لا نحتاج الى عظيم جهد لتلمس ذلك الخليط العجيب من الأمل واليأس الذي يتقاطر من بين الكلمات التي صيغت بها المبادرة العراقية لحل الازمة السورية والتي طرحت على هامش اعمال مؤتمر قمة دول عدم الانحياز في طهران,فعلى الرغم من ان الكم الكبير من النيات الطيبة التي تثقل المبادرة قد يبعث الآمال لدى بعضهم ببصيص من حل قد تعسر فجره على افق الشام المدماة بالصراع الطويل,ولكن النظر بواقعية الى المعطيات الحقيقية التي تحكم طبيعة الصراع على الارض قد تذهب بنا مباشرة الى الاصطفاف بجانب اليأس بان يكون لهذه المبادرة سبيل الى الحل المرتجى..فبعيدا عن الانسياق وراء الاخلاقية المفرطة التي صيغت بها المبادرة ,وامكانية تسويقها لدى العديد من الاطراف المتقاطعة,وموافقة دمشق عليها ,الا ان الموقف الواقعي الذي يجب البناء عليه هو انه ليس هناك اي فرصة حقيقية امام المبادرة للحياة..
ان مقتل المبادرة ومكمن الخلل فيها ليس في بنودها التي يجب الاقرار بانها قد تكون الاكثر منطقية من بين كل المبادرات التي تداعت على الشعب السوري كما تتداعى الاكلة الى قصعتها,ولا في منطلقاتها او المآلات التي ينتظر ان تفضي اليها,لان الجميع يعلم انه لا مجال لتكرار الحالة الليبية على ارض سوريا وان المفاوضات ستكون هي الخيار الاخير شاء من شاء وأبى من أبى,وانها قد تكون فرصة مناسبة لالتقاط الانفاس-بشرف- الى العديد من الاطراف,ولكن اساس المشكلة التي ستواجه الجهود العراقية في تمرير المبادرة هو انها تشترك مع جميع التجارب الفاشلة السابقة في تقدمها الكبير على مواقف الدول الكبرى وعدم استنادها الى اتصالات ومباحثات او جس نبض مسبق لاطراف النزاع-كما اعلن- او على قراءة سليمة لطبيعة الصراع والاعتماد على سوابق تاريخية او معطيات سياسية واجتماعية معبرة عن مفردات الواقع السوري الراهن على الارض..وخطل التغافل المؤسف عن محدودية المنتظر من وضع الرئيس الذي تخلى طوعا وبقصدية كاملة عن شرعيته الهشة من خلال سلب مواطنيه حقهم الانساني الاصيل في الحرية والتعبير وممارسة الحقوق السياسية,في طاولة واحدة امام قوى تفقد يوما بعد آخر التفويض والسطوة والسيطرة على الشارع المشتعل بالتدخلات الخارجية والاقليمية..
كما ان الرعاية العربية المفترضة للمبادرة قد تثير الكثير من التساؤلات عن ماهية وحجم وشمولية وجدوى المظلة التي ستقدمها الجامعة العربية للحوار..خصوصا مع الحديث المكثر المكرور الموثق بالمعقول والمنقول عن عجز هذه الجامعة عن حل اي من التحديات التي تجابه المنظومة العربية,والسبب الذي دفع العراق الى عدم استمزاج الرأي الامريكي الفاعل والمؤثر والحاسم في تخليق فرص النجاح لاي مبادرة اجرائية في المنطقة..والاهم هو ان المبادرة لا تقدم الجواب الصحيح للسؤال الصعب عن الخطوة التالية التي ستلي انفضاض القوم,ومتى وتحت اي ظرف ستطبق وكم من الوقت تحتاج لكي تتحصل على الرضا في ظل كل هذا الانقسام الدولي حيال الازمة وتفرعاتها التي تتناسل يوميا على المشهد السياسي والامني السوري المعتم.
والاكثر اهمية هو مدى فرصة مبادرة متبناة من قبل الحكومة العراقية للحياة,في ظل التداخل الكبير لدول الخليج مع العديد من الاطراف الفاعلة على الارض السورية وهم الذين ما زالوا يعضون الاصابع غيظا على رئاسة شكلية بروتوكولية لقمة عاجزة كلفت الشعب العراقي نصف مليار دولار,والتطير من امكانية ان يكون للعراق يد في تحقيق حلم الانسانية الاكبر في انهاء العنف المستعر في مدن واسواق وشوارع الشام الجريح,وقد نتلمس جوانب من هذا الغيظ من خلال التعتيم الاعلامي الكامل على تفاصيل وحيثيات المبادرة من قبل وسائل الاعلام الممولة خليجيا والتي كادت ان تقول خذوني من خلال ترويجها اللجوج المفرط عالي الصوت لتصريحات "الفوهرر" الهاشمي عن وجود ميليشيات عراقية تقاتل مع الاسد وتقديمها كحقائق مفرطة الوثوقية دون الاهتمام بالسؤال عن مصادر هذه المعلومات.
ولن يكون من الحكمة التغافل هنا عن تقاطع المبادرة الواضح مع الجهد الخليجي المعلن في اولية تسليك الطريق الى الحرب الاهلية و ضبط الصراع ضمن المعايير الطائفية وادامة وضع الملتحين في مقدمة البرامج الحوارية التي تزدحم بها شاشات الرأي والرأي الآخر وتأخر العناية بالبحث عن امكانية تقديم الحلول والامن للمواطنين المدنيين العزل.مما قد يفقد المبادرة الغطاء العربي اللازم لتمريرها ويتركها وحيدة على قارعة الطريق الموحش.
وهذه المعطيات هي ما قد تجعلنا نعد ان اي محاولة للقفز على هذه الحقائق الساطعة والواقع المتجسد على الارض لا يمكن عدها الا نوع من التجاهل او القصور عن فهم طبيعة الحراك الفعلي ومجريات الامور..وان هناك العديد من الارادات المتنازعة التي ستتماوت لافشال أي محاولة للحل يكون العراق طرفا-مجرد طرف-فيها.. وهذا ما قد يساعدنا على التمسك بنظرتنا التشاؤمية لمستقبل المبادرة والرضوخ للحقيقة التي تقول ان النيات الطيبة لا تكفي وحدها للنجاح.
التعليقات (0)