مواضيع اليوم

ما هو المطلوب من مشيخة الأزهر ؟

مصعب المشرّف

2010-03-23 19:44:32

0

ما هو المطلوب من مشيخة الأزهر؟


جاء (تعيين) الدكتور أحمد الطيب شيخا جديدا للجامع الأزهر بتاريخ الخميس الموافق 18/3/2010م بمثابة محاولة حكومية جادة لإعادة تلميع صورة هذا المسجد الذي بني بين عامي 970م – 975م. على يد القائد العسكري جوهر الصقلي مولى الخليفة الفاطمي "المعز لدين الله"..... ثم ليتوسع دوره شيئا فشيئا ليصبح منارة تعليمية وأحد المراجع الفقهية المهمة لأهل السنة من المسلمين في كل أنحاء العالم.
لكن هذا الصرح الديني تحول في السنوات الأخيرة بسبب إقحام السياسة في مساره وفتاوي مشيخته لخدمة الحكومة وتبرير قراراتها إلى عامل آخر من عوامل الفرقة والفتنة بين المسلمين بدلا من التوفيق والجمع بينهم وتوحيد كلمتهم.
وبعض الناس يقولون لك عفا الله عما سلف وقد مضى السلف وصار بين أيادي الله ؛ فدعنا نشاطر الحاضر ونتطلع إلى المستقبل ..... حسناً ... ولكن المشكلة أن الفقيه إن ترك منصبه أو الدنيا وذهب فإن فتواه تبقى ولا تدفن معه ..... وهنا تكمن المعضلة ويضيق خيار عفا الله عما سلف.

الشيخ أحمد الطيب:

الشيخ الجديد للأزهر د. أحمد الطيب ؛ ولد عام 1946م في قرية القرنة قرب مدينة الأقصر بصعيد مصر .. إلتحق بالأزهر في العاشرة من عمره حتى حصوله على درجة الدكتوراة .... عمل بالتدريس في جامعة الأزهر وبعض دول الخليج العربي ، قبل أن تعينه الحكومة مفتيا للديار المصرية ثم رئيسا لجامعة الأزهر منذ عام 2003م. تلقى دراسات إضافية في فرنسا ويتقن اللغة الفرنسية ... عرف عنه معاداته لفكر الأخوان المسلمين في مصر، ودافع كثيرا عن سيرة سلفه محمد سيد طنطاوي . وأعلن مؤخرا بعد تعيينه شيخا للجامع الأزهر أنه لم يكن بعيدا عن محمد سيد طنطاوي ويشاركه المسئولية في العديد من فتاويه المثيرة للجدل ، والتي يرى أنها جاءت من باب (منع الضرر) وفق ما صرح به لإذاعة البي بي سي الناطقة باللغة العربية في لندن.
وبالجملة يعرف الدكتور أحمد الطيب بأنه معتدل وصاحب فكر تنويري وفق ما نقلته وكالة فرانس برس ..... وقد وجد تعيينه ترحيبا حارا من لدن "روان وليامز" أسقف كنيسة كانتربري!!
