نجحت حركة المقاومة الإسلامية حماس في فرض معظم شروطها على المفاوض الإسرائيلي على العكس تماماً لما تعوّد عليه المواطن العربي والفلسطيني من فرض إسرائيل إرادتها على المفاوض الفلسطيني والذي لم يستطع طوال عقدين من الزمن أن يخرج أسيراً واحداً ممن تسميهم إسرائيل بالأيادي الملطخة بالدماء، ونسميهم نحن بالأيادي المتوضئة والمباركة والتي رسمت الطريق إلى التحرير والعودة...
فكيف نجحت الصفقة؟ وما هي انعكاساتها على مشروع المقاومة؟ ولماذا وافقت حماس على استثناء بعض قيادات العمل الوطني والإسلامي؟
نجحت الصفقة بفضل الله أولاً وأخيراً ثم بنزاهة الوسيط المصري المتمثل بجهاز المخابرات، وكذلك صمود وصبر الشعب الفلسطيني بشكل عام وقطاع غزة بشكل خاص، وأخيراً بفضل قوة وعزيمة الفريق المفاوض والذي يترأسه شخصية قوية عبقرية يعرفها قطاع غزة من خلال الصور فقط، فهو ليس من عشاق الفضائيات ولا من عشاق الكلام ولكنه من عشاق العمل، هو القائد العسكري أحمد الجعبري، ومعه ثلاث قيادات من الصف الأول لحركة حماس، فعمل الجميع كخلية نحل، وتمسكوا بنفس طويل قادهم لتحقيق هذا النصر التاريخي، وفرض معظم شروطهم على المفاوض الإسرائيلي، والذي رضخ أخيراً لتك المطالب المشروعة، أضف إلى ذلك خشية إسرائيل من تنفيذ صفقة تبادل أسرى مع جمهورية مصر العربية تتسلم بموجبها إسرائيل الجاسوس الإسرائيلي الأمريكي إيلان جرابيل مقابل أسرى مصريين، وبذلك تضع القيادة الإسرائيلية نفسها في حرج محلي ودولي، كون الجاسوس الإسرائيلي لم يمكث في الأسر سوى بضع شهور بينما جلعاد شاليط تجاوز احتجازه الخمس سنوات، إضافة إلى ذلك موقف فرنسا من إسرائيل في حال نفذت الأخيرة صفقة الجاسوس جرابيل قبل شاليط الذي يحمل الجنسية الفرنسية.
أما انعكاسات الصفقة على مشروع المقاومة، فهي على النحو التالي:
1- عززت ثقة المواطن بمشروع المقاومة المسلحة والتي يحاول البعض طمسها من القاموس السياسي واستبدالها بالمقاومة السلمية.
2- أكدت على نجاح مشروع المزاوجة بين الحكم والمقاومة الذي تتبناه حركة حماس.
3- فتحت شهية فصائل العمل الوطني والإسلامي على مزيد من عمليات خطف الجنود وإبرام مزيد من صفقات التبادل مع إسرائيل.
4- أحرجت من يتبنون التسوية والمفاوضات كخيار واحد ووحيد لنيل الحقوق الوطنية المسلوبة.
5- حملت الصفقة رسائل سياسية عديدة للمجتمع الدولي بأن المقاومة ليست إرهاباً، وإنما هي وسيلة للتحرير، وكذلك أعادت الاعتبار لقضية الأسرى على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.
6- قد تعجل الصفقة المصالحة الوطنية على أساس مشروع المقاومة بكافة أشكالها.
أما فيما يتعلق ببعض التسريبات الإعلامية بأن حركة حماس وافقت على استثناء بعض قيادات العمل الوطني والإسلامي، فحتى لو صحّت تلك التسريبات- ونتمنى عكس ذلك- فإنها لا تنقص من شأن الصفقة لأن حماس عندما وضعت شروطها فهي طالبت بأعلى سقف ممكن، وبذلك قد تكون حماس حققت أعلى مما توقعته، ولكن هذا لا يسقط خيار خطف جندي إسرائيلي آخر، ونكون على موعد مع ألف أسير آخر وعلى رأس تلك القوائم قادة العمل الوطني والإسلامي، وجميع أسرى الحرية، فصفقة شاليط ليست نهاية المطاف، وإنما هي خطوة على طريق تحرير الأسرى.
خلاصة القول، فإن حركة حماس انتصرت على إسرائيل، وإن للصفقة ما وراءها، وبتلك التجربة الرائدة أكدت حماس على دورها الريادي والمحوري في المنطقة، وقد تشهد الأيام المقبلة مزيد من الاتصالات والعلاقات الدولية للحركة الإسلامية والتي قد تقود إلى رفع اسم تلك الحركة من قوائم الإرهاب، والبحث في آليات إنهاء الاحتلال.
التعليقات (0)