يصدر قريبا عن مركز الأهرام للترجمة والنشر.. وننفرد به:
ما يحدث بالعراق "الفتنة الكبرى الثانية"(1) !
بقلم/ ممدوح الشيخ
بوساطة فرنسية: الضاري التقى نجروبونتى..والمحصلة: لم نتفق!
مشعان الجبوري: مقاطعة السنة للانتخابات سابقا خطأ استراتيجي.. والسبب: حارث الضاري
حاجم الحسني متحدثا عن الشيعة: "ظلم فئة في الماضي لا يبرر تحولها إلى جلاد"!
محمد الأنور: تلقيت تهديدا من صحفية ما لم أتوقف عن توجيه أسئلة عن الدور الإيراني في العراق!
بسبب حوار صحفي: ضباط عراقي قال للجمعية المسئولة الصحفيين إنني جاسوس مصري!
حملة في الإعلام العراقي ضد العرب المقيمين بالعراق لأنهم "إرهابيون"..ولافتات مجهولة المصدر في بغداد: طردوا "الإرهابيين العرب"!
رد الفعل الرسمي العراقي كأن أقرب للفرحة والشماتة في مقتل إيهاب الشريف!
رامسفيلد عرض على صدام إخراجه من العراق مقابل وقف التمرد.. وصدام رفض!
محمد الأنور مراسل جريدة الأهرام القاهرية في العراق خلال السنوات الأكثر اشتعالا قرر أن ينشر "ما لم ينشر" عن تجربته المثيرة في العراق، الكتاب عنوانه: "الفتنة الكبرى الثانية: من أوراق مراسل صحفي في العراق"، وسيصدر قريبا عن مركز الأهرام للترجمة والنشر، وهو شهادة مراسل رأى عن قرب وقرر أن يقدم للقارئ العربي بعضا من تفاصيل وخلفيات المأساة العراقية، ونحن بدورنا ننفرد بتقديم الكتاب على صفحات "الوطن العربي".
والكتاب - بقدر ما يفضح الأوضاع الكارثية بعد 2003 فإنه بالقدر نفسه - يكشف عن الثمرة المرة لفترة حكم البعث، ففي "جمهورية الخوف" التي أنشأها افتقد الناس الشعور بالأمان في علاقتهم بالدولة فسعوا إليه في حضن الطائفة والمؤسسة المذهبية والعرقية وبين يدي العشيرة. فعاد العراقيون إلى انتماءاتهم الأولية وانغمسوا فيها لتزداد الحواجز بينهم وتتنامى الكراهية، لكن تحت سطح بدا كما لو أنه سميك. وقد سقط هذا السطح مع تمثال صدام حسين وانفلت العنف الذي كان كامناً تحت السطح معلنا ميلاد "الفتنة الكبرى الثانية" التي ما زالت معرفتنا ببعض حلقاتها المهمة غائبة.
والأنور يؤكد أنه يقدم بكتابه شهادة موثقة للأحداث - وخباياها - وللمخططات الجهنمية التي استهدفت العراق خلال فترة وجوده هناك من ديسمبر 2004 حتى سبتمبر 2008. وهو يعتبر ما حدث خلال هذه الفترة "الفتنة الكبرى الثانية".
المحطة الأولى المهمة في الكتاب انتخابات 2005 التي كانت هيئة علماء المسلمين على رأس معارضي إجرائها في ظل الاحتلال وكانوا يطالبون بربط إجرائها بوضع جدول زمني للانسحاب من العراق. ونظرا لما تحظى الهيئة من تأثير بين السنة العرب عقد السفير الأميركي ببغداد اجتماعا هو الأول منذ احتلال العراق مع الشيخ حارث الضاري رئيس الهيئة. وكشف الضاري أن اللقاء تم بوساطة السفارة الفرنسية وأن الوفد الأميركي فيه كان برئاسة القائم بالأعمال الأميركي جون نجروبونتى الذي قال إنه جاء بناء على تكليف من حكومته وتكلم عن أهداف زيارته وتتلخص في: الأمن والانتخابات. فبالنسبة للأمن قال إن العراقيين حُرموا الأمن 20 عاما وبالتالي نحن باقون حتى يستقر الأمن ونرى أن إجراء الانتخابات في موعدها يساعد على استقراره وهي تتم بقرار من الأمم المتحدة. وكان رد الضاري أن العراقيين لا يشعرون بأن الانتخابات ستحقق مطلبهم الرئيس: الانسحاب، ولذا فإن إنهاء المشاكل مرهون بإعلان جدول زمني للانسحاب، وقد رد نيجروبونتي بأنه لا يستسيغ هذا الكلام ولا يوافق عليه وأضاف أن الكثيرين من العراقيين طلبوا بقاءنا ويريدون الانتخابات في موعدها.. ..وبعد حوار طويل قال: لم نتفق!