وحسب وجهة نظري المتواضعة ومن خلال متابعتي للدكتور أحمد الطيب منذ زمان طويل سواء من خلال ظهوره على شاشات التلفزيون عندما كان مفتيا للديار المصرية أو بعدها ؛ فيمكن القول أن هذا الشيخ حديدي الإرادة وله قدرة سفينة الصحراء ومراكب الصعيد النيلية في حمل الأثقال والصبر والخروج من مناطق الخطر وبؤر الحرج السلطانية المحدقة عادة بالمشيخة والفقهاء وبما لديه من علم واسع غزير ..... وقد تشهد مشيخة الأزهر في عهده عودة الروح والإحترام والهيبة لها ولما عهد به من حكمة وعدم إنفعال . وكذلك ميله إلى التأني والمراجعة الدقيقة قبل إصدار الفتاوي. ومن ثم ينتظر أن تحجم المشيخة في عهده عن ما تميزت به سابقتها من الخِفـّة والهرولة خلف ركب الحكومة أو ضرب الدفوف وإطلاق البخور والرقص وقرع الصاجات في مقدمة مواكبها عند كل كبيرة وصغيرة.
ولكن من ناحية أخرى فلا يدري أحد ما إذا كانت الحكومة ستظل تضغط على مشيخة الأزهر لإمدادها بوقود الفتاوي التبريرية من عدمه مستغلة تبعية المشيخة لها وخضوعها وفق القوانين واللوائح والسياسات الحكومية الرسمية منذ عام 1961م .
بيد أنه يرجح إن رئاسة الجمهورية المصرية قد إلتفتت إلى طبيعة العلاقة بين الحكومة والمشيخة خلال الفترة الماضية وتردياتها السلبية لجهة إستهلاك الفتاوى إلى درحة ممجوجة لم تجلب المنفعة أو تدرأ الضرر ... وإرتأت وفق ما إجتمع لها على وجه الأرض من ثمر الحد من أو لجم التمادي في هذه العلاقة "العرفية" التي لم تأتي بخير للطرفين . فكان أن جاء إختيارها للدكتور أحمد الطيب على رأس مشيخة الأزهر قناعة منها بأن شخصية الأخير القوية وحزمه وأناته ستهديء من وتيرة اللعبة وتحول إلى حد كبير دون تكرار سابقة المشيخة الإنفعالية المطيباتية المجاملة الكريمة السخية الفتاوي لأجل خاطر عيون الحكومة وحزبها ؛ وعلى عشم بعد ذلك بأن الله غفور رحيم ....
من جهة أخرى فإن هناك أطروحات "وسطية" بديلة لدور الأزهر باتت تلح بشدة لدرء المزيد من التدهور وعدم المصداقية التي شابت أداء وسمعة مشيخة الأزهر ، التي لا يشك أحد أو يختلف إثنان بأنها ولاسيما في عهد الراحل محمد سيد طنطاوي قد أصبحت مطية للحكومة المصرية والأمريكية . بل وذهبت إلى أبعد مما هو مطلوب منها وباتت فتاويها في السنوات الأخيرة أغرب ما تكون عن الإسلام وأقرب ما تكون للسلطان حيثما كان وبغض النظر عن جنسه ولونه ورائحته أو طعمه ....

