أنفجارات أمام خمسة كنائس عراقية ، يبدو واضحاً أن الغرض منها إثارة الذعر فى نفوس العراقيين من المسيحيين حتى يهربوا بجلدهم من الفردوس العراقى ، وهى تأتى بعد سلسلة الأنفجارات التى أستهدفت أيضاً الكنائس فى أغسطس الماضى ونتج عنها هجرة الكثير من مسيحيى العراق إلى الدول المجاورة وخاصة سوريا.
أسوأ ما فى النفوس يخرج إلى السطح هذه الأيام ، كل الفتاوى التى تبيح سفك دماء غير المسلمين ، كل الخطب والأحاديث تصب غضبها ولعناتها على المسيحيين ، وتشجع رغبات الثأر والإنتقام من بشر يعيشون حياتهم اليومية وفق عقيدتهم المسالمة .
ترك الحاكم والمحكومين هؤلاء الأفراد الذى أعماهم السواد الدينى والمشاعر الأصولية إلى أن يتربعوا على عرش الحاكم بأمر الشيطان ، ويمارسوا تطبيق سموم الفكر يجولوا ينشرون التدمير دون وجود وازع دينى حقيقى بل رغبات شيطانية فى إهلاك الآخر .
هل الدين يدفع المؤمنين لكى يتعارفوا أم لكى يتحاربوا ويرهبوا البشر المسالمين ؟ لماذا نتطرف ونتعصب فى مشاعرنا وننسى وجود الله الذى فى يديه إرهاب وقتل وتدمير وهلاك ليس فقط ما نسميهم أعدائنا بل الكرة الأرضية كلها ؟ لماذا تزرعون أشواك بدلاً من الورود ؟ لماذا تجعلون من أنفسكم طيوراً كاسرة وتهملون نبع الحب والحنان الذى وهبكم الله إياه ؟ لماذا نفتج أبواب جهنم على أنفسنا وعلى من حولنا ونغلق أبواب الجنة ونحتكرها لأنفسنا ؟ لماذا نصدق كل ما تعلمناه فى حياتنا ولا نضع أحتمال الصواب والخطأ ؟
ألا تكفينا مآسى الحياة اليومية والإفرازات العبثية للعقليات والأفكار المريضة التى تنتج الدمار اليومى لتراث البشرية وتقدمه الحضارى ؟ لماذ لا نخفف من حدة مشاعرنا القبيحة التى تطلب الأنتقام والثأر من بشر لا حيلة لهم ؟ ماذا فعلت تلك الكنائس حتى يستهدفها الأنتقام الأعمى ؟ أين التسامح والرحمة والمحبة ؟ هل أستيقظنا فجأة فى قرننا الحادى والعشرين لنكتشف أن عقائدنا تعتبر كل البشر غير المؤمنين بديننا مجرد كفار وأعداء يجب قتالهم وتخريب ديارهم وإخراجهم من هذه الدنيا إلى دنيا جهنم التى أخترعناها ؟ كفانا خطب ومواعظ تمجد أدياننا لنسأل ضمائرنا بجدية : من أى مدرسة دينية تخرج هؤلاء الشباب وأين تلقوا علومهم ؟ !
أصاب الصداع رؤوس البشر لأحتكارنا الحق الإلهى واللعب بالألفاظ التى تقهر فكر أطفالنا وشبابنا وتفسد مجتمعاتنا ، إلى متى نستمر فى الصراخ بأعلى صوتنا حتى يصل صوتنا القبيح إلى كل أرجاء الدنيا لنعلن ونرضى كبريائنا أننا أفضل خلق الله مع أننا متخلفين عقلياً ؟
دعونا ننتصر للخير الذى فى أعماقنا ونطرد الشر خارجاً ولا نجعله يسيطر على عواطفنا الضعيفة ، دعونا نبتعد عن الإسفاف والفهلوة الفكرية ونقترب أكثر من إنسانيتنا المبدعة بنعمة العقل .
كفانا كلاماً أننا أفضل المجتمعات ولدينا أفضل القيم والمبادئ والتشريعات فى كل الدنيا ، ونحن نرجم أولاد مريم بل ومريم نفسها التى تجلس فى بيتها وتحت جذع نخلتها تهزها لتأكل من ثمارها ، فتتساقط عليها القنابل الكريمة !
وسط كل هذا الإرهاب الذى يمارسه أفراد وجماعات ودول صغرى وكبرى تنتهك حقوق الإنسان الآخر ، سيبقى لنا صوت السيد المسيح معزياً حنوناً بكلماته الخالدة المحبة لكل البشر القائلة : " سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك ، وأما أنا فأقول أحبوا أعداءكم ، باركوا لا عنيكم ، أحسنوا إلى مبغضيكم ، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم ، لكى تكونوا أبناء أبيكم الذى فى السموات " .
2004 / 10 / 17
التعليقات (0)