من الواضح أن الأنتخابات المصرية كانت أكبر أستفتاء على ولاية جديدة لمبارك ، وأكبر دليل على أن الشعب المصرى يرفض الوجه القبيح لمن يطلقون على أنفسهم بالمعارضة وكأنه يقول لهم " كفاية خيبة " !
بقراءة بسيطة بعيدة عن الرياضيات المعقدة وحسب الأوراق الرسمية نجد أن حوالى سبعة مليون مصرى من جملة ما يقرب من أثنان وثلاثون مليون مصرياً مقيدون فى جداول الأنتخاب المصرية ذهبوا إلى صناديق الأنتخاب ومن بين هؤلاء السبعة مليون صوت مصرى كان نصيب مبارك ستة مليون وشوية !
من هذه الأرقام نجد فشل مبارك لكنه نجح فى أنتخابات بأسلوب الأستفتاء لأن المرشحين التسعة أمامه لم يقنعوا أنفسهم وبالتالى لم يقنعوا من حولهم بأن يقدم لهم الشعب المصرى الأحترام اللائق بمرشح لرئاسة الأمة المصرية ، لذلك كانت النتيجة طبيعية وكان أمتناع ما يقرب من خمسة وعشرين مليون مصرى عن الإدلاء بأصواتهم مجرد إعلان صامت عن عدم الرضى عن هؤلاء العشرة المرشحين لرئاسة مصر العظيمة وغضب المصرى الصامت من عدم ظهور الشخص المناسب من بين السبعين مليون مصرى ليحكم أرضها وشعبها .
كان من السهل جداً ومن خلال الأرقام السابقة أن يسقط مبارك ولكن الشعب المصرى كان عليه أن يختار بين فرعون مصر الحالى وبين تسعة مرشحين يريدون أن يتفرعنوا ، لذلك جلست الأغلبية فى منازلهم وذهبت الأقلية تحت سلاح الترهيب والترغيب للأنتخاب أو بكلمة أدق للأستفتاء على ولاية خامسة لمبارك .
ظهرت نتائج كثيرة لهذه الأنتخابات السريعة جداً وأهمها فشل الأحزاب والحركات السياسية فى أول تجربة لأنتخاب رئيس للجمهورية ، فشل الحزب الوطنى وغير الوطنى فى إنتخابات كانت معروفة النتائج .
سقطت أيضاً الشعارات والأنفعالات الدينية التى أراد البعض أستغلالها وأعلن خمسة وعشرين مليون مصرى رفضهم لمختلف الدعوات الدينية بأنتخاب مبارك أو بأنتخاب شعبولاه ، لأنهم يريدون مصلحة الوطن والمواطن ، يريدون حرية العبادة والأديان ويرفضون الطائفية الدينية والعقائدية التى وضعها الوهابيين فى الدستور المصرى العربى ، لكنهم يريدون الوطن المصرى للجميع ، تلك الملايين الصامتة ستخرج يوماً لتقود مستقبل مصر نحو الحضارة الإنسانية التى يصبو إليها محبى الحياة .
تيقن المصرى من أن الأحزاب والسياسيين والمتدينين وغيرهم يتحدثون عن أشياء تنتمى إلى ظلاميات الماضى أشياء لا مكان لها فى ذهن المواطن الذى يريد أن يحيا عصره بمنجزات التقدم الفكرى والعلمى والأقتصادى وغيرها من منجزات يصنعها الأحياء لا الأموات ، تيقن المصرى من أن غربته التى يعيشها والتى يعمل قوى النظام على تأكيدها بتهميش هويته المصرية وكل ما له علاقة بتلك الهوية وكأن مصر كلمة غريبة وبلد غريب عن الوجود.
إن الشعب المصرى فقد الثقة فى الوجوه المنافقة التى تسيطر على الساحة السياسية ، ويعرف بطبيعته المصرية الحضارية أن كل من يصنع الفساد ويتستر عليه هو غريب عن هذه الأرض المصرية لا ينتمى إليها بل ينتمى إلى أجداده من الغزاة الذين أستعمروا مصر واعتبروها بقرة حلوب يأكلون من خيراتها ويشوهون هويتها، وليس غريباً أن الرئيس المصرى بعد أربعة وعشرين سنة فى حكم مصر وشعبها يقول أنه سيستمر فى عملية الإصلاح وبمعنى أخر إصلاح ما أفسدته سنوات حكمه وما أفسده رجاله المخلصون لسياسات أبتدعوها أفسدت وأستهلكت المخزون الحضارى للأرض والشخصية المصرية .
نسبة السبعة والسبعين فى المائة من شعب مصر الذين أداروا وجوههم للنظام السياسى برمته ، هم القوة الحقيقية التى يمكن لها أن تفعل الكثير فى مستقبل مصر وعليهم الآن مسئولية تقديم الوجه الحضارى والحقيقى للإنسان المصرى والذى تم إفسادها بهويات وأفكار بدوية تخريبية هدامة ، السبعة والسبعين فى المائة سيكون لهم دورهم الفاعل فى تغيير الواقع الميت وإيقاظ الضمير المصرى بإيقاظ الوعى الحقيقى بالمواطنة المصرية التى بدونها سيظل المجتمع تائهاً فى دوامة الهويات الغريبة عن طبيعتنا .
سبعة وسبعين فى المائة من المصريين أعلنوا أنهم أحراراً وليسوا عبيداً لصناع السياسة المصرية عسكر وحرامية الماضى والحاضر ، سبعة وسبعين فى المائة من المصريين هم المشروع الحقيقى لمستقبل الأمة المصرية والسبيل الوحيد للحاق بمسيرة الحضارة الإنسانية هو الرجوع إلى هويتنا المصرية بما تعنيه من كل مقومات وبرامج لعلاج مشاكل الأمس واليوم وبناء إنسان الغد المصرى الأصيل .
2005 / 9 / 16
التعليقات (0)