهم أوامر بالتعامل مع ما حدث بصفته ثورة ، فالنظام السابق ـ رغم فساده ـ كانت أياديه سخيه مع تلك المؤسسات ، فكان يمنح البعض فى تلك المؤسسات المناصب الثمينة و"السمينة" كمكافئة لنهاية الخدمة ، وهذه الوظائف تبدأ من مسئولية فصول محو الأمية (!) وحتى مناصب رؤساء المدن والمحافظين ، فنتائج الثورة فى كل الأحوال لن تكون فى صالح تلك المؤسسات أو على الأقل لبعض النافذين فيها ، وبرغم وجود صعوبه بالغة فى تطهير وإخضاع تلك المؤسسات إلا أنه فى النهاية لن يصح إلا الصحيح وسيحدث ما تطالب به الثورة إن لم يكن عاجلاً فآجلاً .
التعليقات (0)