بداية ، ينبغي التأكيد على أن المغاربة متشبعون بالإسلام كدين الله العظيم، الذي سيظل إلى قيام الساعة منتشرا بالمغرب وبالعالم العربي والإسلامي والعالم. وإن المغاربة ليطمحون إلى تطبيق شريعة الله ببلدهم المبنية على أسس العدل والإنسانية والمساواة أمام القانون ، وحقوق الإنسان المحترمة لتعاليم الإسلام ، ونبذ كل القيم التي من شأنها محاولة زعزعة تدين المغاربة وإسلامهم الراسخ.
وبما أن المغرب يعيش هذه الأيام دينامية سياسية واجتماعية من اجل إصلاح دستوري منتظر قد وضع له الخطاب الملكي ل9 مارس الماضي أسسا ثابتة وركائز بمثابة خارطة طريق سياسية تشاركية بين مختلف الفعاليات السياسية والنقابية والاجتماعية والحقوقية بالبلاد. ويظل أهم أساس يجب احترامه وقد ذكره الخطاب الملكي وهو الإسلام الذي يسبق الملكية ويسبق إمارة المومنين من حيث الأهمية والقداسة.
فالإسلام هو دين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده المومنين أجمعين، أما الملكية أو إمارة المومنين فهي اقل أهمية من الإسلام لأنها متعلقة بالعباد وبشؤونهم الدنيوية، والتساؤل الذي يطرح نفسه بإلحاح هو : ما موقع الإسلام والشريعة الإسلامية في الإصلاح الدستوري المنتظر؟
ينبغي التذكير إلى أن الدستور المغربي ينص في مقدمته أو تصديره على أن :"المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وهي جزء من المغرب العربي الكبير." فهل بحكم الواقع المغرب فعلا دولة إسلامية؟ وهل بحكم الواقع أن اللغة العربية لها مكانتها المستحقة في الإدارة والمجتمع المغربي؟
كما ينص في الفصل السادس على أن :" الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية."
فهل تم احترام هذا الفصل أم لا ؟ بمعنى هل القوانين المدنية والجنائية احترمت هذا الفصل ؟ وهل يتم تطبيقها فعلا في المجتمع ؟
ثانيا ، ما المقصود بالإسلام في الفصل السادس من الدستور المغربي الحالي ، هل هو المشاعر المقدسة والسلوكات الروحية التي تترجم من عبادات مثل الصلاة والصوم والحج الخ فقط؟ أم أن الإسلام يتجاوز العبادات والسلوكات الروحية إلى معاملات بين الناس واحترام القوانين السارية لمنطوق القرآن الكريم؟
وهل القوانين المغربية تحترم منطوق القرآن الكريم؟ والجواب هو لا ، لان مدونة الأسرة مثلا لا تحترم منطوق القرآن الكريم ،ووجود ابناك ربوية و وإنتاج الخمر وبيعه ورواجه بالمتاجر الممتازة لا يحترم منطوق القرآن الكريم ، ومنع اشتغال المغربيات المحجبات في بعض القطاعات الوظيفية مثل الإعلام المرئي (التلفزيون) وكذا في قطاع الخطوط الجوية وغيرها من القطاعات الحيوية بالبلاد لا يحترم منطوق القرآن الكريم الخ.. ووجود كازينوهات القمار لا يحترم منطوق القرآن الكريم وانتشار الرشوة والبيروقراطية لا يحترم منطوق القرآن الكريم ..الخ
والتساؤل الأهم هو هل الإصلاح الدستوري المنتظر سوف يحترم الإسلام فقط كدين روحي للمغاربة أم انه سوف ينص على أن تطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع المغربي؟
لأنني شخصيا اقترح تعديل الفصل السادس من الدستور الحالي إلى ما يلي :" الإسلام دين الدولة ، والشريعة أساسها ، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية." لأنه عند تطبيق الشريعة الإسلامية يمكننا آنذاك القول بان المغرب دولة إسلامية.
من جهة أخرى ،ما دور علماء الدين بالمغرب من الإصلاح الدستوري المنتظر ؟ وللإشارة فان العلماء بالمغرب صنفان صنف رسمي ومتمثل في المجلس العلمي الأعلى وصنف غير رسمي من علماء وفقهاء وباحثين مهتمين بالشؤون الإسلامية، فالصنف الرسمي المتمثل في المجلس العلمي الأعلى قد اصدر قبل أيام بيانا فضفاضا عاما بخصوص الإصلاح الدستوري المرتقب بتعبيره عن: "اعتزاز العلماء وطمأنينتهم لإعلان أمير المؤمنين أن كل الإصلاحات المرتقبة ستأتي متوافقة مع ثوابت الأمة المتعلقة بالدين وإمارة المؤمنين" والملاحظ في هذا البيان أن المجلس العلمي الأعلى الذي يمثل الصنف الرسمي من علماء المغرب كان تركيزه على تزكية إمارة المومنين اكبر من تركيزه على الدعوة لتطبيق شريعة رب المومنين، هؤلاء العلماء الذين من واجبهم الديني والأخلاقي الدعوة لتطبيق الشريعة التي عليها مؤتمنون، ولإنكار المنكر داعون، ولقول الحق صادقون ، وهذا ما لم نسمعه أو نستنتجه من بيانهم.
أما الصنف الثاني وهو العلماء غير الرسميين والباحثين المهتمين بالشؤون الإسلامية بالمغرب، فهم يستغربون كل الاستغراب من عدم ضم اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور بعض علماء الدين،.فهم ما فتئووا ينتقدون صمت العلماء الرسميين اتجاه أولئك الذين لا يترددون في الجرأة على الصحيح الصريح القطعي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما يستغربون ممن يرفضون المقدس الديني الرباني المصدر ويتخذ المواثيق الدولية البشرية مقدسا دينيا جديدا، ويحذرون هؤلاء العلماء غير الرسميين من انزلاق المغرب إلى بلد علماني في قوانينه وواقعه تكون نتيجته المرتقبة أن يطرده الله من رحمته ويقطع عليه غيثه ومطره وخيره ويبليه بالفتن ما ظهر منها وما بطن.
وختاما ، فان لعلماء الدين بالمغرب دور أساسي في تعديل الدستور المنتظر بقولهم الحق ونقدهم لكل مبادرة جريئة تحاول علنا أو ضمنا أن تتجاوز ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه.
محسن الندوي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
التعليقات (0)