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : من يقبض بتلابيب من في هذه الظاهرة المثيرة للجدل في العلاقة بين الأزهر والحكومة والسلطان ؟؟....... وحيث يجدر بالذكر أن مصطلح السلطان بشمل في طياته كل مراكز قوى ونفوذ سياسية وعسكرية ومالية في الداخل .... أو مصالح خارجية تحرص عليها الولايات المتحدة و فرنسا وإسرائيل وكذلك المارينز والمحافظين الجدد والبنوك والشركات المتعددة الجنسية في علاقتها بالعالمين العربي والإسلامي خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر...... ثم الأحلام التي كان ينام على وسادتها البعض من فقراء البحر الأبيض المتوسط فيما يتعلق بثمار "الإتحاد من أجل المتوسط" الذي إتضح فيما بعد أنه لم يكن سوى تخدير موضعي لغرض تمرير العديد من سياسات الصهاينة والمحافظين الجدد في منطقة الشرق الأوسط وآسيا.

 

فهل السلطان هو وحده الذي يحرص للسيطرة على الأزهر وإستغلاله لمصلحته ؟ .... أم أن مشيخة الأزهر هي التي باتت تسعى من تلقاء نفسها لإرضاء كل من تعتقد أنهم حكومة أو أصحاب وعشاق وحلفاء ومضاجعون للحكومة؟
الإجابة على هذا الأسئلة تحتمل أكثر من جانب .....
ولكن الذي يجب أن يكون واضحا في الأذهان أن مشيخة الأزهر إبتداء هي وظيفة حكومية عامة وفق التوصيف الذي لحق بها ........ وللوظيفة العامة في الدولة شروطا عدة أهمها وعلى رأسها التبعية للحكومة وبإعتبارها جزء من النظام الرسمي. ومن ثم يكون شاغلها موظفا في خدمة الحكومة ويدين لها بالطاعة والولاء الكاملين ووووو بوصف المشيخة عامل والسلطان رب العمل ...... وهو ما يفهم منه ظاهرة تكريس الفتوى لمصلحة السلطان أو الحكومة وليس لمصلحة الإسلام في المقام الأول لأن الإسلام هنا لا يقوم بالتعيين ودفع الرواتب وتحديد الإمتيازات المالية والعينية أوالفصل من العمل ..... وحيث لا مناص من القول بأن الحياة الدنيا لدى معظمنا باتت الماثلة والآخرة هي الغائبة .... وعلى هذا النسق في العلاقة فإنه ما اجتمع الفقيه والسلطان في مركب واحد إلا وكان الشيطان ثالثهما .....
والبديهي أنه وخلال الحروب والغزو والإحتلال وكذلك في حالة الأنظمة الشمولية والأزمات الإقتصادية والإختناق السياسي والطواري ؛ فعادة ما تكون مصلحة السلطان في وادي وشرائع الدين في وادي آخر..... وأن المطلوب أولا وأخيراً أن يتحايل المفتي فيفتي بما يرضي السلطان ويحول دون إغضابه أو إحراجه.
...................

والتاريخ المعاصر يرصد أن الحكومة باتت ومنذ إتخاذ الرئيس الراحل أنور السادات قراره بزيارة إسرائيل وعرض السلام معها داخل الكنيست .... باتت الحكومة تطلب الكثير من الأزهر في شكل فتاوي وبطاقات تفويض إلهي لها أو حرمان كنسي لمعارضيها ؛ وبهدف تمرير العديد من مواقفها الخارجة عن الخط العام في مجال السياسة الخارجية المبنية على التحالف مع الغرب وقواعد التطبيع مع إسرائيل ، سواء تلك التي فرضتها بنود إتفاقات كامب ديفيد أو تلك التي فرضها الغير على سياساتها جراء التدهور الاقتصادي الذي تواجهه. وحاجتها إلى المعونات الخارجية لتوفير الخبز لشعبها.
ولوحظ كذلك أن فتاوى الأزهر خلال عهد الراحل محمد سيد طنطاوي مالت نحو "التبرير" أكثر من إلتزامها بثوابت العقيدة الإسلامية ..... وإمتد هذا التبرير الفقهي ليشمل ثوابت أساسية منها على سبيل المثال موقف مشيخة الأزهر تجاه قرار الحكومة الفرنسية على عهد جاك شيراك بمنع إرتداء المرأة للحجاب في المدارس والمعاهد التعليمية والإدارات الحكومية .....

