المجاملة وحدها..او قد تكون الصحبة الطويلة,او الايادي البيضاء, هي فقط مايمكن ان يدفع المرء على المجاهرة الخجولة بالدعم لما لا يراد منه الا ارضاء نزعات-بل قد تكون نزوات- الآخر ..واظهار الاهتمام بما ليس -ولا يتوقع- له نصيب من الصواب,ولا حظا في النجاح..
وبعض هذه الاسباب-او جميعها- قد تكون وراء التصريحات-الاقرب الى حديث فض المجالس- التي اطلقها الدكتور سيف عبد الفتاح، مستشار الرئيس المصري،والتي تفيد بأن مصر تدرس "جيدًا" التدخل العسكري في سوريا ,كنوع من التلميح الى دعوة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني،امير قطر,إلى تدخل عسكري عربي في سوريا لوقف النزاع هناك.
ورغم الطبيعة البروتوكولية الواضحة لهذه التصريحات,وتناقضها الفاحش مع المقاربة المصرية للازمة والتي تعتمد خيار لجنة المتابعة الرباعية, الا انها تبقى اكثر التصريحات جبرا لخاطر الداعم القطري الاهم وسط كل ذلك الفتور الذي قوبلت به الخطة والتي تجاهلتها جميع الاطراف الوالغة في الازمة السورية حتى تلك المحسوبة على معسكر الاخوان المسلمين وفعالياته السياسية والاعلامية..
فهذه الدعوة قد تصلح لكي تكون مثالا ناجحا على حالة الانفصال عن الواقع التي تعيشها القيادات العربية في مقاربتها للازمة السورية,وتشترك مع جميع المبادرات السابقة في حجم المظهرية والانتحال وفقدان الافق الذي قد يحمل أي مؤشرات مشجعة عن الخطوات اللاحقة,ولكنها قد تنفرد بانها الاكثر تعبيرا عن تلك الرغبة العارمة التي تحتدم في نفوس النخب الخليجية في فتح الباب امام نزاع اقليمي تبدو المشايخ العربية الكثير من الخفة في حساب تداعياته على امن وسلامة شعوب المنطقة.
"من الأفضل للدول العربية نفسها أن تتدخل انطلاقاً من واجباتها الإنسانية والسياسية والعسكرية وأن تفعل ما هو ضروري لوقف سفك الدماء"يقول الشيخ مستذكرا قوات الردع العربية الى لبنان في عام 1976 كخطوة" أثبتت فعاليتها وفائدتها"ولكنه يغفل عن النتائج الكارثية التي ادت لها تجارب التدخل العسكري العربي في التاريخ القريب والذي قد تبرر كل ذلك الفتور التي قوبلت به المبادرة..
ورغم ان هذه الدعوة ليست الا رقما في سلسلة المبادرات العربية العقيمة الا انه يمكن ان يميزها عن غيرها تلك "اللمسة القطرية"المأزومة بالعجلة الرعناء في قطف نتائج سياسات لم يحن اوان جنيها بعد..وفي تلك اللهفة العجول للقفز فورا الى الخواتيم المثالية بناء على معطيات ناقصة..فقليل من كلمات الثناء في قمة الدوحة دفعت قطر مباشرة الى تقديم مرشحها للامانة العامة للجامعة العربية ,كما كان تمكنها من شراء حق تنظيم كأس العالم حافزا لكي تضع عينها على رئاسة الفيفا, والآن..فان كثرة ظهور قيادات الاخوان في البرامج الحوارية القطرية قد يكون وراء الثقة القطرية بانه يمكنها ان تستخدم الجيش المصري في تحقيق تفوق على الارض يجير مستقبلا لصالح مشروع أخونة المشهد السياسي العربي.
من المحبط ان تكون الدبلوماسية القطرية الناشطة,رغم تقافزها الحثيث واللافت ما بين المؤتمرات واللقاءات والمنتديات واللجان المتناسلة ورغم خيوطها الكثيرة المتشابكة مع العديد من المؤسسات –وحتى الخفافيش-الدولية, ورغم كل تلك الرغبة في نثر الاموال,الا انها غير قادرة على التكيف مع غبن الجغرافيا ولا على فهم بان القدرة على فرض المواقف الدولية لا تتعلق بالرقعة التي من الممكن ان يصل اليها بث قناة الجزيرة, ولا في قدرة اعلامييها على الايحاء بان قطر تعرف ما تقوم به حقا.
ان آخر ما ينتظره السوريون,وهم في هذا الموقف العصيب,ان يكون الحل عن طريق الترويج لتدخل قوات لا وجود لها -ولا وعد-على ارض الواقع العربية..وهم بالتأكيد ليسوا في حاجة الى دعوة لا تختلف عن سابقاتها بالعشوائية والارتجال والضرر الذي تسببه للجماهيرالمحاصرة بين رصاص الحكم القمعي المستبد والتوظيف الانتهازي المدان لآلام المواطن السوري ضمن ممارسات الثورة المضادة المتناقضة مع حرية الشعوب وامالهم بالدولة المدنية الديمقراطية..
فيبدو ان الحسم ما زال بعيدا عن متناول الشعب السوري النبيل..وان قضيته ما زالت مفتوحة على مختلف الاحتمالات الشائكة..وقد تكون المبادرة القطرية الجديدة حول ارسال قوات عربية الى ارض الشام هي القشة التي ستقصم آمال السوريين في نهاية قريبة لمعاناتهم المتطاولة مع التغول الامني من قبل قوى النظام القمعي من جهة, والتدخل الخارجي الذي يستهدفهم في دمائهم وكرامتهم واحلامهم بالغد الحر المثمر السعيد من جهة اخرى..
التعليقات (0)