وعقب الانتخابات تركزت المقاومة المسلحة للاحتلال في الأوساط العربية السنية، ورغم أن المقاومة مشروعة فإن الكثير من العمليات المحسوبة عليها أفقدتها مشروعيتها جزئيا لدى الشارع، وبخاصة عمليات القتل التي تحولت لانتقام مطلق بدأته القوات التابعة للأحزاب الفائزة بالانتخابات (الميليشيات) وعلى رأسها المجلس الأعلى وحزب الدعوة والعناصر الإيرانية، وقد نفذت كل حسب منطلقه عملياتها في العراق.
وقد كان هناك خطط واضحة تستهدف عزل العرب السنة، كما بدأت الأمور تتخذ منحى طائفيا بقوة ومالت القوى السياسية الشيعية النافذة وذات الميليشيات وعلى رأسها الائتلاف الشيعي باتجاه إيران التي وفرت المال والسلاح والخبرات العسكرية لدعم القوى السياسية التي تحكم وكانت خلال حكم صدام تقيم في إيران ووظفت إيران كما هائلا من المعلومات عن أدق الأمور العسكرية وغير العسكرية تملكها عن العراق، وكان مستشارو المخابرات الإيرانية يتحركون بحرية تامة وسط هذه القوات وينفذون عمليات ضد العراقيين.
ومن ناحية أخرى أظهرت الانتخابات الصراع على السلطة بين أجنحة الائتلاف الشيعي وهو حسم لمصلحة حزب الدعوة، بتولي إبراهيم الجعفري رئاسة الوزراء. وبدأت الأمور تتخذ منحى آخر مع سيطرة المتطرفين الشيعة على الحكم، وتشجيع المراجع الدينية للعراقيين على العمل في المؤسسات الجديدة. وهو ما جعلهم هدفا للعديد من الفصائل التي تعمل ضد المحتل. ومن هنا كانت بداية الفتنة الشيعية/ السنية في العراق، وقد عملت أطراف عديدة على تغذيتها.
مشعان الجبورى عضو الجمعية الوطنية رئيس كتلة المصالحة والتحرير أحد السياسيين العراقيين الذين أورد محمد الأنور حوارا له معهم لم ينشر من قبل، وفي حواره كشف الجبوري عن رفض سني لمنهج هيئة علماء المسلمين، التي حملها مسئولية مقاطعة العرب السنة لانتخابات 2005 لأها "لم تقدم الأمر كما يجب، ولو كنا اشتركنا في العملية السياسية لما جرى فينا ما جرى ويجرى اليوم. والأمور تسير بشكل سيئ, ونحن عاتبون عليهم لأنهم طالبوا الناس بعدم الانتخاب وأوقعونا في خطأ استراتيجي.. وكل الإشكاليات التي يتعرض لها العرب السنة بسبب عدم اتراك في الانتخابات". وربما كان الأكثر إثارة أن الجبوري أعرب عن تقديره لموقف الأكراد الذين رفضا العلم العراقي بسبب ما ارتكب في ظله في عهد صدام حسين، فـ "هذا العلم ارتبط بقصف الطائرات ـ التي كانت تحمله ـ للأكراد بالأسلحة الكيماوية". وقد شهدت نهاية أبريل 2005 ظهور "الجثث المجهولة" في مناطق متفرقة من العراق وأصبحت القنوات والصحف وسائل للتحريض الطائفي، وبخاصة من قبل الفئات المحسوبة على الشيعة. وكانت الجثث المجهولة أشبه بكرة الثلج الصغيرة التي تحركت من فوق الجبل لتصل سفحه بجانب التفجيرات لتغذى العنف من الجميع ضد الجميع في ظل سيطرة الجهل والتحريض وانتشار السلاح. وساد القتل وبدأت عمليات الاختطاف والقتل المبرمج على الهوية بصورة منتظمة. ورغم ما قد يقوله كثيرون فإن عمليات القتل الطائفي بدأت من أطراف محسوبة على العرب الشيعة لأسباب كثيرة معقدة، منها التفجيرات التي كان البعض يحسبها على العرب السنة الذين قاطعوا العملية السياسية. ولكن الحقيقة خلاف ذلك، ولا أحد يمتلك رأس الخيط الحقيقي لمعرفة هذه التفجيرات التي حسبت على العرب السنة ومورس بحقهم القتل الجماعي بسببها ليردوا بعدها عليها، لتستمر دائرة العنف في غياب أي دور للعقلاء من أي جانب.
ودارت عجلة العنف الطائفي، وظهر أبو مصعب الزرقاوي إعلاميا منذ بداية مايو 2005، وهو ما توازى مع ضم ممنهج لعناصر ميليشيا فيلق بدر والبشمرجة الكردية والعديد من القوات الأخرى إلى الأجهزة الأمنية العراقية مع استمرار استبعاد عناصر الجيش السابق وقتل الكثير منهم في عمليات انتقام منظمة. رغم أن الكثير منهم تجاوز السبعين آنذاك. وكان الضغط على العرب السنة قد بلغ حدا لا يطاق من استبعاد وتهميش وقتل واتهام بالإرهاب. بل إن حاجم الحسنى، رئيس الجمعية الوطنية العراقية، الذي اختير بعد انشقاقه عن الحزب الإسلامي العراقي قال: "إن ظلم فئة في الماضي لا يبرر تحولها إلى جلاد"!
ويكشف الأنور عن حقيقة خطيرة تتصل بالتوجيه الأيديولوجي والسياسي لعمل الإعلاميين قائلا إن السيادة والسيطرة بينهم كانت للمنتمين إلى أحزاب سياسية أفرزتها الانتخابات الأخيرة، وكان معظم هؤلاء "يستغربون وجودى ويتعمدون توجيه الاتهامات للعرب بأنهم وراء كل المصائب التي تعرض ـ ويتعرض ـ لها العراق مع سب صدام حسين واتهام العرب بالإرهاب بدعوى أنهم وراء جميع الأعمال الإرهابية .. ..دون أي إشارة إلى إيران. وأذكر أنني تلقيت تهديدا من إحدى الصحفيات ما لم أتوقف عن توجيه الأسئلة التي تتحدث عن الدور الإيراني في العراق!
بل أن ضباطا عراقيا برتبة مقدم أعطى اسمي لمنسق أعمال الجمعية المسئول عن الصحفيين بدعوى أنني جاسوس مصري عقب حوار أجريته مع عبد الكريم المحمداوي، أمين عام حزب الله في العراق.
ويتوقف محمد الأنور طويلا عند عملية اغتيال الدكتور إيهاب الشريف، القائم بالأعمال المصري في بغداد، وحسب مصادر مطلعة فإن السفارة المصرية في بغداد تلقت عبر مصادرها العراقية تحذيرا من أن الشريف على قائمة الاختطاف وهناك جهة محددة تخطط لاختطافه، ورغم تعدد الروايات فإن ما آلت إليه الأمور في العراق يشير إلى تورط جهات إيرانية في اختطاف السفير المصري. ويشير الأنور إلى ما سبق الحادث، حيث نظمت حملة إعلانية وإعلامية في الإعلام العراقي الذي كانت تسيطر عليها حكومة الجعفري ضد العرب المقيمين بالعراق بدعوى أنهم إرهابيون لتنتشر في شوارع بغداد لافتات مجهولة الهوية تطالب بطرد "الإرهابيين العرب" من العراق. وكان رد فعل الحكومة العراقية، وبخاصة وزير الداخلية صولاغ، قريبا إلى الفرحة والشماتة!
وكانت المذابح اليومية مستمرة في مختلف الأنحاء العراقية وحسب ما هو معلن عن وزارة الداخلية العراقية فإن مشرحة بغداد استقبلت في يوليو 2005 أكثر من 1600 جثة مجهولة الهوية، أما غير المعلن فهو شيوع وانتشار ظاهرة الاختطاف والقتل وتشويه الجثث في مختلف أنحاء البلاد وتزامن مع هذا تصاعد عمليات القتل والاعتقال للعرب المقيمين في العراق، وبخاصة المصريون والسوريون والفلسطينيون والأردنيون، تحت ذرائع الإرهاب. وبلغت حملة الاعتقالات والقتل للعرب ذروتها مع حملات تحريض إعلامي قادتها قناة "العراقية" وكثير صحف طائفية ضد العرب، وتحديدا مصر. وشهد أغسطس 2005 اعتقال مئات المصريين في العراق، لم يعرف مصير الكثير منهم حتى الآن!
وفي الشهر نفسه وقع حادث "جسر الأئمة" الذي استغله البعض طائفيا، وبالفعل نشطت الميليشيات الشيعية المتطرفة بعد أن حمّل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية من وصفهم بأنصار صدام مسئولية الحادث، وهو ما اعتبره كثيرون ضوءا أخضر للتحرك ضد فئات معينة، لتبدأ حلقة عنف منظم استهدفت الكثيرين بالاغتيال والكثير من المناطق بالقصف الصاروخي وبمدافع الهاون دون تمييز.
وفي 22 ديسمبر 21005 وصل وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد للعراق ليجرى محادثات مع المسئولين العراقيين واجتمع خلال هذه الزيارة مع صدام حسين في سجنه وكان لقاء عاصفا استمر أكثر من 3 ساعات، وعرض فيه رامسفيلد صفقة تقضى بإخراجه من العراق مقابل مطالبته بوقف التمرد وهو ما رفضه صدام حسين.
أسدل عام 2005 أستاره، والعراق والعراقيون وسط حالة من الفوران والغليان والكبت المدعوم بالتحريض والدفع باتجاه الانفجار من قبل أطراف سياسية عراقية وأطراف إقليمية ترى في إشعال العراق وتصفيته تصفية لحسابات قديمة ومتجددة، ليبدأ عام 2006 والعراق ينتقل من سيئ إلى أسوأ.
لاشن
التعليقات (0)