مواضيع اليوم

ما هو المطلوب من الإنسان العربي اليوم

نزار يوسف

2009-03-30 19:40:50

0

ما هو المطلوب من الإنسان العربي اليوم ؟؟؟ هناك طريقين أضحى على الإنسان العربي أن يختار أحدهما ... الأول هو التحلل من أية قيم و فضيلة و إتباع الخلاعة و الانحلال و ترك كل قيم العقل و المنطق و الأخلاق و نبذها وراء ظهره . و إتباع التحرر بوجهه الآخر الذي يبيح له فعل أي شيء كائناً ما كان هذا الشيء ، بدون عقلانية أو تدبر و تبصر ... ما يسمى بديمقراطية الخروج على النظام و القانون ، مهما كان و مهما احتوى من خير و فضيلة للمجتمع الذي هو فيه و اعتباره جائر و خاطئ بالمطلق و لأي تصرف أو فعل قد لا يناسب مزاجه و أهواءه .. و باسم الحرية و التحرر يتم إلهائه عن طريق العلم الحقيقي المتمثل بالتقنيات و التطبيقات و التكنولوجية التي تخدمه و تخدم مجتمعه و وطنه و قبول كل مساوئ الحضارات الأخرى باستثناء إيجابياتها ، من خلال ما يطالعه في المجلات السخيفة العقيمة التي أضحت الآن تملأ واجهات المكاتب و تدعي بكل سخرية و صفاقة و وقاحة لافتة للنظر ، تبنيها للثقافة و الفكر بينما هي عبارة عن مجلات أزياء و عطورات و خلطات للجمال و التجميل ( تغطية القبيح بأقبح ) و سيارات و موبايلات و مطربين و مطربات مع قصص حياتهم و مشاكلهم العاطفية و علاقتهم بالمخرج الفلاني أو شركة الإنتاج الفلاني لتختتم بالنهاية بالأبراج أو بظاهرة فريدة من مظاهر الاستجحاش و الاستغباء للإنسان العربي ألا و هي ظاهرة المنجم أو المتنبئ بما سيقع من أحداث سياسية و طبيعية و اجتماعية و غيرها أي باختصار ، أخصائي بعلم الغيب . و اللافت في هذه الظاهرة العجائبية الفريدة من نوعها ، هو الثيم أو الستايل أو الشاسيه لهذا الشخص ، فهو ليس إنسان معمر كما في السابق .. أشيب طالت لحيته و تدلت شبرين ، مع شكل غريب ليعطي الانطباع ( باعتبار أننا شعب يكره المضمون و تنخر فيه المظاهر إلى نقي العظم المخصب و المحرم دولياً ) بأنه قد مرد على هذا العلم علم الغيب و نافس فيه ( استغفر الله العلي العظيم .. سامحني يا ربي .. شر البلية ما يضحك ) . بل هو شاب مودرن ببدلة سموكن شكله غالباً مراهق أو فرخ يعني فريخ أو زيغة أو قرقة (رضيع الدجاج حيث أن الدجاج قد أصبح من الثدييات في هذا الزمن المقلوب ) علماً أن الكبار أو الحرّيفون منهم يقال أنهم على صلة بأجهزة استخبارات قوية لديها أجندة موضوعة سلفاً لأحداث سياسية فتعطيهم هذه المعلومات من منطلق هو بنظرنا عبارة عن تهيئة الجمهور الغافل الذي ليس له إلا الله ، لما سيحدث ، فتكون الصدمة خفيفة الوطئ ، تماماً كما هو المبدأ الميكانيكي للمخمدات و مانعات الصدمات ( يلاحظ الآن أن المجلات الفكرية و العلمية و الثقافية الحقيقية قد بدأت تختفي من الواجهات ) . ذلك كله يضاف إلى ما يتلقاه هذا الإنسان الفقير المسكين في القنوات الفضائية من مواضيع و برامج عقيمة لا تنفع و لا تضر بل و تضر ... برامج تقدم له العري ملفوفاً برداء الفن و الأدب و تدرج الانحلال و التفلت من أية ضوابط شرعية أو اجتماعية أو عرفية بل و حتى ثقافية تحت ستار الحرية و التطوير أما البرامج العلمية و التقنية و المواضيع الفكرية الجدية التي تتناول قضايا هامة تمس صميم محن و مشاكل الإنسان العربي ، فنادراً ما تجد لها سبيلاً إلى مجلات و قنوات هؤلاء بل لا تظهر أصلاً . يسوقونه من فساد إلى فساد و من خواء و فراغ إلى خواء و فراغ . في عملية تجهيل مبرمجة و واضحة إلا على من هو شر من الأنعام و أضل منها سبيلاً ، من فصيلة الصم البكم الذين لا يعقلون . هذا هو الإنسان الذي يريد أن يخلفه لنا هؤلاء .
أما الطريق الثاني فهو نبذ أي شيء لا يتوافق مع آراء و عقائد فقهية معينة و بقاؤه في دائرة مغلقة ... متوافقة مع مفهوم الكهنوت في القرون الوسطى . فالمسلم اليوم أضحى على قارعة مفترقين .. إما التحلل و الغناء و الرقص و الطرب و عرض الأزياء و العطورات و مسابقة أفضل مطرب و آخر أخبار الديوتو و عروض السيارات و إما التعصب الأعمى و التحريم بأشكاله و أنواعه كافة مترافقاً مع التكفير غالباً .. تحريم التلفاز تحريم قص الشعر تحريم الأكل بالشوكة السكين تحريم القبعات تحريم ظهور أكثر من عين واحدة للمرأة القتل لمجرد الاختلاف في الرأي . و الخضوع لمفاهيم بدعية تكفيرية لا يستطيع التخلص و وصل إلى مرحلة العشق و الهيام بها . و لا يجوز له التفكير بغيرها . مفاهيم صار عمرها فوق الألف من السنين و صار في اعتقاده أن علوم الدنيا النافعة و الصحيحة هي فقط علوم الدين و علوم الحديث و دراسة السند و متون الأحاديث التي أعطيت لها الأولوية و الأفضلية على القرآن الكريم فأضحت بمثابة جواز مرور إلى القرآن الكريم لا يقرا إلا من خلالها، أما علوم الدنيا الأخرى النافعة له و لحياته و لمجتمعه الإسلامي ، فهو قد استقر في داخل دماغه المغسول بمسحوق ( 3 في 1 مع الأنزيمات الذكية الفعالة ) أن الجهل بها لا يضر . مع ما يضاف إلى ذلك كله من برامج الحظ و التنبؤ و العلاج الروحاني عبر الأثير و عبر الأقمار الصناعية و شفاء حالات مستعصية تماماً كما يفعل أطباء الغرب المتحضر عندما يديرون عملية جراحية عبر الأقمار الصناعية ، حيث أصبح لدينا جراحين روحانيين يشفون الناس بالأدعية . أو حصره ضمن أتون طائفي و مذهبي بشع جداً يكفر فيه كل ما عداه من بقية خلق الله ، كلهم كافر و مارق و مبتدع و مرتد و خارج من ربقة الدين .. إلا هو .. هو فقط وحده الجالس على عمود الدين الذي لا يتسع لاثنين . واقفاً على باب الجنة ، فاتحاً باب التوبة للناس لكي يعودوا إلى ما يراه هو وحده فقط لا غير ، دين الحق . فيساق الإنسان من جهل إلى جهل و من تعقيد إلى تعقيد ... لنخرج بإنسان فارغ بعينين جاحظتين و تقاطيع مكفهرة عبوسة و نظرة سلبية إلى كل شيء و أي شيء .... أي شيء عنده يدخل من باب الحرام و يؤدي إلى التهلكة و عذاب الحريق .
أما أراد هذا الإنسان اختيار الطريق المعتدل ( من مبدأ خير الأمور أوسطها ) و الذي يتبناه الدين الحقيقي الصحيح بحيث يأخذ من مفاهيم الحياة الحديثة ما لا يتعارض مع شريعته و عقيدته الأصيلة السمحاء التي جيء بها بيضاء نقية ، و التي بمثل ما حرمت عليه ، حللت له من طيبات الدنيا و زينتها و علومها الدنيوية و بنفس الوقت يكون ملتزم على الأقل بأدنى حدود شريعته و الأخلاقيات العامة ... فإنه معرض من قبل الفريق الأول إلى الاتهام بالتخلف و الجمود و التحجر.. و من قبل الفريق الثاني إلى الاتهام بالتحلل و الفساد و الكفر الصريح بكل أبعاده و مدلولاته . لقد أصبح الإنسان العربي اليوم تائهاً بين شخص يقول له أن الدين هو أفيون الشعوب و هو العمل الأساسي في تخلفها و أن القيود و الضوابط الأخلاقية تخلف و قمع للحريات ، و بين شخص يقول له أن كل أحاديث العقل و العياذ بالله هي أحاديث موضوعة و ضعيفة و قد ضعفها الشيخ فلان في الكتاب الفلاني . أما الشيخ فلان رحمه أو حفظه الله لم يجد لها سند صحيح و أحد رواتها كذاب أو منقولة من دروس الشيخ فلان . و الأفضل لك يا أخي في الله أن تبقى بلا عقل عملاً بالسنة الشريفة . اللهم إنا نعوذ بك من العقل و من شر العقل .
لقد أضحى التطرف بشقيه الآن و بكل معاييره و دلالاته هو المطلوب ، أما الاعتدال العقلي الأخلاقي السليم فما مطلوب منه إلا الرأس فقط .
نزار يوسف




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !