ما معنى العودة الى المدونة الدينية؟
اكتشاف البعد الديني في حقل السياسات العراقية مابعد العام 2003، مرتبطاً بالعقائد والاساطير المقدسة في بنية التاريخ السياسي العراقي، فضلاً عن ذلك ظهور المناضل السياسي الاصولي النابذ لقيم الحداثة والمعاصرة والديمقراطية الحامل للمدونة الاسلامية الرمزية.
فالسياق التاريخي العراقي انتج جماعات ثقافية وفكرية فاعلة تتخذ من المدونة الاسلامية الرمزية بنية ايديولوجية، ويعزو المفكر فالح عبدالجبار هذه الظاهرة في ملاحظاته الاولية حول التطور الرأسمالي وبنية الوعي الديني الاسلامي تعبيراً عن احتجاج المنتج الريفي الصغير على التناقضات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لرأسمالية الدولة التابعة في طور تأزمها، حيث ان غياب الشكل العقلاني المنظم للمجتمع هو شرط نشوء البديل الفلاحي بردائه الديني. وهذه الظاهرة بنيوية معقدة في شكلها السياسي. نتيجة عن هجرات ريفية تمركزت حول هوامش المدن وفرضت ثقافتها الاجتماعية في اطار عملية ترييف واسعة منذ ستينيات القرن الماضي. وقد شكلت هذه الجماعات عاملاً سيوسيولوجيا لانتشار التيار الديني. رافق هذه العملية ظهور عالمي لتيارات الاصولية داخل الاديان التوحيد الكبرى كما يرى جيل كيبيل في كتابه (يوم الله).
ان استعادة (الرب) داخل الجهاز الايديولوجي الاصولي هو لب المسألة مما جعل كل الانظمة المعرفية والثقافية والسياسية والقيم الاخلاقية تعيد النظر بمفاهيمها الاساسية لترى مدى قربها او بعدها عن تعاليم (الرب) الاصولي.
وقد شكل الخطاب الاصولي في العراق مابعد العام 2003 قائماً على رؤية ضد العقلانية وضد الميل الى التسامح الديني وقبول الاخر المختلف (سياسياً ام دينياً ام ثقافياً) ورفض للفردية.
هذه الرؤية قائمة على استقالة العقل والانسان في صناعة التاريخ لكون (الدين النقي) يحل للانسان كل مشكلاته ويعطي الحقيقة الكلية المطلقة من دون أي تدخل انساني.
حيث ان الجماعات الاصولية العراقية لا تمتلك ايديولوجية واضحة المعالم يضاف الى ذلك تخلف خطابها السياسي والايديولوجي والحط من الكرامة الانسانية (عبر العمليات الانتحارية، والاغتيالات، التعامل مع الجماعات غير الاسلامية بالعقل الاقصائي وتدمير مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والسعي الى اقامة دولة شمولية استبدادية عبر رفض التعدديات السياسية او الدينية او الفكرية.
وقد تميز خطابها الفكري بجهاز مفاهيمي مألوف وغير مهجن يتسم بالبديهيات والاستخلاصات غير العقلانية وبالواحدية وهو انتاج تزاوج الخطابات الاسلامية الشمولية مع ايديولوجية كليانية سلفية ويستمد قوته وفاعليته من الازمات البنيوية داخل المجتمع العراقي والفراغ الايديولوجي للحركات العلمانية والليبرالية والعقلانية تسعى هذه الخطابات الاصولية الى فرض خطاب ميتافيزيقي في الحقل الثقافي ينزع الى المركزية الكليانية في انتاج القول وبلاغة العنف وهو اداة للهيمنة الايديولوجية والعودة الى المخزونات التاريخية والاستيهامات الذاتية للشعور بالتفوق الدائم.
وقد حقق الخطاب الديني الاصولي انتقالية واسعة الى النسق السياسي العراقي وهذه المسألة مرتبطة بتقنيات الثقافة، حيث ان الثقافة العراقية اتسمت بالنزعات الدينية الدوغماتية بعد طرد الاسلام التنويري من حقل التاريخية العراقية ويكمن خلف هذه الجماعات الاصولية الان ايديولوجية شمولية، شرعية دينية، واساطير وحكايات خرافية.
التعليقات (0)