مواضيع اليوم

مبادرات ملكية بخطوات عملاقة ومبادرات الحكومة بخطوات السلحفاة

إدريس ولد القابلة

2012-11-13 21:56:02

0

 مرة أخرى تأكدت حقيقة قائمة على امتداد العهد الجديد. إنها الحقيقة الدالة على أن هناك بنّا شاسعا بين المبادرات الملكية والمبادرات الحكومية – وقد يُحسب بالسنوات الضوئية اعتبارا للفرق بينهما- إن على مستوى الوتيرة أو مدى الاهتمام بالمعضلات الكبرى والبحث على أجدى الحلول الواقعية الممكنة لتجاوزها والتقليل من آثارها وتداعياتها.

ففي الوقت الذي تلكأ فيه دور الحكومة بخصوص البحث على استثمارات أجنبية جديدة وجلبها إلى البلاد، قام الملك محمد السادس بمبادرة خلاقة مكّنت بلادنا من حصد أكثر من 12 ألف مليار سنتيما ستضخّ  عمّا قريب في منظومتنا الاقتصادية والاجتماعية.

إنها مبادرة ملكية خلاقة عرفت النور أسابيع قليلة  بعد أن أطلقت واشنطن الحوار الاستراتيجي بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وبعد مرور سنة عن تاريخ دعوة انضمام بلادنا إلى مجلس التعاون الخليجي. ومن المعلوم أن الملك محمد السادس اهتم بشكل خاص – في صمت ودون هرج- بإبداع أفكار جديدة من شأنها إنتاج ثروات مضافة وجلب الاستثمارات المباشرة الأجنبية، وذلك منذ اعتلائه العرش سنة 1999.

إن الزيارة الملكية الأخيرة لدول الخليج تميّزت بطابعين بارزين، أولهما يندرج ضمن الشراكة الإستراتيجية المبرمة مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي في دجنبر 2011 ، علما أن هذه الشراكة أقرّت بتمويل برامج تنموية بالمغرب بقيمة 5 ملايير دولار (40 مليار درهم( على امتداد 5 سنوات (2012 – 2016).

ويهمّ الطابع الثاني للزيارة الملكية الموقف المغربي الخليجي الأردني بخصوص القضية السورية, علما أن الملك محمد السادس هو أول رئيس دولة يزور مخيم اللاجئين السوريين –الزعتري- بالديار الأردنية، وهو المخيم الذي يحتضن المستشفى المغربي المتنقل متعدد الاختصاصات، وهي مبادرة  مغربية لمساعدة اللاجئين ضحايا غطرسة النظام السوري.

شراكة الربح للجميع

إن الزيارة الملكية الأخيرة لدول الخليج برهنت بشكل جلي أن الأفكار الجديدة الخلاقة يمكنها أن تشكل مصدرا لخلق الثروة المضافة وتفعيل التنمية في بلد غير نفطي – إلى حد الآن – مثل المغرب. لقد تمكّنت هذه الزيارة الملكية من غرض مشاريع استثمار واعدة تضمن الربح لجميع الأطراف.

فعلاوة على المساعدة الخليجية المقدرة قيمتها بــ 5 ملايير دولار (40 مليار درهم) المرصودة لتمويل البنيات التحتية الأساسية، في المجال الفلاحي وقطاع النقل وتحسين الخدمات الاجتماعية، من صحة وتعليم وسكن، وتسهيل الاستفادة منها،أبدت الدول الخليجية اهتماما خاصا بمجالات أخرى حقق فيها المغرب نجاحات وتقدما ملموسا، منها مجال التكنولوجيات الجديدة والطاقات المتجددة وقطاع الصناعات الغذائية والصناعات الكيماوية وقطاع صناعة الطائرات والسيارات والقطاع السياحي. إنها مجالات واسعة وواعدة وغير مسبوقة عربيا للتعاون والشراكة المغربية الخليجية، عمادها (أي الشراكة) فكرة "الربح لجميع الأطراف".

إن هذه الرؤية الملكية نجحت بامتياز في أخذ مكان الرؤية السابقة التي كانت ترى في دول الخليج مجرد مانحة للمال. وتتعزز هذه الرؤية الملكية أكثر بحكم أن المملكة المغربية تشكل فضاء استقرار سياسي واقتصادي وسط بؤرة عربية مازالت تتجاذبها القلاقل.

إنها فلسفة ورؤية جديدتين تؤسسان لشراكة اقتصادية من نوع جديد. وعلاوة على نتائجها وانعكاساتها المالية والاقتصادية والتنموية عموما، تتوخى أيضا انعكاسات سياسية جوهرية عبر تقديم نموذجا للاستقرار والسلم والسلام في خضم صيرورة تغيير وإصلاح ووسط بيئة عربية تغلي.

إن الزيارة الملكية الأخيرة للخليج فتحت صفحة جديدة في تاريخ علاقات بلادنا بدول الخليج العربي، علما أنها علاقات ظلت جيدة، وقد سبق لمجلس التعاون الخليجي أن دعا المملكة المغربية للانضمام إليه ليصبح عضوا فيه.