جاء موقف المشيخة مثيرا للإستغراب لسبب أنه تجافى وتنافر مع ثوابت من قبيل أن الإسلام صالح للتطبيق في كل زمان ومكان ..... وقد برر محمد سيد طنطاوي موقفه ذاك بأنه لو أمر المرأة المسلمة في فرنسا على الإلتزام بإراتداء الحجاب لكان في ذلك تحريض لها على مخالفة الأنظمة الفرنسية . وأن الإسلام يأمر بدفع الضرر ......
حسنا فليكن الأمر والتبرير كما يريد محمد سيد الطنطاوي وبطانته في مشيخة الأزهر ...... ولكن من قال لمشيخة الأزهر أن كل المسلمات مرتديات الحجاب في فرنسا أجنبيات لا يتمتعن بالجنسية الفرنسية . أو بما يعني أن عدم خنوعهن يعني طردهن من فرنسا؟
كان بإمكان الأزهر على سبيل المثال أن يرفض الزج بإسمه لإستغلاله في مثل هذا الأمر وبما يحفظ للإسلام كرامته وهيبته في نفوس أهله قبل أعدائه من العلمانيين واليمين الفرنسي والغرب.....
أو كان لمشيخة الأزهر أن تطلب إحالة الأمر إلى هيئة إسلامية عامة تمثل كافة المسلمين لا أن تقتصر عليها وحدها . خاصة وأنه كان في مثل هذه الأمر فسحة كافية من الوقت وأن سنابك خيول "لويس التاسع" ليست على أبواب المنصورة حتى تستعجل الفتوى وتتسرع.
أو كان يجدر بالأزهر أن يفتي بأن الحجاب حق للمرأة في الإعلان عن عفتها وستر عورات جسدها وليس قيدا عليها مسلمة كانت أو غير مسلمة ..... وبالتالي فلها أن تمارس هذا الحق وفق ما تشاء وحيثما تشاء دون حجر أو وصاية من أحد . وأن لها الحق في اللجوء إلى القضاء الفرنسي على سبيل المثال للفصل بينها وبين اليمين الفرنسي المتغطرس ، خاصة وأن فرنسا ووفق ما تدعي دولة علمانية ترفض الجمع بين الدين والدولة .... وبالتالي فلا يوجد مبرر لساركوزي اليميني ممثل العلمانيين الجدد لأن يسخر من نفسه وتوجهاته هنا وينقلب على عقبيه ليطلب فتوى سماوية من مشيخة دينية ...... إنها بالفعل أم المساخر العلمانية التي باتت تمارسها فرنسا في التاريخ المعاصر....
ولكن مشيخة الأزهر لم تلتفت إلى كل هذه البدائل المطروحة فهرولت كدأبها دون إبطاء أو تفكير للإرتماء في أحضان ساركوزي وزير الداخلية الفرنسي آنذاك ، ومؤازرته بكل ما أوتيت من قوة ......
ويبدو أنه كان لسيد طنطاوي وقتها حسابات أخرى . منها على سبيل المثال موقف الحكومة المصرية من جماعة الأخوان المسلمين في داخل مصر ..... وموقف الإدارة الأمريكية تجاه الإسلام وتبنيها لما أثير وقتها من الدعوة لصراع الحضارات .... هذا بالإضافة إلى أن للأزهر طلابا مبتعثين في الجامعات الفرنسية والغربية والأمريكية للتحضير في مجال الماجستير والدكتوراة على نفقة هذه الحكومات ...... وما كان مأمولاً من ثمرات "الإتحاد من أجل المتوسط" الإقتصادية.

إذن ومن واقع هذا المثال ومثله الكثير من الأمثلة ..... يتضح لنا أن الأزهر كان واقعا خلال عهد سيد طنطاوي تحت تأثير السلطان حيثما كان ، سواء في الأليزيه أو البيت الأبيض و 10 داوننغ إستريت أو حتى تل ابيب والفاتيكان وكانتربري ........ وليست فتوى الجدار العازل المحاصر لشعب فلسطين في غزة ببعيدة عن الأذهان ؛ كونها أتت مفصلة لمصلحة الصهاينة على المقاس المطلوب وأفضل.
ووفقا لما تم طرحه كغيض من فيض تتضح لنا مدى الهوة التي باتت بين مشيخة الأزهر والإسلام وعامة المسلمين ومدى الصعوبة التي سيواجهها الدكتور أحمد الطيب إذا حاول "جادا" كبح جماح جواد الأزهر والعودة به إلى جادة الطريق .

ما هو المطلوب الآن؟

هناك عديد من الأفكار لكنها ليست كلها قابلة للتطبيق وفقا لحقيقة أن مشيخة الأزهر باتت كما ذكرنا آنفا "وظيفة حكومية" يسري عليها كل ما يسري على الوظيفة والمنصب الحكومي العام من قوانين ولوائح وإلتزامات وضرورة لزوم السمع والطاعة لصاحب العمل وبـرّ الخادم بسيّده المخدوم ......
ووفقا لهذه الحقيقة فليس المطلوب من الأزهر الشريف الصدام مع الحكومة والجهر لها بالعداء والمعارضة لسياساتها ...... ولكن في المقابل فلربما كان على الحكومة أن تنأى بالأزهر عن الفتاوى السياسية التبريرية ، والتي أصبحت شبيهة بمواقف كنائس الإقطاعيات والقلاع العسكرية لمصلحة الأمراء وملوك الطوائف وفرسان العصور الوسطى .......
إن على الحكومة أن تدرك أنها وحين تلجأ للفقيه بطلب إصدار فتوى تبريرية لموقف أو قرار ما ؛ فإنها بذلك تفتح الباب أمام مطالب شعبية أو للمعارضة بضرورة إصدار فتاوى صريحة واضحة "في الإتجاه المعاكس" تجاه مسائل وممارسات أخرى سائدة تحت ظل حماية القانون ومنها المراقص والخمور والتعذيب والإنتخابات وحتى نظام الحكم .... إلخ من محرجات . وحيث لا يجوز للحاكم أو المحكوم والفقيه على حد سواء أن يختار من الشرع والدين ما يحلو له ويساير هواه . ويتجاهل أو يتغافل عن الباقي...... وما شاق أو صارع الدين السماوي أحد إلا غلبه ... وبالتالي فإما أن نأخذه سياسيا جميعه أو نتركه جميعه.
وبوجه عام فإن على الحكومة أن تعمد إلى تمرير قراراتها عبر الأجهزة السياسية التشريعية والدستورية المنوطة بذلك وهي مجلسي الشعب والشورى . وكذلك طرح وجهة نظرها إلى شعبها عبر أجهزتها الإعلامية وإقناعه بالعقل والمنطق ؛ دون حاجة إلى توريط وإقحام الفقيه وإستهلاكه في مثل هذه الأمور الشكلية . وبحيث يتفرغ الأزهر هنا لأداء رسالته الأساسية وهي خدمة الإسلام والمسلمين في غرس وتعليمهم أمور دينهم وعقيدتهم وبما ينفعهم في حياتهم وأخراهم مثلما كان عليه الأمر قبل عام 1961م.
ومن جهة أخرى فإن على المعارضة السياسية أيضا الإلتزام بهذا المبدأ تجاه الأزهر وإبعاده عن الحرج ولزوم ما لا يلزم في علاقته بالدولة .... خاصة وأنه لوحظ خلال فترات وأخرى محاولة الأخوان المسلمين على سبيل المثال الدفع بكوادرها الطلابية لتسييس الحرم الجامعي الأزهري لتخلق منه بؤرة ونقطة تجمع للصدام مع الحكومة .... أو توجه الأخوان المسلمين للإحتشاد والتظاهر من داخل الجامع الأزهر عقب كل صلاة جمعة لإستكمال تزيين وجوههم بالمكياج الديني ، أوكأنّ الأزهر هو رواق تنظيم الإخوان السياسي وحدهم دون سواهم من مسلمين ..... وهذا الذي جعل الأزهر في نهاية المطاف ضحية من ضحايا السياسة ومحل شد وجذب وتمزق بين المعارضة والحكومة ...

المفارقة بين الجائز والممنوع:

ربما أكثر ما ظل يواجه مشيخة الأزهر خلال فترة الراحل محمد سيد طنطاوي من معضلات هو توريط الحكومة المصرية وجهات ثالثة أجنبية لهذه المشيخة ، ودفعها قسرا أو طواعية لإصدار فتاوي في جوانب تعطي الإنطباع والإيحاء بأن الدولة المصرية تمارس ضمنا سياسة الخلط بين الدين والدولة كلما كانت مصلحة الحكومة ماثلة أو حتى مصلحة وزارة الداخلية الفرنسية وأمن إسرائيل وتوجهات المحافظين الجدد خلال عهد بوش الإبن ..... وهنا تكمن المشكلة . وحيث بات الحال وفقا لذلك وكأن هناك عهر وإستغلال ديني وفقهي يرخي بسدوله على الموقف ...... ومن ذلك على سبيل المثال وإذا كانت المشيخة تفتي بالدين في أمور متعلقة بالسياسة فمن باب أولى أن تفتي بالدين في أمور تتعلق بصلب العقيدة والأوامر والنواهي المنزل بها نص قرآني صريح لا يحتمل التبرير أو التأويل كالمراقص والكباريهات وصنع وإستيراد وبيع وتوزيع الخمور .. وهلم جرا مما لا يعد ولا يحصى من مخالفات صريحة للشرع والعقيدة الإسلامية تتهرب مشيخة الأزهر عمدا عن الإفتاء فيها ولو من باب الخروج من المسئولية أمام الله عز وجل ودفع الحرج أمام رسوله صلى الله عليه وسلم يوم الموقف العظيم وأمام الحوض المورود.
وطالما كان الأمر كذلك ؛ فلماذا إذن لا تلملم مشيخة الأزهر أطرافها وتنأى بنفسها عن الإفتاء في أمور ليست منوطة وفق الدستور بالفصل فيها ؟ ناهيك عن أنها تجعلها عرضة للمقارنة في المواقف بين هذا وذاك وبما يفقدها هيبتها ومصداقيتها أن لم تكن قد فقدتها بالفعل ....
وكمثال وبدلا من إثارة مشاعر المسلمين في فتوى إقامة الجدار المصري المحاصر لأبناء فلسطين في غزة . كان بإمكان مشيخة الأزهر أن تقترح داخل الأروقة السرية وبأسلوب منطقي لا يغضب الحكومة بأن هناك صلاحيات دستورية وتنفيذية يمكن للحكومة الإتكاء عليها دون الحاجة إلى دعوة مشيخة الأزهر إصدار فتوى وبما لايؤدي إلى إثارة حساسية دينية في مثل هذا القرار الذي لا يمكن أن يلقى قبولا أو تبريرا دينيا على هذا النحو الذي صدرت به الفتوى المغلوطة عديمة المنطق ناهيك عن مخالفتها الواضحة لحقوق المسلم تجاه أخيه المسلم .
وربما لو بررت الحكومة المصرية إتخاذها قرار الموافقة على بناء الجدار وفق ما ترى أنه قرار سياسي يحقق لمصر مصلحتها وأمنها والسلام .. لربما صمت ثلاثة أرباع الذين أهاجهم وجرحت فتوى مشيخة الأزهر مشاعرهم الدينية وإحترامهم لدينهم وعقولهم...... ولكان الربع الباقي قد إكتفى بضرب كف على كف وردد أن السياسة فتاة لعوب وأن الغاية تبرر الوسيلة....... وكما قال الدكتور يوسف القرضاوي : فإن هناك فرق كبير بين النظر إلى موقف ما بعيون الدين وبين النظر إليه بعيون الدنيا.
ولأجل كل أو بعض من ذلك فيا حبذا لو تركت مشيخة الأزهر "اللغو" و "تلويث يديها" في ميكافئيلية السياسة ، وإلتفتت إلى نشر علوم الدين وتدريسه وإلى ما يصلح المسلمين في دينهم وعقيدتهم من أمور شرعية بعيدا عن الصدام مع الشعـب والمسلمين والإسلام جراء محاولتها مسايرة الدولة وإظهار "الإمتنان" بالتعيين والترقيات والمكافآت والإمتيازات والبدلات وبمناسبة ودون مناسبة وسواء طلب منها ذلك أو لم يطلب ....... ومن المؤسف أن يسارع بعض المشايخ للتبرع بالفتوى مجاراة لكل قرار سياسي دون أن يطلب منه ، ظنا منه أنه بذلك يرضي السلطان ويحوز المزيد من المكانة العلية وبما يثبت مجلسه فوق كرسيه وإلى أن يخلعه عنه عزرائيل......
ومن جهة أخرى فخير للحكومة أن تمارس عملها وفق قناعة بصواب قراراتها . ثم بإمكانها توجيه إعلامها (الذي تنفق عليه وزنه ذهبا) إلى شرح وتبرير وتسويق وبيان وتبيين الحكمة من هذه القرارات بأسلوب تحليلي متخم بالمنطق وإحترام عقل وتفكير الغير في دولة ينتشر فيها العلماء ويتفشى العلم ومناهله . ويكاد يكون بين كل معهد تعليمي وآخر معهد تعليمي ثالث ، وبين كل مسجد ومسجد مسجد آخر ..... وحيث أنه ومما لا شك فيه أن ما يتقبله الشعب ويتفهم دوافعه من السياسي والوزير ومجلس الشعب قد لا يتقبله أو يتفهم دوافعه إذا صدر من لسان أو مكتوب شيخ الدين.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات