كتبنا من قبل وعلي صفحات إيلاف مقال بعنوان "نهايه الثوره البرتقاليه" علي "الرابط" بتاريخ 101 2009 أوضحنا فيه الظروف والملابسات التي أدت الي وصول "فيكتور يوشنكو" الي رئاسه أوكرانيا وتنبأنا بسرعه سقوطه المدوي بعد إعتماده التام علي ال "سي آي أيه" وتدثره بالغطاء الأمريكي للوصول الي السلطه ثم إستشراء الفساد في ربوع البلد وعدم القيام بأي إصلاحات إقتصاديه ..
ففي الفتره التي تولي فيها يوشنكو الحكم كانت هناك خطه وضعتها ال "سي آي إيه" مفادها تكوين جدار عازل حول روسيا الواعده يمنعها عن التوسع أو محاوله إحياء الاتحاد السوفييتي السابق ثم يضاف اليه حائط الصواريخ في بولندا وتشيكيا وبالتالي تواجدت أصابع ال سي آي إيه في أوكرانيا وبيلاروسيا وملدوفا وليتوانيا ولاتفيا وجورجيا وكازاخستان والتي ترتبط جميعها بحدود مشتركه مع روسيا ولكن روسيا فطنت لهذا المخطط وسارعت بإحتواء كل هذه الدول ما عدا جورجيا واوكرانيا وحدث ما حدث في جورجيا منذ فتره وجيزه ..
أما أوكرانيا ففي يوم الأحد الماضي جرت الإنتخابات الرئاسيه في أوكرانيا والتي تقدم اليها 18 مرشح وهي إنتخابات حره نزيهه تحت أعين الاتحاد الأوروبي ولم يكن سقوط الرئيس فيكتور يوشنكو المُدوي مفاجأه لأحد علي الإطلاق فهو من حملته الجماهير الاوكرانيه الي كرسي الرئاسه في ثوره غير مسبوقه إتخذت "اللون البرتقالي" شعارا لها ولم تترك تلك الجماهير الشوارع الا بعد أن حلف يوشنكو اليمين الدستوريه .. وهي نفسها تلك الجماهير التي أدارت ظهرها يوم الأحد الماضي ليوشنكو ..
وكما جائت التوقعات ولكن بحدوث بعض التغيرات فكان إسم "يوليا تيموشنكو" رئيسه الوزراء الحاليه يتصدر التوقعات لكن في الفتره التي سبقت التصويت هاجمت المرشح "فيكتور يانكوفيتش" -والذي كان قد أعلن نجاحه في الانتخابات الماضيه والتي إتُهم بتزويرها وقامت علي إثر ذلك الثوره البرتقاليه - هجوما فيه كثير من التعالي أفقدها الكثير ورفع من أسهم يانكوفيتش والذي حصل علي حوالي ال 37 بالمائه من الأصوات بينما حصلت تيموشنكو علي 24 بالمائه من الأصوات وبالتالي سوف تكون هناك إعاده للإنتخابات في السابع من فبراير القادم بين يانكوفيتش وتيموشنكو ..
واللافت للنظر في هذه الإنتخابات هو يانكوفيتش والذي كان رئيس وزراء في السابق والذي إنقلب عليه الشعب في الإنتخابات السابقه ولم يمكنه من الجلوس علي كرسي الحكم في ثوره شعبيه عارمه .. يحصل اليوم علي أعلي نسبه من أصوات هذا الشعب !!
ربما يعود هذا الي الأسباب الآتيه :
النهج البرتقالي كما يسمونه أثبت فشلا زريعا فالشعوب لم تعد بحاجه الي أحلام تدغدغ مشاعرها ولكن الي واقع معيشي ملموس فالنهج البرتقالي عمل طوال سنوات علي تأجيج وتكريس مشاعر الكراهيه لكل ما هو روسي حتي أصبح مجرد إسم روسيا يثير غضب الكثيرين داخل أوكرانيا .. وعلي الجانب الآخر إعتمد النهج البرتقالي علي التدخل الامريكي السافر آنذاك في كل المنطقه وبالتالي دغدغ مشاعر المواطن الأوكراني بأحلام الناتو والاتحاد الاوروبي والبنك الدولي واليورو والدولار ولكن جائت الأزمه الإقتصاديه بالإضافه الي التقارب الامريكي الروسي "أوباما – ميدفيدف" لتقلص أمريكا دعمها الاقتصادي الذي كان مرتقبا لاوكرانيا وتمر بالمواطن الأوكراني شتاءات قارصه خاصه بعد أن بدأت روسيا تضغط علي أوكرانيا المارقه عن الأخوه والجوار ووحده المصير ومع كل هذا لم يصبح أي نشاط مربح في أوكرانيا اليوم سوي السياحه الجنسيه وهو ما يرفضه المواطن الأوكراني شكلا وموضوعا ولكن لا يستطيع حياله شيئا ..
وبالتالي فالناخب الأوكراني فكر مليا قبل أن يذهب الي صناديق الاقتراع .. فماذا وجد ؟
"يانكوفيتش" .. يري أنه لابد أولا من حل الخلافات العالقه مع موسكو ومنح اللغه الروسيه صفه رسميه في التعامل ليحصل علي الجزره الروسيه بدلا من العصا التي أثقلت كاهل أوكرانيا في الشتاء القارس بالاضافه الي وجود علاقات متوازنه مع الغرب ..
"تيموشنكو" .. وهي ذات ميول غربيه نوعا ما ولكن تصريحاتها بخصوص القوات الأجنبيه المرابطه علي أراضي بلادها "تعني الاسطول الروسي في البحر الأسود" أوجدت نوع من التوجس منها وحتي بعدما عادت وطالبت بعلاقات طيبه مع روسيا ..
وهما أكثر إثنين حصلا علي أصوات في الجوله الأولي ودخلا الإعاده ولكن الجوله الثانيه تتطلب توسيع دائره الأصوات من الأصوات التي حصل عليها المرشحون الآخرون وعدم فقد أصوات سبق الحصول عليها ..
"يانكوفيتش" يلعب علي وتر "الناس بحاجه الي التغيير" وهو يعرف تماما أن هذا مطلب شعبي قوي كما أنه يريد حال فوزه أن يجري محادثات جديده مع روسيا والتي هو محسوب عليها بخصوص صادرات الغاز الروسي الي أوكرانيا وهي أول "جزره" روسيه فمشكله الغاز الروسي طوال السنوات الخمس الماضيه كانت المؤرق الأول للشعب الأوكراني الذي يتجمد بدون هذا الغاز ..
فهل يختار الأوكرانيون الحضن الروسي ليعودوا اليه ثانيه بالرغم من مشاعر الكراهيه لروسيا المتفشيه بينهم الآن أم يختاروا حضن الإتحاد الأوروبي لينضموا اليه بعد الكثير من الإجراءات والشروط التي تتطلبها تلك الوحده والتي يصعب عليهم تحقيقها أما أمريكا فقد فهم الأوكرانيون تماما أن أمريكا دائما ما يتوجب عليها التضحيه وأنهم كانوا ثاني الأضاحي الأمريكيه بعد جورجيا ..
ليتبقي في النهايه سؤال .. أي لون سيكون في المرحله المقبله بعد أن فقد اللون البرتقالي بريقه في أوكرانيا ؟
الإجابه يوم 72 القادم يحددها المواطن الاوكراني ..
مجدي المصري
التعليقات (0)