رؤية خلاقة تأكدت جدواها في ظرفية صعبة

في وقت يواجه الاقتصاد المغربي تراجعا مع نسبة نمو ما فتئت تتقهقر وتضخم متصاعد، ومع تزامن بلورة حكومة بن كيران لمشروع قانون المالية 2013 لا يبعث على الأمل كما كان منتظرا، ظل هذه الظرفية الصعبة أسفرت الزيارة الملكية الأخيرة للخليج على حصد 8 مليار دولار (40 مليار درهم) و500 مليون أورو ( 5،5 مليار درهم)، ليس كهبة كما يظن البعض خطأ، وإنما هي مرصودة لتعبيد الطريق لمشاريع استثمارية منتجة لثروة مضافة للطرفين معا. وهذا يعكس جانبا من الرؤية الملكية الخلاقة المهتمة بالأفكار الجديدة الاستثمارات المباشرة الأجنبية، وهي رؤية معتمدة أكثر من عقد ونيف بدأت تظهر نتائجها اليوم.

وقد تأكد نجاح هذه الرؤية الملكية الخلاقة في مجال تفعيل الشراكة الإستراتيجية المتقدمة، في وقت يعيش العالم أزمة مالية خانقة وينشغل فيه الاتحاد الأوروبي وبعضلاته المستعصية ويتكبد فيه شركاء المغرب انعكاسات ظرفية صعبة غير مسبوقة، إذ باتوا غير قادرين على ضمان علاقات اقتصادية ومالية وتجارية ذات جدوى لبلادنا.

 

حصيلة الرؤية الملكية الخلاقة  

جاءت حصيلة الزيارة الملكية الأخيرة للخليج في وقت تعيش فيه منظومتنا الاقتصادية  ظرفية صعبة جدا عجزت معها حكومة بن كيران في إخراج البلاد من النفق. وفي واقع الأمر، إن المبادرة الملكية أنقدت الحكومة التي يبدو أنها وصلت أمام الحائط اقتصاديا وماليا وليس في جعبتها أي رؤية واضحة المعالم ومحددة الأهداف وآليات بلوغها. هذا خلافا للرؤية الملكية الخلاقة التي عملت على إرساء شراكة مع دول خليجية لفتح آفاق جديدة بعد أن انسدت الأبواب أمام الحكومة.

لقد دعا الملك محمد السادس تلك الدول لتوسيع مجالات ووتيرة ومدى استثماراتها بالمملكة المغربية. وعلاوة على 5 مليار دولار المرصودة لتمويل مشاريع تنموية كبرى على امتداد نصف عقد، حصلت بلادنا على مساعدة سعودية بقيمة 1،25 مليار دولار ( 10 ملايير درهم) في إطار المساعدات المخصصة للدول العربية التي عرفت صعوبات مالية جراء تداعيات الربيع العربي. كما استفاد المغرب من استثمار قدره 1،5 مليار دولار (13 مليار درهم) خصصته مجموعة سعودية ،رائدة في مجالها، لتوسيع وحدتين صناعيتين لإنتاج الكهرباء بالجرف الأصفر.

وحصل المغرب على قرض مقداره 127 مليون دولار ( أكثر من مليار درهم) من صندوق النقد العربي، وذلك لمواجهة بعض الصعوبات الاقتصادية الآنية، سيما فيما يتعلق باستيراد بعض المنتجات والتجهيزات.

وساهمت مجموعة "وصال" السعودية في المجال السياحي بضخ 23،8 مليار درهم في الصندوق المغربي لتنمية السياحة.

وبذلك تكون الحصيلة الإجمالية للمبادرة الملكية ما يناهز 12 مليار و880 مليون دولار أي ما يفوق 12 ألف مليار سنتيم.

 

على سبيل خلاصة القول

جلب الملك محمد السادس إلى المغرب أكثر 120 مليار درهم من دول مجلس التعاون الخليجي، في وقت خرجت علينا حكومة بن كيران بمشروع قانون مالية أغضب الجميع.

مرة أخرى برز نفس التساؤل الذي برز منذ سنوات بخصوص غياب السير الطبيعي والمرضي لأداء الحكومة وقيام الملك بمبادرات رائدة على مجموعة من الواجهات. وكذلك التساؤل المرتبط باختبار الحكومة وراء الأوراش الملكية الكبرى والمبادرات الملكية الخلاقة عندما حاولت  تبني هذه المشاريع الملكية وإدخالها ضمن إنجازاتها .

علما أن حزب "المصباح" سبق وأن وعد المغاربة بالتعويض عن البطالة وان الذين يعملون في جميع القطاعات لن تنزل أجورهم عن سقف ثلاثة آلاف درهم وان نسبة النمو لن تنزل عن نسبة 7 بالمائة ونسبة العجز ستتقلص إلى نسبة 8،4 بالمائة ، لكن هذه الوعود وأخرى غيرها سرعان ما تبخرت وبات الحمق الحديث عنها حتى من طرف الذين صاغوها.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات