ما وجه الخطا في دعوة المهدي لتدريس التربية الجنسية؟
بقلم: الزبير محمد علي
Alzbeir11258053@yahoo.com
أثار الحديث الذي أدلي به الإمام الصادق المهدي حول إدخال مادة التربية الجنسية ضمن المناهج التربوية جدلاً واسعاً في الأوساط الدينية والفكرية؛ ووجدت الدعوة إستنكاراً من أكاديميين وأساتذة جامعات، متسائلين: كيف لإمام طائفة دينية لها وزنها في السودان أن يتحدث بمثل هذا الحديث ؟
أولاً: قبل الخوض في هذا النقاش أحب أن أوكد أنه ليس من هدف هذه المقالة الدفاع عن الإمام، فهو لايحتاج المرافعة من مثلي. كذلك ليس من هدفها النقاش البيزنطي الذي لا يكشف عن غاية، ولا يهدي إلي مقصد؛ بقدر ماهي محاولة متواضعة تعتمد النقاش العلمي الهادئ الذي يُقابل الفكرة بالفكرة، والشبهة بالحجة، والمنطق بمثله؛ فمن أبصر بعد ذلك فلنفسه، ومن عمي فعليها.
ثانياً: لست منزعجاً من الجدل الذي حدث حول هذا الموضوع؛ لأن التباين في وجهات النظر وتقدير الأشياء أمر فطري، ولكنَي قلق من غياب الموضوعية في الإختلاف بين الرؤي المتباينة.
ثالثاً: ولكي أكون في غاية الحزم والحكمة، ولوضع الأمور في نصابها الصحيح، لابد من الفصل بين صنفان من هؤلاء المنتقدين:
الأول: صنف الذين سلطوا سيف النقد علي السيد الإمام لأسباب شخصية؛ هؤلاء يُعتبرون أصحاب خلاف أملاه الهوي؛ وقد شهدنا هذا الأسلوب عندما أهدر أحد المسئولين دم السيد الإمام لمجرد موافقته علي دخول قوات اليوناميد كما أوضح ثروت قاسم، وعندما تراجعت الحكومة عن موقفها وقبلت بالقرار لم نسمع من هذا المسئول شيئاً. أصحاب هذا النوع من الإنتقاد لا يستهدفهم النقاش؛ لأن لديهم قناعة محسومة بمعارضة كل ما يصدر عن مخالفيهم في الرأي.
الثاني: صنف المنتقدين لأسباب يرونها موضوعية؛ هؤلاء أعربوا عن رأيهم بوضوح، وأبدوا مخاوفهم من إتخاذ خطوات من مثل هذا النوع. هذا الصنف من المنتقدين نحترم آرائه، ونتفهم مخاوفه، ونجتهد في نقاشنا أن نُوسع دائرة الإتفاق معه؛ فإن حدث الإتفاق كان ذلك هو المقصود والمنشود، وإن تعذَر التفاهم فلا شي يحسم هذا الجدل أكثر من إعتبار التباين في الرؤي من إيجابيات الإختلاف المقبول؛ والتي ذكرها المفكَر الإسلامي طه جابر العلواني في كتابه (أدب الإختلاف في الإسلام)؛ حيث قال:
أن الإختلاف يتيح- إذا صدقت النوايا - التعرف علي جميع أنواع الإحتمالات التي يمكن أن يكون الدليل رمي إليها بوجه من وجوه الأدلة.
وفي الإختلاف- بالوصف الذي ذكرناه - رياضة للأذهان، وتلاقح للآراء، وفتح مجالات التفكير للوصول إلي سائر الإفتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول إليها.
تعدد الحلول أمام صاحب كل واقعة ليهتدي إلي الحل المناسب للوضع الذي هو فيه بما يتناسب مع يسر هذا الدين الذي يتعامل مع الناس من واقع حياتهم.
لقد أثار المنتقدون جملة من المبررات إعتبروها كافية لإلغاء هذا العبث علي- حد وصفهم -؛ تلك المبررات هي:
- أن الدعوة إلي تدريس مادة التربية الجنسية عبث، بجانب أنها مؤامرة مدعومة، وحملة منظمة لتخريب البلاد؛ هذا إن لم تكن دعوة صريحة للعلمانية.
- أن إدراج هذه المادة في المقرر الدارسي له تأثير سالب علي عقول الطلاب، علاوةً علي كونها تؤدي إلي إختلال السلوك الطلابي الجمعي؛ هذا إن لم تُدمره.
- هناك من رآي أن هذه الدعوة تُخالف إجماع رأي المسلمين في الكتاب والسنة، مؤكدين أن إجتهاداً مثل هذا لا يسنده دليلٌ شرعي؛ وهذا يضع مؤيدي الفكرة في موقع المخالف لشرع الله.
- آخرون قالوا: إن هذه الدعوة تشيع الفاحشة بين الناس، والحديث الشريف يقول: (ما ظهرت الفاحشة في قومٍ حتي يعلنوها إلا أبتلوا بالطاعون).
- تربويون تعللوا بوجود مواد في المناهج الدراسية تحتوي علي بعض المواضيع التي تهتم بتعريف الإنسان بأعضائه وشرحها بصورة علمية، كما أن طريقة تناول هذه المادة- في رأيهم- لا تتناسب مع أعمار الطلاب، مما يؤدي إلي إثارة الغرائز الجنسية.
تلك هي مبررات الرافضين؛ وهي مبررات بعضها له وجاهته، ويحتاج إلي نقاش يزيل المخاوف التي ذكرها هؤلاء، وبعضها الآخر لا يرتقي إلي مستوي النقاش الجاد والهادف.
ولكي نضع النقاط فوق الحروف حتي لا تلتبس الأمور، ولا تختلط الأوراق، ولا يُعوَم النقاش؛ فإننا سنُناقش هذه المبررات في نقاط محددة:
أولاً: نظرية المؤامرة أصبحت جزء من تفكير كثير من الأكاديميين، بجانب كونها تفكيراً عاماً لدي شريحة واسعة من العوام، ومن يُتابع برنامج الإتجاه المعاكس يُدرك هذه الحقيقة؛ وهذا ناتج رُبما عن سببين:
الأول: أن أمتنا غفلت عن تراثها الفكري؛ وعندما يتبني الغربيون أهم معاني هذا التراث، ويُروَجون له بإعتباره قيَماً إنسانية عالمية؛ ننسي أن هذه القيَم من صميم تراثنا لمجرد تبنَي الغرب لها. فالإعتدال مُنكر بسبب إطلاق إمريكا لمُصطلحي الإعتدال والمُمانعة توصيفاً سياسياً لمنطقة الشرق الأوسط، وكذا الحال مع حقوق الإنسان، والحريات العامة، وتحرير المرأة، وغيرها.
الثاني: تبَني التيارات العلمانية في بلداننا، والتيارات التي لا علاقة لها بالدين لهذه الرؤي، رسخ نسبياً في الذهن الجمعي لأمتنا إستحالة أن تكون هذه الرؤي لها جذور في تراثنا الفكري؛ ولهذا رأينا الإتهام بأن دعوة تدريس مادة التربية الجنسية مؤامرة مدعومة، وحملة مُنظَمة لتدمير البلاد؛ علي الرُغم من إحتواء التُراث الفكري لأمتنا لما هو أوضح من ذلك كما سنري.
ثانياً: التخوف من الآثار السالبة لإدراج هذه المادة علي عقول الطلاب مشروع؛ وفي الوقت ذاته مقدور علي إحتوائه؛ فقط علينا أن نستصحب رؤي متخصصين في مجالات علم النفس، وعلم الإجتماع، والطب، لفحص هذه المادة من وجهة نظر تخصُصية، بهدف عزل الفقرات التي من شأنها أن تُحدث تأثيراً سلبياً علي عقول الطلاب، بجانب وجود فريق من علماء الدين لضرورة تكامل الرؤية، وفي رأيي إن حدث هذا؛ فإن المخاوف التي ذكرها الناقدين سوف تُبدد.
ثالثاً: الحديث عن مناقضة الدعوة لإجماع رأي المسلمين في الكتاب والسنة قول مردود، والمدهش أن الداعية الذي قال هذا الكلام ناقض نفسه؛ حيث قال: (أن القرآن لم يتطرق إلي قضايا الجنس)!؛ وهذا في رأيه كافياً لإلغاء هذه الدعوة. ونحن نقول: إذا كان القرآن لم يتحدث عن قضايا الجنس حسب رأي هذا الشيخ؛ فكيف تكون الدعوة مناقضة لرأي المسلمين في الكتاب؟! ومتي أجمع المسلمون علي تحريم تدريس مادة التربية الجنسية في المدارس؟ وهل فعلاً القرآن لم يتحدث عن القضايا الجنسية؟. سأترك الإجابة علي السؤالين الأوائل لهذا الشيخ؛ ولكنَي سوف أجيب علي السؤال الآخير.
قال تعالي: (ويسئلونك عن المحيض قل هو أذيً فأعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهُرن) البقرة 222. قال الإمام الطبري:( أخبرنا إسحق عن شريك عن ليث قال: تذاكرنا عند مجاهد الرجل يلاعب إمراته وهي حائض. قال: إطعن بذكرك حيث شئت فما بين الفخذين والإليتين والسرة ما لم يكن في الدبر أو الحيض). والقرآن مابرح يتحدث عن النكاح(فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.) النساء3.، وتحدث أيضاً عن المس (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) البقرة237. فكيف لإنسان عالم أن يقول أن القرآن لم يتحدث عن هذا؟. وإذا افترضنا جدلاً أن القرآن لم يتحدث عن الجنس؛ فهل القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع؟.
رابعاً: من قال: أن هذه الخطوة تشيع الفاحشة بين الناس، وتؤدي إلي إثارة الغرائز الجنسية لعدم تناسبها مع عقول الطلاب، ومن هذا المنطلق فهم يروا أن نكتف بالفقرات التي تُدرَس في المناهج المدرسية الآن. نقول أن مقدمات الفاحشة أصلاً شائعة بين الناس، وقِل أن تجد بيتاً ليس فيه ديجتال؛ وهناك قنوات كثيرة تُروج للإنحراف الجنسي؛ فهل معني هذا أن يتم إلغاء وجود الأطباق الفضائية نهائياً من مجتمعنا، أم الأصح الإستفادة من إيجابياتها، وبناء الدفاع الثقافي ضد سلبياتها؟. ثم إن سوق الإثارة الجنسية أصبح متاحاً في وسائل الإتصال الحديث، في الموبايلات، في الأشرطة، في الإنترنت؛ وهذا هو الدافع لتدريس هذه المادة، لكي يُدرك شبابنا المخاطر التي تترتب علي مشاهدة هذه المواد، وإذا لم نُقدم لهم هذه الوجبة الدراسية المؤصلة؛ فسوف يلجأون إلي أكل الوجبات الفاسدة، وما أكثرها الآن، وكما يُقال: (الممنوع مرغوب) !.
وهناك مسألة أهم يتخوف منها هؤلاء؛ وهي عدم تناسب هذه المادة مع عقول الطلاب. وفي رأيي أن الحل بسيطاً في هذه الحالة؛ حيث يُمكن أن ندعو لمؤتمر يضم أصحاب التخصصات المختلفة، الإجتماعية، والتربوية، والشرعية، والنفسية، والطبية؛ هؤلاء مهمتهم وضع المنهج المناسب الذي ينبغي تدريسه، وتحديد الفئة العمرية التي يتناسب معها هذا المنهج.
خامساً: الذين قالوا إن تدريس هذه المادة يخدش الحياء العام للمجتمع، وفيه أيضاً هتك لوجه الأدب. هؤلاء ندعوهم إلي قراءة السنة النبوية، وما جاء فيها عن أدب المعاشرة لدرجة تُخجل الحسناء، إقرأوا معي هذا النص؛ قال صلي الله عليه وسلم:( لا يقع أحدكم علي أهله كما تقع البهيمة، وليكن بينهما رسول. قيل: وما الرسول. قال: القبلة والكلام)؛ فهذا إرشاد لئِلا يكون الجماع مجرد لقاء حيواني محض، وقد ذكرت السيدة عائشة كيف أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يضع فمه في الموضع الذي شربت منه؛ بل توسع أكثر من ذلك حينما قال :(إذا أتي أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وُضوءاً؛ فإنه أنشط للعود). فهل أنتم أيها الناقدون أكثر حياءاً من نبي الرحمة صلي الله عليه وسلم؟ وهل أنتم أشد تقويً وورعاً منه؟. وعلماء الأمة أنفسهم كانوا واضحين في هذه المسائل، وكانوا لا يروْن في ذكرها حرجاً قال إبن القيم في زاد المعاد: ( ومما ينبغي تقديمه علي الجماع، ملاعبة المرأة وتقبيلها ومص لسانها).
يبدو أن الحديث عن الحياء في هذه المسألة لا معني له؛ ذلك أن الإسلام كان أكثر وضوحاً في قضايا الجنس من الأديان الأخري، لكون الإسلام يعتبر الجنس من أساسيات الفطرة الإنسانية التي لا معني للحياة بدونها؛ ولهذا نري الإهتمام بها وبتنظيمها في القرآن والسنة والتراث الإسلامي عموماً.
القضية الأخيرة في نقاشنا؛ وهي أهم من القضايا التي ذكرناها سلفاً؛ هي مسألة تثقيف المقبلين علي الزواج بفنيات الحياة الجديدة. يعني كثير من الشباب والشابات يمارسون العلاقة الزوجية بمفهومها التقليدي؛ وينسون المفعول السحري للمفردة الناعمة داخل المؤسسة الزوجية؛ هذا النمط دفع البعض إلي ممارسة الجوانب العاطفية خارج نطاق المؤسسة الزوجية مع الإحتفاظ بقضاء الوطر داخل هذه المؤسسة، وقد شكي كثيرون رجالاً ونساءاً من هذه المشكلة؛ وهذا يقتضي تعاملاً صحياً مع هذه المستجدات. كذلك هناك مشكلة الختان لا سيما الفرعوني في مدي تفاعل الطرفين مع العملية الجنسية؛ لأن هناك طرفاً كامل الأعضاء وآخر مشوه؛ وهذا بلا شك سُيولَد حرباً أهلية داخل مؤسسة الزواج الشرعية؛ لأن هناك طرفاً رابح وآخر خاسر؛ وهذا أيضاً يحتاج إلي توعية تجعل الطرفين رابحين؛ وإذا لم تتحقق هذه المعادلة الربحية، فسوف تحدث إحتقانات مستقبلية قد تظهر في أشكال مختلفة؛ وهذا سيُقوَض أركان الإمبراطوية الزوجية؛ لذلك قال الإمام الغزالي في إحيائه: ( إذا قضي أحدكم وطره فليتمهل علي أهله حتي تقضي هي نهمتها).
لا شك أن الصراحة في هذا الموضوع مطلوبة؛ وفي هذا الصدد نُرحب بمبادرة الإمام الصادق المهدي عن عزمه علي إصدار كتاب بعنوان ( أيها الجيل). وفي النهاية نتمني أن تُشكَل هذه المبادرة ضمن المبادرات الأخُري سفينة شرعية مؤصلة تعبُر بشبابنا إلي بر الآمان في ظل هذه الأمواج المتلاطمة من الرزيلة.
التعليقات (0)